سياسة

عن أزمة ترحيل اللاجئين السوريين عنوة من لبنان -مقالات مختارة-

يتم تحديث هذا الملف دوريا، الأحدث في البداية

=================

تحديث 11 أيار 2023

———————————

أنا لاجئ سوري/ الياس خوري

أنا الموقع أدناه، أعلن أنني صرت لاجئاً سورياً.

صرت لاجئاً وليس نازحاً، كما يطلقون علينا هنا في لبنان، وذلك بهدف حجب حقيقة قتل الشعب السوري وتهجيره من بلاده.

نعم، السوريات والسوريون لاجئون، لكن دولة لبنان الكبير تتعامل معهم بلغة عنصرية ساقطة وممجوجة.

المرجلة على لاجئين فقراء لها اسم واحد، هو النذالة.

وكي لا نكون شركاء في هذه النذالة الأخلاقية، فإن علينا كمواطنين في بقايا هذا الوطن، الذي استباحته المافيا المصرفية والسياسية الحاكمة، أن نعلن بأننا صرنا سوريين.

نعم، فمن أجل منع انزلاقنا إلى مرتبة الوحوش الضارية التي تتحكم بالسياسة والإعلام في لبنان، وتدير الإفلاس، وتختبئ خلف الطوائف والطائفيات، علينا أن نصير سوريين.

تماماً كما صرنا فلسطينيين في دير ياسين وشاتيلا وحوّارة ونابلس وجنين، وكما صرنا سيريلانكيين وملونين في زمن البحبوحة والبَطَر، عندما استبيحت الحرمات وجرى التعامل مع العاملات المنزليات بصفتهن سلعة تباع وتشترى، وكما صرنا كُرداً في حلبجة، وعراقيين في أبو غريب، وسوريين في تدمر، ومسلمين في أوروبا في مواجهة الفاشية والعنصرية، ومسيحيين في الموصل أمام وحش داعش…

قبل أن ندحض الأكاذيب التي يُروَّج لها اليوم في وسائل الإعلام اللبنانية، ونتعامل مع مهرجان عنصري تديره المافيا الحاكمة بمختلف أجنحتها المتكسرة، علينا تأكيد حقيقة بدهية يريدنا إعلام كاذب يسعى للسيطرة على العقول، أن ننساها: حقيقة أن هناك قيماً إنسانية يجب أن تحكم سلوكنا.

ورأس هذه القيم هو التماهي مع الضحايا والدفاع عن الحقيقة والحق.

لبنان في أزمة، والواقع أن كلمة أزمة لم تعد كافية. لبنان يعيش كارثة كبرى اسمها الإفلاس الاقتصادي والسياسي.

مواجهة هذه الكارثة ممكنة شرط أن لا تتحول إلى كارثة أخلاقية.

غير أن المافيا اللبنانية مصرّة على تعميم سقوطها الأخلاقي، من أجل تلويث الشعب اللبناني بأسره في كارثة أخلاقية كفيلة بتدمير ما تبقى للبنان من قوام.

أحد عناوين هذه الكارثة هو حملة الشحن العنصري، التي يرافقها سيل من الأكاذيب وكثير من دموع التماسيح، التي تصوّر اللاجئ السوري وكأنه يأخذ اللقمة من فم اللبنانيين. هذه الحملة ليست جديدة؛ فلقد شهدنا في الماضي قرارات بمنع تجول اللاجئين في كثير من القرى، وحملات عنصرية وطائفية مليئة بالأضاليل والأحقاد المكبوتة.

محافظ لبناني يدّعي أن مرتّب اللاجئ السوري أكبر من مرتبه، بل ومن مرتبات الوزراء! ودعاية كاذبة تقول بأن اللاجئ السوري يقبض المساعدات بالدولار الطازج من الهيئات الدولية، وتغافل عن حقيقة أن القطاع الزراعي بأسره يقوم على أكتاف العمال السوريين، كما أن جميع المباني بنيت بسواعد هؤلاء العمال. من دون أن ننسى الخوّات والبَلْص الذي تمارسه البلديات، وإجبار اللاجئ على أن يدفع سنوياً بدل أجرة شهر لمسكنه كخوة للبلدية لا علاقة لها بأي قانون، إضافة إلى التعديات والسخرة ودور الشاويش اللبناني والإهانات اليومية…

أين المشكلة؟

قبل كل شيء، يجب أن نوضح ثلاث مسائل:

الأولى هي أن المصارف تستولي على جزء كبير من الإعانة التي يتلقاها اللاجئ، لأنها تدفع بالليرة المساعدة المخصصة له بالدولار، وفق تحديدها لسعر الصرف. فالمصارف التي نهبت اللبنانيين تقوم اليوم بنهب السوريين.

والثانية هي أن الإعانات التي أتت لتعليم اللاجئين، ساهمت في إيقاف التعليم الرسمي اللبناني على قدميه، هذا من دون أن نتحدث عن الفساد والسرقات التي تحولت إلى ممارسة لبنانية يومية.

الثالثة هي أن هناك مبالغة في الأرقام تصل إلى حد الكذب. تسعون بالمئة من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر. المساعدات التي يتلقاها أقل من نصفهم لا تستطيع انتشالهم من الفقر المدقع، فاللاجئ يتقاضى مليونين وخمسمئة ألف ليرة لبنانية للعائلة؛ أي ما قيمته 26 دولاراً شهرياً من مفوضية اللاجئين، وكما يتقاضى الفرد من برنامج الأغذية العالمي مبلغ مليون و100 ألف ليرة، على ألّا يُدفع لأكثر من خمسة أفراد من العائلة. أي أن العائلات التي تحصل على مساعدات من البرنامجين، وهي قلة، يصل مدخولها إلى 8 ملايين ليرة شهرياً، أي حوالي 80 دولاراً.

لا تقولوا لي بأن وزراءنا وحكامنا يعيشون ويتمنظرون بأقل من هذا المبلغ؟!

هل هناك من مشكلة؟

نعم هناك مشكلة، والمشكلة بدأت عندما قام النظام السوري بتدمير سوريا وتهجير نصف شعبها. هنا يبدأ النقاش. فلنحدد المسؤوليات كي نجد حلاً.

وعلى الصعيد اللبناني، فقد رفضت الدولة في الزمن العوني تنظيم وجود اللاجئين، لأن الطوائف اللبنانية محكومة بتروما التوطين، وبالخوف على التوازن الديموغرافي – الطائفي. فتخلت الدولة عن مسؤوليتها في تطبيق القوانين على اللاجئين مثلما لا تطبق القوانين على اللبنانيين.

الدولة في طور الانهيار، ومسؤولية الانهيار تتحملها طبقة اللصوص الحاكمة بكل تلاوينها الطائفية. غير أن التذاكي اللبناني يريد تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الانهيار. يضحكون على فقراء لبنان كي يضعوهم في مواجهة الفقراء السوريين.

من هنا يرتفع خطاب الاحتلال الديموغرافي البغيض. والسؤال موجه أولاً إلى أصدقاء رأس النظام السوري في لبنان، اذهبوا إلى صديقكم وأقنعوه بإعادة اللاجئين! وسوف نرى.

المسألة تحتاج إلى مقاربة مختلفة تبدأ أولاً بالتأكيد على أن مسؤولية الانهيار الاقتصادي اللبناني تقع على عاتق الطبقة الحاكمة، ولا علاقة للاجئين بها. وبعد ذلك نقارب الموضوع من منطلق إنساني وعقلاني يبدأ ببناء دولة القانون الذي يجب أن يُطبق على الجميع، وينتهي بالعمل على مساعدة اللاجئين في العودة إلى بلادهم بكرامة ومن دون خوف أو تهديد.

إذا كان أرباب هذا السُعار العنصري يعرفون أنهم لن يصلوا إلى مبتغاهم بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم عبر تعميم ثقافة الكراهية، فماذا يريدون؟

العنصريون اللبنانيون من زعماء الطوائف ليسوا أغبياء، فمثلما كان الخطاب الطائفي وسيلتهم لتجديد نظامهم المتهالك، فإن الخطاب العنصري ضد السوريين وتأجيج الكراهية هو وسيلتهم لنفض أيديهم من المسؤولية عن الانهيار.

لأجل كل هذا.

ولأن وطني أسير في قبضة اللصوص والعنصريين.

ولأنني أؤمن بأن الدفاع عن الحق يجعلني أشعر بإنسانيتي وسط غابة الوحوش التي استولت على لبنان.

أعلن أنني سأبقى لاجئاً سورياً إلى أن يسود العدل وتنتصر الحرية.

القدس العربي

—————————-

حين لا يحبُّ السوريون واللبنانيون التبغ والحدائق/ أيمن الشوفي

تعاقبت فصول الخيبة والرداءة على مناخ علاقة السوريين باللبنانيين منذ مطلع العام 1976، فالجيش الذي أرسله حافظ الأسد لالتقاط اللبنانيين الموارنة قبل سقوطهم السياسي والعسكري، صار مع الوقت قوّةً عسكرية تعيد تكوين الحدود والأوزان بين أقطاب الحرب الأهلية اللبنانية، وتعيد ترتيب تحالفاتها، وتغييرها كلما اقتضت الضرورة وتبدّلت معها مقتضيات الحاجة. صار ذاك الجيش جيش احتلال عقب اتفاق الطائف عام 1989، وربما قبله أيضاً، وظلّ هكذا حتى خرج مرغماً ومحرجاً من هناك بقرار أممي، إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005.

كانت 30 عاماً من الوصاية السورية على حياة اللبنانيين كفيلةً بنهب مقتنيات متواضعة من الذاكرة الجميلة التي أثثتها بعناية المشتركاتُ الممكنة بين شعبين متجاورين، صارا كذلك عقب اقتسامهما الإرث السياسي الذي تركه لهما الانتداب الفرنسي على عجالة قبل مغادرته بلاد الشام في أربعينيات القرن الماضي، وظلّ ميناء بيروت الرئة الوحيدة التي يتنفس من خلالها الاقتصاد السوري هواء البحر المتوسط حتى مطلع خمسينيات القرن الماضي حين وجد رئيس الحكومة السورية آنذاك، خالد العظم، أنّ إنشاء مرفأ اللاذقية بات ضرورة اقتصادية ملحة يُمليها فكّ الارتباط الجمركي مع لبنان، بالرغم من الكلفة المرتفعة للمشروع، والمقدّرة حينها بنحو 25 مليون ليرة. لكن العلاقات السياسية بين سورية ولبنان لم تستشعر حميميّة ثابتة ومتماسكة، بل كانت تهتز وتتذبذب على وقع تبدّل القوى السياسية الحاكمة للبلدين منذ انقلاب حسني الزعيم عام 1949، والذي تزامن مع رئاسة رياض الصلح الحكومة اللبنانية وقتذاك، حيث لم تكن الميول السياسية للرجلين لتجتمع على أي مشتركات، إلى درجة أن المعابر الحدودية كادت أن تُغلق بين البلدين، وصولاً إلى تباين الاستقطاب الذي استجرّته الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 في الداخل اللبناني بين تيار رئيس الوزراء اللبناني رشيد كرامي المتحمّس للوحدة في وقتها وتيار رئيس الجهورية اللبناني الماروني كميل شمعون المعادي لتلك الوحدة، وكادت حربٌ أهليةٌ أن تولد في لبنان حينها، ولعل الولاءات المتباينة للقوى السياسية اللبنانية اعتباراً من النصف الثاني من القرن الماضي تجرّأت وحدّدت على نحو عميق الشكل العام لعلاقة اللبنانيين بالسوريين، والذين صادر منهم حزب البعث، ومن ثمّ زعيمه اللاحق حافظ الأسد، كامل الحياة السياسية منذ 1963، حيث المجتمع اللبناني المتنوع سياسياً، وإنْ بتركيبة طائفية معقّدة للغاية، لكنه المجتمع المنفتح ثقافياً واقتصادياً بفعل إرث الرئاسة المارونية للجمهورية. وإلى جواره، يقبع المجتمع السوري الذي صار مدجناً وكأنه طبعة ورقية كالحة أصدرها حزب البعث مرّة واحدة فقط، فهو مجتمعٌ منغلق، خائف، تراقبه الأجهزة الأمنية عن كثب، ويبحث عن قوته اليومية فحسب، كما جاء في توصيات الديكتاتور الأب لتحصين حكمه بعد 20 انقلاباً على الجمهورية الأولى.

وبهذا، صار لبنان السوق الحرّة التي يبتاع منها السوريون البضائع الأجنبية التي حرّمها عليهم حكم حافظ الأسد، أو يقصدون صحافتها اليومية ودور نشرها ومقاهي شارع الحمرا في عاصمتها هرباً من أحكام الدولة البوليسية التي استولت على الفضاء الاجتماعي في بلدهم. وتوالت الزيجات بين الأسر الكبيرة في البلدين، فلم تقطع تباينات السياسة في حكم البلدين عُرى تلك العلاقات، أو تلغي تكوينها واستمراريتها. وكان بإمكان محمد الماغوط أن يتغزّل بلبنان في قصيدة “جنازة النسر” الصادرة ضمن مجموعته الشهيرة “حزن في ضوء القمر” وفيها يقول: “ضمّني بقوة يا لبنان/ أحبك أكثر من التبغ والحدائق”. وتلك نظرة سادت لدى أدباء وصحافيين وشعراء سوريين كثيرين أبهرهم البلد الصغير الذي يصلون إليه بسيّارة أجرة صفراء، تنطلق من شارع بيروت المحاذي لوكالة الأنباء السورية (سانا)، ويدخلونه بالهويّة الشخصية فقط، وكأنهم لم يعبروا حدوداً دولية على الإطلاق. وبهذا استقرت بيروت في وعي الأنتلجنسيا السوريّة الهاربة من ديكتاتورية حافظ الأسد إلى الرئة القريبة، حيث كان بإمكانهم هناك التباهي بكميّة الأوكسجين الهائلة التي يمكن تناولها صباحاً مع فنجان قهوتهم، أو التي كان يرميها إليهم كلّ مساء كورنيشُ المنارة الملاصق لبحر بيروت. وبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية صارت تلك الدولة مفتوحةً على مصراعيها أمام العمالة السورية المتعطّشة لكسب قوتها بالعملة الصعبة، فظهر اقتصادٌ كاملٌ قوامه تلك العمالة على جانبي الحدود، في حين كانت سورية سوقاً كبيراً يستهلك خلسةً وبشراهةٍ عالية معظم أصناف الأدب والفنّ اللبنانيين، وكانت أيضاً سوقاً رخيصةً يقصدها اللبنانيون لشراء ما ينتجه اقتصاد “البعث” المغلق للدولة المخيفة لهم دوماً، والتي تجاورهم وكأنها قدرٌ يصعب الانفكاك منه.

وجد سوريون كثيرون في لبنان، بعد عام 2011، ملاذاً لهم، وإنْ بصورة مؤقتة كي يقيهم آنيّاً من عسف القمع وسلطته الدموية، تلك التي خاطب بها بشّار الأسد معارضيه منذ البداية، وبعضهم حمل نشاطه الاقتصادي وقرّر الاستقرار في البلد المجاور لهم. ومحظوظون من استطاعوا مغادرته إلى بلدان اللجوء الأوروبي. وبقي الوضع ضمن هذه الاشتراطات، إلى أن باتت إجراءات الدخول إلى لبنان تخضع لقيود ومعايير عديدة. وأخيرا، استعرت حملة غير مسبوقة، هدفها إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وقد بدأت مطلع الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) ضمن سياق حملة أمنية كبيرة نفّذتها قوى الأمن الداخلي اللبنانية على كثير من مساكن اللاجئين السوريين، تلك الحملة تزيّنت بحملة إعلامية موازية نشطت تحت شعارٍ مربكٍ وغريب التكوين: “الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري”. وذاك توصيف غير منهجيّ بطبيعة الحال، يحاول أن يلقي بتبعات الخيبة الاقتصادية اللبنانية، ومعها انهيار اقتصادهم الريعيّ الضعيف أصلاً، على اللاجئين السوريين، بالتزامن مع استمرار عرض مسرحية التطبيع العربي مع نظام بشّار الأسد. وربما، ووفق هذا المعطى فقط، يمكن أن نفهم الدوافع التي قادت رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال لبنان، مروان الخولي، إلى التصريح إن “الاحتلال الديموغرافي والغزو السوري للبنان يمثلان تهديداً حقيقياً للهوية اللبنانية وللأمن والسيادة الوطنية. ومن حقنا كشعب حماية حقوقنا في الدفاع عن هويتنا وحقوقنا المشروعة في أي إطار سلمي ديمقراطي”.     

ليس سهلاً أو مقبولاً استساغة مثل هذا الكلام، أو استساغة إعادة اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان إلى بلدهم بلا ضماناتٍ دوليةٍ مناسبة، وبلا ضماناتٍ حقيقية لا تستطيع تقديمها حالياً دولة النظام العاجزة والمفلسة في آن، سيكون ذلك بمثابة طرد تعسفيّ لهم، وإلى مصير ليس فيه سوى السجون والمعتقلات السوريّة الآثمة، والمهيّأة أصلاً لتكون قبوراً جماعيّة للسوريين الذين لا يرغب النظام وجودهم إلا أمواتاً. ولنتذكّر ما وثّقته منظمة العفو الدولية في تقرير سابق لها صادر في العام 2021 عن مقتل أكثر من 60 لاجئاً سورياً على أيدي أجهزة الأمن السورية عند عودتهم إلى بلادهم، بينهم أطفال، وأبسط ما يقال إزاء هذا الخوف وشبحه المقيم إن عذوبة الخمسينيات قد ترنّحت، وغادرت حياة السوريين واللبنانيين إلى غير رجعة، ولم يعد بمقدور أحدٍ أن يجد مكاناً هنا يحبّه أكثر من التبغ والحدائق!

العربي الجديد

————————

بين “التناقض الرئيسي” و”العودة الطوعية للاجئين”/ عبدالرحمن خوندي

عقد حسن حمدان –مهدي عامل- في كتاب “مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني” الصادر عن دار الفارابي-بيروت عام 1972، فصلاً كتبه في مجلة الطريق، تعليقاً على كتاب “تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر 1900-1925” لمؤلفه رفعت سعيد، عرض فيه مهدي مسألة التماثل الحاصل بين الطبقتين العاملة والبرجوازية الصغرى في المسألة الاشتراكية في مصر، ويتجلى هذا التماثل في “الناصرية” حيث حملت راية الاشتراكية وتبنت مطالبها، يأتي اعتراض مهدي عامل هنا ليصب في مسألة مهمة، وهي أن الفارق الجوهري والفاصل بين الطبقة العاملة والبرجوازية الصغرى في مسألة “الاشتراكية” هي أن الأولى تؤمن بحركة الصراع الطبقي، حيث يتم به تغيير علاقات الإنتاج القائمة وانتقال البنية الاجتماعية إلى نظام إنتاج آخر، أما البرجوازية الصغرى، فهي ترفض فكرة الصراع الطبقي ولا ترى أن في الثورة حلاً لإصلاح هذا التفاوت المجتمعي، ولا تريد تغيير نظام الإنتاج القائم إلى نظام آخر، وإنما تريد إصلاح عيب ما فيه.

وعلى غرار الرأي اليساري آنذاك، فإن مهدي عامل كان مع وجود نوع من التحالف مع هذه الأنظمة، لمواجهة تناقض رئيسي مشترك بين الطبقتين وهو التناقض مع البرجوازية الكولونيالية والإمبريالية، ومع هذا، يجب إقامة حد فاصل بين فكر هاتين الطبقتين، بحيث لا تذوب الطبقة العاملة في فكر البرجوازية الصغرى، إذ ثمة تماثل ظاهري “بين بدايات فكر اشتراكي هو في وجه رئيسي، منه تعبير عن صراع طبقي عند عناصر من البورجوازية الصغيرة أو «الطبقة المتوسطة» ضد السيطرة الطبقية للبورجوازية الكولونيالية المسيطرة، وبين ما يظهر في إيديولوجية الطبقة المسيطرة باسم البورجوازية الصغيرة بمظهر الفكر الاشتراكي” (ص ٥١١).

ولا بد هنا من ذكر ما كتبه الدكتور أحمد برقاوي، في مقال له بعنوان “عماؤنا اليساري: صفقنا للخميني وعادينا الديمقراطية”، إذ ذكر جواب مهدي عامل لسائل يسأله عن مستقبل التحالف مع حزب الله وأمل بعد اغتيال حسين مروة، قائلاً: “لا بد من التحالف معهم، نحن في معركة صعبة مع إسرائيل”..

فكرة التحالف مع الأنظمة القمعية مثل نظام الأسد والناصرية، ظلت حاضرة ضمن اليسار العربي، لحجة “مواجهة الإمبريالية”، وإذا ما رجعنا القهقرى نحو هزيمة الـ67، نرى الشعار السائد آنذاك الذي يوضح لنا المسار الذي تنتهجه هذه الأنظمة وهو: “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، فالمعركة مع الإمبريالية والتدخلات الخارجية تغطي، بشكل أو بآخر، مبرراتها في القمع وإخفات الصوت المعارض، وإذا ما تقدمنا قليلا في مسألة النظام السوري إلى الثورة السورية المباركة، لا نرى إلا الحجج المؤامراتية الدفاعية من قبل النظام في مواجهة الثورة. وقد أرجع صادق جلال العظم، بشكل غير مسبوق ضمن الإطار اليساري، هزيمة الـ67، إلى الأزمات الداخلية للأنظمة العربية بينما كانت هذه الأنظمة تبرر الهزيمة بحجة الدعم الغربي الفائق لإسرائيل، وذلك في كتابه “النقد الذاتي بعد الهزيمة”، وموقفه من الثورة السوريّة معروف…

وكما سائر الأحزاب اليسارية التي اصطفت مع الممانعة في مواجهة “الخطر الإمبريالي”، خصوصاً في موقفها من الثورة السورية، فالحزب الشيوعي اللبناني، دأب في “التمنيع”، وصار “فئة ثانية” تحت عباءة حزب الله، فها هو يوقع بعد كارثة الزلزال بيانا مع بعض الأحزاب اليسارية حول “رفع العقوبات عن النظام السوري”، وغيرها من الأمور التي تجعل الحزب في كنف الممانعة، إلى ما حصل آنفا بعد بيان الإدانة لمسألة ترحيل السوريين الذي أصدره، إذ يدين الحزب فيه “التحريض العنصري ضد  اللاجئين” في لبنان، ومع هذا فهو يطالب الحكومة اللبنانية بالإسراع في التواصل والتنسيق مع الجهات الدولية والحكومة السورية لتنسيق “العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين”، وقد أقام الحزب، فلكلورياً وبشكل أدنى ما يقال عنه “نوستالجياً nostalgia “، مظاهرة في عيد العمال، فقام بعض الشباب برفع لافتة تتضمن كلاما فيما معناه أنه لا عودة آمنة مع وجود نظام الأسد فقام بعض المتظاهرين من الحزب بضرب رافعي اللافتة، ولم يصدر الحزب، إلى الآن، أي بيان أو موقف يدين هذا الأمر.

هذا ليس نقداً، ولا تعليقاً، وإنما هو تذكر لوفاة حزب الطبقة العاملة، وعلى غرار نيتشه: الحزب الشيوعي اللبناني مات، الممانعة من قتلته. لروح هذا الحزب السلام، رحمات الله عليه.

——————————–

=================

تحديث 06 أيار 2023

—————————

المذبحة التي تنتظر السوريين/ غازي دحمان

اذهبا وانسيا أمره، هكذا أخبرت الأجهزة الأمنية زوجة سوري وابنته، جرى ترحيله في إطار حملة تقوم بها السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين. وسبق أن حذّرت منظمة العفو الدولية السوريين من العودة إلى بلدهم لأنهم يذهبون إلى الموت، بعد أن وثّقت تقارير عديدة لمنظمات دولية وحقوقية حالات اغتصاب وإخفاء وقتل تحت التعذيب لأشخاصٍ عادوا من لبنان عبر عمليات الترحيل، أو طوعا هاربين من ظروف العيش القاسية التي يعانون منها في لبنان.

قليلة الحالات التي تجد من يُخبر عما جرى لأصحابها الذين تختطفهم أجهزة العصابة الأسدية على الحدود، إذ غالبا ما يجري احتجاز العائلة بأكملها وإخفاء أفرادها، حتى أن ذويهم لا يستطيعون لا السؤال عنهم ولا إخبار المنظّمات التي تُعنى بتوثيق هذه الحالات، وغالبا ينسون أمرهم، حتى من دون صدور توصيةٍ من أجهزة العصابة بالخصوص.

لكن الملفت هو استعار الحملة ضد اللاجئين السوريين في لبنان في هذه المرحلة، ومشاركة غالبية القوى السياسية فيها، إلى درجة وصف الحملة بـ “الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديمغرافي”، بل وصل الأمر إلى حد الحديث عن آليات لتنفيذ هذه الحملة، من نوع تشكيل لجان للدفاع عن الأحياء، ما يعني التعامل مع اللاجئين على أنهم من أشكال العصابات، وما يعنيه ذلك من قتل وسفك لدمائهم، تحت ذريعة الدفاع عن الأحياء وساكنيها!

إذا استمرّت هذه الحملة، ويبدو أن أوارها يزداد اشتعالا، فسيكون اللاجئون أمام مذبحة، إما على أرض لبنان، عبر عملية التطهير العرقي، إذ في حروب التحرير من هذا النوع لا حقوق للمستهدفين، ولا حتى قوانين حرب يجب مراعاتها تجاههم، أو أن يزحف اللاجئون صوب المعابر الحدودية لتتلقّفهم أجهزة العصابة، المتعطّشة للدم، والتي لن تجد ما يردعها من ارتكاب مذبحةٍ جماعيةٍ بحقهم، وخصوصا في ظل إطفاء الأضواء عن سورية وانشغال العالم بأزمتي أوكرانيا والسودان.

الغريب أن الجهات اللبنانية خلف هذه الحملة تدرك المصائر التي تنتظر السوريين، فضلا عن أنها تعرف تماما المآلات التي سيصل إليها تحريضها على اللاجئين في الداخل اللبناني، ما يدفع إلى التساؤل عن الأهداف التي يخفيها هؤلاء من حملتهم أو التي يقصدون الوصول إليها، رغم أنهم يضعون السلم الأهلي في لبنان على فوّهة الخطر!

الملاحظ أن هذه الحملة تتزامن مع تعقّد عملية انتخاب رئيس للبنان، وإصرار الثنائي الشيعي على ترشيح سليمان فرنجية، الذي هو بدوره مرشّح “محور المقاومة”، الأمر الذي يجعل إثارة قضية اللاجئين في هذا التوقيت والسياق الإشكالي والمتوتر في خانة الأوراق التي تلعبها الأطراف اللبنانية في لعبة الرئاسة، فرنجية نفسه كشف عن سرّ ما يجري، بتأكيده أنه وبما يملكه من علاقة وطيدة مع بشار الأسد وحزب الله يستطيع إعادة السوريين إلى بلادهم.

ما كشفه فرنجية، من دون قصد، أن الأسد وحزب الله هما من يعقّدان مسألة عودة اللاجئين السوريين في لبنان، وإذا كانت أهداف حزب الله من هذا واضحة، بسبب سيطرته على أجزاء واسعة من الشريط الحدودي، القصير وقراها وصولا إلى ريف دمشق الغربي، الزبداني وبلودان ومضايا، فضلا عن مناطق واسعة في القلمون، ومن شأن عودة سكان هذه المناطق التأثير على مخطّطاته في تحويلها إلى مراكز لزراعة المخدّرات وتصنيعها، بالإضافة إلى جعلها مستودعاتٍ لتخزين الأسلحة القادمة من إيران، لصعوبة إخفائها في لبنان.

أما الأسد فهو في الأصل لا يريد لأحد العودة من لبنان، فهؤلاء، وعلى مدى سنوات النزوح، كانوا خارج نطاق دعايته السياسية عن المؤامرة الكونية والصمود والانتصار، بل إنهم يعرفون الحقيقة الصادمة، ومن المؤكّد أنهم عاقروا معلوماتٍ كثيرة عن الحرية والعيش، بعيدا عن الاستبداد، فهؤلاء أعداء مكتملو المواصفات “وعي الاضطهاد ووعي الحرية”، أو أعداء نائمون للحظة مقبلة، إن لم يُظهروا اليوم أي سلوك معاد فإنهم جاهزون للانخراط بأي لحظة في حال اشتعلت الأمور.

هو أيضا لا يريد عودتهم لأنهم يُفسدون مخطّطه في التجانس، ويعبثون بالميزان الديمغرافي الذي صمّمه على مقاساته، بل هو يراه لا يزال راجحا لصالح أعدائه، ويرغب بشطب كتل منه وإخراجها حتى يحقق التوازن، كما أن هؤلاء، وأغلبهم من غوطة دمشق وحمص ودرعا، سيشكلون إضافة لخصوم الأسد في المناطق التي تقع في صلب مخطّطاته الإخضاعية، والتي شكلت حواضن للثورة ضد نظامه في السنوات السابقة.

لا يوجد ما يردع الأسد عن ارتكاب المذابح بحق هؤلاء، بعد أن بات مقتنعا أن العرب أسقطوا عنه كل الجرائم السابقة، ولن ينزعجوا من جرائم جديدة سيرتكبها، وهم عائدون إليه حتى لو أباد سورية بأكملها، فالقرار اتخذوه، ولا عودة إلى الوراء، ولا يوجد ما يردع الأسد، فقد جرّب حدود غضبة المجتمع الدولي، أميركا والغرب، ولن يخرج غضبهم عن نطاق التصريحات، وربما عقوبات على بعض المسؤولين لن تغيّر شيئا في الواقع.

على مدار السنوات السابقة، كان السوريون دوما في قلب المذبحة، والعالم يسمع حكاياتها وحكاياتهم. العالم اليوم يسوق السوريين إلى المذبحة، حتى بدون إبداء أي نوعٍ من الأسف، فيما العرب لن يرسلوا لهم حتى الأكفان، حتى لا تتأثّر روايتهم عن ضرورة احتضان الأسد لحماية الشعب السوري. انسوا أمرهم.

العربي الجديد

——————————–

لاجئون سوريون في لبنان: زوارق الموت أرحم من قبضة النظام/ سارة مطر

لا يلبث السوريّون في لبنان أن يستفيقوا من مصيبة حتى تنهال على رؤوسهم مصائب، فحياتهم التي انقلبت رأساً على عقب بعد مغادرة بيوتهم لم تعرف الأمن، من مرارة اللجوء إلى اقتلاع العواصف لخيام النزوح، والظروف المعيشيّة القاهرة، والأمراض والأوبئة، وصولاً إلى خطة الترحيل القسري التي بدأتها السلطات اللبنانية في إبريل/نيسان الماضي.

خلال الفترة الأخيرة، جرت مداهمات واعتقالات غير مبررة شملت أطفال ونساء، ما تسبب في بثّ الذعر في نفوس جميع اللاجئين، ودفع اللاجئ أنس المصيطف، للانتحار شنقاً في بلدة الغبيري، الجمعة، على خلفية تهديدات بترحيله.

منذ أسبوع، تلازم السورية أم أسامة منزلها في المنية (شمالي لبنان)، وتمنع أولادها من الذهاب إلى العمل، أو حتّى الخروج لشراء حاجاتهم. تقول: “أقصد الدكان لشراء الطعام فقط، وأعود بشكل عاجل، فأنا أم لابنتين وخمسة شباب، وبينهم مطلوبون للخدمة العسكرية في سورية، وأحدهم كان يعمل في جونيه، واثنان في المنية، وابني الأصغر لا يتجاوز عمره خمس سنوات. نعيش منذ بدء الاعتقالات مخاوف كبيرة، إذ لا نعرف مصيرنا”. تضيف اللاجئة السورية القادمة من إدلب: “منطقتنا غير آمنة، وقد تدمّر منزلنا، وخسرنا ممتلكاتنا، فكيف نعود؟ وإلى أين؟ ناهيك عن أنّهم سيأخذون أولادي للخدمة العسكرية. من المستحيل أن أعود في الوقت الحالي، حتى لو اشتدت المضايقات في لبنان، فلن أرمي بأولادي إلى الموت، ولن أقبل أن يضيع عمرهم كما حصل مع غيرهم”.

ويؤكد عدد من اللاجئين السوريّين لـ”العربي الجديد”، تفضيلهم الغرق في البحر خلال الهجرة السرية، أو الانتحار شنقاً أو حرقاً، على العودة إلى العيش تحت سيطرة النظام وإجرامه الوحشي.

يشترط الأمن اللبناني امتلاك هوية أو جواز سفر لتجديد إقامة السوري 

لجأ السوري مصطفى إلى لبنان برفقة عائلته في عام 2013، ويقول: “إذا تقرر ترحيلي، فإنني مستعد لإضرام النار في نفسي، وإحراق عائلتي بدلاً من الوقوع في أيدي النظام. ارموني في البحر لكن لا ترحّلوني، فالغرق أشرف من العودة القسرية غير الآمنة”. يضيف مصطفى: “الأمن العام اللبناني يرفض تجديد أوراقنا، ويشترط وجود كفيل، أو سند إقامة أو عمل. لقد فاقموا التعقيدات، حتّى أصبح أغلب اللاجئين السوريين موجودين بطريقة غير قانونية. هربنا من ظلم النظام السوري، فكيف لنا أن نجدد أوراقنا الثبوتيّة من النظام الذي يشترط ذهابنا شخصيّاً للتجديد؟ الطفل الذي لجأ إلى لبنان في 2011، بات اليوم شاباً في عمر الخدمة العسكرية، ولا يملك أية أوراق ثبوتية. نحن مهدّدون وخائفون، ولا نسمع من شبابنا سوى عبارات قهر يخشى معها انتحارهم”. يتابع: “عمد البعض إلى إشاعة أخبار حول مداهمة مرتقبة لأحد مخيمات عكار، فهرب أكثر من 150 شاباً من اللاجئين السوريّين باتجاه المشاريع الزراعية، وقضوا ليلتهم في العراء، قبل أن يعودوا إلى المخيم مع بزوغ الفجر. نعيش فصلاً جديداً من الإذلال والإهانة، لا سيّما بعد تعميم بعض البلديات وأصحاب الأراضي الزراعية أنّ أجرة الساعة للعامل السوري يجب ألا تتعدّى 35 ألف ليرة لبنانية، ما يعني أقل من نصف دولار أميركي، ما يعني مزيداً من الاستغلال، مع العلم أنّ معظم عمّال الزراعة في منطقة عكار من أطفال اللاجئين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و13 سنة، وهم يعملون لإعالة أسرهم بدلاً من أن يتمتعوا بحقهم في التعليم. للأسف، نختبر عنصرية بغيضة من جهة، ومصيرا غامضا من جهةٍ أخرى”.

الصورة

تدهورت الحالة النفسية للشاعر السوري أحمد عودة، اللاجئ من حمص، وبات يعاني مجدداً من الاكتئاب الحاد. يقول: “كنتُ معلماً وخطيب مسجد ومديراً لجمعية خيرية في سورية، قبل أن يتمّ اعتقالي في عام 2012 بسبب نشاطي الإغاثي. بعد سبعة أشهر من التعذيب في السجن، خرجتُ بعد توقيع إقرار مكتوب أنّني سأعمل لصالح النظام، وخضعتُ لعلاج نفسي وجسدي قبل أن أتمكّن من دخول لبنان خلسة. لاحقاً قمت بتسوية أوراقي في الأمن العام اللبناني، ثم تعرضت لمحاولة اختطاف في عام 2015، وتهديدات متواصلة بقدرة النظام السوري على اعتقالي مجدداً”. يقيم عودة في طرابلس، شمالي لبنان، ويتحدّث عن خوف لم يفارقه منذ اللجوء، لكنّه تضاعف مؤخراً. “أنا حالياً عاطل عن العمل، وابني الكبير الذي كان يعمل في أحد المطاعم، ونعتمد عليه في تلبية حاجاتنا، لم نعد نجرؤ على إرساله للعمل، كونه لا يملك إقامة، والإقامة تشترط وجود جواز سفر أو هوية. لا يمكننا المخاطرة بذهابه إلى سورية للحصول على هوية كما يشترطون، ولا حتى المجازفة بإرساله إلى السفارة السورية للحصول على جواز سفر، فقد يتعرض لمشاكل بسببي. وضعنا المادي صعب، وأملاكي في سورية مُنعت من بيعها، والملاحقات الأمنية ترافقنا أينما كنا”.

غادر كثير من السوريين بلادهم صغاراً ولا يملكون أوراقاً ثبوتية

يشرح محمود، وهو سوري مقيم في البقاع الشمالي، كيف “تتفاوت كلفة إقامة اللاجئ بحسب وضعه وسنوات المخالفة البالغة رسمياً 300 ألف ليرة لبنانية عن كل سنة، فقد تصل غرامة المخالفة وحدها إلى ثلاثة ملايين ليرة لبنانية (نحو 31 دولارا)، في حال وصلت سنوات المخالفة إلى عشر سنوات، ناهيك عن رسوم أخرى يقارب مجموعها أربعة ملايين ليرة، فضلاً عن كلفة الكفالة في حال وجود كفيل. الإشكالية الأصعب تكمن في اشتراط تقديم جواز سفر أو هوية صالحة، وأغلبنا فقد أوراقه الثبوتية، أو غادر صغيراً ولم يحصل عليها، كما أنّ كلفة جواز السفر تتراوح بين 800 وألف دولار أميركي بعد احتساب الرشاوى وكلفة تسريع المعاملة، ويكون صالحاً لسنتين فقط، فكيف بلاجئ يتقاضى من مفوضية اللاجئين مليونين ونصف المليون ليرة شهرياً (نحو 26 دولارا) أن يتكبّد هذه الكلفة؟”. يضيف: “أموال المساعدة الأممية تكفي بالكاد لتسديد إيجار أرض الخيمة والاتصالات، ويصعب تأمين كفيل يحقق الشروط، ومنها إثباتات ملكية عقاراتهم بسب انعدام عمليات حصر الإرث لغالبية اللبنانيين”. يحمل محمود بطاقة باللون الأخضر تُعتبر بمثابة إخلاء سبيل بعد دخول لبنان خلسة، وفق قوله، لكنها تستدعي المراجعة للحصول على بطاقة باللون الزهري تخوّل تأمين كفيل ومتابعة إجراءات الكفالة. غير أنّ محمود عاجز عن دفع تكاليف جواز السفر، وبالتالي لا يمكنه تجديد إقامته. يقول: “البعض قام بتسوية أوضاعه عبر دفع المبالغ المستحقة، لكن تمّ ترحيلهم، ولم تشفع لهم البطاقات”.

بدوره، يقول أبو عبد الله، الأب لخمسة شبّان وابنتين: “دخلنا لبنان في عام 2014 كلاجئين من محافظة إدلب، ولا نملك سوى إخراجات قيد قديمة، وليست لدينا كفالة ولا هويّات ولا جوازات سفر. أولادي مطلوبون للجيش، ونعيش هاجس الترحيل. طلبت من المفوضية تجديد أوراق أولادي، لكنّهم طلبوا جوازات سفر أو هويّات سورية، كون إخراجات القيد تحمل صورهم عندما كانوا أصغر سنّاً، وبالتالي لا يمكن اعتمادها لتجديد الإقامة”. ويتابع: “ابني الكبير يعمل في فرن في شمال بيروت، ووجّهت إليه البلدية إنذاراً لتسوية أوضاعه، وإلا سيكون مصيره الترحيل، وابني الثاني أوقفته عن العمل كسائق دليفري، كما أن وضعي مهدّد كسائق لصالح شركة نقليّات، إذ طلب مني صاحب الشركة تسوية أوراقي، لكن التسوية مكلفة أمنياً ومادياً”.

اللاجئون السوريون… حملة لبنانية وخطاب كراهية لترحيلهم

يكشف أبو عماد اللاجئ المقيم في بلدة عرسال الحدودية، جزءا آخر من الواقع المرير، ويقول: “أكبر أولادي كان عمره 17 سنة عند اللجوء، واليوم أصبح عمره 27 سنة، لكن لم يتمّ إدراجه ضمن ملف العائلة في المفوضية، وبالتالي لا يملك إقامة، وكذلك زوجته، وشقيقاه لا يملكان الهويّة السورية، كونهما كانا صغيرين حينها، والأمن العام اللبناني يرفض تجديد الإقامة من دون هوية أو جواز سفر، ونتمنى أن يجدّدوا إقاماتنا بناء على إخراجات القيد، أو إفادات السكن الممنوحة من المفوضية. حياتنا مأساوية، فأنا عاطل عن العمل، وأولادي يعملون في النجارة بشكلٍ متقطّع”.

يغرّد السوري حسام، المقيم في جبل لبنان، خارج السرب، قائلاً: “أقصد عملي كلّ يوم، ولست خائفاً، علماً أنني لم أجدد الكفالة منذ أربع سنوات بسبب ارتفاع كلفتها. هربتُ من الظروف المعيشيّة الصعبة في سورية في عام 2016، بحثاً عن عيش كريم في لبنان، غير أن الأزمة الاقتصادية لم ترحمنا”.

ويناشد السوري إبراهيم، السلطات اللبنانية، منح كلّ لاجئ مسجّل في المفوضية إقامة مجانية بناء على إفادة السكن، ويكشف أنّ “بعض اللاجئين تمّ إيقاف خطوط الهاتف الخاصة بهم لعدم حيازتهم إقامة صالحة، علماً أنها معتمدة من قبل مفوضية اللاجئين من أجل إرسال الرسائل النصية بشأن المساعدات والمراجعات. هموم اللاجئين لا تنتهي، والمأساة مستمرة”.

——————————-

قوى معارضة سورية تطالب بنقل اللاجئين في لبنان إلى «المناطق المحررة»/ فراس كرم

أعلنت فعاليات مدنية وهيئات وجهات سياسية في شمال غربي سوريا، استعدادها الكامل لاستقبال اللاجئين السوريين في لبنان، في مناطق الشمال السوري، بسبب ما يتعرضون له من انتهاكات وفرض الإعادة القسرية إلى مناطق النظام السوري.

وأكدت «إدارة الشؤون السياسية» في إدلب، الخاضعة لنفوذ فصائل المعارضة، و«هيئة تحرير الشام»، شمال غربي سوريا، في بيان لها، أول من أمس (الجمعة)، استعدادها الكامل لاستقبال أكثر من مليوني لاجئ سوري في لبنان، ضمن مناطق الشمال السوري المحرَّر، يواجهون خطر الترحيل القسري إلى مناطق سيطرة النظام السوري غير الآمنة على حياتهم. وطالبت السلطات اللبنانية بتحكيم لغة العقل والقيام بمسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية تجاه اللاجئين المدنيين، وذلك وفقاً للقوانين والأعراف الدولية التي توجب حمايتهم.

وقالت: «نتيجة العنف الذي شنَّه نظام الأسد المجرم ضد شعبه، لجأ ما يقارب مليوني لاجئ الشعب السوري إلى لبنان هرباً من مصير الاعتقال أو القتل، وكذلك الشعب كان قد عانى من ممارسات نظام الأسد وجرائمه قبيل انسحابه عام 2005 من لبنان، اليوم يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان لعنف لفظي وجسدي ممنهج، وقرارات حكومية بترحيل قسري دون مراعاة لما قد يتعرض له اللاجئون على يد نظام الأسد المجرم حين إعادتهم»، معلنةً في الوقت ذاته «استعدادها الكامل لاستقبال اللاجئين السوريين في مناطق الشمال السوري المحرر».

وخرج العديد من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في مدن أعزاز والباب وعفرين بريف حلب ومدينة إدلب، شمال غربي سوريا، للتنديد بالممارسات والانتهاكات التي تقوم بها السلطات اللبنانية تجاه اللاجئين السوريين وعملية الترحيل القسرية للمئات منهم إلى مناطق النظام السوري التي تشكل على حياتهم خطراً حقيقياً، مع المطالبة بتوفير الحماية لهم أو ترحيلهم إلى مناطق الشمال السوري، حرصاً على سلامتهم من القتل أو الاعتقال، بحسب ما أدلى به عدد كبير من المتظاهرين.

وقال سيف حمود، وهو أحد المُهجرين من ريف حمص في مدينة أعزاز شمال حلب، إنه «يخشى على مصير أهله (والده وأمه وأخويه)، الذي يعيشون في أحد المخيمات ضمن قضاء بعلبك في لبنان من خطر ترحيلهم قسرياً إلى مناطق النظام، بعد مطالبة كُثر من اللبنانيين إلى جانب السلطات هناك بترحيل اللاجئين السوريين».

أضاف: «يعيش في مناطق شمال غربي سوريا، وتحديداً في عفرين وأعزاز والباب بريف حلب ومناطق إدلب، آلاف السوريين المهجرين من مناطق مختلفة من سوريا، وفي مقدمتها مناطق حماة وحمص وريف دمشق، الذين لديهم صلات قرابة مع عائلات لجأت إلى لبنان مع اندلاع الثورة السورية، والجميع هنا يعيش الآن حالة قلق بالغة على مصير ذويهم من اللاجئين في لبنان، مع الرغبة الكبيرة في نقلهم إلى مناطق الشمال السوري، وفق آلية تحددها الأمم المتحدة لطالما لم تجد لهم حلاً حتى الآن على الأراضي اللبنانية تحميهم من تلك الممارسات والانتهاكات التي يتعرضون لها؛ بدءاً من حملات الاعتقال والإهانة، وصولاً إلى ما هو أخطر من ذلك، وهو ترحيلهم إلى مناطق النظام الذي سبق أن اعتقلت شبيحته عشرات المرحلين قسرياً سابقاً بينهم نساء، ولا يزال مصيرهم مفقوداً حتى الآن».

وفي لقاءات تشاورية وبحثية عقدها ناشطون سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي («تويتر» و«واتساب») تحت عناوين عدة، ومنها: «أنقذوهم – العودة إلى المجهول»، لبحث ومناقشة أخطر أزمة إنسانية تواجه اللاجئين السوريين في لبنان التي تتمثل بإعادتهم قسرياً إلى مناطق النظام السوري، يرى غالبية الناشطين أن الحل الأمثل لهذه الأزمة نقل المعارضين من اللاجئين السوريين الذين يواجهون خطر الترحيل القسري إلى مناطق المعارضة في شمال غربي سوريا».

وقال دياب الأحمد، وهو ناشط من إدلب: «بعد عجز الأمم المتحدة عن وضع حد للانتهاكات والممارسات التي تجري بحق أهلنا اللاجئين من السوريين في لبنان، من قبل السلطات هناك، وبدء عملية الترحيل القسرية التي طالت عشرات العائلات بطريقة مهينة، وتركها لمصيرها عند الحدود السورية – اللبنانية، كان لا بد للناشطين السوريين في مناطق المعارضة (ريف حلب وإدلب)، اتخاذ موقف محدد حيال ذلك من شأنه حماية أهلنا اللاجئين في لبنان، وتحديداً المعارضين منهم، وهو المطالبة بنقلهم إلى مناطقنا والعيش معنا بحرية وكرامة، بعيداً عن القتل والموت على يد شبيحة النظام وأجهزته الأمنية، تحت أي حجة أو ذريعة».

وأشار إلى أنه «ربما هناك مَن يرى أن المبادرة بالإعلان عن استعداد المناطق المحررة في شمال غربي سوريا لاستقبال أهلنا اللاجئين في لبنان من عدة فعاليات وجهات إنسانية وسياسية، أمر صعب، وقد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في المنطقة، نظراً لكثافة السكان والنازحين فيها، ولكن حماية أهلنا اللاجئين في لبنان واجب إنساني وأخلاقي، ولدينا المقدرة على تحملهم وتقاسم الطعام معهم حتى يتوفر حل سياسي شامل للمسألة السورية، وفق قرار الأمم المتحدة (2254)، الذي يضمن انتقالاً سياسياً للسلطة، ويؤمن عودة آمنة للاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم».

وكانت حملة دهم قام بها الجيش اللبناني، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ضد لاجئين سوريين في عدد من المخيمات والمناطق اللبنانية التي يلجأ إليها آلاف السوريين، وأسفرت عن توقيف نحو 450 شخصاً، جرى ترحيل أكثر من 60 منهم إلى سوريا، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة على ملف اللاجئين، أثارت موجة غضب عارمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخروج مظاهرات شعبية في مناطق الشمال السوري تنديداً بتلك الممارسات التي تجري بحق اللاجئين السوريين.

————————-

لاجئون سوريون «يعيشون في رعب» خشية ترحيلهم من لبنان

توقيف قرابة 450 شخصاً في حملة واسعة تستهدف من لا يمتلكون إقامات

أثارت «وكالة الصحافة الفرنسية»، في تقرير، أمس، قضية اللاجئين السوريين، الذين قالت إنهم «يعيشون في رعب»، خشية ترحيلهم من لبنان. فقبل سنوات، لجأ سامر وأفراد عائلته إلى لبنان؛ هرباً من الحرب في بلادهم، لكن الأمن، الذي سعوا إليه، ترافق مع ظروف معيشية صعبة، وغالباً مع «خطاب عنصري ضد اللاجئين السوريين»، وصولاً إلى هاجس الترحيل. وفي الأسبوع الماضي، انقطعت أخبار شقيقه، بعد أن سلَّمه الجيش اللبناني إلى السلطات السورية التي أوقفته، وفق تقرير الوكالة الفرنسية.

وشنّ الجيش اللبناني، خلال الأسابيع القليلة الماضية، حملات مداهمات واسعة لتوقيف سوريين لا يمتلكون إقامات أو أوراقاً ثبوتية، أسفرت عن توقيف نحو 450 شخصاً، جرى ترحيل أكثر من 60 منهم إلى سوريا، وفق ما أفاد مصدر في منظمة إنسانية، مطَّلع على ملف اللاجئين.

وشملت المداهمات، في إحدى ضواحي بيروت، منزل شقيق سامر المتواضع، حيث نُقل مع زوجته وطفليه إلى الحدود، وسُلّموا إلى قوات الأمن السورية، التي أطلقت، بعد أيام قليلة، سراح الزوجة والطفلين، وأوقفت الزوج، وفق رواية شقيقه.

ويقول سامر (26 عاماً)، الذي طلب استخدام اسم مستعار؛ خشية على سلامته، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نخاف أن نعيش المصير نفسه، فيجري ترحيلنا إلى سوريا».

ويضيف الشاب، الذي كان هو وشقيقه في عداد مَن شاركوا في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري عند اندلاعها عام 2011: «نخاف أن يصبح شقيقي في عداد المفقودين» في سجون النظام.

وبعد اندلاع النزاع في سوريا المجاورة، لجأ عدد كبير من السوريين إلى لبنان. وتقدِّر السلطات حالياً وجود أكثر من مليوني لاجئ على أراضيها، بينما عدد المسجّلين لدى الأمم المتحدة، يتجاوز بقليل عتبة 800 ألف.

ومنذ استعادة الجيش السوري السيطرة على الجزء الأكبر من مساحة البلاد، تمارس بعض الدول ضغوطاً لترحيل اللاجئين من أراضيها، بحجة تراجع حِدّة المعارك، لكن ذلك لا يعني، وفق منظمات حقوقية ودولية، أن عودة اللاجئين باتت آمنة، في ظل بنى تحتية متداعية، وظروف اقتصادية صعبة، وملاحقات أمنية تشمل اعتقالات تعسفية وتعذيباً.

في لبنان، تنوّعت الضغوط على اللاجئين السوريين؛ من حظر تجول في أوقات معينة، وتوقيفات، وترحيل قسري، إلى مداهمات، وفرض قيود على معاملات الإقامة. بينما تنظر السلطات إلى ملف اللاجئين بوصفه عبئاً، وتعتبر أن وجودهم أسهم في تسريع ومفاقمة الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ 2019.

يقول سامر، للوكالة الفرنسية: «نحن أيضاً تعبنا، ونريد حلاً، لا نريد أموالاً، ولا نريد أي شيء من لبنان». ويوضح: «يتهموننا بأننا نأخذ مساعدات من الأمم المتحدة بالدولار، لكن ذلك غير صحيح».

وتؤكد «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» أن المسجلين لديها يحصلون على مساعدة نقدية بالليرة اللبنانية فقط، وأن التمويل المتوافر لديها يغطي 43 في المائة من اللاجئين المحتاجين.

وأشارت المفوضية مؤخراً، في تصريح، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إلى ارتفاع في عدد المداهمات بمناطق يقطن فيها لاجئون سوريون في منطقتي جبل لبنان والشمال، بينها 13 مداهمة على الأقل في شهر أبريل (نيسان) الحالي.

ونوهت المنظمة بتقارير تفيد بأن بين الموقوفين والمرحَّلين لاجئين مسجلين لديها.

وأوضح مصدر متابع للملف، للوكالة الفرنسية، أنه في بعض الحالات فُرِّق أطفال عن عائلاتهم.

وأعرب عدد من السوريين عن خوف يتملّكهم في الأيام الأخيرة، يمنعهم حتى من الخروج إلى الشارع.

ويقول أبو سليم، الذي طلب استخدام اسم مستعار: «منذ أيام، أجلس ونحو 20 عاملاً سورياً آخر في مستودع المكان الذي نعمل فيه؛ خشية توقيفنا»، وهو يخاف أن يجري تسليمه للسلطات السورية بعدما عانى 6 سنوات في سجونها، حيث تعرَّض لتعذيب شديد، على حدّ قوله. ويضيف: «لا أريد أن أعيش تجربة الاعتقال مجدداً، إذا دخلت السجن مجدداً، فلن أخرج منه».

وترأّس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الأربعاء، اجتماعين؛ لبحث ملف اللاجئين السوريين، جرى خلالهما تأكيد مواصلة تدابير الجيش والقوى الأمنية «بحق المخالفين خصوصاً لجهة الداخلين بصورة غير شرعية، وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية».

واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، الشهر الحالي، أن الموضوع بات «قضية حياة وموت»، محذراً من «تغييرات ديموغرافية خطيرة، وسنصبح لاجئين في بلدنا».

وارتفع، خلال الأسابيع الماضية، مجدداً خطاب الكراهية تجاه السوريين، وطالب لبنانيون كثيرون، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بإخراجهم من لبنان.

ويتساءل عمار (31 عاماً)، اللاجئ السوري في لبنان منذ 2014: «لِمَ كل هذه الكراهية تجاهنا؟ نحن شعب لجأنا إلى هنا؛ هرباً من الموت، ماذا فعلنا لكم؟!». ويعيش عمار، الوالد لطفل رضيع، في حيرة من أمره، منذ بدء المداهمات الأخيرة.

ويقول: «لم أخرج من المنزل، منذ أن سمعت عن الترحيل، لكنني أخاف أيضاً أن يقتحم الجيش بيتي ويسلّمني، كما أنني مضطر إلى العودة إلى العمل لأشتري الحليب لطفلي الرضيع».

كان عمار يأمل أن يتخرج في كلية إدارة الأعمال، لكن النزاع في بلده دفع به للجوء إلى لبنان؛ حيث يعمل في خدمة التوصيلات. ويضيف: «لو كنت أعرف أن الأمور ستصعب بهذا الشكل، لما تزوجت ودمرت حياة عائلتي معي».

ومع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا، بات كثيرون يَعبرون إلى لبنان عبر طرق التهريب؛ أملاً في ركوب قوارب الهجرة غير القانونية، التي أصبح لبنان نقطة انطلاق لها نحو أوروبا منذ فترة.

ويقول عمار: «قد أجد الأمل في البحر، لكن في سوريا لم يعد هناك من أمل». ويضيف: «أُفضّل الموت في البحر، على العودة إلى سوريا».

—————————–

اللاجئون السوريون في لبنان وفخ حزب الله!/ وليد فارس

ان التوجه الى المجتمع الدولي والجامعة العربية للمطالبة بنقل اللاجئين السوريين الى الداخل السوري من دون المطالبة بتفيذ القرار١٥٥٩ اولا، هو علامة ضعف وليس علامة قوة.

فعدم تنفيذ الـ١٥٥٩، ولو جزئيا، وبالتالي الابقاء على سيطرة الميليشيا كما هي في كل المناطق اللبنانية، سيضع حزب الله في موقع القرار بالتصرف بالمساعدات المالية المخصصة لنقل اللاجئين، اي لمناطقه اولا، ومن اية مناطق يُنقلون، اي من مناطقه اولا، وبتوقيت النقل، اي على توقيته هو، يعني باقي المناطق فيما بعد… ام ابدا.

هذا اذا كان هنالك قرار عربي و دولي في هذا الاتجاه، ولا اعتقد ان هكذا قرار متوفر الآن.

من هنا فالهروب من المطالبة بتنفيذ القرار١٥٥٩، وهي المعركة الاولى، عبر خوض التحدي الثاني قبل قيام المنطقة الحرة، هو خطاء استراتيجي سيجر اللبنانيين عامة والسياديين خاصة، وعلى الاخص المسيحيين، الى رمال متحركة لا خروج منها، وهو ثانيا وقوع في فخ نصبه حزب الله.

اذ انه من دون قيام “مجلس وطني” تحت ظل مشروعية القرار ١٥٥٩، وهو امر لا يحتاج الا الى قرار موحد من ممثلي القوى السيادية، لا مجال للوصول الى اي هدف سيادي، لا منطقة حرة، لا تدويل، لا حياد، لا مطارات حرة، ولا ارجاع مهجرين، اذا لم يتشكل “مجلس وطني تمثيلي” ويعلن مسؤوليته المعنوية وحتى القانونية عن المطالبة بتنفذ القرار الدولي.

“فالمطالبة” بحل مسألة اللاجئين السوريين، وكافة الملفات الثقيلة، وكل العرائض الاخرى لا طريق لها الا طريق واحد، كي لا تبقى في الفضاء الافتراضي: جبهة سيادية واسعة، مجلس وطني صلب، اعلان منطقة حرة (ولو لم تتحقق بين ليلة وضحاها)، وباسم هذه المنطقة الحرة التوجه الى المجتمع الدولي للمطالبة بتنفيذ القانون الدولي، والمبادرة على الارض بتنفيذ مراحل من القرار ١٥٥٩، مرورا اولا بنزع سلاح الميليشيات حيث ممكن وبعدها العمل تحت القرار الدولي لتنظيم المنطقة الحرة بما فيه تنظيم اللاجئين السوريين و”مساعدتهم” على عودتهم الى بلادهم.

ان إعادة اللاجئين الى وطنهم يمرعبر منطقة حرة تديرالعودة، وليس من خلال ميليشيا تهدف الى احكام سيطرتها على سائر لبنان عبر فوضى الاصطدام المدني بين المقهورين اللبنانيين واللاجئين السوريين، والمستفيد الاوحد سيكون الميليشيا الايرانية.

فاذا وُقعت عرائض دون تحرك اوسع، ماذا سيحصل دوليا؟ لا شيء. لا احد يريد المس بمواضيع التوطين الديموغرافي، اما البيروقراطيات الدولية فلا تننتظروا منها حلولا عملية خارج قرار دولي حاسم، وهكذا قرار غير موجود خارج الـ١٥٥٩ .

فلقد “تفرج” اللبنانيون مطولا على ملف اللاجئين السوريين منذ ١٢ سنة دون ان يتحرك سياسييهم نحو برنامج حل. واستفاد منه الكثيرون ماليا، ورفض السياسيون اللجوء الى القرار ١٥٥٩ ليصلوا الى ملف “التوطين”. فاستفاد حزب الله من جمود “المعسكر السيادي” دوليا، والتهائه لسنة كاملة “بانتخابات” رئاسة في جمهورية رهينة، بدلا من تحرير الرهائن على الارض، اي اهالي المنطقة الحرة، تدريجيا. وبعد ذلك دفع الحزب بملف اللاجئين، ليلهي “السياديين” عن الاساس، وهو المنطقة الحرة، و”يشعلهم” امام قاعدتهم “ليفعلوا شيئا”، فيهبوا دون تخطيط، ولا برنامج، ليقاتلوا كدون كيشوتي، طواحين الهواء، فيهتفوا شعارات التعبئة ضد “الاجتياح الديموغرافي” السوري بعد ان ناموا لاكثر من عقد، كما قاموا من نوم طويل في ٢٠٠٥ تحت الاحتلال السوري العسكري منذ ١٩٩١. وامخرت الوفود الى عواصم الغرب طالبة النجدة “ضد اللاجئين”، ناسية انه ليس لديها الا قرار دولي واحد ينقذهم. فرفعوا كل الشعارات في عواصم القرار الا شعار القرار الوحيد الذي حذفوه من قاموسهم. فكأنهم يهرولون الى مراكز القرار وليس في جيوبهم اي مفتاح.

على هكذا هرولة ان تنتهي، وعلى القيادات السيادية ان تحزم بامرها وتشد عزمها وتقود شعبها بالاتجاه الصحيح، لان الوقت يهدر والفرص تتقلص، فمسألة اعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم مسألة اساسية ولكن عن طريق الاستراتيجية الاوسع، وهي تحرير لبنان، او معظمه، من الميليشيات الايرانية اولا، ومن ثم تعبئة المنطقة الحرة لوضع خطط جدية وليس فقط شعارات شعبوية، وتعبئة القدرات الذاتية القانونية والادارية والديبلوماسية، لتنظيم ومواكبة العودة السليمة للاجئين السوريين.

لذا على السياسيين اللبنانيين، والسياديين خاصة، ان لا يرتكبوا خطأ الوقوع في فخ حزب الله، اذي يهدف الى دفع القوى الحرة في لبنان ان تهرب من خنادق مقاومة الاحتلال الايراني ويتم اقحامها في معركة انتحارية بغير وقتها ومن القدرات المطلوبة، فتخسر المنطقة الحرة وتفشل في اعادة اللاجئين معا. فتوصياتنا من واشنطن هي

– اطلاق مجلس وطني للبنان الحر 

– العمل على اقامة منطقة حرة من بيروت وجبل لبنان الى اقصى الشمال

– التوجه “كلبنان حر” الى المجتمع الدولي

– تنفيذ اعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم، انطلاقا من لبنان حر.

هذا هو الخط المستقيم للجهود، وليس الهبّات الضعيفة التخطيط، والاخطاء القاتلة، التي يسعى الحزب ان يدب اللبنانيين فيها فيحرقوا ما تبقى لهم من قدرات ورصيد، ويسقطوا نضالهم للتحرير في مغاور لا خروج منها.

————————-

لبنان يطلق حملة «مسح وطنية» لتعداد النازحين السوريين

«القوات» يتعهد منع دمجهم… والبلديات تطبّق إجراءات استثنائية

أطلقت وزارة الداخلية اللبنانية حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل النازحين السوريين وتسجيلهم، ضمن إجراءات جديدة لضبط عملهم وتحديد من يوجد في لبنان بصورة قانونية، وذلك في ظل نقاشات سياسية، وضغط أحزاب لبنانية لإعادة النازحين إلى بلادهم.

ووجّه وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، كتاباً إلى المحافظين ومن خلالهم إلى القائمقامين والبلديات والمخاتير في القرى التي لا توجد فيها بلديات ويوجد فيها نازحون سوريون، لإطلاق حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل النازحين السوريين، والقيام بتسجيل كل المقيمين، والطلب إلى المخاتير عدم تنظيم أي معاملة أو إفادة لأي نازح سوري قبل ضم ما يُثبت تسجيله، والتشدد في عدم تأجير أي عقار لأي نازح سوري قبل التثبت من تسجيله لدى البلدية وحيازته إقامة شرعية في لبنان، وكذلك إجراء مسح ميداني لجميع المؤسسات وأصحاب المهن الحرة التي يديرها النازحون السوريون والتثبت من حيازتهم التراخيص القانونية. كذلك، وجّه مولوي كتاباً إلى وزارة العدل آملاً التعميم على كُتّاب العدل كافة بعدم تحرير أي مستند أو عقد لأي نازح سوري دون بيان وثيقة تُثبت تسجيله في البلدية.

وتوجّه مولوي إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين آملاً التجاوب بإقفال ملفات النازحين السوريين الذين يعودون إلى بلادهم طوعاً و«إخطار مفوضية الأمم المتحدة بذلك وعدم إعادة فتح ملفاتهم حتى لو عاودوا الدخول إلى لبنان، وإفهام النازحين السوريين أن ورقة اللجوء لا تعد إقامة، وتزويد المديرية العامة للأمن العام بـ(داتا) مفصّلة للنازحين السوريين»، حسبما ذكرت وزارة الداخلية.

وتتزامن الإجراءات الجديدة مع تصاعد الحملة السياسية والتحركات الحكومية لإعادة اللاجئين. وتعهد حزب «القوات اللبنانية» بـ«وضع كل الضوابط القانونيّة لمنع دمج النازحين السوريين»، حيث قال رئيس لجنة «الإدارة والعدل» في البرلمان النائب جورج عدوان، إن «موضوع النازحين وطني، والجميع معنيّ به»، مشيراً في تصريحات لقناة «إم تي في» التلفزيونية إلى «أننا كمجلس نيابي علينا وضع كلّ القوانين التي تمنع كلّ أشكال الدّمج، ويجب التعاون مع الجميع». وتمنى عدوان، وهو قيادي في «القوات اللبنانية»، على الدول العربيّة «اشتراط عودة النازحين إلى بلدهم قبل عودة سوريا إلى الجامعة العربية».

وبعدما كان «التيار الوطني الحر» في صدارة المطالبين بإعادة النازحين، انضمت قوى سياسية أخرى إلى الحملة، بينها «القوات» و«الكتائب اللبنانية»، إضافةً إلى مرجعيات كنسية لبنانية أكدت أن وجود النازحين أضاف أعباء إضافية على المجتمع اللبناني الذي يعاني أصلاً من الضغوط المعيشية والأزمة الاقتصادية.

وطالبت مطرانية الفرزل وزحلة والبقاع للطائفة الكاثوليكية، في بيان، السلطات اللبنانية، بـ«المسارعة إلى إجراء مسح دقيق وشامل لغير اللبنانيين المقيمين على الأراضي اللبنانية، وتحديداً للنازحين السوريين، للتعرف على كيفية دخولهم إلى لبنان ومبرر وجودهم فيه». كما طالبت بدعوة غير اللبنانيين الموجودين في لبنان بقصد العمل، بمن فيهم العمال الموسميون في قطاعي الزراعة والبناء وغيرهما، إلى «قوننة وجودهم وعملهم في لبنان والتشديد على ضرورة التزامهم القوانين النافذة التي ترعى شؤونهم، ودفع الضرائب والرسوم المتوجبة عليهم».

وأضافت: «بالنسبة إلى النازحين الذين دخلوا لبنان لأسباب أمنية، ويقيمون في مخيمات، وترعى شؤونهم الهيئات والمنظمات الدولية، من الضروري تسجيل أسمائهم في سجلات خاصة وفق القرارات التنظيمية تمهيداً لمساعدتهم على العودة إلى ديارهم، وقد استقر الأمن في غالبية المناطق السورية». وطالبت بترحيل كل مقيم، بغضّ النظر عن جنسيته، موجود على الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية ولا يملك أوراقاً ثبوتية، وتسليمه إلى سلطات بلاده.

———————————

مراكب الموت تعاود نشاطها.. هل يستخدم لبنان اللاجئين السوريين كورقة ضغط دولية؟

لبنان ـ سهى جفّال

“لست نادما ولو عاد الزمن إلى الوراء سأخوض تجربة مراكب الموت مرة ثانية وثالثة، فأموت وأنا أحاول أفضل من الاستسلام لهذا الواقع المرير”. هي صرخة ألم ومعاناة عدد من اللاجئين السوريين في لبنان، فعلى الرغم من مدى خطورة الهجرة غير الشرعية واحتمال الموت بأبشع الطرق، وصعوبة تأمين الكلفة التي تقدر بـ 6 آلاف دولار، إلا أن إسماعيل اللاجئ السوري (21 عاما) وأحد الناجين من مركب سلعاتا (الذي غرق في كانون الأول 2022 قبالة الساحل شمالي البلاد) يرى فيها خشبة الخلاص حتى لو كانت الوجهة هي المجهول بحسب ما صرّح لموقع تلفزيون سوريا.

أما ياسين (32 عاما) لاجئ سوري آخر، فقد شاء القدر أن ينجو من غرق مركب سلعاتا المذكور، ويؤكد كذلك أنه سيجرب الهجرة عبر البحر “اليوم وغدا وكل يوم” حتى يتمكن من المغادرة نحو بلد فيها ظروف أفضل، وبالرغم من كل ما واجهه في عرض البحر فإنه لا يزال مصرا على صوابية قراره خاصة اليوم بعد الحملة التي تشن على اللاجئين في لبنان من جهة، وصعوبة الأحوال المعيشية والاقتصادية من جهة ثانية”.

وفي حديثه لموقع تلفزيون سوريا، عاد ياسين للتأكيد على أنه “عندما يؤمن الأموال اللازمة سيعيد الكرة”، مشيرا إلى أن “ثمة عددا من اللاجئين في محيطه يستعدون للهجرة غير الشرعية خاصة بعد حملات التوقيف والتضييق بحقهم في لبنان”.

مراكب الموت في لبنان إلى الواجهة مجدداً

أثار طرح قضية اللاجئين السوريين في لبنان وخطاب الكراهية والعنصرية ضدهم، المخاوف من عودة نشاط “مراكب الموت”، مع تزايد الضغوطات وحملات التوقيف والترحيل القسري للعديد من العائلات السورية، لتضاف على “فاتورة” الأزمات المعيشية والاقتصادية التي يدفع ثمنها اللاجئ مثل المواطن اللبناني.

إلا أن أخطر ما في الأمر الشكوك وعلامات الاستفهام التي بدأت تطرح حول التوقيت والهدف من التحرك الرسمي اللبناني في هذا الملف، الذي يوحي بأنه أشبه بـ “المكيدة” المدبَّرة والمنسقة خاصة مع طريقة إثارة الملف وخطاب الكراهية الذي ارتفع مؤخرا بوجه اللاجئين، بشكل جعل منها أم القضايا لدى اللبنانيين علما أنها ليست وليدة اللحظة، في محاولة من بعض السياسيين لتحميل اللاجئين، وزر كل الأزمات التي يشكو منها لبنان.

أب وبناته قضوا خلال محاولتهم الهجرة إلى أوروبا

وكان اللافت، ترافق الحملات والإجراءات ضد اللاجئين، مع إثارة قضية الهجرة غير الشرعية من قبل العديد من المسؤولين اللبنانيين، في مقدمتهم الرئيس السابق ميشال عون الذي قال إن سفيرة أوروبية طلبت من السلطات اللبنانية حراسة الشواطئ، منعا لخروج السوريين من لبنان إلى أوروبا، واتهم عون الأوروبيين والأميركيين بالسعي لإعادة توطين اللاجئين في لبنان.

كذلك استخدم رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب، ملف اللاجئين كمادة ابتزاز ضد الأوروبيين، قائلا في لقاء تلفزيوني إنّ “الأوروبي مش عاوز يدفع.. طيب بسيطة.. نعطي أمر للأجهزة تركبهم على شوية سفن ونبعتهم على أوروبا”. ما يشير إلى أن السلطات اللبنانية قد تستغل ملف “مراكب الموت” الذي ستفاقمه الحملة ضد اللاجئين وتستخدمه كورقة ضغط على أوروبا.

ألفا شخص حجزوا أماكنهم والمهربون يستعدون

وبالفعل مع قدوم فصل الربيع وانتهاء شهر رمضان، ثمة العديد من المعطيات تشير إلى أن المهربين يستعدون لاستئناف رحلاتهم لنقل اليائسين من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين إلى أوروبا عبر البحر، إذ أعلن مهربو البشر في لبنان عن قرب انطلاق قوارب المهاجرين المتجهة إلى إيطاليا بعد انتهاء رمضان، ومن خلال مقابلات أجريت لصالح مشروع بحثي كبير عن التهريب، كشف المهربون في بيروت وطرابلس أن نحو ألفي شخص دفعوا لهم عربوناً ليحجزوا مكانا لهم على تلك القوارب.

قوارب الموت ورقة ابتزاز

مصدر حقوقي رأى في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن كلام عون “يعكس محاولة السلطة في لبنان استغلال هذا الملف لابتزاز المجتمع الدولي والمنظمات لتقديم مزيد من المساعدات”.

ولفت المصدر إلى أنه “منذ انتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية لم تتحرك السلطات لتوقيف هذه العصابات المنظمة، وهو ما يشير إلى أنه لا نية لها للتصدي لهذه الآفة الخطيرة التي يبدو أنها تصب في مصالحها”.

مخالفة قانونية جسيمة

وفيما يحصُر القانون اللبناني الترحيل إما بالقضاء أو بمدير عام الأمن العام اللبناني، لفت إلى وجود انتهاكات جسيمة ترتكب بحق اللاجئين وهذه المرة بطلها الجيش من دون وجهة حق قانونية، فكل ما يجري في لبنان بحق اللاجئين من قبل الحكومة وبالتواطؤ مع الجيش تشير بحسب المصدر الحقوقي إلى أنها تودّ القول لهم إنه ليس أمامكم سوى مراكب الموت وذلك مع قدوم فصل الربيع”.

مخطط “خبيث” استعدادا لمؤتمر بروكسل

المصدر شدد على وجود “مخطط خبيث يعدّ له استعدادا لمؤتمر بروكسل للمانحين الشهر المقبل، عبر تحريك ملف اللاجئين بهذه الطريقة مما سينتج عنه عودة ظاهرة الهجرة غير الشرعية واستغلاله من قبل السلطة في لبنان تحت ذريعة أنها غير قادرة على ضبطه بهدف تحصيل مزيد من المساعدات المالية من المجتمع الدولي”.

 لاجئون سوريون يفضلون الموت على الترحيل

إلى ذلك اعتبر المصدر الحقوقي أن الدولة اللبنانية تضع اللاجئين أمام خيار الموت عبر الهجرة غير الشرعية أو الانتحار كما جرى قبل أيام، إذ “أصبح اللاجئ يفضل الموت على الترحيل”.

وبينما لا يملك لبنان عددا دقيقا للضحايا الذين غرقوا في البحر في أثناء مغادرتهم شواطئه، قدرت الأمم المتحدة أن عددهم ارتفع عام 2022 بنسبة 70 في المئة مقارنة بالفترة بالعام 2021. واليوم بدأ عدد من العائلات السورية واللبنانية في شمالي لبنان الاستعداد للمغامرة عبر البحر غير مكترثين بالمخاطر، رغم أن مأساة القوارب التي غرقت لا تزال بالبال منها القارب الذي غرق في  أيلول 2022 موديا بحياة 90 شخصا قبالة الساحل السوري بعد مغادرتهم من شمال لبنان، وفي كانون الثاني 2023، أنقذت البحرية اللبنانية 200 شخص بينما كان قاربهم يغرق.

ما خيارات السوريين في لبنان؟

الأستاذ في القانون الدولي، المحامي طارق شندب، أكّد لموقع تلفزيون سوريا، أن “الضغط المتزايد على اللاجئين في لبنان وحملة الترحيل المستمرة بشكل غير قانوني من قبل الدولة اللبنانية، تدفع ليس فقط اللاجئ السوري للتفكير بخيار الهجرة غير الشرعية إنما تدفع أيضا عددا كبيرا من اللبنانيين في ظل الأزمة الاقتصادية”.

وأشار إلى أن العديد من التقارير الدولية للمنظمات المعنية باللاجئين تقول إن بعض الذين تم ترحيلهم بالدفعة الأولى والثانية إلى سوريا قتلوا أو عذبوا أو اختفوا قسريا، وتابع “لذا يفضل اللاجئ الموت والمجازفة بحياته وحياة عائلته على العودة إلى سوريا، خصوصا لمن لا يستطيع تأمين جواز سفر ومن ليس لديه القدرة المالية للهجرة بطريقة شرعية، فلا يبقى أمامه إلا اللجوء إلى مراكب الموت”.

ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان

ولفت شندب، إلى أن “ما يجري هو فرصة أمام تجار البشر للاستثمار بأرواحهم، وكل هذه الإجراءات التي تضيّق عليهم والخطابات العنصرية تسهل وتشجع على هذا الأمر”، مشددا على أن “الدولة اللبنانية مسؤولة عن منع هذه الآفة، لكن المتوقع أن تزداد هذه الظاهرة مع بداية فصل الصيف وهدوء البحر ما يشجع تجار الموت على العودة إلى نشاطهم واستغلال اللاجئين الراغبين بالهروب من الأوضاع المعيشية من جهة، والحملة ضدهم من جهة ثانية”.

وأكد شندب أن “تسليم أي لاجئ سوري هو جريمة ضد الإنسانية لأنه لا عودة آمنة ولا عودة طوعية، وبالتالي ما يجري هو نوع من الابتزاز كما جرت العادة عند اقتراب أي موعد لمؤتمر دولي”، وتابع “الدولة لا تكتفي فقط بسرقة أموال اللبنانيين ونهبها إنما أيضا الابتزاز لسرقة أموال اللاجئين”. معتبرا أن الحكومة اللبنانية تستغل قضية اللاجئين ومراكب الموت كورقة ضغط على أوروبا.

الهجرة غير الشرعية لا “تحلّ عبر الأمن والعسكر”

بدوره، رأى النائب أشرف ريفي، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن “الضغوطات على أي شخص تدفعه للبحث عن مخرج معين قد يكون السعي وراء الهجرة غير الشرعية منها خاصة مع اقتراب موسم الصيف وهدوء البحر، وبالتالي لا أستبعد أن تتجدد ظاهرة مراكب الموت حاليا بالتزامن مع الحملة ضد اللاجئين، ذلك سواء كانت الدولة اللبنانية تخطط لذلك الأمر أم لا”.

النائب عن الشمال اللبناني، المنطقة التي أصبحت بوابة عبور لمراكب الموت، أشار إلى أن “هذه الظاهرة لا تحلّ عبر الأمن والعسكر، بل هي تحتاج لعلاج جذري من خلال تأمين حياة كريمة للمواطن على كافة المستويات المعيشية والتعليمية والصحية، علما أن الحدّ الأدنى من العيش الكريم غير مؤمن في لبنان”.

وعبّر ريفي عن خشيته من تجدّد آفة الهجرة غير الشرعية، بالقول “عند هدوء أمواج البحر حكما سنرى تزايد أعداد مراكب الموت، ولا شك أن هناك استنفارا عسكريا وأمنيا ولكن لا يتوهم أحد أن تحل المشكلة بهذه الطريقة فهي لا تحل إلا بالسياسة والاقتصاد”.

يذكر أنه في عام 2022، حذرت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين من تضاعف عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا من لبنان عبر شرق البحر الأبيض المتوسط للعام الثاني على التوالي، رغم أن قبرص الأقرب للبنان، كانت أقل جاذبية للمهاجرين من دول أوروبا الغربية، في حين كان الوصول لإيطاليا أو اليونان خطيرا جدا من لبنان، لذا كان هذا الطريق مستبعدا، لكن مؤخرا زاد سلوك هذا الطريق بسبب سوء الوضع في لبنان، لدرجة أن المهربين شهدوا المزيد والمزيد من الطلبات من الأشخاص اليائسين لمغادرة البلاد، لبنانيين وسوريين وغيرهم.

—————————–

اللاجئون السوريون يتمنون فوز اردوغان:تركيا لن تغير سياساتها قريبا

تترقب الأوساط السورية المعارضة الانتخابات التركية المقررة في 14 أيار/مايو، في ظل اعتقاد واسع بين اللاجئين السوريين في تركيا وسكان الشمال السوري بمصيرية نتائجها لجهة مستقبلهم.

وتحت تأثير وعود المعارضة التركية (الطاولة السداسية)، التي تدخل الانتخابات موحدة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم وتحالفه، بتغيير طريقة تعاطيها في الملف السوري في حال فوزها بالانتخابات، تبدو غالبية السوريين أكثر تفضيلاً لفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي هذا الإطار ناقش مركز “الحوار السوري” في ندوة حوارية شارك فيها عدد من الباحثين والخبراء والناشطين السياسيين والمهتمين، انعكاسات الانتخابات التركية على مستقبل اللاجئين السوريين والشمال السوري، من دون أن يكشف المركز في تقريره عن مجريات الندوة، وهوية المشاركين (تشاتام هاوس).

اللاجئين السوريين

وبما يخص مستقبل نحو 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، أشار المركز إلى ارتباط الملف بتوافقات مع دول أخرى، ما يجعل التعامل معه معقداً، ولا إجماع عليه حتى ضمن أحزاب كل تحالف من التحالفات الانتخابية القائمة على الرغم مما قد يظهر إعلامياً أحياناً من وعود بإعادة السوريين.

ويرى أحد المشاركين أن تركيا لم تكن لديها سياسات واضحة في قضية التعامل مع اللاجئين منذ بداية دخولهم حتى الآن، مرجحاً أن تبقى مشكلة اللاجئين قائمة سواء بقي الحزب الحاكم الحالي في الحكم أو فازت المعارضة، لأن “المشكلة موجودة في النظم القانونية للقانون التركي، فموضوع الحماية الإنسانية ليس قانوناً مكتملاً ويحتاج إلى إعادة تأهيل، وحصل خلاف بين الاتحاد الأوروبي والحزب الحاكم في تركيا على مدى سنوات لإعادة تأهيل قانون الحماية الإنسانية”.

مطولاً، استعرض المركز رؤية “الطاولة السداسية” لمسألة إعادة السوريين، وذكر متحدث مطلع مقرب من المعارضة التركية في الندوة، إن إعادة السوريين إلى الداخل السوري شكلت صراعاً أساسياً بين أحزاب المعارضة، مضيفاً أن حزبي “المستقبل والدواء” هما من أكثر الأحزاب في الطاولة التي تُعرقل موضوع إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

ويُعلق مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” الدكتور محمد سالم بقوله: “من المعلوم أن هناك مبالغة في التصريحات التي تخص مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، لحسابات انتخابية، وكل الأطراف السياسية التركية (معارضة، حكومة) تدرك أن ملف الوجود السوري لا يمكن حله في غضون عامين”.

ويشير في حديثه ل”المدن” إلى قرب المعارضة من أوروبا والولايات المتحدة أكثر من الحكومة التي تنسق مع روسيا، ويقول: “هناك اتفاقيات عقدتها تركيا مع الاتحاد الأوروبي وأميركا بخصوص اللاجئين، ما يعني أن تأثير نتيجة الانتخابات على الوجود السوري في تركيا لن تكون على المدى القريب”.

الوجود العسكري التركي

وحول تأثير نتيجة الانتخابات على الوجود العسكري التركي في سوريا، ينقل المركز عن أحد المشاركين قوله إن “الوجود العسكري يُناقش على مختلف المستويات في الدولة التركية مثل البرلمان والحكومة والأحزاب، ومن المفترض أن هذا النوع من القرارات لا يتأثر بشكل مباشر وسريع بمسألة تغير الحزب الحاكم، وإنما يأخذ وقتاً”.

المشارك دعا إلى التفريق بين قرارات تركيا وتوجهاتها التي هي على مستوى الحكومة الحالية والقرارات التي تم اتخاذها من طرف تركيا بسبب حسابات داخلية معقدة واتخذت على مستوى مجلس الأمن القومي التركي، مضيفاً: “لا تخضع بشكل مباشر وسريع وبدرجة كبيرة لحسابات نتائج الانتخابات، لكنها ستتأثر على المدى البعيد في حال حدوث تغير فعلي أو كبير في الحكومة والبرلمان وأوزان المشهد السياسي في تركيا”.

وعن رؤية المعارضة يؤكد أن أحد أحزاب الطاولة طرح بند إعادة مبادئ السلام الداخلي والخارجي، مبيناً أن المقصود بالداخلي القضية الكردية، وبالخارجي المنطقة بأكملها، وعلى أساسه يبنى موضوع انسحاب القوات التركية من سوريا، ولكن ليس بشكل آني مباشر، وإنما على شكل مراحل عديدة، بحيث يكون هناك تنسيق وتفاهم مع الدول الإقليمية وفق التفاهمات الروسية التركية الإيرانية، مما يعني أنه لن يكون هناك انسحاب تركي عسكري من شمال سوريا على المدى القريب.

وهنا يشير محمد سالم إلى حالة شبه إجماع بين كل الأحزاب التركية على وضع الوجود التركي في سوريا في إطار ضرورات “الأمن القومي التركي”، ويقول: “من الصعب أن يتغير هذا الإجماع، وخاصة أن قرار دخول الجيش التركي إلى سوريا جاء من مجلس الأمن القومي التركي، وهذا المجلس لديه اعتبارات لا تتأثر بشكل كبير بتغيير الحكومة”.

ودونما شك، يستبعد سالم انسحاباً تركياً سريعاً من سوريا، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات.

التطبيع مع النظام

وبعد أن أشار سالم إلى اتفاق الحكومة والمعارضة التركية على التطبيع مع النظام السوري، قال: “لا خلاف على هذا المسار، وفي الغالب سيستمر هذا الزخم، وتركيا بحاجة إلى شرعنة وجودها في سوريا، وهذا الأمر يتطلب موافقة مباشرة أو غير مباشرة من نظام دمشق”.

لكن أحد المشاركين في الندوة قال إن “السياق الذي يأتي فيه هذ التطبيع مختلف بشكل كبير، فالحكومة الحالية تركز على شروط معينة تتعلق بالوضع السياسي الداخلي والمعتقلين وأولوية محاربة الإرهاب وشروط وتفاصيل أخرى، أما إن حصل تغير فإن عملية الانفتاح تبقى قائمة ولكن تأتي في سياق آخر، إذ تميل بعض أطراف المعارضة للمضي في عملية الانفتاح أو التطبيع في سياق المصالحة، وفي سياق أقرب إلى الاعتذار عما مضى”.

ويعزز استمرار الحكومة التركية الحالية من آليات تطبيق الخطط والتفاهمات التي رسمتها بخصوص اللاجئين السوريين، أو فيما يخص الشمال الغربي وقضية التطبيع مع النظام، والتي سيتم التوصل إليها بالتنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية والمضي بها نحو تعزيزها أو توسيعها والبناء عليها أكثر، في حين أن قدوم المعارضة التركية سيترك تأثيرات مختلفة على تلك الملفات، ولكن على المدى الطويل لا السريع، وهذه التغييرات ما تزال غامضة، ولا يبدو أنها ستتضح بسهولة، كما يؤكد المركز “السوري للحوار”.

—————————-

مثقفون وصحافيون لبنانيون يطلقون بياناً تضامنياً مع النازحين السوريّين: ليس باسمنا ولا باسم وطنيّتنا اللبنانيّة

أصدرت مجموعة من “العاملين والعاملات في مجالات الكتابة والصحافة والفنون والتعليم” في لبنان بياناً تضامنياً مع “النازحين” السوريين، إزاء الحملة الجائرة التي يتعرضون لها، التي قد تنتهي بـ “إعادتهم إلى نظام بشّار الأسد”.

أشار البيان أولاً إلى ما يتعرّض له “المواطنون السوريون النازحون إلى وطننا لبنان” من “حملة عنصريّة، تبدأ بتضخيم أرقامهم ومنع تجوّلهم، وإشاعة صورة بشعة ومخيفة عنهم وعن “جرائمهم” و”سرقاتهم”، وتنتهي باحتمال إعادتهم إلى نظام بشّار الأسد، الذي يصادر بيوتهم وأراضيهم، ولن يتردّد، إذا ما عادوا بالطريقة التي يريد لهم البعض أن يعودوا، في إذاقتهم سائر أشكال المرارة وتعريضهم لسائر أشكال الانتهاك. وهذا فضلاً عن أنّ جزءاً معتبراً منهم لا يستطيع العودة، ولو بشروطها الرديئة والعشوائيّة، لأنّ مناطقهم وبيوتهم لا تزال محتلّة”.

وأكد البيان: “إنّنا نعلن براءتنا من هذه الحملة التي تُشنّ باسم لبنان ومصالح اللبنانيّين، ونرى أنّها تستهدفنا كما تستهدف النازحين السوريّين، إسكاتاً لأصواتنا وقمعاً لحرّيّاتنا”.

وأضاف: “من موقع تمسّكنا بالوطنيّة الدستوريّة اللبنانيّة، وبقيم الحرّيّة والتعدّد، وبنظام الديمقراطيّة البرلمانيّة، نرى أنّ أنبل القيم تنقلب إلى نقيضها حين تتجرّد من مضمونها الإنسانيّ تضامناً وتعاطفاً مع أبرياء مقهورين بغضّ النظر عن جنسيّتهم وهويّتهم ودينهم وعِرقهم”.

وأوضح الموقعون: “نحن لا نقلّل إطلاقاً من حجم المشكلة التي أنتجها اللجوء السوريّ الكثيف، ولسنا عمياناً عن الأعباء التي يرتّبها على لبنان وعلى موارده المحدودة، أو المخاوف التي تحرّكها طبيعة العلاقات الحسّاسة بين طوائفه وجماعاته، حيث يحتلّ العدد والرقم موقعاً مركزيّاً. لكنّنا إذ نصرّ على حلول عقلانيّة هادئة، بعيدة عن الشيطنة شعبويّةً كانت أم عنصريّة، ندرك أيضاً أنّ استثنائيّة أوضاعنا هي من استثنائيّة التوحّش الذي ابتُلي به السوريّون، كما ابتُلي اللبنانيّون. وهذا فيما تدفعنا الأحداث المتلاحقة إلى الظنّ أنّ تَوَطُّدَ الطغيان وتمدّده هما أوّل الأسباب التي تقف وراء تمادي الحالة السيّئة كما يعانيها معاً اللبنانيّون والسوريّون في لبنان”.

ويتابع البيان: “المأساة الراهنة إنّما تسبّبت بها أفعال النظام السوريّ الدمويّة، والدور الاحتلاليّ والتهجيريّ الذي أدّاه حزب لبنانيّ ممثَّل بقوّة في السلطة. لكنْ بدل أن تتوسّع حملة الإدانة لأفعال الطرفين المذكورين، نجد أنّ الحملة الراهنة، بسياسيّيها وإعلاميّيها وباقي مسامير آلتها، لا تكتفي بالتكتّم عن الأسد و”الحزب”، بل تكمّل أفعالهما”.

ونوّه البيان إلى أن أصحاب الحملة يغيّبون حقيقة “أنّ السوريّين في لبنان ليسوا طرفاً مسلّحاً، وأنّهم لا يرفعون قضيّة تتوسّل لبنان وتهدّد سيادة دولته أو تعرّض حدوده للخطر”،  كما “يغيّبون أيضاً حقائق اقتصاديّة، في معرض استعراضهم تلك الأرقام المضخّمة عن الآثار السلبيّة للسوريّين على الاقتصاد والعمالة اللبنانيّين. وممّا يتجاهلونه أنّ الوجود السوريّ هو ما يستجلب أموالاً ومساعدات دوليّة على اقتصادنا المنهوب، أموالاً ومساعداتٍ يُراد السطو عليها وإدراجها في دوّامة الفساد المعروفة. وهذا فضلاً عن أنّ الكثير من المهن التي تؤدّيها اليد العاملة السوريّة الرخيصة، في البناء والزراعة وسواهما، سبق أن شغلها سوريّون قبل الأزمة، وقد أثمرت يومذاك بعض أفضل النتائج على الاقتصاد اللبنانيّ”.

وقال البيان: “من المقلق حقّاً أنّنا، فيما نعيش أزمة اقتصاديّة وماليّة قاتلة، ويُبدي نظامنا برأسيه السياسيّ والماليّ عجزاً تامّاً عن معالجتها، بل فيما تتردّى أحوال بلدنا دولةً ومجتمعاً، وتتكشّف على نحو مؤلم العيوب البُنيويّة في تجربتنا الوطنيّة، كما تستبدّ المخاوف بالطوائف والجماعات والأفراد حيال السلاح المتفلّت والإفقار المتمادي…، في هذا الوقت بالذات يهرب مهندسو الحملة على السوريّين من مواجهة الأسباب الفعليّة والأعداء الفعليّين إلى أسباب وهميّة وأعداء وهميّين. ولئن انطوى هذا السلوك على صفات لا يُحمَد حاملوها، فإنّه لا يفعل سوى تكرار حالات كثيرة عرفتها بلدان أخرى هربت من مشكلاتها عبر البحث عن أكباش المحارق من ضعفاء ومستضعفين. وإذ يظهر بيننا من يُخيفنا بأرقام الولادات السوريّة ونِسبها المرتفعة، وبالمخاطر الديموغرافيّة التي ترتّبها تلك الأرقام، فهذا أيضاً ممّا سبق أن رأيناه في بلدان آثرت تحميل مآسيها إلى ضحايا أبرياء وُصفوا بأنّهم يهدّدون الوطن والوطنيّة.

فإذا ظنّ الهاربون من كوارثنا، ومن التصدّي لها، أنّهم بالطريقة هذه يعيدون الاعتبار للوطنيّة اللبنانيّة، فبئس وطنيّة متجبّرة كهذه، تضيف قسوتها إلى القسوة التي هجّرت السوريّين ثمّ أخضعتهم لشروط حياة مأسويّة لا تثير، لدى أصحاب المشاعر السويّة والحسّاسة، سوى الانكسار والحزن والتعاطف. وإذا ظنّ أصحاب الحملة إيّاهم أنّ سلوكهم يصالح لبنان مع “الحضارة” و”العالم المتحضّر”، فإنّ الردود الأوروبيّة والغربيّة تقول كم هم مخطئون، وكم أنّ نهجهم يكمّل النهج الرسميّ في عزلنا عن ذاك العالم”.

ويختم البيان: “لهذا كلّه فإنّنا، نحن الموقّعين والموقّعات أدناه، نعتبر أنّ المهمّة الكبرى المطروحة علينا جميعاً مدارها عودة النازحين إلى بلادهم شريطة أن تكون عودة طوعيّة وآمنة فعلاً، مضمونة من القوى الخارجيّة والدوليّة المؤثّرة ومنسّقة معها. وهذا كلّه يتطلّب الضغط على الدولة اللبنانيّة من أجل أن تبذل، ولو لمرّة واحدة، بعض الجهد والجدّيّة حيال قضيّة بالغة الحيويّة.

    البيان: الوجود السوريّ هو ما يستجلب أموالاً ومساعدات دوليّة على اقتصادنا المنهوب. والكثير من المهن سبَقَ أن شغَلَها سوريّون قبل الأزمة، وقد أثمرت يومذاك بعض أفضل النتائج على الاقتصاد اللبنانيّ.

لكنّنا، في مطلق الحالات، ماضون في مواجهة هذه الحملة الجائرة التي لا تسيء فحسب إلى سوريّين أبرياء، بل تسيء إلينا كلبنانيّين إساءتها إلى وطنيّتنا اللبنانيّة التي نريدها إنسانيّة وديمقراطيّة وعصريّة. ومن موقعنا هذا نكرّر القول: ليس باسمنا ولا باسم وطنيّتنا اللبنانيّة”.

وقد ذُيّل البيان بملاحظة تقول إن وصف “نازحين” أثار بعض اللغط، لجهة أنّ تعبير “لاجئين” أدقّ في حالة السوريّين، ويوضح: “هذا صحيح مبدئيّاً. لكنّ ما أردنا توكيده باستخدام “نازحين” هو إضعاف حجّة الذين يربطون بين “اللجوء” و”التوطين” مستندين إلى ما يسمّونه خطر التوطين الفلسطينيّ”.

أما الموقعون على البيان فهم:

لينا المنذر- ضياء حيدر- يوسف بزّي- حازم صاغيّة-  حسام عيتاني- محمّد أبي سمرا- حازم الأمين- ديانا مقلد- عليا ابراهيم- إيلي الحاج- هلا نصر الدين- نور سليمان- حسن عباس- مروان أبي سمرا- شذا شرف الدين- طارق أبي سمرا- بشّار حيدر- رشا الأطرش- مهنّد الحاج علي- دجى داوود- مروة صعب- خضر حسان- وليد حسين- فداء عيتاني- بيسان الشيخ- مكرم رباح- زياد ماجد- عزّة شرارة بيضون- ربيع مروّة- رشا الأمير- زياد عنتر- هنا جابر- ناتالي المير- بلال خبيز- جاد شحرور- عمر حرقوص- خلدون جابر- رنا نجار- محمد شبارو- ليال حداد- جنى بركات- وليد نويهض- سهيل سليمان- عليا كرامي- أحمد بيضون- لينا مجدلاني- فؤاد الخوري- أيمن مهنّا- لميا جريج-مريم سيف الدين- وليد فخرالدين- ديما صادق- صهيب جوهر- بلال ياسين- زهراء الديراني- ريحانة نجم-إيمان حميدان- علي نور الدين- عقل العويط- الياس خوري- بتول يزبك- سعود المولى- دلال البزري- إيلي القصيفي- مايا عمار- شربل خوري- ادمون رباط- غنوة يتيم- ريتا الجمال- نبيل مملوك- عزة الحاج حسن- بول طبر- كريستين طعمة- زينب شرف الدين- فاروق عيتاني- ميشلين أبو سلوم- محمد جزيني- هشام عليوان- جوني فخري- كارولين عاكوم- ميشال حاجي جورجيو- ريم الجندي- حسن مراد- عزة طويل- ريتا شهوان- ريتا باروتا- خالد العزي- جمانة حداد.

——————————–

لبنان بلد لاجئين/ يقظان التقي

يقول المثل الشعبي “البيت الضيق يساع ألف صديق”، لكن الأمور تصبح معقّدة، حين يكون اللاجئون في ضيافة الفقراء في الأرياف والضواحي، وحين يتقاتلون معاً من أجل لقمة الخبز، والماء، والدواء، والمأوى، والمدرسة… مع فقدان التماسك الاجتماعي وانهيار الدولة وخدماتها، وغياب أي خطّة لإدارة الأزمة قبل انفجارها المحتمل. تدفقات متراكمة عقوداً شملت مختلف المناطق اللبنانية. كذلك الأمر في الأردن وتركيا، وبأعداد أقل في العراق ومصر، وفي كل الدول المتجاورة. لكن الأمور في لبنان وصلت إلى نسبة الإشباع، وبات لاجئون عديدون فيه من سورييين وفلسطينين، ومن سكانه المحليين، يسعون إلى الهجرة، و”سلوك الطريق الأخطر إلى العالم” (المفوضية العليا لشؤون اللاجئيين)، حيث لقي ما لا يقل عن خمسة آلاف مهاجر غير شرعي مصرعهم في البحر الأبيض المتوسط منذ العام 2014. يعيش لبنان حالة اختلال كبير في التوازن بين مجتمعاته المستحدثة. يُستنتج ذلك من أرقام الخرائط حول توزيعات االلاجئين، وعلى ضوء الأحجام الديمغرافية، وهي قابلة للتحوّل إلى انفجار اجتماعي/ اقتصادي له تداعيات أمنية كبيرة، جرّاء التعبئة المناطقية/ الشعبوية، وترتدي أحيانا ملامح نقاشات عنصرية، وسط عجز الدولة عن وضع خريطة طريق للتعامل مع الأزمة، وعدم الاتفاق على إنشاء مخيمات على الحدود المشتركة بين لبنان وسورية. وتقول الحكومة اللبنانية إن جمعيات أهلية عامة وأحزاباً في لبنان قد وضعت الخطط لإسكان اللاجئيين وشراء أراضي لبناء مخيمات جاذبة لبعضهم من مناطق بعيدة داخل سورية. لقد ملأت التدفقات مختلف المناطق اللبنانية، وتوسعّت لتشمل مناطق عقارية في 1237 قرية. والكتلة الأكبر منها تتمركز في منطقة بعلبك الهرمل، وعكار، حيث بلغ عدد المخيمات العشوائية نحو 250 مخيماً، تؤوي حوالي 22% من عدد اللاجئين، علماً أن مجلس الوزراء اللبناني لم يوافق على إنشائها، وحيث يتركز عمل برنامج المساعدات الدولية، وإلا مات سكانها جوعاً ومرضاً، فيما مناطق أخرى مغيّبة عن برنامج المساعدات، وتضمّ آلاف النازحيين السوريين.

عبء اللاجئين على البلد الصغير كبير، ويماثل، وفق المفوض الأعلى لشؤون اللاجئيين، تدفق نحو 15 مليون لاجئ إلى فرنسا، و32 مليون لاجئ إلى روسيا، و71 مليون لاجئ إلى الولايات المتحدة. عدد النازحين في العام 2022 ناهز مليوني لاجئ، من دون وجود خطة اجتماعية/ إنسانية. برأي المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية، لبنان بات لديه “أكبر تجمّع لاجئين في التاريخ الحديث، ويوازي عددهم أكثر من نصف سكان لبنان المقيمين، البالغة مساحته 10452 كيلومتراً مربعاً، كأن يستقبل منذ العام 2011 نحو 2500 نازح يومياً، أكثر من نازح كل دقيقة. كارثة إنسانية على السوريين واللبنانيين معاً. الطرفان من دون رعاية، وبلا اهتمام، والأمور سائبة وبحاجة إلى جهود دولية للاغاثة. تمثل مساحة لبنان نحو 5,6% من مساحة سورية، فمحافظة حمص وحدها تعادل أربع مرات مساحة لبنان، وكذلك بالنسبة لمحافظة حلب البالغة نحو ضعف مساحته، كما ترتفع الكثافة السكانية إلى أكثر من 800 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، فيما تبلغ مثيلتها في سورية 115 نسمة.

يُواجه لبنان أعباء ديمغرافية/ اجتماعية في بعض مناطقه بشكل لم يعرفه في تاريخه منذ الاستقلال في 1943، خصوصاً مع خصائص اللاجئين، كونهم من الفئات الضعيفة، وبينهم أكثر من نصف مليون طفل، وهم غالباً من الأسر المشرّدة التي فقدت معيلها، والتي تعيش في ظروف قاسية إلى جانب السكان المحليين الذين صاروا أكثر فقراً، في توزيعاتٍ تتعادل فيها النسب في الكثافة، وهي الأعلى في العالم، ولم تحصل في أي دولة سابقاً. لعب لبنان دوراً بارزاً في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948، والذي ينصّ على حقّ اللجوء، وعلى تعاونه مع المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين، ومع وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من اعتبارات إنسانية، تستند إلى التوازن السياسي، وإلى نظام توافقي بين الطوائف، وقد تميز بحالة من الاستقرار النسبي، لكنه اليوم عرضة للتلاعب سياسياً، فئوياً، مذهبياً، وعلى خلفية التنازع في انتخابات رئاسة الجمهورية، وطرح اسم المرشّّح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية المقرّب من نظام بشار الأسد في سورية. تصادم آراء سياسية، عدم تطبيق التشريعات، تعرّض المؤسّسات للشلل، استنفاد الموارد المادية والبشرية، الحدود المفتوحة، أمور عزّزت واقعاً فوضوياً، مثل عدم تنظيم سجلات اللاجئين، وصياغة سياسة سكانية واضحة المعالم. وقد جعل هذا الوضع الدول المانحة تتردّد في تقديم المساعدات لبلدٍ في وضع كارثي، وهو مهدّد بالانهيار. تحوّل لبنان إلى مخيم كبير، لا تسيطر فيه الدولة على خيمة واحدة! صورة دراماتيكية مع تراجع نسبة النمو السكاني، ومرحلة تتميز بشيخوخة السكان، وهجرة الشباب، ومنافسة مع قواه العاملة، علماً أن الأعداد الضخمة من العمّال السوريين في لبنان كان يمكن أن تشكل فرصة ثمينة لتحريك عجلة النمو في القطاعات الصناعية والزراعية، وفي قطاعات البناء، ما يحوّل عوامل أزمة اللاجئين إلى قوة عمل منتجة، وإيجابية في زيادة الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات، وازدياد استثمارات فئات سورية ميسورة، وتحسين القوة التنافسية، وتوسعة السوق الداخلية. وترى منظمة العمل الدولية في تقاريرها أن المساعدات الدولية ليست كافية لمواجهة ضخامة الأزمة.

ولطالما كان لبنان مأوى اللاجئين، ملتقى المهاجرين في القرن العشرين، وشهد خمس موجات هجرة، هجرة الأرمن 1895، هجرة الأكراد 1935، هجرة الفلسطينين 1948، هجرة السوريين العام 1960 ثم 2011. تجاوزت آثار أزمة اللاجئين الحالية، وفق تقرير البنك الدولي، الوضع الإنساني، لتصيب مخاطرها المجالات كافة. يعادل تدفّق اللاجئين السوريين إلى لبنان (مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الأمن والهجرة آن ريتشارد) تدفق 75 مليون إنسان، أو ضعف عدد سكان كندا، إلى الولايات المتحدة. وفيما يلتزم لبنان المبدأ الدولي الأساسي للحماية والعودة الطوعية والأمن للاجئين، فإنه يدفع ثمناً باهظاً، في محيط غير مستقرّ، وجرّاء انخراط حزب الله في الحرب السورية، ومن الصعب عليه الخروج منها.

ليس لبنان استثناء عبر التاريخ. تغيّرت إثر الحربين العالميتين معالم ديمغرافية كثيرة. لكن حجم الدول ومساحتها وعدد سكانها عوامل تلعب دوراً كبيراً في مسألة الاستيعاب. ويخشى لبنان من أنه صار من “الهوامل” الإقليمية والدولية (مؤتمرات الدول المانحة، اجتماع عمان الوزاري المخصّص لسورية)، وأنه أصبح أمام ازمةٍ تهدّد كيانه وصيغته، والنزوح قد يُصبح توطيناً مقنعاً، وقد جرى إهمال صحة الوضع الديمغرافي منذ العام 1932، بغياب دولة قوية تدير التنوّع، وتتحرّك في ملاقاة مرحلة إعادة إعمار سورية. العلاج سياسي، ومعيار المساواة يكمن في مكان آخر، في عدالة اختيار الأفراد حياتهم وحريتهم، وفي شروط منصفة من التعاون الاجتماعي بين شعوب المنطقة، وأن يكون هناك أمل لأولئك الموجودين في زمن سوري آخر، ومكان آخر، منعاً لسوء فهم فكرة الاجتماع اللبناني المتشابك.

————————–

اللاجئون السوريون في لبنان عالقون بين موتَين/ دلال البزري

يشنّ بشّار الأسد حربه ضد شعبه، بالاشتراك مع مليشياته الإيرانية، ودرَّة تاجها حزب الله. وينجح بطرد أكثر من مليون منه إلى لبنان، عبر حدودٍ لا تتجاوز المئتي كيلومتر. وهذه الأخيرة، يسيطر عليها مهرّبون لا يخرجون عن طاعة شقيقه ماهر الأسد، وحليفه حزب الله. وهذه سيولة تفتح باب الهروب من سورية إلى لبنان، تحت نظر أولئك المسيطرين، غالباً بثمن غال. وبعده، يأتي الرزق من المساعدات الغربية والأممية باسم أولئك الذين صاروا لاجئين. ويُسرَق هذا الرزق المخصّص لهم، من صغار لصوصنا وكبارهم، وأحياناً تحت أعين المساعِدين.

وتنطلق ديناميكيةٌ مربحة. “الجهات الأمنية المختصّة” لا تعطي أوراق إقامةٍ للذين هربوا من سورية، وإذا غلطت وأعطتهم، فلا تجدّدها. ويتحوّل السوريون هكذا “مقيمين غير شرعيين”، عليهم أن يعودوا من حيث أتوا، فرشْواتٌ لرجال الأمن باب رزق آخر. وتكون حملات الجيش المكرّرة، وجديدها أخيرا “نجحت” بمداهمة بعض المخيمات (كيف اختارتها؟)، وبرمي حوالي مئتي لاجئ سوري على الحدود، ليتلقَّفهم الغول، ويختفي الشباب منهم إلى جحيم مجهول أو معلوم. … الحملة ليست جديدة، وإنْ كانت “غير منهجية”.

قبل ستّ سنوات، كان لبشّار رأي بهذه العودة. في مؤتمر لوزارة الخارجية، قال إن الحرب انتهت، وبنتيجتها: “ربحنا مجتمعاً أكثر صحّة وأكثر تجانساً”. موضحا قصدَه: “تجانس العقائد، تجانس الأفكار، التقاليد، العادات، المفاهيم، الرؤى”. وبعد أيام، وصفَ مجتمعه المثالي: “المجتمع لا يُقاس بالأعداد، ولا يُقاس بالنسب. وإنّما يُقاس بالاندماج وبالتجانس، وينظر إليه ككتلة واحدة، كتلة متجانسة تقدّم منتجاً واحداً”. ولكن حسن نصر الله، حليفه وشريكه، من بعده بسنة، خطب في جمهوره، وقال: “نحن في حزب الله وأمام بطء معالجة هذا الملفّ، وانطلاقا من طبيعة علاقاتنا الجيدة والقوية بطبيعة الحال مع الدولة السورية، نريد أن نستفيد من هذه الحيثية للمساعدة”. وكان حزب الله يحتفل بنجاحه في ترحيل لاجئين من شرق لبنان وجنوبه، ظفر ببضعة مئات منهم. ومن وقتها، كانت موجات ترحيل ينفذها الجيش اللبناني، بتوقيتات عشوائية، بمداهمات عسكرية للخيم اللاجئة، تأتي غالبا مع تفْليسةٍ جديدةٍ أو ضربة مالية، لا تعرف السلطة حلها بغير ابتزاز الدول المانحة. ويكون اللاجئون السوريون مادّتها الدسمة. وكانت حملاتٌ غير شعبية تلاقي استنكاراً وإدانة.

أما الحملة أخيرا، فقد اخترقت المجتمع اللبناني بأكمله. لاقت إجماعاً شعبياً وحزبياً وطائفياً، ينطق بها المواطن البسيط، ويردّد الكلام نفسه، والذي يتلخص بأنهم، أي اللاجئين، يأكلون رواتبنا، يتطبّبون على حسابنا، يشربون من مياهنا … إلخ. وسادت شرائط الفيديو ذات الرَدْح العالي، يصيب كرامة الشعبين: “نساؤكم داعرات، رجالكم مخنّثون …”، “أنتم الشَراشيح، النَوَر … أصحاب الشحّاطة…”. وعلى هذا المنوال، طوال الأيام الماضية، وبصورة ولسان نساء، لبنانيات، سوريات. فضلاً عن فيديوهات التحريض العسكري ضد اللبنانيين، والتي تغذّي كل هذا الضجيج. وكأن عوارض مرضٍ ظهرَ على اللبنانيين: اجترارهم الطويل موت بلادهم، ضياعهم في دهاليز انهياره، عجزهم عن إيقافه، عن فهمه، غرقهم المنتظم في وُحوله … وفراغٌ في المعاني، تأتي الحملات على اللاجئين السوريين لتملأه.

وهذه حالةٌ تشبه ألمانيا عشية صعود النازية على ظهر تضخّم مالي هائل، لم تجد الدعاية النازية غير اليهود مسؤولين عنها (الفكرة من عمر قدور “السوري الذي صار يهوديا”). اللاجئ السوري أفضل متّهم، أسهله أضعفه. فإليه يكون سبيل الحقد والكراهية والشتائم والتنفيس عن احتقانٍ باتَ مزمِناً، فضلاً عن التظاهرات ضد اللاجئين، وهي إحدى ذروات التحريض ضدّهم، والتي منعت، على كل حال، كما منعت تظاهرة احتجاجية للاجئين سوريين أمام مقرّ الأمم المتحدة. ووُجِدَ زعيم طائفي، جبران باسيل، يتغنّى بهذه الحملة، يقول فيها شعرا بصفتها لحظة وطنية نادرة، ويختم: “يمكن نختلف مع شركائنا بالوطن على خياراتٍ كثيرة وكبيرة، ولكن لا نختلف على مبدأ وحدة لبنان والحياة المشتركة الواحدة فيه”.

لماذا؟ لماذا يزجّ الحزب القائد ومعه حلفاؤه وشركاؤه، المجتمع اللبناني بأسره في حفلة الكراهية هذه؟ لماذا يتجاهلون انعدام رغبة الأسد بعودة اللاجئين؟ ويصرّون على حملاتٍ بدأوها منذ خمس سنوات، ولم تفلح؟ نحن أمام احتمالين: اما إنهم لا يعرفون أن بشّار يرفض إعادة اللاجئين إلى بلدهم. وفي هذه الحالة، هم ناقصو فطنة أو مدمنو انتظار، يتربّصون ما سترسو عليه “توازنات الخارج”، ويقبعون في السياسة الركيكة، يجهلون معنى المبادرة، أو معنى الدولة، فهم ليسوا رجالها، إنما زعماء طوائف، كلها صغيرة، لا تملك غير الأفق المحلي وحساباته القليلة، المتذاكية دائماً على العالم بأسره.

إما لا يعرفون، إذن، أو يعرفون. وفي هذه الحالة، يكذبون على أنفسهم وعلينا. وفي الكذب، أصبحوا جواهرْجية. اخترعوا ألوانا من الكذب والتكاذب. من أقصره إلى أطوله. المكرّر، المجدول، التراكمي، التحشيدي، التحريضي، التدويري … واليوم، بهذه المناسبة، يبدو بشّار برفضه استقبال اللاجئين، وبتنْكيله بالذين رماهم الجيش على الحدود … أنه أصدق منهم. ينفِّذ ما يعلن عنه. أما الساسة، “الحريصون” على لبنان الذي قتلوه، فبين مزيد من التحريض على “الاختلال الديموغرافي” وكذبات صريحة: مسؤول هذا “الملف” في حزب الله، نوار الساحلي، يصرح لوكالة سبوتنيك الروسية بأن “من يمنع عودة النازحين هي الإدارة الأميركية ثم بعض الدول الأوروبية المستفيدة من المنظمات غير الحكومية”. فيما سليمان فرنجية، مرشّح حزب الله وبشّار الأسد، صديق طفولته وسنده، فيعلن بهذه المناسبة، على شاشة تلفزيون الجديد: “لستُ مستعداً للتآمر على لبنان من أجل سورية، بل سأتآمر على سورية من أجل لبنان، ولا يمكن أن أقبل ببقاء النازحين إذا لم يوافق الرئيس الأسد على عودتهم، رغم أنه يقبل بذلك”. أي أنه يعلم، متظاهراً بأنه لا يعلم. وحده وزير الخارجية، عبد الله بو حبيب، يصدّق بشار الأسد، ويحرّض على السوريين في آن: “بلادهم لن تطلبهم. هل تطلب دولةٌ من مواطنيها العودة إليها، حين يرفدون الاقتصاد بالعملة الصعبة؟ هؤلاء يرسلون أموالاً إلى بلدهم (…) لذلك وجودهم في الخارج يساعد النظام”.

يعلمون أن الموجة ستخمد بعد حين، لأن الأسد لا يريد. وتعود أيام البؤس والاضطهاد العادي إلى مجاريها. ولكن لماذا يكذبون؟ طبعا لأنهم بيتزّون المانحين، كما أسلفنا. ولكن أيضا، لأنهم يعتقدون أنهم بذلك يلبّون مساعي عربية لعودة سورية، أو يضغطون عليها بـ”ورقة اللاجئين”. أو لأنهم بذلك يغطّون على فضائح عن رجالاتهم، في طريقها إلى الإشهار الدولي. أو لأنهم يريدون إشعال دخان كثيف على التدهور الدراماتيكي المتسارع لمستوى معيشة اللبنانيين، يوجّه غضبهم ويأسهم ضد أعداء، هم الأفقر، الأضعف من العائشين في لبنان. أو أنهم يريدون إشعال حرب وهمية مع الإرهاب، باختلاق وقائع “داعشية”، يرمون بمسؤوليتها على اللاجئين، وشعار “امسك سوري”.

على كل حال، لن يعود اللاجئون السوريون إلى بلدهم. فقط قليلو الحظ، ممن وقعت على زنودهم قبضات الجيش اللبناني، وأُلقوا على الحدود، وحدهم هؤلاء دفعوا ثمن الحملة الشعواء على خيمهم، فكان مصيرهم السجن أو التجنيد أو الاختفاء، أو الغوص في البؤس المراقَب.

اللاجئون السوريون اليوم عالقون بين موتين: موت بطيء في لبنان. أكثر من اللبنانيين المقيمين فيه. والاثنان، السوري واللبناني يجمعهما الحلم بالرحيل، وتفرّقهما درجات البؤس والملاحقة وحملات “البوغروم”؛ تلك الحملات الدموية التي اخترعتها روسيا القديمة ضد الغيتوهات اليهودية، والتي حملت اسمها. أو موت آخر في سورية: موت أبطأ أو أسرع، حيث تنتظرهم بيوتهم المصادَرة، وأرزاقهم المنْهوبة وإنسانيتهم المنْتهكة. يتنقلون بين السجون المُعتِمة والسجن الفسيح خارجها. وبعد عشرين سنة، أو ربما أكثر، سيكون مشهد ملْهم: مخيّمات فلسطينية عمرها مائة عام، لأهال طُرِدوا من أرضهم، ومُنِعوا من العودة إليها. ومخيمات سورية، أجدّ منها، لأهال طُرِدوا أيضا من أرضهم ومُنِعوا من العودة إليها، ومعهم بضعة آلاف من الفلسطينيين – السوريين … نفذَتْ كل الطاقات التحريضية ضدّهم، وتحولوا إلى ذريعة لهذه القوة او تلك، تنكّل بهم، وتلعب بقضيتهم في مشاريع هجينة، لئيمة. كما هو حاصل اليوم مع أهالي المخيمات الفلسطينية اللبنانية.

أيها المشرق … متى تسْتفيق؟

——————————

حرب الضحايا على الضحايا/ عارف العبد

بعد اثني عشرة عاماً من اندلاع الثورة السورية، وما تبعها من أحداث جسام وبدء انعكاساتها على لبنان، استفاق المجتمع اللبناني السياسي والأهلي على وجود مشكلة النازحين السوريين في لبنان، لتصبح الشغل الشاغل لمحادثات وسائل التواصل الاجتماعي والمواقف والتحركات السياسية، وحديث ونقاشات المجتمع، مع شحنة عالية في بعض الأحيان من العنصرية الفاقعة والمريضة، في التعبير والتفكير وطرق التصرف في بعض القرى والمناطق والبلدات.

في الواقع، ما من شك أن مسالة وجود النازحين السوريين في لبنان باتت مشكلة متفاقمة، تطرح نفسها بقوة من مختلف النواحي الحياتية، وعلى وجه الخصوص الاقتصادية والاجتماعية والمالية. ولا بد من مقاربتها بعقلانية وتبصر إذا سمحت ظروف الجنون اللبناني والانحلال الإقليمي، لمواجهتها والتعاطي معها كما ينبغي.

عملياً، يدفع الشعب السوري ثمن شجاعته بتمرده على النظام العائلي الوراثي المسيطر في سوريا، والذي اعتبر منذ اللحظة الأولى للحراك أو التململ الشعبي الأول في درعا 2011، أنه بمواجهة أمراض وجراثيم تصيب جسم المجتمع السوري، حسب تعبير الدكتور بشار الأسد آنذاك. وبالتالي، يجب تدميرها والخلاص منها والقضاء عليها بأية طريقة ممكنة.

كان بإمكان النظام الحاكم يومها، أن يستوعب كل الحراك الاجتماعي والسياسي، لو أنه تصرف منذ بداية التململ، انطلاقاً من أن هناك مطالب ومظالم محقة، وأخطاء يجب الاعتراف بها والتعاطي معها ومعالجتها. لكن الذي جرى وباتت معروفة تفاصيله، أن آلة الحكم السورية القائمة على الهيبة والتراتبية العائلية الوراثية والعشائرية والمذهبية والطائفية، لا تحتمل أي خيار يمس بهذه الصورة، القائمة على حق الأمرة والتسلط المتوحش، وعدم تحمل المساومة أو التنازل ولو مقدار شعرة أو أنملة.

تصرف النظام من اللحظة الأولى للحراك الشعبي السياسي والاجتماعي، على أساس أن ما يشهده المجتمع السوري هو عبارة عن مؤامرة أميركية امبريالية غربية، تستهدف النظام الممانع، وهي امتداد للحرب الأميركية الغربية على المنطقة، بعد احتلال الولايات المتحدة العراق ووصولها إلى الحدود السورية الشرقية.

انطلاقاً من هذه الرؤية تصرف النظام بعدوانية ونكران للمشكلات، وبوحشية في التعامل مع الحراك الشعبي. بل وتعمد استدراج الحراك إلى استخدام العنف بعد إطاحته بأي إمكانية للتفاوض والإصلاح ولو الجزئي أو الشكلي.

تصرف النظام العائلي المسيطر بضيق صدره في التعاطي مع الحراك الشعبي السوري، مع تعمده إطلاق شياطين الإرهاب التكفيري من أوكاره في السجون السورية، مما دفع الحراك السوري إلى استخدام العنف المسلح للدفاع عن النفس أولاً، كرد طبيعي، ومن ثم إلى إخراج الإرهاب بطابع مذهبي، مما برر للنظام في المقابل استخدام كل أشكال العنف والتوحش دفاعاً عن سلطته، بعد أن نجح في جعل الحراك المعترض فصائل مسلحة مذهبية متناحرة ومتزاحمة للمواجهة والسيطرة، مروراً باتباع التدمير الممنهج، بأبشع وأعنف الوسائل التي عرفها تاريخ الحروب، وصولاً إلى استحداث أسلوب البراميل المتفجرة المحشوة بالنيترات، التي أبادت ودمرت وسحقت مختلف مناطق المقاومة الشعبية السورية المسلحة والمدنية.

تولى النظام تنفيذ عملية تهجير ممنهجة ومقصودة إزاء مناطق سورية محددة، باتجاه الداخل والخارج، بحثاً عن “المجتمع المتجانس”، حسب تعبير بشار الأسد. وكان من الطبيعي والمنطقي إزاء انفلات هذه الآلة الجهنمية من القتل والتدمير أن يكون الهروب كبيراً وفي كل الاتجاهات للشعب السوري، داخل سوريا وخارجها وعلى وجه التحديد تجاه دول الجوار أو البحار المحيطة، ومنها بطبيعة الحال لبنان.

مع بداية الموجة الأولى من الهروب السوري الشعبي النازح باتجاه لبنان، مورست على السلطة اللبنانية كل أشكال الضغوط والإرهاب الإعلامي والسياسي لمنعها من استقبال النازحين، والبدء بتنظيم أمورهم أو التفكير بالتعاطي معهم.

وقد اشتهرت الحملات والمواقف التي كانت تطلق من شخصيات وأحزاب وقوى محسوبة على النظام، تقول وتردد بكثافة مقولة: ما من أمر جلل في سوريا، ما تكبروا الموضوع “ما في شي في سوريا”. وقد تبارت وسائل إعلام متعددة في استضافة شخصيات مقربة من النظام، تخرج لتقول على سبيل المثال: “أنا بالأمس كنت في سوريا وتجولت في كل المناطق، ولم أجد أي مظاهر مسلحة والأمور طبيعية”.

من جهة أخرى، تولت القوى الموالية للنظام، إنكار أي تطور سلبي في سوريا، مع حملة لتسخيف كل من يتحدث عن حراك ثوري شعبي، في مقابل منع الحكومة اللبنانية، العاجزة أساساً، عن اتخاذ أي مبادرة للتعاطي مع موجات النزوح ومحاولة تنظيمها.

عملياً، استُقبلت موجات النزوح السوري الأولى في مناطق متعددة بتعاطف مع النازحين الهاربين من جور النظام وبطشه. وسرعان ما بدأت موجات النازحين من ضحايا التوحش تكبر وتتسع وتنتشر في كل المناطق اللبنانية.

المجتمع اللبناني استوعب في البداية موجات النزوح، بل واستغل قسماً كبيراً منها على المستوى الاقتصادي والعمراني، حيث كانت الفقاعة المالية اللبنانية التي نفختها عصابة الأشرار المصرفية بالتحالف مع المنظومة الحاكمة في أوجها.

في المقابل، وعلى المستوى الاجتماعي الاقتصادي، مرت أوقات لم يعد فيها صاحب دكان أو متجر لبناني لا يستخدم عاملاً أو طفلاً سورياً في محله للعمل، فيما يجلس هو يراقب ويوزع الأوامر والتوجيهات.

جلس قسم كبير من اللبنانيين على مقاعدهم فيما تولى السوريون العمل والخدمة بنشاط وحركة متزايدة، في كل أوجه الحياة والنشاط الاقتصادي، مع إظهار فائض من التسلط و”المراغة اللبنانية المتضخمة” بأمراض الأنا الفوقية غير المبررة.

الموجة الأولى من النزوح تم استيعابها والتعاطي معها وتأطيرها، وتحول لبنان مصدراً أساسياً لتحصيل العملات الأجنبية الصعبة والدولارات من العمال السوريين النازحين، لتحويل أموالهم وأتعابهم إلى أهاليهم في سوريا.

في هذه الأوقات، ظهر أن المعركة في سوريا تميل لصالح قوى المعارضة والتي باتت على بعد خطوات من إسقاط النظام، فكان أن استنجد بكل القوى الحليفة له قبل السقوط الوشيك. فكان استنفار عظيم تولته إيران وقواتها الموالية انطلاقاً من حزب الله “لكي لا تسبى زينب مرتين”، كما قال الشعار يومها.

لم تتأمن حماية النظام من السقوط إلا بعد دخول موجة عاصفة السوخوي الروسية إلى المعركة، لاستئناف التدمير والحماية.

بداية، لم يظهر على المجتمع اللبناني أي تأثر أو تأفف بما كان يجري، إلى أن وقعت الواقعة وانفجر البالون المالي والاقتصادي اللبناني وبدأ البنيان الكرتوني الاصطناعي والوهمي بالانهيار والتدهور.

هنا، ومع هذه الصدمة المالية النقدية وانكشاف الخدعة التي مررها قائد النظام المصرفي اللبناني المفلس “مادوف لبنان”، والنظام الحاكم، بدأ الضحايا من الشعب اللبناني الذي انقلب حاله من الوفرة إلى الندرة، ومن اليسر إلى الشح، بالانتباه والتلفت حوله والتنبه إلى أعباء النزوح السوري.

النازحون السوريون باقون في لبنان إلى أمد لا أحد يعرفه حتى الآن، وهو ليس بقصير.

الرافضون لعودتهم موزعون بين النظام أولاً، الذي ارتاح من ضغطهم ومطالبهم، ويريد الاستمرار في ترتيب أوضاع الكتل البشرية والتوزيع السكاني في سوريا، بما يخدم استمرار سلطته، الأطراف الحليفة للنظام ليس لها مصلحة بعودة النازحين أيضاً، لرغبتها ببقاء موازين القوى الداخلية كما هي، إضافة إلى الدول الغربية الممولة -والأوروبية تحديداً- لبقاء النازحين في لبنان، للاستقرار والاندماج فيه حتى لا يذهب هؤلاء إليها.

وحدها الدول العربية قد تكون صاحبة مصلحة بعودة أهل سوريا إليها. لكن تحقيق ذلك تنقصه إرادة وتصميم وفعالية، لا تبدو موجودة حتى الآن.

عملياً، أصبح ضحايا الإجرام والتوحش السوري في مواجهة ضحايا الإجرام والتوحش والفشل المالي والاقتصادي والسياسي اللبناني.

ومع اختناق الجميع بدأت تتفجر “حرب الضحايا على الضحايا”، حسب تعبير الرئيس سليم الحص، في عنوان كتابه الصادر عام 1988. على أمل أن يبقى الانفجار والمواجهة محصورة في الكلام الهوائي وليس أكثر.

——————————-

لبنان: فرنجية كشف سر الحملة على اللاجئين!/ حازم الأمين

فرنجية قال إنه بعلاقته الاستثنائية ببشار الأسد وحسن نصرالله يمكنه أن يعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم! إذاً إنها الحملة الانتخابية التي أطلقها “حزب الله” لمرشحه الذي يعاني من يتم مسيحي.

 كشف مرشح “حزب الله” وبشار الأسد للانتخابات الرئاسية في لبنان سليمان فرنجية، القطبة المخفية التي يمكن أن نفسر عبرها اشتعال المساحات “العامة” والخاصة في لبنان، لا سيما المسيحية والشيعية منها، بقضية اللاجئين السوريين في لبنان، أو ما أطلق عليه “الاحتلال الديموغرافي السوري”! فرنجية قال إنه بعلاقته الاستثنائية ببشار الأسد وحسن نصرالله يمكنه أن يعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم!

إذاً إنها الحملة الانتخابية التي أطلقها “حزب الله” لمرشحه الذي يعاني من يتم مسيحي. والحزب إذ فعل ذلك، أدرك أن الذكاء ما دون المتوسط لخصومه المسيحيين لن يسعفهم في تجنب الانجرار وراء حملته التحريضية. سريعاً ما استجاب رئيس “حزب الكتائب” سامي الجميل للدعوة، أما “القوات اللبنانية” فكانت أكثر حذراً، إلا أنها شعرت بأن الصمت يصيب صاحبه بخسائر، فانضوت بدورها من دون أن تتصدر. العونيون أصلاً في صلب الحملة على اللاجئين، إلا أنهم هذه المرة وجدوا أن ثمة من يسبقهم على الاستثمار بها، وهو خصمهم، فراحوا يتخبطون تارة بخصومة ستأتي بعدوهم إلى الرئاسة، وتارة أخرى بحليف سابق يقود الحملة لإيصال العدو إلى القصر!

إذاً، مرة أخرى تنقاد الأحزاب المسيحية وراء “حزب الله”. الحملة على اللاجئين نظمها الحزب من ألفها إلى يائها. وانخرطت فيها إلى جانب الأحزاب المسيحية، وسائل إعلام لطالما قدمت نفسها بوصفها على خصومة مع الحزب، وها هي تجد نفسها مرة ثانية إلى جانبه في معركته لإيصال فرنجية، على رغم أنها تتوهم أنها تخوض معركة ضده! وسائل الإعلام هذه كانت أيضاً إلى جانب الثنائي الشيعي في معركته لحماية رياض سلامة والمصارف!

والحال أن فرنجية حين خاطب المسيحيين قائلاً إنه وحده من يستطيع أن يعيد اللاجئين السوريين إلى بلدهم بسبب علاقته مع الأسد ومع “حزب الله”، كشف فعلاً العقدة التي تحول دون عودتهم، وهي غائبة عن خطاب التهويل من اللاجئين. العقدة هي بشار الأسد وهي “حزب الله”، وهذا ما غاب عن خطاب سامي الجميل وعن مقدمات أخبار تلفزيونات ما تبقى من “14 آذار”! ففي هذا الخطاب العقدة تكمن في اللاجئين أنفسهم، وفي رغبتهم بالتنعم بـ”ثروات لبنان”! عودة اللاجئين من لبنان إلى سوريا بالنسبة للنظام تعني عودة أكثر من مليون سوري (سني) إلى دمشق وريفها، وبالنسبة لحزب الله عودة أكثر من 40 ألفاً من أهالي القصير إلى بلدتهم التي حولها الحزب إلى قاعدة له. فهل من المنطقي أن يستجيب النظام وأن يستجيب الحزب لـ”صديقهما” سليمان فرنجية وأن يعيدا اللاجئين! 

التوظيف الرخيص لمأساة إنسانية بحجم مأساة اللجوء السوري يجري في كل اتجاه في لبنان. فحكومة تصريف الأعمال برئاسة رجل الأعمال نجيب ميقاتي تسعى بدورها عبر هذا التوظيف إلى رفع المساهمات المالية للمؤسسات المانحة بما يتيح للطبقة السياسية مصادر فساد جديدة بعدما جفت المصادر الأخرى! والغارقون بفضائح الفشل والفساد من أمثال جبران باسيل يوظفونها لتبرير فشلهم، فاللاجئون وراء إفلاس المصارف ووراء انقطاع الكهرباء ووراء الانهيار المالي والاقتصادي.

المهمة اليوم إيصال سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، وبعد إنجازها ستطوى الحملة على اللاجئين، وسيواصل الأسد رفضه لعودتهم إلى “سوريا المفيدة”، وهو سبق أن عبر في أكثر من مناسبة أن سوريا من دونهم “أكثر انسجاماً مع نفسها”. سيمضي المسيحيون خصوصاً واللبنانيون عموماً ست سنوات عجاف في ظل رئاسة فرنجية، ستكتشف الأحزاب المسيحية خلالها أنها ارتكبت خطأ جديداً، أين منه خطأ إيصال ميشال عون إلى بعبدا!

لا عودة للاجئين السوريين إلى بلادهم من دون تغيير في النظام في سوريا. وهذه الـ”لا” مصدرها النظام نفسه ولا أحد غيره. هذه الحقيقة يدركها المجتمع الدولي، ويدركها مفاوضو بشار الأسد الخليجيون ممن يسعون إلى التطبيع معه، وطبعاً يدركها “حزب الله”، ولا يبدو أن خصوم الأسد اللبنانيين يدركونها.

في بلدة القليعة المسيحية في جنوب لبنان، حصل إشكال بين مواطن وبين أحد العمال السوريين، تدخل على إثره شابان يناصران “حزب الله: من بلدة مجاورة وأقدما على ضرب العامل السوري، فتطور العراك وطُرد العمال السوريون من البلدة. هذه القصة نقلها أحد أبناء القليعة، وهي تلخص ما يحصل اليوم في كل لبنان.

درج

———————————

الحملة على اللاجئين السوريين تصل إلى فرنسا: مهاجرون ضد مهاجرين/ حسن مراد

“كلنا أجانب هنا، من يريد ترحيل السوري من لبنان وهو مقيم في هذه البلاد كأجنبي، ليعد أدراجه إلى لبنان ويطالب من هناك بترحيل السوريين”.

التجمّع الذي دعا إليه التيار الوطني الحر في فرنسا، يوم السبت 29 نيسان/أبريل، للمطالبة بعودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلادهم، لم يجرِ كما أراده المنظمون. الدعوة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لتصل مسامعها إلى الجالية السورية في باريس. مجموعة منهم، من مهاجرين ولاجئين، توجهت بدورها إلى ساحة Saint Michel في التوقيت ذاته للتعبير عن رفضها.

الإشكال الذي وقع بين المجموعتين لم يكن مستغرباً. صحيحٌ أن الموقف لم يتطور إلى عراك أو تدافع، لكن احتقان الطرفين تجلى بوضوح خلال النقاشات الحادة التي دارت بينهما واستمرت حتى بعد تدخل الشرطة الفرنسية.

الخطاب الرسمي لأنصار التيار الوطني الحر بدا هادئاً ومدروساً، نافين ما يوجَّه إليهم من تهم بالعنصرية والتحريض، لكن بعيداً من مضمون ما دار بين الطرفين من أخذ ورد وحتى استفزازات لفظية، انطوى الاشكال على رمزية لافتة: مغتربون يقطنون البلد ذاته كانوا في مواجهة بعضهم.

أحد الشبان السوريين طرح هذه النقطة بقوله: “كلنا أجانب هنا، من يريد ترحيل السوري من لبنان وهو مقيم في هذه البلاد كأجنبي، ليعد أدراجه إلى لبنان ويطالب من هناك بترحيل السوريين”.  ويضيف الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه في تصريحات لـ”درج”: “كنت أمام حقد أعمى، لم يكن المنطق مجالاً للحوار، شعرت بالخوف لثوان وأنا أمام المتظاهرين اللبنانيين، ألوم السوريين في فرنسا الذين لم يشكلوا إلى الآن جالية قادرة على المواجهة في الشارع، الخوف الآن أن الموضوع شخصي، وما بدأ في لبنان قد ينتقل إلى فرنسا ويمسّنا نحن اللاجئين”.

فرنسوا هيران، الباحث والمتخصص في قضايا الهجرة، أشار إلى عدم وجود إطار نظري، من زاوية علم الاجتماع، يمكن تعميمه لتفسير مشهدية يوم السبت، موضحاً في حديث لـ”درج” أن الإجابة تكمن في الانقسامات الداخلية اللبنانية. كلام هيران حمل تلميحاً  إلى شكل ارتباط المجموعة اللبنانية  بوطنها الأم كما بالبلد الذي تقيم فيه.

يظهر هذا في تركيز أنصار التيار الوطني الحر خلال التجمع المذكور، على “التهديد الديمغرافي” المتربص بلبنان، مدّعين أن السوريين باتوا يشكلون 40 في المئة من مجمل المقيمين على الأراضي اللبنانية، إذ بلغ عددهم 2.1 مليون فرد.

 ألم يخطر في بالهم وهم “يدقون ناقوس الخطر” هذا، أنه من الممكن اتهامهم هم أيضاً بتهديد فرنسا ونسيجها الاجتماعي؟ ألم يأخذوا علماً بخطاب اليمين المتطرف المتخوف بدوره من “استبدال الشعب الفرنسي الأصيل” بشعب آخر بفعل موجات الهجرة التي هم جزء منها؟.

التفسير الوحيد أن هذه الشريحة من اللبنانيين لا ترى نفسها تهديداً لفرنسا، وأن إقامتها في هذا البلد ليست “غزواً” له، إنما هي استقرار في فضاء تنتمي إليه بحكم هويتها وثقافتها. بمعنى آخر، لا تنظر إلى ذاتها كعامل دخيل على المجتمع الفرنسي، ما يمنحها، وفق منطقها هذا، الحق في تسويق معزوفة التهديد الديمغرافي من خارج لبنان.

نور الفاضل، متخصصة في قضايا الهجرة والعمل الإنساني، اعتبرت من جهتها، في حديث مع “درج”، أن السبب يكمن ربما في كون المتظاهرين اللبنانيين يُحسبون على فئة المهاجرين وليس اللاجئين. وتضيف: “الصورة النمطية للاجئ وتحديداً في وسائل الإعلام، تضعه في أدنى السلم الاجتماعي. كلامها يحيلنا إلى مسألة أخرى تم التركيز عليها خلال التجمع: العبء الاقتصادي الذي شكله ويشكله اللاجئ السوري”.

خلال التجمع، تمسك أنصار التيار الوطني الحر بتصدير رقم آخر: بفعل اللجوء السوري، تكبدت الخزينة اللبنانية 46 مليار دولار، لم يتحمل المجتمع الدولي منها إلا 12 ملياراً.  استشهادهم برقمي الـ 2.1 مليون فرد و46 مليار دولار، يشير إلى تبنيهم طروحات تيارهم السياسي من دون أي نظرة نقدية ومن دون عناء البحث والاستماع إلى آراء الخبراء التي تدحض حججهم.

المستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر أديب نعمة، تحدث لـ “درج” كشاهد عيان، عما جرى خلال السنوات الماضية بعدما شارك في اجتماعات رسمية وورش عمل عدة خُصصت لبحث ملف اللاجئين السوريين وآلية تنظيم وجودهم.

نعمة توقف مطولاً عند اجتماع عُقد منتصف العام 2013 (تموز/يونيو- آب/ أغسطس)، جمع ممثلين عن البنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وحضره شخصيا كممثل عن الإسكوا. في هذا الاجتماع، طُلِبَ من المجتمعين إعداد تقرير عن تداعيات الأزمة السورية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، تحضيراً لاجتماع أصدقاء لبنان الذي انعقد في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام ذاته.

بداية المشكلة، وفقاً لنعمة، كانت في “سلق” مسودة التقرير بعدما طُلِبَ منهم إنجازه في غضون أسبوعين، وهي مدة غير كافية، بحسب نعمة، لإعداد دراسة بشروط علمية. الرد كان الحاجة السريعة الى مادة تستند إليها الدولة اللبنانية لطلب المساعدات من المجتمع الدولي، وسيصار إلى التدقيق بمحتوى التقرير وتصويبه في وقت لاحق. وعليه، رفعت الحكومة اللبنانية تقريراً تناول خسائر لبنان من اللجوء السوري، وهو تقرير لا يستند إلى أي معايير علمية، والكلام دائماً لأديب نعمة الذي تابع: وبما أن عملية التدقيق وإعادة التقييم لم تجرَ، تحوّل التقرير المذكور، ببياناته المغلوطة، إلى وثيقة رسمية تم البناء عليها طوال السنوات اللاحقة، ما أوصلنا الى الحديث عن رقم الـ 46 مليار البعيد من الواقعية.

يميز نعمة بين الآثار الناتجة من اللجوء من جهة وما ترتب عن الوضع الميداني السوري من جهة أخرى: تطور الأحداث في سوريا لتتحول تدريجياً إلى صدام مسلح، انعكس سلباً على التبادلات التجارية بين البلدين لما توفره سوريا من ممرات تجارية برية، ما أدى إلى انكماش في الاقتصاد اللبناني.

في المقابل، تدفُّق اللاجئين لم يكن بتلك السلبية التي يتم الحديث عنها: دخول اللاجئين وفّر يداً عاملة كان الاقتصاد اللبناني بحاجة إليها، ما تجلى خصوصاً في زيادة نسبة استصلاح الأراضي في البقاع وعكار. لا بل مارس ملاك الأراضي الزراعية ضغطاً على الحكومة اللبنانية لتسهيل دخول العمال الزراعيين السوريين بعد قرار الأمن العام الصادر في كانون الثاني/ يناير 2015 والقاضي بفرض تأشيرات دخول ورسوم كفالة على العمال. 

من جهة أخرى، وفّر دخول السوريين إلى لبنان مساعدات للقطاع التعليمي، كما ساهم في إنجاز الكثير من مشاريع دعم المجتمعات المضيفة، الأمر الذي صبّ في صالح البلديات التي شهدت افتتاح عشرات المشاريع، بتمويل دولي، ما كانت لتبصر النور لولا لجوء السوريين إلى لبنان. تضاف إلى كل ما سبق، زيادة الاستهلاك وانتعاش سوق العقارات وتوفير الكثير من فرص العمل للبنانيين.

يعتبر نعمة أن اللاجئ السوري ترك أثراً إيجابياً على الاقتصاد اللبناني: ليس فقط لأنه لم يأخذ ليرة واحدة من درب اللبناني، على حد تعبيره، بل أيضاً لأن كل 100 دولار ضُخّت في السوق اللبنانية من المنظمات الدولية، أعطت مفعولاً يصل إلى 160 دولاراً، وذلك بناءً على دراسة أُنجزت في العام 2015 لصالح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).    

من جانب آخر، أدى تعمُّد عدم تنظيم وجود النزوح السوري من جانب الدولة اللبنانية، إلى التوظيف السياسي الذي نشهده حالياً، وفقاً لنعمة الذي أكد تضخيم الأرقام المتداولة لتوظيفها سياسياً بعيداً من الموضوعية والعلمية. مثلاً، لم يُجر تعداد للاجئين السوريين في لبنان، ما يعني عدم وجود أي مصدر موثوق يؤكد رقم الـ 2.1 مليون، وأن ما نملكه ليس إلا أرقاماً متفرقة غير صادرة عن جهة محايدة وموثوقة.

لعل الرقم الأقرب إلى الواقع بحسب نعمة هو الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي قدرت اللاجئين السوريين بـ 800 ألف، مشدداً على أنه ليس رقماً أكيداً.

يعطي نعمة مثالاً آخر يدفع إلى التشكيك في رقم المليونين: في العام 2019، أجرت إدارة الإحصاء المركزي مسحاً للقوى العاملة والأحوال المعيشية في لبنان، وقدرت بنتيجته عدد المقيمين في هذا البلد بـ 4.8 مليون نسمة توزعوا كالتالي: 80 في المئة من اللبنانيين و20 في المئة من غير اللبنانيين.

ما يؤكد أيضاً الرغبة في توظيف ملف اللاجئين السوريين سياسياً، وفقاً لنعمة، آلية التعامل مع الملف الفلسطيني. فعلى رغم التعداد العام الذي أجري في العام 2017 وخلص إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات السكانية يقارب الـ 174422 فرداً، إلا أن هناك إصراراً من بعض القوى السياسية على استمرار التداول برقم الـ 400 ألف فرد، وهي، للمصادفة، القوى ذاتها التي تصوّب على اللاجئين السوريين. 

ما جرى يوم السبت في باريس مشهد غير مألوف، وفقاً لنور الفاضل، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا في إطار الانقسام السياسي في البلد، والذي أشار إليه فرنسوا هيران. من الطبيعي أن يتبنى التيار الوطني الحر خطاباً يسوّق فيه لاستتباب الأمن في سوريا وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل العام 2011 ليس فقط لطلب إعادة اللاجئين السوريين، إنما أيضاً بغرض إنكار الثورة التي قام بها السوريون ولتصوير ما جرى طوال السنوات الـ 12 الماضية كنزاع بين “النظام الآدمي” و”المعارضة الإرهابية” من دون نسيان تقاطع التيار مع النظام السوري و”حزب الله” المنخرط ميدانياً في سوريا.

طبعاً لا يجوز نكران التحديات الداخلية الناتجة من اللجوء السوري، والتي أضيفت إلى مشكلات لبنان؛ وليس الهدف مما ورد أعلاه شيطنة طرف لصالح آخر ولا التعميم ولا تسخيف المشكلة أو ادعاء القدرة على تقديم حلول ناجعة وسريعة. لكن صورة تجمع يوم السبت بدت لافتة وعلى قدر كبير من الرمزية: مهاجرون تركوا بدورهم لبنان قسراً، إما خلال الحرب الأهلية أو نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، ويطالبون بعودة لاجئين اضطروا بدورهم لمغادرة بلدهم حفاظاً على أرواحهم، مستندين إلى حجج غير متماسكة شكلاً ومضموناً.

درج

—————————

==================

تحديث 02 أيار 2023

الضجة على أبواب جريمة محتملة/ فايز سارة

ترتفع الأصوات، وتتسع دائرة الحديث عن اللاجئين في لبنان، ويتوزع الكلام من حيث محتواه وشكله على جبهتين، واحدة تركز على ما يجسده وجود السوريين من عوامل سلبية على واقع لبنان ومخاوف مستقبل، والأخرى تتحدث عن العسف الذي يلحق بالسوريين هناك، والأثر المدمر لإنسانيتهم وسط موجة واسعة من عنصرية، تحاول شيطنة السوريين وتحميلهم كل مآسي لبنان وبؤس ما صارت إليه أحوال الشعب اللبناني.

وجود اللاجئين في لبنان، ليس أمراً جديداً، بل هو حاضر منذ بداية الصراع في سوريا وحولها عام 2011، عندما اضطرت أعداد من سكان ريف دمشق الغربي والشمالي وريف حمص وطرطوس الجنوبي إلى عبور الحدود هرباً من هجمات ميليشيات «حزب الله» اللبناني التي دخلت سوريا للقتال مع قوات الأسد، كما وصل لبنان سوريون آخرون، وبخاصة من دمشق ذات الروابط الوثيقة مع لبنان، وبخاصة مع بيروت، ومع مرور الوقت واستمرار الصراع تزايدت الأعداد، وأخذت تترك بصماتها في الواقع اللبناني الهش في السياسة وانقساماتها الطائفية، وفي الاقتصاد الذي يعتمد على الخارج بما فيه من مساعدات وتحويلات المغتربين وفي المجتمع الذي يعيش أزمات عميقة بسبب تراكمات الصراع اللبناني الطويل، وتدخلات الخارج عبر أدوات محلية مثالها الأوضح حضور إيران عبر «حزب الله».

وللحق؛ فإنَّ لبنان ورغم سيطرة التيار الذي يعدّ طرفاً في الحرب السورية على السلطة فيه ممثلاً في تحالف التيار الوطني و«حزب الله» والمقربين منهما، تقبل مجيء السوريين، ليس فقط باعتبارها نقطة توازن في «سياسة النأي بالنفس» إنما لأسباب أخرى، تتمثل في إيجابيات الحضور السوري المستجد، بينها أموال حملها السوريون إلى المصارف اللبنانية، والتي قيل إنها تتراوح ما بين 20 و40 مليار دولار، ووسط لاجئين لم يحمّلوا لبنان أي أعباء إعالة أو التزامات، واعتمدوا في حياتهم على التقدمات التي كانت تأتيهم من أقاربهم في الخليج والمغتربات، وبعض ما حملوه معهم من مال وأقله من عائدات عملهم في لبنان، ولا سيما في أعمال ومهن حضور اللبنانيين فيها قليل، مثل البناء والزراعة.

لقد مضت سنوات على وجود السوريين دون أحداث كبرى صادمة، حصلت فيها تماسات عادية ناتجة من ظروف اللجوء أو نتيجة سعي سلطة لبنان، وبخاصة الجيش والأمن لتأكيد وجودها، وكله «مقبول» بدرجة ما إذا كان الكلام عن حياة بشر من لحم ودم، لكن هذه المعادلة أخذت تختل في ضوء التطبيع العلني لعلاقة السلطة في لبنان بالسلطات السورية في الأعوام الأخيرة، ودخول السلطات والأجهزة اللبنانية بوابة التعاون مع السلطات السورية في ملفات عدة، كان موضوع اللاجئين أبرزها، وأساسه التضييق على اللاجئين بشكل خاص.

ووسط هذا التحول، أخذت تتوالى فصول سياسة تشدد في إجراءات إدارية وأمنية تمس اللاجئين، قبل أن تتصاعد الجهود جهات حكومية وسياسة نحو تعميم سياسات في المستويات الشعبية، نقلت التشدد إلى عنصرية ظاهرة، تقوم على منع سكن وعمل وتعليم وعلاج وتنقل السوريين.

إن تأكيد سياسة العداء للسوريين واللاجئين خصوصاً حاضرة في وثائق ومستندات رسمية، وفي تصريحات مسؤولين في السلطة اللبنانية وقادة في الجماعات السياسية والاجتماعية، وكتابات في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد أخذت جميعها في الفترة الأخيرة، تركز على نقاط معينة، من بينها: تضخيم عدد اللاجئين في لبنان بالقول إن عددهم مليونان و800 ألف نسمة، وإن تزايدهم السنوي وصل إلى 200 ألف نسمة، وإنهم في الطريق للسيطرة على لبنان عددياً، أو بقوة السلاح في أي صدام بينهم وبين اللبنانيين، وإنهم ينازعون اللبنانيين على أرض لبنان وموارده وفرص العيش فيه، وإن السوريين فيه يشكّلون بيئة وجماعة تخرق القانون، وكلها فرضيات، تكذبها الوقائع، وأقل من ينظر فيها، ولا تخفى وظيفتها التعبوية في بلد يعاني أزمات ومشاكل عميقة، كما لا تخفى مهمتها في أشغال اللبنانيين في موضوع يأخذهم إلى أبعد من التفكير بحال لبنان الذي تعطلت الدولة والسياسة فيه لحد عدم القدرة على انتخاب رئيس، واستمرار إدارته بحكومة تصريف أعمال، ومجلس نيابي معطل بفعل الانقسامات الحادة في نخبته وقواه السياسية والبرلمانية، والابتعاد عن البحث في الأزمة الاقتصادية والمعاشية التي تطحن اللبنانيين، وتجعل مع العوامل الأخرى فرص العيش في هذا البلد محدودة.

غير أنه، وبعيداً عما يقال، ويتم القيام من إجراءات في لبنان حيال السوريين، فإن وجود الأخيرين في لبنان، يترك أثراً سياسياً واقتصادياً، واجتماعياً خاصة من خلال أعدادهم، والتي تقول أرقام الأمم المتحدة إن 85 ألفاً منهم مسجلون باعتبارهم لاجئين، والبقية من المقيمين المقدّر عددهم بنحو 700 ألف نسمة. ومن الطبيعي، أن يكون لهؤلاء احتياجات معاشية وحياتية، وباستثناء أن السلطات اللبنانية لا تقدم أي مساعدة لأي لاجئ، وتحصل على مساعدات دولية بسبب وجودهم على أرضها، فإنها تحسد اللاجئين على ما يتلقونه من مساعدات، وهي بالتأكيد أقل من أن تسد احتياجات اللاجئين، وفق ما تؤكد التقارير المنظمات الدولية وشبكات الإعلام الدولي والوقائع العيانية في مناطق عرسال وفي البقاع، حيث تنتشر أغلب التجمعات والمخيمات، التي تثبت أن ظروف حياتهم سيئة، ولا تليق بالكرامة الإنسانية؛ مما جعل حياة اللاجئين في لبنان مشكلة، وموتهم يمثل مشكلة أيضاً؛ لأن موت السوري هناك يفرض حصولاً صعباً على قبر له.

إن وجود اللاجئين السوريين وترديات حياتهم في لبنان، مشكلة لم يصنعوها. فوجودهم مسؤول عنه نظام الأسد وميليشيات «حزب الله» الذين قادوا عمليات قتل وتشريد سوريين من بلداتهم وبيوتهم، ودفعوا بعضهم إلى النزوح إلى لبنان، والنزوح حدث يجري في الدول المجاورة لدول تندلع فيها حروب أو أعمال عنف، وسبق أن لجأ لبنانيون مرات إلى سوريا في العقود الخمسة الماضية، ومن الطبيعي أن يلجأ سوريون إلى لبنان، خاصة في ضوء صلات الشعبين والمصالح المستقبلية للبلدين.

أما في موضوع ترتيب وجود اللاجئين في لبنان. فهذه مسؤولية السلطات اللبنانية، التي أثبتت أنها مستقيلة من مسؤولياتها الأساسية مقارنة بما تفعل الحكومات الأخرى في حالات مماثلة، كما حال الحكومة الأردنية في تعاملها مع ملف اللاجئين هناك، وهو يشبه في أهم معطياته ملفهم في لبنان. حيث تخويف وإذلال اللاجئين، وتعكير تفاصيل حياتهم، ومنعهم من المطالبة بأي شيء وفق ما هو متعارف عليه من حقوق اللاجئين في الشرعية الدولية.

ورغم كل ما في السياسات والإجراءات والحملة التعبوية الجارية حول اللاجئين وأهدافها الخفية، فإن لا شيء يبرر سياسات ومواقف وردود «سورية» غير مسؤولة، يعلنها البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، وتُنشَر في بعض وسائل الإعلام من حملات مضادة أياً كان القائمون بها، وهي تصبّ في تصعيد مواجهة سورية – لبنانية، تعمق الخلافات بين الشعبين، وتدفعهم نحو المواجهات، وعلى السوريين ألا ينسوا أن أهلهم من اللاجئين، أقاموا وما زالوا في احضان اللبنانيين وعلى أرضهم، وتشاركوا معهم ظروف الحياة طوال سنوات، وعلى اللبنانيين ألا ينسوا أن سوريا عمقهم المباشر، وأن لبنان محكوم بالجغرافيا، ولا يمكن أن يعيش ويتطور خارج علاقة تفاعل وتعاون مع السوريين، لا ينبغي لظروف عابرة أن تصادر فرصها.

إن الخيرين والمستقبليين وأصحاب العقول والإرادة الواعية، ينبغي أن يساعدوا عرباً وسوريين ولبنانيين، وهم يعرفون أن إذكاء الخلافات وتصعيدها في ملف اللاجئين، لا يأخذنا إلا باتجاه مواجهات أكثر وأشد، تمثل بدايات نحو جريمة محتملة. ليس الخيار في مواجهتها سوى تبريد الملف والعمل على تفكيكه، والسعي إلى عودة السوريين كراماً وأمنيين إلى بلدهم وبيوتهم، وهذا سوف يحصل ولو تأخر.

الشرق الأوسط

————————————-

الحملة العنصرية بوصفها «حاجة سياسية»  لبنانية/ روجيه أصفر

حملة غير مسبوقة، سياسية وأمنية وحزبية وشعبية، عابرة للخلافات اللبنانية، طالت اللاجئين السوريين في لبنان دون تمييز، مستهدفةً ترحيلهم القسري إلى سوريا تحت مسميات وذرائع شتى، ومتسترة بمخاوف ديموغرافية وأمنية واقتصادية ومعيشية. نعم، هذا النوع من الحملات ليس بجديد، ولكنها هذه المرة أكثر تنظيماً وقوةً وفعاليةً، تبدو مركزة وأكثر فاعلية ومتفلتة من كل عقال.

لفهم ما يحصل هناك ضرورة لمحاولة حصر الأسباب الممكنة خلف حملة اليوم، وهو أمر لا يمكن الجزم به في ظل غياب تصريحات رسمية تعكس حقيقة النوايا المحرِّكة للأفعال الحاصلة، لكن يمكن من خلال ما هو معروف، وبالقياس، حصر الأسباب في الآتي:

أولاً، قناعة عنصرية جوهرية لدى نسبة كبيرة من السياسيين اللبنانيين بحق السوريين، ترى أن لبنان أفضل من دونهم، تجد صدىً شعبياً كبيراً، والتعبير عنها وتحويلها لفعل يلقيان تأييداً شعبياً كبيراً.

ثانياً، توفير حلقة جديدة من حلقات إشغال اللبنانيين بقضايا -حقيقية أو مفتعلة- تلهيهم، على أهميتها، عن الانهيار الحاصل وفساد الطبقة السياسية وعجزها، ملقين هذه المرة سبب الحالة التي وصلت إليها البلاد على اللاجئين السوريين بدل مواجهة الأسباب الحقيقة أو الأبرز والتصدي لمعالجتها.

ثالثاً، ابتزاز الدول المانحة من خلال إجراءات حقيقية ملموسة، بدل الاكتفاء بالابتزاز اللفظي المعنوي، في سبيل تسوّل المزيد من المساعدات مع تراجع احتياطيات مصرف لبنان واستمرار الفراغ السياسي وغياب توافق على خطة إنقاذية مع صندوق النقد الدولي، مساعدات ستختفي في أقنية الفساد والزبائنية السياسية كالعادة.

رابعاً، شد العصب الحزبي والطائفي، وتعزيز ادعاء الوطنية لدى مختلف الجهات السياسية في ملف يكاد يكون الموقف منه محل اجتماع نادر في لبنان، ويشكّل حقلاً خصباً لتحصيل المكاسب دون أي أضرار أو خسائر.

خامساً، بالإضافة إلى أسباب قد تكون متعلقة بمصالح حزب الله، والسباق الرئاسي الذي يكاد يكون محصوراً بين سليمان فرنجية وجوزف عون، فموضوع اللاجئين وعودتهم موضوع مهم، يطول كل اللبنانيين ويهمهم، وموقف المرشحين وفاعليتهم في هذا الشأن مؤثرة على المزاج الشعبي تجاههما.

ما لا شك فيه هو أن محرّكي الحملة قد أصابوا في اختيار لحظة سياسية إقليمية مواتية لهم، مع تسارع عمليات التطبيع مع النظام، وبدء عملية سعودية لنقاش إعادة اللاجئين، بالإضافة للاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية.

أمر آخر كان لافتاً في الحملة الحالية أنها، أكثر من كل مرة سبقتها، شكّلت محطة جامعة للأغلبية العظمى من القوى السياسية والطائفية اللبنانية مع وجود تمايزات نادرة، منخفضة الصوت، بما في ذلك صوت القوات اللبنانية التي اعتادت في أغلب الحالات على التصويب على النظام السوري بدل استهداف اللاجئين السوريين. لسخرية القدر، كأن لا أمر يجمع كثيراً من اللبنانيين اليوم إلا خطاب كراهية وممارسات عنصرية بحق اللاجئين السوريين، واحدة من أضعف الفئات الاجتماعية اليوم.. وكأن لعنة العلاقة شديدة الإشكالية بين شعبين جارين ستظل محكومة بأنماط متبادلة مغرقة في التوتر والعنف بأشكاله، برعاية لا يبدو أن هناك نهاية قريبة لها من نظام الأسد.

من هنا، يبدو من الضروري القبول بإجراءات تطول أولئك السوريين الذين اعتادوا زيارة بلدهم -بطرق شرعية أو غير شرعية- في مناسبات مختلفة والعودة منها إلى لبنان. لا أسباب داعية لتبني رقم بشأن أعداد هؤلاء دون توفر معطيات موضوعية تدعم مصداقية هذا الرقم، إلا أن الانطباع الخاص يسمح بالقول أنهم ليسوا بقلة. يهدف هذا القبول إلى ضمان حقوق وأمن الفئة الواقعة تحت الخطر الأشد، أولئك الذي يُخشى على حياتهم إن هم عادوا إلى سوريا، سواء  لموقفهم المعارض، أو مشاركتهم في مظاهرات وأنشطة ثورية، أو انشقاقهم عن جيش النظام أو فرارهم من الخدمة الإلزامية فيه.

في سياق «المواجهة»، لا يبدو الخطاب الحقوقي البحت، وذاك الذي يصدر عن مؤسسات إعلامية لبنانية مستقلة يسارية التوجه، مناصرة للثورة السورية ولحقوق اللاجئين، خطاباً مجدياً اليوم، فلا هو ممكن وواقعي، ولا يبدو في الوقت نفسه متفهماً مخاوف اللبنانيين المعترضين ومخاطباً إياهم، بل قد يكون هذا الخطاب اليوم مستفزاً لكثيرين. الخطاب الحقوقي ضروري، لا بد من وجوده واستمراره كبوصلة أساسية لا غنى عنها، على أن يترافق بخطاب يتفهّم مخاوف فئة واسعة من اللبنانيين، ويخاطبهم على أساسها متحلياً ببراغماتية محسوبة، إذ لا يبدو متاحاً المطالبة بالحفاظ على حقوق «اللاجئ الإقتصادي» الذي أتى إلى لبنان أو بقي فيه لأسباب تتعلق بتحصيل موارد العيش، لا لأسباب تتعلق بوجود خطر أمني على حياته بسبب رأيه السياسي أو دوره.

من جهتها، تبدو مفوضية شؤون اللاجئين مقصرة بشدة في هذا السياق، إذ لا بد أن يكون لها دور إعلامي وفي مجال العلاقات العامة أكبر مما هو عليه اليوم. تنطلق المفوضية من الرفض القاطع لتسليم داتا اللاجئين لديه للسلطات اللبنانية بوصفه مطلباً أمنياً شديد الخطورة، وثمة حاجة للانتقال إلى تبيان الحقائق والأرقام الدقيقة فيما يتعلق بأعداد اللاجئين المسجلين ونسبة المستفيدين منهم من تقديمات ومساعدات، مع تحديد نوعها وقيمتها. خطابٌ كهذا يشكل أداة ضرورية لمحاولة مواجهة كل الأخبار المزيفة التي بلغ حد المبالغة فيها مستوىً يكاد لا يُصدّق.

ضرورة خطاب يُبين الحقائق لا يعني أن تشكيل هكذا خطاب سيكون وحده حلاً، فالمشكلة الحقيقية ليست في شكل الخطاب الذي نحتاج وطريقة تشكيله ومن يتصدى لإدارته، بقدر الشك في نجاعة أي خطاب مهما كان مدروساً وبراغماتياً في مواجهة الكمّ الهائل من الشعبوية والعنصرية و… الغباء. العنصري المتزود بأسلحة الشعور بالتفوق والتهديد في الوقت عينه لن يعجزه بيان توضيحي من مفوضية اللاجئين يكشف أن الكلام عن حجم ونوع المساعدات التي يتلقاها اللاجئون غير دقيق على الإطلاق، فهو في سياق اعتقاده بالمؤامرة على وطنه لن يعجز عن تكذيب أي جهة كانت لطرحها ما يخالف شعوره ومخاوفه. المنطق لا يجدي نفعاً هنا.

هذا الخوف قد يكون حاجة، فلبنان الوطن بصورته «التقليدية» يبدو في طور التلاشي مع بلوغ سيطرة حزب الله مستوى غير مسبوق، وظهور القوى التقليدية كأنها ملحقة لا أساسية في حياة هذا البلد. وأمام العجز عن مواجهة هذا التلاشي، قد تكون شماعة اللجوء السوري والخوف منه، من حيث هي فعل تعميمي، ضرورة.

جرت العادة في لبنان ألا تستمر حملات مشابهة لفترات طويلة، دون أن يُفهم،  كل مرة، كيف بدأت وكيف انتهت بالضبط. الخوف هذه المرة هو من أن يكون مستوى التحريض الذي حصل دافعاً لممارسة عنف مادي جماعي بحق اللاجئين، فبعد شائعات ضبط أسلحة في المخيمات السورية، ثم تشبيههم بالفلسطينيين قبيل حرب 1975، بدأ اللاجئون السوريون بالتحول أكثر فأكثر في نظر فئة من اللبنانيين من خطر «اجتماعي» و«ثقافي» و«معيشي» إلى خطر أمني داهم، ومن كان يضبط كراهيته وخوفه من التحول عنفاً مادياً تجاه اللاجئ، يكاد خطاب التحريض المكثف يحله من أي ضوابط ذاتية. ظهر هذا في توجّه قوى شعبية وحزبية إلى تقرير مواجهة أي اعتصام يُدعى إليه للسوريين قبالة مفوضية اللاجئين بالعنف المقصود والموجه، فحتى حق الاحتجاج والاعتراض السلمي مرفوض تماماً.

يقابل ذلك غياب أي قدرة تنظيمية لدى السوريين في سبيل تشكيل صوت معنوي لهم، يطالب بحقوقهم، أو حتى ينفذ ضمن إطار القانون إضراباً ما، بوصفه وسيلة نضال عمالي مشروعة، غيابٌ لربما هو قدر السوريين منذ عقود طويلة، وأحد أسباب ما وصلوا إليه اليوم. 

موقع الجمهورية

—————————-

اللاجئون السوريون في لبنان يعيشون أحلك أيامهم/ المعتصم خلف

يطفَح الإعلام اللبناني منذ بداية الأسبوع الماضي بتقارير عنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، ركّزت على أرقام مغلوطة حول أعداد اللاجئين، وعلى «الخطر الديموغرافي» الذي يشكّله السوريون عامةً في لبنان، ودورهم في أزمة العمل والتعليم، و«حجم» المساعدات الإنسانية التي تصلهم. تبعت هذه الموجةَ التحريضية موجةٌ عنصرية كيدية في مختلف مناطق لبنان، تخلّلتها اعتداءات وتضييقات على العمّال السوريين، ورافقتها مداهمات للجيش اللبناني في عدة بلدات لبيوت السوريين بقصد ترحيلهم إلى الحدود السورية. وقد استهدفت المداهمات النساء والأطفال والرجال، دون أي اعتبار لأوضاع اللاجئين والخطر الذي تشكله عودتهم إلى سوريا، والاضطهاد الذي يمكنُ أن يتعرضوا له من قبل النظام السوري.

مع استمرار الانهيار الاقتصادي في لبنان، وتدهور الوضع المعيشي المُرافق للانهيار القياسي لقيمة العملة اللبنانية، تحْرص السلطة على بناء انتصارها على حساب اللاجئين السوريين، أكثر الفئات هشاشةً وتهميشاً في لبنان، من خلال صورة المدّرعة العسكرية التي تداهم بيوت السوريين في مختلف المناطق، في حين أنه يُفترض، من الناحية الإدارية، أن تكون مهمة التعامل مع أوضاع المقيمين غير اللبنانيين منوطة بقوى الأمن الداخلي.

بدأت المداهمات منذ منتصف شهر نيسان (أبريل) في منطقة بشامون في قضاء عاليه التابع لمحافظة جبل لبنان، وشملت بحسب شهادات اللاجئين ما يقارب 47 لاجئاً سورياً، تم ترحيلهم بشكل تعسفي إلى نقطة المصنع على الحدود السورية، ودون أي تدقيق مسبق في أوراقهم أو تحقق من طريقة دخولهم لبنان أو تسجيلهم في مفوضية الأمم المتحدة. جرت المداهمات بشكل عشوائي، دون إنذار مسبق ودون مراعاة للظروف الإنسانية والسياسية التي قد تُعرِّضُهم لخطر الموت أو الاعتقال في حال عودتهم إلى سوريا، خاصة أن النظام السوري قام باعتقال عدد من المرحّلين منذ اليوم الأول، من خلال تسيير دوريات نحو الحدود السورية اللبنانية. وفي مقابلات أجرتها الجمهورية.نت مع عائلات عدد من المُرحَّلين، تأكَّدَ تسليم بعضهم فوراً للشرطة العسكرية التابعة لجيش النظام.

توالت المداهمات لتشمل عدة مناطق في لبنان، ورافقها تحشيد شعبي عنصري، إذ حرص كثيرون على التطوع مع الجيش لإرشاد عناصره نحو بيوت السوريين تحت مسمى «الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري» التي أعلن عنها رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي، ودعا خلالها إلى «المقاومة في وجه اللاجئين السوريين». وقد صرّح الخولي أن هدف الحملة هو إنقاذ لبنان أرضاً وشعباً وثقافة وحضارة، وأن الحملة هي دعوة لجميع اللبنانيين لمقاومة هذا «الاحتلال» الذي ساهم بتدمير الاقتصاد حسب زعمه.

تكثَّفت حملات الاعتقال والترحيل في منطقة جونية، وتحديداً حارة صخر، وكذلك في منطقة برج حمود ضمن مدينة بيروت وفي المنصورية في قضاء المتن، وشملت مخيمات اللاجئين في الشمال والبقاع حتى وقت كتابة التقرير. في البقاع تركزت بشكل أساسي في منطقة القرعون، وشَمَلت الاعتقالات ما يقارب 300 لاجئ سوري في المخيم، مع مصادرة أملاكهم الشخصية من سيارات ودراجات نارية. وكانت المداهمة عشوائية، شملت الداخلين بشكل نظامي إلى لبنان، واللاجئين المسجلين في مفوضية الأمم المتحدة، والداخلين بطريقة غير نظامية إلى لبنان. كذلك بدأت حواجز الجيش الموجودة في مداخل المدن اللبنانية، مثل حواجز مدينة صيدا ومدينة طرابلس، باعتقال السوريين أثناء حركتهم ضمن المدن اللبنانية، دون أي تأكيدات حول أعداد المعتقلين من على الحواجز العسكرية التي كانت منتشرة بشكل مسبق بين المدن اللبنانية.

لا تزال الحملة مستمرة منذ ما يقارب عشرة أيام، وبينما كانت عشوائية تماماً في بعض المناطق، فقد ركزّت في مناطق أخرى على الداخلين بشكل غير نظامي إلى الأراضي اللبنانية، أو ما يسمونه في لبنان الدخول «خلسة». في منطقة الشويفات في قضاء عاليه، داهم الجيش منازل اللاجئين السوريين وطلب منهم تجديد أوراق الإقامة في أقرب وقت ممكن من خلال المديرية العامة للأمن العام، مع حرصهم على تسجيل جميع أسماء السوريين.

«طارق» أحدُ المهرِّبين على الحدود السورية اللبنانية عند نقطة وادي خالد، قدّرَ في اتصال مع الجمهورية.نت أن عدد الموجودين على الحدود السورية اللبنانية يقارب 150 شخصاً، نساءً وأطفالاً ورجالاً، و«كل ساعتين تقريباً تصل سيارات شحن عسكرية لبنانية، تُسلِّم بعض اللاجئين مباشرةً إلى النظام السوري وتترك بعضهم الآخر على الحدود دون معرفة مصيرهم». كما أكد أن حالات تهريبهم من جديد نحو لبنان متوفرة بمبلغ 200 دولار، وفي حال كان الشخص مطلوباً للخدمة العسكرية قد يرتفع هذا المبلغ، وقد يتضاعف.

وقال «طارق» في حديثه للجمهورية.نت إنه شهدَ حواراً بين دورية للأمن العسكري السوري تنشط على الحدود وبين لاجئة سورية، طلب فيها الأمن العسكري من المرأة نسيان زوجها بشكل نهائي بعد أن تم القبض عليهم من قبل الدورية. وقد أكد مواطنون سوريون في دمشق للجمهورية.نت أنهم شهدوا، خلال تواجدهم لتجديد جوازات سفرهم، إدخال ما يقارب 60 لاجئاً سورياً من لبنان إلى مقرّ الهجرة والجوازات بعد ترحيلهم من لبنان، وذلك على ما يبدو للتدقيق في أوضاعهم «القانونية» لدى إدارة الهجرة، دون وجود أي معلومات حول مصيرهم بعد ذلك الإجراء أو أسباب توقيفهم.

وكانت المديرية العامة للأمن اللبناني قد أصدرت بتاريخ 7 تموز (يوليو) من العام الماضي 2022 بياناً لتسوية أوضاع اللاجئين السوريين الداخلين «خلسة» إلى لبنان قبل تاريخ 24 نيسان (أبريل) 2019، على أن يقدّموا إثباتاً من مخاتير الأحياء أو من خلال الولادات التي تثبت أنهم كانوا في لبنان قبل التاريخ المذكور، لأن الدولة اللبنانية لا تملك أي معلومات حول أعداد اللاجئين السوريين الداخلين بشكل غير نظامي إلى لبنان، والبيان سيبقى ساريَ المفعول حتى تاريخ 30 حزيران (يونيو) 2023.

وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية هيكتور حجار بالأمس، بعد اجتماع وزاري خُصّص لبحث ملف اللاجئين، التأكيد على تقديم مهلة أقصاها أسبوع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتزويد ووزارة الداخلية بالبيانات الخاصة بالنازحين بأنواعها، على أنّ تَسقط «صفة النازح» عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية، مع التأكيد على التشدّد في ملاحقة السوريين الداخلين خلسة إلى لبنان ومراقبة عمالة السوريين بالتنسيق مع وزارة العمل.

منظمات دولية ومحلية تؤكد خطورة الترحيل على حياة السوريين

أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في رسالة على لسان ممثل مكتبها في لبنان إيفو فرايجسن، دعمها للاجئين السوريين والمجتمع اللبناني في الظرف الاقتصادي الراهن، مع تواصل جهود توصيل الدعم إلى كافة أنحاء البلاد. كما قالت المفوضية إنها جاهزة في هذا الوقت الصعب للإجابة على الاستفسارات والمخاوف في مراكز احتجاز المهاجرين والسجون، ودعم العائلات مع نشر أرقام وإيميلات المفوضية للتواصل وتقديم المعلومات.

نُشرت هذه الرسالة المقتضبة من المفوضية بعد ضغط «الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري»، وبعد اجتماعها الأخير مع الحكومة اللبنانية والأجهزة الأمنية، الذي اعتبرته «انتصاراً جديداً» وطلبت فيه أن تقوم المفوضية بتسليم «data» معلومات اللاجئين لوزارة الداخلية اللبنانية في مهلة أسبوع، خاصة أن لبنان لا يملك معلومات كاملة حول اللاجئين.

وقد دعت بعض المنظمات في لبنان إلى إيقاف هذه الحملة، ومن بينها منظمة وصول (ACHR)، التي دعت في بيان لها السلطات اللبنانية إلى «احترام حقوق جميع الأفراد، بمن فيهم اللاجئون، في طلب اللجوء والحماية من العنف والاضطهاد، على النحو المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي. ويجب على السلطات اللبنانية الامتثال للالتزامات التي تتحملها الدولة بموجب القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. ولا يجوز للحكومة اللبنانية اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يمكّنها من تجنب الامتثال لهذه الالتزامات. يجب على الدول التي ترغب في ترحيل الأجانب أن تتحقق من عدم تعرضهم للاضطهاد في مناطقهم الأصلية ولن يتعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة». كما دعا البيان الأمم المتحدة بشكل خاص إلى «التحرك بسرعة لحماية حقوق اللاجئين السوريين في لبنان ووضع حد لعمليات الترحيل القسري الجماعية للاجئين السوريين من قبل السلطات اللبنانية».

كما نشرت منظمة العفو الدولية قبل أيام تقريراً دعت فيه السلطات اللبنانية إلى وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئين السوريين، وسط مخاوف من أن هؤلاء الأفراد مُعرضون لخطر التعذيب أو الاضطهاد على أيدي «الحكومة السورية» لدى عودتهم. وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: «من المقلق للغاية أن نرى الجيش يقرر مصير اللاجئين، من دون احترام الإجراءات القانونية الواجبة أو السماح لأولئك الذين يواجهون الترحيل بالطعن في ترحيلهم أمام المحكمة أو طلب الحماية. ولا تجوز إعادة أي لاجئ إلى مكان تتعرض فيه حياته للخطر».

وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت في العام 2021 تقريراً بعنوان «أنت ذاهب إلى الموت»، وثّقت فيه الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا، وممّا جاء فيه أنه «أخضع ضباط المخابرات السورية النساء والأطفال والرجال العائدين إلى سوريا للاعتقال غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي، والإخفاء القسري». كما أكدت أنه «لا توجد في سوريا أي منطقة آمنة يمكن للاجئين العودة إليها، بما في ذلك العاصمة دمشق أو منطقة دمشق، وأن الأشخاص الذين رُحلوا عن سوريا منذ اندلاع الصراع فيها معرضون لخطر حقيقي يتمثل في تعرضهم للاضطهاد لدى عودتهم».

كما وقعت كلٌّ من الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ومنظمة مجموعة عمل لأجل عفرين، ومجلس إيزيديي سوريا، والحركة السياسية النسوية السورية، وحزب الشعب الديمقراطي السوري، واتحاد تنسيقيات الثورة، بياناً أكدوا فيه أن «سوريا ما زالت بلداً غير آمن وغير صالح للعيش في أغلب المناطق، حتى وإنّ توقفت العمليات القتالية، لأن عودتهم قد تعرضهم للاعتقال والانتقام من قبل النظام السوري والتجنيد الإجباري للشباب منهم في حرب لا تعنيهم، بالإضافة إلى عقوبات قد تصل إلى حدّ الإعدام لمن يعتبرهم النظام فارين من الجيش، ما يعني أن هذه العودة لا تُحقّق معايير العودة الطوعية والآمنة والكريمة». وأكد الموقعون في ختام بيانهم على أن «الحل لوضع اللجوء السوري هو حل سياسي بامتياز، ولا يمكن لأي إجراء مؤقت حل هذا الإشكال، إذ يتطلب حلاً سياسياً شاملاً عبر التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 2254 الذي يتطلّب تهيئة بيئة آمنة تكون البيئة المناسبة لعودة طوعيّة آمنة وكريمة للاجئين إلى أماكن سكناهم الأصلية».

يعيش اللاجئون السوريون اليوم ظروفاً هي الأصعب منذ بداية لجوئهم إلى لبنان، خاصة بعد تقييد حركتهم. أغلب السوريين لا يستطيعون ممارسة أعمالهم بشكل طبيعي، بعض العائلات فوجئت بغياب بعض أفرادها. الأطفال العائدون من المدارس كثيراً ما يُفاجؤون بترحيل عائلاتهم بعد مداهمة منازلهم أثناء غيابهم. فيما فُرض على اللاجئين السوريين إغلاقٌ كاملٌ من قبل بعض البلديات، كفعل انتقامي. انعكس هذا التقييد على غير المرحلين أيضاً، على شكل عجز في قدرتهم الحركة لتأمين متطلباتهم المعيشية، أو الحصول على المساعدات المادية والمعونات الغذائية، وذلك في سياق حملة تبدو مستمرة في حال عدم تكاتف الجهود الدولية لحماية اللاجئين السوريين في لبنان من خطر الاضطهاد والترحيل إلى سوريا.

موقع الجمهورية

——————-

منشقون عن النظام ومطلوبون للتجنيد تحت مقصلة الترحيل في لبنان/ مروة صعب

كثيرة هي قصص العائدين قسراً أو الخائفين من مصير مماثل، ولا يمكن حصرها في تحقيقٍ واحدٍ، إنما نحاول في هذا التحقيق توثيق بعض الشهادات التي جمعناها من خلال لقاءات مع لاجئين في مناطق لبنانية مختلفة.

“نحنا المنشقين عن جيش النظام قبرنا مفتوح بسوريا، إذا كان لا بد من ترحيلنا اعدمونا هون أهون من الموت ألف مرة عند النظام”، يخشى أحمد  (اسم مستعار، 30 سنة)، أن يلقى مصير صديقه الذي قتله النظام السوري بعد ترحيله من لبنان إلى سوريا. ففور ترحيل صديقه  العسكري المنشق عن الجيش السوري عام 2015 إلى سوريا انقطعت أخباره وفُقد أثره إلى أن تلقت عائلته شهادة وفاة تحمل اسمه، وحتى الآن لم تتسلم جثمانه.

انشق  أحمد عن جيش النظام السوري عام 2014 بعدما اعتُقل بسبب محاولته الفرار لمدة 9 أشهر، استطاع بعدها الهرب بعدما رشت عائلته أحد المسؤولين العساكر لتهريبه. حاملاً معه آثار تعذيب حفرت على جسده لتسعة أشهر، هرب أحمد إلى لبنان ليبدأ حياةً جديدةً، من دون أن تفارقه الآثار الجسدية والنفسية للانتهاكات المروعة والتعذيب والعنف الجنسي الذي تعرض له أثناء الاحتجاز.

 مضت تسع سنوات، رزق أحمد فيها بطفله الأول في لبنان وعمل جاداً ليؤمن لقمة العيش لزوجته وطفله علماً أنهم يقطنون في أحد المخيمات اللبنانية. تسع سنوات عاشها أحمد خائفاً من العودة إلى المقصلة، واليوم بسبب ارتفاع وتيرة الترحيل القسري الذي تفرضه الدولة اللبنانية على السوريين، يعيش أحمد رعباً متواصلاً من الترحيل.

بدأت عمليات الانشقاق والفرار من الخدمة العسكرية منذ ما يقارب عشر سنوات ولا يُعرف عدد الجنود المنشقين من الجيش السوري، إلا أن المعارضة تقدرهم بعشرات الآلاف، مصيرهم قد يكون الموت المحتوم إذا قرروا العودة أو تمت إعادتهم قسراً إلى مناطق سيطرة النظام في سوريا. يبدي أحمد استعداده للعودة إلى بلاده بشرط تأمين طريقه إلى إدلب، أي إلى المناطق التي لا تخضع  لسيطرة النظام السوري، فهو وكثر من العساكر المنشقين والناس الذين ثاروا ضد النظام منذ عام 2011، مطلوبون للأفرع الأمنية في سوريا، وقد اعتقل بالفعل عدد من العائدين إلى بلادهم بتهمة “الخيانة أو دعم الإرهاب”. وقد وثَّقت “منظمة العفو الدولية” وغيرها من المنظمات الحقوقية، المأساة التي واجهها كثيرون إثر العودة إلى سوريا وتعرضهم لانتهاكات حقوقية جسيمة، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري، على يد الحكومة السورية. وعام 2021 ندّدت المنظمة في تقرير لها بعنوان “أنت ذاهب إلى الموت“، بتعرّض عشرات اللاجئين الذين عادوا أدراجهم إلى سوريا لأشكال عدة من الانتهاكات على أيدي قوات الأمن، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب وحتى الاغتصاب. ومن بين الاتهامات التي توجه إلى العائدين، بحسب التقرير، “الخيانة أو دعم الإرهاب”، وفي بعض الحالات، تم استهداف العائدين لمجرد أنهم كانوا سابقاً في مناطق تحت سيطرة فصائل المعارضة.

 “إذا اجوا يعتقلوني رح إقتل حالي، بنتحر ويقولوا عني كافر ولا روح اتعذب بالفرع بسوريا”، يقول أحمد في ختام حديثه لـ “درج”، معبراً عن قلقه على طفله وزوجته في حال تم ترحيله و”قتله” بحسب قوله.

يختلف مصير العائدين “طوعاً”  إلى سوريا بحسب ظروفهم الأمنية، ففيما يملك البعض فرصة العودة الآمنة، فإن كثيرين يواجهون خطر الاعتقال وربما الموت بسبب التخلف عن الخدمة العسكرية أو الانشقاق عن الجيش، إضافة إلى تحديات اقتصادية يواجهها آخرون بسبب مصادرة بيوتهم وبسبب الأزمة الاقتصادية الحالكة في سوريا.

وارتفعت وتيرة المداهمات التي تشنّها أجهزة الاستخبارات التابعة للجيش اللبناني في الآونة الأخيرة والتي تستهدف مواطنين سوريين في بيروت ومناطق مختلفة في لبنان. ورُحَّل إلى سوريا عشرات اللاجئين الذين دخلوا البلاد بشكل غير نظامي أو يحملون بطاقات إقامة منتهية الصلاحية. وبلغ العدد الإجمالي لحالات الترحيل القسري بحق اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا بحسب توثيق مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) منذ بداية عام 2023 حتى 28 نيسان/ إبريل الجاري 407 حالات ترحيل قسري. معظمهم يفتقرون إلى الإقامات القانونية، وفي الحملة الأمنية الأخيرة منذ بداية نيسان حتى 28 منه، بلغ عدد المرحّلين حوالى 200 لاجئ سوري. المدير التنفيذي للمركز محمد حسن يوضح لـ”درج” أنه بمجرد ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا، تتوقف الاتصالات والأخبار عن معظمهم، بعضهم يُسلم إلى قوات الأمن السوري ويُعتقل بشكل تعسفي، بخاصة أن جزءاً منهم متخلف عن الخدمة العسكرية، لذلك من الصعب على فريق المركز التحقق من مصيرهم أو معرفة الظروف التي يمرون بها في سوريا على وجه الدقة.

وكان المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، وهو الهيئة المسؤولة عن تنفيذ استراتيجية الدفاع الوطني اللبنانية، أصدر عام 2019 تعليمات للأجهزة الأمنية بترحيل السوريين الذين يدخلون لبنان عبر المعابر الحدودية غير الشرعية. وفي رسالة إلى منظمة العفو الدولية في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أكدت مديرية الأمن العام أنَّ السلطات رحَّلت 6002 سوري منذ أيار/ مايو 2019، بما في ذلك 863 في 2020، فيما توقفت عمليات الترحيل جزئياً في 2020 بسبب “كوفيد-19”. وأدان  مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) في تقريرِ له بشدة استمرار العمليات الأمنية للجيش اللبناني، واعتبر  أن المداهمة والاعتقال والترحيل في حق اللاجئين السوريين في لبنان يخالف المواثيق الدولية والقوانين المحلّية على مقدمتها الدستور اللبناني. ورأى  ACHR أن هذه العمليات المتواصلة تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان الأساسية للأشخاص الذين يبحثون عن الحماية والأمان في لبنان. ودعا  الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة الذي يلغي قرار المديرية العامة للأمن العام والذي ينظّم دخول وخروج السوريين من وإلى لبنان، كما دعا  إلى التراجع عن قرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في نيسان/ أبريل 2019. كما طالب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالوقوف على مسؤولياتها بشكل جدّي وتوفير الحماية للاجئين السوريين في لبنان، والتحرك بشكل فعال لوقف الاعتقالات التعسفية والترحيلات القسرية، وضمان حقوقهم في الحصول على الحماية والمساعدة الإنسانية اللازمة.

10 سنوات من اللجوء، لماذا الآن؟

لا شك في أن لبنان  يعاني من مشكلة نزوح كغيره من البلدان المضيفة للاجئين السوريين منذ بداية الأزمة السورية، لكنه أيضاً تلقى مبالغ هائلة منذ عام 2011 قدمتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والدول المانحة للدولة اللبنانية لتمويل استضافة اللاجئين السوريين في البلاد، إنما لم يعرف مصير تلك الأموال، وهو ما غاب عن المحرضين ضد السوريين، محملين إياهم مسؤولية الأوضاع الاقتصادية  التي وصلت إليها البلاد. ففي الأسابيع الأخيرة، تعرض اللاجئون السوريون إلى حملة كبيرة من العنصرية والتحريض وبعضهم تعرض للاعتداءات في مختلف المناطق اللبنانية، ناهيك بالدور الذي لعبته مجموعة من الشاشات التلفزيونية والمواقع الإعلامية التي  ساهمت في تأجيج الأمور. وهذا كله لا يمكن أن يحدث في  وقت واحد، من دون أن نسأل “لماذا الآن؟”.

في هذا الإطار، يشير المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد في اتصالٍ مع “درج” إلى أن ما يحدث قد يكون محاولة لإلهاء الناس عن الملفات الكبيرة والأسماء المهمة التي يتطرق إليها  القضاء الدولي في تناوله قضايا الفساد في لبنان بخاصة فضيحة مصرف لبنان. ويؤكد عبد الصمد أن تحميل اللجوء السوري مسؤولية ما يحدث في البلاد ما هو إلا تهرب المسؤولين من تحمل عبء سوء الإدارة والفساد في ملف اللاجئين تحديداً. فالدولة مسؤولة منذ اليوم الأول عن عدم التنسيق وعدم التسجيل، “واليوم إن كان لا بد من إعادة اللاجئين  فيجب توفر شروط عودة آمنة وهذا مفقود”. وأضاف أن تسليم ملف الترحيل للجيش اللبناني الذي يقوم بالمداهمات والترحيل وتوريطه بملف سياسي بحت بدون خطة سياسية أو غطاء سياسي، يحمل الكثير من الأسئلة.

دخل  محمد  خلسة خلال الحرب إلى  لبنان، لكنه سرعان ما حصل على أوراق نظامية، بعدما كفلته الشركة التي يعمل فيها. وقبل أشهر أراد محمد تجديد أوراقه، وبالفعل ذهب إلى مركز الأمن العام اللبناني ودفع ما يترتب عليه، ثم أُعطي ورقة موقتة لتسيير عملية تنقله في البلاد إلى حين إصدار الأوراق. بعد شهرين ذهب ليحصل عليها  لكنه فوجئ بقرار اعتقاله ” كلبشني العنصر و خلاني أبصم على ورقة بدون ما يسمحلي إني اقرأ شو فيها”، من النظارة إلى الحدود اللبنانية- السورية ثم إلى غرف التحقيق في سوريا، تم  فرز محمد إلى شعبة التجنيد.

” كنا 6 أشخاص، 5 منا أخدونا عالعسكرية والأخير كان عسكري منشق إجت سيارة أخدته  وما عاد عرفنا عنو شي”. راسلنا محمد من حمص أثناء إجازته العسكرية وهو  ينوي الهرب مرة أخرى بأول فرصة، “هيدي البلاد مجندة ما بتصلح لأي شي، صح ما في حرب هلق بس ما في حياة”. رُحل  محمد إلى سوريا وبقيت عائلته في لبنان، ولا يمكن أن ينجو بشكل قانوني من الخدمة العسكرية الإجبارية إلا إذا دفع نحو 6 آلاف دولار أميركي، وهو مبلغ لم يستطع تأمينه فحكم عليه بالخدمة العسكرية لمدة سبع سنوات.

وبحسب  تقرير  مركز وصول  (ACHR) سجّل المركز عمليات ترحيل لأشخاص لديهم أوراق إقامة قانونية منتهية الصلاحية في حملة مداهمات في منطقة جونية، ويؤكد التقرير أن شخصين ممن تم ترحيلهم إلى سوريا تم اعتقالهما لاحقاً من قبل الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري، ومن ثم تم نقل أحدهما إلى فرع فلسطين بحكم أنه كان منشقاً عن الجيش السوري، أما الشخص الثاني فد أُخفي قسراً، ولا يوجد معلومات عن ظروفه.

كثيرة هي قصص العائدين قسراً أو الخائفين من مصير مماثل، ولا يمكن حصرها في تحقيقٍ واحدٍ، إنما نحاول في هذا التحقيق توثيق بعض الشهادات التي جمعناها من خلال لقاءات مع لاجئين في مناطق لبنانية مختلفة.

محمد اختار البحر مرة أخرى بعدما فشلت محاولته الأولى. ينتظر الآن اللحظة المناسبة لينطلق بمركب يحمله مع زوجته وطفليه وآخرين من اللاجئين السوريين الخائفين، يقول “بكل الأحوال نحن بخطر، بالنسبة إلي الموت بالبحر ولا الموت عند الأسد”.

محمد مقيم في لبنان منذ عام 2011 متزوج وله طفلان سيأخذهما معه “رح حطهم بقلبي واطلع بالبحر”، فقد الأمل وهو لا يستطيع العودة إلى سوريا لأنه مطلوب للأمن وأيضاً لا يمكنه أن يبقى في منزله أكثر  فهو توقف عن الذهاب إلى العمل منذ عيد الفطر بسبب خوفه الترحيل.

تخبرنا سيدة عن ترحيل ابنها القاصر (16 سنة) إلى سوريا دون أن تراه حتى، مشيرة إلى أنها لم تعرف عنه شيئاً حتى تاريخ كتابة التحقيق، ولم يصلها سوى خبر ترحيله.

كما يروي خالد، لاجئ آخر، أنه تم ترحيل أخيه القاصر ولم يكن يحمل معه أي مبلغ ليدفع أجرة المواصلات  ليعود إلى قريته في دير الزور وبقي مشرداً في شوارع دمشق حتى عطف عليه أحدهم وأعطاه أجرة العودة إلى دير الزور إلى منزل أعمامه بعيداً من عائلته التي بقيت في لبنان.

بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي الإنساني العُرفي، فإن لبنان ملزم بعدم إعادة أي شخص إلى بلد قد يواجه فيه خطر التعذيب أو الاضطهاد. وبدلاً من العيش في خوف بعد الفرار من الفظائع في سوريا، تنبغي حماية اللاجئين الذين يعيشون في لبنان من المداهمات التعسفية وعمليات الترحيل غير القانونية بحسب تقرير لـ”منظمة العفو الدولية”. ومبدأ عدم الإعادة القسرية هو قاعدة عُرفية مُلزمة في القانون الدولي تحظر على الدول إعادة الأشخاص إلى مكان قد يتعرضون فيه لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ويجب منح أي شخص مُعرّض لخطر الترحيل فرصة للوصول إلى المشورة القانونية، ومقابلة ممثلي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والطعن في ترحيله أمام المحكمة.

درج

—————————

هل نسي سياسيو لبنان ما فعله نظام الأسد ببلدهم؟/ كارمن كريم

من لم يعش المأساة السورية، لن يدرك الرعب الذي ينتظر السوريين في وطنهم، تجربة العيش في ظل نظام الأسد أصعب وأوسع وأكثر قسوة من أن ينقلها الإعلام أو الضحايا الذين نجوا.

منذ سنوات، زرتُ صديقتي اللبنانية في بلدتها القريبة من الحدود السورية، استضافتني لأيام، اختبرت فيها بلدة هادئة، تبدو بعيدة عن الخوف الذي عشته تحت حكم النظام السوريّ، أو هذا ما كنت أظنه، إذ لم يخطر في بالي أن تحضر إحدى أدوات نظام الأسد في بلدة لبنانية صغيرة.

كنّا نتمشى أنا وصديقتي  في أحد شوارع البلدة حين أشارت لي بيدها قائلة: “أتعلمين أن النظام السوري كان يستخدم هذه المدرسة كمعتقل؟”. هكذا إذاً يحضر نظام الأسد ويتغلغل في حياة اللبنانيين كما السوريين. كانت صديقتي طفلة حينها، وكان والدها يخشى عليها وعلى أختها من عناصر النظام السوري المنتشرين في البلدة، لذلك كان يمنعهما من الخروج ليلاً.

تتكرر القصص من هذا النوع في المجتمع اللبناني، صديقة أخرى من البقاع، أُجبرت قريبتها على الزواج من ضابط سوري، في زمن الوصاية السورية، لأن والدها كان يدرك أن الرفض، يعني أن يخطفها الضابط ويتزوجها بالقوّة.

تلك القصص يتجاهلها الكثير من المسؤولين في لبنان الذين “يطلبون” من السوريين العودة إلى بلادهم رغم معرفتهم بظلم نظام الأسد؟ فلماذا تتجاهل السلطة اللبنانية فظائع نظام الأسد في لبنان، التي طاولت شعبين لم يختبرا تحت حكم هذا النظام سوى الخوف والظلم؟

أذكر شعور الرعب الذي يعنيه الترحيل من لبنان، قبل سنوات كنتُ سورية عالقة في لبنان بانتظار الرحيل إلى بلد أوروبي، أقيم بطريقة غير شرعية، لا لأني اخترتُ ذلك، بل لأن “الجهات المختصة” لم تجدد إقامتي، رغم استيفائي جميع الشروط. استعيد تلك الأيام المرعبة مع انتشار موجة التحريض الجنونية، حاولت في البداية تخطّي الأمر، لكن لا يمكن تخطي مَن يتجاهلون الظلم ويدفعون بالضحايا إلى الموت.

ترددتُ في الكتابة، لم أرد تصديق الخوف مرة أخرى، أردت أن يكون كل شيء على ما يرام، دون قلق أو رعب، على من أحب وعلى أصدقائي في ذلك البلد الصغير والطيب، الذي مرّ عليه آلاف السوريين، عبروا مطاره ونجوا.

كان لبنان محطّ السوريين نحو نجاة محتملة، لم أرد التفكير باحتمال عودتنا إلى نظام الأسد، لذلك أدركُ شعور الخوف، كلما سمعت عن مداهمة جديدة وكلما علا خطابٌ عنصريّ ضد أناس لا حول لهم ولا قوة، ينتظرون مصيرهم ويسألون بعضهم: “يعني رح يرحلونا؟”.

من لم يعش المأساة السورية، لن يدرك الرعب الذي ينتظر السوريين في وطنهم، تجربة العيش في ظل  نظام الأسد أصعب وأوسع وأكثر قسوة من أن ينقلها الإعلام أو الضحايا الذين نجوا. لذلك من المستغرب أن يكرس المسؤولون اللبنانيون خطاب العنصرية بعدما اختبر بلدهم ويلات نظام الأسد لسنوات، وأقصد هنا الحواجز، والنهب، والتخويف، وسلطة اللاقانون، والأهمّ رجال الأمن.

المفارقة أن الشعبين اللبناني والسوري اختبرا ديكتاتورية نظام الأسد، ومثلما شعر اللبنانيون يوماً بالخوف من هذا النظام، وكانوا محظوظين بخروجه من أرضهم، نشعر نحن السوريين أيضاً بالخوف والعجز، لذلك هربنا، لم نُرد أن نترك بيوتنا وحاراتنا وأصدقاءنا وأراضينا وأشجارنا، لكن من حق الواحد منّا أن ينجو بحياته.

يحنّ كل سوري ترك بلاده إلى “أرضه”، يحن إلى كرم الزيتون الذي يملكه في إدلب، ودالية العنب في السويداء، والكرز في قرى جبل الشيخ  تغوي القسوة لتصير أكثر رقة. هذا الحنين معلّق، رغبة العودة لا تتلاشى، لكن ببساطة، لا نستطيع أن “نرجع”، لا لصعوبة القرار، بل لأن “القاتل” ينتظرنا، ويصادر ما نملكه.

يعيش اللبناني أزمة اقتصادية غير مسبوقة، لا يمكن تجميل الواقع، يقع لبنان تحت وطأة أزمات كبيرة، لكن السؤال الجدّي: هل السوري هو سبب هذه الأزمة حقاً؟.

 تمتلك السلطة اللبنانية ذاكرة السمك فيما يخص اللاجئين السوريين، إذ تتناسى الحقائق البسيطة، فالسوريون ليسوا السبب المباشر للأزمة اللبنانية، هم ببساطة “كبش محرقة” للسلطة الفاسدة، وحين اختار سياسيو لبنان استقبال اللاجئين، كانوا يدركون تماماً تبعات الخيار الذي اتخذوه، سياسياً واقتصادياً، كان خيارهم منطقياً ،حتى قرروا العكس.

 إن كان قرار استقبال اللاجئين اتُخِذ دون استراتيجة أو تفكير بأبعاده، فهناك مشكلة إذاً في أهلية وجدارة هذه الحكومة، وفي أخطاء كارثية ترتكبها عن عمد،  وتهدد حياة كلّ اللبنانيين، كالودائع العالقة في المصارف مثلاً! . بدل التوقف عن بث “خطاب الكراهية”،الأجدر وضع خطط استراتيجية لا تنتهك حقوق اللاجئين، استراتيجية تقوم على ضمان حمايتهم من نظام الأسد أولاً، وتأمين البنية التحتية والمساعدات الكافية، او التفكير قليلاً بقضية اللجوء السوري، وحقيقة “العودة الطوعيّة”، التي  لا يمكن وصفها سوى برمي الناس إلى حتوفهم.

الاستهانة بمخاوفنا كسوريين تتضمن ادعاء حقائق تبدو للوهلة الأولى منطقية، كمن يدخلون إلى سوريا في فترة الأعياد، لا نعترض على هذا الأمر، بالطبع هناك موالون لنظام الأسد، ليس لديهم أي مشاكل أمنية مع النظام، وهناك طلاب سوريون يدرسون في لبنان. لكن ألا يجب التعامل مع هؤلاء والتأكد من وضعهم، ومن أن عودتهم آمنة، وتحديد أعدادهم بالأرقام، وتوضيح إن كانوا لاجئين أصلاً؟ لماذا تُعمم الحالة على كل السوريين، وبأنهم كلّهم سبب المشكلة! .

خطاب “من انتخب الأسد في لبنان يجب أن يعود”  يحوي سذاجة ما، أو على الأقل، عدم دراية بـ”سوريا الأسد”،  إذ فعلاً يُفاجئ للوهلة الأولى من يشاهد صوراً وتقاريراً عمن يعيش لاجئاً في لبنان ثم يذهب لينتخب الأسدّ!.

يمكن تفسير ما سبق بكلمة واحدة ” الخوف”، فشكوك اللبنانيين بعدم وجود معارضة وأن انتخاب بشار يعني أن الوضع آمن وطبيعي، وهي شكوك مشروعة، لكن المحزن في الأمر ألّا أحد يدرك وكيف كان النظام يسجل قوائم المنتخبين ويطلب منهم الانتخاب.

كان موظفو شعبة “حزب البعث” يتصلون بالعائلات ويطلبون من أفرادها إرسال البطاقات الشخصية لانتخاب الأسد، لذلك يخشى اللاجئون رفض المشاركة في الانتخاب، فمن المتوقع أن يحاسبوا على خيارهم فيما لو عادوا إلى سوريا. ما زال نظام الأسد في أفكار السوريين، يلتهم حريتهم حتى بعدما تركوا بلادهم، المفارقة أن اللاجئ يخشى نظام الأسد وهو في بلد آخر، فكيف يمكن أن يتصرف بشكل” منطقي “وأن يرفض التصويت لبشار الأسد!.

الحل لا يتمثل ببقاء اللاجئ السوري في لبنان، على العكس نتمنى كسوريين أن نعود، وأن يساعدنا المجتمع الدولي على العودة الآمنة إلى بلادنا، لكننا نخشى ما تفعله السلطة اللبنانية، التي تتجاهل انتهاكات نظام الأسد، وتستخدم اللاجئين كورقة سياسيّة، تحاول عبرها النجاة والتستر على فسادها وأخطائها، بحق اللبنانيين أولاً ثم السوريين.

درج

———————————-

“بضل محبوس ولا برجع عسوريا”… السجناء السوريون في لبنان مهددون بالترحيل/ باسكال صوما

ضمن سلسلة “العودة الطوعية” التي سرعان ما تحولت إلى مداهمات وترحيل، يجد السجناء السوريون أنفسهم في مواجهة النظام السوري مرة أخرى، لا سيما أن معظم هؤلاء معارضون أو منشقون عن الجيش ومطلوبون للخدمة العسكرية.

ينشر بالتعاون مع “روزنة”/ “درج”

“أنا زلمي منشق تجي تقلي إنك رايح تسلمني للنظام السوري؟ لا خليني بالسجن، حتى لو كانت ظالمة العدالة اللبنانية بس يا أخي إني أنظلم أفضل من ما أموت”…

يقول أحد السجناء السوريين في رومية حين سألناه عن مخاوفه إزاء قرار الدولة اللبنانية أن تشمل موجات العودة والترحيل إلى سوريا، الموقوفين والمحكومين في لبنان.

وكأن السجن الذي يواجهه الموقوفون السوريون في أقبية السجون اللبنانية ليس كافياً، حتى جاء من يهددهم بالترحيل القسري إلى سوريا، فـ”الترحيل يعني الإعدام الحتمي” كما قال سجين آخر لمعدة التحقيق.

فضمن سلسلة “العودة الطوعية” التي سرعان ما تحولت إلى مداهمات وترحيل، يجد السجناء السوريون أنفسهم في مواجهة النظام السوري مرة أخرى، لا سيما أن معظم هؤلاء معارضون أو منشقون عن الجيش ومطلوبون للخدمة العسكرية.

فبحسب ما جاء في سلسلة مقررات الحكومة اللبنانية بعد الاجتماع الوزاري الذي عُقد في السراي، فقد نص البند الثامن من المقرر الذي تلاه وزير الشؤون الإجتماعية هيكتور حجار على إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السورية بشكل فوري مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة بالتنسيق مع الدولة السورية.

إثر ذلك، أصدر المعتقلون السياسيون والمعارضون للنظام السوري المحتجزون في سجون لبنان، بياناً عبروا فيه عن رفضهم لما يتم البحث فيه، مؤكدين ضرورة احترام صفتهم كإنسان وعدم إنتزاع حقوقهم تحت أي ذريعة وهو ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

خوف و قلق من تداعيات القرار…

علت الصرخات من داخل السجون بعد الحديث عن احتمال ترحيل السجناء السوريين في لبنان للنظام السوري، لعدم تنفيذ مثل هذه القرارات لأن تداعياتها ستشكل خطراً على حياة السجناء وهو ما يخالف الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، كما يؤكد المحامي محمد صبلوح لـ”روزنة”، مشيراً إلى أنه ينتهك القانون والإنسانية والمنطق.

وفي اتصال أجريناه مع أحد السجناء من داخل سجن رومية وصف لنا أن السجناء في حالة خوف وترقب لما يمكن أن يحدث في الأيام المقبلة.

يقول أحمد (اسم مستعار) إنه  يشعر بالخوف والعجز حيال ما يحصل وما يمكن أن يحصل مستقبلاً، فالتسليم للنظام السوري، يعني الموت…

“نحنا اليوم شو عاملين وشو مساويين لحتى يصير فينا هيك؟” يسأل أحمد، مضيفاً: “مستعد إبقى محبوس طول العمر بلبنان ولا إرجع عسوريا”.

 كما و يعتبر ربيع أن مجرد التفكير بإمكانية العودة إلى سطوة النظام يمكن أن تسبب له فوبيا .

“فوق الموت عصة قبر” هكذا يصف سجين آخر حالة النزلاء السوريين خلف القضبان بعد سماعهم الخبر، فإضافة إلى سوء الخدمات والاكتظاظ وحرمانهم من رؤية أحبائهم بسبب كلفة المواصلات، فإنهم يواجهون الآن خطراً حقيقياً في حال بدأت السلطات اللبنانية تنفيذ قرارها.

ليس التهديد وإساءة المعاملة جديدين على ملف السجناء السوريين في لبنان، ففي تحقيق بعنوان “تحت التعذيب سأعترف بأي شيء”… سجناء سوريون في “المسلخ” اللبناني”، عرضنا شهادات سجناء مورست عليهم أشد أنواع التعذيب فتكاً واضطر بعضهم إلى الاعتراف بأي شيء حتى يبقوا على قيد الحياة.

يضاف إلى ذلك نوع آخر من التعنيف والذي يقع على كل السجناء وهو ضعف الخدمات الصحية وتردي جودة الغذاء، علماً أننا تواصلنا مع سجناء يعانون من من مشكلات صحية بسبب تعرضهم للتعذيب.

وهو ما وثقته أيضاً “منظمة العفو الدولية” في تقرير صدر عام 2021، بعنوان “كم تمنيت أن أموت: لاجئون سوريون احتجزوا تعسفياً بتهم تتعلق بالإرهاب وتعرضوا للتعذيب في لبنان”. وفيه تحدثت عن سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبها بشكل أساسي جهاز مخابرات الجيش اللبناني ضد 26 محتجزاً، من ضمنها انتهاكات المحاكمة العادلة، والتعذيب الذي يتضمن ضرباً بالعصي المعدنية، والكابلات الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية. كما وصف المحتجزون عمليات تعليقهم رأساً على عقب، أو إرغامهم على اتخاذ أوضاع جسدية مُجهدة لفترات طويل .

تشير الأرقام إلى أن حوالي 27 في المئة من السجناء في لبنان هم سوريو الجنسية، معظم هؤلاء تم توقيفهم بقضايا إرهاب مرتبطة بمعارضتهم النظام السوري أو انشقاقهم عنه، هؤلاء اليوم تريد الدولة اللبنانية تسليمهم إلى قاتلهم بلا رحمة.

——————————–

“تحت التعذيب سأعترف بأي شيء”…سجناء سوريون في “المسلخ” اللبناني/ باسكال صوما

يوثق هذا التحقيق معاناة السجناء السوريين في رومية وغيره من مراكز التوقيف والتحقيق، بناءً على شهادات عدد منهم من داخل زنزاناتهم، وقد تقاطعت الشهادات لتؤكد وجود تعذيب، وتبني اعترافات تحت التعذيب، مع انتهاكات حقوقية عدة وسوق معظمهم إلى المحكمة العسكرية، إضافة إلى مشكلات أخرى من رداءة الطعام إلى تردي الخدمات الصحية.

على فُرش لم ترَ الشمس منذ سنوات، ينام سجناء رومية وهم حوالى 3700، يحاولون حشر أجسادهم قدر المستطاع، فالاكتظاظ هنا يتراوح بين 190 و380 في المئة، ويبلغ عدد السجناء غير المحكومين بعد نحو 79 في المئة من العدد الإجمالي.

إنها أجساد يحتفظ الكثير منها بآثار التعذيب والمعاملة السيئة أثناء التحقيقات التي يتحول بعضها إلى جلسات ترهيب نفسي وجسدي. وفي أحسن الأحوال تبدو تلك الأجساد الهزيلة انعكاساً لرداءة الطعام وسوء الخدمات الصحية والإنسانية وتأخر المحاكمات، وهي معاناة زادت حدة مع الأزمة الاقتصادية وإضراب القضاة والتحديات التي فرضها “كورونا” ثم “الكوليرا” في مرحلة لاحقة.

وهو ما أدى إلى وفاة 19 سجيناً عام 2022 حتى كتابة هذا التحقيق في السجون اللبنانية، بسبب التقصير في تأمين الأدوية والاستشفاء وتجاهل استغاثات المرضى.

يركّز هذا التحقيق تحديداً على معاناة السجناء السوريين في رومية وغيره من مراكز التوقيف والتحقيق، بناءً على شهادات عدد منهم من داخل زنزاناتهم، وقد تقاطعت الشهادات لتؤكد وجود تعذيب، وتبني اعترافات تحت التعذيب، مع انتهاكات حقوقية عدة وسوق معظمهم إلى المحكمة العسكرية، وهي محكمة استثنائية ألغتها الكثير من البلدان المتقدمة أو قلصت صلاحياتها لتقتصر على القضايا المتعلقة بالعسكر والثكنات العسكرية.

يضاف ذلك إلى مشكلات أخرى من رداءة الطعام إلى تردي الخدمات الصحية. وقد فضلنا عدم ذكر الأسماء الكاملة لشهودنا، بعد التواصل مع جهات حقوقية، حفاظاً على سلامتهم ولعدم تعريضهم لمزيد من العنف.

هذا العنف كانت وثقته “منظمة العفو الدولية” في تقرير صدر عام 2021، بعنوان “كم تمنيت أن أموت: لاجئون سوريون احتجزوا تعسفياً بتهم تتعلق بالإرهاب وتعرضوا للتعذيب في لبنان”. وفيه تحدثت عن سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبها بشكل أساسي جهاز مخابرات الجيش اللبناني ضد 26 محتجزاً، من ضمنها انتهاكات المحاكمة العادلة، والتعذيب الذي يتضمن ضرباً بالعصي المعدنية، والكابلات الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية.

كما وصف المحتجزون عمليات تعليقهم رأساً على عقب، أو إرغامهم على اتخاذ أوضاع جسدية مُجهدة لفترات طويلة.

وقد سألت معدة التحقيق (منظمة العفو)”أمنستي” إن كان أي قد أجري أي تحقيق رسمي بعد نشر التقرير، فأتت الإجابة بالنفي وأنها لم تتلقَّ أي خبر في هذا السياق، ويعني ذلك استمرار الممارسات غير الإنسانية، في ظل مبدأ عدم المحاسبة والفوضى المتواصلين.

من هذا المنطلق، يحاول هذا التحقيق رصد المزيد من هذه الممارسات غير القانونية وغير الإنسانية، التي لم تتوقف، وصولاً إلى وفاة الشاب السوري بشار عبد السعود تحت التعذيب بعد أيام من اعتقاله في آب/ أغسطس 2022. وهذه لم تكن حالة الوفاة الوحيدة للاجئ سوري تم اعتقاله وفارق الحياة أثناء التوقيف.

فعام 2017، تسلّم أهالي عرسال جثث 3 معتقلين سوريين توفوا بعد توقيفهم وتحت أثر التعذيب، إثر اعتقالهم في حملات الدهم على مخيم عرسال، وقد نفى الجيش اللبناني حدوث التعذيب، مرجعاً أسباب الوفيات إلى تدهور الحالة الصحية للمحتجزين.

التعذيب حتى التوقيع

اعتقل محمد (اسم مستعار) في مطار بيروت الدولي، في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بتهمة الانتماء إلى “جبهة النصرة”، واقتيد إلى مخابرات الجيش. 

“24 ساعة واقف على إجريي مطمش وإيديي لورا مكلبش”، يقول محمد إنّ التحقيق معه لدى مخابرات الجيش بدأ على هذا النحو.

ولم يُترك أثناء التحقيق معه مكان في جسده لم يتلقَّ ضربات وبشتى الوسائل، بدءاً بالركل والرفس مررواً بالتعليق بـ”البلانكو”(رافعة) والضرب بالعصا إلى الضرب على الرأس بالسلاح حتى نزول الدم والتعذيب بالكهرباء، وكل ذلك كان يتخلله الكثير من الشتائم والتهديد بالتسليم للنظام السوري، “شو بدكم بعترفلكم قلتلن، تحت التعذيب سأعترف بأي شيء”، يقول محمد إنه اضطر للاعتراف تحت الخوف والتعذيب بالإضافة إلى إجباره على التوقيع على أوراق لا يعلم ماذا بداخلها.

لم يسلم محمد من الضرب والتعذيب داخل المحكمة العسكرية التي اقتيد إليها لاحقاً، حيث تهجّم عليه 5 عناصر قبل وضعه في زنزانة منفردة لمدة 5 أيام.

وعندما وقف أمام أمام قاضي التحقيق صمّم السجين أن يُريه ما كان يتعرض له من ضرب مبرح تظهر آثاره بشكل واضح على جسده، فطلب من كاتب المحكمة أن يُسجل ذلك، ولكنه لا يعلم إن كان قد فعل ذلك أم لا.

أما في سجن رومية فكانت حلقات العنف شديدة أيضاً إذ تعرّض للكثير من الضرب والتكسير، فقد اجتمع عليه في “الأمانات” عناصر وبدأوا بضربه ورفسه، وقبل اقتياده إلى مبنى “د” تعرض أيضاً في غرفة تغيير الملابس للكثير من الضرب والتعذيب على حد قوله…

يقول السجين إن الرقيب هناك أمر بوضعه في المبنى “ب” لأنه لا يتحمل مسؤولية ما يمكن أن يتعرض له داخل مبنى “د”، وأمر بإحضار طبيب شرعي لمعاينة الكدمات التي على وجهه، ولا يعرف تحديداً ماذا حصل بالعناصر المعتدين بعدها.

بعد فترة تم إخراج محمد إلى الأمن العام، وهناك تكرر السيناريو الذي عايشه أثناء فترة التحقيق إذ تُرك واقفاً على قدميه وبلا طعام مدة 24 ساعة، ومورست عليه كل أساليب الوحشية.

عاد بعدها إلى رومية، ليواجه مأساة الطعام الرديء والاكتظاظ والعنصرية.

تضم سجون لبنان (19 سجناً للرجال و4 سجون للنساء وواحد للأحداث وواحد للقاصرات)، أكثر من 8000 سجين، من ضمنهم 20.9 في المئة فقط من المحكومين، أي أن هناك 79.1 في المئة من المساجين غير محكومين.

تعاني سجون لبنان من ثلاث مشكلات بحسب وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، “أولها الاكتظاظ، حيث بلغت نسبة المساجين 323 في المئة من القدرة الاستيعابية إضافة إلى مشكلة الطبابة والتغذية”.

ويزداد الأمر سوءاً في سجن رومية الذي تبلغ قدرته الاستيعابية حوالى 1500 سجين، فهو يضم حالياً حوالى 3700 إلى 4000 سجين.

ويعدّ سجن رومية من أكبر السجون في لبنان، وقد بدأ بناؤه شرق العاصمة بيروت في ستينات القرن الماضي، ليتم افتتاحه عام 1970.

ويتوزع السجناء على 5 مبانٍ هي: مبنى المحكومين ومبنى الأحداث (يضم الجناح “و” التأديبي)، والمبنى “د” والمبنى “ب” والمبنى “ج” الذي تم إنشاؤه مؤخراً. وعلى مدار الأعوام الماضية شهد السجن احتجاجات عدة، في محاولة من السجناء للضغط على المسؤولين لتحسين وضعهم وتسريع المحاكمات، وصولاً إلى المطالبة بالعفو العام، إلا أن القوى الأمنية تمكنت في كل مرة من ضبط الوضع، واستخدمت العنف في أكثر من مناسبة لضبط الأمور، بدل العمل على معالجة سبب هذه الاحتجاجات وهو الظلم واللاإنسانية.

توقيفات عشوائية وطعام رديء

في هذا الإطار، يشير محمد صبلوح وهو محام يعمل في مجال حقوق الانسان لمعدة التحقيق إلى أن وضع السجناء الصعب يعود إلى فترة ما قبل ثورة 17 تشرين أول/أكتوبر 2019.

وأن نسبة 80 في المئة من السجناء كان أهلهم يقومون بإحضار ما يحتاجونه من طعام أما النسبة المتبقية من السجناء والتي تتراوح بين 20 و25 في المئة، فتجبر على طعام السجن، والذي يصفه صبلوح بـ”الرديء جداً إضافة إلى احتوائه على الحشرات مثل الصراصير في بعض الأحيان”.

يضاف ذلك إلى التوقيفات العشوائية، بالإضافة إلى عدم الالتزام في تطبيق المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لجهة التوقيف الاحتياطي التي حددت مهلة التوقيف في الجنح بشهرين وهي قابلة للتجديد لتصبح 4 أشهر، أما في الجنايات فهي 6 أشهر قابلة للتجديد لمدة مماثلة لتصبح سنة باستثناء الإرهاب والمخدرات.

ولكن بحسب صبلوح فإن القضاء لم يلتزم بهذه المدة، مشيراً إلى وجود سجناء مرّ على توقيفهم أكثر من 3 سنوات دون محاكمة بحجة النقص في أعداد القضاة، علماً أنه منذ عام 2019، المحاكمات شبه متوقفة بسبب “كورونا” سابقاً ولاحقاً بسبب إضراب المحامين.

موقوف منذ 2014

تخبر بدرية (اسم مستعار) حكاية ابنها، الذي اعتقل بعد أحداث عرسال (المعركة بين الجيش اللبنانية وعناصر من جبهة النصرة وداعش) عام 2014، حين قام الجيش اللبناني بمداهمة المنطقة ومخيمات اللاجئين السوريين هناك، وجرى اعتقال كثيرين، بينهم ابنها. زوج بدرية أوقف سابقاً في الأمن العام أيضاً، عندما كان ينجز أوراقه هناك بتهمة تسيير أعمال الإرهابيين وقد اعتُقل لمدة سنتين وتم إطلاق سراحه بعدها.  

وفي تفاصيل القصة، تقول والدة السجين لؤي (اسم مستعار) إنه بعد فترة الاعتقالات بدأ الجيش باطلاق سراح المعتقلين من دون أن يخرج ابنها معهم حتى علمت بعد نحو شهرين أنه في سجن رومية.

بحكم الأوضاع المادية التي تمر بها العائلة لم تكن بدرية تستطيع أن تزور ولدها إلا مرة كل 6 أشهر، فلؤي هو المعيل لعائلته وكان يعمل في تنجيد المفروشات وهي المهنة التي حملها معه من بلد لجوئه إلى لبنان.

في الزيارة الأولى لاحظت انتفاخاً وتورماً في عين ولدها، إضافة إلى حلق شعره على “الصفر”.

“كتير صعب وضعو تعرّض لكتير تعذيب، واضطر يعترف تحت التعذيب”، علماً أن تهمته هي الإرهاب، وهي التهمة التي يسهل وصم السوريين في لبنان بها، وقد حكم لؤي بالسجن 20 عاماً علماً أنه اعترف تحت التعذيب بانتمائه لـ”جبهة النصرة”.

أصيب لؤي بأمراض عدة داخل السجن ما زاد من معاناته: “كورونا”، ثم أمراض جلدية وعانى من تآكل أسنانه بسبب غياب الرعاية الصحية والوقائية، علماً أنه دخل السجن حين كان في الثامنة عشرة.

“عندهم قلة بالأكل والشرب والدواء”، بهذه الكلمات تصف بدرية وضع السجناء داخل رومية، وبسبب ظروفها المعيشية الصعبة لا تستطيع أن تمدَّ ولدها بما يحتاجه من طعام وشراب، بالإضافة الى غلاء الأسعار في حانوت السجن، “كأنه يدفع ثمن طعام في أوتيل 5 نجوم” على حد قولها، يُضاف الى كل ذلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمنعها من زيارة ابنها، علماً أنه قد مر على آخر زيارة لابنها في السجن ما يقارب السنتين.

سجن أم مكان للاحتضار

“نحنا مش عم نعاني نحنا عم نموت” هي عبارة أطلقها أحد السجناء ليصف وضعه.

يصف سامي (اسم مستعار) الوضع الصحي داخل أقبية رومية بالخطير، فالخدمات الطبية والصحية معدومة هناك على حد قوله وعلى السجين أن يتحمل جميع المصاريف، من الوصفة الطبية الى الصورة الشعاعية وحتى العملية الجراحية، وبالدولار، من دون أن تتكبد إدارة السجن أياً من هذه المصاريف.

يقول سامي إنه غالباً ما يتم تأمين علاج السجناء من خلال شاويش المبنى المدعو الشيخ عمر الأطرش، الذي يتواصل مع جمعيات وأشخاص لتأمين علاج الحالات التي تستدعي دخول المستشفى.

لا يقف الأمر عند هذا الحد. فبحسب سامي، هناك انتشار كبير للأمراض الجلدية وتخوف من الكوليرا، بسبب طبيعة المياه التي يستخدمها السجناء.

أما عن الأكل الذي يُقدم للسجناء فحدّث ولا حرج. منذ بداية الأزمة الاقتصادية بدأت كمية الأكل المقدمة تتناقص كما بدأت تتراجع نوعيته، فبعدما كانت وجبة الدجاج تُقدم للسجناء مرتين في الأسبوع الواحد، أصبحت تُقدم مرتين في الشهر أي كل أسبوعين مرة، ويتم تقسيم حبة الخضار أو الفاكهة على سجينين أو أكثر، كما يقول.

تهمة جاهزة

يروي أحد السجناء السوريين وهو موقوف منذ عام 2019 (من دون محاكمة) تعرّضه للتعذيب النفسي والجسدي خلال التحقيق معه، مشيراً إلى أن الموقوف لا يستطيع حتى التزام الصمت، عليه أن يخترع رواية ويعترف بها حتى يتوقف التعذيب.

كريم متهم بالإرهاب وهو حالياً في سجن رومية، لكنه يوضح لمعدة التحقيق أنه تعرض لإصابة في 2012 سبّبت له إعاقة دائمة في يديه تمنعه حتى من حمل السلاح.

كريم:”معظم الذين تم توقيفهم تم استدعاء أهاليهم لتهديدهم بهم، والتهمة دائماً ما تكون جاهزة، وهي غالباً الإرهاب”.

“خلال 34 شهراً من الحبس، لم يتم استجوابي سوى مرة واحدة فدائماً ما تؤجل الجلسات داخل المحكمة العسكرية بحجة انتشار وباء كورونا أو غياب القضاة أو إضرابهم” على حد قول كريم.

“لأنه نحنا سوريين ما في حدا بيحكي فينا”، هكذا يصف كريم الإهمال الذي يطاول السوريين داخل رومية وتكمن المشكلة الأكبر بحسب رأيه في المماطلة بالمحاكمة التي “تحرق” أجمل سنوات عمره وعمر زملائه.

27 بالمئة من السجناء سوريون

راسلت معدة التحقيق المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي- شعبة العلاقات العامة للحصول على رد وتوضيح بخصوص شهادات السجناء، لكنها لم تلقَ أي إجابة حتى نشر هذا التحقيق.

وبالتواصل مع مصدر أمني من داخل السجون فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إن نسبة الاكتظاظ تفوق الـ200 في المئة في سجون لبنان كلها، وتبلغ ​نسبة السوريين 27 في المئة من مجموع سجناء لبنان وليس فقط في رومية.

إلا أن المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، خلال مؤتمر صحافي حول خطة معدّة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، قال إن “42 في المئة من مجموع المسجونين في لبنان هم من الجنسية السورية وهذا يشكل ضغطاً إضافياً علينا”.

ويشير المصدر إلى غياب أي خطة فعلية لإدارة هذا الاكتظاظ، سوى اقتراح وزير الداخلية قانون تخفيض السنة السجنية إلى 6 أشهر وهو إقتراح مضر وغير فعال، و إلى حقيقة وجود حالات تعذيب من دون أن تكون منظمة ودائمة، وهي غالباً ما تحدث خلال التحقيق أي في مرحلة التوقيف الأولى في المخافر والمراكز الأمنية وليس في السجن بعد انتقال الموقوف إليه.

ويؤكد أيضاً أن الأزمة الاقتصادية أثرت بالطبع في نوعية الغذاء والخدمات الطبية المؤمنة للسجناء من قبل قوى الأمن الداخلي.

وهو ما أكده سجناء تواصلنا معهم من داخل زنزاناتهم، مشيرين إلى أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع الاسعار داخل حانوت السجن، أجبرا معظمهم على الاعتماد على طعام السجن السيئ، بعدما كانوا يشترون طعامهم من الحانوت.

ويصف المحامي محمد صبلوح وضع السجون بـ”المأساوي لناحية الطعام والطبابة”، وقد أدى هذا الأمر إلى وفاة 7 أشخاص في شباط/ فبراير الماضي وقد طلب حينها أن يُفتح تحقيق دون أي جدوى، مشيراً إلى أن الإهمال الطبي أدى في مرات عدة إلى وفاة سجناء، وهي مسؤولية يحمّلها صبلوح للحكومات المتعاقبة وإلى الجسم القضائي.

التعذيب للجميع

المعاملة السيئة من عنف وضرب تطاول اللبنانيين والسوريين على حد سواء ولكن تزيد حدتها على السوريين بسبب غياب من يتحدث باسمهم فمعظم السوريين داخل السجون يتم اتهامهم بالإرهاب “وعندما يكون السجين من الفئات المستضعفة، يسهل الاستقواء عليه ومحاولة نزع الاعترافات منه بالقوة”، يوضح المحامي صبلوح.

ويشير إلى أن السجون في لبنان ليست مركزاً لإعادة الإصلاح والتأهيل فقد يدخل السجين بتهمة “شيك” بلا رصيد ويخرج من السجن تاجر مخدرات، وذلك بسبب الاكتظاظ وسوء الرعاية وعدم وجود خطة إصلاحية، بالإضافة إلى الضرب والتعذيب والمعاملة السيئة، وبرأي صبلوح، فإن الحل يكمن في تولي وزارة العدل السجون بإدارة مدنية، ما يساهم في حل مشكلات السجون وتخريج سجناء منتجين في المجتمع.

مخالفات قانونية

وفق سجناء سوريين قابلناهم، أكدوا أن عدداً منهم سيق إلى التوقيف من مكان وجوده من دون توضيح السبب، أو السماح لهم بالاتصال بمحام، كما أن كثيرين رووا لمعدة التحقيق أنهم تحمّلوا المعاملة السيئة، على أساس عنصري وهو ما استشعروه خلال التحقيقات وطريقة التعاطي غير الإنسانية معهم، لأنهم سوريون.

ووفق تقرير “منظمة العفو الدولية”، فإن السلطات اللبنانية لم تف بواجباتها في احترام حقوق اللاجئين السوريين الذين ألقت القبض عليهم واحتجزتهم بتهم تتعلق بالإرهاب. علماً أن القانون الدولي يحظر إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن بلا أساس قانوني.

كما يكفل قانون حقوق الإنسان الحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أو العقوبة. وينبغي للسلطات أن تجري تحقيقاً في مزاعم التعذيب، كما أنه لا تجوز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية في لبنان لأنها لا تستطيع تقديم ضمانات المحاكمة العادلة. 

بشار عبد السعود والموت تحت التعذيب

بشار عبد السعود هو القصة الأجدد في ذاكرتنا عن لاجئ يموت تحت التعذيب أو في السجن، وفي تواصلنا مع أخيه باسل أخبرنا أنه كان مع أخيه يتناولان العشاء معاً، احتفالاً بوصول باسل بالسلامة من الإمارات ليزور أخاه في بيروت، كانا سعيدين، يتبادلان أطراف الحديث والذكريات، حين أتى عناصر أمن الدولة لاعتقال بشار من مكان إقامته في مخيم شاتيلا، من دون توضيح الأسباب.

في اليوم التالي، طُلب من العائلة أن تستلم جثة بشار… كثرت التهم بحق الأخير لكن تبين أن أياً منها لم يكن دقيقاً ولم يكن الرجل إرهابياً ولا تاجر أسلحة، لكنه مات تحت التعذيب بكل بساطة، وليس إثر نوبة قلبية وفق الرواية التي حاول البعض ترويجها، وأقفل الملف.

لأن حياة الفقراء غير مهمة، وحياة اللاجئ غير مهمة. لذلك لا شيء يؤكد أو يطمئن إلى أن بشار عبد السعود سيكون آخر ضحايا التعذيب في “مسلخ” السجون اللبناني.

قال حقوقيون وأقارب للاجئين سوريين احتجزتهم قوات الأمن في لبنان ورحلتهم إلى سوريا إنهم يُعتقلون ويُجندون قسرياً لدى عودتهم إلى وطنهم الذي تمزقه الحرب، في حين كشف مصدر أن أكثر من 450 سورياً اعتُقلوا في أكثر من 60 مداهمة للجيش اللبنان في أبريل/نيسان الماضي، وجرى ترحيل أكثر من 130 منهم.

إذ قال البعض إن الفرقة الرابعة بجيش النظام السوري التي يرأسها شقيق بشار الأسد تحتجز أقاربهم. وفُرضت عقوبات على هذه الفرقة بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان.

وتقول منظمة العفو الدولية إن عمليات الترحيل “انتهاك واضح” من لبنان للقانون الدولي بموجب مبدأ “عدم الإعادة القسرية”، الذي يمنع الدول من إعادة أي شخص قسراً إلى بلد يحتمل أن يتعرض فيه للاضطهاد.

ولم يرد نظام الأسد على طلب رويترز للتعليق. ورفض الجيش اللبناني، الذي ينفذ عمليات الترحيل -بحسب منظمة العفو الدولية وعمال إغاثة وشهود- التعليق.

ويؤوي لبنان زهاء 800 ألف سوري مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين عقب فرارهم من بلادهم منذ تفجر الحرب فيها عام 2011. وتقول السلطات اللبنانية إن العدد الفعلي للسوريين في لبنان هو مليونا شخص.

إلى ذلك، قال أحد اللاجئين لرويترز إنه اعتقل مع أشقائه الثلاثة في مداهمة بمخيم في لبنان أواخر أبريل/نيسان. ورحلت السلطات إخوانه؛ لأنه ليس معهم إقامة.

وأضاف، طالباً عدم نشر اسمه خشية تعرضه للانتقام: “تواصلوا معي من داخل سوريا، كانوا محتجزين في مقر تابع للفرقة الرابعة، لا أعلم مصيرهم بعد”.

فيما قال لاجئ آخر إن الفرقة الرابعة احتجزته لفترة وجيزة بعد ترحيله؛ لكنه دفع أموالاً لمهربين ليعود إلى لبنان.

في السياق، قال مركز وصول لحقوق الإنسان، وهو منظمة حقوقية، إنه وثق احتجاز الفرقة الرابعة لما لا يقل عن اثنين من السوريين المرحلين. ودعا الحكومة اللبنانية إلى الوقف الفوري لعمليات الترحيل.

لا مبرر للترحيل

في غضون ذلك، قال مصدر كبير في مجال الإغاثة إن أكثر من 450 سورياً اعتُقلوا في أكثر من 60 مداهمة للجيش اللبناني أو عند نقاط تفتيش في أبريل/نيسان. وجرى ترحيل أكثر من 130 منهم.

ونقلت رويترز عن  مصادر أمنية لبنانية أن المداهمات كانت تستهدف سوريين ليس لديهم أوراق إقامة سارية، مضيفة أن ترحيلهم يحدث لعدم وجود أماكن في السجون اللبنانية لاستيعابهم.

والأسبوع الماضي، دعا وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال أجهزةَ الأمن لتشديد القيود على الذين لا يحملون أوراق إقامة سارية، لكنه قال إن عودتهم لبلادهم ستكون “طوعية”.

وقال مصدر كبير آخر في مجال الإغاثة إن لبنان رحّل سوريين مسجلين لدى الأمم المتحدة، بينهم قُصر دون ذويهم. فيما أشار  المجلس النرويجي للاجئين إلى أن أحد المستفيدين من أحد برامجه الشبابية من بين المرحلين.

كما قال سوري طلب الاكتفاء بنشر اسمه الأول (إسماعيل) لرويترز إن قوات الأمن اللبنانية اقتادت أبناءه الثلاثة (حسن وعماد ومحمد) خلال مداهمة لمنزلهم ورحّلتهم؛ لأنه ليس لديهم أوراق إقامة سارية.

وأضاف: “عماد ومحمد طالبين للخدمة الإلزامية.. هلق صاروا عند بيت أصدقائنا بس بدهن يراجعوا المركز خلال ها الأسبوع ليبدأوا بالخدمة”.

وأردف: “حسن بس عمره 15 وعمّ يصير معه رفّات بالقلب من وراء الخوف”.

يأتي هذا فيما أعرب يوسف، وهو لاجئ سوري يرعى طفلين وحده، عن خوفه من احتمال ترحيله وتجنيده إجبارياً لدرجة أنه لم يعد يخرج من منزله في لبنان.

وأضاف: “هذا التمييز الدائم بيخلق حالة من الخوف إنك تتعرف على ناس جداد، على جارك أو على الدكنجي (صاحب الدكان)”.

ووثقت منظمة العفو الدولية أربع حالات على الأقل لاعتقال سوريين بعد ترحيلهم من لبنان، إضافة إلى حالات منفصلة للتجنيد الإلزامي.

من جهتها قالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، “ما من مبرر على الإطلاق للدولة اللبنانية لانتهاك التزامها القانوني الدولي بإعادة اللاجئين بإجراءات مختصرة إلى بلد يخشون فيه الاضطهاد”.

وأضافت آية مجذوب إنه تزامن مع عمليات الترحيل في أبريل/نيسان موجة من خطاب الكراهية وإجراءات تقييدية من البلديات اللبنانية التي تستضيف السوريين وتعليقات لمسؤولين أوجدت “بيئة قمعية” تضغط على اللاجئين للمغادرة.

وفي مارس/آذار الماضي، قالت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إن سوريا “لا تزال مكاناً غير آمن للعودة إليه”، جزئياً بسبب استمرار عمليات الاعتقال وانتهاكات قوات الأمن لحقوق الإنسان.

——————————–

اختلاق تهديد اللجوء السوري مدخل لتبرير بقاء سلاح الحزب/ شادي علاء الدين

يبحث حزب الله باستماتة عن وظيفة جديدة لسلاحه بعد أن سقطت الأساطير التي كان يستند إليها لشرعنة هذا السلاح وإيجاد دور له. أسطورة الدفاع عن البلاد ضد العدو الإسرائيلي باتت صيغة غير صالحة للتوظيف بعد كل ما ظهر إلى العلن من صيغ تفاهمات لم ينجح في إيجاد تخريجات لها أو تظهيرها في سياقات تخالف واقعها.

وكذلك لم تفلح محاولات إعادة إحياء صورة المقاومة عبر إطلاق مجموعة من الصواريخ الخلبية على إسرائيل من الداخل اللبناني ونسب الأمر إلى منظمات فلسطينية.

الأسطورة الثانية التي سقطت لبنانيا بشكل عام وداخل البيئة الحاضنة بشكل خاص هي أن ذلك السلاح كان يخلق دورا خاصا للبلد يمنع استفحال الأزمات الاقتصادية، وما يغرق فيه البلد حاليا من انحدار غير مسبوق في المستوى الاقتصادي يشهد على نهاية تلك الأسطورة.

تنطلق حاليا مسارات التسويات الشاملة والكبرى انطلاقا من ربط السياسات الداخلية للبلاد بتصفير الأزمات والمشكلات والتفرغ لتطوير الاقتصاد. الأمن الذي تفترضه تلك المشاريع الكبرى لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل وجود بؤر متفلتة من السلاح يمكنها تهديد تقاطع مصالح عريض واستثمارات كبرى.

فشل الحزب في اصطناع دور له في المعادلات الجديدة التي تجري بوتيرة متسارعة، وظهرت إلى العلن ملامح احتقار الطرف الإيراني الذي يشغله له ولدوره كما تجلى في عدم إطلاع قيادات الحزب، وعلى رأسهم نصر الله، على مسار الاتفاقات مع السعودية وتركه يدلي بخطابات ظهر فيها في هيئة الغافل عما يجري، ليس في العالم ولكن في إيران نفسها.

يعني كل ذلك أن لا وظيفة ملحوظة للحزب وسلاحه في المرحلة المقبلة، وأنه متروك لمصيره.

من هنا لم يجد ما يستثمر فيه سوى أزمة اللجوء السوري التي كان صانعها والمتسبب فيها. الحملات على اللاجئين السوريين لم تتوقف، وتم اصطناع صياغات قانونية لها بغية شرعنتها ولكنها كانت دائما لا تنجح في أن تظهر إلا بوصفها أفعالَ بلطجة وتشبيح وخروج على القوانين والأعراف والأخلاق.

على سبيل المثال ومع مشاركة الحزب في المقتلة السورية لصالح بشار الأسد برز نظام قانوني في لبنان يسوّغ اعتقال أي سوري معارض في لبنان، ولعل عمليات ترحيل سوريين معارضين التي جرت منذ أيام قليلة برعاية الجيش اللبناني ليست سوى فصل جديد من محاولات منح الجرائم الواضحة التي ترقى إلى عمليات إعدام ميدانية مباشرة صيغة قانونية وشرعية ورسمية.

يعلم الجميع ومن دون أدنى شك أن تسليم أي سوري إلى النظام هو حكم إعدام خارج على القوانين المحلية والدولية، ومع ذلك يتم التسليم، فماذا يمكن أن يعني ذلك سوى أن الأمر مقصود ومبرمج ومنظم؟

لم يكن من قبيل المصادفة أن تقوم الحملات المستجدة ضد اللاجئين السوريين في إطار مناطق وبلديات تدور في فلك حزب الله، ولكن المفارقة أنه نجح في استدراج العديد من القوى التي تعتبر نفسها متناقضة معه إلى المشاركة في حملته بطرق مختلفة، ولكنها تتوحد في رفعها شعار تحميل اللاجئين السوريين المسؤولية التامة عن كل أزمات البلاد.

بدا حزب الله وكأنه المرشد الأعلى ليس لمن يدورون في فلكه بل للجميع، ونجح في اللعب على وتر العنصريات الكامنة وإشعالها لصالح مشروع منح سلاحه وظيفة جديدة، وهي الدفاع عن لبنان ضد ما يختلقه من تصوير اللاجئين كقوة احتلال.

حملته المسعورة التي شاركته فيها جل القوى السياسية كشفت عن خلل بنيوي أصاب التركيبة السياسية اللبنانية حيث بدت بلا عقل وبلا ضمير، وأكثر من ذلك بدت ساذجة ومفتقدة للأهلية وأظهرت الحزب بوصفه القوة القادرة على جر الجميع إلى ملعبها من دون بذل كثير من العناء.

يعاني الحزب من حصار محكم يفقد سلاحه أي دور أو وظيفة، فلماذا تعمد القوى السياسية اللبنانية إلى منح مشروع تجديد رخصة سلاحه شرعية بإظهار أن تلك الحملات المسعورة ضد اللاجئين تحمل خطابا لبنانيا عاما وليست بضاعة خاصة بالحزب وحده.

ومن ناحية أخرى كيف يمكن لصاحب عقل أن يتخيل أن اللاجئين السوريين في لبنان، والذين تفرض عليهم أقسى أنواع الحصارات الأمنية والمخابراتية، قادرون على الخروج في تظاهرات حاشدة، تستدعي تظاهرات موازية تغطي فكرة تسبب السوريين بحرب داخلية في لبنان يفترض للجمها تدخلُ سلاح الحزب.

وكذلك فإن عمليات الترحيل تقتصر على معارضي الأسد فكيف يمكن أن يكون مثل هذا السلوك الإجرامي مدخلا لحل مشكلة اللجوء؟

الأمر ليس سوى عملية تطهير وإبادة تمهد لإغراق البلد بموجات من الأسديين الذين يتحركون خارج أي رقابة، وتوظيفهم في خلق بلبلة أمنية منظمة في عدة مناطق، يستعملها الحزب لإخراج سلاحه إلى دائرة الضوء مجددا تحت عنوان حماية الأمن الداخلي.

يستتبع ذلك  فرض خيار رئاسي على غرار سليمان فرنجية، الذي يردد في كل إطلالاته أنه القادر دون سواه على أن ينتزع من سوريا الأسدية وإيران الخامنئية ما لا يستطيع غيره انتزاعه.

الفكرة في كل هذا المشهد الهزلي أنه ينطلق من واقع لم يعد موجودا. التأثير السوري والإيراني في الداخل اللبناني انحسر ولم يعد قادرا على الحسم في أي مجال وقدرته لا تتجاوز حدود افتعال مشكلات ومحاولة بيع حلول.

 لا يوجد من يشتري من حزب الله مثل هذه البضاعة الفاسدة. العالم سيتركه يحرق البلد ويحترق به، بينما يسير قطار التسويات بخطى واثقة، ولا يلتفت راكبوه إلى تلك المنطقة المنكوبة في العالم إلا بوصفها أرضا خرابا، يمكن إسقاطها من كل الخرائط وكأنها لم تكن يوما.

——————————

اللاجئون السّوريون و”العودة المستحيلة”/ عبدالوهاب بدرخان

اللاجئون والنازحون السوريون في دول الجوار الثلاث، تركيا ولبنان والأردن، كانوا عبئاً وظلّوا كذلك، لكنهم في الدولتين الأوليين صاروا مشكلة وأقرب إلى أزمة داخلية. في المؤتمرات الأولى للدول المانحة خاض الأردن كفاحاً دبلوماسياً شديداً للحصول على مساعدات تكفي لتغطية المتطلبات التي أثقلت على بناه التحتية. ودخلت تركيا في خلافات حادة مع الاتحاد الأوروبي قبل الاتفاق معه على مساهمة سنوية في تكاليف ضبط الهجرة وقوافل اللجوء. أما لبنان فتعامل مع مسألة اللاجئين بمزيج من القَدَرية والاستضافة الأخوّية وقصر النظر، واستغرق وقتاً قبل الاستفاقة إلى ضرورة الإشراف على حركة اللجوء وضبطها، مصراً على اعتبار السوريين الهاربين إلى أرضه “نازحين” لا يتوفر لهم الغطاء القانوني الدولي كما بالنسبة إلى “اللاجئين”. وكان الهاجس آنذاك أن لا يجد لبنان نفسه إزاء مشكلة لاجئين أخرى بعد تلك التي واجهها مع الفلسطينيين والمخيمات التي تجمّعوا فيها والسلاح الذي تحصّلوا عليه للدفاع عن أنفسهم، بعدما تكاثرت الاعتداءات الإسرائيلية عليهم، ثم انزلق البلد إلى الحرب الأهلية.

يُعرّف النازح، للمفارقة، بأنه الشخص الذي “لم يعبر حدود بلد خارجي طلباً للجوء”، بل بقي في بلاده “وإن كانت حكومته هي السبب في نزوحه”. ويُعزى اعتماد لبنان هذا التعريف في 2011 إلى أن حكومته آنذاك كانت من “لون سياسي واحد”، تحت هيمنة “حزب إيران/ حزب الله”، كما لو أنها ارتضت أن تمرّر على نفسها فكرة أن لا حدود بين لبنان وسوريا (علماً بأن الأخيرة لا تزال ترفض ترسيم الحدود بين البلدين)، وأن السوريين إذ يفرّون إلى لبنان، فإنهم لا يغادرون بلادهم. ومع أن أسباب “النزوح” لا تختلف كثيراً عن أسباب “اللجوء” (الهرب من الحروب والنزاعات المسلّحة، تعرّض المنازل للقصف والتدمير، الخوف من الاضطهاد والاعتقال والتعذيب، الزلازل والكوارث الطبيعية…)، إلا أن القانون الدولي يمنح اللاجئين حقوقاً ولا يجيز “إعادتهم إلى وطنهم إذا كانت حياتهم أو حريتهم معرّضة للخطر”. أراد لبنان تجنّب تلك الحقوق، لكن المفوضية الأممية للاجئين تستند إلى قرارات دولية توصي بأن تكون عودة اللاجئ/ النازح “آمنة وطوعية” وفي ظروف صالحة للعيش.

والواقع أن الدمار والمجازر وأعمال التنكيل في حماة وإدلب دفعت بجزء من النازحين إلى شمال لبنان (مخيمات عكار)، وفي مناطق الزبداني وريف دمشق ومخيم اليرموك والمعضمية والغوطة إلى الوسط (مخيمات البقاع)، وفي ريف حمص والقصير والقلمون إلى الشمال الغربي (مخيم عرسال)، وقد تعمّد “حزب إيران/ حزب الله” طرد السكان من المنطقة الأخيرة ليتخذها مستوطنة خاصة به، فزرعها معسكرات وأنفاقاً لتهريب الأسلحة والمخدرات، إذ أقام فيها ما عُرف باكراً بـ”مصانع الكبتاغون”. ولا يتصوّر “الحزب” أنه سيغادر المنطقة يوماً، بل إنه جعل منها نموذجاً لانعدام الحدود بين البلدين. وعلى رغم تصاعد النقمة الداخلية، فإن “الحزب” تفادى حتى مشاركة حلفائه المسيحيين في حملات المطالبة بإعادة النازحين، لكنه استغلّها للضغط على الحكومة كي تتواصل مع دمشق بغية إيجاد حلّ، مع علمه اليقين بأن النظام السوري والنظام الإيراني يرفضان عودة السكان، لأن كلاً منهما اعتبر نفسه حرّ التصرف بالمناطق المدمّرة.

عندما بدأت موجات النزوح السوري لم يكن لبنان قد غرق بعد في أزمته الاقتصادية والمالية، لكن وطأته استُشعرت تدريجاً بحسب المجتمعات المضيفة، سواء بسبب عشوائيته أم لأن الدولة لم تبدُ قادرة على التخطيط لاستيعاب ما بات يوصف الآن بـ”الاحتلال الديموغرافي”، تحديداً في ظل تفاقم تلك الأزمة منذ 2019 وانتقال أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين إلى خط الفقر وما دونه، وشعورهم بأنهم أصبحوا بحاجة إلى مساعدة غذائية أسوة بالنازحين السوريين الذين يتلقون رعاية دولية للطبابة والتعليم، باعتبار أنهم خارج مواطنهم وبلا موارد. كانت المساعدة الدولارية معقولة ثم أصبحت محدودة بعد انهيار العملة اللبنانية وارتفاع أسعار السلع. وبطبيعة الحال راح النازحون يغزون سوق العمل بأجور متواضعة، وينافسون لبنانيين كثراً يعملون الآن في مهنٍ لم يكونوا يُقبلون عليها سابقاً، إلا أن أجورهم تبقى أعلى.

لكن ظاهرة العمالة الرخيصة ليست جديدة وليست المصدر الوحيد للشكوى من انعكاسات النزوح، فهناك نحو نصف مليون سوري كانوا مسجّلين في وزارة الداخلية ويقيمون إقامة دائمة في لبنان، بل تعاظمت الشكوى من النازحين متدرّجة من ارتفاع نسبة الجرائم والجنح، إلى بث الفوضى، إلى الضغط على البنية التحتية من مياه وكهرباء ومَرافق، إلى شيوع النزوح الاقتصادي الذي ربطه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعصابات تتقاضى مبالغ طائلة لقاء تمرير “النازحين”، وبعض العصابات يديرها رجال أمن لبنانيون معروفون ولديهم ممرات خاصة. وعلى رغم أن المسجلين لدى مفوضية اللاجئين هم 805.326 نازحاً، فإن مراجع أخرى سجّلت ارتفاعاً في أعدادهم إلى 2 – 2,5 مليون، ما يجعلهم نحو 40 في المئة من السكان، لكن الرقم 1,5 مليون هو الواقعي، وهو كبير وخطير في ظل تلاشي الدولة وانعدام الضوابط. وقد بلغت الشكوى أخيراً حدّ التخويف من أن النازحين صاروا، في غياب خطط جدّية لإعادتهم إلى سوريا، مصدر اختلال للتركيبة الطائفية للسكان (غالبيتهم من السنّة) ومصدر تهديد أمني بسبب انتشار الأسلحة في مخيماتهم.

لماذا تصاعدت أخيراً الحملة على النازحين؟ جملة أسباب، فهناك أولاً تطبيع عربي متسارع مع نظام بشار الأسد وسعي روسي إلى تطبيع تركي – أسدي، وفي الحالين تبرز عودة اللاجئين كمطلب إقليمي – دولي، وكعُقدة أيضاً، لكن تبرز أيضاً حقيقة أن نظام الأسد وحليفه الإيراني يقاومان هذه العودة لأنها باتت “مستحيلة” إلى مناطق أتى عليها الدمار ولم تعد موجودة، ولأنها تناقض “المجتمع المتجانس” الذي يهندسانه مذهبياً بعدما تخلّصا من ثقل السنّة، كذلك لأن العودة ستتسبّب بمشكلات قضائية لا نهاية لها، إذ إن العائدين المفترضين سيطالبون بأملاكهم أو بتعويضات عنها، لكن النظام أزالها أو استملكها متّبعاً نهج إسرائيل مع مئات البلدات والقرى الفلسطينية… وهناك ثانياً أن الدول المانحة ستجتمع في بروكسل منتصف حزيران (يونيو) المقبل لإعادة تقويم ما تساهم به مساعداتها، وتريد الدول المضيفة للاجئين أن تتحصّل على مزيد من الأموال، فيما يرى لبنان أن أزمته المالية ترشحه لمنحة أكبر. لكن الدول المانحة، ومنها دول عربية، أطلقت إشارات مسبقة إلى أن سخاءها بلغ نهايته، وأن مصداقية الأطراف المستفيدة، خصوصاً لبنان، تضاءلت، كما أن هناك أزمات ونزاعات أخرى باتت تستقطب معظم التمويل للحاجات الإنسانية.

النهار العربي

—————————–

النازحون السوريّون والوطنيّة اللبنانيّة الجديدة/ حازم صاغية

لا الفساد ولا المصارف ولا النظام ولا سلاح “حزب الله”. هذه كلّها ليست أسباباً وراء المأساة اللبنانيّة الراهنة. السبب: النازح السوريّ. إنّه يُفقر اللبنانيّين ويخرّب أمنهم ويسرق كهرباءهم… فوق هذا، شوهد ثلاثة أطفال سوريّين يسبحون في بركة ماء، بعدما شوهد سوريّان يتجوّلان ليلاً في إحدى القرى رغم منع مجلسها البلديّ التجوّل ليلاً! هؤلاء جميعاً صُوّروا ووُثّقت أفعالهم الخطيرة.

إنّ مشكلة النزوح السوريّ مشكلة فعليّة لا بدّ من الإقرار بها والتفكير بحلّها. أمّا المتخصّصون في مناهضة السوريّين فبادروا إلى إثارتها منذ يومها الأوّل، وهم فعلوا ذلك بكثير من الضجيج والمبالغة. مع هذا، بدأت الحملة، منذ أسابيع قليلة، تتّخذ أبعاداً فلكيّة في وسائل الإعلام على اختلافها، لا سيّما التلفزيونيّ منها، وفي مواقع التواصل الاجتماعيّ، ولدى الأحزاب المسيحيّة، وباشرَ البعض تشكيل “جبهات” لمكافحة “الاحتلال الديموغرافيّ” السوريّ.

لكنْ دائماً، وكما في حالات مماثلة عرفتها بلدان كثيرة أخرى، يتضخّم الجسد وينكمش الرأس.

فأوّل أفعال الرأس، عند التعامل مع ظاهرة يراد حلّها، التفكير في أسبابها. لكنّ اللافت للنظر أنّ مؤجّجي الحملة نادراً ما يذكرون الأسباب التي تمتدّ من أفعال نظام بشّار الدمويّة المتوحّشة إلى رفضه عودتهم، ومن تدخّل “حزب الله” في الحرب السوريّة إلى التهجير الذي نجم عن ذلك. هذا الصمت عن الأسباب يغري بافتراض أنّ أصحاب الحملة لا يريدون حلّ المشكلة بقدر ما يريدونها حاجباً للمشكلة الأكبر. والوضع اللبنانيّ اليوم نموذجيّ في كونه تلك المشكلة الأكبر التي تتطلّب الحجب والتعمية:

بؤس ونهب مرفقان بامتناع الجماعات الحاكمة عن تقديم أيّ من الإصلاحات الموعودة، ورغبة مشتركة بين السلطتين السياسيّة والمصرفيّة في تحويل الأنظار عن مسؤوليّتيهما. لكنْ فوق هذا، هناك عجز اللبنانيّين عن بناء وطنيّة تشبه الحدّ الأدنى من كلامهم عن وطنيّتهم. لقد بات نيل طفلة لبنانيّة دون العاشرة جائزة في التكواندو حدثاً وطنيّاً خارقاً.

ثمّ إنّ الوطنيّة المزعومة تخلي مكانها لتفتّت مريع وغير مسبوق يتعاظم بإيقاع يوميّ. وبشيء قليل من التعميم يمكن القول إنّ ما من طائفة تطيق طائفة أخرى، وما من حقيقة أو وهم يمكن أن يجتمع عليهما اللبنانيّون. أمّا مهزلة العجز عن انتخاب رئيس للجمهوريّة فتشي بهذا الواقع، بقدر ما يشي بضعف الكرامة الوطنيّة صراحةُ الكلام عن الأدوار الخارجيّة في اختيار الرئيس العتيد.

هذا التجويف السياسيّ يُستدلّ عليه خصوصاً في حالة الحزب السبّاق والرائد في إدارة الحملة على السوريّين، أي “التيّار الوطنيّ الحرّ” الذي باتت تلك الحملة وسيلته الوحيدة لحصد الشعبيّة والبقاء في الحياة السياسيّة. ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر، فالحزب نفسه هو الذي حاول في وقت سابق ترميم وطنيّة لبنانيّة تكون على قياسه وتنهض على قاعدة “حلف الأقلّيّات”.

لكنْ إذا كان “التيّار” يمثّل اللؤم الصاخب في الحملة الراهنة، وقبلها في “حلف الأقلّيّات”، فإنّ “حزب الله” يمثّل، في المرّتين، اللؤم الصامت الذي تُسعده على نحو مزدوج هذه الضدّيّة التي تُصبَغ بها الوطنيّة اللبنانيّة الهزيلة: تُسعده في حساباته المذهبيّة – السياسيّة الحريصة على التوازنات العدديّة، وعلى مصالح النظام السوريّ الذي يحتلّ “الحزب” موقعاً متصدّراً فيه، وتُسعده في تكريسها الهوّة بين لبنان والغرب، وفي توسيعها، على ما يتبدّى اليوم في المواقف الأوروبيّة من معالجة النزوح السوريّ.

هذه الوطنيّة اللبنانيّة المزغولة تُشعر اللبنانيّين، الذين يرفضون اختزالهم إلى طوائف وُلدوا بالصدفة فيها، بغربة لا تقلّ عن غربة النازح السوريّ. وهم، الوطنيّون، لا يتخيّلون لأنفسهم وطنيّةً أنانيّة وجبانة تتجنّب أعداءها الفعليّين لتحصر عداوتها في بشر ضعفاء هاربين من الموت، ثمّ لا تتردّد في إرجاعهم إلى موتهم فيما هي تزهو وتبتسم.

والحال أنّ السياسات المعمول بها اليوم، في الإقليم كلّه، تقدّس الغنيّ والقويّ وحدهما وتتجبّر على الفقير والمظلوم، تماماً كما تقدّس الكلام الذي يصدر عن غريزة ولا يصدر عن رأس.

وفي الحساب الأخير، فإنّ يد الطبيعة في منطقتنا أقوى بلا قياس من يد السياسة والاجتماع. فالفلسطينيّون، بسبب قيام إسرائيل، نزحوا إلى بلدان مجاورة، وهو ما فعله السوريّون بنتيجة أفعال الأسد، وفعله الأكراد بنتيجة أفعال صدّام، والإيزيديّون بنتيجة أفعال داعش، وقبلهم جميعاً الأرمن بنتيجة الأفعال التركيّة، وهكذا دواليك… وما نعيشه اليوم، هنا وهناك، عمل آخر من أعمال الطبيعة المجنونة التي لا يُردّ عليها بأعمال طبيعيّة مضادّة.

————————–

أزمة النّازحين السّوريّين في لبنان: الضّيف والمضيف ضحيّتا مرتكِب واحد!/ فارس خشان

التقاعس المتمادي عن معالجة جديّة لملف النازحين السوريين في لبنان، جريمة مكتملة العناصر، بحق “الضيف” و”المضيف” معًا.

مرتكبو الجريمة الفعليون ليسوا المضيفين الذين يرفع بعض منهم شعارات عنصريّة، مهما كانت منبوذة بالمطلق، ولا الضيوف، مهما كان سلوك بعضهم مستهجنًا، بل المتاجرون بهذا الملف الإنساني – الحقوقي – السياسي – الوطني – الاقتصادي – الاجتماعي، إذ إنّ هؤلاء يقدّمون هذه المسألة إلى الواجهة، عندما تقتضي مصالحهم السياسية، ويضعونه في الأدراج، عندما تملي هذه المصالح ذلك.

حاليًا ثمّة حاجة إلى إعلاء ملف النازحين السوريين إلى الواجهة، لأنّ هناك من يظن بأنّ القواعد الشعبية للقوى المناوئة لوصول سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهوريّة، يمكن أن تتوهّم بأنّ “صديق بشّار الأسد” يمكنه أن يجد حلًّا، وكأنّ هناك من كان يعتقد بأنّ الرئيس السابق ميشال عون لم يكن “أكثر من صديق”، أو أنّ ما يفعله الملك الأردني عبد الله الثاني للنظام السوري عربيًّا وخليجيًّا وأوروبيًّا وأميركيًّا، هو أجدى من الصداقات كلّها.

إنّ مشكلة إعادة النازحين إلى بلادهم عمومًا وإلى بلداتهم ومدنهم خصوصًا، أعقد ممّا يثيره هذا أو ذاك، لأنّه ملف يتشابك مع ملفات أخرى يرفض النظام السوري حلّها، فهو، كما تبيّن التقارير الموثوق بها، يضع يده، لأسباب طائفية حينًا ونفعيّة، أحيانًا، على ممتلكات النازحين العقارية، على اعتبار أنّ هؤلاء، بمجرد أن هربوا من جحيم الحرب، خسروا حقوقهم. وهذا النظام يستعمل ملف النازحين للضغط على الدول المجاورة، حتى تروّج له في المحافل الدولية، بحيث تسقط عنه العقوبات، من دون أن يقدّم أيّ تنازلات دستورية وسياسية وسلطوية وأمنية لشعبه.

وعندما دخلت روسيا على خط حلّ مشكلة النازحين، لم تحمل إلى الغرب سوى نقطة واحدة، وهي وجوب رفع العقوبات عن النظام السوري ومدّه بما يحتاج إليه من أموال، ليتمكّن من تنظيم إعادة هؤلاء إلى سوريا.

وكما كان الجواب منذ سنوات، يبقى الجواب اليوم: على النظام السوري أن يلتزم بقرار مجلس الأمن الدولي 2254 حتى ترفع عنه العقوبات.

وبما أنّ النظام السوري ليس في هذا الوارد كما أثبتت التجارب، فإنّ أيّ مساهمة مرجوّة منه للمساعدة في حلّ الأزمة التي تسبب بها، عندما تعاطى مع شعبه بالنار والحديد والكيميائي، مثلها مثل الرهان على الشيطان للولوج إلى الجنّة.

ولو كان الحاكمون في لبنان جديّين في إيجاد حلول تخفّف من عبء أزمة النازحين، لاتخذوا إجراءات عملية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

أوّلًا، منع كل سوري غير مسجّل في قائمة النازحين السوريين من المكوث في لبنان، مهما كانت الاعتبارات.

ثانيًا، منع أيّ سوري، يحمل صفة نازح، من العودة إلى لبنان، إذا ذهب إلى سوريا.

ثالثًا، تقديم أي سوري لاجئ إلى لبنان الوثائق التي تثبت أنّه ينتمي إلى مناطق خطرة، أو إلى مناطق كان لـ”حزب الله” دور في تهديمها، أو أنّه فعلًا في حالة الخطر، إذا عاد إلى بلاده.

رابعًا، وجوب تنظيم اتفاق بين لبنان والمنظمات الدولية التي ترعى شؤون النازحين السوريين، للقيام بكل ما أمكن من أجل التأكد من خلو مخيمات اللاجئين من الأسلحة والممنوعات والمحظورات.

خامسًا، التعاون مع المجتمع الدولي من أجل تمويل البنية التحتية اللبنانية لتتمكن من رعاية النازحين، بدل هدر الوقت على إقناع الدول الصديقة للبنان بوجوب الانفتاح على نظام بشار الأسد، بوضعيته الراهنة، إذ أظهرت المعطيات أنّ وزارة الخارجية اللبنانية أفسدت العلاقات مع الدول الغربية عمومًا ومع فرنسا وألمانيا خصوصًا، لأنّها بدل أن تطرح مشكلات لبنان الناجمة عن مسألة النازحين، تهدر الوقت في الدفاع عن نظام بشّار الأسد.

إنّ مسألة النازحين السوريين في لبنان ستبقى تتأرجح بين غليان وبرودة، وفق مصالح المتحكمين بالسلطة اللبنانية، ولن تجد حلًّا لها إلّا في حالة من حالتين تبدوان مستحيلتين حتى تاريخه: إمّا أن يطوّر النظام السوري نفسه ليصبح نظام شعب وليس نظام عائلة مستبدة، أو أن يقتنع المتحكمون بالسلطة اللبنانية بأنّهم مسؤولون عن شعب وليسوا دمية يحرّكها “حزب الله” ومن خلفه النظام السوري.

النهار العربي

—————————

ينجبون كثيراً ويسبحون حيث لا يجوز/ رامي الخوري

يصعُب تخيّل أن بلداً كلبنان، يمرّ بانهيار اقتصادي، وأغلب شعبه قد تمتّ سرقته بشكل مباشر ويسيطر عليه حزب مسلّح منذ سنين، يمكن أن تهزّه واقعة أن ثلاثة أطفال يسبحون في يوم حار من أيام نيسان (أبريل) في بيروت، في ساحة سمير قصير، في مكان غير مخصص للسباحة.

لقد أصبح الرأي العام اللبناني هشاً جداً تجاه أيّة ممارسة، عادية كانت أو غير عادية، يقوم بها شخص سوري في لبنان.

في 19 نيسان الماضي، أقدم ثلاثة أطفال لا يتجاوز عمرهم 10 سنوات على السباحة في بركة ساحة سمير قصير، ويبدو أن أحد الأشخاص قام بتصويرهم، ونشر الفيديو المؤلف من ثواني معدودة لأول مرة على موقع thisislebanon ومنصّاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ليشتعل النقاش حول أحقية ثلاثة أطفال بالسباحة في مكان عام غير مخصص لذلك. وطبعاً، كعادة وسائل الإعلام اللبنانية، تم ذكر جنسية الأطفال، وهم سوريون.

سياق تحريض طويل

يأتي التحريض على اللاجئين دائماً في سياق سياسي واجتماعي غالباً لا يظهر في الواجهة؛ فمثلاً أتى التحريض الأخير للحكومة اللبنانية على اللاجئين بهدف ابتزاز المجتمع الدولي لزيادة المساعدات، أما التحريض اليوم فيأتي في سياق الانتخابات البلدية التي كان من المُفترض أن تُجرى في أيار (مايو)، قبل أن يقرر مجلس النواب تأجيلها لمدة عام، وإلى حين صدور القرار، كان الخطاب ضد اللاجئين من قبل رؤساء بلديات «كسّيب» في السياسة المحلية، فأين بدأ هذا الخطاب، وأي وسائل إعلام تبنته؟

محافظ ورئيس بلدية وتحقيقات «صحفية» مُذلّة

«بشير خضر محافظ بعلبك الهرمل في لبنان:راتبي أقل من راتب النازح السوري في لبنان»، من هنا انطلقت مؤخراً أحدث جولات التحريض على اللاجئين، في 18 آذار (مارس) الماضي. ففي لقاء دعت إليه دار الفتوى في بعلبك، كان هذا جواب محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر رداً على طلب منسق مخيمات النازحين في منطقة عرسال زيادة المساعدات للنازحين في المنطقة.

وبطبيعة الحال تتلقف وسائل الإعلام الكبرى في البلاد هذا الخطاب وتغذيه وتبني عليه لإظهار حقائق مزيفة، وهي أن اللاجئ السوري يعيش في نعيم بعكس المواطن اللبناني الذي انهار اقتصاده وسُرقت مدخراته.

ثمة سؤال يمكن أن يوجَّه لبشير خضر وغيره من المحللين الذين يمتعضون أن مساعدات النازح أصبحت تساوي أكثر من راتب ضابط في الجيش، مع الطبقية التي تكمن خلف هذه المقارنة:

هل إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا ستُعيد قيمة راتب بشير خضر، وقيمة رواتب ضباط الجيش، وستعود «الليرة بخير وتحكي»؟ أو هو مجرد هروب من مواجهة المسبب الرئيسي لهذا الانهيار في راتب بشير خضر وغيره من موظفي القطاع العام؟

«كم ولد عندك؟»، هو السؤال الأحب على قلب الإعلام اللبناني. في 23 آذار الماضي، قامت جريدة النهار اللبنانية، بالتواطئ مع رئيس بلدية القاع بشير مطر، بتصوير مقابلة أقرب لأن تكون تحقيقاً في أحد أفرع أجهزة استخبارات بشار الأسد، حيث تم استجواب مواطن سوري بطريقة مهينة جداً.

مع العلم طبعاً، أن جريدة النهار مناصرة للثورة السورية ومعارضة للنظام السوري، كما أن بشير مطر ينتمي إلى حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، الذي تم سجنه من قبل النظام السوري في لبنان مدة 11 سنة، ولم يخرج من السجن إلا بعد خروج النظام عام 2005، ولكن يبدو أنهم يحبون السوريين وحريتهم في سوريا فقط، وليس أبعد من ذلك.

بالعودة إلى المقابلة \التحقيق، وفي الشكل، بقي الرجل النازح واقفاً خلال المقابلة كلها، فيما رئيس البلدية يتحدث وحده ويوجه له الأسئلة عن عدد زوجاته وأولاده وحياته الخاصة، وعن عمله في الزراعة، وعن توجهاته السياسية وأوراقه الثبوتية، وعن سبب زواجه امرأة ثالثة؛ أصبح بشير مطر مرشداً اجتماعياً برعاية النهار، وكان النازح يجيب بصوت خافت وخوف من المحقق الذي يجلس أمامه.

لا يخفي بشير مطر عنصريته أصلاً، ولا يخجل بها، كما يشير جوابه علناً وفي جريدة النهار أيضاً عند سؤاله عن عنصريته، معللاً أسبابها، على طريقة جبران باسيل، خصمه في السياسة!

الـ MTV وغازي كنعان!

بطبيعة الحال لا يمكن أن تمر مناسبة التحريض على اللاجئين دون مشاركة قناة الـ MTV اللبنانية، وهي واحدة من أكثر القنوات انتشاراً في لبنان.

«غازي كنعان جديد… يحكُم لبنان!» هكذا كان عنوان تقرير الـ MTV في 11 نيسان الماضي، والمقصودة بغازي كنعان هنا هي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويتحدث التقرير عن قرارات صدرت في المَجر والدنمارك بترحيل لاجئين، ويتحسّر التقرير على عدم إصدار هكذا قرارات في لبنان، ويصف المفوضية بغازي كنعان، الضابط في الاستخبارات السورية، المحفور في الذاكرة اللبنانية،كأسوأ شخص حكم البلاد على الإطلاق، وهنا تأتي دلالة  هذا التشبيه الخبيث.

أصدرت المفوضية رداً على التقرير المليء بالمغالطات المقصودة، حيث لم تقرأ قناة الـ MTV  التقرير كاملاً في نشرة أخبارها، بل نشرت جزءاً منه، فيما نُشر كاملاً على الموقع، حيث لا يراه أحد.

وجاء في رد المفوضية توضيح «أن أُسر اللاجئين الأكثر احتياجاً تحصل على مساعدة وقدرها مليونين و500 ألف ليرة لبنانية، يضاف إليها مليون ومئة ألف ليرة لكل شخص من برنامج الأغذية العالمي، مع حد أقصى يبلغ 5 أشخاص للأسرة الواحدة: ممّا يعني أن الحد الأقصى الذي تحصل عليه الأسرة المحتاجة المكونة من 5 أفراد وما فوق كمساعدات نقدية وغذائية، إذا كانت مؤهلة للحصول على كل من المساعدات النقدية والغذائية، هو 8,000,000 ليرة لبنانية في الشهر». أي ما يعادل 80$ على سعر السوق الحالي، وهو ليس أعلى من راتب محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، والمساعدات مقدمة بالليرة اللبنانية وليست بالدولار كما تشير تقارير إعلامية عدة.

يشير التوضيح أيضاً إلى أ«أن تسعة من كل عشرة لاجئين سوريين في لبنان لا يزالون يعيشون في فقر مدقع. إن التمويل المتاح حالياً للمساعدات الإنسانية لا يسمح للأمم المتحدة إلا مساعدة 33 بالمئة من اللاجئين المحتاجين من خلال تزويدهم بمبالغ نقدية لتغطية احتياجاتهم الغذائية وغير الغذائية» ما يعني أن المساعدات ليست هي من تُبقي اللاجئين في لبنان، وتصوير اللاجئين على أنهم يعيشون في نعيم من قبل الإعلام اللبناني هو محض كذبة لا أكثر.

إعلام «الثورة» يشارك في التحريض

لم يَحِد بعض الإعلام الذي يعتبر نفسه ممثلاً عن «انتفاضة 17 تشرين» ومنبثقاً عنها، عن خط التحريض على اللاجئين. «انتوا ليش بتجيبوا هالقد ولاد؟» هذا ما جاء في التقرير الذي أعدته منصة political.pen  «المستقلة»، في 17 نيسان الماضي، عن وضع اللاجئين في منطقة زغرتا. وراحت مُعدّة التقرير تتأكد من حال كل عائلة، وأين أُنجب الأولاد، إن كان في لبنان أو سوريا، ولماذا لا يعودون إلى سوريا، وبطبيعة الحال، وكي يكون للتقرير بعد عنصري أكبر، تكلّمت المُعدّة مع بعض سكان المنطقة، الذين راحوا يهوّلون «خطر اللاجئين» القادم، وأنهم قنبلة موقوتة، ستنفجر فيهم إذا لم تتحرك الدولة.

أين العونيين وإعلامهم من هذه الحفلة؟

لا يمكن أن تَجري حفلة عنصرية على اللاجئين دون مشاركة التيار الوطني الحر وإعلامهم فيها، حتى من دون دعوى، سيشاركون، فمؤسّس التيار ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون كان، منذ بداية الثورة السورية، من دُعاة إقفال الحدود في وجه اللاجئين كي يقتلهم حليفه بشار الأسد بهدوء.

في 27 آذار الماضي، طالعنا النائب العوني عن منطقة البقاع الغربي وراشيا شربل مارون بقصة هائلة، لا تُصدّق؛ كيف لنازح أن يشتكي في المخفر على عسكري متقاعد في الجيش رفع سلاحاً بوجهه!، وتم التحقيق مع العسكري المتقاعد بالمخفر، فعلاً يا للكارثة، أصبح ممنوع علينا في لبنان أن نُرّهب اللاجئين بالسلاح، وطبعاً جاءت المقابلة على قناة ال OTV.

حصاد الأسبوع الماضي

نشرت قناة الـ MTV في 23 نيسان، فيديو متداول من كورنيش المنارة، يظهر مخلّفات مَن تنزّهوا على الكورنيش في عطلة العيد، واتهمّت السوريين بترك هذه الأوساخ.كما تم نقل أخبار كاذبة عن بيع سوريين للحوم كلاب في المتن، نشرها موقع جنوبية، المعارض للنظام السوري، وصححها موقع النهار للمفارقة.

الخميس 20 نيسان، أطلق الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان خلال مؤتمر صحافي في «بيت العامل»- جل الديب، «الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري»،ونقلت الخبر بكل دقة الوكالة الوطنية التابعة لوزارة الإعلام!

في النهاية، يختلف الإعلام اللبناني التقليدي على توجهاته السياسية، وتختلف الأحزاب اللبنانية أيضاً فيما بينها على أمور عدة؛ منهم مثلاً من يقف ووقف مع الثورة السورية، ومنهم من وقف ويقف مع النظام وذهب لقتل السوريين، كحزب الله، ولكنهم يتفقون على شيء واحد فقط، سياديين وغير سياديين، يتفقون على التحريض على اللاجئ. فمن ناحية، يعتبر الإعلام التقليدي أن لهذا الخطاب أرضية شعبية واسعة، ومفيد الاستخدام قبل كل انتخابات، نيابية كانت أو بلدية؛ ومن ناحية أخرى يفيد هذا الخطاب للتعتيم على علاقتهم ومسؤوليتهم، المباشرة، عن الانهيار الاقتصادي، عبر محاولتهم الدائمة تلبيس هذا الانهيار للاجئين السوريين.

موقع الجمهورية

———————————

صراع” اللاجئات السوريات واللبنانيات: تعدد الزيجات.. والاستغلال الذكوري/ لوسي بارسخيان

في معرض متابعة تداعيات الحملة السياسية والإعلامية التي تخاض في ملف النزوح السوري، يتكرر الحديث في بعض المجتمعات المضيفة، عن اختراق بعض الثقافات الريفية السورية للمجتمع اللبناني، وخصوصاً بنزعاته لتقبّل الزواج المبكر للفتيات كما لتعدد الزوجات، فلم يعد هذا الفعل منبوذاً أيضاً داخل المجتمعات التي “اجتاح” فيها النازحون القرى البقاعية بأعداد كبيرة. بل بات يشكّل الزواج المختلط بين لبنانيين وسوريين القاسم المشترك بين هذه المجتمعات.

فرصة الهروب من البؤس!

بديهية الأمور تشير إلى كون هذا الزواج يتم بين ذكور لبنانيين وإناث سوريات في معظم الأحيان. إذ أن قساوة حياة شبه البدوية التي يعيشها السوريون في مخيماتهم منذ بدء نزوحهم إلى لبنان، والتي تفتقد إلى أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية، لا تجذب الفتيات اللبنانيات. بينما قد تجد الفتاة السورية في أي رجل لبناني، فرصة لانتشالها من حالة البؤس التي فرضت على معظم النازحين السوريين منذ بدايات تشردهم من وطنهم، وللخلاص من تداعيات النزوح الكبرى على فئاتها الأكثر تهميشاً، أي الأطفال والنساء. فبات البعض يتحدث في مجتمعات اللبنانيين عن منافسة السيدات السوريات للسيدات اللبنانيات حتى على أزواجهن.

يقول أحدهم ممازحاً، أنه لا يستبعد أن تكون النساء اللبنانيات هن وراء الحملة التي شنّت مؤخراً للمطالبة بترحيل النازحين. إذ باتت السيدات غير واثقات تماماً من رجالهن، ويخشين أن يفاجئهن الأزواج بزيجات ثانية في كل لحظة. مضيفاً أن سيدات كثيرات بتنا تتجنبن الخلاف مع أزواجهن خوفاً من أن يتزوج سورية ويطلقهن. خصوصاً أن الزواج الثاني في هذه الحالة لا تترتب عليه نفقات كبيرة، ويعقد من دون مهر أو احتفال، ويكفي فقط تسجيله وإبراز إشهاره كشرط.

ويشير خالد غنيم، عضو مجلس بلدية مجدل عنجر، الممسك بملف النزوح في هذا الإطار، إلى “أن موضوع الزواج المختلط ليس مجرد شائعات، بل بات لبنانيون كثيرون في المجتمعات المضيفة، يفضلون الزوجة السورية على اللبنانية”.

ظاهرة الزوجة الثانية

ظاهرة حاولت أن تلفت إليها أيضاً نائبة رئيس بلدية عرسال سابقاً، ريما كرنبي، في برنامج تلفزيوني، إذ تحدثت عن تفشي عدوى الطلاق والزواج المبكر للفتيات في المجتمع العرسالي، كظاهرة غريبة عن تقاليدها انتقلت عدواها من مخيمات النازحين الذين تستقبلهم عرسال بأعداد ضخمة. وقد حاولت “المدن” استيضاح كرنبي المزيد من التفاصيل عن ما طرحته، إلا أنها اكتفت بما قالته سابقاً، غير مستغربة الذكورية التي أظهرها المشاركون بالبرنامج، من خلال تلقيهم الشكوى باستخفاف.

فيما لفت قائمقام البقاع الغربي وسام نسبيه، رداً على سؤال، إلى كون الزواج المختلط بين اللبنانيين والسوريين ليس ظاهرة جديدة بالنسبة لمنطقة البقاع، إلا أنها تفاقمت في فترة النزوح السوري، وباتت الزوجة الثانية بالنسبة للبنانيين قريبة جداً للواقع، بينما كان المجتمع في السابق ينبذ الرجل الذي يحضر “ضرة” إلى زوجته.

ويشير مطلعون إلى أن “متطلبات الزواج من السوريات في لبنان ليست كبيرة. ويكفي أن يؤمن لها الرجل اللبناني سقفاً متواضعاً، ليعيش معها عيشة ملوكية”. علماً أن الزوجة السورية في هذه الحالة ترضي ذكورية الرجل، “الذي يبحث عن إمرأة تعرف كيف تعامله كسلطان”، حسب قول أحدهم. وبالتالي، هم يعولون على تحقق قناعاتهم المسبقة، بكون الفتاة السورية المتحدرة من مجتمع ريفي تربى على طاعة الرجل وتلبية رغباته.

التطبع الثقافي

من الطبيعي في المقابل أن تتطبع المجتمعات بعادات بعضها البعض، وخصوصاً عندما تصبح أعداد النازحين المقيمين في القرى، قريبة إلى أعداد مضيفيهم. ولكن في حالات التفوق العددي للنازحين السوريين ببعض القرى، بدلاً من أن يتطبع هؤلاء بثقافات اللبنانيين التي تنبذ تعدد الزوجات، إذ بثقافاتهم تجتاج المجتمعات المضيفة، وخصوصاً تلك الفقيرة والأقل إنفتاحاً، ثقافياً واجتماعياً، سواء في البقاع أو في عكار.

 إلا أن تعميم الصورة يبدو خاطئاً كما يؤكد أحد أبناء بلدة بر الياس، مشيراً إلى أن “هذا الخيار يبقى شخصياً في كثير من الأحيان، ويرتبط بظروف خاصة قد تدفع بأحدهم للزواج من سورية، كما أنه يرتبط بدرجة الوعي والثقافة اللذين تتحلى بهما المجتمعات. وبالتالي، فإنه قد يختار أحدهم الزواج من سورية، وإدخالها زوجة ثانية على زوجته، ولكن فعله لا يرتقي إلى درجة السلوك الاجتماعي، وخصوصاً أننا لا نزال مجتمعاً محافظاً يصون الضيف ويحافظ عليه، أياً كانت الرغبات التي قد تتحكم به”.

وعليه، يشدد مطلعون على أن ما نشهده من تفش لظاهرتي الزواج المختلط وتعدد الزوجات في المجتمعات اللبنانية المضيفة للنازحين السوريين، يقترن خصوصاً بمجتمعات تتحلى بمستوى ثقافي واجتماعي متقارب بين النازحين ومضيفيهم. وقد بدأت أولى شراراتها في بداية النزوح السوري إلى لبنان، ووثّقتها جمعيات وهيئات تعنى بأمور النازحين، لاحظت ميل لاختيار الفتيات الصغيرات بالسن، ممن فقدن أزواجهن خلال فترة الحرب. وهي شكّلت أحد متطلبات الحماية التي بدأت أولاً مع زواج نازحين سوريين من نازحات مثلهم، وضمهن إلى زوجاتهم السابقات في خيمة واحدة. فيما اعتبر هذا الزواج بين لبنانيين وسوريات في بعض المجتمعات المضيفة، فعلاً تضامنياً مع الشعب السوري الهارب من نظامه، حين صدرت حتى بعض الفتاوى الدينية التي تدعو اللبنانيين للزواج من سوريات و”سترهن”.

واقع مخيف

في المقابل، كان لامتداد أحداث سوريا لفترة طويلة، وما خلفته الهجرة الواسعة في صفوف الشباب، أو حتى مقتل واختفاء عدد كبير منهم، تداعيات على التوازن الاجتماعي بين النساء والرجال. فشكًل الزواج المختلط هروباً من واقع مخيف كان على بعض السيدات مواجهته مع عائلاتهن وحيدات، ومحاولة حتى لحماية الفتيات الصغيرات من التحرش أو الإعتداءات الجنسية.

وهذا، إلى أن بدّلت السنوات الطويلة درجة التعاطف الإنساني وحتى السياسي مع قضية النازحين السوريين. فشكّلت ظاهرة تعدد الزوجات في المجتمعات السورية، الشرارة التي أطلقت الحملة الواسعة على النازحين السوريين في لبنان، بعد الشريط المصور الذي ظهر فيه أحد النازحين مع رئيس بلدية القاع، وهو يتحدث عن زواجه من أربع سيدات وتقاضيه مساعدات من الهيئات المانحة على أطفاله الـ16 منهن.

رد الفعل اللبناني جاء مبرراً لناحية تجاوزه الهواجس من مخاطر التفوق الاقتصادي للنازحين على مضيفيهم اللبنانيين، إلى الحديث عن تفوق ديمغرافي يسمح به هذا التعدد بالزوجات، خصوصاً أن المجتمعات اللبنانية المضيفة لم تتطبع كلياً بهذه الثقافات، بل يبدو الشباب اللبناني في معظم الأحيان غير قادر على تأمين متطلبات زواج أوّل له.

البعد الاقتصادي.. و”الحريمية”

وهذا، وفقاً لمتابعين، ما يسمح بفهم تنامي فكرة إقبال اللبنانيين على الزواج من السوريات مجدداً، عبر إعطائها بعداً اقتصادياً، يتعلق هذه المرة بالواقع الاجتماعي المتردي للبنانيين عموماً. فاقتران الشاب اللبناني بالفتاة السورية صار أكثر ارتباطاً بواقع حاله، من ارتباطه بواقع السوريين في مخيماتهم. حيث وجد الشاب اللبناني ضالته لدى النازحات السوريات، عندما عجز على الارتقاء بإمكانياته الاقتصادية إلى حجم متطلبات الفتاة اللبنانية. وبات هذا الزواج أقرب إلى الواقعية، ليس فقط من ناحية القناعة التي يترقّبها من الفتاة السورية عند التقدم لزواجها، بل لما يوفّره هذا الزواج من شعور دائم بـ”التفوق”، أقّله من ناحية منح الزوجة الاستقرار الذي يمكن أن توفره لها الجنسية اللبنانية. بمقابل ما يتوقعه من زوجته من خدمة مجانية ترضي بعض الذكورية المتأصلة غرائزياً، وتسمح بالتالي بممارسة الثقافات “الحريمية”.

يقول أحدهم “البنت السورية لا بدها مهر ولا خطوبة، ولا ذهب ولا بيت ملك، بيكفي تأمنلها سقف بيت، لتقدسك”.

لا شك أن هذه الأفكار تبقى عرضة للمواجهة والتصدي من قبل الجمعيات والهيئات الناشطة، التي تعمل منذ مدة على مكافحة الزواج المبكر بالنسبة للفتيات السوريات، وعلى النضال من أجل حقوقهن للحصول على الاحترام المتبادل في العلاقات الزوجية.

إلا أن الضغوط التي يتعرض لها المجتمع السوري بظل الحملات التي تشن لترحيله النازحين حالياً، من شأنها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء بالنسبة لجهود هؤلاء في تمكين النساء. فتضعهن مجدداً فريسة لرغبات ذكورية، تصوّر إقبال اللبنانيين على الزواج من السوريات كخدمة مجانية، تسمح لهن بالاستقرار في لبنان، في حال فرض عليهن مغادرة أراضيه قسراً. فتكون النتيجة سقوط نازحات سوريات فريسة حياة فقيرة، في مواجهة يخوضها حتى الآن الفقراء، سواء أكان هؤلاء من اللبنانيين أو السوريين.

المدن

————————————-

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى