مقالات منشورةهدى بركات

في انتظار يوسف../ هدى بركات

كلّما كثرت المقالات التي تتناول اعتقال يوسف عبدلكي شعرت بالخجل. بالخجل وبالتوتّر.
الخجل لأني لم أكتب بعد عن يوسف مع أن يوسف صديقي. والتوتّر تحديداً لأن يوسف صديقي ولأنّي، حين يتعلّق الأمر بمن هو قريب من قلبي، أعجز عجزاً حقيقياً عن الكتابة، وعن الكلام في الموضوع أصلاً. حصل هذا تكراراً. تكراراً ولم أجد الأعذار أو وسائل الاعتذار. حتّى صرت أفكّر أني ربما أكتب الرواية لألتفّ على ما لا قدرة لي على مواجهته. أخترع قصصاً وحكايات تخاتل وتوارب، تزوّر على طريقة “طبق الأصل”، وشخصيات أقذف بها إلى ما لا أقوى على الذهاب إليه… هكذا، عندما التقيت هالة في المقهى عشيّة سفرها إلى بيروت رحت أهرب، أتعرّق وأهرب… ثم تمنّيت لها قرب الفرج وسماع الأخبار الطيّبة… وعدت إلى بيتي منهكة كمن “أكل قتلة”!

إلى ذلك يداهمني شعور مربك حين تكثر المقالات عن اعتقال يوسف، ربما لأني بطبيعتي الريفيّة الكامنة عميقاً، أرى في ذلك فألاً سيّئاً. أقول في نفسي إن أكثر هذه المقالات كُتبت بصيغة الماضي دون أن ينتبه كاتبها… العمى! ثمّ وإلى جانب الفأل السيّئ أخاف أن”تُغضب” هذه الكتابات مُعتقليه فيعتبرونها من نوع التحدّي والمرجلة، و”هم كما بات واضحاً أسياد المرجلة والنكاية، لا يردعهم لا مبدأ ولا قانون، ولا مشاعر إنسانية ولا مرجعيّة أو … فقد ينتقمون ممّن يحشد ليوسف أو يدافع عنه بشخص يوسف الذي لا حول له ولا قوّة الآن. ولأنّهم، حيث هو في قبضتهم، كليّو القوةّ والقدرة، فما الذي قد يمنعهم من…؟ كتاباتنا؟ المقالات المستنكرة الشاجبة؟! هؤلاء لا يقيمون وزناً لأمم أو جيوش أو محاكم دوليّة، ويوسف وحيد بينهم. هو الآن وحيد بينهم…

ولأننا، حتى الآن لا نعرف أين هو معتقل ولا في أيّ مكان أو عند أيّة “جهة، تتفاقم هواجسي وتتضخّم عقد خوفي ويسرح خيالي بما لا أقوى على احتماله من الصور الكابوسيّة. لكنّه هذيان وهلوسة، وهو تخاذل وجبن واستسلام للوحش. تقاوم الوحش بما تملك. وكي أرفع من معنويّاتي قليلاً أعود إلى المقالات التي تستنكر بقوّة اعتقال يوسف عبدلكي. تعزّيني كثرتها ووضوح القول بأنّ يوسف كبير ونقي وحرّ وبريء ومسالم وواضح…

إذن يجب أن أكتب. أتجنّب السياسة وأنا أصلاً لا أنفع في السياسة. أتجنّب كل ما يمكن أن يُغضب “هم”. أكتب مثلاً عن فرحه برواية جميلة قرأها، عن ابتهاجه بوصول العرق البلدي من قريتي، عن كلامه الساحر حين يحدّث ابني عن أعجوبة الرسم…
لكنّ مرّة أخرى أعود إلى صفحات مواقع الأخبار لأقرأ خبر إطلاق سراحه، بإصرار يشبه عناد البغال أقول إني سأقرأ الخبر. الآن. بعد دقيقة…
تأخّر يوسف كثيراً.
أقف بمواجهة الحائط الذي علّقت عليه بوستر لوحة له. يا للقسوة، أقول. يللا بقى، خلص، تأخّرتَ كثيراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى