قضية فلسطينمحمد علي الأتاسي

مروان البرغوثي رئيساً فلسطينياً

محمد علي الأتاسي
قد يبدو غريبا الكتابة الآن، بعد كل الذي حدث ويحدث في غزة، عن أهمية العمل الجدي من أجل ترشيح، ومن ثم انتخاب، القائد الفلسطيني المعتقل في سجون الاحتلال والمحكوم بعدة مؤبدات، مروان البرغوثي رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية خلفا للرئيس المنتهية ولايته محمود عباس. لكن لماذا مروان البرغوثي رئيساً؟
مروان البرغوثي رئيساً، من داخل السجن، لأن في انتخابه على رأس السلطة الوطنية، أقصر الطرق وأسلمها لتأمين الحماية المعنوية له ولزيادة الضغوط على إسرائيل من أجل الإفراج عنه. مروان البرغوثي رئيسا، من داخل السجن، لأن في هذا حفاظاً على الخيارات والثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني أمانة في أيدي من يقاوم من داخل السجون، بدلا من انبطاح وتفريط بعض القيادات في رام الله من جهة، ومراهقة وانتحارية بعض القيادات في غزة من جهة ثانية. مروان البرغوثي رئيساً، من داخل السجن، لا ليفاوض أو يساوم في سبيل حريته الشخصية ولكن ليعمل من أجل حرية شعبه وليحافظ على الثوابت الإستراتيجية التي توافقت عليها غالبية الشعب الفلسطيني، وعبرت عنها وثيقة الأسرى التي نجح البرغوثي ورفاقه في صياغتها من داخل سجون الاحتلال.
مروان البرغوثي رئيساً، من داخل السجن، لا ليمارس القيادة الميدانية المتعذرة عليه أصلا وهو خلف القضبان، ولكن ليوحد شعبه ويقوده، عندما تنضج الظروف ويذعن المحتل، نحو الدولة المستقلة على كامل أراضي الضفة وغزة مع حق تقرير المصير والعودة للاجئين الفلسطينيين. مروان البرغوثي رئيساً، من داخل السجن، لأن القوة الصلفة  بدباباتها وطائراتها يمكنها أن تدمر مدناً بأكملها وتمحو أحياء عن بكرة أبيها وتخطف أرواح الأطفال والنساء، لكن من الصعب عليها أن تنتزع إرادة المقاومة ورفض الاحتلال من شعب يريد الحياة بحرية وكرامة على أرضه، كما لا يمكنها أن تنال من إرادة قيادي سجين قرر الصمود إلى جانب شعبه.
مروان البرغوثي رئيساً، لأن في يده وثيقة الأسرى كبرنامج شامل للإصلاح السياسي ولتنظيم الفعل المقاوم ولتحقيق المصالحة الوطنية. مروان البرغوثي رئيساً من أجل إعادة الحياة للمؤسسات السياسية الفلسطينية وعلى رأسها “منظمة التحرير الفلسطينية”، ومن أجل ترتيب البيت الداخلي وعقد مؤتمرات تنظيمية لمنظمتي “فتح” و”حماس” وإفراز قيادات شابة وبديلة، تكون قادرة على تجاوز المصالح الحزبية الضيقة والابتعاد بالقضية الفلسطينية عن لعبة المحاور الإقليمية المتنافسة وإعادتها إلى المربع الوطني الأول كمشروع تحرر وطني في مواجهة استعمار استيطاني لا يزال يتمتع بتغطية دولية واسعة.
مروان البرغوثي رئيساً، ليس فقط لما يتمتع به من صدقية وشعبية وكاريزما في أوساط الشعب الفلسطيني، لكن لكونه يجمع بشخصه ومواقفه السياسية وصموده في السجن، هذا المزيج الذي لا بد منه بين الفعل المقاوم والمشروع السياسي والصدقية الشخصية. مروان البرغوثي رئيساً، لأنه القيادي الفلسطيني الأبرز الذي يستطيع توحيد شعبه من خلف برنامج وطني واضح، والذي يستطيع مخاطبة العالم، بما فيه من أصدقاء وأعداء، بلغة سياسية يكون قادرا على فهمها.
مروان البرغوثي رئيساً، لأنه لم يسبق للقضية الفلسطينية أن عانت من أزمة في القيادة كما هي تعاني اليوم في ظل تغييب مروان البرغوثي والكثير من رفاقه في غياهب السجون الإسرائيلية. فمن جهة هناك قيادة أبو مازن المترهلة التي لا تتقن إلا فن المفاوضات من أجل المفاوضات، والتي لا تلوح بقبضتها ولا ترفع صوتها ولا تعقد حاجبيها إلا في مواجهة خصومها الفلسطينيين، وهيهات أن تفعل ذلك في حضرة مفاوضيها الإسرائيليين. ومن جهة أخرى هناك القيادات الإسلامية الفلسطينية التي تنادي بالمقاومة من أجل المقاومة من دون امتلاكها لأي مشروع سياسي وطني، اللهم إلا إذا كان القول بأن فلسطين، كل فلسطين، هي عبارة عن وقف إسلامي، هو الحل. هذا ناهيك أن من يريد ويعمل جديا من أجل تحويل مشروع تحرير فلسطين من شعار براق إلى مشروع سياسي واقعي، فما عليه إلا أن يلغي من خطابه السياسي شعاراً كهذا، لأن الجهر به من على المنابر ما هو إلا دليل فاقع على عدم قدرة قائله على تحقيقه. في حين أن من يريد أن يمضي فعلا في هذا الطريق، ويمتلك حقيقة القدرات التي تمكنه من تنفيذ ذلك، فإن ألف باء الحنكة والعقلانية السياسية أن يتكتم على ذلك لا أن ينشره خطابيا على رؤوس الأشهاد. الفاجعة هنا، أنه وفقا لميزان القوى العسكرية الصرفة على أرض الواقع، فإن إسرائيل هي القادرة بقنابلها النووية أن تزيل دولا وشعوبا عربية بأكملها من على الخريطة إذا أتيحت لها الفرصة، مع ذلك لم نسمع يوما أحداً من قادتها يعلنها صراحة، مع أن الكثير منهم يتمنون ذلك في قرارة أنفسهم  بالنسبة للشعب الفلسطيني.
مروان البرغوثي رئيساً، لأن قيادة رام الله سقطت في امتحان العدوان على غزة وانتهت مدة تكليفها الشعبي دستوريا وفشل مشروعها السياسي التفاوضي، ولأن من يطرح نفسه بديلا منها في الجانب الإسلامي لا يملك من الوعي الوطني والثقافة السياسية ما يؤهله للتنطح لهذه المهمة. يكفي في هذا المجال إيراد مثالين اثنين يختصران إلى حد بعيد
المآل الذي آلت إليه القيادات الفلسطينية التي تقود العمل المقاوم اليوم.
فالسيد رمضان شلح الأمين العام لـ”الجهاد الإسلامي” وفي تصريحات لقناة “العالم” الإيرانية في بداية الحرب على غزة، لم يجد أفضل من الإشارة إلى ما سماه امتلاك الفلسطينيين سلاح “الفائض البشري” في مواجهة آلة الموت الإسرائيلية. أن يتلفظ قيادي فلسطيني بعبارة “الفائض البشري” كميزة في بداية معركة غير متكافئة نجح فيها الجانب الفلسطيني في الصمود وذهب ضحيتها في النهاية أكثر من 1200 شهيد فلسطينيي في مقابل 14 إسرائيلياً، فهذا معناه انعدام الوعي والمسؤولية لجهة التخفيف من معاناة أبناء شعبه ولجهة بذل الجهود من أجل التقليل من خسائرهم البشرية في معارك كهذه. المثال الثاني يخص السيد خالد مشعل الذي استرسل في كلمته التلفزيونية غداة توقف العدوان الإسرائيلي وراح في مواساته لأهالي غزة يعطي الأمثلة التاريخية لمدن دمرتها الحرب العالمية الثانية وأعاد أهلها المنتصرون بنائها. في النهاية ذكر السيد خالد مشعل اسم مدينة باريس كواحدة من المدن التي دمرتها الحرب العالمية الثانية وأعاد أهلها بناؤها! المؤسف هنا، أن أي مطلع على التاريخ المبسط للقرن العشرين، يعرف تماما أن باريس لم تقصف ولم تدمر خلال الحرب العالمية الثانية وسلمت مفاتيحها للمحتل النازي من دون مقاومة، كما أعاد الجنرالات الألمان تسليمها لقوات الحلفاء من دون قتال!
مروان البرغوثي رئيساً، لأن الشعب الفلسطيني بحاجة اليوم إلى قيادة جديدة تكون منتخبة ديموقراطيا وتتمتع بالتأييد الشعبي الحقيقي وتكون قادرة على تجاوز محنة الانقسام الوطني الفلسطيني وقيادة العمل الوطني الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. من أجل ذلك من الضروري اليوم أن يتم تشكيل حكومة انتقالية من شخصيات وطنية مستقلة غير منتمية لـ”فتح” أو “حماس”، تحضر لانتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة في غضون فترة زمنية محددة. ولنر بعدها إذا كان هناك من يستطيع أن ينافس مروان البرغوثي على نيل ثقة الناخب الفلسطيني. إن في العودة إلى صناديق الاقتراع خير وسيلة ليس فقط لتحرير مروان البرغوثي ورفاقه ولكن لتحصين القضية الفلسطينية من التجاذبات الإقليمية المدمرة وتمكينها من امتلاك قيادة سياسية تتمتع بمشروعية شعبية وبمشروع سياسي واضح.

(كاتب)
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى