سياسة

عن أزمات “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” المزمنة

قراءة قانونية لمسودة التعديلات على النظام الداخلي للائتلاف/ عبد الناصر حوشان

أولاً: من الناحية الشكلية أو الإجرائية:

–      بما أن القانون الأساسي أو النظام الداخلي لأي مؤسسة أو هيئة أو حكومة هو دستورها وقانونها الخاص فإن ذلك ينسحب على الائتلاف ومؤسساته:

•       يقتضي العرف الدستوري والقانوني عند صياغة وكتابة الدساتير أو سنّ القوانين أن يبدأ بعرض الأسباب الموجبة لذلك، تُبيّن وتوضح هذه الأسباب، الرؤية والهدف والألية والغاية من كتابة الدستور أو سنّ التشريعات، ومن ثم تنتقل إلى طرح مسودة المشاريع الدستورية والقانونية للمناقشة.

–      قبل المناقشة يجب أن يعهد أمر صياغة الدستور أو القانون إلى لجان متخصصة حيادية معيارية اختصاصية مهنية لتضع المسودة الأولية ومن ثم طرحها للنقاش وغاليا ما يكون عن طريق البرلمان أو عن طريق الاستفتاء الشعبي العام.

–      وحيث أن الإصلاح يعني في أحد معانيه إعادة تنظيم وتقنين العمل المؤسساتي، وحيث أن لجنة الإصلاح والعضوية المكلفة بالعملية هي من الدائرة الضيقة في الائتلاف، لذلك فهي تخالف العرف الدستوري والقانوني وهي بذلك اقرب إلى إعادة انتاج المنتج وليس تجديده، وبعيدة كل البعد عن الإصلاح وإنما هي مجردة أداة إعادة ضبط المصنع أو الفرمتة.

ثانياً: من ناحية المضمون

1-     تعقيب على المادة الأولى المتعلقة بالتعريفات:

•       جاء تعريف الائتلاف: بأنه الائتلاف الوطني لقوى الثورة وقوى المعارضة السورية

–      إن تحرير المصطلحات والمفاهيم أمر ضروري عند القيام بعملية التنظيم وصياغة اللوائح والقواعد الدستورية والقانونية حيث أن مصطلحين قوى الثورة وقوى المعارضة مختلفين من الناحية السياسية والدستورية القانونية، فكان من الواجب تحديد وتعريف كل مصطلح لا سيما وأنها جاءت بصيغة جمع القوى .

–      المعارضة: وفق المفهوم السياسي والحزبي هي مجموعة الأحزاب أو الكتل الحزبية أو السياسية التي تسعى للوصول إلى الحكم من خلال التنافس مع الحزب أو السلطة الحاكمة، وبالتالي يمكن أن تنقلب المعارضة إلى موالاة في حال استجابت السلطة لمطالبها وإشراكها في الحكم، أو من خلال وصولها إلى السلطة وفوزها بثقة الشعب بمعزل عن السلطة القائمة حيث تتحول الأخيرة إلى معارضة، وهذا يعني أن مفهومي الموالاة والمعارضة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً فيما بينهم من حيث الوجود والعدم، أي انه لا معارضة بدون موالاة، ويستمد كلاً منهما شرعيته من وجود الآخر.

–      أما الثورة: فهي انقلاب جذري على نظام قائم واستبداله بنظام جديد يحلّ محله في بناء نظام حكم رشيد يقوم على مبادئ الثورة.

–      وهناك فرق في أدوات المعارضة والثورة في التعامل مع النظام القائم، فالمعارضة تقوم على الحزبية والتنافس السياسي عبر مشاريع هذه الأحزاب للوصول للحكم والاحتكام للشعوب لاختيار الأصلح عبر اليات دستورية وقانونية دستور – قانون أحزاب – قانون انتخابات وعبر هيئات ومؤسسات حكومية رئاسة جمهورية – حكومة – برلمان .

–      أما الثورة فهي نقيض ذلك على الإطلاق فالثورة تعني هدم النظام القائم بكل أركانه ومؤسساته ولاسيما أن الثورات هي على الأنظمة الاستبدادية الدكتاتورية، التي لا مكان فيها لا للحريات السياسية ولا للعمل الحزبي، وأدوات الثورة في أسقاط النظام هي أدوات ثورية تقوم على مبدأ الصراع وليس التنافس وأدوات الصراع دائما تكون أدوات عنيفة تبدأ من المظاهرات والاحتجاجات وقد تنتهي بالصراع المسلح.

•       لذلك يجب تحرير مصطلحي قوى المعارضة وقوى الثورة لبيان إمكانية ائتلافهما وكيفية تنظيم هذا الائتلاف بما يحقق التناغم والتكامل في عملية انتصار الثورة وإسقاط النظام.

2-     تعقيب على الفقرة الأولى من المادة الثانية: المتعلقة بتغيير نظام الحكم بكافة السبل المتاحة:

•       التغيير يكون بثلاث طرق وهي:

–      التغيير السياسي الإصلاحي: تتحدد طبيعة التغيير السياسي بناءً على صفة هذا التغيير، فإن كان التغيير إيجابياً محموداً، يهدف إلى محاربة الفساد وإزالته، وتحقيق الإصلاح، فينطبق عليه تعريف الإصلاح السياسي نفسه، أمَّا إن كان لا يهدف إلى هذه الأمور، فإنَّه يقصد به التغيير دون النظر إلى المقاصد الشرعية المرجوة منه.

من ناحية أخرى، فإنه يُنظر إلى التطور السياسي كأسلوب للتحديث أو التغيير السياسي يتضمن معنى السلمية والتدريجية والعمل من خلال المؤسسات القائمة، أي أنه تغير سلمي شرعي يتم وفق القوانين والمؤسسات القائمة في المجتمع، وهو أيضًا تغير تدريجي لا يتضمن تغيرات جذرية في وقت محدود من الزمن، بل تغييرات تحدث نتيجة تراكمات بطيئة لتغيرات جزئية تتم عبر مرحلة طويلة من الزمن، ومن هنا فإن الوقت هو عنصر هام في التمييز بين الأسلوب الثوري والأسلوب التطوري، فبينما يسعى الأول إلى اختصار عامل الوقت والإسراع بعملية التحديث فإن الثاني يترك للوقت فرصته الكاملة.

 وهو ما تحاول المعارضة سلوكه عبر ما يسمى خارطة الحل السياسي التي ترعاها الأمم المتحدة والتي حدد بأنه لا حل عسكري في سورية والحل الوحيد هو التفاوض بين المعارضة والنظام، الذي انتج لنا هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وانتج لنا أيضا مصطلحات هيئة حكم ذات مصداقية، الإصلاح الدستوري، التعديلات الدستورية…… وهي المنتجات الحصرية التي يسمح للسوريين باستهلاكها.

–      التغيير السياسي الثوري: يُعرف التغيير الثوري بأنه نمط خاص للتغيير الاجتماعي، باعتباره يستلزم إدخال العنف في العلاقات الاجتماعية. ويشمل عدد من الأبعاد الثورية للتغيير، منها تغير البنية الاجتماعية، وتغير القيم ومعتقدات المجتمع، وتغير المؤسسات، وتغير في تكوين القيادة وأساسها الطبقي، وتغير النظام القانوني، واستخدام العنف في الأحداث التي تؤدي إلى تغير النظام.

–      الانقلابات والثورات بين النمط الإصلاحي والنمط الثوري للتغيير:

–      يُخرج المنظرون أداة الانقلاب العسكري من فئة الإصلاح السياسي، باعتبار أن الأول يشمل أدوات غير سلمية للتغيير، ويهدف إلى تغيير القائمين على النظام أكثر من كونه يهدف إلى إصلاح النظام، دون خلاف ربما مع فكرة أن الانقلاب يأتي لتغيير القائمين على النظام لأنهم أساؤوا استعمال السلطة ليأتي من يقوموا بالإصلاح، فهو أحد أشكال الإصلاح السياسي، إلاَّ أنَّه شكل راديكالي غير سلمي للإصلاح، وعلى نفس المنوال يرى البعض أنَّ الثورة أحد أشكال الإصلاح السياسي، إلاَّ أنَّها تعبير عن إصلاح سياسي راديكالي وسريع.

–      النظام السوري لم ولن يستجيب إلى المطالب الشعبية والدولية التي تواجهه بل قام بتجاهلها وضربها عرض الحائط حيث استحكمت العداوة بينه وبين الشعب والقطيعة بينه وبين المجتمع الدولي، ويخوض معركته ضدها على أنها معركة وجود، فلا هو قبل التفاوض وانخرط فيه بشكل جدي، ولا هو توقف عن القتل والتدمير والتهجير وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، واصبح الانقلاب العسكري شبه مستحيل لآن اغلب ضباط الجيش وأركان النظام تورطوا بهذه الجرائم، الأمر الذي أدى إلى أن يكون الحل الوحيد هو إسقاط النظام بكل الطرق ما عدا التفاوض معه لان التفاوض يعيد إنتاجه ويمنحه الشرعية.

3-     تعقيب على مسودة تعديلات المادة 3:

إن الخيارات المطروحة لتعديل المادة الثالثة تطرح عدة تساؤلات، تقتضي الإجابة عليها حتى يمكن فهم غاية وآلية ومعايير تشكيل المجالس المقترح تشكيلها بديلا المجالس المحلية والحراك الثوري ومن هذه التساؤلات:

–      ما هي نوعية المجالس المقترحة ومهامها؟ وما هي المرجعية القانونية لها؟

–      ما هي مرجعية ومعايير وألية قرار اختيار الائتلاف للأشخاص والفعاليات في المحافظات؟

–      هل تأتي هذه التعديلات في سياق ما سمعناه مؤخرا عن نية البعض تحويل الائتلاف إلى برلمان؟

•       بالأصل إن احدى اهم المشكلات المستعصية التي تسببت في شلل الائتلاف والانقسام والشرذمة هي أزمة الشرعية، والتي تعني وجود المرجعية التي تمنحه الشرعية بمعناها القانوني فالشرعية تستمد من الدستور والقانون، باعتبارهما مصادر للتشريع ومصادر تنظيم المؤسسات الرسمية، تأتي هذه الشرعية من خلال ممارسة المواطن حقّه في المشاركة السياسية عبر الانضمام إلى الأحزاب أو الترشح للمناصب والوظائف العامة، كما تأتي من خلال حقه في الانتخاب سواء لاختيار رئيس الدولة أو اختيار ممثليه إلى البرلمان، فالاستفتاء أو الانتخابات هي الوسيلة الديموقراطية لإضفاء الشرعية.

–      وعليه فإن تشكيل المجالس أو هيئات التمثيلية يجب أن يستند إلى مصادر الشرعية المذكورة آنفاً، فإن المقصود إما إعادة انتاج المجالس المحلية القائمة ودمجها مع الحراك الثوري وتوسيعها، وإما إحداث مجالس أخرى بعد الغاء المجالس القائمة وفي كلتا الحالتين فإن الأمر يقتضي الغاء قانون الإدارة المحلية المعمول به حاليا والناظم لعمل المجالس المحلية، وسنّ قانون آخر يتوافق مع الرؤية والهدف من تشكيل المجالس الجديدة، وهذا يتطلب ايضاً مرجعية دستورية. والائتلاف لا يملك سلطة التشريع ولا سلطة إعداد دستور، مما سيضطره لاعتماد المشروعية الثورية في وضع أي قانون، وهذا سيفرز صراعاً أو خلطاً بين مفهومي الشرعية والمشروعية ينعكس على أدوات العمل فالمشروعية تستند إلى النظرية الثورية التي تقوم على مبدأ التغيير الجذري للنظام القائم دون المرور عبر البوابة الشرعية المتمثلة بالدستور أو الانقلاب العسكري، وسيتجلى هذا الصراع في آلية التغيير بين التفاوض التي تتبناه قوى المعارضة كخيار وحيد لتغيير نظام الحكم مستندة إلى شرعية خارجية تؤسسها على الاعتراف بها كممثل سياسي للشعب السوري من قبل ما سمي بأصدقاء الشعب السوري، وبين الثورة بكافة خياراتها حتى الخيار المسلح الذي ترفضه أغلبية قوى المعارضة السورية، وما يثير الشبهة محاولة زيادة تركيز قوى المعارضة على حساب قوى الثورة وتحجيم تمثيل الثورة عبر إدخال كيانات حزبية أو سياسية أو غيرها من الكيانات التي تتبنى المعارضة السلمية وتنبذ الثورة باعتبارها ضرب من ضروب العنف السياسي.

–      نظام الكوتة النسائية يتعارض مع مبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص، يمكن استبدال النص وترك الخيار مفتوح للعموم نساء ورجال مع اعتماد مبدأي تكافؤ الفرص والكفاءة.

–      إنه من غير المنطقي تحديد تمثيل نسبي لمكونات محددة دون غيرها من مكونات الشعب السوري، لأنه يعتبر نوع من الامتياز الخاص لهذه المكونات على حساب باقي المكونات مما يفتح الباب أمام الأخيرة للمطالبة بنسب تمثيلية أيضا ويدخلنا في متاهة المحصصات الطائفية والعرقية والإثنية وهذا في حال تمريره تكريس للطائفية.

•       أما فيما يتعلق بالأحزاب:

–      إن ضم الأحزاب لعضوية الائتلاف يجب أن تستند إلى مرجعية قانونية معتبرة أولاً تنظّم عمل الأحزاب وشروط العمل الحزبي، والترخيص وهذا ما ينظمه قانون الأحزاب، فكان حرياً بالائتلاف اعتماد قانون للأحزاب قبل التفكير بضم الأحزاب دون ضوابط ومعايير قانونية.

–      الزام الأحزاب بتوجهات المعارضة أمر غير مقبول لان الحزبية تقوم على التوافق والاختلاف والتضاد فلا يمكن الوصول إلى حالة توافق مع الأضداد يسار – يمين ،ثوري – إصلاحي مما يفتح الباب للإقصاء وبالتالي الدخول في صراع صفري معطِّل وربما مدمِّر.

4-     تعقيب على المادة 7:

بما أن ظاهر التعديلات يوحي بانتقال الائتلاف من مرجعية سياسية إلى مرجعية تشريعية تمثيلية برلمان ، ومن مقتضيات العمل الديموقراطي وحسن أداء السلطات اعتماد مبدأ فصل السلطات ومن هنا يجب الغاء مبدأ الجمع بين عضوية الائتلاف وتولي المناصب الحكومية.

5-     التعقيب على المادة 8: لجهة مدة ولاية الرئيس ونوابه والهيئة السياسية:

تركزت المادة على مدة ولاية الرئيس ونوابه والأمين العام، وأغفلت المادة المذكورة مدة ولاية أعضاء الهيئة العامة، أو ما يمكن تسميته الدور التشريعي للائتلاف، حيث لم تحدد مدة عضوية الأعضاء، وكما توحي المادة على أن العضوية دائمة من خلال وجود مصطلح التجديد والذي يفهم منه قيام الهيئة بمنح الثقة من جديد دون الإعلان عن انتهاء ولاية الائتلاف عن الدورة والإعلان عن دورة جديدة.

– اقتراح المدد المفتوحة لأي من هيئات أو لجان الائتلاف غير قانوني وغير منطقي، يجب أن تكون مدة لأية الائتلاف محددة بدورة واحدة كل سنة أو سنتين وتسري هذه المدة على ولاية كل هيئاته ولجانه.

– ولم يـأتِ ذكر الولاية إلا في المادة 22 المتعلقة بمهمات الهيئة السياسية دون تحديد مدة الدورة

6-     تعقيب على الفقرتين 5و 6 من المادة 12: المتعلقتين بمهمة الرقابة والمحاسبة:

•       الرقابة نوعين:

–      الرقابة الإدارية: وهي رقابة داخلية وتكون ضمن أي مؤسسة أو هيئة من الهيئات الإدارية التابعة للائتلاف، تقوم بها دائرة أو لجنة قانونية مختصة، ومن أدوتها التفتيش – التحقيق الإداري – ومن أدواتها العقوبات الإدارية في حال مخالفة اللوائح والأوامر الإدارية، والإحالة إلى القضاء في حال انتهاك القوانين، وارتكاب الأخطاء الجسيمة.

–      الرقابة البرلمانية: والتي يقوم بها البرلمان عبر ممثلي الشعب في متابعة تنفيذ القوانين والتشريعات والرقابة على أداء الحكومة ومؤسسات الدولة، ومن أدواتها الاستجواب البرلماني، ومن أدوات المحاسبة حجب الثقة عن الوزير أو الحكومة.

–      للأسف جاء النظام الأساسي للائتلاف خاليا من أي نص يفيد المحاسبة القضائية، واكتفى بعقوبة إسقاط العضوية للعضو الذي يخالف شروط العضوية أو الذي لا يدافع عن الائتلاف.

–      إن إسناد مهمة الرقابة على القرارات للائتلاف ومنحه صلاحيات الغائها يتعارض مع مبادئ العرف الإداري وقواعد القانون الإداري حيث أن ذلك يفرغ العمل المؤسساتي من مضمونه وتفقد الإدارة حريتها واستقلالها في اصدار اللوائح والقرارات الإدارية وفق مقتضيات مصلحة العمل، وان ربط هذه القرارات بموافقة أو رقابة الائتلاف يجعلها عرضة للتجاذب الحزبي والسياسي الأمر الذي يعيق أو يؤدي إلى فشل بناء المؤسسات على أسس صحيحة.

–      اللجنة القانونية: هي لجنة فنية استشارية من لجان الائتلاف، لا تصلح إن تكون لجنة للمحاسبة، لاسيما أنها ستحاسب أعضاء الائتلاف والتي تلعب فيها مراكز القوى الدور الأكبر في التأثير عليها، حيث أنها ستحول دون محاسبتها ومحاسبة احد أعضائها وإنما سيكون الطرف الأضعف فقط هو الذي يمكن محاسبته، الأولى بالائتلاف إيجاد لجان مستقلة للرقابة والمحاسبة تتبع أما لرئيس الحكومة أو لرئيس الائتلاف مباشرة.

7-     تعقيب على المادة 13: المتعلقة بشروط عضوية الائتلاف:

الشروط 3 و4 و7 شروط فضفاضة وغير منضبطة، لغياب المعايير المحددة لقياس الوطنية والقبول العام، والنزاهة، فالحُكم عليها يأتي من خلال اتباع الحوكمة الرشيدة وتطبيقها أما في غياب كل ذلك يبقى الأمر في دائرة الانتقائية التي تتحكم فيها المحسوبية والمحاصصة

8-     تعقيب على تعديل المادة 30: المتعقلة بمهام الحكومة:

•       تضمنت المسودة حذف بند: العمل على إسقاط النظام القائم ولا يجوز للحكومة أو أي أعضائها الدخل في حوار أو مفاوضات مع النظام، وحصر عملها في بناء المؤسسات وتنفيذ الأوامر الصادرة من الائتلاف.

–      وجود حكومة تحظى بالاعتراف القانوني مظهر من مظاهر إسقاط الشرعية عن النظام، وبدل أن يتم العمل على تشكيل حكومة قوية وفق المعايير الدولية والعمل على الحصول على اعتراف قانوني من قبل ما يسمى أصدقاء الشعب السوري أو الدول الحليفة للثورة، يقوم الائتلاف بتحويلها إلى مجرد أداة إدارة تنفيذية، بعيدة كل البعد عن مفهوم الحكومة من الناحية القانونية أو الدستورية أو التنظيمية.

–      ايضاً إن الغاء هذ النص يتعارض مع الفقرة الأولى من المادة الثانية من النظام الأساسي للائتلاف، باعتبار إن الحكومة هي احدى مؤسسات الائتلاف وبالتالي من مهامها وواجباتها العمل على إسقاط النظام.

9-     تعقيب على تعديل المادة 31 المتعلقة: بالعمل على توحيد على ودعم كافة الكتائب والألوية والمجالس العسكرية والثورية.

•       إن استبداله بنص صلاحية الائتلاف بتعيين وإقالة رؤساء المؤسسات التابعة، يدل على نية استبعاد كل ما يشير إلى العسكرة، وإن اعتبار الجيش الوطني والجبهة الوطنية كتلة التمثيل العسكري دليل على عدم توحيد الفصائل، إذ من المفترض أن تكون كل الفصائل مندمجة في الجيش الوطني وأن تتبع وزارة الدفاع وبالتالي الحكومة، وان يكون التمثيل على هذا الأساس تحت مسمى واحد.

•       كما يفهم من هذا النص اذا ما تم ربطه بنص تعديل المادة 30 الذي حذف فقرة العمل على إسقاط النظام من مهام الحكومة، انه تجنيب الجيش الوطني والجبهة الوطنية باعتبارهما ملتزمان بالنظام الائتلاف الأساسي عن اتخاذ أي قرار عسكري بفتح أي معركة ضد النظام إلا بموافقة الائتلاف وفق الآلية المذكورة أعلاه، وهذا الأمر إن تم توسيع الائتلاف وفق مسودة التعديلات، يعني ربط القرار العسكري بموافقة الأحزاب والتكتلات مجتمعة، وهذا تكريس للمبدأ الذي تقوم عليه عملية التفاوض مع النظام الذي ينص على أنه لا حل عسكري ، وبالتالي تجريم أي عمل عسكري قد تقوم به الفصائل العسكرية سواء كانت باسم الجيش الوطني أو الجبهة الوطنية أو الفصائل التي لا تنضوي ضمن هذين التشكيلين.

 وأخيراً:

•       يلاحظ من مسودة التعديلات أن هناك محاولة لتعديل تركيز تركيبة الائتلاف وتحويله إلى كتلة سياسية معارضة صرفة على حساب التشكيلات الثورية سواء كانت العسكرية أو المدنية منها.

•       يلاحظ أيضا أن هناك توجه لتحويل الائتلاف إلى نموذج برلماني هلامي لا ملامح له من خلال التركيز على ضم الأحزاب، وإعادة تشكيل مجالس تمثيلية على مستوى المحافظات ايضاً لا ملامح لها، وهذه الخطوة أقرب إلى فكرة التمثيل بمجلسين إذ يلاحظ أن هناك ازدواجية في التمثيل من خلال العضوية في باقي مكونات الائتلاف أو من خلال الأحزاب أو حتى المجالس المزمع تشكيلها.

•       كما يلاحظ تجاهل معالجة أسباب فشل الائتلاف سواء كانت الأسباب التنظيمية أو أسباب المشروعية أو الرقابة والمحاسبة وإسنادها إلى هيئات مستقلة وليس إلى لجان تابعة للائتلاف تأتمر بأمره وتنتهي بنهيهِ، وهذا لا يحقق لا حوكمة رشيدة ولا إصلاح مثمر الإصلاح الحقيقي: يكون بالتشخيص الحقيقي للمشكلات، ووضع اليات كفيلة وقادرة على معالجة الأخطاء، وتفعيل الرقابة الداخلية، واستبعاد المخطئين والمقصرين والفاسدين، وإعادة صياغة قانون ناظم جديد بعيد عن أي اصطفافات أو محسوبيات، أو محاصصات من أي نوع كانت، وتحديد اليات إسقاط النظام وأدواته والاتفاق عليها بالإجماع، وتأجيل المصالح الحزبية والعرقية والطائفية إلى ما بعد سقوط النظام، وبناء مؤسسات حقيقية بنّاءة، وإيجاد هيئات رقابية كفؤة، وتعزيز مبدأ المحاسبة من خلال تفعيل وتأهيل مؤسسة القضاء وضمان استقلاليتها ونزاهتها.

المحامي عبد الناصر حوشان

• عضو مجلس نقابة المحامين الأحرار بحماة.

• عضو هيئة القانونيين السوريين.

• مهتم بتوثيق جرائم النظام وحلفائه.

———————————

هل يستفيد النظام في سورية من مبادرات المعارضة؟/ سميرة المسالمة

يمثّل الحكم الصادر عن محكمة ألمانية بالحبس المؤبد على أحد ضباط النظام السوري حتى عام 2012، تاريخ انشقاقه وانضوائه مع مجموعات المعارضة، مقولة “إنّ المحاسبة على المشاركة بارتكاب الجرائم لا تسقط مع تغير عناوين إقامة المرتكبين، ولا حتى مع تغيير ضفة اصطفافاتهم”، وهو ما يجب أن تدركه المعارضة السورية، عندما تحاول أن تمحو تاريخاً من فشلها بتغيير أسماء كياناتها أو ادّعاء إصلاحها، حيث محاكم ذاكرات الشعوب أكثر صرامة من محاكم القضاة تحت قوس المحكمة. وما يحمّله سوريون كثيرون لكيانات المعارضة من مسؤولية عن تدهور واقع المناصرة لثورتهم، وعدم تمثيلهم جوهر قضيتهم ومطالبها، يكاد يرقى إلى هدف شعبي، وهو محاسبة قادة في المعارضة، بل والمطالبة بمقاضاتهم.

من هنا، يمكن فهم عدم حماسة سوريين كثيرين لطرح هذه الكيانات في مبادرات مختلفة، بين فترة وأخرى. وهذا لأن الناس تعي حقيقة معنى كثرة المبادرات، فهو إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على نقصها، أيضاً، إن لعدم نضجها، أو لعللٍ كثيرة فيها، حتى لم يعد السوريون يكترثون بأيّ مبادرة، أو لا يأخذونها على محمل الجد، فيطويها الزمن، إلى حين طرح مبادرة أخرى، وهكذا.

أخيراً، طرحت في الساحة السورية مبادرتان، إن صحّ التعبير، الأولى، على شكل ندوةٍ، تم الحشد لها، وتأمين الإمكانات المادية لإنجاحها، مع تغطية إعلامية، بالنظر إلى الجهات الدولية وراءها. والثانية، على شكل ادّعاء متجدد لمحاولة إصلاح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وهو الجهة الرسمية التي تمثل المعارضة السائدة، أي التي منحتها الأطراف الخارجية الشرعية، بغضّ النظر عن أهليتها وشرعيتها الداخلية.

يمكن المرء أن يتمنّى النجاح لأية مبادرة، بيد أن المسؤولية تقتضي الحديث، بصراحةٍ، عن النواقص التي تعتور تلك المبادرات، أو عن المستلزمات أو الممهدات المفترضة لإنجاح أية خطوة من هذا النوع، لأن من شأن الفشل في كل مرة تزايد مشاعر الإحباط والغضب وفقدان الأمل عند السوريين في كل مكان، وتحقيق نصر مجاني للنظام الذي يراهن على تواضع إمكانات المعارضة وتمزّقها. وأختصر هنا رأيي في نقاط محددة:

أولاً، لا فرصة لنجاح أية مبادرة إذا صدرت من جهةٍ كانت مسؤولة عن الإخفاقات التي تعرّضت لها مسيرة المعارضة السورية، على أي صعيد كان، ولا سيما أنّ الأطراف المعنية لم تقدّم نقداً ذاتياً على مواقفها وأدائها. وفي هذا الصدد مثلاً، يمكن طرح سؤال جوهري: كيف للائتلاف أن يُصلح نفسه، وهو مبنيّ على أسسٍ خاطئة منذ بداياته؟

ولا أتحدّث هنا عن مجرد رأي، بل عن تجربة، أيضاً، وكنت قد أكدت ذلك إبّان وجودي في “الائتلاف” ذاته، في مقال نشرته في “العربي الجديد” في 16 يناير/ كانون ثاني 2016 بعنوان “اعتراف واعتذار إلى الشعب السوري” كما كتبت عنه في كتابي الصادر أخيراً “الانهيار السوري .. الصراع على السلطة والدولة والهوية”. أقصد أنّ المشكلة في الطريقة التي تشكّل فيها “الائتلاف”، وفي افتقاده ليس فقط كيانات سياسية حية وفاعلة، بل وافتقاده شخصيات سياسية وثقافية وفعاليات اقتصادية، نزيهة ومجرّبة ومناضلة، إذ إنّ الجماعات التي تصدّرت عمل “الائتلاف”، وحوّلته إلى صندوق مغلق تتناوب على تصدّر مراكزه المسؤولة، بل تنأى بنفسها عن الفاعلين السوريين المؤثرين، وهم كثر، وحين تفسح المجال لتوسعةٍ جديدةٍ تأتي بناءً على خياراتها الشللية والتصويتية.

ثانياً، من دون نقد كلّ طرف، وحتى كلّ شخص، تجربته ومواقفه، وتالياً، نقد التجربة السابقة للمعارضة السورية (فعلت هذا إبّان وجودي في “الائتلاف” وفي استقالتي منه)، أي من دون نقد مسارات الارتهان، والتبعية، لهذه الدولة أو تلك، على حساب مصالح السوريين، ومسارات تطييف الثورة السورية، وعسكرتها، وفقدانها خطاباً سورياً جامعاً، وكل الأسباب التي أودت بنا إلى كارثة، فإن أية مبادرة ستفقد معناها، أو صلاحيتها، وستكون مجرّد خطوة ترقيعية “ترفيهية” لإعادة إنتاج التجربة الكارثية نفسها التي أدّت إلى يأس السوريين من كيانات المعارضة، وعزوفهم عنها وسخريتهم منها، وغضبهم عليها.

ثالثاً، أية مبادرة ستكون موضع شبهات إذا صدرت بالاستناد إلى هذه الدولة أو تلك، بناءً على التجربة السابقة، إذ إنّ تشكيل الكيانات (المجلس الوطني، والائتلاف الوطني، وهيئة التفاوض 1 و2، واللجنة الدستورية، والفصائل العسكرية، وغير ذلك من هيئات ومنصّات وأحزاب وجمعيات) أكد أنّها جميعاً كانت مدينة للأطراف التي أسهمت في تشكيلها، ورعتها، وقدّمت الدعم لها بشقيه، المالي والسياسي، ولا سيما أنّ بعض تلك الدول باتت تتلاعب بالثورة السورية، وبمصير السوريين، فما الذي يجمع المعارضة السورية بأيٍّ من تشكيلاتها، مع مسار آستانة مثلاً، الذي أريدَ ترسيخه بدلاً من بيان جنيف؟ وكيف للمعارضة أن تنخرط في مؤتمر سوتشي؟ وكيف للمعارضة أن تغطي مواقف تركيا التي تأسّست على مسار ثلاثي آستانة، أي مع روسيا وإيران حليفي النظام السوري وشريكيه في قتل السوريين وتشريدهم؟

حاولت أن أقول، في هذا المجال، الشرط اللازم لنجاح أي مبادرة، لكن ثمّة شروط أو مستلزمات أخرى، منها: توليد أو تشكيل منبر سياسي يمكن السوريين على مختلف توجهاتهم، وأماكن وجودهم، أن يعبروا من خلاله عن آرائهم بكل صراحة. التوافق على قيم عليا تمهد لإيجاد إجماعات وطنية عند السوريين على مختلف مرجعياتهم القومية من عرب وكرد وآشوريين وأرمن وتركمان وشركس وغيرهم، وتكون بمثابة نقاط فوق دستورية، وتتأسّس على حقوق المواطنة في الحرية والمساواة والكرامة وإقامة نظام سياسي ديمقراطي وتداولي. بعد ذلك، الدعوة إلى عقد نوع من لقاء عام وطني يضم تكتلات أو أحزاباً سياسية مع شخصيات سورية فاعلة ومؤثرة في مجتمعات السوريين، على أن يُستبعد منهم كل مسؤول عن تجربة سابقة فاشلة.

باختصار، يمكن إجراء خطوات عديدة للتمهيد لطرح مبادرة، وتأمين مقومات نجاحها، وليس فقط إمكانات تمويلها، وذلك قبل ادّعاء امتلاك مبادرة، وبالتالي امتلاك الفاعلين فيها، أو امتلاك طريق للإصلاح، أو للخروج من المأزق. المهم أن تكون البداية مسؤولة وناضجة ومعنية بنجاح الفكرة وامتلاك أسباب استقلاليتها، وبعيدة عن الشللية وتجميع الأتباع تحت مبدأ “توجيه الدعوات لإسكات الانتقادات وكسب الأصوات” التي اعتادتها كيانات المعارضة خلال مسيرتها وتوسّعاتها وتشكيل لجانها، إذ لن ينتج من تجميع مسؤولين في كيانات فاشلة كياناً موثوقاً، وإن زُيِّن بشخصيات وازنة. وما لم تراجع الكيانات تجربتها وتحاسب المسؤولين عن فشلها، فهي إنّما تسنّ للنظام طريقة جديدة في التهرّب (على قياسها) من استحقاقات إنهاء عهده، بالدعوة إلى مؤتمر بأوراق إصلاحه، واعتبار ناتج المؤتمر نظاماً جديداً بريئاً من تبعات جرائم ما اقترفته قبل ذلك قواته وشخصياته وأزلامه .. فهل تقدم المعارضة للنظام السوري عبر مبادراتها سيناريوهات الهروب من تاريخه؟

العربي الجديد

——————————–

الائتلاف السوري ومحاولة استعادة دور مفقود/ عبسي سميسم

يقوم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بتغييرات على نظامه الأساسي، وصفها بالجذرية، ومن المفترض أن يتم الإعلان عنها يوم غدٍ الإثنين، علّه يستعيد بعضاً من دوره السياسي، وبريقه الذي خبا على مدار السنوات الماضية، وعلّه يكسب بعض الثقة من جمهور المعارضة التي يطرح نفسه ممثلاً لها.

ويأتي ذلك بعدما تمّ تهميش دور الائتلاف السياسي من قبل كلّ الدول المتدخلة في الشأن السوري، بمن فيها تركيا التي تحتضنه على أراضيها، والتي استبدلت دوره السياسي بتفاهمات مباشرة مع الأطراف الأخرى، وبمسار سياسي من دون أن يكون الائتلاف ممثلاً فيه.

إلا أن من يطلّع على التغييرات التي يزمع الائتلاف القيام بها، يجد أنها لا تعدو كونها محاولة لإعادة هيكلة لجنة العضوية، تتضمن بعض الجرأة في فصل أعضاء لم يعد لهم ممثلون أصلاً، وفتح الباب أمام تنسيب أعضاء جدد يمكن أن يساهموا باستجلاب بعض الشعبية له.

إلا أن الائتلاف، وعلى الرغم من حفاظه على ثوابت الثورة السورية، وعدم قبوله بتنازلات جوهرية تعترف بنظام بشار الأسد، إلا أنه لم يبد أي فعالية سياسية، خصوصاً لناحية إحراز تقدم في الحل السياسي ومنع تمييع القرار الأممي 2254 الخاص به.

كما اقتصرت مواقف الائتلاف السوري خلال السنوات الماضية على التنديد، والاستنكار، أو الإشادة بمواقف الآخرين، الأمر الذي حوّله إلى هيئة هامشية لا دور لها، وفي أفضل الأحوال يجري إخبارها بما يتم التوصل إليه من قبل الدول الفاعلة في القضية السورية.

قد يكون تغير المزاج الدولي تجاه الوضع في سورية أحد أهم أسباب غياب دور الائتلاف، إلا أن هناك أسباباً كثيرة تتعلق بأداء وبنية هذا الكيان، أدت إلى تراجع حضوره سياسياً وشعبياً.

فعلى مستوى بنية الائتلاف، لعل أهم أسباب تراجعه يعود إلى حفاظه على شخصيات أثبتت فشلها في العمل السياسي، وعدم قدرته على استبدالها بشخصيات أكثر فعالية. إضافة إلى حالة “الشللية” داخل الائتلاف، وعدم قدرته على إحداث تغييرات جوهرية، وانتخاب أعضاء الهيئة السياسية بحسب الولاء للشلّة وليس بحسب الكفاءة.

أما على مستوى الأداء، فلعل أهم أسباب الفشل هو العمل على مبدأ ردّ الفعل على أفعال الآخرين، خصوصاً أفعال النظام والدول المتدخلة في سورية، وعدم المبادرة بأفعال أو اتخاذ مواقف تحسب له خلال مسيرته. إضافة إلى أدائه تجاه الشارع المعارض وفق مبدأ برنامج ما يطلبه الجمهور، أي كردود فعل على مطالب بعض الحملات والتظاهرات، وذلك بدلاً من ممارسة دور قيادي للحراك ولجمهور المعارضة.

يضاف إلى كل ذلك محاولات إثبات الذات لدى الائتلاف كلّما قلّ دوره، من خلال الهروب للداخل بمشاريع وأفكار غير ذات جدوى، إضافة إلى انفصاله كجسم سياسي عن الحامل العسكري للمعارضة، وغيرها من الأسباب التي تجعل عمليات هيكلة ترقيعية للائتلاف من دون فائدة.

العربي الجديد

——————————

المسلط والعبدة في الدوحة..لمناقشة إصلاح مؤسسات المعارضة

وصل وفد من المعارضة السورية إلى العاصمة القطرية الدوحة السبت، دون الكشف عن جدول أعمال الزيارة التي لم يتم الاعلان عنها رسميا.

ويضم الوفد رئيس الائتلاف سالم المسلط ورئيس هيئة التفاوض أنس العبدة. وقالت مصادر في المعارضة ل”المدن”، إن الزيارة جاءت بدعوة من وزارة الخارجية القطرية، بهدف مناقشة إصلاح مؤسسات المعارضة، وعلى رأسها الائتلاف، كما كشفت عن لقاء سيعقد مع رئيس الائتلاف السابق رياض حجاب، المقيم في قطر.

ويناقش الائتلاف منذ أسبوعين مسودة النظام الداخلي الجديد التي كان يفترض التصويت عليها الاثنين من قبل الهيئة العامة، لكن تم تأجيل ذلك بسبب خلافات بين الكتل حول التعديلات المقترحة.

ويربط الكثيرون بين طرح الائتلاف إصلاح المؤسسة وبين الندوة التي دعا إليها مكتب حجاب، لمناقشة واقع المعارضة وسبل تطوير أدائها ومؤسساتها، والتي ستعقد في شباط/فبراير.

لكن مصادر في الائتلاف كانت قد كشفت ل”المدن”، عن أن هذه الخطوة جاءت بطلب من أنقرة والدوحة، بهدف إعادة الثقة الاقليمية والدولية بالمؤسسة كممثل للمعارضة، بعد أن تراجع الاهتمام بها من قبل الدول الداعمة للمعارضة، وتزايد النظر إليها كجهة تتبع للمحور التركي-القطري.

يذكر أن أبرز التعديلات المقترحة من قبل اللجنة التي شكلت بهذا الخصوص هو إعادة النظر بكتلتي المجالس المحلية والحراك الثوري، بالإضافة إلى حذف المواد التي تتحدث عن “إسقاط النظام”، واستبدالها بعبارات تنص على “تغيير النظام”.

———————————–

تغيير النظام بدل إسقاطه.. مسودة قيد النقاش لـ”إصلاح” الائتلاف السوري/ ثائر المحمد

شكّل الائتلاف الوطني السوري خلال الأيام الماضية لجنة مؤلفة من ثمانية أعضاء لدراسة وتطوير النظام الأساسي للائتلاف، واقتراح خطط جديدة تتضمن إصلاح المؤسسة، والخروج من حالة الركود والنتائج الصفرية التي تعيشها منذ سنوات.

وبوقت متزامن أعلن رئيس الائتلاف، سالم المسلط، عن “وجود تحركات وقرارات جديدة لإصلاح الائتلاف وتطوير أدائه لإعادته إلى مكانته في الأوساط الدولية والشعبية”.

وقال المسلط لوكالة زيتون مطلع الشهر الجاري: “تم اتخاذ العديد من القرارات المهمة بهدف إنعاش الائتلاف، عبر تعديل نظامه الداخلي، واعتماد تعديلات قانونية تعيد الحيوية لنشاطه”، كما “سيتم إعادة تشكيل لجنة العضوية، وإعطائها الصلاحيات الكافية للنظر بطلبات العضوية المقدمة في السابق، وقرارات الاستبدال المقدمة من مكونات الائتلاف، بالإضافة إلى دراسة مرجعيات بعض الكتل السياسية الموجودة في الائتلاف منذ تأسيسه، والعمل على استبدال ممثليها بعد التشاور مع الحاضنة الشعبية في الداخل السوري”.

مسودة تعديل النظام الداخلي للائتلاف

تجري مشاورات حالياً بين هيئات وأقسام الائتلاف حول التعديلات الجديدة المقترحة من جانب اللجنة الثُمانية، وفي حين كان عنوان مسودة النظام الجديد “مسودة غير قابلة للتداول”، إلا أن بنودها سُربت من قبل بعض الأعضاء.

موقع تلفزيون سوريا حصل على نسخة كاملة من المسودة، المتضمنة 41 مادة، وتشمل المكونات والأحزاب العاملة في الائتلاف، ومعايير الأحزاب، ومهام الرئيس وصلاحياته، وشروط العضوية، كما توسع القائمون على صياغة المسودة في الطرح، ليشمل الحكومة السورية المؤقتة ودور الائتلاف في اختيار رئيس الحكومة والوزراء.

ويعرّف الائتلاف عن نفسه في المسودة، أنه ائتلاف وطني لقوى سياسية وثورية، يهدف إلى تحقيق الانتقال السياسي من خلال تغيير نظام الحكم القائم (نظام الأسد) بكل رموزه وأركانه بالسبل المتاحة.

وأثارت هذه النقطة بالتحديد جدلاً بين عدد من الناشطين السوريين، لكون المسودة تشير إلى تغيير النظام وليس إسقاطه كما هو مذكور في النظام الداخلي الحالي للائتلاف، لكن البعض رأى أن التغيير كلمة قانونية ودبلوماسية بآن معاً، وتحمل معنى أشمل من الإسقاط.

وحالياً يضم الائتلاف 17 مكوناً وحزباً، في حين تقترح المسودة الجديدة إلغاء كتلتي الحراك الثوري والمجالس المحلية، وتحويل أعضاء هاتين الكتلتين إلى “التقييم”، إضافة إلى أن يصدر قرار من الائتلاف بتشكيل مجالس تمثيل للمحافظات تجمع كافة الفعاليات ضمن المحافظة من إعلاميين وثوريين ومجتمعيين بعدد لا يقل عن 200 عضو، على أن تتضمن اللجنة أعضاء من الائتلاف من أبناء المحافظة المعنية.

ويقوم الائتلاف بتشكيل هذا المجلس باختيار أهم الشخصيات والفعاليات بالمحافظات وعقد مؤتمر عام لهم كل عامين، ينتخبون فيه هيئة إدارية من سبعة أعضاء، مع تأمين مكتب لكل محافظة داخل مبنى الائتلاف بالداخل السوري،  على أن تقوم الهيئة الإدارية بتعيين ممثل لها داخل الائتلاف، ولا يحق لها استبداله إلا مرة كل عامين أو في حال مخالفته للنظام الأساسي.

معايير الأحزاب ونسبة تمثيل المرأة

تقترح المسودة وضع معايير للأحزاب والتيارات السياسية، تخضع لها الأحزاب الممثلة بالائتلاف، ثم ضم الأحزاب والتيارات التي تحقق المعايير المطلوبة إذا اقتضت الحاجة.

وتنص المعايير على أن لا يقل عدد منتسبي الحزب في القيود وبالأسماء الصريحة الموثقة بهوية أو جواز سفر عن 300 عضو من 7 محافظات سورية على الأقل، وأن يكون للتيار أو الحزب السياسي وثائق تعريفية برؤيته وتوجهاته الوطنية والثورية المعارضة لنظام الأسد ضمن نظام أساسي معلن، وهيكلية حزبية واضحة، وأن يكون للتيار أو الحزب السياسي هيئة قيادية (مكتب سياسي، مكتب تنفيذي.. الخ) معلنة الأسماء والمهام.

fbnjx.jpeg

سالم المسلط: نعمل على إصلاح الائتلاف واستعادة حاضنتنا الشعبية على رأس أولوياتنا

ومن المعايير أيضا أن يكون للتيار أو الحزب السياسي مؤتمر دوري معلن النتائج، وأن يكون عدد ممثلي التيار أو الحزب السياسي في الائتلاف متناسبا مع عدد أعضائه وقِدمه.

وبحسب النظام الجديد، لا بد من تمثيل المرأة بنسبة 20 في المئة، على أن يساهم في ذلك كل مكونات الائتلاف، وتثبيت تمثيل المكون الكردي والتركماني في الائتلاف بنسبة مئوية من كامل عدد الأعضاء.

سياسات الائتلاف.. تشكيل الحكومة المؤقتة و”حجب الثقة”

يتولى الائتلاف تحديد سياساته، ومن المهام الأساسية، إقرار السياسة العامة للائتلاف وخطط العمل ومتابعة تنفيذها، وإقرار النظام الأساسي للائتلاف وتعديله، وإصدار اللوائح الداخلية والنظم الإدارية والمالية للائتلاف.

ويضاف للمهام، تشكيل الحكومة المؤقتة وإقالة أعضائها مجتمعين أو منفردين ومحاسبتهم، وقبول استقالتها، والرقابة والإشراف على عمل كافة أجهزة الائتلاف والأجهزة والهيئات والمؤسسات التي يشكلها، والحق في إقرار أو إبطال أي قرارات تصدر عنهم، ومحاسبة أي من أعضاء الائتلاف ومساءلتهم، وذلك من خلال اللجنة القانونية (لجنة تشكل لكل واقعة).

ويمكن حجب الثقة عن أي من أعضاء الائتلاف عند إخلاله بشروط عضويته، بناء على تقرير لجنة المساءلة والمحاسبة والتي تشكل لهذا الخصوص، وقبول أو رفض استقالة أي من أعضاء الهيئة العامة للائتلاف أو إعفاؤهم، والعمل على جلب وتوفير الدعم المالي اللازم لتشغيل المكاتب المتخصصة والفنية وغيرها من أجهزة الائتلاف الأخرى.

شروط العضوية في الائتلاف

يشترط على الشخص ليكون عضواً في الائتلاف، أن يكون سورياً، وألا يقل عمره عن 22 عاماً، وأن يكون مشهوداً له بالوطنية والنزاهة والأمانة، وأن يكون شخصية تحظى بالقبول العام، وأن يكون ذا كفاءة سياسية أو تخصصية، ويتمتع بالأهلية القانونية.

ويشترط ألا يكون الشخص قد أدين بجرائم تتعلق بالأمانة والفساد من مؤسسات الثورة، حتى ولو صدر قرار بالعفو عنه، وأن يلتزم عضو الائتلاف بعدم القيام بأي عمل باسم المؤسسة دون تكليف رسمي مسبق، وعدم القيام بأي عمل يتعارض مع أهداف ومبادئ الائتلاف وخططه وسياساته وعمل هيئاته ومقرراته.

اختصاصات الحكومة المؤقتة وشروط العضوية

اقترحت المسودة حذف واحد من اختصاصات الحكومة المؤقتة، وهو “العمل على إسقاط النظام القائم ولا يجوز للحكومة أو أي من أعضائها الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام”.

ومن الصلاحيات المقترحة، العمل على بناء المؤسسات الحكومية وتطبيق الحوكمة الرشيدة وتقديم الخدمات للمواطن من خلال إدارة شؤون المناطق المحررة، وضمان وحدة وسيادة الأراضي السورية وسيادة القانون، والعمل على استرداد أموال الشعب السوري بالتنسيق مع اللجنة القانونية وتنفيذ ما يعهد إليها من أعمال أخرى من قبل الائتلاف.

ويشترط للعضوية في الحكومة أن يكون العضو سورياً ومتمتعاً بالأهلية القانونية الكاملة، ومن ذوي الخبرة والتخصص بالنسبة للوزارات المتخصصة، ومن حملة الإجازة الجامعية على الأقل، وأن يكون محمود السيرة وحسن السمعة ومشاركاً في الثورة السورية.

ويحق للائتلاف تعيين وإقالة رؤساء المؤسسات التابعة له أو الممثل لها والإشراف عليها، ومنها لجنة الحج، ووحدة تنسيق الدعم، وصندوق الائتمان، واللجنة السورية التركية المشتركة، وهيئة التفاوض، واللجنة الدستورية وغيرها، ووضع لوائح ناظمة لعملها وإدارتها.

المقترحات قيد النقاش

قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، عبد الباسط عبد اللطيف، إن الائتلاف شكل لجنة مؤلفة من ثمانية أعضاء لدراسة وتطوير النظام الأساسي للائتلاف بعد سنوات على إقراره، ضمن خطط الائتلاف الإصلاحية.

وأفاد عبد اللطيف في حديث لموقع تلفزيون سوريا، بأن اللجنة درست مواد النظام الأساسي، وتقدمت بمقترحات، ولكن بالنتيجة ذهبت جميع المقترحات للهيئة السياسية كذلك لدراستها وإقرار كل ما هو مفيد، ضمن ثوابت الثورة.

وأضاف: “ما يتم تداوله على صفحات التواصل هو مجرد توقعات وتكهنات، وعند انتهاء الهيئة السياسية من دراسة المسودة سيتم عرضها أيضاً على الهيئة العامة لإقرارها أو التعديل عليها، ما يعني أن المقترحات ما تزال قيد النقاش وقد تُقبل وقد ترفض أو يجري التعديل عليها، لكونها لم تقرّ بالهيئتين السياسية والعامة”.

ضغوط كبيرة في الائتلاف وتخوف من تعديلات شكلية

أفاد الباحث في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان، بأن التعديلات الواردة في المسودة، تحاول بالفعل تعديل ما بُني عليه الائتلاف، مضيفا أن على الائتلاف الحفاظ على قناعته بأن نظام الأسد غير قابل للتغيير أو المشاركة أو أن يتنازل ويغير سلوكه بناء على المفاوضات.

وذكر علوان في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن على الائتلاف الحفاظ على هوية الثورة السورية، بأنها تريد نظاماً تعددياً ديمقراطياً يحترم كرامة وحرية الإنسان، وهذا ما لا يمكن لنظام الأسد أن يكون شريكاً به أو جزءاً منه.

وأضاف أن المسودة لم تؤطر كتلة المستقلين، وهي أكبر الكتل في الائتلاف، إذ يجب أن يعالج النظام الجديد مرجعية ومدة التمثيل في هذه الكتلة، وأن يكون كل أعضائها مستقلين عن أي انتماء حزبي أو تنظيم سياسي، وأن يكون هناك وضوح في كيفية دخول العضو كمستقل إلى الائتلاف، وكم المدة، وآلية التبديل والتغيير في الكتلة.

وتحدث الباحث عن ضغوط كبيرة داخل الائتلاف من قبل كتله وأعضائه حول مقترحات الإصلاح، إذ تحاول كل كتلة سياسية أن تحافظ على مكتسباتها ضمن الائتلاف، وهذا ما قد يُحدِث بعض التخوفات، بأن تكون هذه التعديلات شكلية.

تلفزيون سوريا

———————————-

إصلاح الائتلاف..الضغائن والمطامع الشخصية أطاحت بالجلسة الأولى/ عقيل حسين

لا يبدو أن توجهات التغيير و”الإصلاح” الجديدة داخل الائتلاف السوري المعارض سيكون مسارها مختلفاً عن مسار المحاولات السابقة من حيث الصعوبة والتعقيد، بينما يبقى مصيرها معلقاً بانتظار ما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات بين كتل الائتلاف والتدخلات الخارجية.

وعلمت “المدن” من مصادر داخل الائتلاف أن الاجتماع الذي عقد الجمعة، وضم أعضاء من الهيئتين السياسية والعامة بهدف التوافق على التعديلات المقترحة على النظام الداخلي كان “فاشلاً” بسبب تمسك الكتل بمواقفها وشروطها التي تفرغ هذه المقترحات من أي مضمون.

وحسب المصادر فإن الاجتماع الذي كان يمهد لعرض التعديلات على التصويت في اجتماع الهيئة العامة المقرر الاثنين، لم يحقق أي تقدم في تقريب وجهات النظر، ما جعل رئيس الائتلاف سالم المسلط يوافق على أن تكون جلسة الاثنين عبر الانترنت بحجة “تفشي كورونا” ما يعني أنه لا يمكن أن تكون جلسة تصويت.

ويبدو أن موقف المسلط يزداد حرجاً خاصة وأن مطالب إصلاح الائتلاف تلحّ عليها تركيا، كما تقول مصادر “المدن”، وبالتالي لا يمكن الاكتفاء بإدخال تعديلات شكلية كما يريد بعض الأعضاء والقوى، وعليه فقد كان خيار التأجيل هو المخرج الوحيد أمامه، بانتظار المزيد من المفاوضات بين الكتل على أمل التوصل الى اتفاق يرضي الجميع.

جدل التعديلات المقترحة

عملية الإصلاح المطروحة حالياً تعتمد بشكل أساسي على إدخال تعديلات جوهرية في النظام الداخلي للائتلاف، وتركز بشكل كبير على خارطة التمثيل والعضوية، وهي المهمة التي تصدت لها لجنة مشتركة من الهيئة العامة والهيئة السياسية في المؤسسة على مدى الشهور الثلاثة الماضية.

وبالإضافة إلى هاتين الهيئتين، يتكون الإئتلاف من مكاتب الرئاسة التي تضم الرئيس ونائبين، وكذلك الأمانة العامة، وهي مكاتب تنتخب بشكل سنوي من الهيئة العامة التي تشمل جميع الأعضاء وعددهم 86 يمثلون 17 كتلة سياسية وإثنية وإدارية.

لكن التعديلات الجديدة التي اقترحتها اللجنة المؤلفة من ثمانية أعضاء، كان واضحاً سعيها إلى منح الكتل السياسية دوراً أكبر، من خلال التركيز على الأحزاب ومجالس المحافظات التمثيلية، لتكون بديلاً عن كتلتي المجالس المحلية والحراك الثوري.

والكتلتان الأخيرتان كانتا مثار جدل على مدى السنوات الاربعة الماضية على الأقل، اذ حافظ أعضاؤها على عضويتهم في الائتلاف رغم أنه لم يعد للكتلتين وجود حقيقي أو مرجعية.

لكن التعديلات المقترحة لا تطرح إلغاء عضوية ممثلي هاتين الكتلتين خشية المواجهة مع أعضائهما الذين باتوا يشكلون مركز ثقل قوي داخل الائتلاف كما يقول المصدر، بل تحويلهم ليكونوا ممثلين عن كتلة المستقلين، وهو ما تم التوافق عليه بين ممثلي المجالس والحراك وبين الأمين العام الأسبق للائتلاف بدر جاموس، كحل وسط.

بينما يرى آخرون أن كل التعديلات المقترحة، على صعيد العضوية والكتل، تستهدف في الحقيقة أعضاء هاتين الكتلتين “بهدف التخلص منهم” نتيجة التنافس أو الصراع بينهم وبين الكتل الأخرى.

ويذهب آخرون أبعد من ذلك، حيث يرى عضو سابق في الائتلاف أن المستهدف الأبرز في هذه التعديلات هو رئيسه السابق نصر الحريري، “الذي يدفع ثمن محاولاته تخليص المؤسسة من هيمنة الكتل والشخصيات النافذة فيها خلال فترة رئاسته”.

ويضيف العضو الذي طلب عدم الكشف عن اسمه في حديث ل”المدن”، أنه “من الواضح أن هذه الكتل والشخصيات والتي تعرف في أوساط المعارضة باسم ال(G4) بعد التحاق آخرين بها، بينهم رئيس الائتلاف الحالي سالم المسلط، تريد الانتقام من الحريري بسبب محاولاته السابقة تفكيك سطوتهم على المؤسسة، ومن الواضح أن هذا المسعى يعمل على الاستفادة من مطلب محق، وهو ضرورة الغاء الكتل التي لم تعد موجودة على أرض الواقع، من أجل تحقيق الهدف الحقيقي للقائمين عليه”.

لكن الكثيرين يرون أن تمسك أعضاء الكتل التي لم يعد لها وجود أو مرجعيات، بعضويتهم في الائتلاف أدى إلى ترهل المؤسسة وفقدان الثقة بها، وأعاق حتى الآن جميع محاولات الإصلاح السابقة، كما يهدد المحاولة التي تجري حالياً.

ويقترح معدو مسودة النظام الداخلي الجديد إعادة النظر بحجم كل الأحزاب الممثلة في المؤسسة، وكذلك فعالية وكفاءة جميع الأعضاء.

وتشترط المسودة ألا يقل عدد أعضاء أي حزب أو تجمع سياسي ممثل في الائتلاف عن 300 عضو من سبع محافظات على الأقل، كما تضع خمسة معايير يجب أن تنطبق على ممثل كل كتلة أو حزب، وتشمل الكفاءة السياسية والأهلية القانونية والفاعلية، وهي معايير واجهت انتقادات واسعة باعتبارها “فضفاضة” وغير منضبطة، ما يجعلها عرضة للتأويل والتلاعب والتوظيف.

وبالإضافة إلى التعديلات الإدارية، تقترح المسودة الجديدة للنظام الداخلي للائتلاف استبدال عبارة “إسقاط النظام” الواردة في النظام الحالي بعبارة “تغيير النظام”، وحذف مادة تنص على أن من مهام الحكومة المؤقتة للائتلاف “العمل على إسقاط النظام” الأمر الذي يرى فيه المراقبون استجابة للمتغييرات والضغوط السياسية الاقليمية والدولية، لكن اللافت أن هذه المقترحات لم تثر أي جدل.

وجدل الاصلاح..

وبينما يجزم البعض بعدم قابلية الائتلاف لأي إصلاح، يستبعد الكثيرون من المعارضين السوريين إمكانية نجاح محاولات الإصلاح المطروحة، ويقترحون آليات ومحددات أخرى تشمل تغييراً شاملاً في المؤسسة.

ويرى الكاتب والمعارض حسن النيفي أنه “مع استمرار الائتلاف بالانزياح عن الأجندة الوطنية والتماهي مع أجندات رعاته وأولياء أمره، حتى انتهى الائتلاف إلى أن يكون صاحب دور وظيفي أكثر منه مؤسسة ثورية، بات الإصلاح صعباً”.

ويقول ل”المدن”: “أعتقد أن السؤال المطروح لماذا الاصلاح الآن وليس قبل سنوات؟ يكشف جزءاً كبيراً من الحقيقة التي تشير إلى أن هذه المبادرة الارتجالية التي تسمى إصلاحاً، ليست أكثر من خطوة استباقية لندوة الدوحة التي يتخوف الائتلاف من أن تفضي الى جسم بديل”.

ويضيف “هناك طريقة واحدة يمكن أن تؤدي إلى إصلاح الائتلاف، وتتمثل بإفراغه من كل محتوياته السياسية والبشرية والإبقاء على اسمه فقط، ثم تتشكل لجنة تحضيرية بمشاركة أعضاء الائتلاف، وبالتنسيق مع مراكز بحثية وقانونية لتشكيل كادر جديد وفقاً لمعايير مدروسة، أما خطوة الائتلاف الراهنة فلا تعدو كونها ترقيعاً لثوب مهلهل لم يعد يحتمل الترقيع”.

المدن

——————————–

المعارضة السورية وضياع البوصلة/ علي العبدالله

لم يكن ما أعلنه مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، عن حيثيات الحل النهائي للصراع في سورية جديدا أو مفاجئا؛ ما جعل رد فعل المعارضة السورية ومؤسّساتها السياسية على تصريحه ناشزا ومستغربا، فقد كانت روسيا، منذ انطلاق ثورة الحرية والكرامة، ضد التغيير الديمقراطي المنشود، ومع بقاء النظام مع تعديلات طفيفة في بنيته؛ وقد عبّرت عن ذلك بصور وأشكال عديدة من استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن 16 مرّة، لحمايته من المساءلة والمعاقبة إلى المناورات حول فحوى القرارات الدولية، للدفع بتفسيرات تصبّ في مصلحته وبقائه إلى تدخلها العسكري عام 2015، واستثمار قدراتها الجوية الجبارة في ضرب فصائل المعارضة المسلحة وتشتيتها وتدمير أسلحتها البسيطة والاستحواذ على الأراضي التي كانت تسيطر عليها وقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية لإجبارهم على النزوح، مرورا بالعمل على تمزيق المعارضة السياسية وتفريق صفوفها وضربها بعضها ببعض عبر تشكيل المنصّات والمسارات السياسية الموازية لمسار جنيف الأممي، أستانة وسوتشي، بحيث تؤسّس لأمر واقع، يجعل بقاء النظام تحصيل حاصل. حديث المعارضة عن “انقلاب” روسيا على العملية السياسية وتدميرها ليس أكثر من إعلان رسمي عن انفصالها عن الواقع، وعيشها في الأحلام والأوهام الذاتية، وافتقارها قدرات الدرس والتقويم والتوقع والتخطيط لمراحل التفاوض بناء على تقديرات واقعية وتصوّرات عملية.

لم يكن تصريح المسؤول الروسي موجّها إلى المعارضة السورية، كي يبلغها رفضه تطلعاتها وتصوراتها، فلا جديد في مواقفها أو لديها مشاريع تنوي تنفيذها تستدعي إعادتها إلى جادّة “رشدها”، ووضع محدّدات لوقفها عند حدّها فمسيرتها لا تشير إلى احتمال التمرّد على خطط روسيا وبرامجها لإفراغ العملية السياسية من محتواها وإبعادها عن جوهر القرارات الدولية. للتصريح، بفحواه وتوقيته، وظيفة أخرى وعنوان آخر، هو نقلة على رقعة شطرنج الاشتباك الروسي الأميركي وامتداداته الجيوسياسية والجيواستراتيجية الذي جسّدته الضغوط المباشرة في البحر الأسود والحدود الروسية الأوكرانية وبحر البلطيق والحدود البيلاروسية البولندية: حشود عسكرية روسية ضخمة على الحدود الأوكرانية وتدريبات عسكرية وتجارب صاروخية وإنذارات سياسية مشفوعة بمطالب محددة من الجانب الروسي، ومناورات بحرية ضخمة وقرارات عسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وتهديدات بإجراءات قاسية في حال مهاجمة روسيا أوكرانيا، من الجانب الأميركي.

عكست الضغوط المتبادلة سعي الطرفين إلى تحقيق مكاسب جيوسياسية واستراتيجية. تريد روسيا دفع الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو إلى التراجع عن خطط تمدّد الحلف نحو حدودها الغربية، عبر سحب دعوته أوكرانيا وجورجيا إلى الانضمام إلى صفوفه وعدم نشر أسلحة متطورة في أراضي الدول التي التحقت بالحلف بعد عام 1997، دول شرق أوروبا، ما يعني، في حال تحقّقه، كسر اندفاعة التحالف الغربي وهزّ أسس النظام الدولي الحالي أحادي القطب والتمهيد لقيام بديل يرتكز إلى تعدّد الأقطاب تكون من ركائزه، في حين تحاول الولايات المتحدة حماية النظام الحالي الذي تجلس على قمته منفردة، عبر تطويق روسيا بضم أوكرانيا وجورجيا إلى صفوف الحلف وتركيز انتشارها العسكري في أوروبا في دول أوروبا الشرقية التي كانت جزءا من حلف وارسو؛ ما يجعل صواريخها تصل إلى الأراضي الروسية في عشر دقائق، وفق تصريح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، واحتواء الصين.

وقد قاد الرفض الأميركي للمطالب الروسية، كما عكسته مواقف حلف الناتو ودول الاتحاد الأوروبي، والمكالمتان الهاتفيتان بين الرئيسين، الأميركي بايدن والروسي بوتين، إلى رفع سقف الضغوط وتوسيع ساحة الاشتباك نحو ساحاتٍ أخرى، منها الساحة السورية، حيث يمكن قراءة تصريح المسؤول الروسي ردّا على مواقف وإجراءات أميركية: موافقة الكونغرس على ميزانية وزارة الدفاع (البنتاغون)، مع زيادتها بـ 25 مليار دولار عما طلبه بايدن، وقدرها 778 مليار دولار وضمنها بند لدعم أوكرانيا بـ 300 مليون دولار ومبلغ للتعاون في مجال الأمن مع دول البلطيق بـ 150 مليون دولار، واستهداف النظام السوري إن بتوقيع الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، قرار التقصّي عن ثروة رئيس النظام وأسرته وتحديد مقدارها ومصدرها، وتحرّك الإدارة الأميركية لمنع التطبيع مع النظام وتأهيله ومنع إعادته إلى جامعة الدول العربية ومساءلته عن أفعاله خلال العشرية الماضية، والنظر بعين الرضا إلى الغارات الإسرائيلية المتلاحقة على المواقع الإيرانية على الأرض السورية؛ وتعضيد الموقف التركي في شمال غرب سورية في مواجهة الضغوط الروسية والإيرانية وتخصيص مبلغ 300 مليون دولار من ميزانية الدفاع لدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)؛ مرفقا بإعلان عن بقاء القوات الأميركية شرق الفرات، وفتح شيوخ في الكونغرس ملف صناعة حبوب الكبتاغون المخدّرة وتصديرها، والدعوة إلى وضعه على جدول أعمال الإدارة. وتنطوي الإجراءات في الملف السوري على استهداف خطة روسيا لتعويم رئيس النظام، ولعرقلة مسار أستانة، عبر بقاء القوات الأميركية على الأرض السورية.

وقد واكبت تصريح المسؤول الروسي، مواقف وإعلانات روسية: إعلان بوتين، في برقيته لتهنئة رئيس النظام السوري بمناسبة رأس السنة الميلادية “أن بلاده ستواصل تقديم الدعم الشامل لسورية الصديقة في الحرب ضد الإرهاب الدولي، وكذلك في ضمان تسوية سياسية شاملة وإعادة الإعمار بعد الصراع”، وتهديد لافرنتييف نفسه بعدم تمديد آلية إدخال المساعدات الدولية عبر الحدود ما لم يتعامل الغرب مع النظام السوري ويرسل المساعدات إلى دمشق ليتم توزيعها منها؛ وأن يقدّم له مساعدات في إطار الإنعاش المبكر لإعادة مرافق دعم الحياة، والطاقة، وخطوط الكهرباء، ومحطّات ضخ المياه، ومرافق الرعاية الصحية، والمدارس، كل المساعدات التي تصل إلى سورية يجب أن تدخل عبر السلطات الشرعية، فالسلام في سورية مرتبطٌ بتحقيق السيادة الكاملة للحكومة السورية، وفق تصريحه، توسيع القاعدة الجوية في حميميم وتطويل مدرّجاتها كي تصبح مناسبةً لهبوط (وإقلاع) طائرات النقل الثقيلة وقاذفات نووية استراتيجية، التلويح بنشر صواريخ “تسيركون” في ميناء طرطوس لتغطية حوض البحر الأبيض المتوسط، وفق إعلان رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، أندريه كارتابولوف، وتعزيز وجودها في مطار القامشلي بزيادة عدد الطائرات إلى 24 طائرة من طرازات مختلفة، سوخوي 34 وميغ 29 ومروحيات هجومية، وطائرات للإنذار المبكر والتشويش ومنظومات تشويش خاصة بالحرب الإلكترونية، إجراء مناورات عسكرية مع قوات النظام في بادية السويداء على مدى أسبوع، بالقرب من القاعدة الأميركية في التنف، باستخدام الذخيرة الحية؛ تضمّنت تدريبات “تحاكي الحروب الصحراوية ومواجهات مع الجماعات المسلحة المدعومة من واشنطن التي تنتشر في البادية السورية”، وفق مصدر عسكري من قوات النظام. هذه المواقف والإعلانات المتبادلة جزء من عملية عضّ أصابع للضغط من أجل ثني روسيا عن مهاجمة أوكرانيا بالنسبة للولايات المتحدة، ومن أجل الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها لتلبية مطالب روسيا في أوكرانيا وشرق أوروبا.

لا يلغي هذا حق المعارضة السورية في الردّ على الموقف الروسي ورفضه وإدانته، ولكن ليس باعتباره انقلابا على العملية السياسية وتدخلا في الشؤون السورية، كما قالت، بل باعتباره جزءا من مخطّط لزج سورية في صراع دولي واسع، باستخدام أراضيها للمناورات العسكرية والسياسية، ما يحوّلها إلى بؤرة صراع مديد، ويربط مستقبلها بالمصالح الروسية باستمرار احتلالها جزءا مهما من أراضيها واستغلال مواردها، من دون استبعاد تحويلها إلى ساحة معركة إقليمية دولية يدفع شعبها أثمانا باهظة من أبنائه وموارده، والرد على ذلك بإعادة تقويم موقفها من العملية السياسية واتخاذ موقف عملي من مساري أستانة وسوتشي؛ والتمسّك بمسار جنيف والمطالبة بفتح كل السلال لمفاوضات متواصلة، حتى إنجاز الهدف بتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة.

العربي الجديد

——————————–

محاولات إنعاش الائتلاف الوطني السوري: حظوظ النجاح متواضعة/ أمين العاصي

يحاول الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إدخال تعديلات على نظامه الأساسي، في محاولة جديدة لتحسين موقعه في المعادلة السياسية، في ظل تحركات طفت على السطح من أجنحة سياسية معارضة لتشكيل منصات جديدة، وهو ما يشكل تحدياً للائتلاف الساعي لاستعادة ثقة الشارع السوري المعارض.

وأكد رئيس الائتلاف سالم المسلط، في تصريحات صحافية، أول من أمس الإثنين، وجود تحرك داخل هذا الائتلاف بهدف إنعاشه وتطوير أدائه، بعد نحو عشر سنوات من تشكيله.

وأشار إلى أن الائتلاف يسعى لإصلاح علاقاته مع المجتمع الدولي وخصوصاً المحيط العربي، ومع “الحاضنة الشعبية” في الداخل السوري، لافتاً إلى أن الائتلاف ماضٍ في إعادة تشكيل لجنة العضوية وإعطائها الصلاحيات الكافية للنظر بطلبات العضوية المقدمة في السابق، وقرارات الاستبدال المقدمة من مكونات الائتلاف.

تعديل نظام الائتلاف

وأوضح المسلط، الذي تولى رئاسة الائتلاف في منتصف العام الماضي، أنه شُكّلت “لجنة تحضيرية من أعضاء الائتلاف كي تعمل على تنظيم لقاءات تشاورية مع المكونات السياسية والاجتماعية السورية التي تمثل شرائح متعددة من السوريين الموجودين في المناطق المحررة في مناطق شرق وشمال حلب، ورأس العين، شمال الحسكة”.

وكان الائتلاف قد أكد في اليوم الأخير من العام الماضي، نيّته “إطلاق المؤتمر الموسع في المناطق المحررة، والذي ستشارك فيه أطياف واسعة من المكونات والفعاليات الثورية والمدنية”.

وأكد أمين سر اللجنة السياسية في الائتلاف الوطني السوري عبد المجيد بركات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المداولات لتعديل نظام الائتلاف جارية”، مشيراً إلى أن هذه التعديلات “ستطرح على اللجنة السياسية الخميس المقبل، وأن عملية الإصلاح تحتاج بعض الوقت”.

وكان الائتلاف قد أُسس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 في العاصمة القطرية الدوحة في ذروة الحراك الثوري في سورية، ليكون الممثل الشرعي والوحيد للثورة السورية، ونال اعترافاً وترحيباً إقليمياً ودولياً، ولكنه مع مرور السنوات فقد الكثير من بريقه السياسي.

وجرت خلال السنوات الماضية محاولات للإصلاح، وتم ضم مكونات جديدة إليه، منها “رابطة الأكراد المستقلين”، في محاولة لتوسيع دائرة التمثيل الكردي، إضافة إلى “مجلس القبائل والعشائر السورية”، والذي تأسس أواخر عام 2018 في مدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي.

كما عيّن الائتلاف دبلوماسيين منشقين عن النظام ممثلين عنه في دول الاتحاد الأوروبي، وضم شخصيات من الأقليات المذهبية في سورية.

ووفق دراسة لمركز “جسور” للدراسات صدرت حديثاً، يتكوّن الائتلاف من عدة مكونات سياسية، هي: حركة الإخوان المسلمين، ولها ثلاثة ممثلين، والمجلس الوطني الكردي وله 11 ممثلاً، والمجلس الوطني التركماني وله سبعة ممثلين، والمجالس المحلية ممثلة بتسعة أعضاء.

ويضم الائتلاف أيضاً مجلس القبائل والعشائر وله ستة أعضاء، والحراك الثوري بخمسة أعضاء، والتيار الوطني وله ممثلان، وكذلك حركة العمل الوطني بممثلين اثنين، وتيار المستقبل بنفس المستوى من التمثيل، إضافة إلى “رابطة الأكراد” المستقلين، والتجمع الوطني، ورابطة العلماء، والكتلة الوطنية، والمنظمة الآثورية، وكل هذه المكونات لها ممثل واحد في الائتلاف.

وتعد كتلة المستقلين هي الأكبر في الائتلاف، ولها 18 ممثلاً، تليها الكتلة العسكرية ولها 15 ممثلاً.

ولا ينظر الشارع السوري المعارض بعين الرضا إلى الائتلاف الوطني بسبب ترهل أدائه السياسي، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من أن الائتلاف ما زال متمسكاً حتى اللحظة بالثوابت الثورية، وفي مقدمتها عدم الاعتراف بالنظام الحالي، ورفض أي دور لبشار الأسد وأركان حكمه في مستقبل سورية.

وبقيت شخصيات عدة في واجهة الائتلاف منذ تأسيسه قبل نحو عشر سنوات، وهو ما أفقد الائتلاف الدينامية السياسية، ولم يؤسس لعمل سياسي منظم يقوم على التغيير المتواصل للاستفادة من كل الطاقات.

وغادرت الائتلاف العديد من الشخصيات صاحبة الخبرة السياسية والتاريخ النضالي ضد النظام السوري بسبب فقدان الأمل بتجديد الأداء ليرقى إلى مستوى التحديات التي تواجه القضية السورية والتي تهدد بتمييع هذه القضية وإفراغها من مضمونها.

ولم يؤدِ الائتلاف الدور المرجو منه، تحديداً لجهة ضبط البنادق، إذ لا تزال فصائل المعارضة غير خاضعة على الإطلاق للقرار السياسي، وهو ما أدى إلى فوضى السلاح في المناطق الخاضعة لها في الشمال السوري.

وتتزامن محاولات الإصلاح هذه مع أكثر من حراك في أجنحة المعارضة المختلفة، ويقود رئيس الوزراء السوري الأسبق رياض حجاب، الذي انشق عن النظام في 2012، حراكاً لعقد “ندوة” في فبراير/ شباط المقبل، من المقرر دعوة العديد من الشخصيات السورية المعارضة من مختلف التيارات للمشاركة في جلساتها التي ستعقد في الدوحة.

وربما تتمخض هذه الندوة عن منصة سياسية جديدة يكون لها دور بارز في المشهد السوري المعارض.

وفي السياق، قطع “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، الواجهة السياسية لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، أشواطاً في طريق الدعوة إلى مؤتمر “القوى والشخصيات الديمقراطية” السورية، المقرر عقده في العام الحالي.

وتفرض هذه التحركات على الائتلاف الوطني السوري تحديات سياسية جديدة قد تُفقده أهميته السياسية وكونه العنوان السياسي الأهم لقوى الثورة والمعارضة السورية.

فشل الائتلاف في أداء الدورين الخدمي والقانوني

ورأى الباحث السياسي في مركز “الحوار السوري” أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الائتلاف كانت له عدة أدوار مناطة به، منها دور سياسي وآخر قانوني، ودور خدمي”، معرباً عن اعتقاده بأن الائتلاف “لم يستطع أداء الدورين الخدمي والقانوني”.

وتابع: “كان الائتلاف انعكاساً للتوازنات الدولية في الملف السياسي، وهذا لا يعفيه من الفشل في تمثيل قوى الثورة والمعارضة بالشكل الأفضل”.

ولفت إلى أن دور الائتلاف في التمثيل السياسي لقوى الثورة والمعارضة ضعيف وهامشي محصور في هيئة التفاوض.

وحول محاولات الإصلاح، أشار القربي إلى أن “الدور الأكبر في هذا الأمر إقليمي ودولي”، مضيفاً أن “مسألة المحاصصة بين المكونات داخل الائتلاف يمكن تحقيق نجاح فيها على مستوى التمثيل واستيعاب مكونات جديدة”.

واستبعد القربي انعكاس ذلك على أداء الائتلاف السياسي، معتبراً أن “القوى الإقليمية والدولية هي اللاعبة في المعادلة السورية، والأمر غير مرتبط بإصلاح الائتلاف من عدمه. وليس هناك دفع إقليمي أو دولي لإصلاح الائتلاف”.

ورأى أن “هناك بيئة إقليمية مواتية يجب على الائتلاف أن يستغلها لتحسين موقعه، خصوصاً لجهة وجود تقارب تركي خليجي، وتركي مصري”.

العربي الجديد

————————————-

=================

تحديث 19 كانون الثاني 2022

——————

حول جدوى استمرار المعارضة في اللجنة الدستورية/ سمير سعيفان

يدور جدل واسع وحاد، حول جدوى استمرار مشاركة المعارضة في مفاوضات اللجنة الدستورية، وينقسم السوريون المعارضون في هذا الشأن؛ فبعضهم يرى ضرورة الاستمرار في  هذه اللجنة رغم انها لا تنتج شيئًا، ولهم حججهم، وبعضهم الآخر يدعو إلى انسحاب المعارضة منها، أو إلى تعليق مشاركتهم فيها إلى أن تكون المفاوضات مجدية، ولهم حججهم أيضًا.

1) حجج المدافعين عن استمرار مشاركة المعارضة في  اللجنة الدستورية

أ- اللجنة الدستورية تعدّ مشروع الدستور، وهو جزء من العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف تنفيذًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

ب- تشكل المفاوضات منصّة للتواصل الرسمي مع الأطراف الدولية التي تتحكم في الملفّ السوري، ومنبرًا للتوجّه إلى الأطراف الدولية لنقل صورة الأوضاع وإبراز جوانب تغيب عن أعينهم وأذهانهم، أو يتجاهلونها عمدًا؛ فتكون المفاوضات مناسَبةً لإعادة طرح هذه الجوانب وطرح قضايا المعتقلين والمغيبين وغيرها، ولتقديم بعض الأفكار والمقترحات. ومن غير المفيد فقدان هذا المنبر، فقد يأتي يوم يصل فيه اللاعبون الدوليون إلى توافق على حلّ سياسي في سورية، وحينئذ ستظهر أهمية استمرار هذا المنبر. والانسحاب من المفاوضات أسوأ من الاستمرار فيها، لعدم وجود بديل، ولكونه يُكسب المعارضة سمعة سلبية. ومن الأجدى الاستمرار في ملفّ المفاوضات، وهذا لا يمنع العمل من أجل بديل آخر.

ت- في 2015 و 2016، أعلنت المعارضة تجميد مشاركتها في المفاوضات، بسبب عدم إحراز أي تقدّم، ولكن هذا لم يأتِ بأي نفع على المعارضة، وخلال هذه الفترة سقطت حلب.

ث- لم تدعم الولايات المتحدة المعارضةَ بقوةٍ كي تنتصر سوى في الشهور الأولى، ثم بدأ موقفها يتراجع ويغدو رخوًا، بعد تجربة ليبيا، حيث أدى إسقاط القذافي إلى تحوّل ليبيا إلى ساحة للفوضى تتصارع فيها فصائل مسلحة سلفية، قامت بقتل السفير الأميركي في بنغازي، في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، بالرغم من أن السلاح الأميركي هو من أسقط القذافي. ومع تزايد نفوذ التوجهات السلفية والجهادية في صفوف المعارضة السورية، تسارع تراجع الدعم السياسي الدولي للانتفاضة السوريةـ

ج- اليوم، باتت الولايات المتحدة ومعها أوروبا تنظر إلى الملف السوري من زاوية مكافحة الإرهاب والجانب الإنساني، ودعم حزب PYD في شمال شرق سورية، وتريد أن تحافظ على وقف إطلاق النار، وإنْ كان يُخرق بشكل محدود من قبل النظام وروسيا. وقد وافقت إدارة بايدن على طلبات روسيا بالتعافي المبكر، وتُبدي تراخيًا واضحًا في تطبيق قانون قيصر، وتطرح شعار تغيير سلوك النظام، وهذا يعني بقاء النظام، بالرغم من أن الإدارة الأميركية تعلم أنه يستحيل تغيير سلوك النظام، وهو الذي لم يغيّر سلوكه أيام شارف على السقوط، بين صيف 2011 و 2015.

ح- مسار اللجنة الدستورية تم بتوافق روسي أميركي، ويتطلب تغييره تغيير موقف الإدارة الأميركية أولًا تجاه الاستمرار، بعد أن ثبت أنه مغلق ولا يؤدي إلى أي نتيجة، فالولايات المتحدة وأوروبا لا تؤيدان انسحاب المعارضة من مفاوضات الدستورية اليوم، إذ ليس لديها بديل، بينما تعني المفاوضات بالنسبة إليها “أن ثمة شيئًا يتم على جبهة الحرب السورية”.

خ- إيران وروسيا تدعمان النظام بكل قوة، على حين أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تدعمان المعارضة بتلك القوة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن تنفيذًا مخلصًا. حتى الداعمون العرب والداعمون الإقليميون قد دعموا المعارضة، لكن كلٌّ وفق حساباته الخاصة.

د- تتمنى روسيا أن تقوم المعارضة بتجميد مشاركتها أو بالانسحاب كليًا من المفاوضات، وتنتظر ذلك، فهذا سيعفي روسيا من حرج اتهامها بأن النظام يُعطّل المفاوضات، ويحوّل الاتهام نحو المعارضة، مما يرفع الحرج عنها واتهامها بأنها تشجع النظام سرًا على عدم التقدّم في ملفّ المفاوضات.

ذ- اللجنة الدستورية صدرت بقرار من الأمين العام، مما يمنح أعضاءها استقلالية ذاتية، حيث لم ينص القرار على أن تسمية ممثلي كلّ طرف في اللجنة الدستورية واستبداله كأمر ملزم. وسيحتاج إلى قرار من الأمين العام للأمم المتحدة.

ر- في حال الانسحاب، فلن ينسحب جميع أعضاء وفد المعارضة في هيئة التفاوض، ولن يعلن بعض أعضائه ذلك، إضافة إلى منصتي موسكو والقاهرة، وربما لا تُعلن أطرافٌ في المجلس الوطني الكردي ومستقلون انسحابهم، وسيخلق هذا شرخًا وانقسامًا في وفد المعارضة، وستستغل موسكو ذلك، وستترك ملف المفاوضات مغلقًا، وستسارع لاستغلاله لتبييض صفحة النظام.

2) حجج المعارضين لاستمرار مشاركة المعارضة في اللجنة الدستورية:

أ- ثبت عدم جدوى مسار اللجنة الدستورية، وأنها لن تفضي إلى شيء، وأن النظام وروسيا مصممون على أن لا تنتج أي حل للكارثة السورية.

ب- روسيا والنظام وإيران يستغلون المفاوضات، لشراء الوقت وإلهاء المجتمع الدولي، بأن ثمة جهودًا تبذل، بما يغلق طريق العودة لمسار جنيف أو البحث عن مسار آخر.

ت- اللجنة الدستورية هي جزء من سلسة تنازلات متدرجة، فمن بيان جنيف 2012 الذي يضمن حدوث انتقال سياسي شراكة مع النظام، وقد كان الائتلاف هو الطرف المعارض الوحيد مقابل النظام، ثم إلى القرار 2254 الذي جاءت صيغته أضعف من بيان جنيف، وخاصة استبدال صيغة “هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية”، بصيغة مائعة تتحدث عن إقامة “حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية”. ثم فرض تشكيل هيئة مفاوضات في كانون الأول/ ديسمبر 2015، كطرف مفاوض، بدلًا من الائتلاف، وقد ضمّت الهيئة أطرافًا أخرى أقلّ راديكالية في موقفها من التغيير السياسي في سورية، كما جعلت الوفد المعارض يفقد وحدته ويجعله بعدة أجسام وعدة رؤوس وبسقوف سياسية متباينة، حيث ضمَّت الهيئة العليا للمفاوضات هيئة التنسيق ومنصتي القاهرة وموسكو وأطرافًا مدنية مستقلة، بعضها رمادي.

ث- قبول المعارضة للمقترح الروسي بالدخول في مفاوضات اللجنة الدستورية، والتي ينظر إليها الروس كبديل تام للقرار 2254، يُشكل تراجعًا كبيرًا آخر، وبالرغم من ذلك، فإن هذه اللجنة لم ولن تحقق أي تقدم، نتيجة تعنّت النظام بدعم روسي على عدم التحرك للأمام.

ج- إن استمرار المعارضة في المفاوضات هو خطأ سياسي، وفيه تفريط بتضحيات الشعب السوري، وهي مكسب صاف للنظام.

ح- انسحاب المعارضة من مفاوضات اللجنة الدستورية التي لم ولن تُحرز أي تقدم، سيدفع الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى العودة لمسار جنيف بشموله، وربما البحث عن مسار آخر كبديل عن طريق اللجنة الدستورية المغلق.

خ- إن الاستمرار في مفاوضات اللجنة الدستورية، بحجة “عدم وجود بديل، وأن الانسحاب منها أسوأ من الاستمرار فيها”، إنما هو حجة عاجزة، لأن مسارها الهابط لن يتوقف، ويجعل مشاركة المعارضة تضفي طابعًا شرعيًا سوريًا على نتائج هذا المسار الهابط، ويجعل من المعارضة شاهد زور على موتها هي كمعارضة، وموت مطالب الشعب السوري بالتغيير، وروسيا حريصة على استمرار مشاركة المعارضة، كي تقول “إن ممثلي أصحاب القضية راضون”، وهي حجة تحتاج إليها روسيا أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة، على حين أن انسحاب المعارضة يفقد روسيا هذا السلاح الفتاك الذي يفتك بالمعارضة وبقضية الشعب السوري. وشتان بين نتائج الاستمرار ونتائج الانسحاب.

د- ليس المطلوب الانسحاب من عملية المفاوضات ككل، بل المطلوب رفض الاستمرار في اللجنة الدستورية، والإصرار على العودة إلى مفاوضات شاملة، حول كل ما جاء في بيان 2254 وبيان جنيف 2012، ويمكن أن تكون اللجنة الدستورية أحد الملفات التي يتم التفاوض حولها، ولكن الأهم أن يتم التفاوض حول هيئة الحكم الانتقالي والمعتقلين والمغيبين واللاجئين والمنشقين والميليشيات الأجنبية والحكومة الانتقالية، وغير ذلك من موضوعات كثيرة باتجاه صياغة سورية الجديدة.

ذ- اللجنة الدستورية هي درجة من درجات السلّم الهابط بمطالب انتفاضة الشعب السوري، وهي مقترح روسي، غايته حذف أي شيء له علاقة بانتقال سياسي، ويعدّها الروس تنفيذًا للقرار 2254 والقرار 2218 وبيان جنيف وكلّ ما له علاقة من قرارات أممية بسورية. وما لم يتم مواجهة توجهات الروس بجهد أميركي مواز، فإن إرادة الروس ستكون هي من يقرر مستقبل سورية، وستلقي بتضحيات الشعب السوري وبمطالب التغيير في القمامة، وعندما يقبل مَن “يمثل السوريين” باللجنة الدستورية، فإن الدول الأخرى المتحكمة في الملف السوري لن تكون مَلكية أكثر من الملك، في حال رأت في ذلك مصلحتها. لذا فموقف قوى المعارضة والتغيير في سورية والانسحاب من اللجنة الدستورية هو نقطة التحول نحو العودة إلى المطالب المشروعة للشعب السوري بالتغيير بعد ستة عقود من استبداد نظام البعث-الأسد.

3) الواقعية والمسؤولية تحدد المواقف السياسية وتوجهها:

أ- تتسم السياسة بواقعية شديدة، وفي الحرب يفرض المنتصر شروطه، وإن المعارضة -لأسباب كثيرة بعضها يعود لها، وبعضها يعود لإرادات عربية وإقليمية ودولية- قد خسرت الكثير، مع أنها صاحبة حق، ولا يمكن تجاهل ذلك، ولا ينفع التصرّف وكأنها فائزة.

ب- من جهة أخرى، عندما تكون صاحب حق ومشروعية، وتخسر، فعليك ألا تستسلم، وإن كان لا بد من خسارتك، فاعرف كيف تخسر، واعرف كيف تحافظ على جذوة نار قضيتك من أجل المستقبل، فلا تقر لعدوك بانتصاره مقابل الفتات، (هذا كان الخطأ القاتل لياسر عرفات في اتفاق أوسلو 1993)، ولا يجوز الإغراق بالواقعية، لأنها تتحول إلى استسلام وخيانة للقضية.

ت- لكن عندما يطالب البعض المعارضة باتخاذ موقف يستجيب لتطلعات الشعب السوري الذي انتفض في 2011 وقدّم تضحيات غير مسبوقة في القرن العشرين، ثم لم ينل حتى الآن سوى العسف والجور والعذاب، فإن اتخاذ المواقف له متطلبات، ولا تكفي الرغبات، وهنا سنلجأ إلى بعض التحليل عودة لماضي السنوات العشر لاستخلاص دروس المستقبل.

4) عودة إلى الماضي لاستخلاص دروس المستقبل:

في الواقع، تهيأت ظروف كانت ستحقق للمعارضة كامل عناصر القوة الصلبة والناعمة التي كانت ستمكنها من حسم الصراع قبل نهاية 2012. وكان بالإمكان أن يتحقق التالي:

أ- بناء تنظيم سياسي واسع له امتداد عميق في الشعب السوري وحاضنة شعبية تلتف حول القيادة السياسية لهذا التنظيم، ما يشبه منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، قبل أوسلو.

ب- بناء قوة عسكرية واحدة قوية منظمة تخضع لمركز قيادي واحد، يخضع للقيادة السياسية، بدًلا من فصائل مشرذمة زاد عدد فصائلها على المئات، في بعض الأوقات، ولم تكن تخضع لمركز قيادي واحد ولا للقيادة السياسية، مما شتت جهودها وسهّل السيطرة عليها وتوجيهها بما لم يخدم أخيرًا قضية الشعب السوري.

ت- السيطرة على مصادر تمويل محلية أولًأ من حقوق النفط والمعابر والضرائب المحلية، والسيطرة على  مصادر الإمداد بالسلاح، وجعلها بيد القيادة السياسية العسكرية الموحدةوتأسيس صندوق مركزي واحد بيد  القيادة المركزية السياسية والعسكرية

ث- امتلاك ذراع إعلامي نشيط وفعال يقوم بدوره على وجه جيّد، وقد بقي هذا الجانب ضعيفًا وما زال كذلك حتى اليوم.

ج- امتلاك ذراع دبلوماسي يتواصل مع الخارجيات والأحزاب ومراكز القوى في البلدان المؤثرة في الملف السوري

ح- بناء تنظيمات سياسية ومدنية محلية، في أماكن وجود السوريين، تقوم بأعمال ونشاطات وعلاقات محلية وحملات وغيرها، بحسب توجيه قياداتها المركزية.

خ- تأسيس مركز دراسات يحوي اختصاصات منوعة، ويتابع ما يجري على جبهات الصراع العسكري والسياسي والإعلامي والمجتمعي، ويطور سيناريوهات متعددة

د- القيام بدراسات وتحليلات تنتج معرفة جيدة بالخصم وبنقاط قوته وضعفه وبأساليب عمله واستراتيجيته وتكتيكاته.

ذ- رسم رؤية استراتيجية معارضة واضحة،

ر- امتلاك كوادر في جميع هذه الميادين، وقد توفر كوادر كثيرة راغبة في تقديم مساهماتها.

5) ما جرى هو عكس كل هذا:

أ- في الواقع، لم يتوفر للمعارضة سوى القليل من كل هذا، فلم يكن لديها قيادة قادرة تمتلك أدوات كافية، وإن كان الائتلاف قد حصل على اعتراف بتمثيله للمعارضة، وهذا ما يجب التمسك به وعدم التفريط فيه، ولكنه لم يكن يشكّل بذاته تنظيمًا سياسيًا واسعًا، ولا سيطرة له على الفصائل التي ما زالت مشرذمة ولا تندمج في جيش وطني واحد له قيادة واحدة وبنية هرمية ونظام أوامري مركزي واحد، وقد ساءت سمعة الفصائل إلى حد بعيد، ولا يسيطر الائتلاف على مصادر التسليح ولا على مصادر التمويل، ولم يكن له ميزانية كافية للقيام بما يكفي من نشاطات، ولا ما يكفي لتأسيس فرق عمل تخصصية أو مكانية، ولا مصادر لبناء إدارات محلية يسيطر عليها ويديرها، وثمة مؤشر صغير على وضع الائتلاف بأنه لا يملك حسابًا مصرفيًا، لأنه ما زال جسمًا غير قانوني، وفق الأنظمة السائدة في تركيا أو في غيرها.

ب- حتى الحكومة المؤقتة لم تكن تملك ما يكفي من موارد، ولم ولا يسمح لها بالسيطرة حتى على موارد كافة المعابر، وبذلك شكّل نقص التمويل، مع ضعف العمل المؤسسي وضعف التمويل، مقتلًا للعمل المعارض

ت- من خلال استعراض مسار الصراع خلال السنوات العشر الماضية، يبدو أن ثمة فيتو على تحقيق هذه الشروط العملية، التي كانت ستضمن سقوط النظام وتحقيق انتقال سياسي إلى نظام سياسي قبل نهاية 2012، وحينذاك لن يكون ثمة بيان جنيف في 30 حزيران 2012، أو سيكون بشكل مختلف لا يتضمن أي مشاركة للنظام القائم في البناء الجديد للدولة السورية، لأن تحقيق هذه الشروط سيؤدي إلى خلق قطب معارض قوي وموحّد سياسيًا، ذا ولاء شعبي واسع، ويكون قويًّا ومنظمًا وموحدًا عسكريًا، ويعمل على نحو مؤسسي، وقادرًا على إدارة انتقال سياسي في سورية إلى نظام ديمقراطي تعددي، يقوم على تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، في مناخ من سيادة الحريات العامة في التعبير والتنظيم وقيم المواطنة المتساوية، تحقيقًا لشعار الانتفاضة “الله سورية حرية”، و “الشعب السوري واحد”. نعم. فقد استنتج العديد من المراقبين والدارسين ومن المشاركين في النشاط السياسي والعسكري أن ثمة فيتو دولي على تشكيل جيش وطني واحد، وفيتو على تشكيل جسم سياسي واسع التمثيل وواسع الشعبية، ويقوم هذا الاستنتاج على وقائع كثيرة، وعلى منطق أن هناك دولًا بإمكانيات مالية وعسكرية وسياسية كبيرة قد تولت رعاية المعارضة منذ صيف 2011 وتعاظمت في سنة 2012، وهي تدرك تمامًا أهمية ما نقول. ومن الصعب تصوّر أن تعقد مؤتمرات دولية عدة شارك فيها أكثر من 120 دولة في العالم، بينها أقوى دول العالم، داعمة للمعارضة ولمطامح الشعب السوري في الانتقال السياسي، ثم تعجز هذه المعارضة التي ضمت إليها منذ صيف 2012 أكثر من 150 ألف مقاتل، وكان النظام يخسر كل يوم بعض مواقعه، وقد تقلصت سيطرته إلى أقل من ربع مساحة البلاد وسكان البلاد. ويبقى السؤال حتى اليوم: أما زال الفيتو موجودًا ويمنع تشكيل جيش وطني واحد موحد وقيام تنظيم سياسي واحد واسع بانتشار شعبي واسع وينتظم فيه خيرة كوادر سورية من المعتدلين من مختلف التوجهات، وهم غالبية الكوادر من السوريين ويكسب غالبية الشعب السوري، والذين يؤمنون جميعًا بالديمقراطية والنظام الديمقراطي، أي المعتدلين العلمانيين والمعتدلين الليبراليين والمعتدلين القوميين والمعتدلين الإسلاميين؟ سؤال ما زال ينتظر جوابًا.

ث- اليوم، تضع الظروف السائدة ومواقف اللاعبين الائتلافَ وهيئة المفاوضات في وضع يصعب عليها أن تعرف ما تريد، فإراداتها ليست حرة، وهي في وضع الآن لا تستطيع معه تحديد ما تريد، وليس لديها أي استراتيجية سوى الاستسلام للواقع والقبول والمشاركة في المفاوضات، بدافع أنه لا يوجد بديل، وعلى أمل أن يدعمها المجتمع الدولي بالضغط كي تجبر روسيا النظام على تنفيذ القرار 2254 والانتقال إلى نظام سياسي جديد، غير أن هذا ما زال أملًا، بعد كل هذه السنين. وبالتأكيد هذه وصفة للخسارة المؤكدة، خسارة كل شيء.

6) بالمقابل على جبهة النظام وداعميه:

أ- بالمقابل، كان لدى النظام مركز قيادي واحد وكلمة واحدة تسيطر على كل شيء، حتى مع دخول روسيا وإيران بقي التنسيق قائمًا، وكان النظام يعرف ما يريد، وحدد شعاره أن لا شيء للمعارضة، ولو كان أبسط تنازل ضمن شعار “كل شيء او لا شيء”، وقد بقي متمسكًا بهذا الهدف البسيط والواضح حتى في ساعات كان فيها قريبًا من السقوط، وسيبقى متمسكًا بهذا الشعار.

ب- رسم النظام وحلفاؤه استراتيجية تقول بالاستمرار في المفاوضات شكليًا، مع عرقلة تحقيق أي تقدم عمليًا.

ت- قرارات مجلس الأمن يفسّرها الروس بطريقة تفرغها من محتواها، وتضغط لفرض هذا التفسير، بينما تتراخى الولايات المتحدة مقابل الضغط الروسي، ويستعمل الروس حجة أن المعارضة السياسية مشتتة مشرذمة وغير قادرة على إدارة سورية في حال رحيل النظام.

ث- الأمم المتحدة لاعب مستقل شكليًا، ولكنها تخضع لضغوط الأعضاء الأقوياء فيها، وخاصة الأعضاء الدائمين الخمسة، وإن الوسط الأممي لتيسير المفاوضات بين النظام والمعارضة يحدد موقفه بحسب الضغوط التي تمارس عليه من اللاعبين الكبار، كما تلعب ميوله الشخصية دورًا بقدر ما تسمح به الظروف، ويلاحظ أن المندوبَين الأولين: كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، قد كانا أكثر موضوعية في النظر للحرب السورية، وفضّلا الاستقالة عندما اقتنعا بأن النظام وروسيا مصممين على عدم إحراز أي تقدم، مما يجعل عملية المفاوضات نوعًا من خداع الشعب السوري، أما المندوبان الأخيران: ديمستورا وبيدرسون، فقد كانا ميالين إلى النظام بحكم الضغوط الروسية القوية التي لا تقابلها ضغوط أميركية موازنة، وبحكم ميولهما الشخصية، نتيجة لتحليل واقع كل من المعارضة والنظام.

7) ما العمل وما الذي يمكن فعله؟

أ- الماضي لا يعود ولكن تبقى دروسه: فما الذي توفر أو يتوفر لدى المعارضة الآن من هذه الأدوات والمستلزمات؟ وما الذي يمكن توفيره منها وكيف؟ ومن يمكنه أن يلعب دورًا في تأمينها أو تأمين أي منها ، بما يساعد المعارضة على اتخاذ موقف مبدئي واقعي ومسؤول

ب- بغض النظر عن خطأ المعارضة في القبول بالدخول في مسار اللجنة الدستورية، فقد أصبح الواقع على هذه الحال، فما الذي يمكن فعله؟!

ت- في السياسة، كلّ شيء يخضع لمنطق الربح والخسارة وحساباتها. ولكن لا يتوقف على حسابات الربح والخسارة الآني، بل ينظر إلى البعيد ومدى خدمة الموقف الآني للهدف البعيد الأخير، وهو نيل الشعب السوري حريته وقيام نظام ديمقراطي تعود فيه السلطة للشعب، وفق آليات النظم الديمقراطية الحديثة، كما هو في عالم اليوم المتمدن، وهذا يتوافق مع التنفيذ العادل لقرارات مجلس الأمن، وجوهرها الانتقال السياسي إلى نظام ما بعد نظام البعث الأسد، نظام يقوم على أسس الديمقراطية وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع في مناخ من الحريات العامة في التعبير والتنظيم.

ث- لا يمكن تبرير الاستسلام للواقع الحالي، بحجة عدم حدوث بديل، ونحن نرى الواقع ينزلق لصالح النظام وإعادة تأهيله. وبالتالي ستكون مشاركة المعارضة في حالة العجز الحالية مشاركةً لمنح شرعية لإعادة تأهيل النظام، وستكون المعارضة شاهد زور على التفريط بتضحيات الشعب السوري.

ج- إن أي موقف يُتخذ يجب أن يحسب بدقه وتحسب آثاره، ويجب أن تكون هناك خطة لتقليص الآثار السلبية، والأهم أن يكون ثمة بديل، والبدائل تتوفر عندما تمتلك المعارضة عدة مسارات على عدة جبهات.

ح- يظن البعض أن المشكلة في الائتلاف أو في الهيئة، ولذلك يوجّه كثيرًا من النقد ويطالب بإصلاح الائتلاف. وبالرغم من أهمية الإصلاح وضرورته المفاوضات، فإني أرى أن المشكلة ليست في إصلاح الائتلاف بحد ذاته، مهما كانت إجراءات الإصلاح جذرية وتسير بالاتجاه الصحيح، ما لم يترافق إصلاح الائتلاف باستراتيجية متكاملة تتضمن إجراءات تكميلية لا بدّ منها وضمن الممكن، أما عملية الإصلاح، مع بقاء بقية المسارات كما هي دون تغيير، فلن تُحدث فرقًا يذكر، فأهمية الائتلاف قد تراجعت بعد تشكيل هيئة المفاوضات، كما أن أهمية هيئة المفاوضات قد تراجعت بعد تشكيل اللجنة الدستورية التي صدر باعتمادها قرارٌ من الأمين العام للأمم المتحدة، مما منح أعضاءها استقلالية عن المؤسسات التي يمثلونها، وهذا ما يرغب في ترداده الرئيس المشارك لوفد المعارضة للجنة الدستورية، مما يطلق يديه في اتخاذ المواقف، وهو الحريص على استمرار المفاوضات بما تقدمه له من دور ومكانة دولية.

خ- إصلاح الائتلاف يصنع الفرق، إن ترافق مع توحيد فصائل المعارضة المسلحة ضمن جيش وطني واحد بهرمية قيادية متسلسلة واحدة، وأن يخضع لقيادة أركان تتبع الائتلاف، وأن تأتي الأسلحة والرواتب والتمويل عن طريق صندوق يسيطر عليه الائتلاف، وأن تتبع الحكومة المؤقتة للائتلاف، بينما استقلت بذاتها الآن، وهي الأخرى بحاجة إلى الإصلاح، وسيكون لإعادة تنظيم المجالس المحلية دور كبير، وأن يكون للائتلاف ذراع عسكري وذراع إعلامي وذراع دبلوماسي وبرنامج نشاطات بين السوريين وتواجد جغرافي، حيث يوجد السوريين. وكل هذا ضمن رؤية استراتيجية واضحة، وكوادر بشرية قادرة على القيام بهذه المهام، وقبل كل شيء السعي لامتلاك إرادة سياسية مستقلة تتحالف مع حلفاء، بناءً على المصالح المشتركة، ويتوفر في صفوف المعارضة كثير مما يمكّنها من تلبية كل هذه الاحتياجات. ونقصد المعارضة بمفهومها الواسع، وهو أوسع من مجرد الائتلاف وهيئة المفاوضات، ويشمل كل التنظيمات المعارضة السياسية والمدنية والثقافية والحقوقية والنقابية والعسكرية، ويمتد ليشمل جميع الأفراد المعارضين للنظام والمؤيدين للتغيير على اختلاف مشاريهم، أينما كانوا.

د- بالتأكيد، يلعب الدورَ الرئيس في كلّ هذا ثلاثة عوامل، هي التمويل وتوحيد الفصائل والإرادة؛ أما التمويل فيتوفر جزء كبير منه، لو تمت السيطرة الكاملة -ضمن الرؤية الجديدة- على موارد جميع المعابر في الشمال السوري دون استثناء، وأن تخضع للقيادة المركزية الجديدة، وأن تكلف الحكومة المؤقتة بإدارة المعابر، ويضاف لها دعم مالي ما زال يأتي ليوضع في صندوق مركزي موحد؛ وأما الفصائل فلا بدّ من توحيدها في جيش وطني واحد، يخضع لهيئة أركان من ضباط محترفين ونظام أوامري هرمي؛ وأما الإرادة فهي تتكون من جزئين: الأول سوري، وهو متوفر بقوة اليوم، والجزء الآخر يرتبط بلاعبين دوليين، أهمهم تركيا وإدارة بايدن، وهذا ما يجب على السوريين التحرك باتجاهه سعيًا للإقناع من خلال مخاطبة المصالح.

مركز حرمون

———————-

المسلط:لا نية لتأسيس جسم جديد للمعارضة

قال رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” سالم المسلط إن تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد يعد “مكافأة للنظام على جرائمه”، مشيراً إلى أنه “لا يوجد أي نية لتأسيس جسم جديد للمعارضة السورية”.

وقال المسلط في مؤتمر صحافي في ختام زيارة إلى العاصمة القطرية الدوحة استمرت 3 أيام: “عودة النظام إلى الجامعة العربية وأي مسعى للتطبيع معه هو مكافأة للنظام على جرائمه، وهو تعزيز للمخطط الإيراني الكارثي والحاقد على المنطقة وشعوب المنطقة”، مضيفاً “نتمنى أن نجد حلاً سريعاً للقضية السورية.. نريد أن نرى حلاً يرفع المعاناة عن شعبنا”.

وتابع: “عقدنا لقاءً مع مسؤولين أميركيين وأكدوا لنا أن الولايات المتحدة ملتزمة بتطبيق قانون قيصر”، كما أكدوا “رفضهم القاطع للتطبيع مع نظام الأسد”.

وأثنى المسلط على الموقف القطري من الأزمة السورية، وقال: “لمسنا من الإخوة القطريين ثباتاً على موقفهم الداعم للقضية السورية والشعب السوري”، واصفاً اللقاءات مع المسؤولين القطريين بأنها كانت “مميزة وإيجابية”، مضيفاً أن “التشاور مع الدوحة مهم ومتواصل.. نحن بحاجة إلى أشقائنا وإلى سماع وجهة نظرهم.. وبحاجة إلى البحث في إيجاد الحل وتسريعه من أجل إنهاء المعاناة السورية”.

وتابع المسلط: “أكدنا لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن رفضنا تحويل قضية الشعب السوري إلى مجرد قضية إنسانية”، وأردف أنهم أبلغوا المبعوث الأممي بأن “نظام الأسد ومنذ بدء جولات التفاوض عام 2014 لم يقم بأي خطوة إيجابية باتجاه الحل في سوريا، بل على العكس عمل على تعطيل كافة مساعي الحل”.

وقال: “لا نرى أي بوادر إيجابية في المساعي الأممية الحالية، ولا جدية لدى النظام في الانخراط بالعملية السياسية وبشكل خاص اللجنة الدستورية”، مشيراً إلى أنهم “ملتزمون بتطبيق القرار 2254”.

وشدد المسلط على أن “الائتلاف مؤسسة سياسية وفاعلة ومنذ تأسيسه ملتزم بثوابت الثورة”، مضيفاً أن “قوة الثورة تظهر من خلال وحدة المعارضة السورية وهذا ما نعمل عليه بشكل متواصل من خلال التواصل والتفاعل مع كل قوى الثورة والمعارضة السورية”.

وتابع: “الوضع السياسي الحالي يحتاج إلى أن يعاد النظر فيه”، مشيراً إلى أنه “لا يوجد أي نية لتأسيس جسم جديد للمعارضة.. وهناك حرص كبير على تفعيل المؤسسات السياسية الثورية بالإضافة إلى إقامة ندوات حوارية وتشاورية والحديث عن قواسم مشتركة ورؤية واحدة تبدأ في سوريا من دون نظام الأسد”.

وكان المسلط قد قال خلال لقائه رئيس الوزراء السوري المنشق عن النظام رياض حجاب والرئيس الأسبق ل”الائتلاف الوطني السوري” معاذ الخطيب في الدوحة الإثنين، إنه “من الضروري توحيد الرؤى لمواجهة التحديات الراهنة وتخليص الشعب السوري من النظام المجرم”.

وقال المسلط في تغريدة الإثنين إن “لقاءً مثمراً وإيجابياً جمعني مع حجاب”، مضيفاً “بحثنا خلال اللقاء الوضع الحالي في سوريا وناقشنا التطورات الميدانية والسياسية وضرورة تنسيق الجهود لخدمة قضيتنا وإنهاء مأساة الشعب السوري وتحقيق تطلعاته وأهدافه”.

وتابع: “شددتُ خلال اللقاء مع الخطيب على ضرورة العمل المشترك وتوحيد الرؤى والجهود لمواجهة التحديات الراهنة وتخليص الشعب السوري من النظام المجرم”.

وأضاف المسلط أنه “لا حل في سوريا بوجود النظام المجرم”، متابعاً أن “مطلب الشعب السوري هو إسقاط هذا النظام ومحاسبة كل مجرميه”، مشدداً على أن “هذا هو الموقف الثابت والمعلن للائتلاف الوطني السوري”، وأن “أي تصريحات تحاول تمييع الأمر أو الإيحاء بخلاف هذا الموقف فهي مردودة ومرفوضة قطعاً”.

وكان وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قد التقى الأحد رئيس الائتلاف سالم المسلط ورئيس هيئة التفاوض السورية أنس العبدة في الدوحة.

وقال وزير خارجية قطر في تغريدة حينها إن اللقاء مع وفد الائتلاف “تناول آخر مستجدات القضية السورية”، مؤكداً “أهمية إيجاد حل سياسي وفقاً لبيان جنيف 1 والقرار 2254 وضرورة تحقيق الاستقرار للشعب السوري”.

بدوره، قال المسلط: “بحثنا آخر التطورات السياسية والميدانية وخصوصاً الأوضاع في الشمال السوري، كما بحثنا سبل دعم وتمكين السوريين في أرضهم”.

 ويناقش الائتلاف منذ أسبوعين مسودة النظام الداخلي الجديد التي كان يفترض التصويت عليها الاثنين من قبل الهيئة العامة، لكن تم تأجيل ذلك بسبب خلافات بين الكتل حول التعديلات المقترحة.

المدن

——————-

المسلط: مشروع بيدرسون غامض وتصريحه عن المعارضة السورية غير واقعي/ أنور الخطيب

اعتبر رئيس “الائتلاف الوطني السوري” سالم المسلط، اليوم الثلاثاء، أن مشروع مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون “خطوة مقابل خطوة” غامض، لافتاً إلى أن تصريحه حول أنه لا يتحدث مع المعارضة عن تغيير النظام السوري “غير واقعي”.

وأشار المسلط، في مؤتمر صحافي عقده في الدوحة، الثلاثاء، إلى أن رئيس هيئة التفاوض في الائتلاف أنس العبدة التقى، أمس الإثنين، مبعوث الأمم المتحدة في العاصمة القطرية، وهو ينتظر تقريراً عن فحوى اللقاء، لكنه استطرد قائلاً: “إن مشروع بيدرسون غامض، ويحتاج للتوضيح”، متسائلاً عن “سياسة الخطوة خطوة”، وعن الخطوة التي سيقدمها النظام، والخطوة التي ستطالب المعارضة بتقديمها، كما تساءل عن الدور المطلوب لمبعوث الأمم المتحدة في تطبيق القرار 2254، لافتاً إلى أن النظام “يعطّل الحلّ السياسي، وهو لم يتقدم خطوة واحدة”، منذ انطلاق المسار السياسي لحلّ الأزمة السورية.

ويدعو قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي صوّت عليه مجلس الأمن في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، إلى بدء محادثات السلام بسورية، وتشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات برعاية أممية، مطالباً بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري.

وأشار المسلط إلى أن الائتلاف السوري أكد لمبعوث الأمم المتحدة، في لقاءات سابقة معه، رفض تحويل قضية الشعب السوري إلى “قضية إنسانية”، وأن النظام منذ بدء جولات التفاوض عام 2014، لم يقم بأية خطوة إيجابية للحل، بل على العكس عمل على تعطيلها. وأضاف: “نحن ملتزمون بالمسار السياسي لحل قضية الشعب السوري، ونريد أن نرى حلاً سياسياً يوقف معاناة الشعب السوري، لكن ما نراه أن النظام يعطّل المسار السياسي”.

وشدد رئيس “الائتلاف الوطني السوري” على “أن القضية السورية ليست قضية إنسانية، بل قضية سياسية، مع تقديرنا لكل الدول الشقيقة والصديقة التي تدعم القضايا الإنسانية للشعب السوري”.

وبشأن إمكانية عودة النظام إلى الجامعة العربية وحضوره القمة المقبلة في شهر مارس/ آذار في الجزائر، اعتبر المسلط أن عودة النظام إلى الجامعة العربية وأي مسعى للتطبيع معه “مكافأة له على جرائمه، وتعدّ تعزيزاً للمخطط الإيراني في المنطقة، وهو أمر غير مقبول”. لكنه لم يستبعد في المقابل حضور النظام القمة المقبلة بصفة “مراقب”، بدعوة من الدولة المضيفة.

وأكد المتحدث ذاته أهمية زيارة وفد الائتلاف إلى الدوحة، واللقاء الذي عقده مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قائلاً: “إن زيارتنا للدوحة مهمة، ونحن نتشاور ونتواصل باستمرار مع أشقائنا، ونستمع لوجهات نظرهم، ونبحث معهم تسريع وإنهاء المعاناة السورية، حيث لمسنا من الإخوة القطريين ثباتاً في مواقفهم الداعمة للشعب السوري وللقضية السورية”.

وأشار إلى لقائه أمس مع القائمة بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة الأميركية في قطر ناتالي بيكر، والتي أكدت الموقف الأميركي في استمرار العقوبات في إطار “قانون قيصر” على النظام، ورفض التطبيع معه.

ونفى رئيس “الائتلاف الوطني السوري” وجود مبادرة جديدة لإيجاد جسم جديد للمعارضة السورية بديلاً عن الائتلاف، موضحاً أن الهدف من الحوارات والمشاورات التي تجرى في الدوحة الاتفاق على “رؤية موحدة” لفصائل المعارضة السورية، وتفعيل المسار السياسي لتسريع الحل في سورية.

——————————-

المعارضة السورية غاضبة على بيدرسن/ أمين العاصي

لم تتأخر المعارضة السورية في الرد على تصريحات أدلى بها المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، حول مسألة تغيير النظام، من العاصمة الإيرانية طهران، أول من أمس الأحد، حيث يبذل مساعي من أجل الضغط على النظام لتحريك عجلة العملية السياسية المتوقفة، وخصوصا لجهة عقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية، المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد.

ردود المعارضة السورية على تصريحات بيدرسن

وأكد رئيس “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية”، سالم المسلط، أمس الإثنين، موقف المعارضة الثابت حيال بقاء رئيس النظام بشار الأسد في السلطة.

وقال في تغريدة على موقع “تويتر”، إنه “لا حل في سورية بوجود النظام المجرم، ومطلب الشعب السوري هو إسقاط هذا النظام ومحاسبة كل مجرميه، وهذا هو الموقف الثابت والمعلن للائتلاف الوطني السوري، وأي تصريحات تحاول تمييع الأمر أو الإيحاء بخلاف هذا الموقف مردودة ومرفوضة قطعاً”.

وجاء كلام المسلط رداً على تصريحات بيدرسن في طهران أول من أمس الأحد، والتي قال فيها إن الوضع في سورية “مستقر”، وإنه لا يتحدث أي من “الجماعات والأطراف السياسية، عن تغيير النظام في البلاد في ضوء الوضع الراهن”.

وأثارت هذه التصريحات التي لم يصدر توضيح حولها حتى عصر أمس الإثنين من مكتب المبعوث الأممي، جدلاً في الوسط السوري المعارض، وخاصة أن القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، تنصّ صراحة على تغيير جدي تقوم به هيئة حكم كاملة الصلاحيات تقود مرحلة انتقالية.

وتعليقاً على تصريحات بيدرسن، طالب الناطق باسم هيئة التفاوض المعارضة، يحيى العريضي، في حديث مع “العربي الجديد”، بـ”استقالة المبعوث الأممي إن كان يعتقد ذلك، أو يسحب هذا التصريح إن كان حقيقياً، أو أن يصحح ما يُنشر”.

وتابع بالقول “إن لم يكن بيدرسن قد استوعب إلى الآن من مواقف ومطالب المعارضة السورية بتطبيق القرارات الدولية التي تقر بالانتقال السياسي في سورية على أنها مطالبة بإسقاط الأسد، فهذه مشكلته”.

تحريف تصريحات بيدرسن في طهران؟

من جانبه، قال الباحث في مركز “الحوار السوري”، محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، إن بيدرسن “ربما لم يتحدث بهذا الشكل الفج في طهران”، مشيراً إلى أن بعض الوكالات الإيرانية الإخبارية “سبق لها تحريف تصريحات لمسؤولين لتصب في صالح نظام الأسد”.

غير أن سالم أشار إلى أن المبعوث الأممي “يتماهى مع هذا الكلام بشكل غير مباشر، وهو ما دفع أطرافا في المعارضة السورية للمطالبة بتغييره”.

وكان بيدرسن، أجرى أول من أمس الأحد، مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بشأن التطورات السورية، في العاصمة الإيرانية طهران.

وبحسب بيان للخارجية الإيرانية، فإن عبد اللهيان شكر المبعوث الأممي على “دعمه الحوارات الوطنية والسلام والاستقرار في سورية”، مؤكداً أن بلاده تدعم خطواته.

ويسعى المبعوث الأممي إلى إقناع الأطراف الداعمة للنظام السوري بالضغط عليه من أجل تسهيل مهمة الأمم المتحدة للدعوة إلى عقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية المنوط بها أممياً، وضع دستور جديد للبلاد.

ولكن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن النظام وضع العملية السياسية برمتها وراء ظهره، وهو ما يفقد جهود المبعوث الأممي أي قيمة سياسية.

مباحثات لبيدرسن في الدوحة

ووصل بيدرسن أمس الإثنين، إلى العاصمة القطرية الدوحة، حيث بحث مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأزمة السورية.

ووفق بيان لوزارة الخارجية القطرية، فقد “جرى التأكيد خلال الاجتماع على أهمية استمرار تسهيل وصول المساعدات الإنسانية لجميع السوريين، كما تمت مناقشة أهمية التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية ومعاناة الشعب السوري وفقاً لبيان جنيف 1، وقرار مجلس الأمن 2254”.

وينص بيان “جنيف 1” على حل النزاع عبر مرحلة انتقالية، تقوم على تأسيس هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة، وإجراء حوار وطني، ومراجعة النظام الدستوري والقانوني، ثم إجراء انتخابات حرة ونزيهة لشغل المؤسسات والمناصب الجديدة التي يتم تأسيسها.

وقال وزير الخارجية القطري في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر”، إنه تبادل الآراء مع بيدرسن “حول آخر مستجدات الأزمة السورية وسبل تحقيق حل سياسي شامل ينهي أعواما من الصراع المستمر ويضمن الرخاء والاستقرار للشعب السوري”.

وكان بيدرسن أجرى خلال الشهر الحالي مباحثات مع الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، ومع نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، بهدف تحريك العملية السياسية في سورية.

كما تحدث المبعوث الأممي، أواخر العام الماضي عن مقاربة جديدة للقضية السورية، تقوم على مبدأ “خطوة بخطوة”، وهو ما فُسّر على أنه تقديم محفزات للنظام؛ سياسية واقتصادية، ليبدي اهتماماً جدياً بالعملية السياسية للتوصل لحلول وفق القرار الدولي 2254.

وسبق أن عُقدت ست جولات من مباحثات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، انتهت كلها بالفشل بسبب رفض وفد النظام البدء بصياغة مواد الدستور.

ويرفض النظام حتى اللحظة تقديم تنازلات من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ويتصرف على أنه “الطرف المنتصر” الذي يملي شروطه، في ظل غياب إرادة دولية لدفع هذا النظام إلى طاولة تفاوض جاد.

تحركات للمعارضة السورية في الدوحة

في السياق، شهدت العاصمة القطرية الدوحة تحركات مكثفة أول من أمس الأحد؛ أطرافها تيارات عدة في المعارضة السورية يبدو أن الهدف منها توحيد الجهود في المرحلة المقبلة.

والتقى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أول من أمس في الدوحة، رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، سالم المسلط، ورئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة أنس العبدة، اللذين بدآ زيارة إلى العاصمة القطرية أول من أمس.

وجدد المسؤول القطري، بحسب تغريدات على حسابه بموقع “تويتر”، تأكيد بلاده “على أهمية وجود حل سياسي للأزمة السورية وفقاً لبيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254، وضرورة تحقيق الاستقرار للشعب السوري الشقيق”.

كذلك، التقى بن عبد الرحمن في الدوحة، أحمد الجربا، رئيس “جبهة السلام والحرية” السورية المعارضة، والتي تضم العديد من التيارات السياسية في منطقة شرقي نهر الفرات.

وفي السياق، كشفت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد”، أن رئيس “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة” كان طلب زيارة العاصمة القطرية منذ أشهر، إلا أن الظروف لم تكن تسمح بإتمامها.

وأوضحت أن المسلط “يناقش مع الجانب القطري خلال الزيارة، الكثير من الملفات ومنها التأخير في الموافقة على تعيين سفير جديد للائتلاف في مقر السفارة السورية في الدوحة”.

وأوضحت المصادر أن المسلط “يعمل على حضّ الجانب القطري على مواصلة دعمه السياسي والمادي للائتلاف الوطني والمؤسسات المرتبطة به، وفي مقدمتها الحكومة السورية المؤقتة التي تشرف على الجانب الخدمي في مناطق في شمال سورية تقع تحت سيطرة المعارضة السورية”.

وكشفت المصادر التي طلبت عدم ذكر أسمائها لأنه غير مصرح لها بالحديث العلني، أن المسلط “يستطلع موقف الدوحة من الائتلاف ومن ندوة أو ورشة العمل التي يتجهّز رئيس الوزراء السابق المنشق رياض حجاب، لعقدها الشهر المقبل في العاصمة القطرية”.

وأكدت المصادر أن “موقف الدوحة لم يتغير من الائتلاف الوطني السوري”، وأن الهدف من الورشة “توحيد كلمة المعارضة السورية وليس خلق منصة سياسية جديدة لتحييد الائتلاف الوطني عن المشهد السوري المعارض”.

ولفتت المصادر إلى أن المسلط التقى مساء الأحد رياض حجاب في منزل الأخير “ما يؤكد عدم وجود خلافات بين الجانبين حول مجمل الملفات في القضية السورية”.

ومن المقرر عقد “ندوة” في العاصمة القطرية خلال الشهر المقبل تضم العشرات من المعارضين السوريين للتباحث في أوراق بحثية مقدمة من عدد من الأكاديميين تتناول مسارات الحل السياسي؛ سواء في جنيف أو أستانة، وما وصلت إليه.

وحول أسباب زيارة الجربا إلى الدوحة ولقائه وزير الخارجية القطري، كشفت المصادر أن “الجربا الذي يقود جبهة معارضة في شمال شرقي سورية، يطرح تولي ما يسمّى جيش النخبة التابع له، السيطرة على الحدود السورية التركية في منطقة شرقي نهر الفرات، وهو يحاول تسويق هذه المسألة لدى الجانب القطري”

القدس العربي

————————————–

====================

تحديث 20 كانون الثاني 2022

————————

——————–

المعارضة القاصرة وتضييع قضية الشعب السوري/ ماجد كيالي

ثمة ما يبعث على الإحباط والقهر والغضب في كل شيء يتعلق بالشعب السوري، بمعاناته وتضحياته ونضالاته، سيما في السنوات العشر الماضية، مع المآلات التي وصلت إليها قضيته، نتيجة انحسار مكانتها، ومعناها، في الأجندة العربية والإقليمية والدولية، وبواقع عجز المعارضة أو إفلاسها أو ارتهانها للأجندات الخارجية، وبحكم الأحوال المأساوية لمعظم السوريين في الداخل والخارج، ويأتي في مقدمة ذلك بالطبع بقاء نظام الأسد بل واستعداد عديد من الدول الانفتاح عليه والتطبيع معه، وتحويل قضية السوريين إلى مجرد قضية إنسانية، وقضية لاجئين وإعادة إعمار ومساعدات دولية ومحاربة إرهاب وكتابة دستور.

هكذا، فإن مشكلة الثورة، أو المعارضة، السورية، وهي مشكلة معظم السوريين، الذين يتوقون للخلاص من نظام جثم على صدورهم أكثر من نصف قرن، لا تكمن فقط في الإطار المحيط، أي في الخذلان أو التنكر، الدولي والإقليمي والعربي، وإنما تكمن أيضاً، في جماعات المعارضة ذاتها، ربما قبل أي أحد آخر.

ويمكن القول هنا بصراحة وأمانة ومسؤولية، ولو أنها مؤلمة، بأنه لم يعد ينفع الإنكار ولا المكابرة، ولا الحديث بالرغبات، فنحن إزاءه واقع كارثي، ولا يوجد في الأفق ما يبعث على التفاؤل. ومثلا، فما زالت هذه الثورة تفتقد إلى طبقة سياسية متماسكة، تحظى بإجماع السوريين، وتنال احترامهم. هذا أولاً. ثانياً، لقد نجح النظام بإخراج غالبية السوريين من معادلات الصراع، بفرض الحصار على بعضهم وتشريد بعضهم الآخر، وإشغال قسم كبير منهم بتدبر عيشه في ظل فقدان مصادر الدخل والبيت والأمن. ثالثاً، لم تعد المسألة تتعلق فقط بثورة في مواجهة نظام، إذ باتت تتعلق أكثر بالصراعات الدولية والإقليمية والعربية على سورية، الأمر الذي ينبغي الانتباه إليه، وإدراك مفاعيله، للتقليل من مضارة أو لتغيير مساره. رابعاً، لم تعد القضية السورية بيد السوريين، إذ باتت بيد الفاعلين الخارجيين، الدوليين والإقليميين والعرب، بحيث باتت المسألة تتطلب إيجاد حد أدنى من تماسك السوريين لفرض ذاتهم في هذه المعادلة الصعبة والمعقدة. خامسا، لقد بات هم المعارضة السورية الرسمية، المتشكلة في الائتلاف، تغطية المواقف التركية، أو الأخذ في حسبانها مصالح تركيا، أكثر من أخذها مصالح الشعب السوري وسلامة مسار ثورته، وما محاولة “الترقيع” التي يجري الحديث عنها هذه الأيام في أوساط الائتلاف في إسطنبول إلا محاولة لإعادة إنتاج وشرعنة وتجميل الوضع القائم. سادسا، ليس ثمة في الأفق أية مبادرة أو محاولة سورية لتجاوز واقع المعارضة الرسمية (الائتلاف)، أو لتشكيل منبر وطني يعبر عن السوريين، ويشكل جامعا لهم.

والمؤسف له أن معظم الشخصيات السورية البارزة المحسوبة على المعارضة تجدها عاجزة عن أي مبادرة، أو سلبية إزاء أي مبادرة، في حين تجد أغلبيتها يتحمسون لأي دعوة تصدر من هذه الدولة أو تلك، أو حتى يتنافسوا فيما بينهم لتلبيتها، وهو وضع غريب ومخجل، وأثبت عدم جدواه، أو هشاشته، لأن أية مبادرة لا تنبع أو لا تصدر من السوريين أنفسهم فلن يكون مصيرها أفضل من مصير المجلس الوطني والائتلاف الوطني، واللجنة الدستورية واللجنة التفاوضية.

ولنلاحظ في هذا الإطار، بأنه ورغم وجود ملايين السوريين في الخارج، وضمنهم في البلدان الأوروبية، إلا أنه لا توجد إطارات أو مبادرات أو منابر تشتغل لتنظيمهم أو التعبير عنهم، في المجتمعات التي باتوا لاجئين فيها، في تجمعات كبيرة، لاستثمار طاقتهم، وهو أمر متاح لها، وهذا يشمل القصور في إقامة مؤسسات أو إطارات جامعة، سياسية، أو إعلامية، أو إغاثية، أو مدنية أو على أي صعيد، من دون التشكيك بالجهود التي بذلت، ومع التقدير لكل ما هو موجود.

أيضا، فإن الشعب السوري بحاجة إلى معارضة مغزى وتبعات التحولات الحاصلة في الثورة والمجتمع السوريين، وطريقة عمل النظام، وأغراض القوى الخارجية الفاعلة في المشهد السوري، وكذلك تبعات النقلات غير الطبيعية للثورة، لبناء طريق جديد، وأشكال عمل وتنظيم جديدة، بدل الطرق السابقة التي ثبت عدم جدواها.

واضح من كل ما تقدم أن المعارضة لم تكن في وارد دراسة عقلانية لكل ما حصل، فهذا أكبر من قدراتها، سيما إنها كانت، من البدايات، متسرعة للتخلص من النظام، معتبرة لحظتها المواتية، مع إغراءات التغيير السريع في تونس ومصر والتدخل الدولي في ليبيا، ومع إشارات الرئيس التركي أن «حلب خط أحمر»، وذهاب سفراء الولايات المتحدة وفرنسا الى المعتصمين في ساحتي النواعير والساعة في حماة وحمص، وكلام أوباما أن الأسد فقد شرعيته.

ومن الأصل، فإن المعارضة لم تنتبه إلى أن التحول نحو العسكرة، أو نحو الخطاب الديني يأخذ البلد نحو الطائفية، وتمزيق مجتمع السوريين، ويؤدي الى ضرب صدقية الثورة، ويضر بشرعيتها، كثورة ضد الاستبداد، ويضعف قدرتها على توحيد السوريين، فضلاً عن انه يخدم النظام، ويطلق يده في البطش بالشعب السوري، وهو الذي حرص منذ البداية على الترويج إلى إنها ليست ثورة سياسية وإنما حرباً أهلية طائفية ودينية، وإنها حرب ضد الإرهاب وضد التدخلات الخارجية.

الآن، يواجه السوريون تحدي انحسار القضية السورية، وتحدي تعويم نظام الأسد، وتحدي خروج السوريين من معادلات الصراع على مستقبل سورية، في حين مازالت المعارضة قاصرة عن إدراك مغزى وتبعات هذه التحولات، ومتخلفة عن مواكبتها، ورافضة لإجراء أي مراجعة لمسيرتها، وهي مشغولة في لوم العالم أكثر مما هي مشغولة في بناء إطاراتها، ومشغولة بخلافاتها الداخلية أكثر مما هي مشغولة في مراكمة قوى شعبها، واستثمار طاقته. ثمة أعمال لا بد من القيام بها وإذا لم يقم بها السوريون، بنخبهم، أي بالشخصيات الفاعلة والمؤثرة منهم، فلن يقم بها أحد عنهم.

———————–

إذا أردنا أن نعرف، ماذا يحدث في الدوحة؟/ فراس علاوي

لعل مقال الراحل نهاد قلعي الذي لم يكتمل، يكاد يكون مثالاً صارخاً لاحتمالات السياسة وتوازناتها، فهو وإن جاء بنمط كوميدي إلا أنه فعلياً كان رسماً لخارطة لعبة الأمم

وكيفية إدارة مطابخها السياسية.

فما الذي يحدث بالدوحة؟ ، تنقل الصور هنا وهناك لقاءات بين متصدري المشهد السياسي السوري المقيمين في تركيا والدوحة وغيرها من عواصم العالم، بصورة بروتوكولية وكأنها لقاء الحلفاء، ويعلق رئيس الإئتلاف أن لقاءاته كانت مثمرة وبناءة في تصريحات تشبه مايقوله زعماء الدول حين تفشل مساعيهم.

فماذا يحدث في الدوحة؟

خلال الايام القليلة الماضية تواجد كلاً من سالم المسلط رئيس الإئتلاف السوري وأنس العبدة رئيس هيئة التفاوض السورية في العاصمة القطرية الدوحة ، والتقوا وزير الخارجية القطري، وقطر هي أحد أبرز الداعمين للإئتلاف مع الحكومة التركية، كما التقى المسلط مع رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب ورئيس الإئتلاف الأسبق أحمد معاذ الخطيب

كذلك التقى رئيس الإئتلاف الأسبق أحمد الجربا، كذلك التقى وزير الخارجية القطري مع الجربا بشكل منفصل وأعلن عن اللقاء بتوصيف الجربا كرئيس لجبهة السلام والحرية، وهذا التوصيف يحمل دلالة اعترافية بهذه الجبهة سياسياً رغم وجودها في مناطق تسيطر عليها الادارة الذاتية لقوات سوريا الديموقراطية قسد المرفوضة من قبل تركيا بشكل قاطع اعتبارها جسماً معارضاَ وهذا مايحمل معانٍ تؤيد التسريبات التي تتحدث عن جسم جديد للمعارضة السورية.

منذ أشهر يتداول المهتمون بالشأن السوري دعوة باسم رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب المقيم في العاصمة القطرية الدوحة، لماسمي ندوة حول مآلات القضية السورية ومراجعات ماتم تحقيقه عبر عقد من الزمن، ورغم نفي القائمين على هذه الدعوة ومنسقيها بأن جسماً سياسياً قد يولد ويكون بديلاً عن الإئتلاف ويتشكل نتيجة هذه الندوة، هذه التسريباتأو الاحاديث تبني فرضيتها معتمدة في ذلك على أسماء الشخصيات المدعوة من جهة، وموقف رياض حجاب المبتعد عن الإئتلاف وهيئة التفاوض بعد الذي حصل في الرياض 2 من جهة أخرى ,

بالمقابل وبعد ما أشاعه الإئتلاف عبر رئيسه سالم المسلط حول عملية إصلاح الإئتلاف والتي يبدو أنها وصلت لطريق مسدود، ومن ثم تواتر الحديث عن عملية إصلاح شاملة من ضمنها نقل مقر الإئتلاف للداخل السوري، وهو حديث بدأ مع رئاسة نصر الحريري للإئتلاف قبل أن يطاح به، التخبط داخل الإئتلاف بدا واضحاً الأمر الذي حال دون التوصل لتوافق حول عملية الإصلاح المروج لها، مما دفع رئيسه الذي يبدو أنه يسير منفرداً لإجراء لقاءات مع خصوم الأمس، هناك تخوف واضح لدى أعضاء الإئتلاف من تنازل تركي لمصلحة المحور الخليجي المصري بما يخص المعارضة السورية، وإن كانت الدوحة هي الملعب الأساسي لهذا الحراك، والذي يصر الجميع بأنه لن يكون بديلاَ عن الإئتلاف على الرغم من الفشل الذي يعيشه من كافة النواحي، سواء تراجع شعبيته بين صفوف السوريين ورفض الناشطين وفعاليات الحراك السوري خاصة بالشمال السوري لحضور أعضائه أو فشل مسار آستانا الذي لم ينتج أي حل حتى اللحظة خاصة جولته الاخيرة وكمية النقد الموجه لها من السوريين ، والفشل الأكبر الذي رافق اللجنة الدستورية التي وقعت في فخ تفاصيل نظام الأسد واغرقها في مستنقع التأجيل والتسويف، في ظل ابتعاد أمريكي أوربي عن دعمها ورضى روسي إيراني ومحاولات تركية لدعمها،

التصريح المنسوب لبيدرسون الذي أعلنته الخارجية الإيرانية بعد زيارته لها، والذي جاء فيه أنه لاتوجد أطراف سورية ترغب بإسقاط النظام، وإن تم نفيه لاحقاً، وهذه بالمناسبة ليست المرة الأولى التي يتم فيها نفي حديث لبيدرسون، وكأنها استراتيجية يمارسها كبالون أختبار، وبالرغم من هذا النفي إلا انه أوقع المعارضة الرسمية في حيرة اضطر السيد المسلط للتغريد بأنه غير معني بهذه التصريحات، مع أن مايحدث في مباحثات اللجنة الدستورية يكاد يتماهى مع حديث بيدرسون المنفي، حيث قفزت اللجنة الدستورية على تراتبية القرار ٢٢٥٤ وبالتالي القفز على فقرة الحكم الانتقالي والبيئة الآمنة مما يجعل تفسير المعارضة هنا يتماهى مع الرؤية الروسية للحل والتي تنص على دستور ومن ثم انتخابات بدون هيئة حكم انتقالية، وعلى الرغم من إصرار سياسيي المعارضة على نفي القفر على تراتبية القرار إلا أن بند اللجنة الدستورية هو الوحيد الذي بدأ مساره رغم التعثر الحاصل فيه، فحدوث أي خرق فيه يعني بشكل قطعي القفز للبند التالي وهو الانتخابات وبالتالي يعتبر الذهاب للجنة الدستورية هو تخلي عن بند هيئة الحكم الانتقالي.

بالعودة للدوحة ينتظر الجميع ظهور الدخان من مبنى الخارجية القطرية، والذي على أساسه ستبنى استراتيجية المعارضة للفترة القادمة، والإجابة على السؤال المطروح على طاولة السوريين، هل ستكون الدوحة مقراً للجسم الجديد؟ أم أننا سنبقى نراوح في المكان.

شكل اللقاءات يوحي بتغيير ما على شكل المعارضة قد يأتي بتيارات جديدة وإدخال توازنات جديدة ترضي اللاعبين الإقليميين المتوقع عودتهم بقوة للملف السوري كالسعودية والإمارات.

كذلك تطورات اخرى إقليمية ودولية تؤثرفي هذا المسار، أبرزها مايحدث في اليمن وصعود محور الرياض دبي القاهرة وكذلك مفاوضات الاتفاق النووي في فيينا.

—————————-

عبثية الحوار السوري الراهن/ بسام يوسف

من يتابع حوارات السوريين في شتاتهم، على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي منابرهم الإعلامية يعرف جيدا كيف يستعر الحوار بين السوريين، وكيف يدور في غالبه داخل حلقة مفرغة.

من الطبيعي اليوم أن ترتفع وتيرة الحوار بين السوريين، فالأسئلة التي يطرحها واقعهم الراهن، ومشهد وطنهم المدمر، وغموض القادم، كل هذا يفرض عليهم وبإلحاح أن يحاولوا الإجابة عن هذه الأسئلة، وأن يتحاوروا، وأن يحاولوا إيجاد سبل خلاصهم من الكارثة التي تعصف بهم.

لكن المفارقة المستمرة منذ أن انفجرت الثورة السورية تتجلى في أن السوريين المتحاورين لا يكادون يتفقون على شيء، حتى اتفاقهم الظاهري في بعض القضايا سرعان ما يتحطم عند الغوص قليلاً في تفاصيل هذا الاتفاق، على الرغم من أن لديهم اليوم مشتركات كثيرة تشكل أرضية يمكن أن تكون منطلقاً لحوار يكرّس اتفاقاً عريضاً يجمعهم، فهم جميعهم مهددون بمصيرهم، وبمصير وطنهم، وهم جميعاً عاشوا الآلام ذاتها، وتشاركوا القهر والقمع والخسارة من الجهة ذاتها.

يمكن القول إنه من أهم سمات الحوار السوري هو هذا الإصرار على استبعاد المشتركات، والتشبث بالاختلافات، ولا أدري إن كان هذا الإصرار مردّه إلى حالة اليأس والقنوط وعدم القدرة على الفعل، وهي حالة تتأتى من فكرة عبثية الوجود والفعل، التي تنتشر في المجتمعات الغارقة في الحروب والمبعثرة بين شتات الداخل والخارج، وبين المخيمات واللجوء والهجرة، والغارقة في استحضار ذكريات الحرب والموت والقهر، أم أنه فقط نتاج تغييب الثقافة والسياسة، وعقود القمع التي عاشوها؟

ثمة سمة أخرى أيضا في الحوار السوري، إذ لا يستحضر السوريون الماضي القريب، والحاضر المعاش في حواراتهم كمقدمة لصياغة المستقبل، ورغم انطلاقهم من هذه العناوين في بدايات حواراتهم، إلا أنهم سرعان ما يذهبون إلى تحويل هذا الاستحضار من عامل للبناء والاتفاق إلى عامل للاختلاف، وإغلاق بوابات الحوار.

نحن السوريين نتصارع في الماضي، ولا نرى الحاضر إلا بوصفه استمرارا لهذا الصراع، ونتخيل مستقبلنا أيضاً كامتداد لهذا الصراع، نتفنن في نبش أحداث الماضي، نسترجع تفاصيلها كأنّنا نريد معايشتها من جديد، ولا يهمنا في استحضارها، إن كانت انتصارات لنعزز ممكناتها، أو هزائم لنتجنب أسبابها، ولا ننتبه أنّنا في هذا الاستحضار العبثي للماضي، نسحق حاضرنا ومستقبلنا.

ثمة صراعات محتومة النتائج، وخوضها انتحار عبثي لا معنى له، والتاريخ كريم للغاية في أمثلته عن صراعات العبث هذه، ومآلاتها.

من أين إذاً يأتي كل هذا العناد على خوضها؟! فما من تحديث يقوم إذا تمَّ فصله عن قيم الحداثة أياً يكن مصدر هذه القيم، ولم يعد بإمكان أي تطرف أيديولوجي، أو قومي، أو ديني أو طائفي.. إلخ، أن يصمد طويلاً أمام مدّ الديمقراطية، خصوصاً بعد أن اجتاحت العولمة كوكبنا، ولم يعد بالإمكان إغلاق أي مجتمع وعزله عن العالم ومجرياته، وتطور التقنيات فيه.

إذا كانت المفاهيم والمؤسسات والقيم التي ارتبطت بالحداثة، قد ولدت ونشأت وترعرعت في مجتمعات وثقافات أخرى، فإنها وبمرور الزمن فقدت انتماءها الحصري لتلك المجتمعات والثقافات، واكتسبت أبعادا عالمية، وأصبحت لازمة لا بديل عنها إذا كنا نريد لمجتمعنا أن يكون جزءاً من حاضر البشرية الراهن ومستقبلها، وإن تجاهل مسلمات الحداثة لن يوصلنا إلا إلى الاستغراق في دوامة التخلف، وهدر الزمن، والقدرة على التطور، وإن أي مجتمع حداثي، يتطلب بالضرورة فصلاً بين الديني والسياسي، يتحدد حجمه وفق حاجة المجتمع وضرورات تطوره.

إن أكثر ما تحتاجه سوريا اليوم، وما يحتاجه أي حوار سوري/ سوري، هو إزاحة أي عصبية منه، بغض النظر عن هذه العصبية ومرجعيتها، فما من عصبية دينية، أو قومية، أو طائفية أو أيديولوجية.. إلخ، يمكنها أن تؤسس لسوريا قابلة للعيش، وإن تفخيخ أي صيغة لسوريا القادمة بعصبية ما، سيقودها لاحقاً إلى انفجار أكيد.

من جهة أخرى، فإن سمة أخرى تظهر جلية في أي حوار بين السوريين، وهي القفز بعيداً في رسم تصور سياسي حالم لسوريا القادمة، ووضع الاشتراطات له والاختلاف حول هذه الاشتراطات كما لو أنها راهن لا يمكن بأي حال تنحيتها جانباً، هذا التصور يتطلب حصول معجزة سياسية، وإنسانية، وقانونية في لحظة واحدة، وأزعم أنه لا تجنيَ بالقول: إن هذا ضربٌ من ضروب المحال، ففي الزمن السياسي لأي مجتمع بشري ثمة تدرّجات حتمية لا يمكن إزاحتها، وترتيب أولويات هذا التدرّج السياسي هو جوهر الفعل في السياسة.

 إن نسف ترتيب الأولويات وبعثرتها، وعدم الاعتراف بأهمية ترتيبها، هو انتحار سياسي لن يقود إلى أي جدوى.

في مسرحيته الشهيرة (في انتظار غودو) للكاتب المسرحي الأيرلندي الشهير «صمويل بيكيت»، «1906 1989»، نجد حوارا يشبه إلى حد بعيد حواراتنا نحن السوريين، إذ يخوض بطلا المسرحية «فلاديمير»، و«استراغون» حواراً غير محكم، وبلا تسلسل منطقي، يرتديان ملابس رثّة، وترتسم على وجهيهما ملامح الملل والتعب، يقفان في مكانٍ بعيد، لا يوجد فيه سوى شجرة عارية بلا أغصان أو أوراق، بانتظار شخص ثالث هو «جودو»، لكأنّما يريد أن يقول الكاتب لنا إن بعض الحوارات ليست إلا صدى اليأس والانتظار الذي لا طائل منه، ومع هذا فالبطلان يتشاجران ويذكران بعضهما: بأن ما من شيء يستوجب عمله سواء البقاء وانتظار المدعو «جودو»، الذي لن يأتي أبداً.

هل يمكن إطلاق حوار سوري بصيغة أكثر جدوى، حوار مسؤول يقطع مع هذا العبث غير المجدي الذي يسم معظم حواراتنا، حوار يرتب مشتركاتنا وأولوياتنا، لنستعيد قدرتنا على الفعل والتأثير في معادلة رسم مصيرنا ومصير وطننا؟

إنه سؤال برسم كل السوريين، لكنه أولاً برسم المثقفين، والسياسيين، والمفكرين، ورجال الدين، والاقتصاديين، والفنانين، والإعلاميين والعسكريين.. إلخ، الذين يريدون فعلاً أن تكون سوريا وطناً حراَ سيداً لكل السوريين.

تلفزيون سوريا

————————————

———————————-

حول جدوى استمرار المعارضة في اللجنة الدستورية/ سمير سعيفان

يدور جدل واسع وحاد، حول جدوى استمرار مشاركة المعارضة في مفاوضات اللجنة الدستورية، وينقسم السوريون المعارضون في هذا الشأن؛ فبعضهم يرى ضرورة الاستمرار في  هذه اللجنة رغم انها لا تنتج شيئًا، ولهم حججهم، وبعضهم الآخر يدعو إلى انسحاب المعارضة منها، أو إلى تعليق مشاركتهم فيها إلى أن تكون المفاوضات مجدية، ولهم حججهم أيضًا.

1) حجج المدافعين عن استمرار مشاركة المعارضة في  اللجنة الدستورية

أ- اللجنة الدستورية تعدّ مشروع الدستور، وهو جزء من العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف تنفيذًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

ب- تشكل المفاوضات منصّة للتواصل الرسمي مع الأطراف الدولية التي تتحكم في الملفّ السوري، ومنبرًا للتوجّه إلى الأطراف الدولية لنقل صورة الأوضاع وإبراز جوانب تغيب عن أعينهم وأذهانهم، أو يتجاهلونها عمدًا؛ فتكون المفاوضات مناسَبةً لإعادة طرح هذه الجوانب وطرح قضايا المعتقلين والمغيبين وغيرها، ولتقديم بعض الأفكار والمقترحات. ومن غير المفيد فقدان هذا المنبر، فقد يأتي يوم يصل فيه اللاعبون الدوليون إلى توافق على حلّ سياسي في سورية، وحينئذ ستظهر أهمية استمرار هذا المنبر. والانسحاب من المفاوضات أسوأ من الاستمرار فيها، لعدم وجود بديل، ولكونه يُكسب المعارضة سمعة سلبية. ومن الأجدى الاستمرار في ملفّ المفاوضات، وهذا لا يمنع العمل من أجل بديل آخر.

ت- في 2015 و 2016، أعلنت المعارضة تجميد مشاركتها في المفاوضات، بسبب عدم إحراز أي تقدّم، ولكن هذا لم يأتِ بأي نفع على المعارضة، وخلال هذه الفترة سقطت حلب.

ث- لم تدعم الولايات المتحدة المعارضةَ بقوةٍ كي تنتصر سوى في الشهور الأولى، ثم بدأ موقفها يتراجع ويغدو رخوًا، بعد تجربة ليبيا، حيث أدى إسقاط القذافي إلى تحوّل ليبيا إلى ساحة للفوضى تتصارع فيها فصائل مسلحة سلفية، قامت بقتل السفير الأميركي في بنغازي، في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، بالرغم من أن السلاح الأميركي هو من أسقط القذافي. ومع تزايد نفوذ التوجهات السلفية والجهادية في صفوف المعارضة السورية، تسارع تراجع الدعم السياسي الدولي للانتفاضة السوريةـ

ج- اليوم، باتت الولايات المتحدة ومعها أوروبا تنظر إلى الملف السوري من زاوية مكافحة الإرهاب والجانب الإنساني، ودعم حزب PYD في شمال شرق سورية، وتريد أن تحافظ على وقف إطلاق النار، وإنْ كان يُخرق بشكل محدود من قبل النظام وروسيا. وقد وافقت إدارة بايدن على طلبات روسيا بالتعافي المبكر، وتُبدي تراخيًا واضحًا في تطبيق قانون قيصر، وتطرح شعار تغيير سلوك النظام، وهذا يعني بقاء النظام، بالرغم من أن الإدارة الأميركية تعلم أنه يستحيل تغيير سلوك النظام، وهو الذي لم يغيّر سلوكه أيام شارف على السقوط، بين صيف 2011 و 2015.

ح- مسار اللجنة الدستورية تم بتوافق روسي أميركي، ويتطلب تغييره تغيير موقف الإدارة الأميركية أولًا تجاه الاستمرار، بعد أن ثبت أنه مغلق ولا يؤدي إلى أي نتيجة، فالولايات المتحدة وأوروبا لا تؤيدان انسحاب المعارضة من مفاوضات الدستورية اليوم، إذ ليس لديها بديل، بينما تعني المفاوضات بالنسبة إليها “أن ثمة شيئًا يتم على جبهة الحرب السورية”.

خ- إيران وروسيا تدعمان النظام بكل قوة، على حين أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تدعمان المعارضة بتلك القوة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن تنفيذًا مخلصًا. حتى الداعمون العرب والداعمون الإقليميون قد دعموا المعارضة، لكن كلٌّ وفق حساباته الخاصة.

د- تتمنى روسيا أن تقوم المعارضة بتجميد مشاركتها أو بالانسحاب كليًا من المفاوضات، وتنتظر ذلك، فهذا سيعفي روسيا من حرج اتهامها بأن النظام يُعطّل المفاوضات، ويحوّل الاتهام نحو المعارضة، مما يرفع الحرج عنها واتهامها بأنها تشجع النظام سرًا على عدم التقدّم في ملفّ المفاوضات.

ذ- اللجنة الدستورية صدرت بقرار من الأمين العام، مما يمنح أعضاءها استقلالية ذاتية، حيث لم ينص القرار على أن تسمية ممثلي كلّ طرف في اللجنة الدستورية واستبداله كأمر ملزم. وسيحتاج إلى قرار من الأمين العام للأمم المتحدة.

ر- في حال الانسحاب، فلن ينسحب جميع أعضاء وفد المعارضة في هيئة التفاوض، ولن يعلن بعض أعضائه ذلك، إضافة إلى منصتي موسكو والقاهرة، وربما لا تُعلن أطرافٌ في المجلس الوطني الكردي ومستقلون انسحابهم، وسيخلق هذا شرخًا وانقسامًا في وفد المعارضة، وستستغل موسكو ذلك، وستترك ملف المفاوضات مغلقًا، وستسارع لاستغلاله لتبييض صفحة النظام.

2) حجج المعارضين لاستمرار مشاركة المعارضة في اللجنة الدستورية:

أ- ثبت عدم جدوى مسار اللجنة الدستورية، وأنها لن تفضي إلى شيء، وأن النظام وروسيا مصممون على أن لا تنتج أي حل للكارثة السورية.

ب- روسيا والنظام وإيران يستغلون المفاوضات، لشراء الوقت وإلهاء المجتمع الدولي، بأن ثمة جهودًا تبذل، بما يغلق طريق العودة لمسار جنيف أو البحث عن مسار آخر.

ت- اللجنة الدستورية هي جزء من سلسة تنازلات متدرجة، فمن بيان جنيف 2012 الذي يضمن حدوث انتقال سياسي شراكة مع النظام، وقد كان الائتلاف هو الطرف المعارض الوحيد مقابل النظام، ثم إلى القرار 2254 الذي جاءت صيغته أضعف من بيان جنيف، وخاصة استبدال صيغة “هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية”، بصيغة مائعة تتحدث عن إقامة “حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية”. ثم فرض تشكيل هيئة مفاوضات في كانون الأول/ ديسمبر 2015، كطرف مفاوض، بدلًا من الائتلاف، وقد ضمّت الهيئة أطرافًا أخرى أقلّ راديكالية في موقفها من التغيير السياسي في سورية، كما جعلت الوفد المعارض يفقد وحدته ويجعله بعدة أجسام وعدة رؤوس وبسقوف سياسية متباينة، حيث ضمَّت الهيئة العليا للمفاوضات هيئة التنسيق ومنصتي القاهرة وموسكو وأطرافًا مدنية مستقلة، بعضها رمادي.

ث- قبول المعارضة للمقترح الروسي بالدخول في مفاوضات اللجنة الدستورية، والتي ينظر إليها الروس كبديل تام للقرار 2254، يُشكل تراجعًا كبيرًا آخر، وبالرغم من ذلك، فإن هذه اللجنة لم ولن تحقق أي تقدم، نتيجة تعنّت النظام بدعم روسي على عدم التحرك للأمام.

ج- إن استمرار المعارضة في المفاوضات هو خطأ سياسي، وفيه تفريط بتضحيات الشعب السوري، وهي مكسب صاف للنظام.

ح- انسحاب المعارضة من مفاوضات اللجنة الدستورية التي لم ولن تُحرز أي تقدم، سيدفع الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى العودة لمسار جنيف بشموله، وربما البحث عن مسار آخر كبديل عن طريق اللجنة الدستورية المغلق.

خ- إن الاستمرار في مفاوضات اللجنة الدستورية، بحجة “عدم وجود بديل، وأن الانسحاب منها أسوأ من الاستمرار فيها”، إنما هو حجة عاجزة، لأن مسارها الهابط لن يتوقف، ويجعل مشاركة المعارضة تضفي طابعًا شرعيًا سوريًا على نتائج هذا المسار الهابط، ويجعل من المعارضة شاهد زور على موتها هي كمعارضة، وموت مطالب الشعب السوري بالتغيير، وروسيا حريصة على استمرار مشاركة المعارضة، كي تقول “إن ممثلي أصحاب القضية راضون”، وهي حجة تحتاج إليها روسيا أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة، على حين أن انسحاب المعارضة يفقد روسيا هذا السلاح الفتاك الذي يفتك بالمعارضة وبقضية الشعب السوري. وشتان بين نتائج الاستمرار ونتائج الانسحاب.

د- ليس المطلوب الانسحاب من عملية المفاوضات ككل، بل المطلوب رفض الاستمرار في اللجنة الدستورية، والإصرار على العودة إلى مفاوضات شاملة، حول كل ما جاء في بيان 2254 وبيان جنيف 2012، ويمكن أن تكون اللجنة الدستورية أحد الملفات التي يتم التفاوض حولها، ولكن الأهم أن يتم التفاوض حول هيئة الحكم الانتقالي والمعتقلين والمغيبين واللاجئين والمنشقين والميليشيات الأجنبية والحكومة الانتقالية، وغير ذلك من موضوعات كثيرة باتجاه صياغة سورية الجديدة.

ذ- اللجنة الدستورية هي درجة من درجات السلّم الهابط بمطالب انتفاضة الشعب السوري، وهي مقترح روسي، غايته حذف أي شيء له علاقة بانتقال سياسي، ويعدّها الروس تنفيذًا للقرار 2254 والقرار 2218 وبيان جنيف وكلّ ما له علاقة من قرارات أممية بسورية. وما لم يتم مواجهة توجهات الروس بجهد أميركي مواز، فإن إرادة الروس ستكون هي من يقرر مستقبل سورية، وستلقي بتضحيات الشعب السوري وبمطالب التغيير في القمامة، وعندما يقبل مَن “يمثل السوريين” باللجنة الدستورية، فإن الدول الأخرى المتحكمة في الملف السوري لن تكون مَلكية أكثر من الملك، في حال رأت في ذلك مصلحتها. لذا فموقف قوى المعارضة والتغيير في سورية والانسحاب من اللجنة الدستورية هو نقطة التحول نحو العودة إلى المطالب المشروعة للشعب السوري بالتغيير بعد ستة عقود من استبداد نظام البعث-الأسد.

3) الواقعية والمسؤولية تحدد المواقف السياسية وتوجهها:

أ- تتسم السياسة بواقعية شديدة، وفي الحرب يفرض المنتصر شروطه، وإن المعارضة -لأسباب كثيرة بعضها يعود لها، وبعضها يعود لإرادات عربية وإقليمية ودولية- قد خسرت الكثير، مع أنها صاحبة حق، ولا يمكن تجاهل ذلك، ولا ينفع التصرّف وكأنها فائزة.

ب- من جهة أخرى، عندما تكون صاحب حق ومشروعية، وتخسر، فعليك ألا تستسلم، وإن كان لا بد من خسارتك، فاعرف كيف تخسر، واعرف كيف تحافظ على جذوة نار قضيتك من أجل المستقبل، فلا تقر لعدوك بانتصاره مقابل الفتات، (هذا كان الخطأ القاتل لياسر عرفات في اتفاق أوسلو 1993)، ولا يجوز الإغراق بالواقعية، لأنها تتحول إلى استسلام وخيانة للقضية.

ت- لكن عندما يطالب البعض المعارضة باتخاذ موقف يستجيب لتطلعات الشعب السوري الذي انتفض في 2011 وقدّم تضحيات غير مسبوقة في القرن العشرين، ثم لم ينل حتى الآن سوى العسف والجور والعذاب، فإن اتخاذ المواقف له متطلبات، ولا تكفي الرغبات، وهنا سنلجأ إلى بعض التحليل عودة لماضي السنوات العشر لاستخلاص دروس المستقبل.

4) عودة إلى الماضي لاستخلاص دروس المستقبل:

في الواقع، تهيأت ظروف كانت ستحقق للمعارضة كامل عناصر القوة الصلبة والناعمة التي كانت ستمكنها من حسم الصراع قبل نهاية 2012. وكان بالإمكان أن يتحقق التالي:

أ- بناء تنظيم سياسي واسع له امتداد عميق في الشعب السوري وحاضنة شعبية تلتف حول القيادة السياسية لهذا التنظيم، ما يشبه منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، قبل أوسلو.

ب- بناء قوة عسكرية واحدة قوية منظمة تخضع لمركز قيادي واحد، يخضع للقيادة السياسية، بدًلا من فصائل مشرذمة زاد عدد فصائلها على المئات، في بعض الأوقات، ولم تكن تخضع لمركز قيادي واحد ولا للقيادة السياسية، مما شتت جهودها وسهّل السيطرة عليها وتوجيهها بما لم يخدم أخيرًا قضية الشعب السوري.

ت- السيطرة على مصادر تمويل محلية أولًأ من حقوق النفط والمعابر والضرائب المحلية، والسيطرة على  مصادر الإمداد بالسلاح، وجعلها بيد القيادة السياسية العسكرية الموحدةوتأسيس صندوق مركزي واحد بيد  القيادة المركزية السياسية والعسكرية

ث- امتلاك ذراع إعلامي نشيط وفعال يقوم بدوره على وجه جيّد، وقد بقي هذا الجانب ضعيفًا وما زال كذلك حتى اليوم.

ج- امتلاك ذراع دبلوماسي يتواصل مع الخارجيات والأحزاب ومراكز القوى في البلدان المؤثرة في الملف السوري

ح- بناء تنظيمات سياسية ومدنية محلية، في أماكن وجود السوريين، تقوم بأعمال ونشاطات وعلاقات محلية وحملات وغيرها، بحسب توجيه قياداتها المركزية.

خ- تأسيس مركز دراسات يحوي اختصاصات منوعة، ويتابع ما يجري على جبهات الصراع العسكري والسياسي والإعلامي والمجتمعي، ويطور سيناريوهات متعددة

د- القيام بدراسات وتحليلات تنتج معرفة جيدة بالخصم وبنقاط قوته وضعفه وبأساليب عمله واستراتيجيته وتكتيكاته.

ذ- رسم رؤية استراتيجية معارضة واضحة،

ر- امتلاك كوادر في جميع هذه الميادين، وقد توفر كوادر كثيرة راغبة في تقديم مساهماتها.

5) ما جرى هو عكس كل هذا:

أ- في الواقع، لم يتوفر للمعارضة سوى القليل من كل هذا، فلم يكن لديها قيادة قادرة تمتلك أدوات كافية، وإن كان الائتلاف قد حصل على اعتراف بتمثيله للمعارضة، وهذا ما يجب التمسك به وعدم التفريط فيه، ولكنه لم يكن يشكّل بذاته تنظيمًا سياسيًا واسعًا، ولا سيطرة له على الفصائل التي ما زالت مشرذمة ولا تندمج في جيش وطني واحد له قيادة واحدة وبنية هرمية ونظام أوامري مركزي واحد، وقد ساءت سمعة الفصائل إلى حد بعيد، ولا يسيطر الائتلاف على مصادر التسليح ولا على مصادر التمويل، ولم يكن له ميزانية كافية للقيام بما يكفي من نشاطات، ولا ما يكفي لتأسيس فرق عمل تخصصية أو مكانية، ولا مصادر لبناء إدارات محلية يسيطر عليها ويديرها، وثمة مؤشر صغير على وضع الائتلاف بأنه لا يملك حسابًا مصرفيًا، لأنه ما زال جسمًا غير قانوني، وفق الأنظمة السائدة في تركيا أو في غيرها.

ب- حتى الحكومة المؤقتة لم تكن تملك ما يكفي من موارد، ولم ولا يسمح لها بالسيطرة حتى على موارد كافة المعابر، وبذلك شكّل نقص التمويل، مع ضعف العمل المؤسسي وضعف التمويل، مقتلًا للعمل المعارض

ت- من خلال استعراض مسار الصراع خلال السنوات العشر الماضية، يبدو أن ثمة فيتو على تحقيق هذه الشروط العملية، التي كانت ستضمن سقوط النظام وتحقيق انتقال سياسي إلى نظام سياسي قبل نهاية 2012، وحينذاك لن يكون ثمة بيان جنيف في 30 حزيران 2012، أو سيكون بشكل مختلف لا يتضمن أي مشاركة للنظام القائم في البناء الجديد للدولة السورية، لأن تحقيق هذه الشروط سيؤدي إلى خلق قطب معارض قوي وموحّد سياسيًا، ذا ولاء شعبي واسع، ويكون قويًّا ومنظمًا وموحدًا عسكريًا، ويعمل على نحو مؤسسي، وقادرًا على إدارة انتقال سياسي في سورية إلى نظام ديمقراطي تعددي، يقوم على تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، في مناخ من سيادة الحريات العامة في التعبير والتنظيم وقيم المواطنة المتساوية، تحقيقًا لشعار الانتفاضة “الله سورية حرية”، و “الشعب السوري واحد”. نعم. فقد استنتج العديد من المراقبين والدارسين ومن المشاركين في النشاط السياسي والعسكري أن ثمة فيتو دولي على تشكيل جيش وطني واحد، وفيتو على تشكيل جسم سياسي واسع التمثيل وواسع الشعبية، ويقوم هذا الاستنتاج على وقائع كثيرة، وعلى منطق أن هناك دولًا بإمكانيات مالية وعسكرية وسياسية كبيرة قد تولت رعاية المعارضة منذ صيف 2011 وتعاظمت في سنة 2012، وهي تدرك تمامًا أهمية ما نقول. ومن الصعب تصوّر أن تعقد مؤتمرات دولية عدة شارك فيها أكثر من 120 دولة في العالم، بينها أقوى دول العالم، داعمة للمعارضة ولمطامح الشعب السوري في الانتقال السياسي، ثم تعجز هذه المعارضة التي ضمت إليها منذ صيف 2012 أكثر من 150 ألف مقاتل، وكان النظام يخسر كل يوم بعض مواقعه، وقد تقلصت سيطرته إلى أقل من ربع مساحة البلاد وسكان البلاد. ويبقى السؤال حتى اليوم: أما زال الفيتو موجودًا ويمنع تشكيل جيش وطني واحد موحد وقيام تنظيم سياسي واحد واسع بانتشار شعبي واسع وينتظم فيه خيرة كوادر سورية من المعتدلين من مختلف التوجهات، وهم غالبية الكوادر من السوريين ويكسب غالبية الشعب السوري، والذين يؤمنون جميعًا بالديمقراطية والنظام الديمقراطي، أي المعتدلين العلمانيين والمعتدلين الليبراليين والمعتدلين القوميين والمعتدلين الإسلاميين؟ سؤال ما زال ينتظر جوابًا.

ث- اليوم، تضع الظروف السائدة ومواقف اللاعبين الائتلافَ وهيئة المفاوضات في وضع يصعب عليها أن تعرف ما تريد، فإراداتها ليست حرة، وهي في وضع الآن لا تستطيع معه تحديد ما تريد، وليس لديها أي استراتيجية سوى الاستسلام للواقع والقبول والمشاركة في المفاوضات، بدافع أنه لا يوجد بديل، وعلى أمل أن يدعمها المجتمع الدولي بالضغط كي تجبر روسيا النظام على تنفيذ القرار 2254 والانتقال إلى نظام سياسي جديد، غير أن هذا ما زال أملًا، بعد كل هذه السنين. وبالتأكيد هذه وصفة للخسارة المؤكدة، خسارة كل شيء.

6) بالمقابل على جبهة النظام وداعميه:

أ- بالمقابل، كان لدى النظام مركز قيادي واحد وكلمة واحدة تسيطر على كل شيء، حتى مع دخول روسيا وإيران بقي التنسيق قائمًا، وكان النظام يعرف ما يريد، وحدد شعاره أن لا شيء للمعارضة، ولو كان أبسط تنازل ضمن شعار “كل شيء او لا شيء”، وقد بقي متمسكًا بهذا الهدف البسيط والواضح حتى في ساعات كان فيها قريبًا من السقوط، وسيبقى متمسكًا بهذا الشعار.

ب- رسم النظام وحلفاؤه استراتيجية تقول بالاستمرار في المفاوضات شكليًا، مع عرقلة تحقيق أي تقدم عمليًا.

ت- قرارات مجلس الأمن يفسّرها الروس بطريقة تفرغها من محتواها، وتضغط لفرض هذا التفسير، بينما تتراخى الولايات المتحدة مقابل الضغط الروسي، ويستعمل الروس حجة أن المعارضة السياسية مشتتة مشرذمة وغير قادرة على إدارة سورية في حال رحيل النظام.

ث- الأمم المتحدة لاعب مستقل شكليًا، ولكنها تخضع لضغوط الأعضاء الأقوياء فيها، وخاصة الأعضاء الدائمين الخمسة، وإن الوسط الأممي لتيسير المفاوضات بين النظام والمعارضة يحدد موقفه بحسب الضغوط التي تمارس عليه من اللاعبين الكبار، كما تلعب ميوله الشخصية دورًا بقدر ما تسمح به الظروف، ويلاحظ أن المندوبَين الأولين: كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، قد كانا أكثر موضوعية في النظر للحرب السورية، وفضّلا الاستقالة عندما اقتنعا بأن النظام وروسيا مصممين على عدم إحراز أي تقدم، مما يجعل عملية المفاوضات نوعًا من خداع الشعب السوري، أما المندوبان الأخيران: ديمستورا وبيدرسون، فقد كانا ميالين إلى النظام بحكم الضغوط الروسية القوية التي لا تقابلها ضغوط أميركية موازنة، وبحكم ميولهما الشخصية، نتيجة لتحليل واقع كل من المعارضة والنظام.

7) ما العمل وما الذي يمكن فعله؟

أ- الماضي لا يعود ولكن تبقى دروسه: فما الذي توفر أو يتوفر لدى المعارضة الآن من هذه الأدوات والمستلزمات؟ وما الذي يمكن توفيره منها وكيف؟ ومن يمكنه أن يلعب دورًا في تأمينها أو تأمين أي منها ، بما يساعد المعارضة على اتخاذ موقف مبدئي واقعي ومسؤول

ب- بغض النظر عن خطأ المعارضة في القبول بالدخول في مسار اللجنة الدستورية، فقد أصبح الواقع على هذه الحال، فما الذي يمكن فعله؟!

ت- في السياسة، كلّ شيء يخضع لمنطق الربح والخسارة وحساباتها. ولكن لا يتوقف على حسابات الربح والخسارة الآني، بل ينظر إلى البعيد ومدى خدمة الموقف الآني للهدف البعيد الأخير، وهو نيل الشعب السوري حريته وقيام نظام ديمقراطي تعود فيه السلطة للشعب، وفق آليات النظم الديمقراطية الحديثة، كما هو في عالم اليوم المتمدن، وهذا يتوافق مع التنفيذ العادل لقرارات مجلس الأمن، وجوهرها الانتقال السياسي إلى نظام ما بعد نظام البعث الأسد، نظام يقوم على أسس الديمقراطية وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع في مناخ من الحريات العامة في التعبير والتنظيم.

ث- لا يمكن تبرير الاستسلام للواقع الحالي، بحجة عدم حدوث بديل، ونحن نرى الواقع ينزلق لصالح النظام وإعادة تأهيله. وبالتالي ستكون مشاركة المعارضة في حالة العجز الحالية مشاركةً لمنح شرعية لإعادة تأهيل النظام، وستكون المعارضة شاهد زور على التفريط بتضحيات الشعب السوري.

ج- إن أي موقف يُتخذ يجب أن يحسب بدقه وتحسب آثاره، ويجب أن تكون هناك خطة لتقليص الآثار السلبية، والأهم أن يكون ثمة بديل، والبدائل تتوفر عندما تمتلك المعارضة عدة مسارات على عدة جبهات.

ح- يظن البعض أن المشكلة في الائتلاف أو في الهيئة، ولذلك يوجّه كثيرًا من النقد ويطالب بإصلاح الائتلاف. وبالرغم من أهمية الإصلاح وضرورته المفاوضات، فإني أرى أن المشكلة ليست في إصلاح الائتلاف بحد ذاته، مهما كانت إجراءات الإصلاح جذرية وتسير بالاتجاه الصحيح، ما لم يترافق إصلاح الائتلاف باستراتيجية متكاملة تتضمن إجراءات تكميلية لا بدّ منها وضمن الممكن، أما عملية الإصلاح، مع بقاء بقية المسارات كما هي دون تغيير، فلن تُحدث فرقًا يذكر، فأهمية الائتلاف قد تراجعت بعد تشكيل هيئة المفاوضات، كما أن أهمية هيئة المفاوضات قد تراجعت بعد تشكيل اللجنة الدستورية التي صدر باعتمادها قرارٌ من الأمين العام للأمم المتحدة، مما منح أعضاءها استقلالية عن المؤسسات التي يمثلونها، وهذا ما يرغب في ترداده الرئيس المشارك لوفد المعارضة للجنة الدستورية، مما يطلق يديه في اتخاذ المواقف، وهو الحريص على استمرار المفاوضات بما تقدمه له من دور ومكانة دولية.

خ- إصلاح الائتلاف يصنع الفرق، إن ترافق مع توحيد فصائل المعارضة المسلحة ضمن جيش وطني واحد بهرمية قيادية متسلسلة واحدة، وأن يخضع لقيادة أركان تتبع الائتلاف، وأن تأتي الأسلحة والرواتب والتمويل عن طريق صندوق يسيطر عليه الائتلاف، وأن تتبع الحكومة المؤقتة للائتلاف، بينما استقلت بذاتها الآن، وهي الأخرى بحاجة إلى الإصلاح، وسيكون لإعادة تنظيم المجالس المحلية دور كبير، وأن يكون للائتلاف ذراع عسكري وذراع إعلامي وذراع دبلوماسي وبرنامج نشاطات بين السوريين وتواجد جغرافي، حيث يوجد السوريين. وكل هذا ضمن رؤية استراتيجية واضحة، وكوادر بشرية قادرة على القيام بهذه المهام، وقبل كل شيء السعي لامتلاك إرادة سياسية مستقلة تتحالف مع حلفاء، بناءً على المصالح المشتركة، ويتوفر في صفوف المعارضة كثير مما يمكّنها من تلبية كل هذه الاحتياجات. ونقصد المعارضة بمفهومها الواسع، وهو أوسع من مجرد الائتلاف وهيئة المفاوضات، ويشمل كل التنظيمات المعارضة السياسية والمدنية والثقافية والحقوقية والنقابية والعسكرية، ويمتد ليشمل جميع الأفراد المعارضين للنظام والمؤيدين للتغيير على اختلاف مشاريهم، أينما كانوا.

د- بالتأكيد، يلعب الدورَ الرئيس في كلّ هذا ثلاثة عوامل، هي التمويل وتوحيد الفصائل والإرادة؛ أما التمويل فيتوفر جزء كبير منه، لو تمت السيطرة الكاملة -ضمن الرؤية الجديدة- على موارد جميع المعابر في الشمال السوري دون استثناء، وأن تخضع للقيادة المركزية الجديدة، وأن تكلف الحكومة المؤقتة بإدارة المعابر، ويضاف لها دعم مالي ما زال يأتي ليوضع في صندوق مركزي موحد؛ وأما الفصائل فلا بدّ من توحيدها في جيش وطني واحد، يخضع لهيئة أركان من ضباط محترفين ونظام أوامري هرمي؛ وأما الإرادة فهي تتكون من جزئين: الأول سوري، وهو متوفر بقوة اليوم، والجزء الآخر يرتبط بلاعبين دوليين، أهمهم تركيا وإدارة بايدن، وهذا ما يجب على السوريين التحرك باتجاهه سعيًا للإقناع من خلال مخاطبة المصالح.

مركز حرمون

—————————–

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى