الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 21 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
——————————————
سورية… متلازمة الفساد والدخل/ عبسي سميسم
20 ابريل 2025
لعل الشعار الأبرز الذي طرحته الحكومة السورية الجديدة (تسيير الأعمال، والحكومة الانتقالية)، وتطبّقه بفعالية هو شعار مكافحة الفساد، كون الميزة الأساسية (لحكومة الإنقاذ التي استلم معظم أعضائها مفاصل الحكومة السورية) أنها كانت تمتلك منظومة إدارية شبه خالية من الفساد. كما أنها كانت صارمة مع أية حالة فساد.
إلا أن تطبيق هذه الصرامة في المناطق التي كان يديرها نظام بشار الأسد، أدت إلى مفاعيل سلبية أثرت على حياة غالبية السوريين، خصوصاً الموظفين الذين لم يعد لديهم القدرة على تأمين أدنى متطلبات حياتهم اليومية، بسبب منظومة الفساد التي هندسها النظام السابق، بطريقة تسمح للجميع بسرقة وابتزاز الجميع. منظومة يتمكن فيها مواطن لا يتجاوز دخله الشهري 30 دولاراً أميركياً من تأمين متطلبات حياته اليومية، بدءاً من المستخدم وانتهاء بالوزير.
إذا تجاوزنا كبار الفاسدين، وبحثنا في منظومة الفساد المعقدة على مستوى المواطنين العاديين، نجد أن المستخدمين في أي دائرة حكومية ينقسمون إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى مدعومة من فاسد لدى جهة عليا والمشمولون فيها مسجلون على قيود الموظفين مقابل نسبة من راتبهم دون دوام، وبالتالي لديهم عمل آخر يحصلون من خلاله على مورد. وفئة تتطلّب طبيعة عملها احتكاكاً مع المواطنين، وهذه الفئة تحصل على أضعاف راتبها من المواطنين، سواء كانوا مراجعين لدوائر حكومية أو مشاف وغيرها. وفئة ثالثة من المستخدمين الذين يعملون كمفاتيح لموظفي الدائرة التي يعملون فيها مقابل نسب من الرشى التي تدفع لتمرير معاملة ما.
أما بالنسبة إلى موظفي الدرجة الثانية والثالثة في الدوائر الحكومية فإن جميع معاملات الدولة لا تُمرَر دون دفع تسعيرة لكل معاملة، بدءاً من اختصار الوقوف على الطابور وانتهاء بتمرير المعاملة ذاتها. طبعاً هذا عدا عن الاختراعات التي يبتدعها الموظفون لعرقلة المعاملات وحلها مقابل المال. فمثلاً في مديريات الاتصالات تُقطع مجموعة من خطوط الهاتف الأرضي عن عدد من المشتركين دورياً، والتي تتطلب إعادة وصلها دفع مبلغ بين 25 إلى 50 ألف ليرة سورية (الدولار يساوي 11 ألف ليرة)، وكذلك الأمر بالنسبة للكهرباء والماء وغيرهما من الخدمات.
ولا يختلف الأمر في باقي القطاعات، فصحافي لا يتجاوز راتبه 350 ألف ليرة كان غير ملزم بدوام ويعتمد على الهبات من المسؤولين مقابل إما مدح مسؤول ما وإما التجاوز عن فساد مسؤول. وعادة ما يلجأ صحافيون لابتزاز مديري الدرجة الثانية لتأمين دخل إضافي، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي القطاعات التي نجد أن النظام السابق أوجد “حلاً” لمشكلة تدني الرواتب فيها من خلال الفساد. أما الآن فيعاني معظم موظفي قطاعات الدولة من انقطاع الدخل الإضافي المتأتي من الفساد، بالتأكيد ليس المطلوب عودة الفساد وإنما أن تجد الحكومة حلولاً لموضوع الدخل مترافقة مع القضاء على هذه المنظومة من الفساد.
العربي الجديد
——————————————
حل “لواء العودة”… هل تبدأ دمشق حملة توحيد الجيش السوري؟/ حايد حايد
لا يمكن اعتبار ما حدث مع قوات العودة نموذجا قابلا للتعميم
آخر تحديث 21 أبريل 2025
شكّل حل اللواء الثامن، بقيادة أحمد العودة، في 13 أبريل/نيسان، نقطة تحول بارزة في المشهد الأمني السوري، إذ أزاح الرئيس المؤقت أحمد الشرع خصمه الأبرز في الجنوب، وفتح المجال أمام دمشق لتعزيز قبضتها على محافظة درعا.
وربط مراقبون هذه الخطوة بزيارة الشرع الأخيرة إلى الإمارات العربية المتحدة، التي تجمعها بالعودة علاقات وثيقة. وعلى الرغم من أن التوافق الإقليمي ساهم في تسهيل العملية، فإن العامل الحاسم كان في الاستراتيجية الميدانية المحكمة التي انتهجتها دمشق.
فقد اتبعت الحكومة الانتقالية نهجا بات مألوفا بالنسبة لها، فبادرت إلى بناء مراكز قوة بديلة، ثم شرعت في عزل اللواء وإضعافه بشكل تدريجي، قبل أن توجه الضربة النهائية في الوقت المناسب، عبر مزيج مدروس من التهديد العسكري والضغوط المجتمعية. ثم تكللت هذه المقاربة باتفاق تفاوضي أدى إلى تفكيك اللواء دون أن تندلع مواجهات دامية تُذكر.
ويحاكي هذا النهج إلى حد كبير أسلوب “هيئة تحرير الشام” في تصفية خصومها بإدلب ومناطق الشمال السوري، ما يطرح تساؤلا جوهريا: هل تعتزم دمشق تطبيق الآلية ذاتها لاستيعاب بقية الفصائل المسلحة، التي تخضع شكليا لوزارة الدفاع، ضمن هيكل القوات النظامية الخاضعة بالكامل للدولة؟
تصاعد التوترات والانهيار
وكان اللواء الثامن قد حافظ، كغيره من الفصائل التي وافقت على الاندماج تحت قيادة وزارة الدفاع، على درجة غير مسبوقة من الاستقلالية في اتخاذ القرار، ولكنه انفرد بموقفه الصارم الرافض لتمركز أي قوات غير محلية موالية لدمشق في معقله بمدينة بصرى الشام.
وازدادت التوترات حدة بعد فشل المفاوضات المتعلقة بدمج اللواء في البنية العسكرية الرسمية، إذ تحولت الخلافات بشأن توزيع الرتب، وترسيم مناطق النفوذ، وتحديد الصلاحيات، إلى أزمة ثقة متفاقمة، حالت دون ترسيخ نفوذ دمشق في درعا.
وانتهجت الحكومة الانتقالية، على غرار “هيئة تحرير الشام”، سياسة القضم التدريجي لنفوذ اللواء، من خلال عزله وتوسيع شبكة تحالفاتها المحلية. وجاءت الخطوة المفصلية بتعيين بنيان أحمد الحريري- وهو من أبناء المنطقة وينتمي إلى عائلة ذات وزن عشائري- على رأس الفرقة العسكرية في المحافظة، ما أفضى إلى تحييد مجموعات كانت تشكل ركيزة أساسية في قوة العودة.
وفي مسعى موازٍ، اخترقت دمشق معقل العودة ببصرى الشام بدعمها للمنافس المحلي بلال الدروبي، الذي كُلّف بإنشاء خلية تابعة للأمن العام، بهدف تقويض هيمنة العودة وتعزيز حضور الدولة في المنطقة.
وقد أسفرت هذه الإجراءات، إلى جانب عوامل أخرى، عن تآكل ملحوظ في قوة اللواء الثامن، الذي انكمشت عناصره إلى ما بين 300 و400 مقاتل فقط، محاصرين في جيب بصرى الشام، ومعزولين تدريجيا عن حلفائهم الإقليميين وشبكات دعمهم الخارجية.
الضربة القاصمة
بلغت استراتيجية دمشق ذروتها في لحظة مدروسة، حين اختارت تفجير الأزمة في توقيت محسوب بعناية. وكانت الشرارة الأولى مواجهة مسلحة اندلعت بين قوات أحمد العودة وبلال الدروبي، تحت غطاء عملية لمكافحة المخدرات. لكن التحول الفاصل وقع عندما قُتل الدروبي خلال الاشتباكات، وهو ما أثار غضب أنصاره وأشعل موجة من المواجهات العنيفة.
اغتنمت دمشق الفرصة، فدفعت بـ1200 عنصر من قوات الأمن العام إلى أطراف بصرى الشام، في استعراض قوة ينذر بعملية عسكرية وشيكة. لكنها بدلا من اللجوء الفوري إلى السلاح، فتحت قنوات تفاوض مع وجهاء المنطقة. ولتعزيز الضغط الشعبي، تأخر دفن الدروبي، فيما استُخدمت المساجد لتنظيم مظاهرات تندد باللواء الثامن.
وتحت الضغط المجتمعي الغاضب، وفي ظل التهديد بتدخل عسكري، رضخ قادة اللواء الثامن للأمر الواقع. وفي 13 أبريل/نيسان، وافقوا على شروط تضمنت نزع السلاح، وتسليم السيطرة الأمنية لقوات الأمن العام، وتعيين قائد مؤقت للإشراف على دمج اللواء في هيكل وزارة الدفاع. وبذلك، طُويت صفحة النفوذ الذي مثّله أحمد العودة في المنطقة.
نموذج محتمل أم سابقة استثنائية؟
يمثل نجاح دمشق في تفكيك اللواء الثامن، باستخدام أدوات سياسية وميدانية تحاكي أساليب “هيئة تحرير الشام”، سابقة قد تُستنسخ في التعامل مع فصائل أخرى ترفض الاندماج الكامل في صفوف الجيش النظامي. غير أن مدى فعالية هذه الاستراتيجية يظل مرهونًا بثلاثة عوامل حاسمة: حجم الفصيل المستهدف، عمق ارتباطه الاجتماعي، ومستوى الشرعية التي تتمتع بها الحكومة المركزية في نظر المجتمعات المحلية.
ولا يمكن اعتبار ما حدث مع قوات العودة نموذجا قابلا للتعميم. فحين تقتضي الضرورة، قد تلجأ دمشق إلى الحسم العسكري المباشر لسحق أي مقاومة وفرض التفاوض بشروطها.
لكن، حتى إذا نجحت هذه المقاربة في توسيع رقعة السيطرة الحكومية، فإن الأزمة السورية العميقة تبقى عصية على المعالجة بتلك الوسائل وحدها. فالمطالب الأساسية للفصائل المعارضة المترددة– وفي مقدمتها اللامركزية، ورفض هيمنة “هيئة تحرير الشام” على القرار السياسي، والمطالبة بتقاسم فعلي للسلطة– تظل غير قابلة للتجاوز بالضغط والإكراه.
ويظل الغليان الاجتماعي كامنا تحت السطح، مثل بركان خامد، ما دامت قنوات الحوار الجاد مغلقة، وما دام دور الفاعلين السياسيين شكليًا. وعندما تُهمّش الأصوات، يصبح الانفجار مسألة وقت، لا نتيجة أيديولوجيات، بل حصيلة يأس متراكم، ونظام سياسي أخفق في أن يكون أداة تغيير حقيقية.
المجلة
——————————–
الثقافة السورية في العهد الجديد/ بشير البكر
الإثنين 2025/04/21
لا يبدو أن مستقبل الثقافة السورية سيكون بخير مع الوزير الجديد محمد صالح، الذي قدم نفسه في حفلة تنصيب الحكومة السورية، وأقسم اليمين الدستورية بأبيات من الشعر ذات رؤية سياسية على قدر من الخفة، وتفتقر إلى العمق والرصانة التي يجب أن يتحلى بها المسؤول، عندما تضعه الأحداث أمام مهمة تنوير الناس في الأزمنة الصعبة والاستثنائية، ومنهم أهل بلدنا سوريا، التي عانت في العقود الأخيرة من محاولات تجفيف منابع الثقافة، وتحويل البلد إلى صحراء في عمل ممنهج لتجهيل السوريين، وفرض حالة من الأمية الثقافية على مجتمع، ظلت الثقافة، عبر تاريخه الطويل، أحد أسلحة دفاعه عن هويته الوطنية.
سوريا بلد ثقافي بامتياز، ولها دور رائد في اغناء الثقافة العربية وتجديدها، منها ظهر شعراء كبار مثل نزار قباني، وعمر أبو ريشة، وبدوي الجبل، ومحمد الماغوط، وروائيون متميزون مثل حنا مينه، وقصاصون مجددون كزكريا تامر، ومفكرون تنويرون كصادق جلال العظم، ورسامون مثل لؤي كيالي وفاتح المدرس ونذير نبعة، وكتاب مسرح كسعد الله ونوس، وسينمائيون كمصطفى العقاد.
مضى قرابة ثلاثة أسابيع على تسلم وزير الثقافة الجديد مهامه، وكان من المنتظر منه أن يقدم تصوره لما يمكن أن تقوم به الوزارة من عمل عاجل لإسعاف المؤسسات الثقافية العاطلة عن العمل، أو على الأقل زيارة المسارح المغلقة مثل الحمرا والقباني والخيام، التي شهدت نهضة سوريا المسرحية، وصالات السينما كالكندي، التي تشكل فيها الوعي والثقافة السينمائيين لأجيال سورية في السبعينيات والثمانيات، أو المراكز الثقافية، أو أن يلتقي بما بقي داخل سوريا من مثقفين، صمدوا خلال الحقبة الأسدية السوداء ودفعوا ثمنا كبيرا للدفاع عن ثقافة وهوية السوريين.
اقتصرت نشاطات الوزير على زيارة لضريح الشيخ الشيعي محسن الأمين ومقام السيدة زينب، في 17 نيسان يوم استقلال سوريا، وأخرى جرى نشر صورها على وسائل التواصل لشيخ عشائري من البوكمال بريف دير الزور، يدعى فرحان المرسومي، وذلك برفقة جمال الشرع شقيق رئيس الدولة، وهذا من حقه، ولكن وسائل التواصل حفلت بأخبار وصور عن هذا الشيخ، الذي تحدث ناشطون أنه كان مهرب “كبتاغون”، وأحد أذرع الحرس الثوري الإيراني في منطقة البوكمال، والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد. وإن ذل ذلك على شيء فهو يعبر عن عدم مراعاة مشاعر الناس، قبل خدش مكانة الموقع الذي يتولاه كممثل للدولة وللشأن العام أولا، وكوزير للثقافة ثانيا، التي تتطلب من الرجل التي يقودها أن يتوافر على قدر عال مما يتحلى به المثقف من نزاهة واحترام للناس.
لا ينتظر السوريون ثقافة مَضافات، وعباءات عشائرية، واستعراضات في وسائل التواصل، بل ثقافة اختلاف وتجديد. أي وزير يتسلم هذا المنصب، يجب ألا يكون أقصر قامة من الوزيرة نجاح العطار صاحبة الدور المشهود له في نهضة سوريا ثقافيا في الثمانينات. ولذا يجب أن تسند المهمة في العهد الجديد إلى شخص يمتلك ثقافة حقيقية، ورؤية تليق بسوريا الجديدة.
تحتاج سوريا اليوم إلى ثقافة تقطع مع العهد البائد، ليس على أساس الترويج لمقولات وخرافات شعبوية، تتوسل كسب متابعين على وسائل التواصل، بل على أساس مفاهيمي فعلي يضع الثقافة في مكانها الصحيح في المجتمع، من كونها أحد مصادر المناعة والإعلاء من قيمة الوعي في حياة الناس، الذين تعرضوا على مدى عقود إلى عمليات اضطهاد ثقافي، لا يقل قسوة عما حصل سياسيا، حيث تم اغراق البلد بالدراما الرديئة، والمسلسلات الهابطة، والكتب السطحية، وتحولت المؤسسات الثقافية إلى مراتع للأمن، ورديف للمؤسسات القمعية، وهذا واضح في حال اتحاد الكتاب، الذي اداره بعض موالون للنظام السابق، ومنهم نضال الصالح، الذي تم طرده من التدريس الجامعي، بسبب تزوير شهادته العلمية، واستقال من رئاسة الاتحاد عام 2019، نتيجة حملة قادها ضده أعضاء من الاتحاد اتهموه بالتعامل بعقلية الشبيح، الذي استبعد أي كاتب لا يتفق معه شخصياً بزعم أنه متآمر ومناهض للنظام، حتى لو كان مؤيداً.
هناك ظواهر غير مبشرة مثل تعيين لجان لتسيير بعض المؤسسات، نقابة الفنانين، نقابة التشكيليين، واتحاد الكتاب، وقد صدر ذلك عن جهة رسمية تابعة لوزارة الخارجية تدعى أمانة الشؤون السياسية، التي بات من المتعارف أنها هيكل سياسي جديد، تعتمده السلطة كجهاز للحكم. ويرى معارضو ذلك أن الانتقال إلى وضع جديد، لا يتم من خلال تكريس أساليب عمل السلطة السابقة، أو استنساخ طرق عملها، أو تقليدها، ويجب ألا يقتصر الأمر على الهياكل، بل الأفراد أيضا. ومن المنتظر أن يكون الأشخاص في المواقع الأمامية معبرون عن الروحية الجديدة للبلد المدمر، والذي لا يملك سوى الرصيد الأخلاقي الكبير، الذي كونه بفضل صموده وتضحياته وصبره وتشرد أبنائه في معركة الخلاص من الطغيان. وعلى هذا ليس من الحصافة بمكان الاستهانة بالسوريين أو الاستخفاف بوعيهم، أو التأثير عليهم بأساليب وشعارات تجرهم الى الوراء، واستغلال الهشاشة الاقتصادية وحال التعب الذي يعيشونه.
تنهمك فئات واسعة من المثقفين والإعلاميين ورجال الأعمال والفنانين والمؤثرين على وسائل التواصل، بالدفاع عن التحول السوري الذي حصل في الثامن من كانون الأول، لكن العديد من الذين يتولون مناصب رسمية في السلطة الجديدة، ليسوا على قدر من الوعي بالتحديات التي تواجه البلد، على طريق استكمال وحدته الداخلية، وبناء مؤسسات الدولة على أسس سليمة.
المدن
——————————————
ثنائية الجيش والفصائل/ لمى قنوت
أفواج من الجهاديين من مختلف المشارب عبروا وقاتلوا في سوريا، كـ”حزب الله” الذي تدخل في عام 2012 إلى جانب مجموعات أخرى قاتلت دفاعًا عن النظام البائد، وخرجت أو أُخرجت من البلاد إثر الحرب على وكلاء إيران في لبنان وسوريا، إضافة إلى جهاديي “داعش” و”القاعدة” وغيرهما من الجماعات العقائدية التي ما زال جزء من عناصرها محتجزًا في سجون “الهول” و”روج”، أما الجماعات التي انضمت إلى عملية “ردع العدوان” التي أدت إلى فرار الأسد، فقد تم تعيين بعضهم وتقليدهم مناصب قيادية في الجيش، واليوم تضع واشنطن شروطًا من ضمنها إبعادهم عن تلك المناصب لتخفف العقوبات التي تعوق إنعاش الاقتصاد المنهار.
على صعيد السلطة الجديدة، فقد أرادت لقرارات فصائل “ردع العدوان” أن يكون مؤتمرها “مؤتمر النصر” بمثابة مؤتمر تأسيسي لمرحلة ما بعد النظام الأسدي، وربما، من هنا يُفهم لماذا تتجاهل السلطة الدعوة لعقد مؤتمر وطني جامع، الأمر الذي جعل من التشاركية والحوار والمشاورات تقتصر على “تيارها السياسي” من شرعيين ومقاتلين ومدنيين، ويُفسر أيضًا الطريقة الأدائية التي اختُزل فيها مؤتمر الحوار الوطني لساعات معدودة، والتي قدرت بخمس ساعات، وإغفال مخرجاته أهمية بناء القطاع الأمني، وبضمنه الجيش، في البند العاشر المتعلق بالعدالة الانتقالية، والاكتفاء بالتنصيص على إصلاح المنظومة القضائية فقط، رغم أهميتها في المراحل الانتقالية، والاقتصار على جملة عامة وردت في البند الثالث المتعلق بحصر السلاح بيد الدولة والذي تضمن جملة “بناء جيش وطني احترافي”.
وفي الواقع، إن بناء جيش بمعطيات الإدارة الحالية، التي تستفرد بتأسيسه وفق أجندتها وخلفيتها الأيديولوجية، القائمة على تقاسم السلطة بناء على الولاء، هو تعيين جهاديين أجانب، بعضهم مطلوبون في دولهم، وقادة خاضعون لعقوبات دولية، وتعيين متورطين في صراعات خارج سوريا، كفهيم عيسى قائد فرقة “السلطان مراد” فيما يُسمى “الجيش الوطني” عبر تجنيد مقاتلين ومدنيين للقتال في النيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو بدعم تركي، إضافة إلى النفوذ الخارجي وتبعية القرار للعديد من الفصائل، والعقلية الغنائمية وتقاطعها مع الفساد، وبذلك نكون أمام جرعة متكاملة من الفشل، أمنيًا ومؤسساتيًا وحقوقيًا وحتى سياسيًا، وتُبقي الباب مشرعًا أمام استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وديمومة الإفلات من العقاب، وتقوّض السيادة، وترفع مصالح الجماعة فوق مصالح الدولة.
لقد بنى نظام الأسدين الدولة الثكنة، أي عسكرة المجتمع، وكذلك التطبيع مع مقولة “من يحرر يقرر” هو ديمومة لعلوية العسكرة وأحكامها الفوقية الإخضاعية في بناء المؤسسات والانتقال السياسي وبناء الدولة، ودون فهم شواغل غالبية السوريين والسوريات في تحقيق القطيعة مع الاستبداد بكل أشكاله، وبناء نموذج أمني يُطمئنهم لا يخيفهم، يقوم على حماية الإنسان وحقوقه، وتعزيز الأمن الإنساني، ويعتمد في بناء القطاع الأمني، وبضمنه مؤسسة الجيش، على قواعد أرستها الدول الحديثة، قائمة على حياده، ومهنيته، وفحص أهلية المنضوين فيه، والرقابة المدنية عليه، أي رقابة المؤسسات التشريعية ومنظمات المجتمع المدني.
لا شك أن بناء الجيش والانتقال من العقلية الفصائلية وطبيعتها الغنائمية وصراعاتها على الموارد والنفوذ، وتخلصها من الريعية والولاءات الجهوية والطائفية هي عملية صعبة وطويلة الأمد، ويجب أن تتسم بملكية وطنية وإجراء مشاورات وطنية مع مراكز أبحاث مهتمة بإصلاح القطاع الأمني وخبراء الأمن، نساء ورجالًا، والاستفادة من الخبرات والتجارب الدولية المتعددة المتعلقة في بناء القطاع الأمني في دول أنهكها النزاع وترهلت مؤسساتها، وأن يكون البناء جزءًا من استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية التحولية، والتي تقوم ركائزها على المحاسبة ومعرفة الحقيقة وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات والتشريعات، من أجل إعادة الثقة في المؤسسات ومنع تكرار الجرائم والانتهاكات، وإحداث قطيعة مع ثقافة الإفلات من العقاب.
ختامًا، إن بناء الجيش المحايد، وخضوعه للمساءلة الديمقراطية، وضمان ولائه للحكومات المنتخبة ديمقراطيًا، وعدم تدخله في الخلافات السياسية بين المجتمع والحكومة، وبنتائج الانتخابات، وعدم انحيازه إلى دكتاتور أو حزب سياسي، وضمان ألا يقود انقلابًا أو يدعم انقلابًا، لا يمكن أن يتم دون قيود دستورية ومؤسساتية على دور الجيش، وقضاء مستقل، وفصل للسلطات، وثقافة مؤسساتية ومجتمعية تحترم حقوق الإنسان، وإلا فيخسر الجيش شرعيته إذا وجه سلاحه ضد الشعب أو أي فئة منه، وإذا انحاز لمصالح فئوية وتم بناؤه على اللون الواحد.
عنب بلدي
———————————
========================