صفحات سورية

على أوباما التحدّث مع سوريا الآن

null
ريتشارد ن. هآس
ترسل دمشق إشارات تدلّ على استعدادها للتفاوض مع إسرائيل حول اتفاق سلام منفصل، لن يحصل دون مساعدة أميركا. ولذلك يجب أن تنتهي المعالجة الصامتة للموضوع.
نادراً ما تُذكر كلمة “فرصة” مع “الشرق الأوسط” في الجملة نفسها، لسببٍ وجيه، هو أنّ الشرق الأوسط يشكّل جزءًا من العالم غالباً ما يتم التعريف عن تاريخه بكلمة صراع. وثمّة شعور من اليأس يقبض على المنطقة لأسباب أخرى؛ فهي متخلّفة عن أوروبا، وآسيا، وأميركا اللاتينية، والقسم الأكبر من أفريقيا في عدّة مجالات تتعلّق بالتقدّم الإجتماعي، منها نوعية التعليم، ووجود المؤسسات الديمقراطية، وطريقة التعامل مع الفتيات والنساء.
ومع ذلك، هناك فرصة الآن لإقامة سلام بين إسرائيل وسوريا، البلدين اللذين كانا في حالة من الحرب استمرت ستة عقود. الفرصة قائمة على الرغم من أنّ سوريا لطالما كانت الداعمة لكل من “حماس” و”حزب الله”، المجموعتين اللّتين خاضتا الصراعات الأخيرة مع إسرائيل، ورغم أنّ إسرائيل هاجمت قبل 18 شهراً موقعاً سورياً اشتبهت بأنّه يشكّل جزءًا من مشروع برنامج نووي قيد الإنشاء.
ليس من المفروض أن تشكّل هذه الفرصة مفاجأة، إذ سبق لسوريا وإسرائيل أن ناقشتا اتفاقات جزئية في الماضي (مثلاً في أعقاب حرب 1973) وكادتا أن تصلا الى إبرام اتفاق سلام شامل عدّة مرات. الحدود الأساسية لعقد اتفاق- تعيد إسرائيل بموجبه مرتفعات الجولان الى سوريا مقابل حصولها على اعتراف ديبلوماسي وسلام رسمي- معروفة تماماً ويقبل بها الطرفان، بمن فيهم العديد من المحافظين في إسرائيل. فبعد نحو عقد من الزمن له في السلطة، يبدو أن الرئيس بشار الأسد يتمتع بما يكفي من القوة لتخطي المقاومة الداخلية لإحلال السلام مع إسرائيل. وقد يكون قادراً على إنجاز ما لم يستطع والده إنجازه: أي إعادة الجولان الى سوريا.
خلال زيارة قمتُ بها منذ فترة قريبة الى دمشق، أخبرني مسؤول رفيع أنّ سوريا مستعدة لعقد اتفاق سلام منفصل — أي اتفاق ثنائي قد لا يتضمّن حل القضية الفلسطينية. كما وأن سوريا تبدو مستعدة لأن تبعد نفسها عن إيران، وبدا لي أنّ الأشخاص الذين قابلتهم في دمشق كانوا مهتمين أكثر ببناء علاقات مع العراق، البلد العربي المتعدّد الأعراق على الحدود السورية، من البقاء على قرب من النظام الديني الشيعي في طهران.
سعت إسرائيل منذ فترة طويلة الى إقامة سلام مع سوريا، ليصبح لبنان، بعد عقد معاهدة سلام مع سوريا ستكون الثالثة بعد معاهدتي السلام مع مصر وسوريا، “دولة المواجهة” الوحيدة من بين الدول الأقرب الى إسرائيل. ومن شأن ذلك أن يسمح لإسرائيل بالتركيز على تحديات أمنيّة أخرى، مثل المجموعات المتطرّفة المسلّحة مثل “حماس” و”حزب الله”، والحكومة الإيرانية التي ترعى الإرهاب وتكد في العمل على تخصيب اليورانيوم، المكوّن الأساسي لتصنيع سلاح نووي.
فضلاً عن ذلك، الإسرائيليون أكثر انفتاحاً لعقد اتفاق سلام مع سوريا مما هم مستعدون لعقد مثل هذه الاتفاق مع الفلسطينيين. إذ يعيش عشرات الألوف من الإسرائيليين في مرتفعات الجولان، وليس مئات الألوف منهم. ومساحة أرض الجولان أصغر من مساحة القطاع الغربي وغزة، ولها قيمة استراتيجية وليست دينية. فالمقاومة السياسية الداخلية للتخلي عن مرتفعات الجولان، وإن كانت كبيرة، لا يمكن مقارنتها بمعارضة التخلي عن الأراضي الفلسطينية التي وضعت إسرائيل يدها عليها عام 1967 أيضاً.
يمكن لأمن إسرائيل أن يكون أكثر تحصيناً إذا تم تجريد الأرض المُعادة الى سوريا من السلاح. ويمكن الإستفادة من التكنولوجيا لنشر أنظمة إنذار مسبق، كما ويمكن نشر قوّة لحفظ السلام (قد تكون أميركية) في هذه المنطقة، لتلعب الدور الذي تلعبه في سيناء لدعم السلام القائم بين إسرائيل ومصر, هذا ناهيك عما تتمتع به القيادة السورية من قوة تخوّلها الإلتزام بتعهداتها الأمنية، وهو أمر تعجز عنه القيادة الفلسطينية الضعيفة والمقسّمة.
ثمّة حافز آخر يدفع إسرائيل الى القيام بتسوية؛ ألا وهو موقع سوريا الفريد للتأثير على السياسة الفلسطينية، ذلك أنّ حركة حماس تأخذ من دمشق قاعدة لها، والسوريون يوفرون الدعم لها. فمن الممكن أن رغبة سوريا في تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة، والدول العربية المعتدلة، لدخول منظمة التجارة العالمية، والتخلّص من العقوبات الأميركية، والحصول على مساعدة اقتصادية عربية، تدفعها الى وقف دعمها لحماس.
قد يحتاج أي اتفاق بين إسرائيل وسوريا الى دفع من الخارج؛ وقد اضطلعت تركيا بدور الوسيط في المحادثات بين البلدين، ولكنّها لا يمكن أن تنجح بمفردها، إذ لا بد من مشاركة الولايات المتحدة فيها. فإدارة بوش غالباًّ ما تعاملت مع سوريا كعضو فعلي من أعضاء محور الشر، وقد عوقبت بشدّة، (فسُحب السفير الأميركي منها منذ أربع سنوات). ولكنّ امتناع الولايات المتحدة عن الحديث مع سوريا، أضعف نفوذها هي، وليس موقف الحكومة في دمشق. والأسبوع الماضي التقى السفير السوري الى واشنطن عماد مصطفى بالمساعد الفعلي لوزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، مما يُعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح.
قد يكون من الصعب إقامة اتفاق سلام مع سوريا، ولكن من المستحيل إحلال السلام في المنطقة بدون مثل هذا الاتفاق. فالرئيس أوباما يرى الحوار كوسيلة، وليس كجائزة، وقد حان الوقت لاستخدام هذه الوسيلة، وللنظر الى ما يمكن تحقيقه.
NEWSWEEK ، السبت 7 آذار 2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى