صفحات ثقافية

الطيب صالح وصراع الحضارات

كوليت مرشليان
رحل الروائي السوداني الطيب صالح عن عمر يناهز الثمانين عاماً في العاصمة البريطانية حيث يعيش منذ العام 1952. وبرحيله فقدت السودان أحد كبار أدبائها ومفكريها. وتُعتبر أعماله الروائية من أكثر الروايات التي أغنت المكتبة العربية وهو تفرد بمناخاته الكتابية وكانت شهرته الكبيرة مع صدور روايته “موسم الهجرة الى الشمال” التي صدرت عام 1966 وكانت قد سبقتها رواية “عرس الزين” العام 1962. ومن مؤلفاته أيضاً: “ضوء البيت” و”دومة ود حامد” ويتناول فيها مشكلة الفقر التي عاناها شعبه في مراحل عديدة. كما كتب الطيب صالح رواية “مريود” و”منسي” و”نخلة على الجدول”…
غير ان روايته “موسم الهجرة الى الشمال” كانت النقطة الفاصلة في حياته وفي أدبه. وقد ترجمت الى أكثر من ثلاثين لغة عبر العالم واعتبرت واحدة من أفضل مائة رواية في العالم وقد حصلت على العديد من الجوائز، وقد نشرها في بيروت للمرة الاولى ثم تبعتها عشرات الطبعات.
ولد الطيب صالح في قرية كرمكول شمالي السودان عام 1929 ثم انتقل الى الخرطوم حيث التحق بالجامعة التي لم يدرس فيها الادب بل العلوم ثم تابع تخصصه في لندن في دراسة الشؤون الدولية.
تنقّل الطيب صالح في مواقع مهنية كثيرة كان أولها بعد ان غادر السودان عام 1952 ليستقر في لندن حيث عمل في القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية وشغل منصب مدير قسم الدراما فيها، كما عمل في وزارة الإعلام القطرية في الدوحة منذ سنوات ثم تولى منصباً في مقر اليونسكو في باريس.
غير ان موقعه في خريطة الرواية العربية كان أبرز ما توصل اليه الطيب صالح مع “موسم الهجرة الى الشمال التي تناول فيها موضوع لقاء الثقافات وتفاعلها و”صورة الآخر بعيون العربي والشرقي بعيون الآخر” الذي ينظر إليه كانسان قادم من عالم الرومانسية حيث يسود السحر والغموض.
وكانت السلطات السودانية قد منعت تداول هذه الرواية في بداية التسعينات بحجة تضمنها بعض المقاطع ذات الطابع الفاحش والجريء. غير ان كتابات صالح التي تطرقت بشكل كبير الى السياسة والمجتمع والاختلاف بين الحضارات نالت إعجاب النقاد عبر العالم خاصة في الجانب الذي أعطى فيه حق الكلام والتعبير عن الذات للفئة التي يُعرّف عنها في العالم على انها فئة “العالم الثالث” أو العالم النامي، وكان هذا تجسد في شخصية بطله “مصطفى سعيد” الذي جعله يشير عبر الأحداث التي عاشها كل الصدام ما بين العالم المتقدم والعالم النامي وتجلت هذه الأحداث في أعمال وحشية وقد أوحت هذه الشخصية الى العديد من الباحثين والدارسين والنقاد الذين تناولوها وحللوها في دراسات عديدة وكان أطلق على بطل الطيب صالح العديد من الألقاب أبرزها لقب “مصطفى سعيد عُطيّل القرن العشرين” حيث انه حاول بعقله ان يستوعب حضارة الغرب وان يعيش بقلبه حضارة الشرق وبالتالي فهو عاش نزاعات عديدة.
هذه الرواية المفصلية في حياة الطيب صالح “موسم الهجرة الى الشمال” جعلت عدداً من المعنيين يهتم في السنوات الأخيرة لترشيحه لنيل جائزة نوبل للآداب، الأمر الذي لم يحصل، غير ان ترشيحه لفت انتباه الأكاديمية السويدية وبعض المؤسسات الغربية التي وبعد ان اطلعت على ترجمات كتبه صنفت “موسم الهجرة الى الشمال” واحداً من ضمن لائحة ضمت “أفضل مئة رواية في التاريخ الانساني” وكان ذلك في العام 2002، ووفق قرار اتخذه مئة من كبار الكتّاب الذين ينتمون الى 45 دولة.
بقي ان الطيب صالح لم ينل “جائزة نوبل” للآداب غير انه في هذا التصنيف الأخير الذي شكل مفاجأة جميلة في العالم العربي، عادت روايته لتصدر مجدداً في بيروت في نسخة جديدة من حيث انطلقت شرارتها للمرة الأولى وكان ذلك في العام 1966.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى