صفحات العالم

أي مستقبل للاتحاد من أجل المتوسط الذي أطلقه ساركوزي؟

باتريك سيل
لا شك أن مشروع الرئيس نيكولا ساركوزي العظيم الهادف إلى إقامة اتحاد من أجل المتوسط يواجه مشكلةً خطيرة. فبعد إطلاقه وسط احتفال باذخ في باريس في 13 تموز (يوليو) الماضي أمام 43 رئيس دولة، راح يتخبّط في المشاكل السياسية العالقة.
وما من مشكلة معوّقة أكثر من نيران النزاع العربي – الإسرائيلي التي اندلعت في شهر كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير)، عندما بدأت إسرائيل هجومها على قطاع غزة. وقد دفعت هذه الحرب مصر إلى الطلب رسمياً تعليق كل الاجتماعات ذات الصلة بالاتحاد من أجل المتوسط. ولم يتمّ عقد أي اجتماع منذ شهر كانون الأول الماضي. وحتى الآن على الأقل، لا يريد العالم العربي أي علاقة مع إسرائيل. وقد تمّ تجميد مشروع الاتحاد ولا شك أنه سيبقى على هذا النحو إلا في حال قرّر قادة الدول العربية، الذين من المقرر أن يجتمعوا خلال قمة تعقد في قطر في نهاية الشهر الجاري، إعادة إحيائه.
غير أن ساركوزي لن يستسلم بسهولة. فمشروع الاتحاد هو حيوي بالنسبة إلى سياسته الديبلوماسية العالمية. أما شعاره فهو “مستقبل أوروبا يكمن في الجنوب”. وقد سافر الأسبوع الماضي مبعوثان رفيعا المستوى من قصر الإليزيه إلى مونتي كارلو حاملين رسالة مفادها أنه على رغم العقبات، لا يزال الاتحاد من أجل المتوسط حياً وقوياً.
وقد توجه مبعوثا ساركوزي إلى «نادي موناكو» وهو تجمع بارز لقادة الدول والمفكرين الدوليين الذين يجتمعون مرة في السنة بهدف مناقشة المشاكل المتوسطية وذلك برئاسة أمين عام الأمم المتحدة الأسبق بطرس بطرس غالي وكلود دو كيمولاريا وهو سفير فرنسي سابق وصاحب مصرف. وقد حوّل كيمولاريا الذي يتمتع بحضور قوي، هذا النادي على مدى السنوات التسع الماضية إلى منتدى نقاش مستقل وفاعل.
إلا أن خطوة مصر لجهة تجميد كل الاجتماعات حول موضوع الاتحاد من أجل المتوسط هي خطوة لافتة. فعلى رغم أن الرئيس حسني مبارك يشارك ساركوزي في رئاسة الاتحاد وعلى رغم أن مصر هي في سلام مع إسرائيل، شعر مبارك أن لا خيار أمامه سوى أن يذعن للرأي العام المصري والعربي الذي يشعر بغضب عارم بسبب حرب إسرائيل المدمرة.
ويعتبر مشروع الاتحاد من أجل المتوسط ضحية أخرى لقوة إسرائيل العسكرية الوحشية وغير المنظمة التي لم تنجح سوى في تدمير قطاع غزة وفي إثارة مشاعر الكره إزاء الدولة اليهودية.
أما العائق السياسي الآخر والمهم الذي يعترض مشروع الاتحاد من أجل المتوسط فهو الخلاف بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية، مما حوّل هدف إنشاء الاتحاد المغربي العربي إلى سراب. ولا تزال الحدود بين القوتين الكبيرتين في أفريقيا الشمالية مقفلة. فلا يمكن التحدث عن مشاريع متوسطية مشتركة إلا في حال تمّ حلّ الخلاف. ويحاول كريستوفر روس مبعوث الأمم المتحدة الذي يجيد اللغة العربية أن يساعد على التوصل إلى حلّ لكن يبدو أن مهمته لا تزال عسيرة.
وكما هو معلوم، فإن الاتحاد من أجل المتوسط الذي أطلقه ساركوزي هو بمثابة إعادة إحياء لعملية برشلونة الفاشلة التي انهارت لأنها اعتُبرت وسيلةً للشمال ليملي شروطه على الجنوب. وعندما تمّ إطلاق العملية في العام 1995، كانت أجندتها غير المعلنة تقوم على حماية أوروبا من الإرهاب في الشرق الأوسط فضلاً عن رفض استقبال المهاجرين من الجنوب وحماية إنتاج أوروبا الزراعي من المنافسة.
وهذه المرة، بدت الفلسفة مقبولةً أكثر وهي تقول إنه يجب على الشمال والجنوب أن يعملا معاً على أساس المساواة بغية تطبيق بعض المشاريع التي تتمتع بمصالح حيوية للطرفين لا سيما في ظل تغير المناخ الخطر الذي نشهده. وقد فرض الاضطراب المالي العالمي ضرورة التحرك من أجل التعاون.
وتتضمن المشاريع التي تتم مناقشتها حسن إدارة موارد المياه النادرة وتطوير الطاقة الشمسية ومصادر أخرى للطاقة المتجددة وتشجيع النمو المستدام وتنظيف البحر المتوسط الملوث وحماية الموارد تحت البحار وإرساء خطوط بحرية وتشجيع التعليم العالي والبحث العلمي وبناء المراكز التكنولوجية العالية وتحديد المشاريع الخاصة في كل بلد وجمع الأموال العامة والخاصة.
وقبل أن يتم تعليق الاجتماعات في شهر كانون الأول الماضي، تم عقد اجتماعات للخبراء وقد تم إحراز تقدم طفيف. ويتم الإعداد لعقد مؤتمر وزاري مهم حول النمو المستدام ومن المتوقع عقده في موناكو في بداية شهر حزيران (يونيو). وقد يتمّ تشكيل أمانة عامة للاتحاد من أجل المتوسط في برشلونة على رغم أنه لم يتمّ بعد اختيار الشخص الذي سيترأسها.
كما سيتم عقد قمة لرؤساء دول الاتحاد من أجل المتوسط في الأشهر الأولى من العام 2010 خلال رئاسة اسبانيا للاتحاد الأوروبي. ويوافق الجميع على أن الأشهر الثمانية عشر المقبلة ستكون أساسية لمستقبل حلم ساركوزي.
والمشكلة هي أن فلسفة الرئيس الفرنسي إزاء المشروع قد أثارت جدلاً كبيراً. فالبعض يعتبر أنه مشروع فرنسي بحت يهدف إلى تشجيع المصالح والأهداف الفرنسية. والدليل على ذلك هو مماطلة الدول الأوروبية. ويميل العرب إلى رؤية الاتحاد على أنه بمثابة حيلة لتشجيع التطبيع مع إسرائيل من دون أن تقدم إسرائيل أي تنازلات سياسية. وهم يفضلون شراكة بين الاتحاد الأوروبي والعالم العربي واستبعاد إسرائيل إلى أن توافق على إحلال السلام.
كما ينتقد عدد كبير من بلدان افريقيا الشمالية، مثل ليبيا والجزائر والمغرب، الاتحاد من أجل المتوسط بشدة ويبدو أنهم ينتظرون القليل منه. فهم يريدون أن يدخل مواطنوهم بحرية أكبر إلى أوروبا، غير أنه يستبعد حصول ذلك، فضلاً عن رفع مستوى المعيشة بغية سد الهوة الكبيرة في معدل دخل الفرد بين الشواطئ الشمالية والجنوبية للمتوسط. إلا أن الهوة في معدل دخل الفرد كبيرة للغاية، إلى حدّ أنه من غير السهل سدها. وتعتبر الحدود بين الشمال والجنوب غير متكافئة بتاتاً.
اما على الجهة غير الأوروبية من المتوسط، فيكمن قلق الزعماء والنخبة من ألا ينتج عن اتحاد ساركوزي أي أثر على حياة الشعوب في الجنوب. وعوضاً عن ذلك، يتم حالياً فرض سياسة حماية المنتجات الأوروبية لا سيما الزراعية منها. وتقوم الشركات الأوروبية مثل شركات صناعة السيارات بتقليص استيراد المواد من الموردين الأجانب ومن مصانع تجميع السيارات في ما وراء البحار. ويتم التعامل مع الهجرة السرية بقسوة. أما نقطة الضعف فهي أن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط لا يذكر أفريقيا جنوب الصحراء على رغم أن المهاجرين ينطلقون من هذا المكان ويسافرون عبر أفريقيا الشمالية ليصلوا إلى أوروبا، علماً أن عدداً كبيراً منهم يموت في الطريق.
وما لم تسفر الجهود الأميركية هذه السنة عن حل للنزاع العربي الاسرائيلي وما لم تظهر المشاريع الاقتصادية فوائد للناس العاديين، فان الخوف هو من أن يبقى اتحاد ساركوزي من أجل المتوسط مجرد حلم. وقد تكون العقبة الكبيرة التي يواجهها هي عدم تفاؤل الشعوب ويأسها لا سيما أولئك الذين يعانون فقراً مدقعاً ويعانون من القمع والاستبداد والدمار كما هو الحال في قطاع غزة.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى