جلال/ عقاب يحيىصفحات العالم

نذير البشير.. لواقع مثير..

جلال عقاب يحيى
بين مصفَق ومشفق ومصفَق يأتي قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني ” نتيجة جملة من الاتهامات الجرمية” . ينفتح الباب، فتكثر الآراء، وتقتحم الأحلام رؤوس الكثير من عشاق الحق والحقيقة عن الممكن، والجائز، بينما الغصَة في الحلوق لأن مجرمين حقيقيين، من العيار الثقيل، يبقون خارج الاتهام،والمساءلة.. أولئك المسيَجون بقوة دولهم ونفوذها، وسيطرتها.. الأمر الذي يلقي بظلال قاتمة على الحلم، ويجعل كثير العرب كبالع الموس .
القرار : عقاب، ودرس، وإنذار، ومنعطف أيضاً لهؤلاء الحكام الذين مارسوا فعل القتل المنظم لشعوبهم . اغتالوا، وارتكبوا المذابح الجماعية، وانتهكوا حقوق الإنسان، وشرفه، وعرضه، وكرامته، وبالاعتقاد أنهم فوق القوانين، وفوق المحاسبة طالما أن الاستبداد المستبد يحميهم، أو فعل المقايضات والتسويات والمصالحات ينجَيهم . مارس معظمهم جرم اغتصاب حقوق الوطن والمواطن، والجرم كثير الأشكال، عميق الأثر، وشديد التغوَل، ومع ذلك فكثيرهم لم يحاسب لا من قبل الشعوب المغلوبة على أمرها، ولا من المعارضات الضعيفة، العاجزة عن انتزاع الحقوق، وكأنه لم يبقَ سوى حبل العكاز الدولي بكل تناغم المصالح والغايات، والاستراتيجيات فيه، حتى بدا مثل حبال الأراجيح التي يلعب بها الكبار لغايات تخصَهم، ووفقاً لمعايير يضعونها هم، ويطبقونها وقتما يريدون .
عقود طويلة وحاكم السودان سلطة مطلقة، ومشاكل السودان تتفاقم، فينام على وسادة قوة العسكر الذين يدعمونه، المحشوة بالكثير من الإيديولوجيا التعبوية، الغوغائية عن الأعداء الداخليين، والخارج، والمؤامرة، والصهيونية، ودول الجوار، وعلى ترسانة من نهج فردي يتلاعب بالغرائز، ويركب على إيديولوجيا دينية عندما يلزم الأمر، وغيرها في أوقات أخرى، وكأن ما يقوم به النظام لا غبار ولا دماء ولا ضحايا عليه، ولا من يحاسب أو يراقب أو يعَقَب ويعاقِب، حتى إذا ما احتقنت الدماء في الجنوب باتفاقية قابلة لتفسيخ السودان.. كانت ” دارفور” الجرح المفتوح، الكاشف والامتحان، فالخاصرة الضعيفة والمدخل، وهذا الطوفان من المخاطر المحدقة بالسودان .
سنوات ونظام السودان يفعل الذي يريده، وما كان أحد يسمع عن مشكلة في تلك المقاطعة الغنية، البلد (دارفور)، وبدلاً من أن يعالج المشاكل الإثنية، والقبلية وغيرها بروح المواطنية التي تساوي بين جميع المواطنين بغض النظر عن المتقرَب منه، والبعيد، وعن الأصول العرقية، والدينية(وسكان دارفور مسلمون بأغلبيتهم الساحقة)كان القمع والسحق، والقتل، وشبه الحرب الأهلية وسيلته لوضع اليد على المشاكل القديمة، والمتولدة عن ممارساته، تماماً كبقية الأنظمة العربية التي عجزت، رغم عقود تأبيدها في السلطة، عن حلَ أيَ من المشكلات البنيوية : دينية كانت، أم مذهبية، أم قومية، أم اجتماعية، أم اقتصادية، ناهيك عن المسألة الوطنية والقومية . على العكس تفاقمت تلك الظاهرات. تورَمت من الاحتقان ووصلت الانفجار في بعض الحالات، كما هو السودان، مما سمح لكل الأيدي الخارجية باللعب، والعمل، والنفاذ منها إلى ما تعتبره أهدافاً لها .
أنظمة الاستبداد قهرت وتقهر شعوبها . قتلت وأجرمت . سفكت الدماء وقامت بأشكال مختلفة من الإبادة. والإبادة أنواع، وإن كان هدفها واحد : ديمومة النظام وفق فلسفة العنف والقوة والإركاع، واغتصاب الحقوق والحريات . وعديدها مارس فعل الاغتيال والتصفية، وقتل المعارضين واعتقالهم ومطاردتهم، وخنق أصواتهم، وتلبيسهم التهم الرائجة، وشلع الآدمية في مسالخها المفتوحة، وسراديبها الكبيرة للتعذيب والانتهاك، وهي تعتقد أنها مطلقة اليد، وقد كانت كذلك عقوداً تستخفَ بكل شيء، وعند اللزوم تقايض وتتنازل للخارجي، وتتشدد أكثر داخلياَ، حتى إذا ما جاء قرار المحكمة الجنائية الدولية اختلط الحابل بالنابل، ولمَس القتلة على رؤوسهم، والمجرمون على جرائمهم فراحوا يعلنون التضامن، ويصرخون بأعلى الصوت عن السياسة والتسييس، والانحياز والتدليس، والكيل بمكيالين، ثم المؤامرة المتآمرة، والصهيونية، وأمريكا، وإبليس !! ..وآخرها ” حصانة الرؤساء”، وكأنهم فوق المساءلة والحساب مهما اقترفوا من أفعال جرمية ..
خلط مقصود يخاطب غرائز وعواطف الشعوب وهي محقونة من فعل الأعداء الخارجيين وجرائمهم النوعية التي تتكرر وتتكدَس ولا من محكمة، ولا من قرار، ولا حتى من إدانة !!، الأمر الذي يمخر عباب سفن الحكام بتأييد شعبي وكأن الاثنين في سفينة واحدة هي البلد، الوطن، وكأنَ الحاكم، بقدرة قادر المحكمة الدولية يصبح بين عشية وضحاها ضحية، مغلوباً على أمره، ومستهدفاً من حلف الأعداء الخارجيين فتكثر الجمهرات، ويعلو الصراخ، وتلتهب الأكفَ بالتصفيق ..وتختلط المسائل، فيكثر التوظيف، وتعلو لهجة الخطب النارية الهوائية .
لاشك أن الصهيونية المتغلغلة، صاحبة المشروع الاستراتيجي تبحث عن موقع إصبع لها للعب والتخريب حيثما أتيح لها ذلك في الساحات العربية، والأكيد أنها حاضرة في “دارفور” بصور كثيرة، وأنها تغذي الشقاق، والاقتتال، وتدعم الأطراف المناوئة للنظام، وقد استقبلت”إسرائيل” عددا من قادة فصائل معارضة. وبصماتها، وغيرها، واضحة، لكن من الذي يفتح لها الأمكنة بالجملة ؟.. من الذي يوفر لها أسباب التدخَل والتلاعب غير النظام الحاكم وممارساته المنهجة التي تؤبَد القطيعة بينه وبين عموم الشعب، والقوى الأخرى المعارضة، وتفسح في المجال لكل استراتيجيات الدنيا بالتجوَل واستغلال أوضاع هي من نتاج النظام بالأساس، أو نتيجة سوء فعله، ومستوى معالجاته ؟؟..ونتيجة فشله المدوَي في إحقاق الحق، وتحقيق الوحدة الوطنية والترابية ؟؟!! ..
ولا شك أيضاً بأن السودان مطروح على طاولة التقسيم والتفتيت، واللخبطة، في أقل الاعتبارات.. فالسودان “قارة” غنية، والسودان كان يمكن أن يكون” سلة العالم” الغذائية، ومدخل الاكتفاء العربي في مواد أساسية كثيرة، والسودان عمق مصر الاستراتيجي، وخزان النيل ورفده الهام، وموقعه الجيوستراتيجي حساس في القارة الإفريقية ، ودارفور ” كنز” كبير يحتوي معادن نفيسة بالجملة.
والسودان مطروح على قائمة اهتمامات الولايات المتحدة، وشركاتها الاستثمارية العملاقة، والشركات متعددة الجنسيات، خاصة بعد اكتشاف النفط، و امتلائه بعديد الثروات المعدنية وغيرها..
ذلك كله صحيح، و”المؤامرة” لا تخفي نفسها، والمصالح معلنة لا تحتاج إلى عبقرية لمعرفتها، مثلها مثل التغلغل الصهيوني ـ الإسرائيلي، ويمكن المضي طويلاً في الحديث عن فصولها، وتلاوينها، وتحالفاتها ، وقواها، ونقاط استنادها، وكذا تورَط بعض القوى الداخلية فيها، وبعض دول الجوار..
لكن هذا كله شيء، وفعل ونهج النظام شيء آخر . النظام السوداني وقد حكم السودان عقوداً، هو المسؤول الأساس، هو الحاضن، والمدخل، وهو من يستدرج الخارج للعب وفعل التمزيق، وغيره، لأنه هو من قاد الأمور، بنهجه، وفرديته، واستبداده، وأحاديته، وقمعه، وتهميشه للآخرين…… إلى هذه النتائج الكارثية.. حين تصبح الوحدة الترابية مهددة من داخلها، وحين تنفصل قطاعات شعبية واسعة عن النظام فتحمل السلاح، وقد تتكئ على الخارج، وحين لا يجد أمامه سوى التنازلات المتتالية التي يرمي من ورائها ضمان بقائه، وحين يستخدم السلاح ضد شعبه، ويطلق العنان للمؤيدين أن يقتلوا ويمارسوا فعل الحرام والاغتصاب، والترحيل .
دارفور على خارطة القوى الكبرى، والمتربصون كثر، ومصر التي كانت حاضرة تاريخياً، مصر المتحدة مع السودان طويلاً غائبة، ونظامها أعجز من أن يفعل شيئاً، لذلك ترك السوسة تنخر سنوات، أهمل عمقه، وجزءاً من أمنه الإقليمي(أمنه القومي كما يقال) لكل من يريد التدخل والنفاذ، والبشير يبحث عن وسائل البقاء. يتراجع، ويتنازل، ويدعو المعارضة لشكل من الوفاق، ويبرم الاتفاقات وفقاً لمصلحة استمراره في الحكم أساساً.. ليصبح السودان كله على طاولة التقصيب والتفتيت.. والقادم أعظم .
****
لكن وقرار المحكمة الجنائية الدولية صدر بهذه السرعة، والكيفية.. ألا يحق للعرب، وبغض النظر عن موقفهم من فعل هذا النظام أو ذاك، أن يتساءلوا فعلاً عن المعايير الدولية التي تتعامل بها المنظمة الأممية وتوابعها المختصة مع فعل الإجرام، والإبادة الجماعية ؟؟..
أليس من حقنا أن نقف طويلاً عند صمَ آذانها، وإغلاق أبوابها، و”عدالتها” عندما يتعلق الأمر بالعرب ضد سفاحين حقيقيين مدعومين منها، وبقوة دولهم ولوبياتهم ؟؟…
ألم تسكت دهراً على أكوام الموبقات التي اقترفت بحق الأمة العربية في أمكنة شتى : وفلسطين الشاهد، والعراق أمثولة ؟؟ ..
****
هذه الأيام وموعد غزو العراق يقترب ، وهو الفعل الجريمة الموصوف دون أي مستند قانوني، أو دولي مشرَعن من الهيئة الأممية، أو من أي مبرر قانوني، وأخلاقي، وسياسي.. ألا يستوقفنا هذا الانحياز المريب ضد العرب، ولصالح التغطية على أكبر مجرمي هذا العصر ؟؟..
لقد مارست الإدارة الأمريكية المتعاقبة، بدءاً من عام 1990 ، فالعدوان الثلاثيني 1991 تحت يافطة ” تحرير الكويت”، فعل التدمير الشامل، والقتل الجماعي المنظم للشعب العراقي، فالحصار الظالم، الوحشي الذي قادته الإدارة الأمريكية وفرضته على الهيئة الدولية والعالم عبر الرئيس(بوش الأب) أدى إلى مقتل أكثر من /مليون ونصف المليون/ طفلاً عراقياً، ناهيك عن استخدام الأسلحة المحرَمة دولياً، خاصة اليورانيوم المنضب الذي أورث العراق أمراضاً بالجملة، ليست السرطانات العجيبة سوى بعض تجلياتها، ناهيك عن تأثيره القوي على البيئة، وصحة السكان لزمن طويل طويل، ومع ذلك صمتت الهيئة الدولية دهراً، ولم يتجرأ أحد على رفع الصوت بالإدانة، ناهيك عن تقديم المجرمين للعدالة، أو إدانة تلك الأفعال الجرمية، أو تحرك المحكمة الجنائية الدولية . .
سنترك حرب ال1991، والحصار الطويل، ونقف عند قرار غزو العراق /آذار 2003 / بتصميم وتخطيط مسبقين، ولصالح أجندة شيطانية لم تعد خافية على أحد بهدف واحد واضح : تدمير بلد عضو مؤسس في الهيئة الدولية، وإخراجه من جدار الاستناد والاقتدار العربي، وإغراقه بالدماء والفوضى، والموت، والفساد، والاجتثاث، والاغتيال، والتفتيت العمودي، ومحاولة رهنه بالقطعة للطامعين، أو المقايضة عليه ..
لقد أقدم بوش الابن، ومعه عصابته الإجرامية على فعل هو الجريمة الكاملة الموصوفة، حين قرر احتلال بلد دون أي مستند قانوني، أو شرعية دولية، أو سبب يسمح له بذلك، وماذا كانت النتيجة ؟.
تدمير الدولة العراقية بالكامل، وحل الجيش، والمؤسسات، وقتل واغتيال الآلاف، واعتقال وتعذيب عشرات الآلاف، وتعميم الفوضى لإطلاق غول النهب الجائع، والحقد المعمم، وإغراق العراق في الصراعات المذهبية والإثنية، ثم تعويمه في بحر من الدماء، وفي عمليات تهجير إلى الخارج والداخل تجاوزت الملايين(8 ـ 9) مليون مهاجر ما بين خارج وداخل العراق، ومقتل ما يزيد عن مليون نصف المليون عراقي، واعتقال عشرات الآلاف، وممارسة فعل الاغتصاب المنهَج، والتعذيب الحاقد، المريض( أحداث سجن أبو غريب عيَنة)، ثم اغتيال القيادة العراقية وفي مقدمها رئيس الجمهورية بتلك الطريقة البائسة، الحاقدة، ومعه عدد من رفاقه أعضاء القيادة.. وملاحقة واغتيال العقول العلمية، وقيادات الجيش الوطني، والرموز المقاومة، عدا عن عمليات التطييف، واستجلاب المرتزقة، والأطراف الإقليمية، والموساد، وما يشبه فصل الشمال.. وغيره كثير في صفحة العراق المليئة بالجرائم الفظيعة للإدارة الأمريكية السابقة ..
مع ذلك .. انتهت ولاية المجرم بوش، ولم نسمع أن ضمير المحكمة الجنائية تحرَك، أو اهتزَ لمقتل مئات آلاف أطفال العراق، أو لفعل الإبادة الجماعية المنظم، لمن انتهك شرفهم، وحقهم، وكرامتهم. لبلد استبيح بكل المقاييس . لم يتجرأ حاكم عربي(سوى العقيد القذافي) على أن يعلن كلمة في اغتيال الرئيس صدام حسين . ويستمر اختراق أمريكا كل يوم للقوانين الدولية، وشرعية الأمم المتحدة، حتى في عهد الرئيس أوباما ووعوده الغامضة، المرتبكة، والمتناقضة !!! …يتمَ كل ذلك وما سمعنا أحداَ يحرَك دعوى ضد المجرم بوش، أو أحد من عصابته الدموية، المتصهينة !!! …
سندع العراق ومأساته(لأن ليس للعراق من يبكي عليه، عربياً ودولياً)، ولأن تلك الشماعة عن النظام الديكتاتوري، وتوليفات التركيب والتضخيم، والترعيب والترغيب ترفع دوماً كيافطة ومنفذ وتبرير، أو كحق يراد به أهدافاً أخرى شيطانية، ولأن الشعب العراقي العظيم، الملتفَ حول المقاومة الباسلة، وحول برنامج التحرير والوحدة الوطنية، وعراق جميع مكوناته وأحزابه، العراق الحر، المستقل، الديمقراطي.. ستقدر على انتزاع بعض حقوقه، ومعالجة الجراح في قادم الأيي .
سندعه ونقف عند فلسطين الجرح المفتوح . فلسطين الاغتصاب، وفلسطين الجريمة المستمرة ونسأل : أين كانت الهيئة الدولية ومؤسساتها المعنية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، من فعل الإبادة المنظم بحق السكان الأصليين، والأرض والممتلكات والحقوق ؟؟!! ..
سنغمض العين، ولو قليلاً عن الفعل القديم ونمعن النظر في فعل الأمس القريب، والبارحة، واليوم .. ونعيد شيئاً من الذاكرة عن مذابح صبرا وشاتيلا ودور ومسؤولية المجرم شارون ونسأل : أين كنتم يا رافعي رايات العدالة الدولية من الذي جرى ؟؟..
سنغادر صبرا وشاتيلا لأنها قديمة، ولأن العرب ينسون، ولأن حكامهم لا يقدرون فعل شيء، ولأنهم يضطهدون شعوبهم ويغتصبون حقوقهم، فكيف لهم تحصيل حقوق شعب فلسطيني لا دولة مرسَمة له، ولا قوة معتبرة، ولا من يقدر على انتزاع حقوقه، ونذكَر بمجزرة مخيم جنين، وقرار الأمم المتحدة بفتح تحقيق في جرائم الإبادة التي ارتكبها السفاح شارون وجيشه.. وما كان مصيرها ؟.. وها هو شارون يرقد في العناية المشددة بعد أكثر من ثلاث سنوات ولم يُسأل مرة عمَا ارتكبه من جرائم وموبقات !!..
سنسكت على مضض وننظر إلى جرح غزة المفتوح : المحرقة، الإبادة، القتل المنهَج . الفعل المبرمج.. ونسأل : أين هي محكمة الجنايات الدولية مِن الذي حدث لغزة وأطفال وأهل وأحجار ومؤسسات وهواء وبيئة، وناس غزة ؟؟..وماذا يمكن تصنيف تلك الأعمال في نصوص القانون الدولي، وتوصيفات الفعل الجرمي، والإبادة المنظمة ؟؟..
نسكت مرغمين لأن النظام العربي : سفاح حقوق الشعوب ليس بوارده المطالبة بمحاسبة المجرمين، أو بالتعويض عن الدمار الشامل، لأنه أعجز من أن يحرز شيئاً ملموساً في هذا الجانب، ولأن أغلبيته من طينة مشابهة، وعديده مارس فعل الإبادة بحق شعبه وبحق حقوق الوطن، ومن لم يمارس يملك الاستعداد لذلك إذا لزم الأمر، والشواهد كثيرة في جروح الوضع العربي المتقيَحة .
نسكت ومجزرة اغتصاب فلسطين تتواصل كل يوم : هدم البيوت في القدس والقرى العربية، ابتلاع الأرض وقضمها وتهويدها، الجدار العنصري، المستوطنات الاستعمارية . القتل الدائم. الاغتيالات . حرب التجويع والحصار.. إلخ ..نسكت فيكبر الاحتقان والحقد والأمل بإمكانية تقديم بعض هؤلاء المجرمين للعدالة الدولية، أو الأوربية، لذلك فإن هيئات المجتمع العربي، الحقوقيين العرب، النخب، منظمات حقوق الإنسان العربية، جميع العاملين بالشأن العام . القوى الحيوية في الأمة. هيئات حقوق الإنسان العالمية.. معنية بفعل منظم، مدروس، متواصل لتقديم كل الوثائق، وطرق جميع الأبواب لتقديم القتلة، وفي مقدمهم ثلاثي إجرام محرقة غزة، وقادة الجيش المباشرين، وكذا المطالبة بالتعويضات لأهالي الشهداء والمعطوبين والجرحى، والمشردين، وعن الدمار المنهجي للبنية التحتية والعمران.. وهذا ممكن إن توفرت الإرادة، والاستمرارية، وأقله : فضح هذا البنيان الإجرامي للعدو، وردعه عن مواصلة جرائمه الإبادية .
****
بقي أن نقول : أن ممارسة الهيئات الدولية لبنود ميثاق الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان، والحفاظ على حياته يمكن أن يشكل منعطفاً تاريخياً للبشرية، يبشر بإمكانية الحد من فعل الإبادة والإجرام والاغتصاب والاغتيال الذي تقوم به النظم الحاكمة بحق الشعوب المغلوب على أمرها . لكن ، بالمقابل، فهذا التحيَز الفاضح بقدر ما يزيد الاحتقان الشعبي، و ينمَي ويصعَد مقومات التطرف، والشعور بالظلم، ويقوَي العداء والكراهية ضد الغرب بعمومه، ومؤسساته المعنية على الخصوص، بقدر ما تحاول بعض النظم استخدامه كمتراس جديد للاستبداد والدكتاتوريين، كي تضع نفسها في الموقع المتصادم مع الغرب الإمبريالي، ومع الصهيونية ، وكأنها تدفع ثمن” مواقفها” وليس معاقبتها على فعل موصوف .
نعم، وبظل هذه المعايير، وما يُقرأ من حقد بعض الغربيين على العرب، وطريقة تعاملهم، وهيئاتهم في “المؤتمرات الصحفية”، وسرعة اتخاذ القرار، وشكله، وتداعياته.. يحاول البشير أن يركب أكتاف الشعب ويعتلي عليها كبطل وطني وقومي وتحرري، تماماً مثلما يفعل غيره أمام قرع أجراس المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رئيس الوزراء اللبناني : رفيق الحريري..فيقوم بعملية خلط واسعة يستغل فيها توجهات الشعب، وتحيَز الهيئات الدولية لإيجاد مخارج له، أو للتملص من الحكم الصادر .
كان يمكن أن ترحب الشعوب كثيراً بمثل هذه القرارات لو جاءت متوازنة، لأنها الرادع، ولأنها قد تضع حداً لممارسة الفعل الجرمي بحق الشعوب.. لكن ومجرمين من العيار الثقيل والمتميز لا يُسألون، ولا يعاقبون.. ألا يعني ذلك إحداث شروخ جديدة في شعوبنا ستصبَ في طاحونة العداء والكراهية، والتطرف ، وفعل الاستخدام والتلبيس والتسييس ؟؟!!..
نعم كنا نتمنى لو أن المحكمة الجنائية الدولية ساقت، على قدم المساواة، جميع المجرمين، جميع منتهكي حقوق الشعوب . جميع من مارس فعل الإبادة متعددة الأشكال وقدمتهم إلى محكمة عادلة.. يصدر عنها الحكم الذي يستحقون..حينها كنا سنصفق لها كثيراً من قلوبنا، ونبتهج بمقدم عهد جديد يعدنا بمحاسبة كل من يقترف جريمة إزاء الشعب والغير ..
حينها.. يكون عهد جديد فعلاً قد بدأ . عهد يضع الحد والحدود للقتلة والمجرمين .. لتنعم الشعوب بالأمن والأمان، ويحلً الحوار وحق الاختلاف بدل الاغتيال والتصفية والعدوان والاغتصاب ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى