اسرائيلقضية فلسطين

الموقف العربي حيال خطاب نتنياهو؟

خالد غزال
بعد زيارة قام بها الرئيس الاميركي الى المنطقة مطلع الشهر الجاري وإلقائه خطابا في جامعة القاهرة شدد فيه على ضرورة تحقيق السلام في المنطقة وحل الصراع العربي الصهيوني على قاعدة قيام دولتين يهودية وفلسطينية، انتظر العالم الجواب الاسرائيلي الرسمي على لسان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي قدم جوابا عمليا على خطاب الرئيس الاميركي، يمكن وصفه بالتأكيد على جملة لاءات واستعادة مفاصل المشروع الصهيوني بأعلى تجلياته. مما يطرح سؤالا عن المفاوضات والسلام والاحتمالات الممكنة في العلاقات الاميركية – الاسرائيلية والاميركية – العربية ايضاً.
أعاد المسؤول الاسرائيلي تعيين جملة ثوابت اسرائيلية وحددها كشرط للسلام مع الفلسطينيين والعرب من وجهة الدولة العبرية. من هذه الثوابت رفض مقولة السلام مقابل الارض التي قالت بها المبادرة العربية، والدعوة في المقابل الى السلام مقابل السلام، بكل ما يعنيه ذلك من استمرار احتلال الاراضي العربية. وحسم مسألة رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين وطلب حلاً لمشكلتهم في اطار الدول العربية عبر توطينهم فيها. اما في شأن الدولة الفلسطينية، فقد اعطى جوابا يتضمن القبول بها ضمن شروط تلغي هذا القبول عمليا من خلال رفض السيادة الفلسطينية على الارض والجو، وعدم تعيين الحدود، واشتراط نزع سلاحها، واعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الاسرائيلية. يضاف الى كل ذلك عدم ذكر مبادرة السلام العربية او خريطة الطريق، بما يوحي صراحة رفض اعتبارهما اساسا لأي مفاوضات مع العرب.
لا يحتاج الخطاب الى كثير من التحليل لإدراك ما تحمله السياسة الاسرائيلية من عودة الى الوراء عما جرى الوصول اليه في عهود سابقة من المفاوضات، خصوصا مع الجانب الفلسطيني. لم يكن الامر مفاجئا بعدما أظهر المجتمع الاسرائيلي اتجاها تصاعديا في التطرف اليميني الذي جرى التعبير عنه في الانتخابات النيابية الاخيرة، التي اتت بالقوى السياسية المتطرفة في عدائها للعرب والفلسطينيين، مستعيدة الخطاب التوراتي التي تصر بموجبه على رفض التنازل عن اي قطعة من ارض اسرائيل، بل تشدد على ضم اراضي الضفة والقطاع وتهجير الفلسطينيين المقيمين في اراضي فلسطين المحتلة، اي ما يعرف بفلسطينيي العام 1948. وهي مواقف كانت صريحة وواضحة على لسان احزاب يمينية متطرفة مثل “اسرائيل بيتنا” التي اوصلت زعيمها افيغدور ليبرمان الى وزارة الخارجية، وهو المشهور بدعواته العنصرية لطرد الفلسطينيين من ارض اسرائيل وفق ادعاءاته.
لم يكن خطاب نتنياهو وموقفه مجرد نزوات شخصية بمقدار ما كان يعكس فعلا الواقع السياسي الاسرائيلي الذي لا يرى، حتى الان، ضرورة لتقديم تنازلات للعرب في ظل ميزان القوى الحالي لصالح اسرائيل. وهو اتجاه رافض للسلام بدأ مع اغتيال اسحق رابين عام 1995 بعد توقيعه اتفاقات اوسلو مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
يطرح سؤال في المجتمع الدولي والعالم العربي عن المستقبل بعد ان تحددت الوجهة الاميركية ومعها الجواب الاسرائيلي. الخطاب حاول ارضاء الادارة الاميركية عبر الاشارة الى حل للصراع العربي الاسرائيلي يقوم على اساس الدولتين الفلسطينية واليهودية، وهو امر تلقفه الرئيس الاميركي اوباما لينظر اليه بإيجاب، على رغم كل ما شاب طرح الدولتين من مضمون يؤدي الى الغاء الاقتراح اصلا.
تدل الاشارة الاميركية الايجابية الى حجم “التناقض” بين الادارتين الاسرائيلية والاميركية، و”احتمالات الصدام” بينهما وفق ما بشرت به وسائل اعلام عربية كانت تعكس مواقف عربية رسمية وغير رسمية، وهي آراء ليس من المبالغة وصفها بانها مجرد اوهام ورغبات ذاتية جرى اسقاطها على واقع عربي محبط، وسعت الى “تجميل” الموقف الاميركي تجاه القضايا العربية. تتجاهل الرغبات العربية في توقع الصدام ان السياسة في كل من الولايات المتحدة واسرائيل تحددها مؤسسات وبنى راسخة تحكمها مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية، ولا ترتهن بالمواقف الذاتية لهذا الرئيس او ذاك، على اهمية الخصائص الشخصية للرئيس والاثر المحدود الذي قد تحدثه. مما يعني الحاجة العربية الى رؤية الحدود المتضاربة بين الجانبين الاسرائيلي والاميركي وتعيين آثارها وما يمكن للجانب العربي الافادة منها، في وقت يظل الاهتمام مشدودا الى ما سيفعله العرب لتعديل ما في السياسة الاميركية.
لم يتأخر الجواب العربي على خطاب نتنياهو، فلسطينيا اولا ثم عربيا، وهي ردود كانت بطبيعة الحال شاجبة ورافضة لهذا الخطاب وما اتى به، بل وصفه بكونه يقضي على اي احتمالات مقبلة لسلام وحل للصراع العربي الاسرائيلي. يعكس الخطاب خيبة عربية من الجانب الاسرائيلي، وهو امر كان من المفروض وضعه في الحسبان مسبقا، كما يطرح الخطاب جملة تحديات ضخمة على الجانب العربي لجهة السياسات الخاصة التي سيواجه بها هذا الموقف الاسرائيلي. سينتظر العرب وضوحا اكبر في السياسة الاميركية، وهم الذين توخوا الآمال من خطاب الرئيس الاميركي وتوجهاته في شأن السلام. من المهم عربيا رصد التصور الاميركي وكيفية ترجمة الايجابية التي نظر فيها الرئسي اوباما الى خطاب نتانياهو. على رغم توقع انحسار وهج رؤية التناقض الاميركي الاسرائيلي وتقلصها تباعا، الا ان متابعة الموقف الاميركي تظل مهمة للعرب لتساعدهم على تلمس موقع اقدامهم مستقبلا.
يمكن للموقف العربي ان يتمتع بفعل اقوى هذه المرة انطلاقا من التقاط الايجابيات المحدودة التي اطلقها الرئيس اوباما تجاه عملية السلام، لكن ذلك سيظل مرهونا بالقدرة العربية على توظيف مقومات القوة المتعددة الجانب، التي لا تستطيع الادارة الاميركية الا اخذها بعين الاعتبار. مثل هذا الاستحضار لعناصر القوة، مقرونا بتضامن عربي حقيقي يعي فعلا حجم الاخطار الزاحفة على العالم العربي مع تصاعد التصلب الصهيوني، اضافة الى الوحدة الفلسطينية الواجبة الوجود دوما، يعني قدرة عربية على الحد من المخاطر الزاحفة على العالم العربي، وشيئا من التأثير ايجابا على السياسة الاميركية.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى