قانون الاحوال الشخصية الجديد

إلى من يهمه الأمر … ماذا بعد

نزار صباغ
ورد في “تقرير صاحب القرار للفترة 8 – 14 حزيران” في موقع “كلنا شركاء في الوطن” أنه، و (من مصادر موثوقة، أن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد تم تجميده بشكل كامل بعد الضجة التي أثارتها وسائل الإعلام، وفي مقدمتها كلنا شركاء، وجمعيات ومنظمات أهلية سورية… إلا أن هذا التجميد بقي سري وغير معلن تماماً مثلما كانت اللجنة التي شكلت المشروع سرية وغير معلنة.
الأمر الذي دفع عدد من المنظمات والجهات التي تطالب بسحب القانون إلى الاستمرار في الضغط ليس فقط للوصول إلى قانون أحوال شخصية عصري بل أيضاً للخروج من ذهنية المشاريع السرية والعقلية الوصائية والوصول إلى حالة مقبولة من الشفافية خصوصاً فيما يتعلق بقانون لصيق جداً بحياة كل مواطن وكل أسرة سورية). انتهى الاقتباس.
جميل هذا الكلام، إنما الأجمل عدم التوقف عند خبر التجميد، بل الانتباه إلى ما ورد بعده بأنه بقي سرياً غير معلن، مثلما كانت اللجنة التي تقدمت بالمشروع سرية وغير معلنة…..
إن الأمر لا يحتمل التأويل، فقد كان المشروع في سبيله للإقرار بموجب الخطوات التي اتخدتها رئاسة الوزراء رغم كمّ الانتقادات الذي صدر فور تسرّب المشروع، وأؤكد هنا على كلمة “تسرّب” لأنه دون ذلك لكنا وجدنا أنفسنا في طريق منحدر سريع وصولاً إلى العيش في إمارة من إمارات طالبان.
لا يعتقد البعض أن الوصف مبالغ فيه، بل إنه الواقع، وما نشهده اليوم على الساحة من تراجع كبير في مستوى الانتماء المواطني نحو انتماء قبلي ديني مذهبي، ما هو إلا نتيجة خطوات متتابعة في شتى مناحي الحياة.
ينتقدني الكثير بأن ما أخطه من كلمات وسطور تحمل كثيراً من القساوة، وينصحونني بمحاولة الابتعاد عن بعض “الحقائق” التي أذكر أو محاولة “الالتفاف” عليها بطريقة لا تضعني في المواجهة .. كنت أردد أن لا حضارة ونهضة دون صدق مع الذات ورؤية الواقع الحقيقي بتجرد. إذ علينا، عندما نطمح لمستقبل أفضل، أن ننطلق من تصحيح الأخطاء التي نراها في الواقع، وأن نعمل صادقين في بناء دولة المؤسسات الحقيقة لا الكلامية.
لأن “إخفاء الحقيقة أشد خطراً من الكذب” .
————————————-
ثم أن هناك الكثير من الحقائق التي لم أذكر….
كنت أشرت سابقاً إلى ما نلمسه بشكل متزايد من حواجز وهمية يقيمها المدرسون والمدرسات والعديد من الجهاز التدريسي التعليمي ما بين الذكور والإناث من الأطفال في صفوف المرحلة الأولى من التعليم الأساسي، وبمعرفة ورضى وقبول وتأييد الكثير من الإدارات التربوية في المحافظات المختلفة، وبالمناسبة كيف يمكن إطلاق صفة التربويين على مثل أولئك الجهّال ..؟ أهكذا تقوم العملية التربوية الوطنية بتقسيم المجتمع من الصغر؟ … عدا عن تقسيمه طوائف وملل ونحل بدروس دينية يلقيها بعض الجهابذة بكل ما يحاولوه وما تحمله من تناقض وتضارب مع ما تفرضه الإدارات “التربوية” من معارف وعلوم..؟ أليس بالأجدى أن يتم تخصيص مادة تربوية حقيقية تظهر التوافق التام في عبادة الله وجوهر الدين الإلهي الواحد ..؟
كيف يمكن المناداة بحقوق المرأة إن كان التقسيم واقعاً مفروضاً بغرس للمفاهيم والموروثات الخاطئة المتخلفة في أذهان وعقول النشء الجديد ..؟ ثم ، أيمكن للطفل النظر لرفيقته في الدراسة واللعب بمنظور جنسي..؟ وما دور التربية المنزلية في ذلك ..؟
ألا تلاحظون أو تعلمون بوجود “مصليات” في المطاعم و”المجمعات” السياحية الداخلية المسماة بالدولية .. ؟ وهل أن من يقوم بسياحة داخلية ما إلى أحدى الأماكن المذكورة يقوم بذلك بغرض التعبد والصلاة أم بغرض الترويح عن النفس..؟ كيف لهذا التناقض أن يستقيم ..؟ وهل أن الصلاة مجرد واجب دنيوي يؤديه البعض أم أنه علاقة روحية ..؟
ثم، ألا يمكن ملاحظة عديد الموظفين الذين يدعون واجباتهم في تسيير أمور المواطنين جانبا، للحاق بالصلاة، رغم كل ما يسببه ذلك من عقبات وهدر للمال العام ..؟
ثم، هل أننا نعيش في المملكة العربية السعودية ذات الفكر الوهابي أم أننا نعيش في سوريا الحديثة ..؟ وهل أن مفهوم الحداثة والتطور لدى السيد رئيس الجمهورية يختلف عنه لدى أصحاب المراتب الوظيفية الحكومية العليا أو الدنيا..؟
أيمكن لنا أن نقارع العالم بالعلم والتقدم والتقنية بوجود متوسط عددي للصفحات التي يقرأها مواطننا لا يتجاوز الثمانية .. وبشكل سنوي ؟. أيمكن لنا النظر والتخطيط السليم لمستقبل معيشي خدمي أفضل بما يمكن الحصول عليه من موارد طبيعية في ظل تكاثر سكاني عددي بمعدل طفل جديد كل 68 ثانية ..؟ إن عصرنا مختلف كثيراً عما سبق ولا يمكن القتال بالسيف والنبال إلا إذا كان الأمر تهيئة لعمليات انتحارية.
أهو جهل أم تجاهل أم نفاق أم تخوّف من الغير ….؟ ومن هو الغير..؟ وما مدى تأثيره على الكوادر الحكومية بمرتباتها الوظيفية المختلفة ..؟ وما مدى تأثيره على المجتمع ….؟
إن القراءة الأولى للمشروع دون الدخول في التفصيلات والمناقَضَات للدستور وللاتفاقيات العالمية، تظهر أن معدّي المشروع قد أثبتوا :
– أن نظرتهم للمرأة/الأنثى أنها نظرة جنسية، ولو أردنا التشذيب في القول بعض الشيء لقلنا أن نظرتهم إليها نظرة من يعتبرها وعاءً للذكورة.
– أن لا وطن بل إمارة طالبانية.
أيعتقدون أن امرأة عاملة – مدرّسة، طبيبة، مهندسة، موظفة إدارية، عاملة في مصنع … – تقبل ألا تكون شريكاً كاملاً في الحياة مع زوجها..؟ ماذا لو سألوا بعضاً منهن ..؟ أم أنهم يعتبرونها “مجرد وعاء” …؟
“المجتمع هو حصيلة كادره البشري، وقوته تأتي من قوة كلّ رجل وامرأة فيه… وعندما تُبرمج المرأة على أنها ناقصة عقل ستخرج إلى الحياة مخلوقا ضعيفا وهشّا جدا، ولن يكون المجتمع الذي تساهم في بنائه أقل هشاشية منها”
——————————————
ورد في نشرة كلنا شركاء عدد يوم 12/6/2009 بأن [[اللجنة تضم في عضويتها كلاً من وزير العدل السابق محمد الغفري رئيساً وهو الذي قام باختيار باقي الأعضاء وطلب من رئيس الوزارة إصدار قرار بتشكيل اللجنة من الأسماء التي اقترحها وهم : (زهير عبد الحق قاضي شرعي سابق، وسعدي أبو جيب قاضي شرعي سابق، واستاذ كلية الشريعة في جامعة دمشق د. غسان عوض والمحامي عبدالله العرفي رئيس سابق للغرفة الشرعية في محكمة النقض).]]
ووصلنا أن السيد عبد الرحمن صابوني دكتور في كلية الشريعة عضو في اللجنة أيضاً.
والتساؤل التالي يفرض نفسه: كيف لمن يحمل أفكاراً تهديمية أن يكون في مركز يستطيع به التأثير وبشكل كبير على الآخرين (وبخاصة الطلاب) . وكم عديد الذين حملوها ويعملون بها نتيجة لذلك ..؟ ومن المسؤول ..؟
أمن أحد يستطيع الإجابة ..؟
لنتساءل قليلاً عن السبب في تعمّد إظهار وتعميق مفهوم سيطرة فكرية محددة بكل ما يمكن أن تسببه من احتمالات مستقبلية…
ويصح في ذلك القول : إن الأفاعي وإن لانت ملامسها **** عند التقلب في أنيابها العطب
الموضوع خطير وليس بالبسيط، والمصير مجهول إن لم يتم اتخاذ خطوات جادة وفورية لتصحيح أكيد وفعّـال.
————————————
أيمكن لنا مجرد القبول بالتجميد الكامل لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد بعد الضجة التي أثيرت حوله وإبقاء قرار التجميد هذا سريا غير معلناً مثل أعضاء اللجنة السرية التي قامت بصياغته ..؟
أيمكن لنا القبول باحتمالات التراجع عن التجميد – كما هي التراجعات الكثر التي نعلم في الكثير من القرارات – وبكل ما يحمله ذلك من احتمالات متنوعة ..؟ وضمن هذا السياق أشير إلى ما ورد في “تقرير صاحب القرار للفترة 8 – 14 حزيران” من موقع “كلنا شركاء في الوطن” أنه قد [[ذكرت مصادر مطلعة أن تعميماً أمنياً صادرا عن مكتب الأمن القومي في سورية قضى بإغلاق المصليات في المراكز التجارية، بدأ تنفيذه بالفعل قبل أن يتم التراجع عنه منذ أيام….]]
جمهورية مصر العربية أمامنا … من يتابع يعلم تماما ما المقصود من قولي، حوادث عنف متعددة ذات أسس طائفية بدأت منذ سنوات وفي شتى المناطق من مصر، جميعها نتيجة لتعصبٍ تمخَّض جهلاً وتفشى عنفاً … ومصر كما يُقال تسبقنا، ونتابعها بمدى زمني يقارب عشر سنوات إلى خمسة عشر عاماً …
فهل أن التعصب ازداد في مجتمعنا لازدياد نسب الفقر والجهل وازدياد علماء الجهالة..؟
هل أن مشروع التقدم إلى الخلف أحد الخطوات ..؟ هل لنا بالقبول بتجميده فقط ..؟ وهل من تعديل بعد التجميد ..؟ هل لنا التغاضي عن مدى تغلغل الفكر الظلامي في مجتمعنا السوري ..؟
أم أن هناك من يعتقد أن “الغربال” يغطي الشمس …
أيها السادة، “الغاية في وسائلها، والوسائل الرديئة لا يمكن أن تخدم غاية نبيلة”.
——————————
ماذا بعد ..؟
أضم صوتي إلى مرصد نساء سوريا الذي يقول : إننا نرفض هذا المشروع جملة وتفصيلا. نرفض تمرير هذه الجريمة بحق المجتمع السوري تحت مسمى “التعديل”! نرفض أية محاولة من قبل “أمراء الظلام” لتمريره عبر تعديل بعض الكلمات فيه. فهو غير قابل للتعديل بإطلاق.
وأضم صوتي إلى أصوات المطالبين بمنع أعضاء اللجنة السرية (المكلفة بالقرار رقم /2437، تاريخ 7/6/2007 من قبل رئيس مجلس الوزراء) صاحبة مشروع القانون، من ممارسة أي عمل له علاقة بالمسؤولية الوظيفية والتشريعية يمس الصالح العام، مهما كان نوعه. وإعفاءهم من أية مسؤولية وظيفية حكومية حالية يمارسونها نظراً للأذى الفعلي الذي مارسوه بحق الوطن والمجتمع. وتوجيه الاتهام لهم بهدر المال العام نتيجة عملهم مدة سنتين تقريباً بما يخالف أحكام الدستور.
وأضم صوتي إلى أصوات الكثيرين المنادين بمحاسبة أعضاء اللجنة بتهم خرق الدستور السوري ومحاولة بث التفرقة الطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد، بل وكل من كان متواطئاً بالفعل أو بالقول أو بالتغاضي، لأن من لا يعلم مدى تأثير ذلك المشروع الظلامي السلبي على الدولة والمجتمع لا يحق له البقاء في مركز المسؤولية، انطباقاً للمبدأ القائل : إن كنت لا تدري فتلك مصيبة ، وإن كنت تدري فالمصيبة أكبر … فكيف إن كان المسؤول .. مسؤولاً ؟
وأضم صوتي إلى أصوات المطالبين للسيد رئيس مجلس الوزراء بنشر توضيح لا يقبل اللبس حول هذا الأمر، يوضح إذا كان حقا قد تم رفض هذا المشروع، والبدء بمشروع جديد كليا، أو أن الأمر غير ذلك.
وأضم صوتي إلى أصوات المطالبين باعتذار من الحكومة السورية ممثلة برئيسها بسبب السرية التي حاولت أن تفرضها على مشروع قانون يمس بحياة ومستقبل عموم المواطنين في الجمهورية العربية السورية، وبكل ما تحمله السرية من علامات استفهام.
وأضم صوتي إلى أصوات المطالبين للحكومة بالتوقف عن منهج السرية في قراراتها وتصرفاتها.
وأخيراً، أضم صوتي إلى أصوات المنادين بتشكيل لجنة من المتخصصين بعلم القانون والاجتماع والتنمية وممثلين علمانيين عن منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والمنظمات النسائية الحكومية وغير الحكومية والأحزاب العلمانية، يقومون بصياغة مشروع قانون أحوال شخصية متطور يقوم على أساس مدني لا ديني يساوي بين جميع المواطنين السورين ذكوراً وإناثاً، والتأكيد على حقوق المرأة ومفهوم الأسرة باعتبارها الركن الأساس للمجتمع المتقدم… وترك الأحوال الشخصية للمواطنين حسب انتماءاتهم الدينية بما لا يتعارض مع القانون المدني في أمور محددة .
والإنسان الذي يمتلك القدرة على قول الحقيقة هو الأغلبية التي تكون صامتة أحياناً كثيرة لكنها تمتلئ محبة وعطاء للإنسان وللوطن.
وتصبحون على وطن
22/6/2009 نزار صباغ
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى