ما يحدث في لبنان

الفـخ المذهبي

ساطع نور الدين
لانها خطوة ناقصة كانت محصلتها سلبية، ولن تساهم الا في تسليط المزيد من الضوء على الهوة السحيقة بين السنة والشيعة في لبنان، التي تمثل انعكاسا لحروب اهلية ضارية تدور في مختلف انحاء العالم الاسلامي، لا سيما العراق، بين اتباع المذهبين الاسلاميين الرئيسيين اللذين يكتشفان كل يوم اسبابا اضافية للفتنة.
وثيقة التفاهم التي جرى توقيعها بالامس، بين قوى سلفية سنية وبين قياديين من حزب الله الشيعي، كانت تعبر في المقام الاول عن قلق صحي متبادل ازاء مستقبل العلاقات المضطربة بين المذهبين التي تردت في اعقاب الهجوم على بيروت في ايار الماضي، وعن سعي جدي لتصحيحها ومنعها من الانحدار الى المواجهة الشاملة التي اقتربت منها اكثر من مرة على مدى السنوات الثلاث الماضية.
لكن عنوان الوثيقة ومضمونها والتواقيع التي تحملها لم تكن تخدم هذا الهدف المعلن، ولا سيما أنها ارفقت بتحفظ واضح من الجانب السني الذي لا يمثل التيار الاكبر والاقوى عن اهل السنة، ومن الجانب الشيعي الذي اوحى بانه لا يوقع باسم حزب الله كله بل فقط باسم قياديين فيه، على نص يحتوي على خليط عجيب بين ما هو ديني وما هو سياسي، وعلى ادعاء غريب بانه ليس افتاء فقهيا كما ليس عملا انتخابيا.
ان يقدم حزب الله على مثل هذه الخطوة في اتجاه تلك الزاوية الضيقة من العالم الاصولي السني، يعني اولا انه يدرك عمق الهوة التي حفرت بين السنة والشيعة في لبنان، نتيجة سياسات وممارسات خاطئة، كما يوحي تاليا انه مستعد للذهاب الى ابعد حدود ممكنة، اي الى خبايا طرابلس بالذات ، من اجل ازالة الشوائب عن صورته كحزب مقاوم همه الاول هو الصراع مع اسرائيل واميركا، وتجنب الفتنة بين المسلمين مهما كان الثمن.
لكن اختيار تلك الجهة السلفية بالذات كان بمثابة فخ وقع فيه حزب الله، وادى الى استنفار عصبية سنية كان يفترض اختراقها، وهي سبق ان ثارت عندما اختار الحزب حلفاء من السنة يزايدون عليه في المقاومة والممانعة، وفي الحملة على مؤسستهم الدينية والسياسية… وهو ما ساهم، وللمرة الاولى، في بلورة الهوية الدينية والسياسية للطائفة السنية التي تشعر انها تتعرض في هذه الفترة لواحد من اخطر التهديدات لموقعها ودورها في التاريخ اللبناني الحديث.
اما النص نفسه فانه لم يكن يوحي ايضا بان الحزب مستعد لدفع الثمن من اجل تفادي الفتنة. لعل العكس هو الصحيح: من اهداف التفاهم الوقوف في وجه المشروع الاميركي الصهيوني، الذي كان ولا يزال من العناوين الرئيسية للصراع الداخلي، مثله مثل التحالف مع سوريا وايران… الذي كان له دوره ايضا في رسم خطوط الانقسام المذهبي الموجود في نفوس المسلمين السنة والشيعة قبل قيام الولايات المتحدة واسرائيل بقرون.
ذهب حزب الله بعيدا جدا عن العنوان السني الافضل للشيعة خاصة، ولبقية الطوائف اللبنانية عامة، لانه الاكثر استعدادا للتعامل مع الحزب بصفته السياسية وليس المذهبية… التي استحضرتها الوثيقة بالمجان.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى