أبي حسنصفحات مختارة

الحزب الشيوعي السوري.. ما الذي تبقى؟

null


أُبيّ حسن

ترى هل الحزب الشيوعي السوري اليوم (السوري اللبناني منذ نشوئه حتى لحظة انفصاله النهائي في خريف عام 1964) هو ذاته الحزب الذي وضع لبناته الأولى يوسف إبراهيم يزبك ابن العائلة البيروتية الثرية وآرتين مادويان وناصر حدة وآخرون؟
وإذا كان ثمة عوامل ذاتية وأسباب موضوعية وخارجية بما فيها من حركة عمالية عالمية حتمت ولادته 1924 فما هي مبررات وجوده بعد أن ناهز الثمانين حولاً, بما صاحبها من تغيرات وتحولات في العالم؟ لا بل ما هو مبرر وجوده في بلد يحكمه نظام شمولي مثل سوريا وفي واقع كواقع جبهتها (مع الإصرار على صفتي الوطنية التقدمية)؟ قد يكون من حقنا طرح هذه الأسئلة بكل ما فيها من ألم على ما آلت إليه حال من أحببنا(بالمناسبة عدد الشيوعيين في محافظة –على سبيل المثال- طرطوس, 25 شيوعياً جناح وصال فرحة بكداش قبالة 130 شيوعي جناح يوسف الفيصل).

سبق للحزب الشيوعي السوري أن لعب, في بداياته, دوراً تنويرياً في حياة سوريا الاجتماعية والثقافية والسياسية, فلقد كان دوره أساسياً في تشكيل النقابات العمالية في ثلاثينات القرن الماضي, وفي عام 1946 استطاع تنظيم حملة واسعة من أجل قانون العمل ونجح في عرضه على البرلمان السوري الذي أقره وقد كان هذا أول قانون عمل في سوريا. ويذكر المؤرخ الميداني الدكتور عبد الله حنا, من خلال القرى التي زارها, أن للشيوعيين أثرهم الواضح في القضية الفلاحية, كما كان حزبهم سبّاقاً في فتح المدارس ونشر التعليم بأقساط رمزية, تجدر الإشارة هنا أنه كان منافساً شرساً للحزب القومي السوري في هذا المجال, حتى أن القيادي الشيوعي الراحل دانيال نعمة حوّل منزله في بلدة مشتى الحلو(قضاء محافظة طرطوس ) إلى مدرسة بعد أن أغلقت السلطات السورية المدرسة التي فتحها الحزب في خمسينات القرن الماضي في عهد الرئيس السوري الراحل أديب الشيشكلي.

وان نسينا لن ننسى أن الحزب الذي نعني كان له الفضل الأكبر في اختراق النسيج الاجتماعي, في مجتمع محافظ كدمشق وفي زمن مبكر جداً, وان كان بنسب ضئيلة, فقد كانت أول امرأة شيوعية سورية تُدعى فلك طرزة من دمشق, وكانت في صفوف الحزب قبيل سنة 1937 ومنذ كان ناصر حدة هو الأمين العام للحزب الشيوعي.

أما على الصعيد الداخلي فقد كانت الطبقة العاملة, التي كانت إحدى مبررات ولادة الحزب, من حيث هي عامل موضوعي, طبقة جنينية, فباستثناء عمال التبغ والترمواي وخطوط السكك الحديدية لم يكن في سوريا عمال بالمعنى الحقيقي لا المجازي للكلمة! وهذا المطب وقعت فيه معظم التنظيمات الشيوعية العربية في بداياتها. فليس سرّاً القول أن هذه الأحزاب أخذت بمفهوم الطبقة العاملة في بلدان لا توجد فيها طبقة عاملة! والمفارقة أنه من بعد أن أصبح ثمة حضور واضح للطبقة العاملة في الحياة الاجتماعية السورية اكتشف الحزب أن لا حضور حقيقي له في أوساط هذه الطبقة! ولا أخال أن هناك من يجهل صميمية علاقة هذه الطبقة في التركيب الطبقي لأي حزب ماركسي شيوعي. وقد انتبه النقابي الشيوعي السوري إبراهيم بكري(عميد الشيوعيين السوريين اليوم ) إلى هذا الاختلال الخطير في وقت متأخر نسبياً مشيراً إلى أن مثل هذا الاختلال من العوامل المستمرة في أزمة الحزب, وبدوره تطرق إليها دانيال نعمة في محاضرة له في المؤتمر الرابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي أواخر عام 1971, ويضيف الأخير في بحث كتبه عام 1986 أنه “في الوقت الذي يزداد فيه عدد العمال في سورية, وتنمو فيها الطبقة العاملة عدداً ووعياً, يتقلص عدد العمال في حزبنا ويتناقص تواجد كادراتنا النقابية ذات التجربة والكفاءة ” فضلاً عن أن مؤسسات عديدة كبيرة وصغيرة لا أثر تنظيمي للحزب الشيوعي فيها حتى الآن!.

إذاً ثمة أزمة بنيوية وتنظيمية في الحزب الشيوعي السوري منذ البدايات والأمثلة سابقة الذكر تشي بتلك الأزمة التي كُرست أثناء الصراع على السلطة داخل الحزب الناتج بدوره عن فساد تنظيمي وإداري, فكما يستشف القارئ من كتاب “تاريخ الحركة الشيوعية السورية- الصعود والهبوط” الصادر حديثاً عن دار نون4 لمؤلفه عبد الله حنا أن الراحل خالد بكداش كان يبعد من الحزب كل من يجد فيه سمات قيادية! وغني عن البيان السبب في ذلك. إضافة إلى اعتماده –أي بكداش- منهج الفصل التعسفي لبعض رفاقه من الحزب مثال فصله لرشاد عيسى كون الأخير انتقد موقف قيادة الحزب من قرار تقسيم فلسطين, علماً أن رشاد عيسى كان يعتبر الشخصية الثانية في الحزب بعد بكداش.

من جانب آخر تؤكد الوثائق أن الحزب عقد مؤتمره الثاني بين عامي 1943/1944 من ثم بقي حتى أواخر أيار من عام 1969 ليعقد مؤتمره الثالث في جو نصف سري نصف علني, أي بقي ربع قرن دون مؤتمرات! مايعني غياب الرقابة الحزبية طوال تلك الفترة عن القيادة!! وربما لولا أجواء هزيمة حزيران لما كان عقد ذلك المؤتمر, إذ ضاعفت الهزيمة من وتيرة المشاعر القومية التي حمل لواءها المكتب السياسي للحزب في ذياك الزمن( إبراهيم بكري , رياض الترك , ظهير عبد الصمد , دانيال نعمة ) على حساب الولاء الأممي الذي كان يقوده(الأمين العام) خالد بكداش, ما عمق بالتالي الخلاف بين المكتب السياسي واللجنة المركزية من جهة والأمين العام للحزب من جهة أخرى.

يذكر بعض القياديين في الحزب أن بوادر الانقسام الأول تعود إلى عام 1956, وتحديداً بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الذي أدان فيه خر وتشوف ديكتاتورية ستالين, وقد نشطت الكتلة الشيوعية سنتذاك ضد عبادة الفرد, وصدر قرار(في سوريا)عقب ذلك المؤتمر يمنع وجود مثل هذه العبادة, إنما يوجد فرد شغيل و أفراد عاجزون عن العمل كـ( فرج الله الحلو , نقولا شاوي , حسن قريطم…) من وجهة نظر خالد بكداش على عهدة دانيال نعمة , وكان قد استدعاهم بكداش من بيروت إلى دمشق إثر نجاحه في الانتخابات النيابية 1954 بغية العمل في جريدة الحزب, علماً أن مؤتمر الحزب الثاني 1943/1944 كان قد أقر باستقلالية الحزب الشيوعي اللبناني عن شقيقه السوري وان كانت السلطة الفعلية بقيت بيد بكداش.

على الرغم من كل مافي المرحلة السابقة من عيوب وثغرات ونواقص, قبالة ماحققوه من حضور وإنجازات, إلا أنها كانت مرحلة اتسمت فيها حياة الحزب بالديناميكية الناجمة بدورها عن قوة الحزب الذاتية التي فقدها تدريجياً بفعل عوامل موضوعية عدة, منها الانشقاقات التي شهدها, ومنها يتعلق بانضمام الحزب إلى الجبهة الوطنية التقدمية بالصيغة التي أرادها حزب البعث, ولاشك هي صيغة أضرتّ بالحزب الشيوعي ومستقبله على أكثر من صعيد.

وحول عوامل الضعف هذه يرى الكثير من الشيوعيين السوريين السابقين أن ما أضعف حزبهم يعود إلى أكثر من عامل, منها يتمثل في لجوء الشيوعيين السوريين إلى السوفييت (سابقاً) لحل خلافاتهم دون الأخذ بعين الاعتبار أنه قد يكون للسوفييت مصالح قد لاتتناسب ومصالح الشيوعيين السوريين. ومن تلك الأخطاء إطلاق الكثير من التصريحات التي لم تكن في صالح الحزب, مثل ذلك قول أمينهم العام السابق خالد بكداش, مثلاً :”إن لكل مناضل وطنان , الاتحاد السوفييتي ووطنه” دون أية مراعاة للمشاعر القومية المتأججة بعد هزيمة حزيران أو أية مداراة للثقافة الخاصة بشعب ما له عاداته وتقاليده المختلفة عن الآخر.

الآن, لننس كل ما سبق ذكره ولنسأل سؤالاً محدداً: ترى هل يوجد للحزب سياسة خارجية مستقلة تحدد هويته واستقلاليته كحزب طبقي له تاريخ نضالي وسياسي! أم أن سياسة حزبهم(الداخلية والخارجية) متماهية مع سياسة النظام, وكل مايصدر عن القيادة السياسية العليا للبلاد هو من وجهة نظرهم صواب وحدث “تاريخي”؟. إن كان الأمر كذلك, وشخصياً أحسبه كذلك, فلعمري أن هذا التماهي كارثة بحد ذاته, فضلاً عن أنه يسقط شرعية وجود أي حزب.

إن حياة التقشف والحفاظ على نظافة الكف والزهد التي عاشها قادة الحزب( بكداش , نعمة , الفيصل …) بعزوفهم عن بعض مغريات الجبهة المادية على نقيض معظم حلفائهم “الجبهويين” من عاشقي السكنى في حي “المالكي” الراقي في دمشق والارتماء في أحضان الشقق المدللة (حسب تعبير بعض متملقي النظام) , قبالة إيثارهم السكن في دور صغيرة ( مساحة منزل أحدهم تتراوح بين 70م 125 م ضمن أحياء سكنية عادية ), إضافة إلى عراقة حزبهم, هذا كله لم يكن ليشفع لهم في ما آل إليه وضع الحزب من ترهل وضعف إلى أن صار عدد الشيوعيين السوريين وعلى اختلاف مسمياتهم لا يتجاوز 8000 شيوعي سوري حالياً في أحسن الحالات تفاؤلاً(لاحظ أن عدد المساجد في سوريا بات أكثر من عدد الشيوعيين!), ومن الطبيعي أن هذا الرقم (وللتذكير فقط هو رقم مقسوم على أربع فئات متخاصمة أو خمسة) لا يعكس نسبة قوى تؤهله للقيام بأي دور فاعل في سوريا اليوم والغد.

لقد وجد يوسف يزبك(أول أمين عام للحزب) ذات يوم من عام 1974مايفخر به وهو في خريف العمر إذ قال: ” أنا عميد جميع أصدقاء الاتحاد السوفييتي , وأقدم معجب به في طول الشرق وعرضه “. ترى هل يجد شيوعيو اليوم مايفخرون به حقاً؟ آمل ذلك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى