شعر

نجمة الكلب/ جولان حاجي

المقصّ

بالسبّابة والوسطى

يدُ المنتصر تشتمُ الموت.

بالسبّابة والوسطى

أرسم على جدار المحطّة

كلباً من ظلّ

نباحه صامتٌ حين تدقُّ النواقيس.

يدي طفلةٌ

تقصُّ خيوطَ المطر.

لا صليلَ لهذا المقصّ.

لا شؤمَ إذا فتحتَه

لتُحيّي به مولوداً وتُحْييه.

طفلةٌ تكلّم يديها، في هذه العتمة،

تقطعُ الحبال التي تسقيني دمَ الماضي ـ

أصابعها الصغيرة المثلّمة بالغمّازات

تباعدُ شفتيّ.

■ ■ ■

مترجم روايات “عبير” في أثينا

ندمي هنا ما قلتُه هناك:

“بكائي مخلّصي.

بيني وبينهم هذا الأفق، وحلمُهم قتلي”.

مديوناً في بلدٍ مديون،

اتّكأتُ إلى مركبٍ محطَّم ولم أكملْ طريقي.

لم أفارقِ اليونان ففارقني الله حين أتممْتُ توبتي

وآواني هذا الأرخبيل وآنستني

جدرانهُ البيضاء الخفيضة، أبوابه الزُّرق

كسمواتٍ صغيرة زرعتْها النسائم في الثلج.

العينُ تصفو في هواءِ الجُزُر

كعقلِ الراهب إثرَ نهارٍ من الصوم،

ولا خوفَ يفسدُ صفوَ الصباح.

لا بروقَ تحرقُ ياقاتِ الغيم.

عيني فرغتْ ممّا رأت.

الهواءُ النقيّ بشمسِ الهدوء

غامرٌ نظرتي.

بضعُ خطواتٍ تكفي ليتلاحمَ ظلّي وظلُّ صنوبرة،

لأرى تحت جفنيّ

فتاةً تُرخي الجفون على عاشقها

تلبسُ قميصاً أخضرَ خفيفاً

يشفّ عن لَعوتين خمريّتين كبحر هوميروس

الحلمتان تعلوان وتطولان شيئاً فشيئاً

كقرنَيْ حلزون

في الهواءِ النديّ

بين عاصفتين رعديّتين.

■ ■ ■

قسَم سقراط *

وسوريا، نجمةَ الكلب،

سأتبنّى كلباً لا سيّدَ له

صمتُه لا يُشترى

لا يعزّه أحد، لا تُزكِمه النفايات،

لا يرتاد المسالخ في الفجر،

لا يتشمّم خُصى الغرباء،

لا يرسم الحدود بالبول،

ينبح على الخائفين في قطار اللغات

الصاعدين من دون بطاقات،

سائباً رافقَ ضائعين في الجبال

ودلّهم نباحه في الغابات إلى طريق النجاة.

أربّي في روحي جرواً ضائعاً

يحلم بعظام الكلمات،

شائخ الملامح

أتخمته بقايا الأفكار التي التهمها تحت موائد الموتى.

بضعفهِ أحتمي من الغرباء،

بغضبي المضحك.

يؤنسني في وحشة النزهات

ولا يستطيع حراستي من اللصوص.

سدى أدرّبه على طرد الهلع في ليل النهار:

“انهضْ سِرْ على قائمتيك الخلفيتين.

عُضَّ الخوف ذا الأيدي المائة.

هُزَّ ذيلك للبقّال إذا ابتسم.

لاطفِ الأطفال حين يتّخذون أشكال شياطين.

افرَحْ. انبَحْ…”

سيبقى جرواً ضعيفاً

لا يكبرُ ولا يقوى على النباح.

* في “جمهورية” أفلاطون، يُقسم سقراط بالكلب مرّتين. قد يكون المقصود هو الإله الفرعوني أنوبيس، البارز في “كتاب الموتى”، والقسَم بكلب مصر توكيدٌ القاسم على صواب ما يُفترض. الاحتمال الثاني أضعف، وتأويله على منوال القسَم بمواقع النجوم في القرآن. النجمة الألمع في كوكبة الكلب اسمها “سوريا” لدى الإغريق و”الشعرى اليمانية” لدى العرب.

■ ■ ■

شاهد الثعلب

تعانقني هاتفاً ملء صدرك:

“مشتاق لك!”

وفي قلبك بصقة.

شهودٌ كثيرون رأونا نمدح الذين حسدناهم

شبّاناً يدخلون المواخير

ويخرجون إلى المستقبل

بدماءٍ زرقاء كعيونِ الرؤساء

ملأتْها الفيروسات بالموت.

* شاعر ومترجم سوري مقيم في باريس

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى