قضية فلسطين

نزوع استعماري جديد

سليمان تقي الدين
تأييد حكومات الغرب المفتوح لإسرائيل، من أميركا إلى روسيا مروراً بدول الاتحاد الأوروبي، مقلق جداً وخطير. منذ أخذ العرب يوقعون اتفاقات السلام ويجرون المفاوضات والحوارات مع إسرائيل انطلقت توسّع صداقاتها في العالم على حساب العرب والقضية الفلسطينية.
سار العرب في خط السلام دون ضمانات بحل عادل وشامل. خسروا الكثير من الدول الفاعلة وخفضوا منسوب الاهتمام بمصالحهم وقضيتهم. لكن المسألة، وهذا هو الأهم، ليست عند العرب وحدهم. هناك تطور جديد في العالم. إنها العولمة التي أدت إلى اندماج الرساميل والأسواق والمصالح بين الأقطاب الدوليين وتكامل سياساتهم تجاه بلدان العالم الثالث. لقد انتهى عهد الأيديولوجيا الإنسانية في روسيا وأوروبا ودخلنا في مرحلة السياسات التي تقررها الشركات العملاقة العابرة للقارات.
على الرغم من مصالح الغرب الحيوية مع العرب في النفط وفوائضه النقدية فهو يتعامل بمنطق الإخضاع والقوة لأنه يتوجس من محاولات التمرد التي خبرها في سبعينيات القرن الماضي. يطوّر الغرب الآن نزعة استعمارية جديدة في سياق التنافس والتعاون على كسب الأسواق الجديدة. هناك تواطؤ غير مسبوق على تنحية الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن دورهما الفاعل. هناك غض نظر مفضوح بين أصحاب القرار عن الارتكابات المنافية للقانون الدولي في الكثير من مواقع النزاع. لقد سكت العالم عن جرائم أميركا واحتلالها لأفغانستان والعراق ولم يتدخل بفاعلية تجاه روسيا في الشيشان أو جورجيا، وانخفض الخطاب الأيديولوجي المتعلق بمعايير حقوق الإنسان من الصين إلى جميع بقاع العالم. ارتكبت إسرائيل جرائم موصوفة ومكشوفة في حربها على لبنان وغزة انطوت على انتهاكات فظيعة للقانون الدولي. لم يتحرك مجلس الأمن لوقف الحرب ولم يُدنْ إسرائيل ولم يفكر بالعقوبات. تقهقرت هيبة الأمم المتحدة وتراجعت معايير حقوق الإنسان لصالح قانون الغلبة وانتصار الأقوى.
لكن ذلك كله لا يعفي العرب من مسؤوليتهم التاريخية. لقد استهانوا بموقعهم وحقوقهم. تصرفوا وكأنهم ما عادوا يملكون أي وسائل للضغط والحضور والتأثير. أصبحوا قانعين بمسؤوليتهم عن الكثير من مشكلات العالم وفي طليعتها »الإرهاب«. ذهبوا بعيداً في تبرير أنفسهم وتقديم التنازلات. قدموا لإسرائيل كل الضمانات إرضاءً للغرب واستجداءً لموقف مساند أو متفهم. لكنهم فشلوا في الاحتكام إلى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة. صار العرب يخافون المقاومة ويكبحونها ويحاصرونها ويرفعون راية »الاعتدال« حتى في مسائل الحقوق التي سبق أن أقرها المجتمع الدولي. لكن الغرب لم ينظر يوماً لإسرائيل كمجرد حل لمشكلة اليهود. لقد تعامل مع إسرائيل كقاعدة متقدمة وكوكيل موثوق لمواجهة نزوع العرب إلى الحرية والوحدة والاستقلال. لم تكن إسرائيل منذ نشأتها مهددة في أمنها بل هي من شكلت تهديداً لأمن العرب. ورغم ذلك ما يزال الغرب يبرّر العدوانية الإسرائيلية والهمجية بذريعة حفظ أمن إسرائيل والدفاع عن نفسها.
لن يتخلى العرب عن خيار السلام وليس عليهم أن يتخلوا عن ذلك. لكن السلام تصنعه موازين القوى المادية والمعنوية. لا يجوز الخلط بين الصراعات الإقليمية العربية الإسرائيلية وبين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
منذ عقدين أمسك الفلسطينيون قضيتهم وباتوا يخوضون نضالهم لتقرير مصيرهم على أرضهم. من غير المعقول أن يساهم العرب بإملاء مواقفهم على خيارات هذا الشعب. مطلوب الآن دعم مقاومة هذا الشعب وليس خوض الحروب عنه وباسم قضيته. لقد صار واضحاً أن تصفية القضية الفلسطينية سيتم على حساب الجوار العربي وأن الدول المعنية بالأمر ستواجه تحديات جديدة لأمنها القومي. الفلسطينيون هم خط الدفاع الأول. إذا نجحت إسرائيل في اجتياز هذا الخط فهي توطد نفسها للعب دور الإمبريالية الفرعية أو »إسرائيل العظمى«. هي الآن تطمح لمواجهة القوى الإقليمية الخارجة عن طاعة أميركا والغرب. لقد آن للعرب أن يدركوا أن إسرائيل مشروع إقليمي استعماري أبعد من حدود فلسطين.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى