منوعات

رحيل بيتر بروك آخر أساطير المسرح المعاصر -ملف من اعداد موقعنا “صفحات سورية”-

بيتر بروك أعاد تأسيس المسرح رؤية وإخراجا وتمثيلا وجمهورا/ يسري حسان

المخرج المستكشف وضع نظريات تطبيقية وجاب ملاحم التراث البشري وآفاق الحداثة

لم ينل مسرحي في حياته من التقدير والتبجيل ما ناله البريطاني بيتر بروك، وكم كان مصيبا وصفه بأنه” أسطورة المسرح في القرن الـ 20″ أو بأنه “أعظم مسرحي على قيد الحياة”.

ظل بيتر بروك بأعماله ونظرياته المسرحية ورحلاته التي جاب خلالها أركان الأرض، وبتجاربه الفنية والإنسانية الخصبة هنا وهناك، مصدر إلهام لمئات المسرحيين حول العالم، ونموذجاً للمسرحي الذي لا يكف عن البحث والاستكشاف والتفاعل مع جماعات ربما لم تعرف المسرح من قبل، حتى إنه في مسرحيته الأخيرة التي قدمها العام 2019 وعنوانها “لماذا؟”، بدا وكأنه مصر على مساءلة المسرح وهو في الـ 93 من عمره.

في كتابه” النقطة المتحولة… 40 عاماً في استكشاف المسرح” الذي كان الناقد المصري الراحل فاروق عبدالقادر أول من ترجمه إلى العربية ووضعه في متناول القراء العرب، وصدر العام 1991 في سلسلة عالم المعرفة الكويتية، يطرح بيت بروك الأسئلة التي سبق أن طرحها في كتابه” المساحة الفارغة ” الذي ترجمه عبدالقادر أيضاً وصدر عن دار الهلال المصرية عام 1986.

إن بيتر بروك كما يقول عبدالقادر في تقديمه لـ “النقطة المتحولة” رجل مسرح، ولهذا انطلق من البديهة البسيطة وهي أن المسرح يجب أن يكون مسرحاً، بمعنى أن يقدم مسرحية لا محاضرة أو قصة أو حشداً من الأفكار أو منشوراً دعائياً، وحين اعتمد هذه الحقيقة لم يعد يحمل تقديساً زائفاً لنص بعينه أو تراث بعينه، وكان هذا يعني طرح الأسئلة الأساس مثل،

لماذا المسرح على الإطلاق؟ ما هدفه؟ هل هو مفارقة تاريخية؟ هل هو أثر بال متخلف يجب أن يحال إلى الاستيداع؟ هل لخشبة المسرح مكان حقيقي في حياتنا؟ أية وظيفة يمكن أن يؤديها المسرح؟ وماذا يمكنها أن تكتشف؟ ما خصائصها وما سماتها العامة؟

لا أجوبة حاسمة

يطلب الناقد فاروق عبدالقادر في مقدمته ألا نتوقع إجابات حاسمة ونهائية يقدمها بيتر بروك لهذه الأسئلة ومثلها، فالفن لا يعرف مثل هذه الإجابات، لكن بروك يقدم إجابته هو، وإجابته محددة بشروط وجوده، وهي كذلك لا تنفصل عن تاريخ كتابتها.

 يقول بروك “هذه صورة المؤلف لحظة الكتابة والبحث داخل مسرح متحلل ومتطور، وكلما مضيت في العمل أصبحت هذه النتائج أقل شمولاً”.

هو إذاً كتاب يثير من الأسئلة أكثر مما يقدم من إجابات ويشرح مبررات الرفض أكثر مما يفسر أسباب القبول ويمزق أستار الوهم والخداع وسوء النية والقصور والعجز عن الاكتمال التي تلف المسرح في أشكاله الأربعة التي ناقشها، (المسرح الميت والمقدس والخشن والمباشر).

وفي مجال بحثه يدور حول ثوابت ثلاثة هي الممثل والمخرج والجمهور، وإذا كانت كتابات كثيرة قد نشرت حول الممثل وفن التمثيل وبدرجة أقل حول المخرج ووظيفته، فلعل فناناً معاصراً لم يتناول دور الجمهور بهذا الشمول والنفاذ كما تناوله بروك.

الجمهور في قلب التجربة

يضع بيتر بروك الجمهور في قلب التجربة المسرحية ويلقي عليه عبئها “هنا ترجع المشكلة مرة أخرى إلى المتفرج، هل يود أي تغيير في شروطه؟ هل يود أن يتغير شيء في نفسه أو حياته أو مجتمعه؟ إذا لم يكن يريد فهو ليس بحاجة إلى المسرح، من حيث هو امتحان قاس، منظار مقرب، أضواء كاشفة.

من ناحية أخرى قد يود أن يكون المسرح هذا كله، وفي هذه الحال لن يصبح في حاجة إلى المسرح فقط، لكنه بحاجة لكل شيء يستخرجه منه، بحاجة ملحة إلى الأثر الذي يخدش وإلى أن يبقى هذا الأثر ولا يزول.

يرى بروك أن القوة الدافعة للمسرح الكلاسيكي والتجاري على السواء ظلت طوال قرون هي إحداث أثر في الجمهور، وجاء رد فعل المسرح التجريبي اليوم كي يمضي إلى أقصى النقيض، ومن أجل أن تظل الآلة المسرحية دائرة بكفاءة فإن العلاقة بالجمهور هي الخيوط التي تربط أجزاء الآلة معاً.

المسألة ليست فقط هي الحصول على ضحك الجمهور أو تصفيقه، وما أسهل أن ينزلق ممثلون ومخرجون إلى النظر للجمهور باعتباره عدداً وباعتباره متقلب المزاج، فحتى الفنانون الجادون يتخذون إزاء الجمهور أحد موقفين، إما أن يعملوا على كسبه واستمالته والسيطرة عليه وجلده بالسياط وإرغامه على الصمت وامتلاكه، وإما تجاهله “فلنعمل لأنفسنا كأنه ليس موجوداً هناك”.

السبيل إلى تعلم علاقة مختلفة مع الجمهور يحدده بروك بأنه القيام بسلاسل طويلة من الارتجالات بعيداً مما اعتاده جمهور المسرح في خضم الحياة، من دون شيء معد من قبل على الإطلاق، مثل حوار حقيقي يمكن أن يبدأ من أي نقطة ويمضي في أي اتجاه.

بهذا المعنى يأتي الممثلون إلى الجمهور وهم مستعدون لتقديم حوار لا تقديم عرض، ومن الناحية التقنية فإن إخراج الحوار المسرحي يعني خلق مواضيع ومواقف لهذا الجمهور الخاص، تتيح له أن يؤثر في تطور الرواية خلال العرض.

علاقات مختلفة

ينصح بيتر بروك الممثل بأن يبدأ بتحسس الجمهور بأبسط الطرق، كأن يلعب بموضوع ما أو يتكلم أو يقدم شذرات من العلاقات الإنسانية من طريق الموسيقى والرقص والغناء، وهو من خلال ذلك يسبر استجابات الجمهور، تماماً كما في المحادثة حين تستشعر على الفور ما الذي يعني الشخص الآخر ويهمه، وحين يجد الممثل الأرض المشتركة ويبدأ في تنميتها يجب أن يضع في اعتباره كل الإشارات الصغيرة التي تومئ إلى استجابات جمهوره، وسرعان ما يحس الجمهور بهذا ويفهم أنه شريك في تنمية الفعل، وسيحس بالدهشة والسعادة لاكتشاف أنه يلعب دوراً في الحدث.

هكذا اكتشف بروك خلال تجاربه في أفريقيا وأميركا وفرنسا وهو يقدم أعماله في القرى النائية وفي المناطق الحضرية الخشنة، أمام الأقليات العرقية والمسنين والأطفال والجانحين وقاصري العقل والصم والعميان، أن ليس هناك عرضان متطابقان على الإطلاق، مما يعني الاستجابة في كل مرة لما يمس الجمهور ويجعله قريباً من العرض ومشاركاً فيه.

وقد تعلمنا، كما يقول بروك، أن الارتجال تقنية صعبة على نحو استثنائي ودقيق، ومختلف كل الاختلاف عن تلك الفكرة البالغة العمومية، عن “الحادثة” أو “الواقعة” التلقائية.

الارتجال يقتضي مهارة فائقة من جانب الممثلين في كل نواحي المسرح، ويتطلب تدريباً خاصاً وقدرة هائلة على العطاء وحساً بالفكاهة، والارتجال الأصيل الذي يتصاعد إلى التقاء حقيقي لا يحدث إلا حين يحس المشاهدون بأنهم موضع حب الممثلين واحترامهم.

رحلات طويلة

لقد قطع بيتر بروك وفريقه من الممثلين ذوي الجنسيات المختلفة والأطر الثقافية المتباينة رحلات طويلة ليقدموا عروضهم في وسط أفريقيا وأطراف استراليا وأماكن مختلفة من آسيا وأميركا.

تجربة فنية وإنسانية لم يفعلها غيره، إذ قدم عروضاً لا تقل أهمية عن سابقاتها في المسرح المعاصر، مثل “أورغاست” عن كتاب الزرادشتيين القديم، “الأفستا” عام 1971، و”الأيك” عن قبيلة أفريقية تعاني الجفاف والمجاعة في 1975، و”اجتماع الطير” عن نص الشاعر الفارسي فريد الدين العطار في 1979، و”المهابهاراتا” الملحمة الهندية الرهيبة العام 1986 وسواها.

وكمثال لما يؤدي إليه مثل هذا البحث يكتب بروك عن “اجتماع الطير” أن “هذا العمل في تطور دائم، ولعبنا عدداً من صياغاته في أفريقيا وعدداً آخر في باريس وكثيراً عبر أميركا، وفي النهاية كنا نغير أطقم الممثلين على نحو دوري كل ليلة حتى يكتسب كل عضو في الجماعة فهماً جديداً لكل دور، وفي الأسبوع الأخير أصبح لدينا سبعة أزواج من الممثلين مسؤولين عن سبع صياغات للعمل، والليلة الأخيرة كانت تضم ثلاثة عروض يبدأ الأول في الثامنة مساء والثاني منتصف الليل والثالث في الفجر، وأول العروض كان ارتجالياً وثانيها كان هادئاً ملتزماً بالنص وثالثها كان ذا طابع احتفالي”.

احترام الآخر

اللافت في اختيارات بروك أنه لم يكن محاصراً داخل أطر ثقافته الإغريقية الأوروبية أو قاصراً عليها، بل هو قادر على أن يبحث في تقديم “أوديب” كما يبحث في تقديم “الملك لير”، ويلتفت في الوقت ذاته نحو كتاب الزرادشتيين القديم، وصوفية فريد الدين العطار والملحمة الهندية الكبيرة “المهابهاراتا”، وهو حين يقترب من تلك الإبداعات الكبيرة الصادرة عن ثقافات أخرى فهو لا يقترب منها بأفكار مسبقة أو قوالب جاهزة، بل عليه أن يفسر مادته كي تتلاءم داخلها، لكنه يقترب منها باحترام ومحبة ورغبة صادقة في فهم منطقها الداخلي والوظيفة التي كانت تؤديها في الثقافة التي صدرت عنها.

يؤمن بيتر بروك دائماً بفكرة الاختلاف ولا يدعي أبداً امتلاك اليقين، “لم أؤمن يوماً بوجود حقيقة واحدة مفردة، لا حقيقتي أنا ولا حقائق الآخرين، وإنني أعتقد أن كل المدارس والنظريات يمكن أن تكون مجدية في مكان ما وزمان بعينه، لكنني اكتشفت أيضاً أن الإنسان لا يمكن أن يعيش من دون توحد حار ومطلق بوجهة من وجهات النظر، ثم يمضي الزمن فنتغير نحن ويتغير العالم، ومن ثم تتبدل الأهداف وتتحول وجهات النظر.

إنني أنظر ورائي إلى سنوات طويلة حافلة بكتابة المقالات والحديث عن أفكار في أماكن مختلفة ومناسبات لا حد لتنوعها، ويفاجئني وجود شيء واحد ثابت ودائم، وكي يصبح لوجهة النظر فائدة ما فيجب أن يلتزم بها صاحبها التزاماً كاملاً، وأن يدافع عنها حرفياً حتى الموت”.

دروس الإخراج

وعن كيفية تعاطيه مع العمل المسرحي يقدم بروك درساً لكل مخرج، فهو حين يبدأ العمل في مسرحية يبدأ بإحساس داخلي عميق من دون شكل كأنه رائحة أو ضوء أو ظل، وهذا أساس مهنته وأساس دوره كما يقول، وهو إعداده لبداية التدريبات على المسرحية التي سيشرع فيها، وثمة إحساس داخلي من دون شكل وهو صلته بالمسرحية واقتناعه بأن هذه المسرحية يجب أن يتم إخراجها اليوم. ومن دون هذا اليقين لن يستطيع إخراجها. يقول، “الإعداد يعني التقدم نحو تلك الفكرة، فأبدأ بإقامة المشهد المسرحي ثم أحطمه، أقيمه ثم أهدمه، وأنا أفكر في حلول له، أي نوع من الأزياء والأدوات؟ أي نوع من الألوان؟ وتلك كلها أدوات اللغة التي يمكن أن تجعل هذا الإحساس الداخلي أقرب إلى أن يكون أكثر تماسكاً، وتدريجاً سينبثق عنه الشكل، وهو شكل يجب إخضاعه للتجريب والتعديل، لكنه يبقى شكلاً قد انبثق وهو ليس مغلقاً، لأنه ليس إلا المشهد المسرحي، فالمشهد ليس سوى الأساس، المنصة، ثم يبدأ العمل مع الممثلين”.

حرية الممثل

إن العمل في التدريبات يجب، كما يقول بروك، أن يخلق جواً عاماً يشرع فيه الممثلون بملء حرياتهم في تقديم كل مايمكنهم تقديمه للمسرحية، لهذا سيكون كل شيء مفتوحاً وطلقاً في المراحل الأولى من التدريبات، ولا يفرض عليها شيئاً على الإطلاق، وبمعنى من المعاني فإن هذا يعارض على خط مستقيم التكنيك الذي يستخدمه المخرج الذي يلقي خطاباً في اليوم الأول للتدريبات، يتحدث فيه عن المسرحية ومنهجه في الاقتراب منها. يقول، “هكذا سنبدأ التدريبات. قد نبدأها باحتفال، نبدأها بأي شيء، ولكن لا نبدؤها أبداً بالأفكار”.

إن بوسع المخرج كما يقول بروك أن يتعامل مع المسرحية مثل الفيلم السينمائي، ومن ثم فهو يستخدم كل العناصر المسرحية من ممثلين ومصممين وموسيقيين وكأنهم خدم له، من أجل أن ينقل للعالم كله ما يريد أن يقول، ويرى بروك أننا يجب أن نقسم فعل الإخراج من منتصفه تماماً، فنصف الفعل ينصرف للإدارة والتوجيه، أي تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات، وأن تكون له الكلمة الأولى والأخيرة في الرفض والقبول، أما النصف الثاني فينصرف إلى تحقيق الاتجاه الصحيح للعمل، وهنا يصبح المخرج قابضاً على الدفة.

————————–

وفاة بيتر بروك… عملاق غيّر وجه المسرح إلى الأبد

كان بيتر بروك، الذي توفي السبت عن 97 عاماً، يعتبر مع كونستانتين ستانيسلافسكي، المخرج المسرحي الأكثر تأثيراً في القرن العشرين، إذ يعود إليه الفضل في جعل المسرح على ما هو عليه اليوم.

فبروك المولود في بريطانيا، التي كان يحمل جنسيتها، رغم كونه أمضى جزءاً كبيراً من مسيرته الفنية في فرنسا، أعاد تجديد فن المسرح من خلال تجاوزه الأشكال التقليدية والعودة إلى الأساسيات، وهي أن يكون الممثل أمام جمهوره.

ويعتبر بروك، الذي غالباً ما يقارن بستانيسلافسكي (1863-1938) الذي أحدث ثورة في التمثيل، منظّر “الفضاء الفارغ”، وهو من المراجع الأساسية في المسرح، ونُشر للمرة الأولى عام 1968.

وباتت السطور الأولى من هذا الكتاب من أبرز مبادئ المسرح البديل والتجريبي، وجاء فيها: “يمكنني أن آخذ أي مساحة فارغة وأطلق عليها اسم خشبة. يمشي شخص ما في تلك المساحة الفارغة بينما يشاهده شخص آخر، وهذا يكفي لبدء الفعل المسرحي”.

    يعتبر بيتر بروك، مع كونستانتين ستانيسلافسكي، المخرج المسرحي الأكثر تأثيراً في القرن العشرين، إذ يعود إليه الفضل في جعل المسرح على ما هو عليه اليوم.

وتُعدّ “ماهابهاراتا” أشهر مسرحيات بروك، وهي ملحمة مدتها تسع ساعات من الأساطير الهندوسية (1985)، اقتُبست للسينما عام 1989.

وقد كتب هذه المسرحية في فرنسا، حيث استقر في مطلع سبعينات القرن العشرين، وأسس “المركز الدولي للبحوث المسرحية” في مسرح على الطراز الإيطالي على وشك الهدم هو مسرح “بوف دو نور”.

 إلى المسرح التجريبي

كان بروك، المولود في لندن في 21 آذار/مارس 1925 لأبوين يهوديين ليتوانيين مهاجرين، في السابعة عشرة عندما تولى للمرة الأولى إخراج مسرحية.

وسرعان ما اتجه إلى المسرح، مع أنه كان يحلم بالعمل في مجال السينما. وفي سن العشرين، تخرج من جامعة أوكسفورد، وكان أصبح مخرجاً محترفاً. وبعد ذلك بعامين، أثارت أعماله الإعجاب في ستراتفورد أبون آفون، مسقط رأس شكسبير. وفي الثلاثين، كان حقق نجاحات كبيرة في مسارح برودواي.

    بروك: “يمكنني أن آخذ أي مساحة فارغة وأطلق عليها اسم خشبة. يمشي شخص ما في تلك المساحة الفارغة بينما يشاهده شخص آخر، وهذا يكفي لبدء الفعل المسرحي”.

وأبهرت مسرحيته Marat/Sade لندن ونيويورك وحصل عنها على جائزة “توني” عام 1966.

ولكن في نهاية الستينات، بعد 40 نجاحاً مسرحياً عمل بإدارته فيها أعظم الممثلين، من لورانس أوليفييه إلى أورسون ويلز، قال بروك إنه “استنفد إمكانيات المسرح التقليدي” ودخل فترة تجريبية.

واعتبر كثر أن مسرحيته المذهلة “إيه ميدسامر نايتس دريم” عام 1970 لـ “رويال شكسبير كومباني” في صالة للألعاب الرياضية على شكل مكعب أبيض كانت بمثابة نقطة تحول.

ودفعت هذه المسرحية الممثلة هيلين ميرين للتخلي عن مسيرتها الجماهيرية المبكرة للانضمام إلى فرقته الوليدة في باريس، حيث كان يطمح منذ البداية للعمل مع ممثلين من ثقافات مختلفة.

وبدافع من سعيه الدائم إلى الأصالة، سافر إلى إفريقيا وإيران والولايات المتحدة ونفذ أعمالاً تجريبية فيها تتمحور على “إلغاء تقييد” الممثل والعلاقة مع المتفرج.

وكرّس في كل أعماله اللاحقة أسلوباً نقياً ومتحرراً.

“ابقَ خلاّقاً”

في عام 1997، عندما حققت نسخته من مسرحية “هابي دايز” لصاموئيل بيكيت نجاحاً في بريطانيا، أشاد به النقاد على أنه “أفضل مخرج لا تملكه لندن”.

بعد مغامرة استمرت لأكثر من 35 عاماً في “بوف دو نور”، ترك بيتر بروك إدارة المسرح عام 2010، عن عمر يناهز 85 عاماً، لكنه استمر في تقديم مسرحيات فيه.

    بروك: “الأمر الوحيد الذي كان يهمني طوال حياتي، والذي أعمل من أجله في مجال المسرح، هو ما يعيش مباشرة في الحاضر”.

وقال لفرانس برس: “الأمر الوحيد الذي كان يهمني طوال حياتي، والذي أعمل من أجله في مجال المسرح، هو ما يعيش مباشرة في الحاضر”.

واهتز المخرج ذو الشخصية الجذابة عام 2015 بوفاة زوجته الممثلة ناتاشا باري. وقال “نحاول أن نتفاوض مع القدر بقول: أعدها لمدة 30 ثانية فقط …”.

بالإضافة إلى المسرحيات، قدم عدداً كبيراً من أعمال الأوبرا مثل “الفلوت السحري”، وأخرج نحو عشرة أفلام، بما في ذلك “موديراتو كانتابيلي” (1960) و”لورد أوف ذي فلايز” (1963)، وكلاهما مقتبس من رواية.

وتتألف عائلة الراحل من مساعدته الوفية ماري إيلين إستيين، وولديه المخرج السينمائي سايمون بروك والمخرجة المسرحية أيرينا بروك.

(أ ف ب)

—————————

رحيل بيتر بروك آخر أساطير المسرح المعاصر

بروك أهم المسرحيين التجريبيين في العالم وأكثرهم جرأة وحيوية.

مخرج متحول باستمرار

بعد قرون من ولادة المسرح وترسخ أساليبه وتقنياته عبر تجارب مؤسسة فيه، مازال هناك من المسرحيين من يبحث عن العناصر الأولية لهذا الفن، ويحاول تفكيك منظومته وإعادة بنائها بشكل مغاير، في ثورة على ما هو موجود وطرحين جمالي وفكري جديدين، وهو ما قدمه المسرحي البريطاني الراحل بيتر بروك الذي يعتبر واحدا من أهم المخرجين والكتاب في المسرح المعاصر.

باريس – غيّب الموت البريطاني بيتر بروك، أسطورة المسرح وأحد أبرز مخرجي الخشبة في القرن العشرين، إذ توفي السبت عن 97 عاما، بحسب ما أفاد مقربون منه الأحد.

وتميز هذا المسرحي الكبير الذي ولد في بريطانيا وأمضى قسما كبيرا من مسيرته الفنية في فرنسا حيث أسس مسرح “ليه بوف دو نور” بأنه أحدث تجديدا في فن الإخراج المسرحي محررا إياه من الديكورات التقليدية.

عرفنا بروك عبقري المسرح المعاصر منذ “مارا صاد” ثم “المهاباراتا”، وعندما نقول عبقري المسرح لا نقصد فقط المسرح الإنجليزي، بل المسرح بشكل عام، فهذا المخرج والكاتب العملاق الذي قدم أشهر أعمال شكسبير، هجر بلاده منذ أكثر من 40 عاما بعد أن أعلن موت المسرح التقليدي وذهب إلى فرنسا، حيث أسس فرقة صغيرة تخلصت من الأثقال والقيود المسرحية التقليدية، وأصبح يكتب ويخرج مع شريكته الفرنسية ماري إيلين إستيان.

موت المسرح التقليدي

بوكس

التعرض لتجربة بروك سواء مؤلفاته “المساحة الفارغة” و”النقطة المتحولة” أو عروضه أو أعماله السينمائية، لا يقدم أجوبة بقدر الأسئلة التي تطرحها هذه التجربة، وغالبية هذه الأسئلة تتمحور حول بديهيات فهم المسرح. لماذا يجب أن يهبط الستار في لحظة قوية؟ ولماذا يجب أن يؤكد السطر الجيد من النص؟ ولماذا يجب السعي لإيجاد ضحكة؟ ولماذا يجب أن نتكلم جهراً في مواجهة المعايير اليومية والعادية للحس العام وللحقيقة؟

كل ذلك طرحه بروك ليس بهدف تأصيل التجربة وتعميمها بل لأجل الحفاظ على فعالية الفن المسرحي المتمثلة بالتحول المستمر، إذ أن تجربة بروك لا تفرض نفسها باعتبارها الأنموذج، بل هي الاختلاف، وبالتالي التجارب المختلفة هي التي تؤدي لحدوث أعظم العروض، ومن هنا برزت فكرته بعدم وجود مسرح تام في أي جزء من العالم بل كل ما هنالك شذرات من المسرح، ولم يخش بروك رد الفعل الناتج عن مقارعة المعتقدات المسرحية، فهو من قال إنه كي نواجه جمهورا بصيغ إبداعية جديدة يجب أن تكون قادرا أولاً على مواجهة المقاعد الخالية.

وتبعا لذلك رفض بروك أي طرح للفرز في المسرح سواء على صعيد الجمهور ضمن التقسيم بين “البسيط” باعتباره صبيانيا ومسطحا، و”المركب” المسموح به فقط لأناس ذوي تكوين ثقافي خاص، وكذلك التقسيم على صعيد النوع برفضه الفصل المفتعل بين المسرحية الشعرية والواقعية والطبيعية وغيرها، فالزمن مائع وكذلك المكان وأي تجربة مسرحية يحددها السياق الجغرافي والتاريخي، وفي هذا العصر فإن عرضا يجري في المطبخ أو غرفة المعيشة لم يعد مسرفا في واقعيته.

ولد بيتر بروك في مدينة لندن عام 1925، وهو من أصل ليتواني، درس الأدب المقارن في جامعة أكسفورد، وعمل لحساب التلفزيون البريطاني الوطني، كما مارس التمثيل والإخراج مبكرا وهو في العشرين من عمره، حيث كان عرضه الأول “خاب سعي العشاق” عام 1946، في 1970 انتقل إلى باريس، بعدها استدعته منظمة اليونسكو لتشيّد بإدارته مركزا للأبحاث المسرحية، وفي ما بعد أصبح مركزا للإبداع على حد تعبير بروك.

بروك أعلن موت المسرح التقليدي وذهب إلى فرنسا ليؤسس فرقة ويتخلص من القيود المسرحية التقليدية بروك أعلن موت المسرح التقليدي وذهب إلى فرنسا ليؤسس فرقة ويتخلص من القيود المسرحية التقليدية

المتجدد دائما

بروك لم يبدأ عمله في المسرح مدفوعا لشغفه به، ويقول إنه كان يرى المسرح كئيبا مقابل عشقه للسينما، ويتحدث عن لقائه منتجا كبيرا في تلك الفترة بعد إخراجه فيلما في أكسفورد، وطلب من المنتج تمويل فيلم من إخراجه، فأجابه “أستطيع أن أعطيك وظيفة لتتعلم الحرفة وبعد سبع سنوات بالإمكان أن أعطيك الفرصة”.

ويقول بروك إن تجاربه المسرحية الأولى كانت مثيرة بالنسبة إليه من وجهة نظر حسية خالصة، وكان عمله منصرفا نحو الجوانب البصرية نظراً إلى ولعه بالإضاءة والصوت والألوان والأزياء، ويشبه بروك حالته في تلك الفترة كشخص يحب السينما لعشقه بكرات الشرائط والعدسات.

وقد اعتبر الجمهور أن عرض “تيتوس أندرونيكوس” (من أعمال بروك المبكرة) قدّم شيئاً يفوق النص، ما أرضى غرور بروك على حد تعبيره، إلا أنه لم يكن صحيحا، حيث أن الجمهور يسيء فهم وظيفة المخرج ويتصوره كمصمم ديكور يستطيع أن يفعل من أي حجرة أي شيء.

وكان بروك كما يذكر دكتاتوريا في التعامل مع الممثلين في بداية عمله، إذ أنه كان يظن أن على الممثل تنفيذ الأوامر فحسب كما السينما، بعدها بدأ يدرك أن المسرح أمر مختلف كليا.

والمثير في تجربته أنه يتجدد باستمرار ففي واحد من أعماله الأخيرة بعنوان “ألسجين” هجر مثلا فكرة الاندماج والتماثل بين الواقع والحدث المسرحي، ولم يستخدم أدوات فنية مثل المؤثرات البصرية والصوتية، إذ يخلو العرض تماما من الموسيقى، فهو يعود إلى أصول المسرح، ولذلك قوبلت مسرحيته في النقد البريطاني بالتحفظ والرفض، ومع ذلك يظل أهم المسرحيين التجريبيين في العالم وأكثرهم جرأة وحيوية.

————————–

المسرحي بيتر بروك يغادر “خيوط الزمن

يعود إليه الفضل في إرساء مبادئ التجريب الفني ويعد الأكثر تأثيراً في القرن الـ20

يعتبر بيتر بروك الذي توفي السبت عن (97 سنة)، إضافة إلى المخرج المسرحي كونستانتين ستانيسلافسكي، الأكثر تأثيراً خلال القرن الـ 20، إذ يعود له الفضل في جعل المسرح على ما هو عليه اليوم.

فبروك المولود في بريطانيا والذي يحمل جنسيتها على الرغم من كونه أمضى جزءاً كبيراً من مسيرته الفنية في فرنسا، أعاد تجديد فن المسرح من خلال تجاوزه الأشكال التقليدية والعودة للأساسات، وهي أن يكون الممثل أمام جمهوره.

منظر “الفضاء الفارغ”

ويعتبر بروك الذي غالباً ما يقارن بستانيسلافسكي (1863-1938) الذي أحدث ثورة في التمثيل، منظّر كتاب “الفضاء الفارغ”، وهو من المراجع الأساس في المسرح، الذي نشر للمرة الأولى عام 1968.

وباتت السطور الأولى من هذا الكتاب من أبرز مبادئ المسرح البديل والتجريبي وجاء فيها، “يمكنني أن آخذ أية مساحة فارغة وأطلق عليها اسم خشبة. يمشي شخص ما في تلك المساحة الفارغة بينما يشاهده شخص آخر، وهذا يكفي لبدء الفعل المسرحي”.

وتعد “ماهابهاراتا” أشهر مسرحيات بروك، وهي ملحمة مدتها تسع ساعات من الأساطير الهندوسية (1985) اقتبست للسينما عام 1989.

وقد كتب بروك هذه المسرحية في فرنسا، حيث استقر مطلع سبعينيات القرن الـ 20 وأسس “المركز الدولي للبحوث المسرحية”، في مسرح على الطراز الإيطالي على وشك الهدم وهو مسرح “بوف جور نور”.

سيرة الحلم والتجريب

كان بروك المولود في لندن يوم الـ 21 من مارس (آذار) 1925 لأبوين يهوديين ليتوانيين مهاجرين في الـ 17 عندما تولى للمرة الأولى إخراج مسرحية.

وسرعان ما اتجه إلى المسرح مع أنه كان يحلم بالعمل في مجال السينما. وفي سن الـ 20 تخرج في جامعة أوكسفورد وأصبح مخرجاً محترفاً، وبعد ذلك بعامين أثارت أعماله الإعجاب في ستراتفورد أبون آفون، مسقط رأس شكسبير.

وفي الـ 30 حقق نجاحات كبيرة في مسارح برودواي، وأبهرت مسرحيته “مارات / ساد”   Marat / Sade لندن ونيويورك، وعنها حصل على جائزة “توني” العام 1966.

لكن في نهاية الستينيات وبعد 40 نجاحاً مسرحياً عمل بإدارته فيها أعظم الممثلين، من لورانس أوليفييه إلى أورسون ويلز، قال بروك إنه “استنفد إمكانات المسرح التقليدي” ودخل فترة تجريبية.

واعتبر كثر أن مسرحيته المذهلة “حلم ليلة منتصف الصيف” A Midsummer Night’s Dream عام 1970 كانت بمثابة نقطة تحول دفعت الممثلة هيلين ميرين إلى التخلي عن مسيرتها الجماهيرية المبكرة للانضمام لفرقته الوليدة في باريس، حيث كان يطمح منذ البداية بالعمل مع ممثلين من ثقافات مختلفة.

سعياً إلى الأصالة

وبدافع من سعيه الدائم إلى الأصالة، سافر إلى أفريقيا وإيران والولايات المتحدة ونفذ أعمالاً تجريبية فيها تتمحور حول “إلغاء تقييد” الممثل والعلاقة مع المتفرج، وكرّس في كل أعماله اللاحقة أسلوباً نقياً ومتحرراً. وهو ما يظهر من خلال سيرته الذاتية التي جاءت بعنوان “خيوط الزمن”، وقسّمها بيتر بروك إلى ثلاثة أجزاء اختلطت فيها تفاصيل حياته الشخصية بالمهنية.

وفي العام 1997 حققت نسخته من مسرحية “أيام سعيدة” Happy Days لصامويل بيكيت نجاحاً في بريطانيا أشاد به النقاد على أنه “أفضل مخرج لا تملكه لندن”.

وبعد مغامرة استمرت لأكثر من 35 عاماً في “بوف دو نور” ترك بيتر بروك إدارة المسرح العام 2010 عن عمر يناهز 85 سنة، لكنه استمر في تقديم مسرحيات فيه.

وقال بروك للصحافة الفرنسية، “الأمر الوحيد الذي كان يهمني طوال حياتي والذي أعمل من أجله في مجال المسرح هو ما يعيش مباشرة في الحاضر”.

مفاوضات مع القدر

واهتز المخرج ذو الشخصية الجذابة العام 2015 بوفاة زوجته الممثلة ناتاشا باري، وقال “نحاول أن نتفاوض مع القدر بالقول أعدها لمدة 30 ثانية فقط”.

وإضافة إلى المسرحيات قدم بروك عدداً كبيراً من أعمال الأوبرا مثل “الفلوت السحري”، وأخرج نحو 10 أفلام بما في ذلك “غناء معتدل” Moderato Cantabile (1960) و”أمير الذباب” Lord of the Flies (1963)، وكلاهما مقتبس عن رواية.

وتتألف عائلة الراحل من مساعدته الوفية ماري إيلين إستيين وولديه المخرج السينمائي سايمون بروك والمخرجة المسرحية أيرينا بروك.

———————————-

بيتر بروك… غيّر المسرح الغربي وفتح فضاءه على التنوع الثقافي/ أنيسة مخالدي

تأثر بشكسبير ورواد المسرح الروسي ودعا لتقليص الفن إلى عناصره الأساسية

ما أطول الرحلات التي قطعها بروك، الذي رحل أمس في باريس عن 97 عاماً، وفريقه من الممثلين ذوي الجنسيات المختلفة والحساسيات الثقافية المتباينة، وهم يرتجلون ويقدمون عروضهم في قلب أفريقيا في قرى مالي ونيجيريا وفي صحاري الشرق وعلى أطراف أميركا في محميات الهنود الحمر والأحياء الشعبية لبروكلين والمستشفيات ودور إيواء المهاجرين وكل مكان لا يصله المسرح. لأكثر من ثلاث سنوات، في بداية السبعينات، حاول بيتر بروك وفرقته توسيع دائرة التفكير في ماهية «الفضاء المسرحي المشترك» والصلّة مع المتفرج وتجنب القطيعة بين المسرح والواقع المعاش. يقول الناقد المسرحي جون هيلبيرن، الذي وثق هذه الرحلة في كتاب من أكثر الكتب مبيعاً «كانوا يضعون سجادة كل يوم في قرية نائية ويسترجلون عرضاً باستخدام الأحذية أو الصندوق. لم يكن هناك نص أو لغة مشتركة».

ولم تكن هذه سوى محطة من بين المحطات الكثيرة التي ميزت الإنتاج الإبداعي لعملاق المسرح الحديث بيتر بروك. فطيلة مسيرته الفنية حاول بروك تجديد المسرح الغربي من خلال تلقيحه بالأشكال الثقافية المتنوعة الشرقية والأفريقية والأميركية، فكان دائم البحث والترحال، وزار كثير من الدول للبحث عن أصول الفرجة الدرامية وطقوسها الأنثروبولوجية.

البداية كانت من لندن التي وُلد فيها الكاتب والمخرج البريطاني عام 1925، حيث نشأ في أحضان عائلة يهودية من أصول روسية، غيرت اسمها من بريك إلى بروك. ولمن كان يسأله عن هويته اليهودية، كان المخرج البريطاني يجيب بأنه لا علاقة تربطه بجذوره اليهودية، وبالعكس فإن شعوره بالانتماء لعروقه الروسية لا يحتمل أي شّك. زوجته الممثلة ناتاشا باري هي الأخرى من أصول روسية، وأول شيء شدّ انتباهه حين التقاها عام 1950 هو اسمها «ناتاشا» تماماً كبطلة «الحرب والسلم» لتولستوي، كما أن إيرينا ابنة بيتر بروك سُميت كذلك تخليداً لشخصية البنت الصغرى في مسرحية تشيكوف «الأخوات الثلاث». بيتر الشاب أحبّ السينما والتصوير، لكن العمل في المجال السنيمائي في بريطانيا ما بعد الحرب كان يبدو له بعيد المنال فاتجه لدراسة الأدب الروسي في جامعة أوكسفورد. موهبته في الإخراج المسرحي انفجرت مبكراً، حيث قام بإخراج أول عمل له وهو لا يتعدى 22 سنة مع «عذاب الحب الضائع» ثم «روميو وجولييت» لشكسبير وهو الكاتب الذي تأثر به بروك لحدّ كبير وكان من أهم مصادره في أعماله المسرحية طيلة مشواره الإبداعي.

وهو ابن الـ23 سنة عُيّن مديراً لدار الأوبرا الملكية «كوفنت غاردن»، لكن سرعان ما تم إبعاده عن هذا المنصب بعد «فضيحة» رسومات سلفادور دالي التي وضعها بروك كديكورات لمسرحية «سالومي» لريتشارد شتروش. لُقّب بـ«الطفل المشاغب» وكان باستطاعته المواصلة في العمل بالمسرح التجاري الإنجليزي بعد أكثر من أربعين عرضاً كُلّلت جميعها بالنجاح والجوائز، وهي الفترة التي أدار فيها أسماء لامعة من المسرح العالمي أمثال أورسون ويلز ولورانس أولفييه، إلا أن تصوّره وعلاقته بالمسرح تغيرت، حيث بدأ يخوض تجارب مسرحية متميزة ساهمت في تجديد وجه المسرح الغربي إلى الأبد. استلهم أفكاره من رُواد الإخراج المسرحي أمثال غروتوفسكي صاحب نظرية «المسرح الفقير» لتدريب ممثلي فرقة شكسبير عندما قدمت عرض «نحن والولايات المتحدة» في الستينات وكان العرض عملاً مسرحياً سياسياً أثار ضجّة إعلامية أنداك، كما تأثر بقسطنطين ستانيسلافسكي والفرنسي أنطونان أرتو صاحب نظرية «مسرح القسوة»، إضافة إلى فيسفولد ماير خولد صاحب التصّور البيوميكانيكي الذي يركز على التجانس الجسدي والتصويري على خشبة المسرح.

في حوار مع صحيفة «لوموند» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، شرح بروك كيف بدأ الملل يجتاحه بعد سنوات من العمل في المسرح التقليدي، حيث قال «بدأت أسأم من الصورة التي لطالما أحببتها وأصبحت أشعر أن قلب المسرح هو الإنسان وبالتالي الُممثل؛ ولذا فقد بدأت أهتم بتقنيات المرتكزة على حركات الجسد والتنفس لتمكين الممثل من إخراج كل قدراته»، كما أعاد بروك اكتشاف أبو الفنون من خلال تقليصه إلى العناصر الأساسية والأكثر قوة في الدراما وهي نظرية «المساحة الفارغة» التي تدعو إلى التركيز على إلقاء الممثل ونبذ أي ديكور أو زخرفات أخرى، حيث كتب «يمكنني أن آخذ أي مساحة فارغة وأطلق عليها اسم المسرح المجرد… رجل يمشي عبر فضاء فارغ بينما يراقبه شخص آخر، وهذا كل ما هو مطلوب لعمل مسرحي».

كما شجع التنوع وانفتاح المسرح الغربي على الثقافات الأخرى، وكان يقول «إذا كنا نريد التحدث عن الإنسان، فلا يجب تقليصه إلى الرجل الأبيض البرجوازي الذي يمثل مجتمعاتنا». ومعروف عن بروك استعانته بممثلين من مختلف الآفاق الثقافية وهو الذي اكتشف الممثل المالي باكاري سنغاري الذي كان بمثابة ممثله المفضل، وكان أول ممثل أفريقي الأصل ينضم لمؤسسة «لاكوميدي فرانسيز» العريقة.

بين 1955 و1965 أنجز بروك عروضاً مسرحية متميزة أمثال «تيتوس أندريكوس» لفرقة شكسبير الملكية وكان عرضاً فريداً من نوعه لأنه حمل تصوراً جديداً اتسّم بتجريب نظريات إخراجية معاصرة تليق بشخصيات شكسبير الفذة، إضافة إلى أعمال أخرى طبعت الأذهان أمثال «حلم ليلة صيف» «العاصفة» و«أوديب». هذا، وقد حقّق بروك أبحاثاً ودراسات مسرحية عدة، أهمها كتاب «المساحة الفارغة» عام 1968 حول إشكاليات المساحات في المسرح و«نقطة التحول» عام 1987 أو «الباب المفتوح» عام 1993، تبقى فرنسا التي التحق بها بروك في السبعينات واستقر فيها إلى غاية وفاته في الثاني من يوليو (تموز) الحالي أهم المحطات في مشواره الإبداعي، حيث ارتبط فيها اسمه بمسرح «لي بوف دي نور» الذي أعاده إلى الحياة بعد أن كان مهدداً بالغلق وأدار فيه عروضاً متميزة كمسرحية «الناي السحري» المقتبسة من أُوبرا موزارت، و«الملك لير» أو تحفة «ماهابهاراتا» من الملحمة الهندوسية والتي لخّصت اهتمام بروك بالمسرح الثقافي الأنثروبولوجي والذي كان يسعى من خلاله إلى إيجاد لغة مسرحية عالمية مشتركة.

الشرق الأوسط

——————————

رحيل بيتر بروك.. هذا عصر الجماهير ولا يمكن تجاهلها/ محمد بنعزيز

رحل المخرج المسرحي بيتر بروك بعد عمل طويل، نظري وتطبيقي. رحل يوم 2-7-2022 عن سن 97 عامًا. هذا ليس رثاء له وليس عُربون محبة فائضة لشخصه الكريم، فلم يسبق لي أن التقيته لأحبه وأمدحه ميتًا وأردد “كان منا وكان لنا”. هذا النص هو عرض لتصورات المنظر والفنان الراحل من خلال كتبه وخاصة “النقطة المتحولة”.

بدأ بيتر بروك الإخراج في سن مبكرة وأعدّ أول مسرحية له وكأنه سيصورها للسينما.

لماذا؟

لأن ليس الأفكار هي التي تؤدي للكشوف ولكن الحركة، الممارسة فوق الركح هي التي تقود للاكتشاف.

“يقول بروك: “اكتشفتُ أن الإنسان لا يمكن أن يعيش دون توحد حار ومطلق بوجهة من وجهات النظر، من لا يملك هذا لن يكون فنانًا بل نسّاخًا”

كان بروك مفتونًا بالإضاءة والصوت والألوان والثياب ولذلك يستخدمها لخلق مشهد قوي من الصور المتدفقة، التي تكون جسرًا بين المسرحية والجمهور. هذا الجسر مهم جدًا.

يعتبر بيتر بروك أن وسائل المخرج هي النص والأداء والأضواء والألوان والمشهد والأزياء والماكياج… وأن التنفيذ الجيد يشمل الإخراج والتصوير والتقطيع الرائع.

يقول: “الزمن في السينما هو زمن متابعة اللقطة، لا يهم إن كانت في الماضي أو في المستقبل، وفعل مشاهدة فيلم هو سلسلة من “لحظات الآن”، الفيلم هو تجميع عاطفي حار لهذه “الآنات”، والمونتاج ليس النظام ولكنه العلاقات” (كتاب “النقطة المتحولة.. أربعون عامًا في استكشاف المسرح”، ترجمة فاروق عبد القادر، سلسلة عالم المعرفة، عدد 154، أكتوبر، 1991، ص 44).

ذات مرة تلقى بروك رسالة: كيف تصبح مخرجًا؟

أجاب “أنت تصبح مخرجًا بأن تدعو نفسك مخرجًا، ثم تقنع الآخرين بأن هذا صحيح… وأنا لا أعرف طريقة سوى إقناع الآخرين بأن يعملوا معك، وضرورة أن تكون منشغلًا بعمل لتعرضه على الناس… إن الطاقة التي تَنتجُ عن العمل أكثر أهمية من أي شيء آخر… (لا تنتظر) شروطًا أفضل، وقد لا تأتي أبدًا، وفي النهاية فإن العمل يجتذب العمل”.

ولقد طبق بروك النصيحة على نفسه ودفع بهذه التجربة إلى حدها الأقصى على أربع مستويات، هي وجهة النظر والتمثيل والاقتباس والتعامع مع الجمهور.

على صعيد وجهة النظر يقول بروك “اكتشفتُ أن الإنسان لا يمكن أن يعيش دون توحد حار ومطلق بوجهة من وجهات النظر”، من لا يملك هذا لن يكون فنانًا بل نسّاخًا، بعدها يخصص بروك: “يجب أن يملك المخرج حس الاتجاه، وهذا الحس بالإمكانات المحتملة هو الذي يقوده نحو اكتشاف المكان والتمثلات وأشكال التعبير، وهذا ما يفعله المخرج في تعامله مع الممثل”، وفي بحثه هذا يصرح بروك أنه يخشى من خنق الحدس الداخلي الهش لدى الممثل الذي يديره.

“يقول بروك: “أنت تصبح مخرجًا بأن تدعو نفسك مخرجًا، ثم تقنع الآخرين بأن هذا صحيح… وأنا لا أعرف طريقة سوى إقناع الآخرين بأن يعملوا معك، وضرورة أن تكون منشغلًا بعمل لتعرضه على الناس”

بفضل هذا التنظير لإدارة الممثل يُربط اسم بيتر بروك الليتواني الأصل باسم الروسي كونستانتين ستانيسلافسكي، مؤلف كتاب “إعداد الممثل في المعاناة الإبداعية” (ترجمة شريف شاكر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997).

في تركيزه على الممثل يقول بروك: “التمثيل فعل، ولهذا الفعل أثره، ومكان هذا الفعل هو العرض. والعرض موجود في العالم، وكل الحاضرين هنا واقعون تحت تأثير هذا العرض”، إذًا يحتاج الممثل للكثير لتقديم هذا العرض.

يشرح بروك: إن مهمة الممثل أعقد من مهمة امتلاك صوت واضح كقارئ نشرة الأخبار، على الممثل الاشتغال على صوته، على النبر والنطق وبروفات الإنصات… يضيف المخرج المتمرس بأنه يجب إجراء البوروفات في نفس الخشبة التي ستؤدي عليها المسرحية أمام الجمهور.

لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يصل الممثل إلى الشرط الفيزيقي للشخصية عن طريق التخَيّل أو التذكر، بل يصل إليه بالمعايشة. ومن يصل يصنف ممثلًا موهوبًا، “الممثل الموهوب يجمع بين الأداء القوي والواقعي” (ص 92).

هذا في اشتغال الممثل على ذاته، أما في اشتغاله على النص المسرحي فيقدّم له بيتر بروك قاعدة ذهبية: “على الممثل ألا ينسى أبدًا أن المسرحية أعظم منه، وإذا ظن أن بوسعه أن يبقيها في قبضته، فستكون النتيجة اختزالها لتصبح على حجمه”، أي ستصْغر.

وهنا يعرّج المخرج على نصوص عظيمة يستحيل اختزالها، وهي مسرحيات شكسبير.

يقول بروك: تكمن جاذبية شكسبير في القوة الدرامية الهائلة لمسرحياته وأحكام تقدمها، فمسرحياته السبع والثلاثون تتحمل تفسيرات عدة لأنها كتبت بحرفية. فأحداثها تتقدم لحظة بلحظة، تنتقي لحظات كثيفة، آنات منتقاة تُقتطع منها التفاصيل غير الأساسية والأحداث الواقعية غير الهامة وتُحشد بَدلها الآراء والأصوات والأفكار والصّور التي تجعل من كل لحظة شيئًا مليئًا بالحركة والبهجة.

إن مسرحيات شكسبير حسب بيتر بروك تشبه البرقيات (ص 166)، وهي مسرحيات ينتهي معظمها بتفاؤل بصرف النظر عن الأحداث المرعبة التي حدثت (ص 101).

“يقدّم بيتر بروك قاعدة ذهبية: “على الممثل ألا ينسى أبدًا أن المسرحية أعظم منه، وإذا ظن أن بوسعه أن يبقيها في قبضته، فستكون النتيجة اختزالها لتصبح على حجمه”، أي ستصْغر”

وهذا ينقلنا للنقطة الرابعة أي التعامل مع الجمهور الذي يُحب النهايات السعيدة. لذلك يدعو بروك إلى احترام الجمهور والتعلم منه، الجمهور هو الشخص الآخر، وهو ضروري كما في الحوار والحب (ص 140). لذلك يجب التعامل مع هذا الجمهور بحرص، “فمن أجل أن تظل الآلة المسرحية دائرة بكفاءة، فإن العلاقة بالجمهور هي السّيور التي تربط أجزاء الآلة معا”، وبذلك يعرف بروك الإخراج بأنه تهيئة الجمهور للوصول بالمتفرج إلى حالة التأهب.

للتأكد من ذلك يقدم المخرج عروضًا مسرحية تجريبية فيها إسقاط مباشر لما في عقل الجمهور، لماذا؟

جواب المخرج: لأنه في المسرح أنت لا تعرف من سيجيء ليشاهد (ص 135). ولذا يسمي بروك العرض الأول للمسرحية أمام الجمهور “اختبار النار”.

هذه رسالة من خبير لكل من يعتقد أن الفنان حر أن يفعل ما يريد بدون أخذ الجمهور بعين الاعتبار.

هذا عصر الجماهير ولا يمكن تجاهلها. وهذا هو درس بيتر بروك.

ضفة ثالثة

————————–

سلطة الخيال.. صفحات من سيرة ذاتية/ بيتر بروك

ترجمة: محمود عبد الغني.

إلى نتاشا

كان من الممكن أن أسمي هذا الكتاب “مذكرات خاطئة”. وأنا لا أقصد بذلك الأكاذيب، لكن، وأنا أكتب، تبين لي أن الدماغ لا يتوفر على غرفة باردة نصون فيها ذكرياتنا سليمة. إنه بالأحرى، خزان للعلامات الشذرية التي تنتظر سلطة الخيال لتمنحها الحياة. وهذا بمعنى من المعاني نعمة.

في مكان ما من بلاد إسكندنافيا، كرس رجل يتمتع بذاكرة خارقة نفسه لكتابة حياته. تطلب منه ذلك سنة. وبما أنه شرع في ذلك متأخرًا، فقد تحتم عليه الاختصار، لكن حظه العاثر أثبت جيدًا أن هدف السيرة الذاتية ليس هو سرد كل شيء، بل مواجهة أحاسيس غامضة بشكل محير لم تكن أبدًا لتقوم بهذا الفعل، أو ذاك؛ ومحاولة تبيان ما إذا كان الشكل الواضح قادرًا على الظهور استعاديًا.

من المستحيل الولوج إلى داخل كل الزوايا المخبأة المظلمة بمحفزاتنا. هل توجد محرمات، نقاط وقوف، ومناطق من الظل لن أكشفها. لا أعتقد أن العلاقات الشخصية، وإفشاء الأسرار، والتجاوزات، وأسماء الأصدقاء المقربين، والانفعالات الخاصة، والمغامرات العائلية، وديون الامتنان ـ التي تملأ وحدها سجلًا كبيرًا ـ تستطيع أن تجد مكانها هنا، كما لا يلزم تضمين روائع وشقاوات “العروض الأولى”.

لست متأثرًا بتلك التي ترى أنه إذا أضيفت كل التفاصيل الاجتماعية، التاريخية والنفسية، إلى بعضها، ستظهر صورة الحقيقية للحياة. أنا أتفق مع هاملت الذي اعترض ضد الذين يدعون معرفة النسق الكلي للكائن الإنساني، في حين أنهم غير قادرين على تشغيل الشبابة ـ ما أحاول نسجه، قدر المستطاع، هي الخيوط التي ساعدتني على بلورة فهم عملي للأشياء، على أمل أن يساعد هذا شخصًا آخر في تجربته.

تبذل الممرضة قصارى جهدها لتكون لطيفة مع الطفل الذي يبلغ الخامسة من عمره، والذي فاجأه أن يجد نفسه في سرير في المستشفى في منتصف الليل. “تحب البرتقال”؟ تسأل.. “لا”، أجيبها. من فشل مهارتها اليومية، تقول بلهجة قاسية: “رغم ذلك سنعطيك إياها”، وهي تدفعني نحو طاولة العمليات. “خذ، شم هذه البرتقالات”، تقول فيما الكمامة ملصقة فوق منخري. شممت بسرعة رائحة متدفقة ولاذعة، عطسة مجنونة وصعود صاخب. أحاول التمسك، لكن تزل بي القدم. ويمتزج الضجيج بالخوف، إنه الرعب المطلق الذي ينتهي بثقب. أول مرة أفقد فيه الأوهام.

تمر الأعوام، أرتدي لباس الحرب. هو عبارة عن تنكر. هذا الشخص المجهول لا يمكن أن يكون أنا. لكننا في حالة حرب، فطالب أوكسفورد يرغم، بخلاف مواهبه، على التمرن مرة في الأسبوع كي يصبح ضابطًا. كانت فكرة الحرب ترعبني منذ الطفولة. وبما أن هذا الاستحقاق كان يبدو لي بعيدًا، فقد كنت أعتقد دائمًا أنني في أول فرصة متاحة سأختبئ تحت سريري إلى أن تسود الهدنة. وهي أمنية ذهبت سدى. وها أنا ذا أسير بجزمتين ثقيلتين ولباس عسكري يحك جلدي.

اليوم هو الأول في “اجتياز الحواجز”. ننطلق مع صوت الصفارة. الرقباء يصرخون مشجعين. وكل المتحمسين يهاجمون مثل المجانين، يتسلقون الحبال المعقودة، يقفزون على الموانع، ويبتلعون الصقالات.

أنا المتهرب الحاصل على شهادة مدرسية، أتراجع إلى الخلف، متجاهلًا استهزاءات الرقيب. أتسلق الحيطان العالية، عوض القفز، أنزلق وأنا أستند على يد واحدة، قبل أن أسقط مجددًا بحذر على الأرض.

عندما يأتي دور النهر الذي يجب اجتيازه فوق جذع شجرة، يكون الآخرون قد اجتازوه منذ زمن طويل واختفوا بصيحات السعادة. “ماذا تنتظر، سيدي؟”، يقول الرقيب مزمجرًا. إن النبرة مهنية، لكنها بالنسبة لي كضابط فـ”سيدي” لا بد منها. أضع جزمتي فوق الجذع، وأمسك غصن الشجرة من فوق. الآن رجلاي فوق الجذع. “إذن، ماذا تنتظر سيدي؟”.

أتقدم. “أطلق الغصن”. أطلقه. أتقدم خطوتين. أنهض لأحصل على التوازن فأمسك ورقة. الورقة تمدني بالشجاعة. أتقدم خطوة إلى الأمام، من أجل التوازن، هذا شيء جيد. أراقب الوضعية، الجذع يتقدم فوق الماء. يشجعني الرقيب وهو يقوم بحركات الرضى. خطوة أخرى، اليد التي تمسك الورقة هي مستوى كتفي. خطوة أخرى. إلا عندما أطلق الورقة، ولا أستطيع أن أطلقها. “أطلق الورقة”، يصرخ الرقيب “أطلق هذه الورقة الملعونة لوجه الله”، أتردد. يصرخ. أستدعي إرادتي لترغم أصابعي على التراخي، لكنها ترفض. أحاول أن أتقدم، ويداي وراء الورقة تمداني بالثقة، يدي ممدودة عن آخرها، تجرني إلى هذا الاتجاه، فيما رجلاي تذهبان في الاتجاه الآخر. وفي لحظة أميل مثل برج “بيزا”، ثم أنتهي بالتخلي عن الورقة، فأسقط في الماء البارد.

أعود دائمًا إلى الصورة: الورقة والجذع يشكلان جزءًا مهمًا في أسطورتي الخاصة. فهما يعبران عن الصراع الرئيسي الذي قضيت كل حياتي في حله: متى يجب التمسك بيقين ما، ومتى يجب التحرر منه وإفلاته.

* * *

وأنا طفل، كنت أعبد شيئًا، لم يكن ذلك الشيء إلهًا حاميًا، بل آلة عرض سينمائية. لم يكن لي الحق، لمدة طويلة، في الاقتراب منها. وحدهما أبي وأخي يعرفان دواليبها المعقدة، فجاءت اللحظة التي رأت فيها العائلة أنني بلغت السن الذي يخولني القيام بتعبئة البطاريات الصغيرة لأفلام “باثي”. كنت أضع شاشة من كرتون على خشبة مسرح عرائسي، وأعيد عرض الصور الرمادية والمرقنة بلا ملل وبالافتتان نفسه. ورغم حبي للصور التي تقدمها آلة العرض، فإنها ظلت في نظري آلة عرض خاصة بالأطفال، وهي لعبة بثمن رخيص مصنوعة من قصدير أحمر ومذهب. كنت أشتهيها. كان والدي وأخي يحاولان إقناعي عبثًا بأن موضوع أمنياتي لا مجال لمقارنته بالآلة الحقيقية التي نمتلكها في البيت. لكن إغواء ذلك الشيء الزهيد القيمة كان أقوى من كل إقناع يحاولان تقديمه. “ماذا تريد أفضل من ذلك ؟ بنس من ذهب لامع، أو قطعة وسخة وبلا قيمة بـ 6 بنسات؟”، أغضبني السؤال، أحسست أنه فخ. لكني كنت أنتهي دائمًا باختيار البنس اللامع.

* * *

اقتدت ذات ظهيرة إلى مكتبة في أكسفورد ستريت، حيث يوجد مسرح للأطفال يعود إلى القرن التاسع عشر. العرض الذي قدم داخل هذا النموذج المصغر كان أول تجربة مسرحية لي. وبقيت إلى هذا اليوم ليس فقط الأكثر حياة، بل الأكثر واقعية.

لم يكن هذا المسرح ـ اللعبة أكثر من تصميم شبيه بتلك التصاميم التي نستعملها اليوم لنهيئ مشهدًا مسرحيًا. كان الوجهاء الفيكتوريون ينحون بحرز من شرفاتهم المزينة بالرسوم، فوق خشبة المسرح الكرتوني. تحت صف الأنوار، في المكان السفلي المخصص للأوركسترا، يتدلى المايسترو لمدة طويلة، ممسكًا عصاه بيده، ومستعدًا لمباشرة النوتة الأولى. لا شيء يتحرك، وفجأة ترفع الصورة الحمراء والصفراء للستار المزين بخصلة خيوط عندئذ يبدأ عرض “صاحب المطحنة وخادمة”.

رأيت بحيرة مصنوعة من شرائط كرتونية زرقاء متوازنة، بخطوط مرتعشة تمثل تموج الماء. يظهر في البعيد الشبح الصغير لرجل في قارب يهتز قليلًا، وهو يعبر الماء المرسوم بين ضفتين. وعندما يصل إلى الاتجاه المعاكس، يقترب أكثر، تعويضه، بطريقة غير مرئية، وبتمويل أكبر، إلى أن يصل الشبح نفسه، في الدخول النهائي، إلى نهاية العقدة. الآن هو خارج القارب، ويهدد بواسطة مسدس في يده، ثم ينزلق بطريقة عجيبة إلى وسط الخشبة.

يليق هذا المدخل الملكي بممثل من الدرجة الأولى، يمتلك الحقيقة المطلقة، مثلما يحدث في اللحظات التالية، عندما ينعت الأيادي الخفية فجأة طاحونة شراعية ـ كانت الأشرعة تدور حقًا ـ تحت سماء صيفية زرقاء مرصعة بغيوم بيضاء، وأنزلت جدلًا من ذلك صورة مفزعة لنفس الطاحونة وهي تتفجر، فيصدر عنها ضوء القيامة. وينفجر مركزها البرتقالي إلى أجزاء… كان هذا العالم أكثر إقناعًا من العالم الذي أعرفه في الخارج.

الطفولة هي نزهة دائمة في كل جهة من حدود الواقع. وبعد ذلك، عندما نكبر، نأتي إليها حذرين من الأوهام، أو على العكس من ذلك، لنبحث فيها عن ملجأ نلقي فيه باليومي… سأكتشف أن الخيال هو إيجابي وسلبي في الآن نفسه. يفتح أمامنا حقلًا مليئًا بالألغام يصعب فيه التمييز بين الحقائق والأوهام، حيث ترافق الظلال هذه وتلك. كان عليّ أن أتعلم أن ما نسميه العيش هو قراءة لهذه الظلال، يخون ما نحن لأننا ننخدع بسهولة بالواقع.

ممددًا في سريري بذلك النوع من الحمى الذي يحول الأجواخ إلى خشنة، في يوم لا ينتهي، كنت أستقبل الضجيج القليل الصادر عن الطابق السفلي، وأعتقد أنه ضجيج الآلة أسفل الأرض للشرائط المصورة التي أقرأها كل أسبوع. كنت مقتنعًا أن طريقًا ينحصر في الأرض، وأن القائد الذي له مظهر النذل سيدعوني إلى الالتحاق به في مغامرة جديدة محفوفة بالمخاطر. هيأت حوارنا بعناية، لكن القائد لم يأت… وعدت، إذًا، إلى شيئي المقدس: فيلمان صغيران ثمينان عثر عليهما في مجرى صخري. رفعتهما إلى الضوء، أمسكتهما بين الإبهام والسبابة، وأعدت إليهما الحياة بتحريكهما قليلًا بمفصل اليد. أحدهما، الملون بالأخضر، يظهر شبحين لرجلين فوق السطح، فيما الآخر، الأحمر القاني، يكشف عن شخص يفتح بابًا ببطء. في كل مرة تظهر من هذه الحركات الجزئية قصة جديدة، فاكتشفت بسعادة إمكانيات لا تنفد. يبدو أن السينما والمسرح قد وضعا لمساعدتنا على الهروب إلى “خارج” ما.

يتزاحم الجمهور في قاعة الراديو، أمام صورة رمادية وخشنة على شاشة صغيرة من الزجاج. فتحت طريقي في الزحام لأرى عن قرب هذا الاختراع العجيب الذي اسمه التلفزيون. تظهر الصورة الصغيرة رجلًا يصوب مسدسًا. الكل تلاشى، الجمهور وقاعة العرض. لم يعد لأي شيء أهمية. اندمجت في القصة. لم يبق سوى معرفة ماذا سيحصل. اختبرت للمرة الأولى كيف يمكن للوهم أن يستحوذ علينا، وكيف يمكننا بسهولة أن نختفي في اللاواقعي.

ذات مرة أخرى، في قاعة سينما صغيرة في أحد جبال سويسرا، غصت أنا وأمي في مقعدينا، فيما كانت تجري وقائع الفيلم والإعلان عن البرنامج التالي. هنا أيضًا، أظهرت الصورة رجلًا بمسدس، لكنه هذه المرة مصوب إلى رأس امرأة تظهر بصعوبة فوق مخدة.

تمتم الرجل: “wo ist der Schlussed der Garage”

ما زلت أسمع هذه الجملة، وأحس ببرد في الظهر “أين هو مفتاح المرآب؟”. بعد مرور ربع قرن، أوضح لي بريشت كم كان مفيدًا له منع أي تماهٍ بين الجمهور وبين ما يجري فوق الخشبة. وقد أبدع من أجل ذلك كل أنواع الوسائل: الملصقات، الشعارات، أو الأضواء القوية جدًا، لكي يبقي الجمهور على مسافة كافية. كنت أستمع إليه باحترام، لكنني لم أقتنع. يبدو لي أن التماهي قضية ضرورية جدًا مهما اتهمناه. شاشة تلفاز لامع. ورغم أننا نعرف جيدًا أنه مجرد صندوق، وأننا نوجد في غرفتنا، فإننا لم نقتنع بذلك. المسدس، اليد التي تمسكه. الوهم كامل. أين هو مفتاح المرآب.

كانت الأفلام هي نوافذي على عالم مختلف. كنت نادرًا ما أشاهد مسرحية، وإذا ما فعلت فبتحفظ، منساقًا وراء والدتي وحبها للفنون، فيما والدي يشير بطرف عين: “أنت وأنا، لسنا مثقفين، نحن نحب السينما”. أشعر وأنا داخل المسرح بأنني مفتون، لكن ليس الحبكة، ولا لعب الممثلين، هو ما أسر مخيلتي، بل الأبواب والكواليس: إلى أين تؤدي؟ أي سر تخبئه؟ ذات يوم، ارتفع الستار فلم يظهر الديكور، ظهرت الجدران الثلاثة للقاعة، بل قنطرة لعابرة محيطات حقيقية. لم يكن من المعقول أن هذه السفينة الفخمة يمكن أن تنهي جولتها بهذا الشكل المفاجئ في كواليس المسرح. كان عليّ أن أعرف أي الممرات انفتحت وراء هذه الأبواب الكبيرة. وماذا كان يختبئ وراء النوافذ إذا لم يكن البحر، فإنه بكل تأكيد المجهول.

كنت أستقل كل يوم الميترو للذهاب إلى المدرسة، وهو قطار أسطواني كما يدل على ذلك اسمه. يشق الطريق عبر الأنفاق. وفي كل محطة، على كل رصيف، توجد أبواب من الحديد الملتوي عليها تنبيه “ممنوع الدخول”.

لم تكن لي الشجاعة لتحريك قبضة هذه الأبواب المصفحة، رغم إحساسي الحميمي بأن هنالك عالمًا غنيًا وغريبًا مليئًا بالمعجزات يختبئ وراء هذه الجدران، يقود إلى عالم آخر، وإلى آخر. تم إلى آخر… حتى اللامنظور.

في أيام العطل، كنت أذهب للنزهة راكبًا دراجتي، وكنت أنام فوق التراب محاولًا الإنصات إلى أنفاس الأرض. كنت أريد الغوص في الطبيعة، فكنت أضغط، إذًا، على الصخور، كما لو أنها جرس صغير في باب الدخول، على أمل أن يجيب مخلوق ما على ندائي، ذات يوم، أنا سعيد كنت ممددًا فوق العشب المرتفع، خرج سؤال من العدم واستقر في حنجرتي “ماذا لو كنت في هذه اللحظة قريبًا جدًا من الحقيقة أكثر من أي وقت؟ وماذا لو أن بقية حياتك لن تكون سوى ابتعاد تدريجي عما تحسه الآن؟”.

* * *

فتيات فاتنات، فتيات قصيرات، سمينات، متعرقات مجردات من كل جاذبية، شبان بسراويل مقلمة وقبعات مستديرة ومنفوخة يقرأون الصفحات المالية في جرائدهم…

عيني المراهقة المنبهرة تتجول من صف إلى آخر في هذا القطار السفلي، وكلما ركزت على شخص مسن هائم النظرات في الفراغ، تعود الأسئلة نفسها: “لماذا الشيخوخة؟ أمحكوم على الكتفين بالتقوس مع الزمن، وهل الرغبة في الأشياء يجب أن تتناقص؟ هل هذا الانزلاق الطويل إلى القبر جزء من تصميم الطبيعة؟”.

أسير في الشارع، أتأمل أشباهي باستغراب، وأتساءل: “من أين جاءت هذه المخلوقات؟ كم هي غريبة!”.. أرى وجوها من دون أن أميزها، كما نتصور كائنات المريخ، كرات من اللحم بثقوب وحدبات، تمشي في كل الاتجاهات، محبوسة داخل علب بشعة ومصفحة.

كنت أقرأ أعمالًا علمية، ليس بهدف التثقيف والسمو، بل لأنني أسرت بالأفكار التي تثيرها. في تلك المرحلة، ترك شخص يدعى جيمس دين أثرًا عميقًا بواسطة كتبه حول الزمن، اعتقدت بالتهامها أن كل الأسئلة حول الوجود قد حلت أخيرًا. “الخلود، كتب، هو البيانو، والزمن هو اليد التي تضرب عليه”، بدا لي أن هذا التفسير لا عيب فيه، أنيق وكامل في الآن نفسه.

فيما كنت أمشي، ذات يوم، في شارع شارينغ كروس رواد، أثار انتباهي كتاب معروض في واجهة إحدى المكتبات. ينتشر عنوان Magik على الغلاف. في البداية أحسست بالخجل، فهدفي كان شيئًا آخر، فتظاهرت بالبحث في الرفوف، قبل أن أقف وراء مجلد كبير، وبدأت أقلب صفحاته خلسة. فجأة أثارت انتباهي الجملة الآتية:

“التلميذ الذي بلغ درجة “Magister Primus” يمكن أن يبلغ الثراء والنساء الجميلات، ويستطيع أيضًا أن يجند طوعًا رجالًا مسلحين”. هذا شيء لا يقاوم! اشتريت الكتاب رغم سعره المرتفع، وانطلقت توًا أبحث عن الكاتب، اسمه وحده، آليستر كراولي، يبعث على الرعشة، لأنه منذ العشرينيات له سمعة الرجل الأقبح في العالم. مكنتني الرسالة التي أبعث بها إلى الناشر من الحصول على رقم الهاتف، الذي بدوره مكنني من الموعد. كان الساحر الكبير يرتدي بذلة من تويد (من الصوف الخشن). رجل مسن ولطيف. كان يبدو أنه متأثر بالاهتمام الذي أبديته حياله. وبقينا نلتقي مرات عديدة، نتجول في “بيكاديللي”. والشيء الذي حيرني أنه وقف وسط مرور السيارات، وبدأ يلوح بعصاه المرصعة، ويوجه ابتهالاته إلى شمس منتصف النهار.

اصطحبني ذات يوم لتناول الغداء، وهنا مرة أخرى، بين ملعقتين من الحساء، بدأ يصرخ وهو يمارس إحدى صيغه السحرية أمام الزبناء المنذهلين. فترة قليلة بعد ذلك، أذن لي أن أخفيها في غرفتي بأكسفورد، حتى أتمكن من التأثير وأنا أعرضه خلال الحفلة المقامة بالثانوية. في اليوم التالي، احتد بعنف في وجه خادم الفندق الذي طلب منه رقم غرفته “666، رقم الشيطان الكبير، طبعًا!”، كان يصرخ.

قبِل أن يكون مستشارًا في السحر، في العرض الأول لـ”دكتور فاوست” الذي قدمته في مسرح صغير بلندن. وحضر لأحد التمرينات بعد أن واعدني بأن لا أحد سيعرف من هو، كان يريد فقط الجلوس في خلفية القاعة، من دون أن يلحظه أحد. والحال أن “فاوست” كان بالكاد قد شرع في استلهام الشيطان الذي كان شيئًا صعبًا عليه. نهض في وثبة وهو يصرخ: “لا! لا! ولا! إن ما يلزمك هو قدم مليء بدم الثور. إن ذلك يجلب الأرواح الحقيقية، أعدك بذلك!”. وعاد إلى الجلوس وهو يشير لي بطرفة عين. ثم ثاب إلى رشده وضحكنا جميعًا.

غلبت على سنواتي الأولى شكوكيتي الطبيعية وميلي إلى السخرية، من جهة. وحاجتي إلى الإيمان من جهة أخرى. كنا ندرس التاريخ المقدس في المدرسة على يد المحترم هابرشون. كانت لديه عادة حك وجهه بيديه، إلى أن نراه أحمر ومحززًا. وكنا نحس كما لو أنه اقتطع طبقات من الجلد. عرفت في طفولتي أنني كنت يهوديًا وروسيًا، لكن هاتين الكلمتين بقيتا بالنسبة لي فكرتين مجردتين. وأحاسيسي كانت مشبعة بعمق بإنكلترا: البيت كان بيتًا إنكليزيًا. الشجرة، شجرة إنكليزية. النهر نهر إنكليزي. كانت تسود أيضًا حماسة مشعة وسرية. وعندما بلغنا جميعًا سن الصدق، ذهبت عند م. هابرشون، خجولًا شيئًا ما، راغبًا جدًا في أن يقبلني في هذا السفر الروحي! كنت متضايقًا لأنني فتحت قلبي لمن كان هزأة أمام سخرياتنا. كنت خائفًا أيضًا أن أتطرق لموضوع الله وسط أسرتي، البعيدة جدًا عن المناخ العقلاني السائد.

اقتعد م. هابرشون كرسيًا وأعلن وهو يحك وجهه: “هنالك لحظات في الحياة نتوصل فيها إلى المعرفة من دون أن نتمكن من اختيار أنفسنا بأن “هناك هي اللحظة، وإذا تركتها تمر، لن تعود أبدًا”. لم أكن أعرف أن هذه هي اللحظة التي تحدث عنها، ولم أبارك وأريد كل شيء مرة واحدة. لم تكف الجملة التي قالها عن ملاحقتي. كيف نعرف “بأنها اللحظة”؟ واليوم أيضًا تخيفني فكرة أنني تركتها تضيع. ولأنني أيضًا سأتركها تضيع مرة أخرى.

كنت كل صباح في أكسفورد أعيش لحظة ثمينة، عندما أجتاز الباب المشبك الذي يؤدي إلى طريق خاص، على طول النهر كان النبات كثيفًا، لكن عندما تشرق الشمس تضيء أصغر الأغصان، وتظهر كل عش، وكل تشابك أفنان، وجذوع، وأوراق. كنت أشعر وأنا أمشي بسعادة كبرى أمام كل هذه الوجوه التي لا تغني، والتي تتغير عناصرها مع كل خطوة من خطواتي. كنت أحيانًا أتأرجح بطريقة أحرك بها تعاقب المشاعر هذا، وأوقظ أكثر الصور الهاربة. كنت إذًا واعيًا بأن تنفس جذر مجهول بدأ يولد داخلي، وأن معنى الجمال يبدو أنه لا يفترق عن شكل ما للحزن، كما لو أن التجربة الجمالية هي تذكير بفردوس مفقود، يخلق الطموح ـ نحو ماذا؟ هذا ما أستطيع الخوض فيه.

ابتلعت، سنوات بعد ذلك، قرصًا مهلوسًا مستخلصًا من فطر مكسيكي. وخاب ظني من كوني لم ألج عالمًا من الرؤيات العجيبة. ثم أحسست، وهذا ما فاجأني، بحساسية حادة في طرف إبهامي. كان إدراكي لكل تفصيل عن طريق اللمس، هذه المرة، غنيًا ونشيطًا، إلى درجة أني كنت مستعدًا للتخلي عن كل حواسي الأخرى. قبلت بأن أكون أبكم وأعمى في وقت واحد، شريطة الاحتفاظ باللمس، لأن هذه النقطة الصغيرة كانت عالمًا وحدها. هل ولجت قلب اللحظة الزائلة؟

 المترجم: محمود عبد الغني

ضفة ثالثة

———————————

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى