تحقيقات

أطفال سوريا شمالي البلاد في خطر كبير من غياب الهوية إلى الانخراط بأسوأ أنواع العمالة/ حسام محمد

مما لم يعد فيه أدنى شك، أنك عندما تتحدث عن سوريا، فإن جوارحك تتفاعل مباشرة على أن المخاطب هو مأساة وطن بأكمله، فمنذ أن خط الشعب السوري طريقه نحو الربيع متأملًا بتأسيس مستقبل أفضل، أصدر رئيس النظام السوري حكمه القطعي بإن ما يجري «مؤامرة» فراح يستخدم جيشه وجيوش الحلفاء من روسيا وإيران لضرب السوريين وتبديد أحلامهم قبل أن تصبح واقعًا، فكانت النتيجة باهظة الثمن.

تحولت البلاد إلى مساحة من الدمار والقهر، والشعب أصبحت حياته وظروفه هي الأسوأ مقارنة بدول العالم، وبين إرادة الشعب في ثورته والنظام في نظريته، كانت خسارة الطفولة في سوريا مؤلمة، وما آل إليه حاضر الأطفال جراء سوء الأوضاع المعيشية وغياب الاستقرار والخروج من العملية التعليمية نذيرًا بالمستقبل الخطير الذي ينتظرهم، فيما لو بقيت الأوضاع السياسية متعثرة بأفق مسدود، إثر تعنت النظام على تقديم أي خطوات ملموسة لتطبيق الحل السياسي وفق القرارات الدولية.

إحصائيات مرعبة

شهدت سوريا منذ عام 2011 مقتل ما لا يقل عن 29520 طفلاً، كما أن السلطات الحاكمة لم تفشل فقط في تحقيق الحماية والاستقرار لأطفال سوريا، بل هي من قامت ونفذت أفظع الانتهاكات بحقهم، التي بلغت حد الجرائم ضد الإنسانية، ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن أكثر من 77 في المئة من نسبة الضحايا من الأطفال سقطوا على يد النظام السوري والميليشيات المحلية الموالية له، بإجمالي بلغ 22887 طفلاً.

أما الحليف الدولي الأقوى لبشار الأسد الجيش الروسي، فهو الآخر لم يتوان عن سفك دماء الأطفال السوريين، فقتل وفق ذات المصدر الحقوقي، 2005 طفلاً، بينهم 1395 من الأطفال الذكور، و610 من الإناث.

في حين أن تنظيم «الدولة» قتل 958 طفلا، وهيئة تحرير الشام مع قوات فصائلية أخرى، فهي مسؤولة على قتل 70 طفلا، بينهم 65 ذكراً، و5 من الأطفال الإناث، فيما تورطت قوات سوريا الديمقراطية بقتل 232 طفلا، في حين أن المعارضة السورية المسلحة «الجيش الوطني» يعد مسؤولا عن مقتل 993 طفلا.

التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا، فقد قتل 925 طفلا، إضافة إلى 1450 طفلا قتلوا على يد قوى أخرى.

كما يعيش قرابة مليون وربع مليون طفل ضمن المخيمات المنتشرة في سوريا، يعانون أسوأ الظروف الحياتية وانعدام أقل مقومات النظافة والخصوصية والمسكن والرعاية الطبية والصحية وغياب تدابير السلامة.

التشريد القسري بحسب مصادر حقوقية، لقرابة 6 مليون مواطن سوري بسبب الهجمات والانتهاكات التي مارستها أطراف النزاع وفي مقدمتهم النظام السوري وحلفاؤه، أدى إلى تفشي الفقر، لأن النازحين هم أكثر فئات المجتمع هشاشة. كما أنَّ كثيراً من الأطفال قد فقدوا معيلهم بسبب انتشار القتل خارج نطاق القانون، والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وتحوَّل كثير من الأطفال إلى معيلين لأسرهم، وانتقل الطفل إلى ساحة العمل بدلاً من الدراسة.

وأصبح لدينا مئات الآلاف من الأطفال الأميِّين، كما حرم معظم الأطفال المولدون خارج مناطق سيطرة قوات النظام السوري من الحصول على وثائق رسمية تثبت هوياتهم، وعانى الأطفال المولدون في مخيمات اللجوء أيضاً الأمر ذاته. وفق ذات المصدر الحقوقي.

الشمال السوري.. الامتحان الكبير

بيانات مسؤولين في لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أشارت إلى أن نحو 1.8 مليون طفل يواجهون الموت شمال سوريا، كما أنه بعد عقد من الصراع لم يعرف غالبية هؤلاء الأطفال سوى الصراع ومآسيه.

وبين مسؤولون، وفق صحيفة «لوموند» الفرنسية، أن الأطفال نشأوا تحت الحصار، ويواجهون الموت والمجاعة، ويحرمون من أبسط متطلباتهم، وكشفوا أنّ أكثر من نصف الأطفال في سوريا محرومون من التعليم الأساسي.

وبينت الصحيفة الفرنسية، أنّ أكثر من نصف الأطفال في سوريا محرومون بشكل عام من التعليم الأساسي، في حين أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنّ الدول التي يقبع مواطنوها القاصرون في سوريا، والتي سيُطلب منها مساعدتهم من أجل إنهاء محنتهم، ترفض حماية حقوق الطفل. مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أشار خلال اتصال مع «القدس العربي» إلى ما تزيد نسبته عن 50 في المئة من المشردين في الشمال السوري هم الأطفال الذكور والإناث، وهم دون سن الثمانية عشر، والانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في الشمال السوري، هي انتهاكات تحدث بشكل يومي ومستدامة، هذه الاستدامة تجعل من هذه المشكلة حدثا طبيعيا، وهنا مكمن الخطورة، فهي انتهاكات حقيقية.

هذه الانتهاكات تواجدت في الشمال السوري، جراء التشريد القسري الذي تعرضت له هذه النسبة من الأطفال، ثم تفرعت عنه نتائج أخرى، ومنها عدم تمكن الأطفال من الدخول في العملية التعليمية، وعدم الحصول على الرعاية الصحية الكافية، وهذه الأزمات سببها الأساسي هو التشريد القسري للعائلات السورية.

العمالة الإجبارية

كما أن هذه الأزمات، وفق مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تؤدي إلى دفع الأطفال إلى الانخراط في سوق العمل، بل التوجه إلى أسوأ أنماط عمالة الأطفال، فغياب المستلزمات الأساسية للحياة، تصبح العملية التعليمية «رفاهية» للأطفال، مقارنة بتأمين الغذاء والرعاية الصحية، وللأسف فإن هؤلاء الأطفال منسيون، خاصة مع دخول فصل الشتاء، والمساعدات الأممية والمحلية غير كافية، فقسم كبير من الأطفال خارج المدارس، مما يحول تلك النسبة من الأطفال إلى فريسة للابتزاز المادي أو حتى الجنسي، علاوة عن محاولات استقطابهم من قبل التنظيمات المتطرفة.

الأوضاع التي تحيق بالأطفال في الشمال السوري، أهم ما تعانيه اليوم، هو غياب أي أفق لحل تلك الأزمة، خاصة أن أي منطقة يسيطر عليها النظام السوري، لن يعود إليها أي مدني، فاستمرار وجود الأسد ونظامه في السلطة، يعني عدم عودة النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم، وبالتالي سيبقى الأطفال هم الضحية، وسوف تستمر عمليات تعرض الأطفال لهذه الأشكال من الانتهاكات.

علاوة على ذلك، فقد حرم معظم الأطفال المولدون خارج مناطق سيطرة قوات النظام السوري من الحصول على وثائق رسمية تثبت هوياتهم، وعانى الأطفال المولدون في مخيمات اللجوء أيضاً الأمر ذاته، إضافة إلى عمالة الأطفال في مناطق نزوحهم أو بلدان اللجوء.

تعثر الحل السياسي.. السبب

أما مازن موسى، وهو مدير إحدى المدارس السورية شمالي البلاد، فقال لـ «القدس العربي»: «يعاني السوريون على كامل مساحة الجغرافية واقعًا صعبًا نتيجة لتعطل المسار السياسي، وتوقفه بسبب رفض النظام تقديم أي تنازلات أو القيام بإصلاحات جدية وحقيقية توقف المأساة التي يعاني منها الشعب السوري برمته».

وأضاف، «تعتبر مأساة توقف التعليم إحدى أكبر المآسي التي أصابت المجتمع السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، حيث تعرضت العشرات من البنى التحتية لتدمير ممنهج، أدى الى خروجها عن الخدمة كليًا أو جزئيًا.

فضلا عن ذلك، فإن بعض المدارس، أصبحت ملاذا للنازحين والمهجرين الذين خرجوا من مناطقهم نتيجة قصف قوات النظام السوري لمدنهم وقراهم بالطيران الحربي والبراميل المتفجرة».

أسوأ بلدان العالم

تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2020 كان قد صنَّف سوريا وفقاً لأنواع من الانتهاكات على أنها الأسوأ في العالم من حيث عمليات القتل والتشويه والاعتداء على المدارس وثاني أسوأ بلد في العالم من حيث عمليات تجنيد الأطفال، والاعتداء على المشافي ورابع أسوأ بلد في العالم من حيث عمليات الاحتجاز ومنع المساعدات الإنسانية.

كما جاءت سوريا ثالث أسوأ بلد في العالم من حيث استخدام المدارس لأغراض عسكرية، وكانت قوات النظام السوري هي أسوأ أطراف النزاع من حيث حالات الاعتداء على المدارس.

في حين كانت قوات سوريا الديمقراطية (وحدات حماية الشعب/ وحدات الحماية النسوية) هي أسوأ أطراف النزاع من حيث استخدام المدارس والمشافي لأغراض عسكرية حيث سجَّل التقرير استخدامها 18 مرة من أصل 32 مرة، تليها قوات النظام السوري بـ 13 مرة، وهيئة تحرير الشام بـ 1 مرة. بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وعلى صعيد تجنيد الأطفال جاءت سوريا في المرتبة الثانية بعد الصومال، حيث تم تجنيد 820 طفلاً في سوريا في عام 2019 وكانت قوات سوريا الديمقراطية (وحدات حماية الشعب/ وحدات الحماية النسوية) هي أسوأ أطراف النزاع من حيث حالات تجنيد الأطفال بـ 306 حالة، تليها هيئة تحرير الشام بـ 245 حالة.

القصف يهدد التعليم

موسى، قال لـ «القدس العربي»: هناك مخاوف كبيرة لدى الأهالي من إرسال أطفالهم إلى المدارس، بسبب القناعات التي ترسخت لديهم بتعمد قوات النظام السوري قصف المدارس بالمدفعية الثقيلة.

هذه المخاوف، دفعت قسما كبيرًا من الأهالي للامتناع عن إرسال أطفالهم الى المدارس، مما تسبب بتسرب وانقطاع قسم كبير منهم عن التعليم.

حتى المدارس التي كانت بعيدة عن همجية قوات النظام لم تسلم أيضا من انقطاع الدعم اللازم لاستمرار العملية التعليمية، إذ يعاني المعلمون من انقطاع وتوقف رواتبهم التي كانوا يتقاضونها سابقا وتراجع الدعم (المحدود أساسا) والذي يقدم من بعض المنظمات التي لا تغطي إلا قسما يسيرا منها مما دفع قسم كبير من المعلمين للتوقف أو العمل بشكل تطوعي مجاني لفترات طويلة.

كما نوه المصدر، إلى أن ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة ألقت بظلالها على الواقع التعليمي الهش والفقير مما دفع بعض العائلات إلى الامتناع عن إرسال أولادهم أيضا إلى المدارس والاستعاضة عن ذلك بإرسالهم الى السوق للعمل ببعض الأعمال أو المهن الحرة التي يستطيعون تنفيذها من أجل الحصول على المساعدة، ومساعدة ذويهم في مواجهة الفقر وتوفير أدنى مقومات الحياة اليومية.

مخاوف من الانحراف

«محمد» وهو اسم مستعار لنازح سوري، قال لـ «القدس العربي»: هذا العالم لا يشعر بالامتحان الصعب الذي تعيشه العائلات هنا في الشمال السوري، فالأزمة هنا ليست بعدم الاستقرار فحسب، بل هناك ما هو أشد من تأمين طعام اليوم، ألا وهو الحفاظ على الأطفال في المجتمع غير المتماسك، وغياب القانون.

فاليوم، نرى الأطفال في التاسعة أو العاشرة من أعمارهم وفي أيديهم علب السجائر عوضا عن القلم والدفتر، ولا يفكرون أبدا في التعليم، بل تراهم يتهامسون عن أفضل الأسواق للعمل وجني المال بأسرع الطرق، وآخرون تراهم يجاهدون بكل قوتهم لتأمين قوت يومهم دون الانحراف كبعض الأطفال الذين يصادفونهم في الطرقات، ولكن إلى متى سيبقى هذا الصمود لدى هؤلاء الأطفال؟

ويضيف قائلا: هناك أمور أخرى يمكن وصفها بالخطيرة، كغياب بعض أساسيات الأخلاق جراء السلوك غير الصحيح الذي ينتهجه الأطفال، وللأسف نرى بعض الانحلال وانحسار متتالي في القيم، جراء الأوضاع المنهارة والحياة الصعبة.

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى