سياسة

مقالات تناولت اجتماع اللجنة الدستورية الأخير

السوريون وحوارات الطرشان/ بكر صدقي

شكلت الجولة الجديدة، الثامنة، من اجتماعات اللجنة الدستورية مناسبة جديدة لانقسام السوريين المأساوي على بعض أساسيات الاجتماع البشري، حتى لا نتحدث عن توافقات سياسية لا بد منها للخروج من النفق المظلم.

لقد شكّل المبعوث الأممي السابق ستيفان ديمستورا هذه اللجنة في نموذج عقيم سلفاً، وما انتظار نتائج عملية منه، أي التوافق على صياغة دستور لسوريا، إلا كانتظار أن يحبل الثور أو يبيض الديك. فاللجنة تشكلت من ثلاثة أثلاث هي على التوالي: ثلث النظام وثلث المعارضة وثلث منظمات المجتمع المدني. النظام الذي يرفض أي حل سياسي للصراع في سوريا حدد حصته في اللجنة لكنها لا تمثله ولا تلزمه بشيء! هذا بحد ذاته كافٍ لنسف مبرر تشكيل اللجنة. كذلك حصة المعارضة في اللجنة لا تحظى بأي شرعية تمثيلية في البيئة الاجتماعية المعارضة، وهي منبثقة عن «الهيئة العليا للمفاوضات» التي تفتقر مثلها للشرعية التمثيلية، وتتعرضان معاً لانتقادات حادة من البيئة المذكورة ربما تفوق هجوم النظام عليهما. أما حصة «المجتمع المدني» فهي مقسومة بالمناصفة بين «مجتمع النظام المدني» ومنظمات مجتمع مدني مستقلة. أي أن اللجنة الدستورية مقسومة عملياً بين النظام والمعارضة.

على رغم هذا الانقسام المانع للتوافق فاللجنة ماضية في مناقشاتها التمهيدية، وربما هذه هي الفائدة الوحيدة من عمل اللجنة، أعني النقاش بحد ذاته حتى لو كان نقاشاً غير مثمر، وهو كذلك كما نرى من التقارير الصحافية التي نشرت عناوين موضوعات النقاش، وليتها نشرت تفاصيله. ذلك أن تلك الموضوعات هي بعض أسباب انقسام السوريين، ولا بد من فتح النقاش حولها، ليس فقط في الإطار الضيق لاجتماعات «الدستورية» بل في الرأي العام.

من بين الموضوعات الخلافية التي طرحت برز اثنان، أولهما «إصلاح مؤسسات الدولة» وبخاصة الجيش؛ وثانيهما «سمو الدستور وتراتبية الاتفاقيات الدولية».

نقلت وسائل الإعلام استنفار جماعة النظام ومجتمعه المدني في اللجنة الدستورية ضد فكرة الإصلاح أو إعادة الهيكلة، وبخاصة فيما يتعلق بالجيش، مشيرين إلى التجربة العراقية التي «أدت إلى كوارث» في رأيهم. وهو موقف غير مفاجئ لأن الجيش وأجهزة الأمن يشكلان العمود الفقري للنظام وأي مس بهما أو بدورهما يثير مخاوف وجودية لدى النظام وبيئته الاجتماعية. بل إن جماعة النظام في اللجنة رفضوا حتى فكرة حياد الجيش في الحياة السياسية أو تداول السلطة، فبوصلتهم واضحة في وجوب تبعية الجيش للنظام الأسدي القائم حتى لو تعلق الأمر بزجه في صراع داخلي أو في ضرب المدنيين. هذا مبدأ لا يساومون عليه، وهو ما يعني استحالة التعايش بين النظام والسوريين.

أما حول موضوع «سمو الدستور وتراتبية الاتفاقيات الدولية» فقد طرح الوفد المعارض فكرة وجوب سمو الدستور فوق القوانين الوطنية، وكذلك أولوية الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية. وفي حين لم يختلف الطرفان على النصف الأول المتعلق بسمو الدستور، لاقى النصف الثاني المتعلق بالقوانين الدولية انتقادات حادة من «الوفد المسمى من النظام» ومجتمعه المدني، فقد اعتبروه دعوة صريحة للانتقاص من «السيادة الوطنية» و«وضع سوريا تحت وصاية دولية». لقد اعتاد السوريون على هذا المنطق الذي لا يتذكر «السيادة الوطنية» إلا حين يتعلق الأمر بتقييد حرية النظام في اضطهاد السوريين.

غير أن هجوماً آخر على هذا المبدأ المقترح جاء من خارج اللجنة الدستورية، من البيئة المعارضة الإسلامية، فاعتبر أحد مثقفي الإخوان المسلمين أن الوفد المعارض الذي يفتقد للشرعية يريد «أن يهيمن دين الأمم المتحدة على دين الشعب السوري»! ودعا إلى استنفار الأمة لمواجهة هذا الخطر «الشديد»!

يمكن التكهن بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي في ذهن مقدمي الاقتراح كتلك المتعلقة بحقوق الإنسان وحمايتها من الانتهاكات التي تقوم بها السلطة، أو الاتفاقية المتعلقة بمكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) أو مناهضة التعذيب أو عمالة الأطفال… إلخ. وهي نفسها على الأرجح ما استنفر المثقف الإخواني المذكور. ونقرأ في تعليقات البيئة الإسلامية على الموضوع في وسائل التواصل الاجتماعي ما يخص (سيداو) بالذكر، مع اعتبار أن الاتفاقيات الدولية (دين الأمم المتحدة!) تتعارض مع أحكام الإسلام لأنها «تحلّل الزنا والشذوذ الجنسي» على ما جاء في بعض التعليقات.

هذه البيئة الإسلامية المعارضة مستعدة للتضحية بما يمكن أن تشكله الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف من حماية من تغوّل السلطات المحلية على السكان مقابل التمسك باللامساواة بين الجنسين أو موقع الدين في البنية السياسية للدولة.

للمقارنة فقد وقع نظام الأسد الهمجي على عدد من تلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومنها المتعلقة بمناهضة التعذيب والعهدة الدولية لحقوق الإنسان واتفاقية سيداو وغيرها. طبعاً لم يلتزم النظام بأي من موجبات تلك النصوص الأممية، لكن التوقيع عليها يشكل على الأقل مرجعية معيارية لمحاسبة النظام على انتهاكاته، في حين أن رفضها بالمطلق يشير إلى نموذج الدكتاتورية غير المقيدة التي يسعى إليها هؤلاء الرافضون.

بل إن النظام لم يكتف بتوقيعه على المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب، فأصدر مجلس شعبه، قبل شهرين، قانوناً يجرّم التعذيب، الأمر الذي أثار بحق سخرية المعارضين وربما سخرية الموالين أيضاً الذين يعرفون أن القانون المذكور هو مجرد حبر على ورق، ويناسبهم ذلك.

ولا يقتصر التعامل باستهتار مع المعاهدات الدولية على النظام السوري وأشباهه من الدكتاتوريات، بل حتى الولايات المتحدة لم توقع على معاهدة (سيداو) مثلاً. والدول الموقعة نفسها تقدم تحفظات كثيرة على بعض البنود بما يكاد يفرغ النص من مضمونه. أما سمو تلك المعاهدات والاتفاقات على القوانين الوطنية، فهو وحده ما يمكن أن يشكل حماية للمجتمع وللمواطنين الأفراد من انتهاكات السلطات القمعية، وإلا فهي تصبح نافلة في مواجهة قوانين وطنية تتعارض معها.

كاتب سوري

القدس العربي

————————

لعبة اسمها مفاوضات اللجنة الدستورية لسورية/ غازي دحمان

لو كان السوريون يشتغلون على نصوص اتفاقيات دولية توازي التي صنعت “صلح وستفاليا” (1648)، الذي أنهى حرب الثلاثين عاماً، وأرسى نظاماً جديداً في أوروبا، مبنياً على مبدأ سيادة الدول، لكانوا خلال الجولات التي قضوها في أستانة قد توصلوا، على الأقل، إلى التفاهم على الخطوط الرئيسية لمفاوضاتهم، وتحديد النقاط الخلافية والتوافقية، أما أنهم في كل جولة يبدأون من جديد، فهذا يعني أنهم يخوضون في دوامةٍ لا مخارج لها.

باتت المسألة واضحة، فالعلّة في تصميم هذه المفاوضات وهندستها، بحيث يُصار إلى تحويلها إلى لعبةٍ لتزجية الوقت، أو لعبةٍ لا تنتج غير مخرجاتٍ معينةٍ، والمشكلة أن أطرافها تواطأت على الانخراط بها بوعي كامل، كل لمصالحه الخاصة، فالعملية برمتها صناعة روسية خالصة، عمل العقل الاستخباراتي الروسي طويلاً على هندستها، بعد قراءته معطيات الحالة السورية، ومواقف اللاعبين الخارجيين المنخرطة بها، وظروف اللاعبين الداخليين، وتقديره التحوّلات التي يراهن على حدوثها ضمن نطاق زمني مفتوح.

لم يكن اختيار روسيا التفاوض على صياغة الدستور، كبند جرى إدراجه ضمن قرار مجلس الأمن 2254، خياراً عبثياً، حيث جرى اقتطاع هذا البند من سياق القرار بشكل مقصود، بحيث يتيح لروسيا الظهور بمظهر الطرف الدولي المسؤول، والذي يسعى إلى الالتزام بالقرارات الدولية من حيث الشكل، لكن روسيا تدرك أن هذا الالتزام لن يرتّب عليها إجراءات موازية، بهدف تطبيق القرار، كما لن يستطيع أي طرف دولي، إذا كانت هناك أطراف يهمّها إنهاء الكارثة السورية، توجيه النقد إلى روسيا واتهامها بالانحياز لطرف نظام الأسد.

ما فعلته روسيا أنها صنعت سياقاً يستحيل، في ظله، إنتاج حلول سلمية متوازنة للصراع السوري، لأن آليات هذا الحل معطّلة، إذ من المفترض أن يجري النقاش بشأن الدستور بعد تطبيق بند آخر وضروري، وهو تشكيل هيئة حكم من مختلف المكوّنات السياسية المشاركة في العملية، من المعارضة والنظام، تكون مهمتها توفير البيئة المناسبة لصياغة الدستور وطرحه على الاستفتاء العام. وبدون تشكيل هذه الهيئة، يصبح تشغيل آلية صياغة الدستور مستحيلاً، وتتحوّل العملية برمتها إلى حالة عبثية تتطابق تماماً مع المخرجات التي تصدّرها اجتماعات أستانة بجولاتها العديدة.

لم تخف روسيا لحظة أن ما يهمّها من هذه العملية هو المحافظة على مكاسبها الجيوسياسية في سورية بأي ثمن. وعلى الرغم من كل تبجّحات رجالات الكرملين بأن روسيا لا تدافع عن شخصٍ بعينه، إلا أن الحقيقة أن بشار الأسد كان ركيزة محورية في مشروع روسيا الجيوسياسي، كما أن جميع مخطّطات الكرملين قد جرى بناؤها على ضوء هذا المعطى واستمرارية بقاء الأسد في السلطة إلى أبعد مدى ممكن، لأن خروجه من المشهد ستترتّب عليه تداعيات على المشروع الروسي، أيا يكن خليفته.

ومنذ البداية، كانت الرهانات الروسية واضحةً في التعامل مع اللجنة الدستورية باعتبارها فرصة لتحقق بالسياسة ما لم تستطع تحقيقه بالحرب، وهو السيطرة على كامل الجغرافيا السورية وتحطيم مناطق سيطرة المعارضة، كيف؟ تعرف روسيا جيداً أن مجاميع المعارضة الحالية وجدت في ظروف الحرب، تلك الظروف أزاحت القوى المدنية من المشهد أو الكوادر الإدارية التي تستطيع إدارة مرحلة غير حربية، بما يعنيه ذلك من إدارة للخدمات والصراعات الاجتماعية والسياسية. وبالتالي، سوف تنهار هذه المناطق شيئا فشيئا، بسبب سوء الإدارة وضعف التمويل والصراعات المحلية وانعدام الإنتاجية، وصعوبة تكيف الكوادر العسكرية مع واقع السلام. وهذه حقيقة. وبالتالي، ليست روسيا مضطرة لصناعة سلام حقيقي، ما دام الزمن كفيلا بانهيار منظومة المعارضة.

وبالنسبة لنظام الأسد، لا يجد نفسه مضطرّاً للتعامل بجدّية مع أي مفاوضاتٍ سورية. يقول المنطق إن طرفاً لا يقع تحت ضغط تهديد وجودي، لا مصلحة له بخوض مفاوضات جدّية مع خصم يطالبه بتنازلاتٍ سياسيةٍ قد تؤدي إلى إنهاء سلطته، لكن نظام الأسد يجد في هذه المفاوضات مصلحة كبيرة له، فهي توفر له منبرا يستطيع من خلاله القول إنه يقوم بمهام دولة وليس عصابة، كما أكدت عليه أفعاله طوال السنوات الماضية، واستقر في إدراك أغلب الشعوب. بالنسبة لنظام الأسد المعزول، لا يكلفه الأمر شيئا سوى تشغيل لجنةٍ أعضاؤها بالأصل عاطلون من العمل في ظل حكم فردي، ليس الآخرون فيه سوى ديكور شكلي. كما باتت اجتماعات اللجنة الدستورية بمثابة موسم لإعلامه، ليتشدّق بالوطنية ويقسّم السوريين إلى وطني وغير وطني.

إذا كان المطلوب من اللجنة الدستورية استنزاف طاقة الأمل من السوريين، وإضعاف إمكانية التفكير ببدائل تحرّرية أخرى، إلى حين الوصول إلى لحظة الاستسلام وإدراك أن كل الآفاق مسدودة، لماذا تشارك المعارضة بهذه اللعبة؟ ليس سرّاً أن المعارضة باتت على هامش الحدث السوري، وهي لم تعد مهمة، حتى بالنسبة لجمهور المعارضة نفسه، بعدما تحوّلت إلى لعبة بيد أطراف خارجية لا يهمها سوى تحقيق أهدافها الجيوسياسية.

————————–

=====================

تحديث 11 حزيران 2022

———————–

هل أطلق الأسد الرصاصة الأخيرة على اللجنة الدستورية؟/ رامز الحمصي

خلال ثمان جولات، لم يحدث أي تقدم حقيقي للمشهد القائم من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، فعلى الرغم من الهدوء الذي ساد جلسات المجموعات الصغيرة من اللجنة الدستورية السورية الأخيرة، كان هناك شبه إجماع على عقد الجلسة المقبلة في الربع الأخير من تموز/يوليو، ومحاولة جعل الاجتماعات شهرية.

عدم إحراز تقدم يذكر نحو التوصل إلى حل سياسي للمشكلة السورية، والدوران في حلقة مفرغة، عبّر عنه الرئيس السوري، بشار الأسد، أمس الخميس، خلال لقاء مصور مع قناة “روسيا اليوم”، بأنه “لا يمكن أن يكون هناك استقرار بدستور يتعارض مع رغبات الشعب”، وهذا يعكس وجهة نظر دمشق حول الاجتماعات التي ترعاها الأمم المتحدة مع المعارضة السورية، فهل حسم الأسد مستقبل جولات الحل السياسي السوري.

صلاحيات الرئيس خط أحمر

الإصلاحات السياسية، وعمل اللجنة الدستورية، وصفها الأسد، بأنها موضوع مختلف تماما، عمّا يسعى إليه من إصلاحات داخلية، مضيفا “إذا تحدثنا عن اللجنة الدستورية فالمطلوب هو الوصول إلى دستور، الدستور- حسب المفترض – يعبّر عن رغبات، أخلاقيات، تطلعات، ثقافة الشعب السوري كحل وسط بين مختلف الشرائح والتيارات الموجودة في هذا المجتمع”.

وتابع الأسد، “إذا أردنا أن نصل إلى هذه النتيجة فنحن نتحدث منطقيا عن حوار بين السوريين، إذا افترضنا بأن هناك طرفين في هذه الحالة، ولكن في موضوع اللجنة الدستورية نحن نتحدث عن طرفين: الأول تم اقتراحه من قبل الحكومة السورية، وهو لا يمثل الحكومة السورية وليس موظفا فيها وبالتالي هم ليسوا موظفين دبلوماسيين، ولكن موافق عليهم، أو يمثل وجهة نظر الحكومة السورية، وهناك طرف آخر عين من قبل تركيا”.

واتهم الرئيس السوري، الطرف المعارض بتبعيته لتركيا، قائلا “هنا تكمن المشكلة، لذلك لا نصل لشيء، لأن الطرف الأول يعبر عن تطلعات الشعب السوري، أما الطرف الآخر فهو يعبر عن تطلعات الحكومة التركية، بكل بساطة”.

وعن  مخاوف دمشق بأن تأتي اللجنة الدستورية بما يتداخل مع صلاحيات الرئيس، أجاب الأسد، بأنه “أي شيء يتفق عليه السوريون هو صحيح، وأي دولة تأتي بأي شكل يجب أن تسير بالطريقة التي يحددها الدستور الجديد، هذا موضوع محسوم، لا يمكن أن يكون هناك استقرار بدستور يتعارض مع رغبات الشعب”.

وحسم الأسد مصير النتائج التي ستتوصل لها اللجنة، بأنها ستعود لاستفتاء شعبي، و”لن يأتي إلى الحكومة لكي تصدر دستورا، هذا الموضوع محسوم، فهو يعكس الشعب ورغبات الشعب، إما أن ينجح أو يسقط الدستور”.

عرقلة وتعطيل محسوم

من خلال نتائج الجولات الماضية، يرى مراقبون أن ممثلو اللجنة الدستورية في جنيف ضيعوا الوقت في مناقشات لا داعي لها حول قضايا هامشية، ومع وصول عمل اللجنة الدستورية إلى طريق مسدود، فإن الحل السياسي الذي يأخذ مطالب المعارضة في الاعتبار هو مجرد خيال في هذه المرحلة.

السياسية والباحثة الأكاديمية، وعضو اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، قالت إن “عدم فعالية اللجنة الدستورية تتعلق بحالة استقطاب كلا الطرفين المهيمنين على مسارها، وتصريحات بشار الأسد ليست سوى تأكيد على حالة العدمية السياسية بين الطرفين، ومحاولة لتبرئة الطرف الحكومي من العرقلة والتعطيل”.

وأوضحت مبيض، أن هذا التصريح لا يعتبر مستجدا، ففي بداية انطلاق اللجنة الدستورية قلل الأسد من دورها وتبرأ حتى من الوفد المسمى من قبل الحكومة، كما تكررت اتهامات متبادلة من هذا المستوى المتردي ذاته بين أعضاء اللجنة المصغرة ضمن حواراتهم أو على هوامشها، وفق حديثها.

وتابعت مبيض، “أعتقد أن هذه المجريات تدل على واقع التعطيل الحاصل في العمل الدستوري وفق تركيبة اللجنة المصغرة المهيمن عليها من قبل النظام والمعارضة، والذي يحاول ضمنها كلا الطرفين إلقاء اللوم على الطرف الآخر، وفرض سرديته والسعي لتثبيت مكاسبه من الصراع المسلح بشكل دستوري  على حساب السوريين ومعاناتهم”.

وترى مبيض، أنه وبغض النظر عن هذه التصريحات وعن الاتهامات المتبادلة بالعمالة بين أعضاء اللجنة المصغرة، فقد أدركت كافة الأطراف المتابعة والميسرة للعملية الدستورية، أن الطريق مسدود بهذه الآليات وبهذه المساعي إلى تقاسم السلطة بين قوى الصراع القائمة، وأن مسار الاستقرار يتطلب تحييد هذه الأطراف عن استلاب صوت السوريين والسعي لمسار مؤسس لدولة سوريا الحديثة، عبر كتلة مدنية حيادية تجاه جميع القوميات والمذاهب، وتسعى لدستور يثبت أسس مواطنة متساوية.

وذكرت مبيض، أن وضع اللجنة المصغرة اليوم لا يحقق هذه المطالب؛ بسبب هيمنة تيارات ذات خلفيات قومية أو دينية أو أيديولوجية على مفاصله والدفع لإعادة تدوير المنظومة السابقة بكافة أطرها القمعية المتشددة، وما أنتجته من تطرف ودمار لحق بسوريا وأهلها على مدى عقود طويلة.

مسلسل بحلقات متكررة

في ختام الجولة الثامنة، قال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، إن الجولة الثامنة من المحادثات بشأن دستور جديد لسوريا اختتمت أمس الجمعة، ولم تحرز الأطراف المتنافسة تقدما يذكر، لكن الدبلوماسي النرويجي، ذكر أن الوفود أحرزت تقدما ضئيلا.

وناقشت المحادثات المبادئ الدستورية، بما في ذلك الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها، وسيادة الدستور، وتسلسل الاتفاقيات الدولية، والعدالة الانتقالية، وتم قضاء يوم واحد في مناقشة مسودات النصوص الدستورية الخاصة بكل مبدأ والتي قدمها أحد الوفود.

وبالرغم من مشاركة دبلوماسي إيراني رفيع المستوى في الجولة الثامنة، ومناقشة المبعوثون الممثلون لإيران وروسيا وتركيا والأمم المتحدة نتائج المفاوضات حول الدستور السوري، إلا أن مكتب بيدرسن، قال في بيان، “ظلت الخلافات كبيرة، وفي البعض الآخر، كانت هناك نقاط مشتركة، وفي الوقت نفسه، حدد المبعوث الخاص بطء وتيرة العمل، واستمرار عدم القدرة على تحديد وإبرام المجالات الملموسة للاتفاق المؤقت، باعتبارها مجالات يوجد فيها مجال كبير للتحسين”.

الجدير ذكره، أن آراء الشارع السوري، تصب في أن مسار الحل السياسي في سوريا، بدأ يواجه خطر النسيان على الصعيد الدولي، وذلك تزامنا مع الفشل المستمر لمسار اللجنة الدستورية السورية، التي برأيهم أنها تساهم في زيادة استعصاء مسار الحل السياسي، بعدما فشلت جميع جولاتها في تقديم رؤية توافقية عن الحل السياسي في البلاد، أو رؤية مشتركة للخروج بدستور جديد، في وقت لم يتم فيه التوجه الجاد نحو البدء بتفعيل خطوات فاعلة وملموسة نحو انتقال سياسي حقيقي في سوريا.

الحل نت

————————-

اللجنة الدستورية.. دورانٌ في الفراغ/ محمد السكري

اللجنة الدستورية جولةٌ ثامنة، حفاظٌ على أدوات بناء الثقة للفاعلين ودورانٌ في الفراغ للسوريين.

استأنفت اللجنة الدستورية أعمالها في إطار العملية السياسية السورية في جولتها الثامنة أعمالها في نهاية حزيران/ يونيو، 2022 حيث أقرّت الأطراف من جديد أربعة مبادئ دستورية جديدة لمناقشتها والتفاوض حولها وهي؛ الإجراءات القسرية أحادية الجانب من منطلق دستوري الذي قدمه وفد المجتمع المدني المحسوب على النظام السوري، ومبدأ الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها المقدّم من قبل وفد النظام، بينما قدمت المعارضة مبدأ سمو الدستور وتراتبية الاتفاقيات، كذلك العدالة الانتقالية الذي قدمه وفد المجتمع المدني المعارض.

لكن ومع انتهاء الجولة، لم يتم التوصل إلى أي نتائج عملية تتعلق بإمكانية إحراز تقدم، لذات الأسباب التي لطالما يتحدث عنها وفد المعارضة السورية “تعطيل النظام”. الحقيقة، أنَّ مسار اللجنة  -إن اعتبر مسارًا- من الأساس فقد السوريون الثقة به ولا سيما وأنَّه يراه كثر جزءاً من تفاهمات إقليمية جرّت بين القوى في خضم منصات آستانا وسو تشي، قبل أن تنخرط به الأمم المتحدة معه كأمرٍ واقع عبر تقديم تفسيرات جدلية واستغلال فضفاضية القرار الأممي 2254 (2015) فيما يتعلق بالانتقال السياسي.

لكن، الخرق حصل في التراتبية حول الانتقال السياسي وسلال دي مستورا “المبعوث الأمم السابق”. إنّ تماهي الأمم المتحدة مع المسار يتعلق بعدم وجود جدوى وقدرة على تشكيل ضغط على النظام، مع غياب الفعالية الأمريكية وتسليمها أوراق الملف لروسيا.

كان هناك اعتقاد أنّ التقارب التركي- الروسي، قد يؤصّل لأرضية مهمة في التفاهمات السياسية حول الملف، مع قدرة كلاهما على ترحيل/ تجاوز الكثير من العقبات الأمنية والعسكرية وتعميق التفاهمات الثنائية في إطار اتفاقية سوتشي وبروتوكولاتها.

والحقيقة، أنَّ هذا الاعتقاد كان من الصعب في مكان أن يُطبّق على العملية السياسية من مدخل اللجنة الدستورية التي تعتبر تنازلاً كبيراً قدمته المعارضة في خضم جملة من التنازلات السابقة المترافقة مع حجم القوى المهيمنة على الملف، لسبب جوهري يتعلق بالأهداف، لأنَّ التفاهم السياسي سيؤدي حتماً لإحداث خرق في المنظومة المُشكّلة للدولة السورية، عبر مشاركة المعارضة على الأقل من البعد القانوني وهذا يمثل خطراً كبيراً على إيران بالتحديد أكثر من روسيا التي بدورها تشارك طهران بالاعتقاد.

 فضلاً عن أنَّ إحداث أي تقدم في المسار السياسي قد يرفع أصوات/ طموحات المعارضة بشأن الانتقال/ العودة إلى السلال الأخرى.

 وهذا بالفعل نراه قد يحصل باستمرار ففي الجولة الثامنة التي جرت مؤخراً قدّمت المعارضة مبدأ العدالة الانتقالية في إطاره الدستوري.

 في حين قدم النظام مبدأ الحفاظ وتعزيز مؤسسات الدولة، وكلاهما يمكن فهمهما وفق السياق السوري في إطارهما السياسي وليس الدستوري.

النظام يريد انتزاع الاعتراف بمؤسسات الدولة عبر الخلط بين مصطلحي “الدولة” و “النظام” وإرغام المعارضة على الاعتراف بعدم شرعية عمل مؤسساتها. في حين المعارضة، أرادت أن تُعيد ملف العدالة الانتقالية إلى الواجهة من جديد من خلال المبدأ الدستوري الذي قدمته لسببين الأول؛ إعادة الزخم الشعبي والقبول بالمسار في أوساط الحاضنة الشعبية، وتوجيه رسالة للنظام بأنّ اللجنة جزء من العملية السياسية أي أنّ هناك مسارات أخرى يجيب العودة لها لاحقاً، وعلى هذا الأساس يمكن إدراك حجم الهوّة بين الأطراف.

يبدو أنَّه ثمة توافق يحدث بعيداً عن هذه الخلافات، وهي جراء انعكاسات تفاهمات الفاعلين في مسارات أخرى على رأسها آستانا أو على الأقل يستثمر النظام في الضغط المستمر على المعارضة أو تنازلاتها التي تقدمها وهذا يدفع لربط المسارات السورية ببضعها البعض بشكل مستمر، وربما يلخص مبدأ “الإجراءات القسرية أحادية الجانب من منطلق دستوري” الذي قدّمه المجتمع المدني هذا الاعتقاد بكونه يُطالب برفع العقوبات عن الدولة أي النظام، عبر إنهاء العمل بقانون قيصر أو عقوبات المجلس الأوربي والعقوبات الدولية، بكونهم أتوا في غمار المواقف السياسية دون بحثهم مع الدولة مما يعتبر خطوة “قسرية”.

 واللجنة الدستورية، ليست ببعيدة عن استغلال النظام تذمر الدول الإقليمية من ملف اللاجئين والوعود/ التطمينات التي يقدمها لدول الجوار من أجل إعادة اللاجئين للاستثمار في الملف بغرض إفراغ العملية السياسية من مضمونها التي بالفعل باتت تعتبر انعكاساً مستمراً للتطورات ومساحات عمل ممتازة له، لقوننة مساعيه السياسية التي تتطور باستمرار.

ومن المهم الإشارة إلى أنَّ طلب رفع العقوبات هو استكمال لمخرجات آستانة 17-16 على الأقل اللذان ينصان على ضرورة إنهاء العقوبات على “الدولة” وتوفير البيئة الآمنة والمحايدة والتحضيرات لمؤتمر اللاجئين الذي تحضر له دول اللجوء.

مع ذلك، يمكن القول إنَّ مسار اللجنة الدستوري، لا يمكن اعتباره إلّا مجرد ملء للفراغ السياسي في إطار العملية السياسية كأداة لتعزيز الثقة بين الأطراف الإقليمية خوفاً من انهيار التفاهمات المشتركة أمنياً وعسكرياً.

لذا، الحفاظ عليه يمثل أولوية مهما كان عبثياً دون أن يكون هناك اهتمام بمدى فعاليته.

 بالتالي، عند تقديم فرضيات عن آليات تحقيق تقدم في العملية السياسية لا يجب اعتبار القرار الأممي 2254 أو اللجنة الدستورية _إن اعتبرت مجازاً ضمنه_ وسيلة لذلك، تمر عبرها الحلول للملف، بل مجرد أداة، لأنَّ الوسيلة الوحيدة بشأن تنفيذ المقررات الدولية تمر عبر تقليل حجم الفجوة بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري مثل؛ تركيا، روسيا، أمريكا، على الأقل وأي تفاهم بين تلك الفواعل سينعكس بطبيعة الحال على المسار السياسي.

 وعند قراءة المشهد السوري هذه الآونة نرى أنَّ حجم التباعد يرتفع باستمرار، وما زالت الخريطة متبدلة، خاصةً في ظل “الحرب الأوكرانية” وتعطيل مسار “المفاوضات النووية” الإيرانية الغربية، مما فرض معطيات جديدة متعلقة بإيران وروسيا وإسرائيل، وتركيا وأمريكا، وروسيا وتركيا.

وعلى هذا الأساس كما هو متوقع، أنهت اللجنة الدستورية أعمالها في الجولة الثامنة دون أي نتائج جديدة.

——————————-

=====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى