سياسة

“الإمارات تغزو العالم”: اسرائيل النموذج والحليف/ بشير البكر

للإمارات العربية المتحدة، وجهان. الأول تديره ناحية الغرب، كي ينعكس في مرآة الحداثة والتسامح الديني والتنوع الاقتصادي. والثاني أقل شهرة، يقوم على الاستبداد، والتعتيم المالي، وغسيل الأموال، لا سيما تلك التي تم تحويلها من المساعدات لأفغانستان. وقبل كل شيء، السعي الدؤوب إلى النفوذ الدولي، ولذا شاركت في العقد الأخير في حرب اليمن، حصار قطر، وزادت من تدخلاتها في شؤون الدول العربية الأخرى. وباتت الثورة المضادة هاجس ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، رجل الإمارات القوي، المدلل من القوى العظمى، والذي تمتاز سياسته الخارجية، بشكل أساسي، بالرغبة في ضمان بقاء الإمارات في بيئة متقلبة، وينعكس ذلك، بشكل خاص، في التحالف مع إسرائيل.

هذا الوضع المركب هو موضوع الكتاب الأخير للباحث الفرنسي وأستاذ العلاقات الدولية سيباستيان بوسوا، والذي صدر بالفرنسية عن دار “ماكس ميلو” بعنوان “الإمارات العربية المتحدة لغزو العالم”. والهدف هو تقديم قراءة مركزة لحال هذه الدولة التي ظهرت في غضون عقود قليلة، لتطرح نفسها مستنيرة وحديثة وليبرالية. لكن وجهها الآخر، يكمن في أنها عندما لا تشن حربًا، تتدخل في شؤون دول أخرى مثل تونس، اليمن، ليبيا، السودان، ارتيريا، وأثيوبيا، وربما دول أخرى في المستقبل.

يقول الباحث الفرنسي، إن أبوظبي “في نضالها من أجل البقاء والازدهار لديها نموذج تحتذى به هو إسرائيل”. وتشكل الدولة العبرية في خيال محمد بن زايد “المعقل الذي قاتل من أجل الحرية في المنطقة”. ويرى أن المقارنة قد تبدو متناقضة؛ وسخيفة “كيف تحافظ على سلامتها في سياق جيوسياسي عدواني وغير موات، وتسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية لا مثيل لها في مواجهة أعداء أقوياء؟، إلا أن كلاهما يشترك في رؤية إيران باعتبارها العدو النهائي”. ويقود ذلك إلى “إضفاء الطابع الإسرائيلي على أبوظبي”، كما جاء في شهادة عالم إسلامي فرنسي سوري، باسار طهام، في مقابلة أجراها معه الكاتب في تشرين الأول 2019، بعد خطاب ألقاه أمام “لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية” (أيباك)، وزير الشؤون الخارجية الإماراتي السابق أنور قرقاش، الذي اجتهد لتعديل الماضي، معربًا عن أسفه لـ”المقاطعة الجائرة المستمرة منذ عقود لإسرائيل”. بالنسبة له، “كان هذا خطأ فادحًا للغاية، ولسبب وجيه: ما نتشارك به اليوم أكثر بكثير مما نخسره، لا سيما من خلال أخذ مثال إسرائيل من أجل بقائها”.

أحلام العظمة

وبالنسبة للكاتب، “الإمارات هي مجرد مثال واحد من بين العديد، لإضفاء الطابع الإسرائيلي، على الدول العربية الصغيرة، الدول الصغيرة جدًا، التي لديها أحلام العظمة. ولكون الإمارات بلد صغير وفي ضوء ما حدث في الشرق الأوسط، أدرك قادتها أن الأموال يجب أن تستخدم لتصبح دولة قوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى: علمية، عسكرية (شراء سلاح، تصنيع، سياسة خارجية)، واقتصادية (استثمار أجنبي). تصبح إسرائيل بشكل غير مباشر مثالاً لهؤلاء الناس. إن نجاح إسرائيل هو الذي سيدفع أقليات معينة في البلاد نحو فكرة دولة صغيرة وقوية وتوسعية”. ويضيف: “أدركت أبوظبي أنه لن يكون هناك خلاص من دون ظهور إمارة متنوعة مسلحة.. وأصبحت المدينة حصنًا، كما كسبت معارك جديدة مع دبي لزيادة السيطرة على الموانئ حول العالم، وهي تقوم بتدريب المرتزقة في إفريقيا لتأمين الممرات البحرية ضد القراصنة، خاصة في القرن الأفريقي”.

واتخذ الصعود الإماراتي الإقليمي في الشرق الأوسط، خطوة جديدة في أغسطس 2020، من خلال تطبيع العلاقات مع اسرائيل، تحت مسمى “اتفاقيات إبراهام”. ويتعلق الأمر بشكل أساسي بـ”تشكيل جبهة موحدة مشتركة ضد إيران مع المملكة العربية السعودية. لكنه أيضًا تحقيق لخيال إماراتي قديم يرى أيضًا في إسرائيل نموذجًا استثنائيًا للتنمية”. ولا ترى الإمارات في هذه الخطوة شيئاً خطيراً طالما أنها صعدت بين القوى الإقليمية”، وحتى لو بدت تحالفات أبوظبي للوهلة الأولى غير طبيعية وصادمة لأكثر من دولة عربية، “لا يرى محمد بن زايد أي مشكلة هناك لأن الهدف سيكون توحيد القوى ضد العدو الأول للمنطقة: إيران. في المقابل، تستفيد أبوظبي من العبقرية الإسرائيلية في ما يتعلق بتقنيات المعلومات الجديدة، والأسلحة، والأدوات الأمنية، لا سيما علم التحكم الآلي، لضمان بقائها وتسلقها أعلى من أي وقت مضى، وهذا مشروع”. ويرى الكاتب أنه “يستند إضفاء الطابع الإسرائيلي على الإمارات إلى نموذج الدولة الناشئة، الذي جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتخيل شخصيًا، لكنه قبل كل شيء ألهم محمد بن زايد لتطوير بلاده من خلال الدعم المقدم القائم على صناعات عالية التقنية، صناعات التسلح والأمن، الحماية الإلكترونية، التنويع الاقتصادي، والاستثمارات في جميع أنحاء العالم”.

“إغواء غير متكافئ، لكنه متبادل”. كما يستنتج الكاتب وكدليل على ذلك، التقطت صورة لوزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، يسرائيل كاتس، في تموز 2019، في ساحة مسجد الشيخ زايد في أبوظبي، وذلك لتأكيد اهتمام تل أبيب بالسياسة الإماراتية، وليس فقط من الناحية الأمنية. وشارك وفد من طلاب المدارس الثانوية الإسرائيلية في مسابقة دبي الأولى المخصصة للروبوتات، والتي فاز فيها ممثلو الامارات بأربع ميداليات. وفاز الوفد الإسرائيلي بميداليتين ذهبية وفضية، وتأهل للمرحلة النهائية في الولايات المتحدة، حيث التقى أيضًا إيطاليا وأوغندا وأستراليا. وقال وزير العلوم والتكنولوجيا في حينه أوفير أكونيس “لقد حققوا نتائج غير مسبوقة” وإنه “لم يشك قط في قدرتهم على تحقيق نتائج عظيمة”.

المراقبة

ولفهم ما هو على المحك في هذا التحالف المفاجئ مسبقًا، يقترح الكاتب الرجوع إلى “أوراق بنما” التي تكشف أن ماتي كوخافي، رجل الأعمال الإسرائيلي الذي جمع ثروة من العقارات، أصبح تاجر أسلحة بارزًا، يعمل كوسيط بين الدول المهتمة. وفي سياق ما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أنشأ إمبراطورية للمراقبة الإلكترونية توفر حلولا تجمع بين الكاميرات وأحدث الحواجز الأمنية. و”خوفاً من العدوان الإيراني”، دعت الإمارات كوخافي، لوضع تجهيزات للدفاع عن نفسها مقابل مبالغ كبيرة.

وكشفت وثائق حصلت عليها صحيفة “هآرتس” في العام 2017 عن صفقة بقيمة ثلاثة مليارات شيكل (أكثر من 760 مليون يورو)، كان سيتم دفع جزء منها نقدًا. يشمل هذا المبلغ إحدى الشركات التابعة للمجموعة وشخصيات إماراتية. ويكشف الفحص الدقيق لمراسلات مسربة من شركة أبلبي القانونية والمالية أن جيش الإمارات، معجب جدًا بأداء طائرات المخابرات الإلكترونية الإسرائيلية والبريطانية، ولهذا أراد الحصول على هذا النوع من القدرات الجوية تحسباً لشن حرب ضد إيران.

ويقول الكاتب أن اهتمام محمد بن زايد بالتكنولوجيا الإسرائيلية يعود إلى العام 2008. وأول توترات كبيرة مع إيران كانت بسبب بدء التعاون بين الامارات وإسرائيل، من خلال تحديث طائرتين مدنيتين قديمتين من أجل تحويلهما إلى أجهزة تجسس مزودة بمعدات مراقبة. ويشرح الكاتب أن ذلك تم ذلك من خلال سلسلة من “الترتيبات” المالية التي مرت عبر شركات واجهة، وفي حالة طائرات التجسس، اختار الجيش شركة في أبوظبي تحمل اسم “النظم المتكاملة المتقدمة” (AIS)، تم إنشاؤها العام 2006 ويملكها عبد الله أحمد البلوشي، المقرب من أجهزة المخابرات. ويضيف الكتاب، ترد بين الوثائق فاتورة مؤرخة العام 2015 بمبلغ 629 مليون يورو للطائرتين المجهزتين وصيانتهما، بزيادة 80 مليون عن الترتيب المبدئي بين الجيش الإماراتي والإنجليزي، والذي يعود تاريخه إلى العام 2010. أجهزة الاستشعار وبرامجها المخصصة لاعتراض الإشارات الإلكترونية (ELINT) مقابل 65 مليون يورو، والهوائيات بعيدة المدى وبرامج فك التشفير للاستماع واعتراض الاتصالات مقابل 80 مليون يورو، ونظام الحماية الذاتية للطائرة مقابل 42 مليون يورو، وترتيب الكاميرات المائلة بأكثر من 40 مليون يورو و35 مليون يورو للدعم والصيانة.

وعهدت الشركة الاماراتية AIS  بمشروع التكامل إلى شركة AGT International  السويسرية التابعة لشركة كوخافي التي تشتري المعدات، ثم تعهد السوق بدمجها لشركة Marshall البريطانية مقابل 100 مليون دولار. وبالإضافة إلى هذه الصفقة، نجد شركة كوخافي في واحدة من أكثر المناطق حساسية في الإمارات. ويكشف الكاتب أن شركة AGT International هي التي وفرت الآلاف من الكاميرات وأجهزة قراءة لوحات الترخيص وجميع البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات لإدارة الأمن الحضري في أبو ظبي، وعلى جميع الحدود ونقاط الدخول في الإمارات. تتم إدارة كل هذه البنية التحتية بواسطة نظام ذكاء اصطناعي تقدمه شركة Wisdom، وهي شركة إسرائيلية مسؤولة عن خلط ملايين مقاطع الفيديو والصور الملتقطة في جميع أنحاء الإقليم في الوقت الفعلي، من دون أي ضمان بأن هذه البيانات ليست تحت سيطرة كيانات أخرى غير الامارات، ويمكن أن توظفها إسرائيل لصالحها في حروب هجومية في غزة، تدخلات عسكرية موجهة ضد الأعداء، استخدام أسلحة غير تقليدية، هجمات إلكترونية حكومية، إلخ. وفي صيف العام 2021، عززت فضيحة برنامج Pegasus، الذي تسوقه شركة NSO الإسرائيلية، الشكوك التي ألقت بثقلها على أسس العلاقة بين اسرائيل والإمارات. ويستشهد الكاتب بما كتبه الصحافيان المتخصصان داميان ليلوب ومارتن أونترسينغر “تحمي إسرائيل وتعتز بـNSO، وهي أداة من أدوات قوتها الناعمة، والتي قد يكون توفيرها للحكومات قد ساهم في استعادة العلاقات الدبلوماسية. تسلط أنشطة NSO الضوء جزئيًا على التقارب الأخير بين إسرائيل والسعودية أو المجر أو المغرب…

ومن الواضح أن التقارب بين دول معينة وإسرائيل يبدو مرتبطًا بتسويق أداة التجسس هذه، والتي تعد أفخاخها هائلة: ومن المحتمل أن يكون قد أصيب 50000 رقم هاتف، بما في ذلك أرقام رؤساء دول ومعارضين، ونشطاء ومحامين وصحفيين. بينها شبكة مكتب رئيس الوزراء في “داونينغ ستريت”. حسب مختبر “سيتيزن لاب” الكندي، المختص بالبحث في الجرائم الإلكترونية ونظم المعلومات، في بيان صدر عنه يوم الاثنين الماضي.

ويذهب الكاتب إلى مشاريع الامارات في افريقيا، فهي “تهاجم الآن إفريقيا جنوب الصحراء بشكل علني. هذا هو الهدف الجيوستراتيجي الجديد لمحمد بن زايد لضمان مستقبل بلاده”. ويرى أن ما حدث في السودان وما يحدث في إثيوبيا يبشر بالمزيد من التدخل الإماراتي “كل ما في منطق جعل الإمارات، ليس فقط دولة إسرائيلية ناشئة، ولكن أيضًا محرضًا دبلوماسيًا وعسكريًا في القارة”، ويشرح بالتفاصيل كيفية تحول الإمارات، بمنافسة الصين، إلى فاعل استعماري رئيسي، للاعتداء على الأراضي والبحار، ونهب الثروات، المياه والمعادن وحتى التربة الغنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى