صفحات ثقافية

لدينا 27 في المئة ممن هم تحت خط الفقر في العالم، أوسكار فيلم المليونير المتشرد

null
الإحسان هو في معظم الأحيان شكل من أشكال التملّق الذليل. لا يعطي الأثرياء لأنهم يتعاطفون مع الفقراء بل لأنهم يحتاجون إلى شيء ما من الله على أساس صفقة فورية. يشترون الحظوة الإلهية بواسطة الهبات. وأحياناً يكون هذا النوع من العبادة أقل طهارة.
شهدنا حالة مشينة العام الفائت حيث اصطفت “هرر سمينة” للتصدّق على كالاواتي، وهي أرملة مزارع من فيداربا، لأن راوول غاندي أتى على ذكر فقرها في خطاب ألقاه في الغرفة الدنيا في البرلمان الهندي المعروفة بمجلس الشعب. نأمل ألا يكون راوول غاندي قد تأثر بهذا الرياء.
هناك انفصام في الشخصية الوطنية وعُسر قراءة إعلامي في التعاطي مع الرفع الدونكيشوتي للفقر الهندي في أنغلو-أميركا. لقد أتقن المتخمون الهنود صيغتهم: يستغلّون الفقر عندما يستطيعون ذلك [انظروا كيف يتصرّفون في شكل عام حيال خدّام المنازل ولا سيما الأولاد]، ويبقون على مسافة آمنة منه عندما لا يتمكّنون من استغلاله. يجد ابن مومباي الذي يتكلّم الإنكليزية متعة في رؤية حي دارافي من خلال “هوبووود” (وهل من تسمية أفضل للشراكة بين هوليوود وبوليوود؟) أكبر من تلك التي يجدها في التوقف في الحي الكبير في طريقه إلى المطار. الخيال أكثر استساغة بكثير من الواقع. فهو يأتي مغلَّفاً بموسيقى راخا رحمن.
اللامبالاة هي الوجه المحترم للاحتقار. لا يفهم الأثرياء لماذا تثير تسمية ولد “كلب الحي الفقير” (slumdog) كل هذه الضجة، وربما كان السبب أنهم يعاملون كلابهم بصورة أفضل من معاملتهم لأولاد الأحياء الفقيرة. هل يجري الإعداد لفيلم بعنوان الرأسمالي كوتا مالابار”؟ لا أظن ذلك.
لم يكن هناك ترياق لوباء التلاعب اللفظي على كلمة “كلب” الذي انتشر في الصفحات الأولى للصحف بعد حفل توزيع جوائز الأوسكار. وكانت معاناة اللغة الإنكليزية واضحة إذ جرى تعذيبها بما يفوق التصوّر، لكنه ثمن ضئيل انتزعه الإبداع التحريري. كان للدعاية المفرطة تفسير واحد: نحب فكرة الفوز ولو كان ذلك من خلال وكلاء.
وقد لقي محمد أزهر الدين، “النجم الكلب”، ترحيباً لدى عودته من هوليوود، إذ استقبلته أكاليل الزهر في المطار وعشاء على ضوء الشموع في منزله. كانت الشموع حاجة ضرورية وليس إضافة رومنسية متكلّفة. هكذا هي الحياة في اسفل المخيم: لا يستطيع إدموند هيلاري [مستشكف الجبال النيوزيلندي] أن يعيش على قمة إفرست إلى ما لا نهاية. الفقراء واقعيون جداً. القدر ثابت بالنسبة إليهم وليس متقلّباً؛ فهو لا يعدهم بالثروة. لقد رفض أهل أزهر الدين بوضوح استثمار المبالغ المكتسبة من البريق الزائل في رفع مكانتهم الاجتماعية التي قد تصبح غير قابلة للاستدامة. وتناول أزهر الدين طعامه برضى لم يكن ليشعر به عند تناول الهمبرغر.
أما قصة العام عن الأحياء الفقيرة فقد نُشِرت في الصفحات الداخلية لوسائل الإعلام المكتوبة. بحسب دراسة أجراها معهد الإحصاءات الهندي عن أقاليم البلاد البالغ عددها 575، الفقر المديني هو الأسوأ في مومباي، أي المدينة التي تُسوَّق بأنها شنغهاي المستقبل. وأضافت الدراسة أن عدد الأشخاص الذين يعيشون دون خط الفقر ارتفع – وأشدّد على كلمة ارتفع – بنسبة 20 في المئة في الأعوام الخمسة الماضية. مرشد أباد التي كانت من قبل عاصمة نواب سراج الدولة ووصفها [الجنرال البريطاني] المنذهل [روبرت] كلايف بأنها أكثر ثراء من لندن عندما رآها أول مرة، هي الآن أفقر إقليم في البلاد حيث يعيش 1.47 في المئة من السكان دون خط الفقر.
واعتبر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في تقرير منفصل أن تركّز الجوع الأكبر في العالم موجود في الهند: هناك 230 مليون شخص يعانون من الجوع أو 27 في المئة من العدد الإجمالي في العالم. خمسون في المئة من الوفيات لدى الأطفال سببها الجوع. وحوالى 43 في المئة من الأولاد دون سن الخامسة هم دون الوزن المطلوب، مقارنة بـ28 في المئة فقط في أفريقيا جنوب الصحراء. كما يعاني 70 في المئة من الأولاد دون سن الخامسة من فقر الدم، مع العلم بأن الرقم سجّل ارتفاعاً بمعدل ستة في المئة في الأعوام الستة الأخيرة.
أما المحطات التلفزيونية التي تصدّ الهجمات عن قيم الطبقة الوسطى، والتي راحت تصرخ بأعلى صوتها احتفالاً بالفوز بجوائز الأوسكار، فقد تجاهلت هذه التقارير في شكل كامل. ولم تُنعم عليها حتى بخبر صغير في الشريط الإخباري الذي يمرّ مسرعاً في أسفل الشاشة الشديدة التبجّح في القنوات الإخبارية. لم يطرح أي مقدّم سؤالاً عن سبب ارتفاع عدد الأشخاص دون خط الفقر بنسبة 20 في المئة في الأعوام الخمسة الماضية في حين أن جميع وزراء الاتحاد الهندي أعلنوا أن حقبة النفاية قد انتهت وحل مكانها عصر الذهب.
غير أن هذه الوقائع ليست مستساغة لعرضها على التلفزيون. فهي لا ترقص على إيقاع الموسيقى. من يجرؤ على أن يقول للمتخم إن الجوع هو الحصار الأكبر من الداخل؟
“ذي تايمز أوف إنديا”
ترجمة نسرين ناضر
مبشر جواد أكبر
(صحافي وكاتب هندي)
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى