صفحات العالم

ماتت سارة

ساطع نور الدين
فجأة، اهتز كل شيء، وتبدد الحلم الذي كان يساريون كثيرون في العالم كله يتباهون به، ويفخرون بأنه يقارع اميركا فعلا، ويرث ايديولوجيات وحركات تقدمية غيرت وجه التاريخ على مدى القرنين الماضيين، ويؤسس لبديل يسد هذا الفراغ الهائل الذي لا يمكن ان تملأه الاديان ولا الافكار التي تحاول عبثا ان تصنع توازنا استراتيجيا وهميا مع الغرب.
هل هو النفط، ام هو الاقتراب من العالمين العربي والاسلامي، ام هو مجرد هوس السلطة وجنون العظمة، الذي جعل الرئيس الرمز يسقط في فخ الاحتفاظ بالحكم مدى الحياة، ويقوض تجربة اميركية لاتينية مؤثرة، ونموذجا ناجحا كان يمكن ان يتسلل الى بقية القارات والدول، ليعيد انتاج وعي وطني وعالمي يوقف زحف الفكرة الاميركية، وتوسع الافكار البائسة التي تحاول ان تتصدى لها.
بالامس كانت بداية النهاية للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الذي قدم طوال السنوات العشر الماضية، صورة مشرقة فعلا عن عصبية وطنية كادت تضيع وسط موجة العولمة، وعن عصبية لاتينية كانت تتحين الفرص للانتفاض على قرون من القهر والاضطهاد، وعن عصبية دولية رفعت الراية البيضاء عندما سقطت الراية الحمراء عن جدران الكرملين..
كأنها طعنة لذكرى بطل تحرير النصف الجنوبي من القارة الاميركية من الاستعمار الاسباني في القرن التاسع سيمون دو بوليفار، التي احياها شافيز نفسه، وجعل منها هوية وعقيدة فنزويلية، اجتاحت العالم كله، لا سيما تلك الدول والشعوب التي كانت تبحث في ماضيها عن بطل قومي يواجه الاختراق الاميركي فلم تجده الا في بعض الصور القديمة التي لا تصلح كذكريات.
شافيز الذي وصل الى السلطة في العام 1998 في ما يشبه واحدة من اهم الثورات الديموقراطية السلمية في العالم، وبغالبية شعبية قاربت ثمانين بالمئة، قرر ان يستفتي الفنزويليين الاحد الماضي على بقائه في السلطة الى الابد. قالوا نعم بغالبية لم تتخط 54 بالمئة. انقسم المجتمع الى نصفين تقريبا. ودنت فنزويلا خطوة اضافية من حافة الاضطراب الداخلي، الذي يمكن ان يضيع مكاسب جدية في مكافحة الفقر والجوع والمرض والامية في واحد من اغنى بلدان اميركا اللاتينية بالنفط والمعادن والثروات الطبيعية، وملكات الجمال..
لم يطلب شافيز استفتاء على ولاية جديدة واحدة، بعد ولايتين متتاليتين من ست سنوات، ولم يطلب تصويتا على جدول اعمال محدد.. بدا كأنه ينفذ انتقاما شخصيا من خصومه الداخليين والخارجيين الذين حاولوا اطاحته مرارا بمساعدة وكالة الاستخبارات الاميركية، ويغامر باسمه وثورته وبلده، والنموذج الفريد الذي قدمه لشعوب العالم الثالث كله.
فوز شافيز في الاستفتاء اعاد الى الاذهان قصة موت سارة التي هزت فنزويلا قبل سنوات: ملكة جمال من اصل لبناني، ولدت لاب مسلم وام مسيحية، وأصيبت بعد تربعها على العرش بمرض السرطان، فقررت في اواخر ايامها ان تعود الى جذورها العربية والاسلامية.. فبكاها الكثيرون من العرب والمسلمين.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى