صفحات ثقافيةعلي جازو

نصوص

null
علي جازو
الشخير
بعيد منتصف الليل، توقف شخيره! فزعت. خلته مات. أجل، خلته مات حقاً. أيّ قلب يحملني إلى الباب فأفتح! كيف أنهض من سريري، أخرج إليه، أنظر في وجهه، مراقباً أنفاسه. لقد صمت أخيراً. إنه ميت. تجمّد كتابي بين يدي، تراخت أصابعي فجأة، فانزلق الكتاب بثقلٍ لم أحسه قط إلى حجري. لم تتحرك قدماي ولا عيناي. كنت أصغي فحسب. ريحٌ حرّكت النصف السفلي من النافذة الزجاج. تخيلت مقاطع الأشجار في الخارج. تخيلت العتمة السوداء خانقة ومتربة. العتمة تحركت معها الرياح التي هزت النافذة. أحسست ببرد التصق بحلقي. صمتت. صمتت عيناي مثل يدي. صمت قلبي وغاص مثل ضربة عنيفة في كرة عجين طرية. الهدوء. الهدوء والبرد غمرا صمتي الحائر الخائف حتى خلتني تجمدت من جديد، ثم بغتة، مثلما يفتح بابٌ دونما أي صوت، سمعت شخيره. إنه يشخر. إنه يشخر.
•••
شجارٌ لطيفٌ كهدية صغيرة
صبيّتان، إحداهما بنظارة ذات إطار أسود لامع كصفاء وجهها الصغير، كانتا أمام الدار حين حدثت المشاجرة القصيرة. ثلاثة تلاميذ تبادلوا ملامح وجوه عنيفة. أحدهم، الممتلئ الغاضب، شدّ قبة القميص الأزرق حول عنق تلميذ مصفرّ الوجه؛ فردّه الثالث بدفعٍ قويّ على كتفه اليسرى. المساء، كعادة عمياء، صامتٌ رقيقٌ. برودةٌ ناعمةٌ تترك غشاءً أحمر خفيفاً على الوجوه كلّها. تبسّمت الصبيتان وهما تراقبان وتخمّنان أطوار الشجار البريء. نظر الثلاثة إليهما، ثم أخفضوا رؤوسهم. كأنما تأثروا هم بدورهم بحال التبسم الدافئة. فجأة هدأوا واسترخت انفعالاتهم كلّها. انفرط عقد الشجار، كأن شيئاً لم يكن. ازدادت الابتسامات المترافقة عذوبة وحيوية. جمالٌ أرقّ محا الظلال المشغولة بالبرد. ظلت الصبيتان واقفتين بأذرع ضمّت تحت الآباط. أذرع خفيفة طيبة كأذرع أمهات أنهين للتو طعاماً لأطفالهن العائدين إلى البيت بعيد فصل الدروس المسائية. صبيتان، كم ظهرتا متواضعتين رخيمتين، كأن النسيم رسم وجهيهما لا بشرة الوجوه الأليفة. بقرةٌ لحست ذراع الصبية صاحبة النظارة اللامعة. تسرّب أثر الحرارة الرطبة إلى كتفها الملتصقة بخدّ شقيقتها. هواءٌ ضئيلٌ ماوج أوراق العسلية الرخوة فوق شعر الصبية الصغيرة، الشريكة الحلوة في بسمات ذاك المساء المدهش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى