صفحات العالمما يحدث في لبنان

نصر اللّه للأسد: لا يكتمل عبور جنبلاط إلا بزيارة دمشق

نقولا ناصيف
نهاية الأسبوع الماضي، قال مسؤول لبناني لنظيره السوري في دمشق: كلما طال تأخُّر استقبال وليد جنبلاط في سوريا، أتى وحده. وكلما اقترب الموعد، حضر إليها وطائفته. يقتضي أن تساعدوه على أن يأتي هو وطائفته إلى دمشق، لا أن يأتي وحده. وقال أيضاً: عندما تحتاجون إلى وليد جنبلاط، فذلك يعني أن يكون حليفاً قوياً. طائفته تجعله حليفاً قوياً لكم.
لمس المسؤول اللبناني ردّ فعل إيجابياً من محدّثه. إلا أن الأخير لم يفصح عن موعد استقبال الزعيم الدرزي. بيد أن كل المعلومات والمعطيات المحيطة بالعلاقة الجديدة بين جنبلاط والقيادة السورية، باتت تتركز على الآتي:
1 ـــــ بعدما كشف جنبلاط أخيراً عمّا تفادى ذكره لأشهر خلت، وهو الدور الذي يضطلع به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لإعادة رأب الصدع بين الزعيم الدرزي وسوريا، وتحديداً مع الرئيس بشّار الأسد ـــــ وكان هذا الدور معلوماً في أوساط ضيقة ـــــ انتهت وساطة نصر الله في آخر اجتماع غير معلن بينه وبين الأسد، قبل أقل من شهر، إلى اتخاذ الرئيس السوري قرار استقبال جنبلاط، وبات الموعد مسألة وقت لا أكثر، تبعاً لما يذكره مطلعون عن قرب على جهود نصر الله لدى الرئيس السوري.
منذ البداية، وُضعت مصالحة جنبلاط بسوريا في يد نصر الله، وكان واضحاً ما قالته دمشق مراراً لوسطاء لبنانيين، أنه لا أحد سواه يسعه إيصال جنبلاط إلى سوريا، وإلى رئيسها بالذات. هكذا لبثت مناقشة هذا الموضوع بين يدي الرجلين وحدهما. بحثا فيه أكثر من مرة، في أكثر من اجتماع غير معلن في دمشق.
2 ـــــ طرح الأمين العام لحزب الله عدداً وافراً من الحجج التي طمأنت الأسد إلى الموقع الجديد لجنبلاط، على طرف نقيض ممّا كان عليه بين سنوات 2005 و2008. تمنى أولاً على الرئيس السوري وضع خاتمة لهذا الموضوع، وقال إن الزعيم الدرزي عبر في السياسة من موقع إلى آخر، وإن هذا العبور لا يكتمل إلا باستقبال دمشق له. أكد له كذلك أنه لم تعد ثمّة مشكلة بين جنبلاط وحزب الله بعدما ثبّت الزعيم الدرزي خياراته حيال المقاومة وسوريا والصراع مع إسرائيل وعناصر الاستقرار في الداخل من خلال سلسلة المصالحات الأخيرة التي أعادت جمع حلفاء سوريا. وأبلغ إليه أنه رغب، إلى سائر أفرقاء المعارضة، في الانفتاح على جنبلاط.
في هذا النطاق، اندرجت مصالحة جنبلاط مع الرئيس ميشال عون والتيّار الوطني الحرّ. لم يطلبها منه حزب الله، إلا أنها كانت إحدى الدلالات التي عبّر من خلالها الزعيم الدرزي عن تفهّمه ما يُرضي الحزب من غير أن يطلب الأخير منه ذلك، ويُوسّع من دائرة الاصطفاف الجديد الذي لا يستثني أحداً. أعطى جنبلاط علاقته الجديدة بعون ما لم يعطه لحليفيه السابقين في قوى 14 آذار، الرئيس أمين الجميّل وسمير جعجع، بين عامي 2005 و2008، بتأليف لجان مشتركة لإتمام المصالحات وعودة مَن بقي من المهجّرين إلى الجبل.
3 ـــــ أبلغت سوريا أكثر من جهة لبنانية، رسمية وحزبية، أن لا تسوية داخلية أو خارجية لا مكان ودور فيها لحزب الله. وبمقدار ما تيقن الزعيم الدرزي من هذه الإشارة، فقد وصلت أيضاً إلى تيّار المستقبل ورئيسه رئيس الحكومة سعد الحريري كي لا يتطلع إلى علاقة جديدة مع سوريا على حساب حزب الله، أو ضد المقاومة ومصالحها. ورغم أن الحريري، وخصوصاً بعد زيارته دمشق الشهر الماضي، يقترب أكثر فأكثر من خطاب جنبلاط من المقاومة والعلاقات المميّزة مع سوريا، ومن السياسة الخارجية للبنان والأمن الأكثر طمأنة للرئيس السوري، يظلّ الموقف من حزب الله والالتفاف حوله حجر الزاوية في كل خيار تعاون مع سوريا.
بين الحزب والشارع
واقع الأمر أن الملاحظة التي باح بها المسؤول اللبناني للمسؤول السوري انطوت بدورها على معطيات أبرَزت الإحراج الذي يعانيه جنبلاط، لأول مرة، لدى طائفته، وهو يجري الاستدارة الأكثر تعقيداً التي تواجهها زعامة البيت منذ عقود، بالانتقال من خيار إلى نقيضه. كان قد وطأ تدريجاً، منذ عام 2000، خياراً كان هو الآخر نقيض ما أرسى عليه زعامته مذ لبس عباءة والده الراحل كمال جنبلاط في آذار 1977.
يقيم هذا الإحراج في المعطيات الآتية:
منذ البداية وُضعت مصالحة جنبلاط لسوريا في يد نصر الله، وقالت دمشق إنه لا أحد سواه يسعه إيصال جنبلاط إلى الأسد
ـ لا تكمن الأزمة التي يجبهها جنبلاط في حزبه، الحزب التقدّمي الاشتراكي، بل في شارعه وفي الطائفة. فلطالما انساق الحزب إلى خيارات رئيسه وتفهّم مبرّراتها وسلّم بإرادته على نحو جعل الحزب ـــــ ولا يزال ـــــ الحزب الوحيد الذي لم يشهد منذ تأسيسه عام 1949 عصياناً أو احتجاجاً أو انقساماً وانشقاقاً في صفوفه، ولا تشكيكاً في شرعية قائده. لا مع جنبلاط الأب، ولا مع جنبلاط الابن الذي يسعى إلى حفظ وحدة الحزب وضمان الانتقال به إلى جنبلاط الحفيد. فما خلا الحزب التقدّمي الإشتراكي، مزّقت الانشقاقات والانتفاضات أحزاباً تاريخية، كالكتائب والسوري القومي الاجتماعي والشيوعي اللبناني والوطنيين الأحرار والكتلة الوطنية والقوات اللبنانية وحركة أمل، وكادت تهدّد حزب الله.
إلا أن اعتراف الزعيم الدرزي بعدم رضى شريحة من طائفته، عن انتقاله من العداء لحزب الله وسوريا إلى التحالف معهما، واعترافه أيضاً بحاجته إلى مزيد من الوقت لإقناعها بدوافع تحوّل فرضته عليه أحداث 7 أيار 2008، يشيران إلى ظاهرة غير مألوفة في زعامة البيت، وإلى تقويض اعتقاد عُدّ لسنوات طويلة أحد أهم مصادر قوة هذه الزعامة التي يبدو كأنّها لم تعد قادرة على استقطاب الطائفة الدرزية بسهولة إلى الخيار الذي تريد، في الظرف الذي تريد، وتبعاً للحسابات التي تريد.
ـــــ خلافاً للأزمة العميقة التي ضربت علاقة كمال جنبلاط بسوريا عام 1976 وأوصلتهما إلى حافة الهاوية في اجتماع الزعيم الراحل بالرئيس حافظ الأسد في 27 آذار سنتذاك، فآلت إلى خسارة الأول حرب السنتين وانكفائه من غير أن ينحني للعاصفة، ولم يقد تالياً الطائفة الدرزية إلى خلافه مع الأسد الأب، فإن جنبلاط الابن دخل عام 2005 في مواجهة ضارية مع الأسد الابن، وأدخل معه الطائفة الدرزية على نحو فاقم الأمر عندما تعاطف دروز سوريا مع نظام الأسد، وعندما تعرّض آخرون لمضايقات بسبب تعلقهم من هناك بجنبلاط. وهو بالتالي بات عليه ألا يكتفي بمصالحته الرئيس السوري، بل أن يصالح طائفته مع نظام قال فيه جنبلاط، وفي رئيسه، أسوأ النعوت وأكثرها مرارة وتدخّلاً في شؤونه. ولم يتردّد في القول إنه كَذِبَ عليه 25 عاماً بعدما عاد إلى ضريح والده منذ عام 2005 يضع وردة بيضاء عليه. تماماً على غرار المطلب السوري الملحّ الذي يقضي بأن لا يكتفي جنبلاط بمصالحة الأسد، بل أن يتصالح أيضاً مع الشعب السوري، الأمر الذي يعكس حجم التنازلات الشخصية المطلوبة من الزعيم الدرزي من جهة، ووطأة الحجج التي يتعيّن أن يحملها إلى شارعه لإقناعه بالحاجة الملحة إلى الانقلاب على الذات مرة أخرى، والعودة إلى التحالف مع نظام الأسد، من جهة أخرى.
ـــــ كلما تأخر موعد استقبال جنبلاط في دمشق، تفاعلت حال التذمّر في الشارع الدرزي. لا يُعزى الأمر إلى سلسلة خطوات تراجع اتخذها جنبلاط، بل إلى شعور جماعي متنامٍ، محوره أن المطلوب من الطائفة ـــــ لا من زعيمها ـــــ مزيد من التنازلات، ومزيد من إشعارها بالضعف والإساءة إلى مكانتها وسمعتها وموقعها، وتكبيدها ثمن خيارات سياسية تهاوت.
وتبعاً لما سمعه نصر الله ومسؤولون وزعماء لبنانيون التقوا الرئيس السوري أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة، لا تقارب سوريا علاقتها بالزعيم الدرزي بهدف إذلاله. وأكثر من أي طرف لبناني آخر، تتفهّم الواقع الدرزي الذي يمثّل أيضاً جزءاً لا يتجزّأ من المجتمع السوري. سمع المسؤولون والزعماء اللبنانيون من الأسد ومسؤولين سوريين آخرين أن دمشق لم تضع مرة شروطاً على جنبلاط لاستقباله لديها. راقبت استدارته وخروجه من قوى 14 آذار، وتركته يحدّد موقعه الجديد من الخيارات التي كان قد لزمها سنوات طويلة قبل أن ينقلب عليها، واهتمت بمعرفة مقدار الثقة والصدقية اللتين يعيد بناءهما مع حلفائها في لبنان، وأخصّهم حزب الله الذي تمثّل العلاقة به قياساً أساسياً، وتميّز سوريا من خلالها أصدقاءها وحلفاءها عن خصومها وأعدائها.
لكن… ما هو المطلوب من المعارضة؟
لا تتردّد أوساط وثيقة الصلة برئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في القول، إن ثمّة ما هو مطلوب من المعارضة حيال الزعيم الدرزي ورئيس الحكومة سعد الحريري مقدار ما بدا مطلوباً منهما للاقتراب من سوريا وتثبيت تمسّكهما بالعلاقات المميّزة معها وحماية المقاومة.
ويلاحظ هؤلاء أن التحوّل الذي أجراه الزعيمان السنّي والدرزي، قابلته المعارضة بمزيد من الغطرسة، وتصرّفت حيال الخطوات الإيجابية تلك بأنها لا تزال معارضة، فيما يفترض بالأطراف جميعاً الخروج من واقع السنوات الخمس المنصرمة إلى مرحلة جديدة.
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى