راشد عيسىمقالات منشورة

عبدلكي يعود إلى النور/ راشد عيسى

أكثر من شهر قضاها الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي في سجون النظام السوري. لا جديد بين اعتقاله وعودته إلى النور سوى بضعة آلاف من الشهداء، ومجزرة للكيماوي. عبدلكي المسلح بأدوات الرسم، وبعدد محدود من الألوان التي تكاد تقتصر على الأسود والأبيض، يعود إلى الضوء من جديد. عبدلكي المسلح، حتى النفَس الأخير، بالدفاع عن فكرة عدم التسلّح، ومواجهة الطغيان بالسلم، بالصيحة، والتظاهرة، بالصدر العاري، وبالرسم. يعود إلى أحبائه، وشوارعه الأليفة التي يسلكها كل يوم إلى حارة الورد الدمشقية.

لا ندري بماذا كان يحلم هذه المرة، بجداريات تحمل ضوءاً وألواناً وملاعب؟ أم بزوج حمام، كما قال في مقابلة معه تحدث خلالها عن اعتقاله الأول في سجون نظام حافظ الأسد أواخر السبعينيات، قبل أن يغادر البلاد في 1981 إلى باريس حيث أمضى 25 عاماً؟ هل أتاح له السجّان الجديد أن يحلم؟ أن يطالب بزوج حمام؟ أن يطلق خياله في حقول الضوء والحياة؟ كثر ممّن اعتقلوا في سجون نظام بشار الأسد اتخذوا قرارات أخرى، وهم في قلب السجن. لا ندري ماذا سيقول الفنان بعد خروجه، خصوصاً وهو يخرج إلى ضوء ملوث بالكيماوي.

ليست قضية عبدلكي استثنائية في بلد الاعتقال والذبح والغاز القاتل. فمن خطف عبدالعزيز الخير، رفيق عبدلكي في الحزب، وفي هيئة التنسيق، من دون أن يكشف عن مصيره حتى الساعة، ليس غريباً عليه أن يعتقل عبدلكي. من اعتقل عرائس سوريا، ونكّل واغتصب ودمّر وشرد، ليس غريباً عليه اعتقال عبدلكي.

قضية عبدلكي فضيحة النظام، يا لله! وأي شيء أفظع من صور قصف المدنيين، الأطفال خصوصاً، بالكيماوي! ليس على النظام ذنب بعد الساعة، ولن نطالب بمحاولة لفهم النظام أكثر، إذ لطالما كان النظام ضد نفسه، بدءاً من سلوكه بقصف المدنيين، غير آبه بالموالين له من بينهم، وليس انتهاء بالكيماوي.

خرج عبدلكي اليوم بعد اعتقال دام أكثر من شهر (منذ 18 تموز الماضي)، حين اختطف عند حاجز لجيش النظام في مدخل مدينة طرطوس الساحلية، مع رفيقين له هما قياديين في حزب العمل الشيوعي، ليخرج توفيق عمران بعد حوالى أسبوع. لكن من دون أن يطلق سراح عدنان الدبس، الناشط السلمي، الذي يواجه هذه المرة اعتقاله الثاني أثناء الثورة.

لكن أياً كانت أسباب الاعتقال، لا بد أن تبقى قضية عبدلكي حجة دامغة ضد النظام، في انتظار أن يحكي هو قصة سجنه. فلا بد أن شهراً كاملاً من الظلام ستحفل بأحلام فيها جداريات ملونة، وأسراب حمام، وألوان زاهية، آملين أن تستجيب الحياة هذه المرة لأحلامه.

صورة عبدلكي خارج سجنه اليوم صورة حزينة، من صور الثورة السورية. لا شك أن كل من رأى صورته لم يصدق أن هذا الرجل النحيل، ذا اللحية البيضاء، هو يوسف عبدلكي. ما همّ.. سيعود يوسف إلى نفسه، إلى صورته، وسوريا كذلك ستعود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى