صفحات سورية

الخلاف السوري ـ السعودي

null


د. محمد عجلاني

لم تكن الطريق بين دمشق والرياض سالكة ومستقرة، لا عبر التاريخ ولا عبر الحاضر، صحيح كان هناك عناق وقبلات بين الزعماء، لكن القلوب لم تكن صافية وودية.

الذين حكموا سورية في منتصف الستينات قسموا العالم العربي الي تقدمي ورجعي، وكانت السعودية محسوبة علي هذا المربع الأخير، فجمدت العلاقة معها وحاربتها وسائل الاعلام البعثية واقتصرت اللقاءات علي مؤتمر القمم العربية.

مع مجيء الرئيس حافظ الأسد الي الحكم تم تدشين عهد جديد مع الرياض، انفتاح ولقاءات وقبلات والأهم تمسك الرياض بعدم التدخل في شؤون دمشق الداخلية، والاعتراف بدور سورية الاقليمي في لبنان وفي المنطقة.

لكن رغم هذا العناق والنفاق الظاهر، الا ان الرياض حذرت الرئيس الراحل السادات ونصحته بعدم خوض حرب اكتوبر 1973 مع الأسد الأب لأسباب ايديولوجية ومذهبية. واثناء الحرب العراقية ـ الايرانية ا؟؟ الملك فهد للرئيس الراحل عرفات بأن الرئيس الأسد الأب مثل تاجر سوق الحميدية يشحذ الفلوس من ايران والسعودية في نفس الوقت وكانت هناك علاقة بين نظام الأسد الأب والرياض، لكن هذه العلاقة لم يسدها الود والمحبة، بل غلب عليها سياسة القبول بالأمر الواقع، وكانت الرياض تحتضن المعارضين الاسلاميين السوريين فوق اراضيها بدون ان تسمح لهم بممارسة اي نوع من النشاط السياسي. الرياض كانت تعتقد عبر هذه العلاقة انها رحبت نظام الحكم البعثي، ودمشق كانت تعتقد بانها قربت الرياض الي منطقها البعثي والقومي وابعدتها عن مربعها الرجعي.

لكن النظامين استمرا علي طبيعتهما في الاختلاف والرؤية الاستراتيجية. فلا دمشق اصبحت وهابية، ولا الرياض تحولت الي البعثية.

وكان لهذا الخلاف الجوهري في طبيعة النظامين ان يظهر مع اول خلخلة للأوضاع في لبنان، حيث للسعودية نفوذ ومال وجاه ورجال. وكان مقتل الحريري بمثابة الجرة التي أفرغت الخلافات والاحقاد بين النظامين والتي لم تستطع تلك القبلات والعناقات اخفاءها. رجعت دمشق الي ما هي عليه، وعادت الرياض الي مربعها الأصلي.

السعوديون لا يحبون لا صدام ولا حافظ الاسد، لكن كرههم العميق لصدام اخر وأرجأ اظهار كرههم لابنه ولنظام حكمه.

الاب الأسد فرض عليهم سياسة الأمر الواقع، الابن لم يستطع ذلك لأن الظروف الاقليمية والظروف الدولية لم تساعده علي ذلك.

وعندما تخر البقرة يتسابق الذباحون لنحرها. وعندما ينكسر الضلع الاقليمي العربي، تحاول اطراف الضلع ان تكسر الضلع او الحلقة الأضعف.

لذلك من غير المستغرب ان تظهر الخلافات علي هذه الحدة بين دمشق والرياض لأن العلاقة المبنية بين البلدين في اساسها لم تكن قائمة علي المودة والمحبة، ولم تكن ايضا قائمة علي اسس مبتنة مؤسساتية اقتصادية وتجارية وثقافية بل كانت علاقة مصلحية آنية، وهذا النوع من العلاقة ينهار في اول هبة ريح.

رئيس مركز دراسات الحياة السياسية السورية في باريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى