اسرائيلصفحات العالمقضية فلسطين

حظوظ الفشل أكبر

سميح صعب
لم يسبق أن أحيطت جولة مفاوضات فلسطينية – اسرائيلية منذ مؤتمر مدريد بمثل ما احيطت به جولة واشنطن من تشاؤم. لعل ذلك مصدره إدراك كل الاطراف صعوبة التوصل الى حل لصراع يحمل تعقيدات أعمق بكثير مما يظن الساعون الى تسوية.
فالرئيس الاميركي باراك اوباما الباحث عن نصر خارجي قبل الانتخابات النصفية ترك الباب مفتوحاً امام الفشل بتأكيده ان الاخفاق في التوصل الى اتفاق قد يكون مرده الى التقصير في انتهاز الفرصة “التاريخية” التي توفرها معاودة المفاوضات بعد 20 شهراً من التوقف. والرئيس الفلسطيني محمود عباس قال قبل الدخول الى المفاوضات انه مستعد لخوضها ولو كانت نسبة النجاح واحداً في المئة فقط. أما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو فيفاوض بيد ويكتب في اليد الاخرى قرار نسفها من خلال السماح بمعاودة البناء في مستوطنات الضفة الغربية بعد ان تنتهي فترة التجميد الحالية في 26 ايلول الجاري.
إذن، انها مفاوضات تحمل في طياتها اسباباً كثيرة للفشل، فأوباما لن يغامر مجدداً بإغضاب اسرائيل كما فعل في مطلع عهده من خلال إصراره على وقف الاستيطان ريثما تنجلي نتائج مفاوضات الوضع النهائي. كما انه لن يشذ عن الرئيس الاميركي سابقاً بيل كلينتون الذي حمّل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تبعة فشل مفاوضات كمب ديفيد عام 2000، في حين ان رئيس الوزراء الاسرائيلي عامذاك ايهود باراك لم يكن مستعداً للسلام.
ويبدو ان إلقاء اللوم على الفلسطينيين هو أقرب طريق للولايات المتحدة كي  تتنصل من مسؤوليتها في الضغط على اسرائيل للقبول بتسوية. وكل البلاغة الاميركية عن رفع الحل في الشرق الاوسط الى مستوى المصلحة القومية الاميركية، لا يجد ترجمة فعلية عندما يعجز عن ممارسة الضغوط على الدولة العبرية. كما ان دعوات اوباما للمصالحة مع العالمين العربي والاسلامي تصير موضع شك عندما لا تفعل الادارة الاميركية ما يكفي كي تجبر اسرائيل على القبول بتسوية اساسها قيام دولة فلسطينية على كامل حدود الرابع من حزيران بما فيها القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة.
أما المضي في مسيرة فرض تسوية تؤمن الحد الاقصى من المطالب الاسرائيلية من دون تلبية الحد الادنى من المطالب الفلسطينية المتمثلة في دولة قابلة للحياة على حدود 1967، فإنها لن تجد فرصة للتحقق. إذ انه على رغم اختلال ميزان القوى لمصلحة اسرائيل وعلى رغم الضغوط التي يمكن ان تمارسها الولايات المتحدة على الفلسطينيين بصفتهم الطرف الاضعف، فإن عباس لا يزال يملك ان يقول لا لتسوية تعطي اسرائيل شرعية ان تهجّر ما تبقى من فلسطينيي 1948 ولا تؤمّن حق العودة للاجئين ولا تؤسس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدودها ومواردها.
وربما لأنه لا تلوح في الافق احتمالات التوصل الى مثل هذه التسوية، تطغى أجواء التشاؤم اكثر على المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية التي ولدت قيصرياً بفعل الضغط الاميركي على الجانب الفلسطيني وبفعل رغبة اوباما في فعل شيء ما يسترضي به نتنياهو كي يستعيد الديموقراطيون بعضاً من رصيدهم قبل الانتخابات النصفية.
وكثيرة هي الاسباب التي تجعل التوصل الى تسوية بعيدة او شبه مستحيلة. فالزعماء الاسرائيليون ينحون اكثر نحو التطرف كي يسايروا مجتمعهم الآخذ في التطرف اكثر فأكثر، وآخر تجلياته ابتهال حاخام حزب “شاس” عوفاديا يوسف الى الله كي يزيل الفلسطينيين من الوجود. وما نطق به الحاخام الذي يشارك حزبه في الائتلاف الحكومي ليس سوى عينة من تفكير اسرائيلي لا يزال هو السبب الرئيس في منع التسوية واستمرار صراع الوجود.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى