شعر

يوميّات من منحدري لــ فرانسواز فينييه – مختارات

البلاد من هنا..

هنا الليل داكنٌ، ذو رائحة، والطريق الصغيرة يغمرها القمرُ من آنٍ لآخر لأجل نزهةٍ مرتجلة – المنزل الواقع على حافّة درب التبانة.

هنا يستمع المرء للصمت: صوت رذاذ النافورة المرتعش، هديل يمامٍ تركيّ، حفيف أجنحة خلف أوراقٍ كثيفة، دعوة كئيبةٌ من البومة، وخشخشة الذرة الناضجة في مهبّ الريح.

هنا تُفتح النافذة على رابيةٍ مطرّزة بالعرائش العالية، وعلى تعرّجات الطريق الداخليّة الممتدّة برفقٍ نحو جرس الكنيسة.

هنا الطرق الصغيرة سيّئة التعبيد؛ يرتدي وسطها خطّاً عشبيّاً مفروماً في آنٍ، ومنمّقاً بخصلٍ خضراء في آنٍ آخر، وعلى جانبها المشمسِ فسطون* أسود بكامله: ظلُّ أسلاك الهاتف.

هنا حول المنعطف الكبير المفتوح على الفضاء، إنّه الأفق العاري الذي يمسك بك فجأةً، والقلب الذي يثب.

أغسطس

***

رياحٌ عظيمةٌ من الشمس والأوراق الليّنة تعدُ بحياةٍ رغيدة بين أشجار الدردار.

الضوء يرقص وینتشر، يدعونا إلى الرقص.

أبريل

***

إنّه الظهر..

من سقف القرميد إلى الشجرة يتأرجح عصفور حسن التشذيب عبر طابورٍ طويلٍ من الصمت، وحده ضجيج الحور: ضجيج ينعش الماء.

واللحظة تستكينُ في ملاذ السماء الأزرق، كالبهجة في الجسد.

يوليو

***

لا يضجّ الحور قبالة السماء أبداً، أوراقه الذهبيّة الطازجة مبعثرة فوق المرج الأخضر.

يذهبُ الصيف قبالة سماءٍ زرقاء مورّدة.

ببطءٍ تتساقط الأوراق المشمسة، مراسمُ هادئة، ضجيجٌ خفيف، تعلنُ يومَ الحساب.

أأنت حورٌ، ومن الخشب الأخضر! الأمر متروك لك بأنّ تحفّ في أوراقك.

سبتمبر

***

(الدوالب، ما لم يقل)

أكثر من أيّ وقتٍ مضى تثب الأوراق على طول البراميل – في زخمٍ من الذهبِ الشفّاف، من الوقت السرّي – نحو الضوء الذي تحبّه.

أكتوبر

***

أشجار الشتاء، بيوتٌ أغصانها في الريح، واضحةٌ في السماء العالية.

عند أقدامهم حصيرة من القشّ، بالكاد محمرّةٌ على مستوى الشمس.

رشيقاً؛ يتسلّق الطفل الراهب ويتأمّل_مفرشخاً_ الستائر الذهبيّة لغروب الشمس.

يناير

***

كاكي..

ضخمة في الشمس، تتوهّج طيلة الشتاء، مشاهدة هذا محض سراب.

من الشروق إلى الغروب، بأغصانها المتشابكة، تدندلُ ثمارها النحاسيّة المتعذّر بلوغها؛ كما في حديقة التفاح الذهبيّ.

ومع ذلك تهبها جمالها سلاح في البستان؛ إنّها الشجرة.

(……)

يناير

***

بلحظةٍ تتبعثر الغيمة الكبيرة؛ تفتة _رماديّة متلألئة بالكاد يخنصرها اللهب الورديّ_ وتختفي عند أزرق الشفق سناءٌ عابرٌ يمحو كلّ شيء.

متنتّفة تذهب في طريقها.

البقايا الوحيدة المرسومة بالفحم هي الهيكل المكسورِ للسنديانة العظيمة.

مارس

***

هامدةٌ في الهواء الدافئ، تفلترُ أشجار الدردار المورقة صيفاً (فعلاً) أغنية الوقواق، التي أتت للمس الضوء فوق حشيش المنحدر.

في البهجة يبطلُ الوقت.

مايو

***

غير بعيدٍ عن الدردارات المعرّاة، لا زال الحور يرتعش.

مع كلّ نفسٍ تصنعُ أوراقها النادرة أغنيةٌ رقيقة تحت أشعة الشمس الباردة.

ترقص الأوراق الذهبيّة في زرقة السماء الأكثر صفاءً؛ الزرقة التي ترتجفُ في أجسادنا عاريةً إلى الأبد.

نوفمبر

______

 *الفسطون: حبل من الزهور

*Françoise Vignet: من مواليد مدينة سانت إتيان عام 1949.أستاذة في الأدب، وكانت عضواً في هيئة تحرير مجلّة Cahiers de la rue Ventura بين 2014 و 2017. كما صدر لها عام 2017 كتاب Journal de mon talus والذي منه اختيرت هذه النصوص.

ترجمة عن الفرنسية: بهاء إيعالي

أضواء المدينة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى