سيمون نصارمقالات منشورة

يوسف عبدلكي/ سيمون نصار

في اللحظات التي تشبه لحظة اعتقال مثقف بحجم يوسف عبدلكي على حاجز أمني سوري قرب طرطوس. لا نذكر من سوريا سوى ذلك الجمال الذي نثره عبدلكي في كل العالم. بقي في فرنسا ربع قرن لكنه عاد كأي مهاجر لم ينزل وطنه عن ظهره طوال سنوات الغربة.

في باريس عرفت عبدلكي، الرجل الذي يربط شعره كذنب فرس، شعره الأبيض، لا يعمل فقط بنشاط وجهد متميزين. بل هو ناشط ثقافي ومثقف من طراز رفيع يقدر قيمة الحرية ويفهم معانيها من خلال التعبير أو قدرته على التعبير. ولهذا يعتبر عبدلكي من أكثر التشكيليين العرب الذين جسدوا في أعمالهم النوازع الذاتية للهوية المقموعة والمُستبد بها من طرف مستبدٍ طاغية لا يعنيه سوى الفن الذي يمجد شخصه وأعماله وبقاءه. لكن الطاغية يرحل كما كل الطغاة ويرحل معه كل الفن الذي على شاكلته وشخصه ويبقى الفن الحقيقي الذي يخرج من رحم الإنسان الحرّ المتمسك بطبيعته البشرية.

حول الطاغية سوريا إلى فحم وكمتحدٍ حقيقي وشاهد عيان على حجم البشاعة التي تركها الطاغية، رسم عبدلكي غالبية أعماله بالأبيض والأسود. لم يكن الأمر فقط، مجرد تماثل غوتويٍ يتعامل مع الظلمة لاستخراج مكامن الضوء. مع عبدلكي الأمر أبعد من ذلك بكثير. هذه ألوان سوريا سوريا الأسد. سوريا التي اعتقلت كما هو عبدلكي معتقل اليوم لمدة أربعين عاماً. اعتقاله اليوم لأنه وقع على بيان يتبنى أهداف الثورة السورية مثلما بدأت سلميةً وديمقراطية وشعبية. المنطق يقول أن سلمية الثورة السورية التي صمدت ستة أشهر في وجه الآلة العسكرية الأسدية، كانت بشكل من الأشكال التهديد الأكبر الذي عرض سمعة هذا النظام للحضيض الذي لم يكن ينقصها. وهو ما جعله يستدرجها للعسكرة لكي يوحلها من عوة مدنية وديمقراطية إلى حرب أهلية.

أغلب الظن أن يوسف عبدلكي ورفاقه سيتعرضون للضرب والتنكيل والتهديد والشتم، سيتعرضون لكل ذلك من أشخاص لا يعرفون ماذا قدم هؤلاء لسوريا. مشكلة سوريا اليوم، كما كانت مشكلتها طوال فترة حكم الأسد أن بنيتها الأمنية التي أرادها الأسد الأب وأكملها الأبناء تحتقر كل ما هو مواطني وديمقراطي وبالأخص تحتقر المثقف.

سيتعرضون للإهانة، سلامة كيلة المفكر الفلسطيني السوري دخل إلى السجون الأسدية لفترة قليلة وخرج بجسد يرتعش من شدة الإهانة قبل الضرب. فرانكو قتل لوركا، لم يتمكن من تحمل قصائده التي تنضح حرية وسلمية وقوة. الأسد لا يمكنه تحمل شخص كيوسف ورفاقه، أصواتهم الهامسة بالحرية تقض مضجعه ومضجع أبيه في القبر.

لا ندري إلى أي حد سيستمر القتل والتنكيل بالإنسان السوري. أخبار المعتقلات التي بدأت تفيض وتصل إلينا لا تسر أحد. أخبار القتل السوري وأخبار وصور المخيمات واللجوء تدمي القلب لكنها مع هذا تؤكد حق الشعب المظلوم في استعادة بلده ولو مدمراً. أحسب أني السوري اليوم يقول أريد سوريا ولو مهدمة لكن بدون الأسد، الكرامة الذاتية تكفي الإنسان ليبني منها بيته وبلده وعائلته وإنسانيته.

لا ندري عدد الذين يستضيفهم الأسد في أقبية سجونه، حول هذا الطاغية وريث الطاغية بلده إلى قاووش تهان فيه الكرامة الإنسانية. لا ندري إن كان السوري خارج السجن حاله أفضل من حال المقيم في الداخل المعتم للسجون الأسدية. نعثر على صور متفرقة من مخيمات اللجوء السوري ولا نستدل على ما هو أفضل حقيقة. واحدة من الصور التي وصلت، صورة أم تربط ابنتها في وتد بالأرض لعل الأرض تحفظها لحين عودتها ببعض الطعام. هذه على الأرجح أقسى بكثير من سجن يوسف ورفاقه. هناك في السجن حيث ينامون طويلاً بانتظار عودتهم للحياة.

الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى