أبحاثالأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورياالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سورياتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

الأسئلة الصحيحة في تفكيك التفكير التآمري بين السوريين/ إياد الجعفري

2025.04.30

في أجواء ملحوظة من عدم الثقة بين مكونات الكيان السوري، من جراء إرث الـ 14 سنة الفائتة، بصورة خاصة، وفي حين يرتفع منسوب المساومات بين القوى السياسية والمرجعيات، لزيادة حصة كل منها في توزيع المنافع السلطوية في سوريا، تصبح التعبئة للجمهور ملحة لمصالح من يدعي تمثيل كل مكوّن، إما بما يمتلكه من تأثير ديني – مذهبي، أو بما يحوذه من سلطة أمر واقع، أو بما يتمتع به من علاقات بقوى خارجية. إحدى أدوات هذه التعبئة، الترويج لنظريات “المؤامرة”. وهي نظريات متضادة، يطرحها المروجون، وفق خلفياتهم ومصالحهم.

من ذلك مثلاً، الترويج الكثيف الذي لاقته تصريحات الأكاديمي الأميركي، جيفري ساكس، قبل بضعة أسابيع، والتي قدّم فيها نظرية مفادها، أن الثورة التي اندلعت في سوريا، في ربيع 2011، كانت بتدبير من المخابرات الأميركية، بغية إيصال الجهاديين إلى السلطة في دمشق، خدمةً لمخطط إسرائيلي. قبل ذلك، روّج البعض لتصريحات أدلت بها تولسي غابارد، مديرة المخابرات الوطنية الأميركية، في أثناء جلسة للكونغرس الأميركي، بعيد تعيينها، قالت فيها ما يصب في صالح نظرية دعم السي آي إي الأميركية، للجهاديين في سوريا. وقد أشار سيناتور ممن وجّه الأسئلة إلى غابارد، أنه من المقلق أن تكون منساقة مع السردية الروسية والإيرانية وتلك التي كانت تصدر عن نظام الأسد سابقاً.

على المقلب المضاد، استعاد البعض نظرية “مؤامرة” منسوبة للمؤرخ البريطاني – الأميركي، برنارد لويس، بخصوص تقسيم سوريا، إلى دول مذهبية. ويتم الحديث الآن بكثافة، في أوساط هذا المقلب المضاد، وفي أوساط مؤثرين من إعلاميين وناشطين، أن الحراك السياسي المناوئ للسلطة في دمشق، والذي تقوده قوى ومرجعيات تمثّل مكونات سورية توصف بـ”الأقليات”، يخدم مشروع قديم استُعيد اليوم، لتقسيم سوريا. وهي سردية، للمفارقة، كان منظّرو نظام الأسد قد طرحوها بكثافة، بعيد العام 2011، بأن الثورة السورية، نتاج مؤامرة غربية – صهيونية، هدفها الدفع نحو تقسيم سوريا.

ومع ما تشكله نظريات “المؤامرة” من قوة تعبوية خطرة للجمهور، تُستخدم من جانب أنظمة وقوى وشخصيات سياسية، يُطرح التساؤل التالي: كيف يجب التعامل مع نظريات المؤامرة؟، في شتاء 2024، نشرت دورية “تبيّن” الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، دراسة “حول نظرية المؤامرة”، خرجت بجملة خلاصات ملفتة. من بينها، أنه لا نستطيع أن نعتبر كل نظرية مؤامرة غير مبررة أو لا تستحق الاهتمام، وأن الحل، هو الاشتباك معها، وتفنيدها. لكن أبرز الخلاصات، أن نظريات المؤامرة غير قابلة للدحض. وهذا ما عُرف عنها منذ أمد طويل. مما يجعل الاشتباك مع كل منها، قضية مرهقة. ويراه كثير من الباحثين، مضيعة للوقت. وهو ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً، حينما تكون نظريات “المؤامرة” تتعلق بمنعطف تاريخي، كالذي يقف عنده السوريون اليوم.

في لحظة مصيرية سابقة، حينما اندلعت الثورة عام 2011، استخدم نظام الأسد ومنظّروه نظرية “المؤامرة” لتعبئة جمهوره ضد الثائرين. وفي كتابه المرجعي، “العقد الأخير في تاريخ سورية، جدلية الجمود والإصلاح”، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2012، يذهب الباحث السوري، محمد جمال باروت، إلى أن “المؤامرة” المنظومية التي اعتمدها النظام في ربيع 2011، كانت نتاج تقدير موقف افتراضي واستباقي، ليس في عناصره الفعلية الموضوعية، سوى حصّة صغيرة من الواقع الحقيقي.. وقد جرى تكبير هذه الحصّة وجعلها الأكبر في التقدير وبناء سيناريو “المؤامرة” عليها. وفي ذلك، يقرّ باروت بوجود وقائع فعلية، تستند إليها نظرية “المؤامرة” التي اعتمدها النظام يومها. لكنها وقائع متفرقة ومحدودة، لا ترقى لمستوى بناء سيناريو متكامل لتفسير انفجار الحراك الثوري يومها.

ينطبق ذلك على مختلف النظريات التآمرية. فهي تجمع قطعاً من الوقائع، التي قد تكون غير مترابطة، لتصوغها في سياق نظرية متكاملة، تستند إلى مبدأ واحد. قلّة من الفاعلين تحيك مخططاً سرّياً “شريراً”. ورغم أن تاريخ البشرية زاخر بالفعل، بالمؤامرات، خاصة في خضم عالم السياسة وصراعات الأمم والدول، لكن فاعلية أي مخطط، يبقى وقفاً على العوامل الموضوعية على الأرض. بمعنى، أن أي مخطط، أياً كان واضعه، إن لم يكن يستند إلى عوامل تتيح تحققه، لن يتحقق. وبالتالي، فالعوامل الموضوعية هي التي تحدد مسار الأمور، وليس المخطط. وقد يكون ذلك هو المدخل الأمثل لمعالجة أي نظرية “مؤامرة” تداعب عقول السوريين اليوم، كي لا تتحول إلى عامل تعبئة داخلية. ولتفكيك نمط التفكير التآمري، قد يكون من المفيد طرح الأسئلة الصحيحة، بدل الخوض في غياهب سيناريوهات تآمرية، يصعب دحضها، نظراً لأن المروّجين لها، يقولون أساساً، إنها سرّية.

ما الأسئلة الصحيحة التي يجب طرحها وترويجها بين السوريين اليوم، للحد من تأثير التفكير التآمري على عيشهم المشترك؟ قد تكون الأسئلة التالية، عيّنة مناسبة. مثلاً: هل أبناء “الأقليات” ينساقون وراء قياداتهم ومرجعياتهم في مناوئة بعضهم للسلطة القائمة في دمشق، من منطلق رغبتهم بالانفصال، لغاية الانفصال بحد ذاته، أم لأنهم لا يرون أنفسهم ممثلين في السلطة القائمة بدمشق، والتي تطلب منهم الانصياع لقيادتها لخمس سنوات قادمة؟ هل قيادات ومرجعيات تلك “الأقليات”، تمثّلهم حقاً، أم أنها سلطات أمر واقع، أو مرجعيات تلعب على وتر التعبئة المذهبية؟ هل تخدم تجربة الانفصال، مصالح أبناء “الأقليات”، من زاوية الاستقرار والاقتصاد، أم تضر بها؟ هل ارتفاع منسوب التشنج مع المكوّن الأكبر في سوريا، يخدم مصالح أبناء “الأقليات”، أم بالعكس؟ هل الخوف من فكرة اللامركزية أو حتى الفيدرالية، بوصفها مدخلاً لتقسيم سوريا، مبرر، أم أنه نتاج تعبئة مضادة لقوة سياسية تريد أن تكون صاحبة الكلمة العليا في عموم سوريا، وبدفعٍ من داعم خارجي لها؟ هل سوريا مقسّمة في دويلات متناغمة في مكوناتها، أفضل للقوى الخارجية ذات المصلحة بسوريا، أم أن تكون سوريا موحدة بمكونات متنوعة بينها فوارق قيمية كبيرة؟ هل فرض رؤية مكوّن ما، قيمياً، على باقي المكونات، يخدم الاستقرار في سوريا، على الأمد الطويل؟ هل فرض عقد اجتماعي بين السوريين، يبرز قيم وانتماء المكوّن الأكبر في سوريا، هو الأمثل لاستقرار سياسي طويل الأمد، أم صياغة عقد اجتماعي وسطي يجمع مختلف المكونات السورية؟

تخدم الإجابة الموضوعية على الأسئلة السابقة، في تفكيك نمط التفكير التآمري، واحتمال الانصياع له، في أوساط الجمهور السوري من مختلف المكونات. كي لا يكون هذا الجمهور منساقاً وراء تعبئة خطرة ضد بعضه، خدمةً لمصالح من يدّعي تمثيله، فيما يرمي عبء هذه “التآمرية”، على الخارج. وفيما يرتفع منسوب المساومات بين سلطات الأمر الواقع المتنازعة على هوامش أكبر من المنافع، يجب على الجمهور، غير المستفيد على الأرجح، من معظم هذه المنافع، أن يعي ضرورة عدم تورطه في أي سيناريو اشتباك دامٍ، على هامش لعبة المساومات تلك. وألا ينساق إلى أي تعبئة من هذا الطراز. كي تبقى هذه المساومات حبيسة عوالم السياسة ومفاوضاتها. فذاك هو السبيل الأمثل لحفظ ما تبقى من عيش مشترك بين السوريين.

تلفزيون سوريا

أنطر المقال

حول نظرية المؤامرة/ رجا بهلول

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى