صفحات سورية

«البعث» السوري يعترف: علاقتنا سيئة مع المواطنين

null
زين الشامي
منذ أيام اعترف هيثم سطايحي، عضو القيادة القطرية لحزب «البعث» في سورية، بالعلاقة السيئة التي تحكم المؤسسات الأمنية بالمواطنين. وقال خلال المؤتمر السنوي لـ «اتحاد الكتاب العرب» في دمشق إن هناك: «توجهات حقيقية من القيادة السياسية الأعلى في البلاد لتحسين العلاقة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين، وهناك طموحات بتحقيق المزيد في هذا الأمر».
في الحقيقة لم يأتِ المسؤول «البعثي» بأي جديد، لأن الجميع يعرف ومنذ عقود طوال بطبيعة هذه العلاقة بين المؤسسات الأمنية المنتشرة في أرجاء البلاد كلها، والتي تشير التقديرات إلى أن عدد أفرادها يبلغ نحو ثلث أفراد القوات المسلحة، وأنها علاقة كانت دائمة محكومة بمعادلة كل مواطن متهم، أو مشروع عمالة حتى يثبت ولاؤه الأعمى. وعلى هذه الخلفية هناك الكثير من الروايات الواقعية لضحايا دخلوا سجون هذه المؤسسات الأمنية لأعوام طوال بسبب تقارير كيدية، ووشايات، ومنهم من مات داخل السجون من دون أن يسمع به أحد، ومنهم من أسعفهم الحظ والصدفة ليخرجوا «أبرياء»، لكن بعد أن خسروا شبابهم، وعمرهم، وسمعتهم، وفقدوا القدرة على البدء من جديد.
وللأسف فإن الجميع داخل سورية وخارجها يعرف أن المؤسسة الأمنية وعناصرها تعتمد على أساليب البطش، والقمع، والتعذيب، مع السجناء وليس أساليب التحقيق الحديث الذي يعتمد على المعلومة الدقيقة ويراعي كرامة الإنسان وآدميته. كما أن الجميع يعرف مدى الاستغلال، والانتهازية، والفساد، المعشعشة في هذه الدوائر السوداء المرعبة، فمأساة السجين لا تبدأ لحظة اعتقاله فقط، بل إنها تستمر على طول فترة السجن، وترخي بتبعاتها على الدوائر الاجتماعية كلها القريبة التي تخصه، وبسبب ذلك هناك الكثير من الأسر التي باعت ممتلكاتها، وخسرت ما تملكه كله من أجل دفع الرشى لضباط وعناصر الأمن للحصول على شذرات معلومات تفيد ببقاء أبنائهم على قيد الحياة. أيضاً هذه الأسر تدفع ضريبة مضاعفة حينما يصبح جميع أفراد الأسرة على القائمة السوداء للمؤسسة الأمنية، وحين تتحول حياتهم الى جحيم في ما لو كان يعمل أحد أقارب السجين في إحدى دوائر الدولة، أو في ما لو أراد العمل، أو السفر. إن هذا السجين في نظر المؤسسة الأمنية يشبه تماماً «الفيروس» القاتل في الجسد البشري، ولابد من التأكد دوماً من عدم انتشار العدوى في المحيط القريب.
إن مأساة السوريين، وخوفهم، ورهابهم من المخابرات ليس مشكلة طارئة، إنها حال قاسية عمرها من عمر وصول حزب «البعث» إلى السلطة، وقد تكرست في أوائل وثمانينات القرن الماضي، لذلك ليس غريباً أن تولد أجيال من السوريين على الخوف، وتموت أجيال سابقة، وهي مرعوبة وخائفة، وليس غريباً أن يصف البعض سورية بجمهورية الخوف، أو مملكة الصمت. لقد روى لي صديق هاجر إلى فرنسا منذ نحو عام كيف أنه بقي لأشهر طوال يتحدث بحذر في المقاهي، وكيف كان يصمت في ما لو كان جالساً يتحدث مع أحدهم حين يقترب النادل منهما، وكيف كان يرتعب كلما رن الهاتف، أو لاحظ أن شخصاً يمشي وراءه بالصدفة في أحد شوارع باريس. صديقي لم يكن معارضاً، أو ناشطاً سياسياً، كان مجرد إنسان عادي يكره السياسة، والسياسيين، والأحزاب جميعاً.
المسؤول السوري في حزب «البعث» الذي قال إن القيادة العليا تسعى إلى تحسين العلاقة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين أعلن أيضاً، في معرض رده على تساؤلات عن المعتقلين السياسيين في سورية، أن «القيادة فرقت بين المعارضة الوطنية وتلك المرتبطة بالخارج». وهذه عودة من جديد إلى نغمة التخوين التي غالباً ما يلجأ إليها المسؤولون حين يتعلق الأمر بأي نشاط سياسي للمعارضين، والنشطاء من كتاب، ومثقفين، وصحافيين، لكن هؤلاء المسؤولين لم يثبتوا، ولم يقدموا للرأي العام، ولو مرة واحدة ما يثبت ارتباط أي واحد من السجناء السياسيين بالخارج. إن الجميع يعرف أنهم مجرد أصوات كانت تدعو إلى الحرية، والديموقراطية، واحترام حقوق الإنسان، أما إذا كان المقصود بالخارج أميركا وإسرائيل، وربما دول عربية، فلا بأس من التذكير أن النظام هو وحده من يسعى إلى الحوار مع الولايات المتحدة، ويقيم الدنيا ولا يقعدها حين يزور دمشق أي موظف في الإدارة الأميركية، حتى لو كان من الدرجة الخامسة. كما أن النظام هو وحده وليس المعارضين والسجناء من يسعى إلى مفاوضات السلام مع إسرائيل بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وعبر وسطاء من الجنسيات كلها، ويستقبل مبعوثين على علاقة مباشرة بالمؤسسات الصهيونية واليهودية وإسرائيل.
ويقول المسؤول «البعثي» أيضاً: «إن هناك دواعي ذات طابع وطني أدت لتأخر صدور قانون الأحزاب في سورية»، وهو التبرير الذي يثير الضحك، لأننا نسمع بهذه «الدواعي الوطنية» منذ أكثر من أربعين عاماً وحتى اليوم، كذلك مضى على خطاب النظام الجديد ما يقارب الأعوام التسعة، والذي وعد من خلاله بتشكيل قانون للأحزاب المعارضة، والتعددية السياسية، وإحلال الديموقراطية، والشفافية، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، ومحاربة الفساد… إلا أننا لم نشاهد منذ أعوام تسعة إلا مزيداً من سجن المعارضين وتقييد حركة المعارضة، وانتشار أكبر للفساد، وازدياد رقعة الخائفين في مملكة الصمت.

كاتب سوري
المصدر:الرأي  العام  الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى