غياث نعيسةقضية فلسطين

فلسطين .. إلى أين ؟ نهاية مشروع “الدولتين”

null
غياث نعيسة
“إن كنت لا تعرف نفسك ، فأخرج”
(نشيد الإنشاد)
بعض دروس ما بعد الحرب على غزة
لم تخلف الحرب الوحشية للدولة الصهيونية على غزة ورائها دمارا وقتلا فقط ، بل خلفت عددا من الدروس الهامة. منها التوكيد على الطاقة الفائقة للجماهير الفلسطينية و إرادتها الصلبة لمقاومة اعتي الجيوش في منطقتنا وهو جيش الاحتلال الصهيوني ، و رفض هذه الجماهير لسياسات الذل والفساد والاستسلام التي تحمل رايتها “السلطة الفلسطينية” المتعاملة مع الاحتلال والتي أوضحت خلال الحرب الدامية على غزة متى تهافتها و التحاقها بسياسات الاحتلال الصهيوني.
وأيضا ، كشفت الحرب على غزة ، دور الأنظمة الرسمية العربية ، و خاصة ما يسمى منها بمحور”الاعتدال” كمعاون فعال و مكشوف في مساندة الدولة الصهيونية ضد قوى المقاومة في منطقتنا ، وهو نفس الدور الذي سبق أن لعبته هذه الأنظمة خلال الحرب الصهيونية على لبنان في تموز / يوليه 2006 . و ما هو أكيد أن قوى المقاومة في منطقتنا  تجد في مواجهتها  الإمبريالية والصهيونية إضافة إلى  الأنظمة العربية الرسمية .
و مما يدعو للاهتمام ، إن التضامن الجماهيري مع المقاومة الفلسطينية الذي شهدته عدد من الدول العربية حمل معه شعور مناهض لأنظمة الحكم فيها ، كما حصل في مصر والأردن مثلا. و هو شاهد متجدد على حقيقة الترابط الهام من جهة  بين النضالات الجماهيرية في بلدان المنطقة ، التي تصطدم ، كل مرة، في مقاومتها بحلف يشمل الدولة الصهيونية والإمبريالية و .. الأنظمة العربية الرسمية، من جهة أخرى. مما يستدعي النظر إلى أن حرية فلسطين تعني ضرورة  حشد طاقات أوسع من الإطار الفلسطيني المحدود و تتطلب انتفاضات جماهيرية على امتداد المنطقة العربية.
سراب “الدولة الفلسطينية المستقلة”
لم تلد اتفاقيات أوسلو  و ما تلاها منذ عام 1993، ورغم التنازلات المتوالية لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ،  الحد الأدنى لما يمكن أن يشكل “نواة ” الدولة الفلسطينية ” العتيدة. ولم يبق من ادعاء “خارطة الطريق ” الصادرة عام 2003 عن اللجنة الرباعية الواعدة “بتسوية نهائية وشاملة للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني من الآن ولغاية عام 2005 ” سوى لغو فارغ.
فالدولة الصهيونية قد استعادت احتلال الضفة الغربية في حربها المدمرة للبنى التحتية والرمزية “للسلطة الفلسطينية ” عام 2002 ، مما اسقط  اتفاق أوسلو المشؤوم نفسه . وبالرغم من أنها دعمت بروز قيادة فلسطينية “عباس- دحلان” موالية لها ، لكنها لم تقدم في المقابل أدنى تنازل يشير إلى أفق قيام نوع ما من الدولة الفلسطينية.
والحال ، فان عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية قد تضاعف بين عامي 1993 – 2000.
لدرجة انه في سبع سنوات فحسب منذ توقيع اتفاق أوسلو استوطن الضفة الغربية مستوطنون يفوق عددهم عدد المستوطنين في الخمسة وعشرين سنة الماضية. ليبلغ عدد المستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية والقدس الشرقية حوالي نصف مليون مستوطن.
و إن كانت الصورة  الجغرافية للضفة الغربية قبل اتفاقيات أوسلو تعبر عن تجانس للتواجد العربي الفلسطيني مع بعض البقع التي تعبر عن المستوطنات ، فهي اليوم معكوسة ، حيث نجد شبكة ضخمة من المستوطنات الصهيونية (144 مستوطنة)مترابطة فيما بينها و محمية بجيش الاحتلال مع بعض البقع المعزولة تشير على بقاء بضعة بلديات فلسطينية (رام الله و جنين و أريحا..)  و هي التي يمكن أن تشكل مع قطاع غزة لاحقا”دولة” البانتوستانات الفلسطينية وفق المشروع الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة والدول الغربية.
لعب جدار الفصل العنصري الذي بنته الدولة الصهيونية دورا مزدوجا فهو لا يعني نفسيا حماية  “يهوديتها” ، وفصلها عن خارجها “غير اليهودي” ، بل أن مجرد بناء هذا الجدار العنصري كان على حساب قضم 10 بالمائة من مساحة الضفة الغربية نفسها ، ولم يفصل هذا الجدار “اليهود” عن الفلسطينيين بقدر ما انه فصل عدد كبير من الفلسطينيين بعضهم عن بعض على جانبي الجدار.
و المؤكد أنه لم يبق اليوم من الأرض الفلسطينية لقبل عام 1948 خارج نطاق الاستعمار و الاستيطان الصهيوني  سوى 22 بالمائة منها ، تعاني من التمزيق والاحتلال والحصار والقضم المتواصل على شاكلة ” سلب دونم ارض من هنا و آخر من هناك ، و عنزة من هنا وأخرى من هناك” ، وفق وصف ريجيس دوبري للممارسات الصهيونية في فلسطين.
في الواقع ، لقد تلاشى أفق”الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة”  بتلاشي الشروط الموضوعية التي كان البعض يستمد منها تبريره لها ، بمشاركة فعلية للقيادة الفلسطينية في “السلطة الفلسطينية” المتعاملة مع الاحتلال وفي ظل ما سمي بعملية السلام والمفاوضات . في حين أن الأمر الوحيد الذي أعاق ، وما يزال ، تدهور الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني هو إرادة المقاومة لديه . إذ يذكر تقرير حديث لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن ” إسرائيل سمحت بنشر قوات أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ، و ساندت أعمالها بتزويدها بمعلومات استخبارية ، و عملت مباشرة ضد قادة و خلايا حماس . ولعل الأكثر أهمية هو أن التواجد المتواصل للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية يعيق أي تكرار محتمل لانقلاب غزة عام 2007″.
بعد الحرب الصهيونية الهمجية الأخيرة على غزة والموقف المتخاذل و المتورط فيها للسلطة الفلسطينية  ، فقدت الأخيرة شرعيتها في تمثيل حقوق الشعب الفلسطيني ، ولم تعد تفيدها كل جرعات “الشرعية “التي تحاول أن تحقنها بها الدول الكبرى أو الأنظمة العربية الموالية  للإمبريالية الأمريكية أو الدولة الصهيونية . والسلطة الفلسطينية فقدت شرعيتها أيضا لأنها لن تستطع أن تحصل حتى على فتات “دولة فلسطينية مستقلة ” بل ما هو معروض عليها،و في احسن الحالات ، مجرد بانتوستانات أربعة معزولة ومحاصرة.
لقد سقط على ارض الواقع مشروع “الدولتان” ، وهذا السقوط الفعلي لمشروع الدولتين ، يجعل الأفق مفتوحا للنضال من اجل الدولة الواحدة . ويترافق موت طرح “الدولتين” بمجموعة من التناقضات التي تتفاعل داخل قوى الشعب الفلسطيني ، و تتطلب من قوى المقاومة مراجعة للاستراتيجيات و نهوض- نأمله- لليسار الجذري والمقاوم ، وأيضا داخل الدولة الصهيونية.
فالدولة الصهيونية تعاني من تناقضاتها الداخلية ،منها  : أنها لم تعد تستطع أن تدعي أنها دولة قامت لتحقيق جمع “الشتات اليهودي” حيث أنها اليوم تضم غالبية يهود العالم ، حيث يقطنها 5،5 مليون يهودي في حين تليها الولايات المتحدة حيث يعيش 5،3  يهودي من اصل عدد إجمالي اليهود في العالم المقدر ب13،3 مليون يهودي. و ما يزال يشكل اليهود الشرقيون  نسبة نحو 34،2 بالمائة من سكان الدولة الصهيونية يعيش أغلبهم في حالة من التهميش والفقر والاغتراب و تقل نسبة أجورهم عن اليهود الغربيين”الاشكناز بنحو 37-39 بالمائة بحيث يمكن القول أن التكوين الطبقي لليهود داخل الدولة الصهيونية هو اقرب إلى أن “البرجوازية الإسرائيلية اشكنازية في أساسها، بينما البروليتاريا اليهودية في إسرائيل شرقية ” . إضافة إلى اكثر من مليون عربي فلسطيني ما يزالون يعيشون في أراضي 1948 يعانون من استلاب لهويتهم و أرضهم ، و قمع متزايد عليهم ، مع تهميش الدولة الصهيونية لهم كمواطنين من الدرجة الثالثة . تعاني الدولة الصهيونية من تناقض آخر هو كيف يمكن أن تقضم الضفة الغربية دون أن”تدمجها ” فعليا بها ؟ والحل الذي طبقته حتى الآن هو خطة الون المؤدية إلى تشكيل بانتوستانات فلسطينية ، التي يوقظ  رفضها روح المقاومة البطولية للشعب الفلسطيني .
لكن لحمة المجتمع في الدولة الصهيونية كانت تستند على”يهودية ” الدولة من جهة وعلى  الادعاء بمواجهتها الدائم لخطر تدميرها من عدو خارجي هو “الدول العربية المجاورة”. لكن ، مع توقيع الدولة الصهيونية لاتفاقات سلام مع غالبية الأنظمة العربية المحيطة بها والتحاق الأنظمة العربية بالإمبريالية الأمريكية ، يتحول خطابها اليوم إلى التلويح بخطر محدق يتهدد وجودها هو “العدو الداخلي”  و خاصة العرب الفلسطينيين ، وقد كشفت الانتخابات الأخيرة فيها ملامح هذا الخطاب الفاشي الكريه ، مع ابتداع عدو خارجي “جديد” هو إيران.
ثمة حقيقة مؤكدة و مكررة التأكد هي أن الطبيعة الهمجية والعدوانية العسكرية للدولة الصهيونية تجعل من جميع شعوب المنطقة ضحايا لعدوانيتها و في حالة خطر مدمر و حقيقي و دائم . وهي  لذلك ، أي الدولة الصهيونية، تشكل، في نهاية المطاف، خطرا ليس على العرب والشعوب المجاورة فحسب بل هي أيضا خطر مدمر على اليهود أنفسهم ، و كما أعلن أحد المناضلين الاشتراكيين اليهود فان “الصهيونية ضد اليهود”.
لذلك فإننا نرى أن  التعايش مع الدولة الصهيونية مناهض لمصالح كافة جماهير المنطقة ، و إزالة الصهيونية هو الحل الحقيقي و الأكثر إنسانية في منطقتنا ، و يلزم استعادة اليسار الاشتراكي الأممي لفعاليته  .
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى