صفحات سورية

سورية واستعادة الدور

null
الياس حرفوش
عندما تكلف ادارة باراك اوباما الرجل الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في بيروت في زمن التصعيد السوري الاميركي بفتح باب الحوار من جديد مع دمشق، هل يعني ذلك “زيارة اعتذار” كما قرأها حلفاء سورية في بيروت، ام أنها تأكيد من جديد على ثوابت السياسة الاميركية حيال لبنان، والمرتكزة اساساً على القرارين الدوليين 1559 و1701؟
قد يبالغ اللبنانيون كثيراً اذا اعتبروا أن ملف بلدهم هو الملف الأكثر اهمية على طاولة أي نقاش بين دمشق وواشنطن، في ظل ادارتها الجديدة. ولمبالغة من هذا النوع تبعاتها السلبية، اذ يمكن أن تؤدي الى سوء تقدير للمسار الذي سوف تتجه اليه علاقات دمشق وبيروت، في الوقت الذي لا تزال كثير من القضايا عالقة بين البلدين، من ترسيم الحدود الى تعيين سفير لسورية في بيروت كما كان مفترضاً، الى رفع اليد عن الانتخابات النيابية المقبلة، فضلاً عن المخاوف من أثر اي تقارب سوري اميركي على عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. ومع انه قد تكون لهذه الامور اهميتها في الحسابات الاميركية، فإن واقع الأمر أن الانفتاح على سورية يأتي الآن في ظل اعادة ترتيب للسياسة الاميركية، تضع “الهمّ الايراني” في المرتبة الاولى من الاهتمام، قبل “الهمّ اللبناني”، وتعمل على الحد من امتدادات طهران، لما لهذه الامتدادات من تأثير على خطة اوباما التي تسعى الى إحراز تقدم في العملية السلمية في المنطقة والحد من لهيب النووي الايراني.
عند حديث أميركا عن الامتدادات الايرانية، لا يتبادر الى الذهن مباشرة سوى “حماس” و “حزب الله”، اللذين تشكل سورية قاعدة مهمة لنشاطهما، على الاقل لجهة توفير الحماية السياسية والمقر القيادي بالنسبة الى “حماس”، والممر الجغرافي الذي لا غنى عنه لسلاح “حزب الله” ولحركة قياداته وعناصره. وفي الوقت الذي تؤكد ادارة اوباما الموقف نفسه من التنظيمين الذي سبق ان اتخذته ادارة جورج بوش، لجهة اعتبارهما “تنظيمين ارهابيين”، فإنه يستبعد ان يخلو اي حوار متجدد بين سورية والولايات المتحدة من الحديث عن “الرعاية” السورية لهما، وتأثير تلك الرعاية على استعادة سورية موقعها الطبيعي في المنطقة، الذي وصفه السفير جيفري فيلتمان بأنه يستطيع ان يكون “دوراً مهماً وبناء”.
لبنان ليس إذن، كي لا نكون واهمين، هو الملف الابرز. لكن كيف للحديث عن “حزب الله” أن لا يتطرق الى الملف اللبناني وإلى مسألة سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وهو سلاح معروفة هويته ومصادره؟ خصوصاً ان المحاور الاميركي لدمشق رجل يعرف التفاصيل اللبنانية بكل دقة ولديه اطلاع واسع على مواقف الاطراف اللبنانيين، من موالين ومعارضين، من هذه المواضيع.
لم يبالغ المسؤولان الاميركيان، فيلتمان ودانيال شابيرو، اللذان زارا دمشق، في استخلاص النتائج من هذه الزيارة اليتيمة الى الآن، وان امتد الحوار خلالها مع الوزير وليد المعلم الى اربع ساعات. ما قالاه ان هذه الزيارة هي اختبار للنيات والوعود اكثر  مما هي دليل على تحسن العلاقات، وانه لا مجال لإثبات صحة الوعود السورية سوى بوضع دمشق موضع الاختبار والحكم على ما اذا كانت فعلاً جادة في تغيير سياساتها.
ما يعنيه هذا الكلام ان واشنطن في عصرها الجديد قد تكون شعرت ان دمشق اتجهت الى السياسة التي انتهجتها خلال السنوات الخمس الماضية، نتيجة “اضطرارها” الى مواجهة العداء الاميركي لها في زمن الادارة السابقة، فقامت بتمتين تحالفاتها الاقليمية، والايرانية منها على الاخص. وأن الانفتاح على العاصمة السورية اليوم كفيل بـ “استعادتها” من هذه التحالفات الى الموقف العربي الاوسع، الذي ينظر الى ازمات المنطقة وحلولها نظرة مناقضة للنظرة الايرانية.
ما بدأ من تقارب عربي – عربي يمكن أن يكون مؤشراً الى ذلك. فالكلام الذي يُسمع من دمشق هذه الايام انه لا توجد خلافات اساسية بين العرب، عندما يجري الحديث عن مصالحهم المشتركة. وان دمشق لا يمكنها ان تكون طرفاً في اي تحالف يسيء الى المصالح العربية. هذه هي القاعدة الضرورية لأي تقارب بين العرب، كما يمكن أن تكون القاعدة كذلك لتسهيل استعادة سورية علاقاتها الطبيعية بالعالم الخارجي، بعيداً عن تشنجات المرحلة الماضية.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى