صفحات سورية

كلام أوروبي وأميركي عند بوابات دمشق

null
وضاح شرارة
لم تترك مفوضة الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية والسياسة الأوروبية، بينيتا فيريرو فالدنر، ظلاً للشك في مسوغ زيارتها دمشق على طريق توقيع اتفاق الشراكة الأوروبية – السورية، وتجديد العلاقة بسورية في إطار عمل ديبلوماسي وسياسي إقليمي ودولي «كبير» يتصدى لمسائل الشرق الأوسط. فقالت ان ما دعاها الى الزيارة الأولى هذه هو «موقف بنّاء» اتخذه الرئيس السوري بشار الأسد. والموقف هذا من شقين: شق إسرائيلي، وشق لبناني. ففي الشق الأول، استأنف الرئيس السوري المفاوضة مع الدولة العبرية. ويتوقع المراقبون ان يشمل «الانفراج»، إذا انتهت المفاوضة الى اتفاق إطار محوره الجولان وجلاء إسرائيل عنه، السياسة الفلسطينية، أي اقتتال الفريقين الفلسطينيين الأهلي والعسكري، وشقاقهما السياسي والإقليمي.
وفي الشق الثاني، أنجز الأسد الابن وعده الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. ففتح سفارة في لبنان. وهو يلوح بتعيين سفير لم يسمه بعد. ولم يبت المسائل المعلقة الأخرى: ترسيم الحدود المشتركة في مزارع شبعا وغيرها، مصير المجلس الأعلى «الكونفيديرالي»، ومصير الرهائن والمفقودين اللبنانيين في سورية، وحسم «الوكالة» السورية الى منظمة القيادة العامة الفلسطينية المسلحة بقواعد عسكرية على الأرض اللبنانية. ولم تَقْصر المفوضة الأوروبية ثناءها على سياسة دمشق على المسألتين هاتين. فمدحت النهج «البنّاء» في أمرين آخرين هما «الملف العراقي»، أي تبادل دمشق وبغداد سفيرين ناجزين ومعروفين، وسبق تعيين السفير السوري تعيين نظيره العراقي، و «الملف الفلسطيني»، أي الإسهام في رعاية وقف النار بغزة، ربما من طريق الإحجام عن عرقلته علناً.
ولما التقـــت فيريرو فالدنر بشار الأسد، تولت وكالة الإعلام السورية وحدها، على جاري عادة إعلامية وســـياسية دمشـــقية متعمدة ومقننة، تلخيص المحادثات. فنقلت «سانا» في 16 شباط (فبراير)، عن المفوضية الأوروبية «تشديدها على الدور المحوري والإيجابي الذي تضطلع به سورية في الشرق الأوسط»، وأملها في توقيع اتفاق الشراكة «قريباً». وعادت الوكالة فنسبت الى الوزيرة تصريحها الى الصحافيين بأن «دور سورية اساسي في المنطقة».
ويتكرر، اليوم، ازدواج صيغة النقل الإعلامي السياسي، مع زيارة جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي ومبعوث وزيرة الخارجية الأميركية (والمرشح الديموقراطي السابق الى الرئاسة في 2004). فبعد رسالة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في مناسبة إحياء ذكرى رفيق الحريري في يوم اغتياله، وجدد أوباما فيها تعهد واشنطن القرارين الدوليين 1559 و1701، والتزامها بنودهما – وهما يقضيان بسيادة الدولة اللبنانية وحدها على أراضيها – أوضح جون كيري بما لا يقبل اللبس ان الفرق الوحيد بين رأي إدارة أوباما في السياسات السورية الإقليمية وبين رأي إدارة بوش هو عزم الإدارة الحالية على «الدخول في حوار من غير أوهام أو سذاجة أو اعتقادات خاطئة ان الكلام وحده يقوم محل الأعمال» مع سورية وغيرها. وكانت الإدارة الجمهورية السابقة، على ما يرى كيري، «مقتنعة بإملاء ما يجب على الغير القيام به، وفي الأثناء الابتعاد، وانتظار قيام الغير بما أملي عليهم».
وفي شأن لبنان لم يكن المبعوث أقل وضوحاً. فهو لم يلتق رئيس مجلس النواب نبيه بري. والتقى سعد الحريري نائباً عن «14 آذار» (مارس). وحيا القوى المتكتلة في الكتلة الأم. وكرر ان زيارة سورية هي للطلب إليها ان تؤدي «دوراً بناء»، على ما سبق للمفوضة الأوروبية أن قالت. والقول للرئيس الأسد «ان الوقت الآن هو وقت اختبار التغيير». وخصص القول، فتطرق الى الانتخابات القادمة: «نريد ان تحترم سورية الانتخابات المقبلة في لبنان، وأن تحترم كذلك استقلال هذا البلد». ولم يغفل، طبعاً، السلام السوري – الإسرائيلي.
وبينما كان جون كيري يتكلم في بيروت، كان عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بنيامين كاردين يقول في دمشق، وخارج أخبار «سانا» الرسمية وعلى خلافها، أن «سورية عزلت نفسها من طريق دعم منظمات إرهابية وإقامة علاقات مع حماس والجهاد الإسلامي ومنظمات أخرى. ونحن قلقون من علاقات سورية بإيران». وخلص «الشيخ» الى ان واشنطن تراقب «عن كثب افعال سورية في أثناء الأشهر القادمة».
و «ترجم» الرئيس الأسد الزيارات الأميركية والأوروبية في عدد «غارديان» 18 شباط، يوم زيارة جون كيري بيروت ووفد مجلس الشيوخ دمشق، بالقول: الولايات المتحدة «لا تستطيع تجاهل سورية لأنها لاعب في المنطقة، وإذا أرادت (الولايات المتحدة) السعي في السلام فلن تنجز تقدماً من غير سورية».
والحق ان الأسد الابن (وحافظ الأسد قبله) يعزو «دور» بلده الراجح («الأساسي» و «المحوري» و «الحاسم» و «المفتاحي» على قول فاروق الشرع في 1996) الى وضع يده العسكرية والاستخبارية والأهلية على اللبنانيين ودولتهم، وإلى سيطرته على بعض القوى الفلسطينية، وإعماله منظمات فلسطينية ولبنانية وعراقية مسلحة في الاضطرابات والنزاعات التي تشق مجتمعات هذه المنظمات ودولها. والدولة السورية (الأسدية) جسر النفوذ الإيراني السياسي والمسلح والمالي في المشرق، وقطب معسكر «المقاومة» العربي.
والسياسة السورية حين تخاطب «الشارع» العربي، وتستنهضه، وتؤلبه حول قيادتها، وتستميل قطاعاته القومية والإخوانية والشيوعية و «الحقوقية الإنسانية» (اخيراً) إليها، فإنما تستقوي بما يطالبها زوارها، المتكاثرون هذه الأيام، بالتخلي عنه. وهو ما عدده جون كيري والشيوخ والسيدة بينيتو فالدر وعشرات من الوزراء والمفوضين والمندوبين والسعاة.
وحين خروج الزوار من لقاء الرئيس السوري ونائبه ووزير خارجيته يقول هؤلاء ان المحادثات تناولت «دور» سورية، وعلاقات دول الزائرين البارزين بها، وضرورة تحسينها، بينما يقول الزوار إنهم اشترطوا ونبهوا وأبلغوا وحذروا. وهم يسمون «الملفات» بأسمائها، وبأوقاتها. وهذا كله يذوب ويتحلل في «المنطقة»، وفي الصدارة السورية الثابتة، وإلحاح المندوبين والمبعوثين على السياسة السورية في الاضطلاع بالمهمات التي تليق بها ويرجونها الاضطلاع بها.
والازدواج هذا، وهو عريق، قريب من التعمية والتلبيس. وهو وَلَد، فيما سبق، جزءاً من الكوارث الإقليمية. ولعل شطراً من التصويب واليقظة من نشوة الازدواج وخمرته، يقع على عاتق الزائرين ومؤتمراتهم الصحافية في العواصم التي يزورونها. وبعض هذا يخطو خطواته الأولى. وهم، إذا فعلوا، إنما يسدون خدمة عظيمة الى شعوب المنطقة، ويسهمون في تربية سياسية راشدة وصادقة تتنكبها القيادات الملهمة. فهذه، أي القيادات، مزدوجة بدورها. فهي حاكمة بسلطة أمر واقع، وبالإكراه وأجهزة القوة، على قول روسي مشهور. وهي، من هذا الباب، أشبه بالمنظمات المسلحة التي ترعاها. ولكنها تلبس لباس هيئات الدولة، وتسن الدساتير، وتنظم الانتخابات، وتميز الرئاسات، وتبيح الأحزاب. وتتوجه إليها هيئات المجتمع الدولي على الأساس هذا. فلساناها هما لسانا حاليها اللتين لا تقر بهما، وبازدواجهما

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى