سياسة

المسيّرات الانتحاريّة” سلاح الأسد لتجويع السوريين/ مصعب الياسين

27.02.2024

تصاعدت حدة الهجمات من قوات النظام وميليشياتها بالطائرات المسيرة الانتحارية، إذ وثّق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) منذ بداية عام 2024 حتى 22 شباط/ فبراير من ذات العام، 13 هجوماً بطائرة مسيرة انتحارية استهدفت مدنيين.

في منطقة سهل الغاب غربي حماة حيث الخضرة وحقول القمح تمتد على أكثر من 40 ألف دونم، كان محمد زكريا جنيدي وأطفاله الثلاثة يتجولون في حقلهم، ويزيلون منه الأعشاب الضارة وسط جو من الفرح والألفة، قبل أن تُباغتهم طائرة انتحارية مسيرة، أثناء عودتهم للمنزل وتصيبهم جميعاً بجروح متوسطة الشدة.

يقول قريب لمحمد لـ”درج” تعليقاً على هذا الاستهداف:” لا مجال لنا في الحياة سوى زراعة أرضنا والعمل بها للحصول على رغيف الخبز بعد أن هجرنا من المنطقة لسنوات طوال، وعشنا في المخيمات بأدنى مقومات الحياة، وخلال السنوات القليلة السابقة تمكنا من زراعة الأرض على رغم كل الظروف التي تهدد حياتنا، وعدم ضمان حصادنا للقمح بسبب القصف المستمر من قوات النظام والطائرات الروسية”.

يقول محمد أنهم في كل عام يواجهون تهديداً جديداً من النظام وحلفائه، لإرغامهم على ترك  أرضهم والهجرة قسرياً نحو المخيمات، يضيف :”هذا العام ومنذ أيام قليلة صعّدت قوات النظام من هجمات الطائرات المسيرة الانتحارية لتستهدف عائلة قريبي على دراجتهم النارية وتصيبه وأطفاله بدون أي ذنب”.

تصاعدت حدة الهجمات من قوات النظام وميليشياتها بالطائرات المسيرة الانتحارية، إذ وثّق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) منذ بداية عام 2024 حتى 22 شباط/ فبراير من ذات العام، 13 هجوماً بطائرة مسيرة انتحارية استهدفت مدنيين.

تركزت الهجمات على مناطق شمال غرب سوريا، لا سيما القريبة من خطوط التماس بين مناطق سيطرة تلك القوات من جهة، ومناطق سيطرة المعارضة من جهة أخرى، والتي تشغلها مساحات زراعية بات ملّاكها الهدف الأول لتلك المسيرات.

الموت جوعا أم بطائرات الأسد

يتجنب المزارعون في مناطق التماس التحرك بالسيارات، كي لا يكونوا هدف لصواريخ قوات النظام كحال السنوات السابقة بحسب المزارع عياش الحسين، إذ شهدت السنوات الماضية مقتل العديد من المزارعين جراء استهداف سياراتهم وجرارتهم الزراعية بصواريخ الكورنيت المعدلة والمطورة للمدى البعيد، ما أفضى إلى اعتماد المزارعين على التنقل بدراجاتهم النارية لرعاية محاصيلهم، بيد أن الأيام الماضية جعلت تلك الدراجات هدف هي الأخرى لنوع آخر من الأسلحة.

يقول المزارع أبو عبد الرحيم: “كنت أنا وجيراني المزارعين نذهب يومياً لحقولنا لتفقدها والعمل بها، لكن بعد هجمات قوات النظام بالطائرات الانتحارية لم نعد نأمن التجول بمنطقتنا حتى سيرا على الأقدام، وذلك بسبب ما شاهدناه من أثر تلك الهجمات بالطائرات المسيرة الانتحارية على مزارعين آخرين، ولا نعلم هل سنهجر حقولنا ونتركها للمجهول أم سننجبر على العمل بها لتحصيل لقمة العيش تحت شر الطائرات المسيرة الانتحارية”.

لم يسلم أحمد الوليد هو الأخر من نيران قوات النظام أثناء ذهابه للعمل بحقله في منطقة غرب حلب على دراجته النارية، التي أصبحت هدف للطائرات المسيرة الانتحارية منذ مطلع شهر شباط\فبراير2023 .

يقول أحمد الوليد وهو على سرير الاستشفاء من جراحه الشديدة الخطورة:” كنا نتوخى التحرك بالسيارة لقضاء أعمالنا الزراعية خوفا من استهداف النظام لسيارتنا بالقذائف الصاروخية أو المدفعية، لكن أكثر ما كنا نستبعده أن يتم قتلنا وملاحقتنا على دراجتنا النارية باستخدام طائرات مسيرة انتحارية، سقطت إحداها بالقرب مني وانا على دراجتي النارية، ما أسفر عن إصابتي بجروح خطرة وتعطيل دراجتي النارية”.

لم يقتصر استهداف الطائرات المسيرة الانتحارية المزارعين فحسب، بل طال مربي الأغنام ورعاتها بحسب الراعي فادي المصباح، إذ بات الخطر محدق بقطعان الأغنام ورعاتها من قبل قوات النظام قبل أي وقت مضى، ويتخوف فادي على قطيع أغنامه الذي هرّبه قبل سنوات من قريته في جبل شحشبو قسريا تحت ضربات النظام وروسيا، ليلحق به الخطر اليوم إلى منطقة سهل الغاب التي وجد فيها فادي ضالته لرعي أغنامه مع انحسار المناطق الرعوية في شمال غرب سوريا.

“هذا العام ومنذ أيام قليلة صعّدت قوات النظام من هجمات الطائرات المسيرة الانتحارية لتستهدف عائلة قريبي على دراجتهم النارية وتصيبه وأطفاله بدون أي ذنب”.

شركاء في القتل

تشير آلية حركة الطائرات المسيرة وبقاياها إلى أنها طائرات إيرانية صنعت بأساليب محلية وغير مكلفة بحسب الخبير العسكري ماهر أبو أحمد، إذ يتم تصنيع الطائرات بخبرات إيرانية وتطويرها يتم بواسطة خبراء إيرانيين وروس ضمن غرف عمليات في مناطق سيطرة قوات النظام غربي منطقة سهل الغاب، لاسيما معسكر جورين ونقاط التمركز في شطحة والجب الأحمر.

يقول أبو أحمد “إثر توقف طائرات الأسد عن التحليق واستهداف المدنيين منذ دخول القوات التركية، يلجأ النظام اليوم لاستخدام طائرات مسيرة انتحارية ليواصل استهداف المدنيين والعسكريين ولا يفرق بين مزارع أو راعي أغنام من أجل قلب الموازين باستمرار وخلق الفوضى بالمناطق التي يحاول أهلها الاستقرار وبدء حياة جديدة”.

تعتمد الميلشيات الإيرانية الحليفة للأسد في حربها على السوريين منذ سنوات على الطائرات المسيرة، ولكن لم تسجل السنوات السابقة كثافة هجمات بهذا الحد، يضيف أبو أحمد :”لطالما رصدنا تحليق تلك الطائرات المسيرة الانتحارية التي تعمل بمعدات رخيصة وبسيطة، وتحمل أجنحة حديدية وتذخر بقنابل لتسقط على الهدف بكليتها أي الطائرة وذخيرتها”.

يشير العقيد بلال الحلبي إلى أن نظام الأسد يلجأ إلى الطائرات المسيرة الانتحارية بسبب كلفتها البسيطة وقدرتها على استهداف الأفراد، والتحكم بها ضمن مسافة معينة، هذه الطائرات مزودة بكاميرات ويتم التحكم بها من غرف تحكم ومراقبة بإشراف ضباط، وهذا يفسر أن قتلهم للمدنيين والمزارعين يكون عمداً وبشكل متقصد لأن قائد الطائرة يسيرها وفقا لما يراه.

يؤكد الحلبي أن النظام وحلفاؤه يطورون باستمرار الأسلحة على أجساد السوريين التي باتت حقل تجارب لإيران وروسيا التي روجت لأسلحتها وقدراتها حول العالم من خلال قتل السوريين. وهذا ما قاله بدقة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عام 2021، الذي “تفاخر” أن الجيش الروسي اختبر أكثر من 320 نوع من الأسلحة.

تجارب متتابعة على السوريين

وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قال في حديث لوكالة تاس الروسية في الـ 21شباط\فبراير2024، إن قرار الرئيس الروسي بالمشاركة في الحرب بسوريا مكن الحكومة السورية من استعادة 90 %من الأراضي السورية بعد أن كانت تسيطر على 17 % فقط.

وأضاف شويغو، أن الطيارين الروس المشاركين في معارك أفدييفكا شرقي أوكرانيا، اكتسبوا خبراتهم القتالية خلال فترة تواجدهم في سوريا.

في حين أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ربيع العام 2021 ضمن اجتماع مع مسؤولين عن تطوير الصناعات الدفاعية وقادة بالجيش الروسي، إن الجيش الروسي يمتلك أحدث الصواريخ الجوالة البعيدة المدى وراجمات الصواريخ والقنابل الموجهة، التي تمتلك مواصفات فريدة تجعلها أفضل من نظيراتها الأجنبية.

وأضاف تم تأكيد هذه المواصفات في أعمال عسكرية حقيقية أثناء العمليات التي جرى تنفيذها ضد من وصفهم بالإرهابيين في سوريا.

شهد عام 2021 مقتل عدد من المزارعين في منطقة سهل الغاب ودمار عدة سيارات وجرارات زراعية بسبب اختبارات الصواريخ الروسية كورنيت المعدلة على أجساد المزارعين، وتعديل مدى مسيرها من 5كم إلى حوالي 10كم، ما أفضى إلى نزوح عشرات العائلات من المنطقة وهجرها لحقولها الزراعية وعودتها لحياة المخيمات.

تحقيق الكورنيت2

صواريخ كورنيت معدلة كانت روسيا جربتها على أجساد المزارعين في العام 2021

يقول الخبير الزراعي يوسف الوضاح إن الاستهداف المتكرر للمزارعين في منطقة سهل الغاب قد ينتج عنه هجر الكثير من العائلات لأراضيها هذا العام، ما يعني تدهور محصول القمح ونتاجه المستخدم كطحين للخبز،  لاسيما أن المنطقة تعتبر من السلة الزراعية الأولى بمساحة زراعة القمح وبالتالي زيادة الهوة الاقتصادية والغذائية في شمال غرب البلاد، وهذا ما يصبوا إليه نظام الأسد بتدمير المشاريع الغذائية والصناعية في المنطقة حتى يبقى السكان بعيدا عن الاستقرار والتقدم بالحياة، ليتحكم بأوراق الملف السوري دولياً، ويبقى وحده المتحكم بغذاء سكان المنطقة وحياتهم أمام المجتمع الدولي.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى