الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورياالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سورياتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانا

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 01 أيار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

——————————-

الإدارة السورية وسؤال الشرعية/ مروان قبلان

30 ابريل 2025

نتيجة التحدّيات الكبرى التي تواجه سورية بعد سقوط نظام الأسد، يطرح مثقفون سوريون، ممن لديهم تحفظات على سياسات الإدارة الجديدة ونهجها، سؤالاً مرتبطاً بمقدار الشرعية الذي تتمتع به تلك الإدارة لاتخاذ قراراتٍ تتصل بقضايا كبرى، مثل السلام مع إسرائيل، أو طبيعة النظام السياسي والاقتصادي للدولة، أو مسألة العدالة الانتقالية، أو كتابة الدستور، وغيرها. ينطلق هؤلاء من رفضهم المقولة التي راجت بعد سقوط الأسد، ونظامه، ومفادها أن “من يحرّر يقرّر”، والتي قُصد بها غرفة العمليات العسكرية، باعتبار أن الشعب السوري هو المحرّر الفعلي لنفسه نتيجة التضحيات التي قدّمها على مدار 14 عاماً، (54 عاماً في الواقع)، وتمثلت في مئات آلاف الشهداء، وملايين اللاجئين والنازحين، ممن دُمّرت بيوتهم، وخُربت حياتهم، وضاع مستقبل أبنائهم، فيما صبر من بقي منهم تحت سلطة النظام على العقوبات الاقتصادية التي حوّلت حياتهم جحيماً، رغم الزعم أنها صممت لإضعاف النظام، وساهم آخرون في تقويض نظام الأسد من داخله. أما التحفظ الثاني الذي يسوقه هؤلاء فينطلق من أن الإدارة الجديدة غير منتخبة، وبالتالي لا يوجد وضوح حول مقدار تمثيلها للمجتمع السوري، ما يجعلها، كما هي في الواقع، حكومة انتقالية، بولاية مؤقتة، لا تملك سلطة اتخاذ قرارات كبرى.

مسألة الشرعية من القضايا المفصلية في النظم السياسية المعاصرة، على اختلافها، وقد كانت كذلك على مر تاريخ الاجتماع الإنساني، ومع تفهمنا لتحفظات بعضهم على أداء الإدارة الجديدة، إلا أننا نسجل بدورنا تحفظا على محاولة الانتقاص من شرعيتها، أقله لمنع الفوضى، وإن كنا نوافق الرأي في أنه ليس من حقّها اتخاذ قرارات ذات طابع استراتيجي قبل أن تحصل على تفويض شعبي.

وتبدو الإدارة السورية الجديدة، كأي سلطة سياسية في العالم، شديدة الحساسية تجاه مسألة الشرعية، والدليل أنه عندما دخلت دمشق فجأة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، احتارت في توصيف نفسها، أو في إعداد الشكليات التي تمكنها من الحكم باعتبارها سلطة شرعية، فرتبت لإجراءات انتقال السلطة من حكومة النظام الساقط إلى حكومة الإنقاذ في إدلب، وظلت تعمل بدستور 2012 نحو ثلاثة أشهر، حتى صدور الإعلان الدستوري في 13 مارس/ آذار الماضي. لكن هذه الترتيبات تركت قيادتها من دون صفة واضحة في هرم السلطة إلى أن اهتدت، أو هُديت، إلى أنها تستطيع الاستناد، في ترتيب وضعها، إلى ما تسمّى بالشرعية الثورية، علماً أن الإدارة الجديدة لم تؤكد على علاقتها بالثورة السورية، وترفع علمها إلا متأخّراً، فعقدت “مؤتمر النصر” الذي تم فيه جمع الفصائل العسكرية المشاركة في “غرفة عمليات ردع العدوان”، وتسمية سلطة منبثقة عنه. والواقع أن الأمور لم تكن تحتاج إلى كل هذه التعقيدات لاستلام السلطة، وبطريقة شرعية، ففي النظم السياسية التقليدية هناك ما يسمى بولاية، أو شرعية، المتغلّب، التي تمكّن سلطة جديدة من استلام زمام الحكم بعد إطاحة سلطة قديمة مكروهة شعبياً، لفترة انتقالية ريثما تتمكّن من ترتيب أوضاعها الدستورية والقانونية، وهذا أمر شائع في النظم السياسية، وفي التاريخ السياسي السوري المعاصر.

هذا يجعل المسألة التي ينبغي التوقف عندها الآن ليس ما إذا كانت الإدارة الجديدة تحظى بشرعية، أو بشرعية كافية، للحكم، فهذا أمر يقرٌّ به جزء معتبر من السوريين، بل في فهم الإدارة الجديدة لمسألة الشرعية، فالشرعية ليست بوليصة تأمين على الحياة يشتريها المرء مرّة واحدة وتبقى معه كل العمر. الشرعية، عموماً، وشرعية المتغلّب منها خصوصاً، تزيد وتنقص بمقدار استطاعة السلطة الحاكمة خدمة الوطن وتلبية احتياجات المواطنين، وتطلعاتهم. تواجه سورية اليوم جملة تحدّيات كبرى تحتاج إدارة دمشق الجديدة إلى تحقيق إنجازات بشأنها، وإلا أخذت تخسر من رصيد شرعيتها، مثل توحيد البلاد، نزع السلاح واحتكار العنف، بناء جيش وطني، تحسين الأوضاع الاقتصادية، وإدارة المرحلة الانتقالية بحكمة. وينبغي الانتباه هنا إلى أن ما يعزّز شرعية السلطة هو الإنجاز في القضايا محلّ الإجماع الوطني، أما التي ينقسم حولها الناس فلا يجوز اتخاذ قرارات بشأنها إلى أن تحظى السلطة الحاكمة بتفويض شعبي يمحضها الشرعيتين الدستورية والقانونية. لهذا كله نقول إن أكبر تحدٍّ بعد الوصول إلى السلطة هو البقاء فيها بصورة شرعية، وهذا يحتاج شفافية، ومشاركة، وخطط عمل بعيداً عن التسويق المفرط، وتجنب التقدير الزائد للذات.

العربي الجديد

——————————

المخاض السوري وبناء دولة حديثة/ علي العبدالله

30 ابريل 2025

طرح إسقاط جهات سلفية النظام البائد في سورية، والبدء بتأسيس دولة من الصفر، مخاوف من طبيعة الدولة القادمة، هل ستكون دولة حديثة أم ظاهرها حديث وجوهرها دولة الرئيس. وقد عمّقت قرارات السلطة الجديدة وطرق إخراجها قراراتها والدور المهيمن الذي يلعبه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في إدارة البلاد هذه المخاوف، فالمخاوف حقيقية وداهمة، بعد أن وضع الإعلان الدستوري أسسا دستورية تمنح الرئيس الانتقالي مداخل عملية لصياغة الدولة وفق تفضيلاته وخياراته السياسية. وهذا مسار عواقبه غير محمودة وفي غاية الخطورة، فالرئيس الذي هو في الدولة الحديثة موظفٌ لدى الدولة يقوم بصياغتها، بحيث يصبح مالكها وسيّدها من دون منازع. ليست المسألة شكلية أو خلافاً فقهياً، حيث سبق وصاغ حافظ الأسد الدولة السورية على مقاسه، وحوّلها إلى دولة الرئيس عبر دستور يمنحه صلاحيات ملكٍ في نظام ملكي غير دستوري.

حدّد فقهاء القانون الدستوري العناصر التي يجب أن تتوفّر في كيانٍ ما حتى يعتبر دولة، واتفقوا على ثلاثة عناصر: شعب وأرض وسيادة شاملة على الشعب والأرضً. وقد ترتب على هذه العناصر تحديد سلطات الدولة بالسيادة القانونية، حيث للدولة وحدها حق إصدار القوانين وتطبيقها، والسيادة السياسية، حيث للدولة وحدها حق احتكار وسائل العنف والإكراه لضمان سيادة القانون وصيانة الاستقلال إزاء الخارج، والسيادة الدولية، حيث للدولة وحدها حقّ إقامة العلاقات مع الدول الأخرى والهيئات الإقليمية والدولية. فالدولة، التي كانت تعني في القرون الوسطى السلطة أو الحُكم أو الحاكمين، غدت شخصاً اعتبارياً، شخصاً معنوياً، تتجسّد في دستور وقوانين وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، سلطة تصدر تشريعات وسلطة تنفذ، وسلطة تفتي بدستورية التشريعات وتنفيذها من عدمه. لم تسند السيادة إلى شخص طبيعي، بل إلى شخوص معنوية مجردة: الأمة، الشعب، الدولة، المؤسسات، بينما أسندت السلطة إلى شخوص طبيعية لممارستها نيابة عن الدولة، وقد قُيّدت السلطة بالدستور والقوانين، بعد أن كانت تقيّد بالقانون الطبيعي والقيم الأخلاقية العامة، فالدولة توكل سلطتها إلى من ينوب عنها في ممارستها، فالرئيس والحكومة والبرلمان والقضاء لا يملكون سيادة أصلية، إنهم وكلاء الدولة في ممارسة السيادة؛ إنهم مفوضون من الدولة، وليسوا أصحاب سيادة ذاتية، مُنحوا حقّ إصدار القوانين، واحتكار حيازة وسائل الإكراه، وحقّ استخدامها في سبيل تطبيق القوانين بهدف تأمين النظام والسلم الاجتماعي، وتمكين التقدّم في الداخل وحماية البلاد من الخارج. وهذا كله، أي حقّ استخدام السيادة بمستوياتها، مرتبط وجوداً وعدماً بشرعية السلطات التي تنالها عبر أطر وإجراءات حيث لا بد لتأسيس الدولة من البدء بتشكيل جمعية تأسيسية مؤقتة، منتخبة أو مختارة بحسب الظروف، على أن تضم نخباً ثقافية وسياسية واجتماعية ذات خبراتٍ تكلّف بوضع إعلان دستوري لضبط مسيرة البناء يعيّن بموجبه رئيساً مؤقتاً من الجمعية التأسيسية، لخبرته أو لكبر سنه، يشرف على الخطوات التالية لبناء الدولة: وضع نص دستور مؤقت وإجازته باستفتاء شعبي أو بإقراره من الجمعية التأسيسية وفق الظروف بعدها تشكيل سلطة قضائية مؤقتة من قضاة البلد من ذوي الخبرات والنزاهة تجري انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف السلطة القضائية، فتُصبح في البلاد سلطات جاهزة لتسلّم السيادة نيابة عن الدولة، والبدء وبوضع التشريعات والقوانين الناظمة للحياة الوطنية.

لم تعتمد السلطة الجديدة في سورية السبل المتعارف عليها دوليا لنيل الشرعية والسيادة، حيث ولى مؤتمر النصر رئيس إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع رئاسة البلاد خلال المرحلة الانتقالية وفوّضه بالقيام بخطواتٍ تنفيذيةٍ من حلّ الجيش وأجهزة المخابرات والأحزاب السياسية إلى تفويضه بتشكيل مجلس تشريعي، كلّف بدوره لجنة لوضع إعلان دستوري، فجاء الإعلان حاسما في تحديد طبيعة النظام السياسي: نظام رئاسي، مانحاً الرئيس الانتقالي سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واسعة في الفترة الانتقالية. أقرّه من دون عرضه على الرأي العام أو على القوى السياسية والاجتماعية، وشكل لجنة لاختيار ثلثي أعضاء مجلس تشريعي مؤقت، ومنح نفسه حقّ اختيار الثلث الباقي. وهذا على الضدّ مما ورد أعلاه حول المتعارف عليه دولياً لاكتساب الشرعية في الدولة الحديثة، والحصول، بالتالي، على تفويض الدولة لاستخدام حقوق الدولة من حق السيادة في إصدار القوانين إلى حقّ احتكار القوة واستخدامها، وحقّ تمثيل الدولة في المجال الدولي. ما جرى حتى اللحظة صورة مشوهة عن نيل الشرعية هو أقرب إلى وضع يد على سلطات الدولة عبر شرعية غير حقيقية أو شرعية ناقصة على أقل تقدير. وهذا يثير المخاوف من بقية خطوات التأسيس، حيث المقدّمات لا تشير إلى مسار يقود إلى بناء دولة حديثة، دولة الشعب/ الأمة، فالمقدّمات تشير إلى إعادة إنتاج دولة الرئيس التي شكلها حافظ الأسد بغلاف خارجي جديد سنّي وسلفي، وهي وصفة لاستمرار الخلافات والتوترات الداخلية.

تستدعي المصلحة الوطنية من القوى السياسية والاجتماعية والمدنية التصرّف بحصافة وجدّية لتعديل المسار خلال المرحلة الانتقالية بالضغط لمنح المجلس التشريعي الانتقالي القادم حق تعديل مواد في الإعلان الدستوري لصالح إعادة النظرة في بعضها، مثل المتعلقة بطبيعة النظام وتقليص بعض صلاحيات الرئيس وتقييد بعضها ومنح المجلس حقّ مراقبة عملية بناء مؤسسات الدولة العامة بحيث يكون معيار اختيار المسؤولين محكوماً بالمواطنة المتساوية والكفاءة. وهناك نوعان من المواطنة، واحدة مبنية على الهوية الإثنية وأخرى مبنية على القيم المشتركة وهي المقصودة هنا، وتدريب الجيش وأجهزة المخابرات والشرطة على احترم المواطن وحقوقه الدستورية والقانونية ومنح المجلس التشريعي حق رعاية وضع مشروع الدستور والتركيز على محتوى المواطنة والحريات وفصل السلطات وضبط سلطات الإدارات بدستورية القوانين، والتداولية، والتشاركية، وأخذ التعددية القومية والدينية والمذهبية بعين الاعتبار.

سيعترض مؤيدو السلطة الجديدة على فحوى هذه السطور ويبرّرون ما حصل بما يسمى الشرعية الثورية. تبرير فاسد، الشرعية الثورية اصطنعها قادة الانقلابات العسكرية والحركات الثورية القريبة من الاتحاد السوفييتي إبّان الحرب الباردة لتبرير السيطرة على الحكم من خارج الوضعين، الدستوري والقانوني، أي من خارج صندوق الانتخابات، تبرّر فيه عدم الشرعية بالثورية، وهي لعبة عقيمة لا طائل تحتها. والتذرّع بها تبرير لا يخفي المعنى الحقيقي لما كان يحصل: نزع السلطة بالقوة وبالغلبة، وهو ما حصل في سورية أخيراً، وهو أمرٌ مبرّر للتخلص من نظام قاتل وفاسد، لكنه لا يصلح غطاء لكل ما يأتي بعده من قرارات وممارسات، ما يستدعي التدقيق في طبيعة القرارات والممارسات التي تصدُر بعد إسقاط النظام البائد ومدى تعبيرها عن مصالح المجتمع السوري وتطلعاته وطموحاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فنوعية القرارات ومحتوياتها الوطنية والاجتماعية والاقتصادية ستسمح فقط بالحكم على عملية إسقاط النظام البائد، أهي لصالح الشعب عامة فتكون قراراتها مقبولة وتنال الشرعية الشعبية، أم هي لصالح مكوّن قومي معين أو جماعة سياسية محددة فتكون العملية ليست أكثر من الاستيلاء على السلطة ووضعها في خدمة المكوّن القومي أو الجماعة السياسية. تفيد المؤشّرات الحالية بأن عملية ردع العدوان ونتائجها جرت بأيدي قوى سلفية، كان الأمر منطقياً في سياقه، لكن هذه القوى بدأت توظّف سلطتها لخدمة توجهاتها الفكرية وطموحات قادتها السياسية وتناور لتمرير توجهاتها بسلاسة، مثل خطتها لتشكيل جيش مهني من المحترفين التي تخفي توجّهها لتشكيل جيش عقائدي سلفي، حيث يتم تأهيل العساكر ثقافيا عبر دورات تعبئة عقائدية بدراسة الفكر السلفي، تشكيل مجلس الإفتاء السوري هو الآخر انطوى على مناورة مكشوفة بإشراك ثلاثة سلفيين من السلطة فيه مهمتهم على ما يبدو مراقبة المجلس من داخله ودفعه إلى الإفتاء بما يخدم السلطة الجديدة أولاً، والسيطرة على المؤسّسة تاليا بإضعاف دور التيارات الإسلامية الأخرى فيه، الأشعرية والصوفية والمشيخية، إذ لو كان الأمر غير ذلك لتم إشراك سلفيين من خارج السلطة، تأسيس مؤسّسات وإدارات وتكليف مديرين باعتماد معيار الولاء لا الكفاءة. ما يعني أن مخاوف وهواجس قطاعات واسعة من الشعب السوري مبرّرة.

ثمّة عاملان يصبان الماء في طاحونة الرئيس أحمد الشرع، ما يستدعي المراقبة والتدقيق الشديدين: الأول، صورة الحاكم في المخيال الشعبي السوري هي صورة الخليفة، بالهالة الدينية التي تظلّله وتجعل قراراته لا ترد. وهذا يمنح الشرع فرصة العزف على وتر المخيال الشعبي بالإكثار من الظهور في المناسبات الدينية والتجوّل في الليالي لتفقد أحوال الرعية وتوظيف إمكانات البلاد في تحسين معيشة المواطنين وتخليصهم من العوز والفقر والجوع، ما يذكّرهم بممارسات الخلفاء، فيوسّع دائرة القوى الاجتماعية الملتفة حوله، ويحافظ على تعاطف المواطنين وحبّهم الذي منحوه له مكافأة على إسقاط النظام البائد، فيحصّن نفسه ضد دعوات السياسيين والخبراء وقادة الرأي. العامل الثاني عدم احتلال الخيار الديمقراطي في سورية أولوية غربية؛ فأولوية الغرب في سورية الاستقرار لتحاشي موجات هجرة وإعادة اللاجئين لديه، ما يجعله ينظر إلى قرارات الشرع من هذه الزاوية تحديداً، والنظر إليها بإيجابية إذا حققّت تطلّعه في قضية اللاجئين.

صحيحٌ أن الدولة ليست ظاهرة طبيعية، بل اصطناعية، أوجدها الذكاء البشري لتأمين حياة الجماعة، وهذا يؤدّي إلى أن تكون طبيعة الدولة متأثرة بطبيعة المجتمع الذي يقيمها ومدى تطوره السياسي والاجتماعي والثقافي، لكن هذه الحقيقة يجب ألا تكون رصيداً مفتوحاً لتبرير تلاعب الحكام والتذرّع بعدم أهلية المواطنين للحداثة والدولة الحديثة والإبقاء على طبيعة الدولة ونظامها السياسي أقرب إلى سلطة العصور الوسطى، فهذه وصفة للفشل والبقاء في الحلقة المفرغة.

العربي الجديد

—————————-

الصراع على سوريا… مجدداً/ جلبير الأشقر

29 – أبريل – 2025

إن أشهر الكتب التي وصفت الحالة السورية في مطلع ستينيات القرن المنصرم، وأحد أفضلها بالتأكيد، كتاب الصحافي البريطاني باتريك سيل (1930-2014) الذي ترعرع في سوريا وتخصّص في الكتابة عنها وعن سائر أمور الشرق الأوسط. صدر الكتاب في عام 1965 تحت عنوان «الصراع على سوريا»، وقد وصف الأحداث السورية والأحداث الإقليمية المرتبطة بها بين نهاية الحرب العالمية في عام 1945، وعام 1958 الذي شهد الوحدة مع مصر في إطار ما سمي آنذاك «الجمهورية العربية المتحدة». أما الصراع المذكور، فقد رآه الكاتب صراعاً بين المحور الغربي، مستنداً إلى المملكة العراقية الهاشمية (1921-1958) و«حلف بغداد» (1955) بقيادة بريطانيا ودعم الولايات المتحدة، وبين صعود الحركة القومية العربية، الذي جسّده «حزب البعث العربي الاشتراكي» وبعده مصر الناصرية، وقد صعد نجم هذه الأخيرة بقوة إثر تأميمها لقناة السويس في عام 1956 وصمودها في وجه العدوان الثلاثي البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي الذي تلا ذلك التأميم.

والحال أننا اليوم أمام أقصى حالة من الصراع الإقليمي والدولي على سوريا منذ أن استقرّت البلاد لمدة ثلاثين سنة تحت نظام آل الأسد الاستبدادي. حتى أن الصراع بات مفتوحاً اليوم أكثر مما في أي وقت مضى منذ أن اندلعت الحرب الأهلية في سوريا إثر قمع الانتفاضة الشعبية في عام 2011. ذلك أن التدخلين الإيراني والروسي المتتاليين أنقذا نظام آل الأسد إلى حد أن هيمنته على معظم الأراضي السورية بدت مؤكدة بعد عام 2015، بينما انحصرت المناطق الفالتة من سيطرته على أطراف البلاد. وقد عرفت ركيزتا حكم آل الأسد ضموراً حاداً في خريف العام الماضي مع تقلّص الدعم الروسي بسبب غرق موسكو في أوحال غزوها لأوكرانيا، وانهيار الدعم الإيراني، الذي تكبّد ضربة قاضية إثر الهزيمة التي مني بها «حزب الله» في لبنان من جرّاء الهجوم الصاعق الذي نفّذته الدولة الصهيونية عليه بعد سنة من تبادل القصف المحدود نسبياً.

فإن انهيار حكم آل الأسد إثر سقوط الركيزتين اللتين استند إليهما منذ عام 2015، وعجز «هيئة تحرير الشام» (هتش) عن التعويض عن الثلاثي المكوّن من قوات النظام البائد، التي كانت بذاتها أعظم بكثير مما لدى هتش سابقاً وحتى اليوم، ومن القوات التابعة لإيران وروسيا على الأراضي السورية، ذاك الانهيار وهذا العجز يعنيان أن سوريا باتت مجدداً ساحة صراع إقليمي مكشوف، بل وبشروط أكثر انفتاحاً على شتى الاحتمالات مما في أي وقت مضى في السنوات الثمانين الأخيرة، منذ نيل سوريا الحديثة استقلالها في عام 1946. والحال أن لدى «قوات سوريا الديمقراطية» وحدها، في الشمال الشرقي، من القوة العسكرية الذاتية ما يفوق ما لدى هتش (بلا مزيد من توغل الجيش التركي داخل الأراضي السورية).

أما الفارق بين صراع خمسينيات القرن المنصرم والصراع الراهن، فذو دلالة بالغة على الاختلاف الجذري بين الحالة الإقليمية آنذاك واليوم. فقد انتهى منذ وقت طويل زمن الصعود القومي العربي، وحلّ محلّه تعفّن القوى التي حملت رايته سابقاً، وعلى الأخص حزب البعث بحلّتيه التكريتية والأسدية. أما أفول الحركة القومية العربية وانحطاطها في السبعينيات، فقد فسحا المجال أمام صعود القوى الدينية بالارتباط بصعود نجم المملكة السعودية إثر تعاظم عائداتها النفطية بفعل الارتفاع الحاد الذي عرفته أسعار النفط في منتصف السبعينيات في سياق المقاطعة العربية، لمّا كانت الدول النفطية العربية تتضامن مع الجانب العربي في وجه الدولة الصهيونية خلافاً لموقفها الراهن الذي يكاد يكون غير مبالٍ لحرب الإبادة الجارية في غزة.

بيد أن العدوان الأمريكي على العراق إثر اجتياحه للكويت في صيف 1990 والقطيعة التي تلت بين المملكة وجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم احتضان دولة قطر للجماعة، وبعدها تركيا الأردوغانية على خلفية الانتفاضات العربية التي هبّت منذ عام 2011، هذه التحوّلات جعلت الصراع الإقليمي الرئيسي الراهن صراعاً بين محور تقوده المملكة السعودية بالتحالف مع الإمارات العربية المتحدة ومصر عبد الفتّاح السيسي، من ميزاته العداء للجماعة، وقد التحقت به المملكة الأردنية الهاشمية علناً بعد قرارها الأخير حلّ الجماعة على أراضيها، صراعاً بين هذه الدول من جهة، والمحور التركي من الجهة الأخرى، علاوة على الصراع السعودي-الإيراني الذي خيّم على المنطقة وبلغ ذروته مع الاحتلال الأمريكي للعراق (2003-2011) حتى الهزيمة التي مُنيت بها طهران مؤخراً في الساحة السورية.

وإزاء هذا الصراع الإقليمي، الذي يجد امتداداً دولياً له في تفضيل الدول الغربية للمحور السعودي ومحاولة موسكو تقديم خدماتها للمحور المضاد مقابل ضمان بقاء قاعدتيها البحرية والجوية على الساحل السوري، فإن أحمد الشرع وحكومة هتش الجديدة التي شكّلها يمارسان أقصى الانتهازية في محاولة لكسب الوقت والاستفادة من الخصومات الإقليمية ومن التنافس بين شتى المحاور والدول. وقد بلغت هذه الانتهازية درجة جعلت أحمد الشرع يوحي للولايات المتحدة استعداده للانضمام إلى «اتفاقيات أبراهام»، أي إلى قافلة التطبيع مع الدولة الصهيونية، مع تأكيده لحسن نواياه إزاء إسرائيل، في وقت اغتنمت هذه الأخيرة فرصة سقوط حكم الأسد كي تحتل مساحات جديدة من الأراضي السورية علاوة على ما احتلته في عامي 1967 و1973، وكي تدمّر الطاقة العسكرية النظامية السورية تدميراً شاملاً بعد أن كانت مطمئنة لعدم استخدام تلك الطاقة ضدها ما دام حكم آل الأسد قائماً (خلافاً لأساطير «محور المقاومة») ناهيك من منح إسرائيل نفسها حق الضرب عسكرياً داخل الأراضي السورية متى وكيفما شاءت على غرار ما تمارسه على الأراضي اللبنانية. وإنه لموقف مشين للغاية من قِبَل الشرع، يدلّ على تعلّق أكبر بالسلطة وبالأيديولوجيا الدينية وبالطائفية المكوّنة لحركته ممّا بالمبادئ الوطنية، وإن كان الموقف من باب التكتكة الرخيصة.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

——————————-

هل استوعبت السلطة السورية دروس الساحل؟/ أحمد طعمة

01 مايو 2025

تكشف أحداث الساحل، التي شهدتها سورية في مارس/ آذار الماضي، حقيقةً بارزة، أن الشعب السوري يفوق سلطته الحالية قوةً ووعياً، ويمتلك فهماً نافذاً لتحدّيات المرحلة، فقد أثبتت انتفاضته العفوية قدرته على دعم سلطةٍ ضعيفة، والدفاع عن تحرير العباد من إرث الفساد والاستبداد، وصدّ بقايا نظامٍ دمّر البلاد عقوداً. هذه الإرادة الصلبة، التي صمدت 14 عاماً أمام نظام الأبد والإبادة المنهار، تؤكّد أن المجتمع السوري ليس مجرّد ضحية، بل قوة فاعلة.

لكن، هل أدركت السلطة الانتقالية هذه الحقيقة؟ وهل حسبت للمجتمع حساباً يليق بإرادته والأزمات التي تستدعي تكاتفاً شاملاً؟… لقد قضى النظام السابق أكثر من خمسة عقود في تقويض هذا المجتمع، مقيّداً إياه بوظائف لدى السلطة بدلاً من اقتصاد حرّ، معطّلاً رموزه ومنظّماته المدنية والأهلية، ومصادِراً أيّ دور لنخبه الفكرية، إلا في إطار التمجيد المطلق للسلطة. وأفقرَ هذا الإرث سورية سياسياً وثقافياً، مضاعفاً أزمات الحرّية والعدالة.

تبدو السلطة الحالية غير مدركةٍ أن المجتمع تجاوز تلك القيود، مكتسباً قوّةً ذاتيةً تجعل قهره مستحيلاً، لكنّها تتصرّف بثقة مفرطة، كما لو كان الشعب ذلك الكيان المهمّش الذي سحقه النظام السابق، متوهّمةً أنها تستطيع ضبطه من دون عناء أو خوف ردّة فعل، بل إنها أساءت قراءة دعمه لها ضدّ فلول النظام البائد، معتبرةً ذلك تأييداً لها بدلاً من دفاعٍ عن مشروع التحرّر، ظانّةً أن بإمكانها شدّ عصب السُّنة متى أرادت وتوظيف الانقسامات متى شاءت، وأن أخطاءها ستُغفر بحكم تمسّك الشعب بثورته.

كان ينبغي أن تستوعب السلطة درس الساحل، وأن تتجنّب إعلاناً دستورياً يمنح رئيس المرحلة الانتقالية صلاحياتٍ مطلقة. تجاهل هذا الإعلان، المصمّم لتعزيز هيمنتها، الفئات الثورية التي حسمت المعركة ضدّ الفلول، وأغفل طموحات المكوّنات المتنوعة، سالباً الشعب حرّيته السياسية (أحد أهم أركان ثورته) بحجّة الاستقرار. لكنّ هذا التجاهل لا يرى أن المجتمع بات قادراً على فرض التغيير، وأن صمته ليس ضعفاً، بل نضجاً يدرك متطلّبات اللحظة.

ومن المؤشّرات المقلقة ظاهرة “الانصراف”، إذ قدم الثوريون الحقيقيون من الداخل والخارج لبناء ما تهدّم، فاصطدموا بحواجز أجهضت آمالهم، فعادوا بخيباتٍ مريرة، نتيجة احتكار السلطة من منظور ضيّق لا يعكس تنوّع سورية الفكري والسياسي. هذه الفئة، القادرة على حماية الدولة، قد تتخلّى عنها في أزمات مقبلة، إن لم تدرك السلطة خطورة استبعادها، فتصبح كالراعي في قصّة الذئب، عاجزةً من دون دعم شعبي.

والأشد إثارة للدهشة، قرار وزارة الخارجية رقم “53” بإنشاء أمانة للشؤون السياسية تابعة لها، في خطوة تعيد أساليب “البعث” البائد بمصادرة الفضاء العام، متجاهلةً إرث ثورةٍ قامت لاستعادة الفضاء وحقّها في السياسة. … واستمرار تهميش المجتمع أفضى إلى حكومة انتقالية تُقصي التيّارات السياسية بحجّة التكنوقراط “المحايدين”، ما يُنذر بأزماتٍ غير محسوبة، بينما تمتلك البلاد كفاءاتٍ تمثيلية كفيلة بتعزيز السلطة لو استُثمرت.

خلاصة القول: إذا أصرّت السلطة على تجاهل الشعب والقوى السياسية الثورية، فسيصبح النضال السلمي حتمياً لفرض مطالب مشروعة، وبناء دولة ديمقراطية، لا مكان فيها لحكم الفرد والعائلة، وتتّسع للجميع تحت راية الحرّية والعدالة الاجتماعية، والتداول السلمي للسلطة.

العربي الجديد

————————–

 إلى أين تتجه سوريا: نحو الاستقرار أم الفوضى؟/ محمد فواز

2025.04.30

بعد أي ثورة أو تغيير في نظام سياسي، تمرّ المرحلة الانتقالية بطبيعتها بظروف حرجة وحساسة. فالنظام القديم يخلّف وراءه أتباعاً حاقدين، وتسارع القوى الدولية والإقليمية إلى إعادة ترتيب أوراقها واستباق الاستثمار في المشهد الجديد، خاصة أن الحكم الناشئ غالباً ما يكون هشاً ولم يرسّخ أقدامه بعد، مما يقلل احتمالات الاستقرار.

في سوريا، تتفاقم هذه التحديات بفعل الموقع الجيوسياسي الحساس للبلاد، وكثرة الأطراف الطامعة، والانهيار الكامل للنظام القديم، والانحلال العميق في الواقع الاقتصادي، ما يترك فراغاً هائلاً يحتاج إلى جهود ضخمة ومساعدة خارجية كبيرة، وليس إلى استمرار العقوبات كما هو الحال اليوم.

لذلك، كان السؤال المطروح منذ بداية المرحلة الانتقالية: هل ستصمد هذه المرحلة أمام التحديات الهائلة، أم أن الظروف ستغلبها كما غلبت الثوار منتصف العقد الماضي؟

خلافاً للتوقعات المتشائمة، تشير المؤشرات في سوريا إلى أجواء إيجابية، رغم الصعوبات.

أدرك الرئيس السوري أحمد الشرع أن معادلات تثبيت النظام تكون أولًا خارجية، فانكبّ يركز على الاتفاقيات الخارجية قبل أي شيء آخر. فبعد انفلات أحداث الساحل الأليمة عن سيطرة الدولة السورية الوليدة، سارعت الدولة إلى ضبط الأحداث ولملمتها، ولكن بعد أن خلّفت آثاراً دامغة رفضها الجميع.

عادةً، وفي مثل هذه الأحداث، تسارع القوى الخارجية لاستثمارها لمصلحتها، خاصة مع استعداد الآلة الإعلامية الدعائية، ولكن هذا لم يحدث، وهو ما يؤكد عدم رغبة خارجية، وأميركية تحديداً، بتهديد استقرار النظام الجديد.

لم يخفِ الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا الأمر، بل وجّه سهامه نحو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتعطش للتدخل في سوريا، قائلاً له أن يتوجه إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويتعامل معه بعقلانية، وكان الحديث هنا تحديداً عن سوريا، ما يؤكد أن أميركا لن تطلق العنان لإسرائيل في سوريا.

وقد تُرجم هذا عملياً بتراجع العمليات الإسرائيلية في سوريا، في حين ارتفعت وتيرتها في لبنان، ما يعني أن الضوء الأخضر الإسرائيلي حاضر هناك بخلاف سوريا.

كما أن المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم وزير الخارجية هاكان فيدان، أكدوا على التواصل مع إسرائيل، وكل ذلك طبعاً تحت المظلة الأميركية.

في سياق متصل، حلّ “اللواء الثامن” بقيادة أحمد عودة نفسه بشكل رسمي، وتسلمت قوات وزارة الدفاع والأمن العام السوري عدداً من مقرات اللواء، وسيرت دوريات مشتركة معه، حتى في القلعة والفندق، أهم مقرات اللواء داخل المدينة، وهو ما تعتبر اللمسات الخليجية فيه حاضرة.

ودخلت المملكة العربية السعودية على الخط أيضاً لترتيب العلاقة بين سوريا ولبنان، ما نتج عنه توقيع اتفاق تاريخي بين الطرفين في جدة، وزيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى دمشق لفتح صفحة جديدة بين البلدين برعاية المملكة، كما واصلت المملكة اهتمامها بسوريا، لتعلن مؤخراً مع دولة قطر عن سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي.

إضافة إلى ذلك استمر الحراك الخليجي على الخط السوري، بإفراغ حراك الزعيم الروحي للموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، إذ تراجع الاهتمام به وتسليط الضوء عليه، حتى أصبح اليوم في موقف دفاعي يحاول فيه الحديث عن تثبيت السلاح خارج نطاق الدولة حتى قيامها من دون أن يسمعه أحد، وهو موقف دفاعي معاكس لموقفه قبل بضعة شهور. بالمقابل، تقدم في المشهد الدرزي السوري الشيخ ليث البلعوس، الذي أعلن دعمه لسوريا الجديدة، وأجرى مجموعة من اللقاءات المحلية والخارجية التي تصب في إطار دعم القيادة الجديدة، ليؤكد كذلك وجود توجه أممي داعم لوحدة البلاد.

هذا التوجه الأممي يُترجم بشكل تدريجي أيضاً في الجبهة الشرقية، فصحيح أن التوتر يرتفع وينخفض في العلاقة بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، إلا أن الأصل بقاء الاتفاق الذي وقّع بين الطرفين، والذي يقضي باندماج هذه القوات في الجيش السوري ومؤسسات الدولة الأخرى، والتأكيد على أن المجتمع الكردي مكون أصيل من مكونات الشعب والدولة، وهو ما لم يكن ليحدث لولا ضغط أميركي كبير.

هذا الضغط الأميركي على أهم حليف لواشنطن في سوريا تُرجم كذلك بإعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عزمها سحب ما يقارب نصف قواتها من سوريا خلال الأشهر المقبلة، وهو ما أكدت العديد من التقارير المحلية أنه بدأ بالفعل.

الإطار الأوسع للتحركات الأميركية كشفت عنه وكالة رويترز، إذ أفادت بأن الولايات المتحدة تسلمت الرد السوري على مطالب أميركية ثمانية، من بينها تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكم.

وأكدت سوريا في ردها أنها شكّلت لجنة لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية داخل البلاد، وهو ما انعكس في اعتقال عدد من قياديي حركة الجهاد الإسلامي، كما أكد رد دمشق أن سوريا لن “تشكل تهديداً لأي جهة، بما في ذلك إسرائيل”.

كل هذه المشاهد المترابطة تؤكد أن المناخ الإقليمي والدولي حالياً يتجه نحو دعم استقرار سوريا الجديدة، خلافاً لما هو معتاد في مثل هذه الظروف.

إلا أن الحقيقة تبقى أن هذه الإيجابية يمكن أن تتبدل في أي لحظة، ولن يكون الضامن في وجهها سوى تعزيز اللحمة الداخلية، وتواصل دائم، ومشاركة شاملة، وهي أمور ما تزال ضعيفة وتثير قلق الغيورين على البلاد.

تلفزيون سوريا

———————–

بعثة صندوق النقد إلى سوريا.. التفاؤل وحده لا يكفي/ منصور حسين

الخميس 2025/05/01

مع التفاؤل الذي حمله إعلان صندوق النقد الدولي تعيين رئيساً لبعثته في سوريا، داخل الأوساط الاقتصادية السورية، يثار تساؤل حول قدرة الحكومة السورية على تحقيق النتائج المرجوة من هذه الخطوة وتطبيق الشروط التي قد يضعها الصندوق للتعاون مع سوريا، في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار على مستوى السياسة والأمن وضبابية السياسات الاقتصادية المقبلة.

وبحسب وزير المالية في الحكومة الانتقالية السورية محمد يسر برنية، فإن القرار جاء بناءً على طلب الوفد السوري الذي شارك في اجتماعات الربيع التي عقدها صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، ضمن مساعي تأهيل البلاد اقتصادياً وسياسياً ودفع عجلة التعافي وتحسين معيشة الشعب السوري، بعد سقوط نظام الأسد.

تأجيل لفرض الشروط

ورغم أهمية هذه الخطوة في جهود إعادة دمج البلاد بالنظام المالي العالمي، يرى اقتصاديون سوريون، ومنهم مدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم، أنها تعكس تردد صندوق النقد الدولي بالتعاون مع الحكومة السورية وتأجيل حسم موقفه من طلب دمشق الحصول على منحة مالية، إلى حين التأكد من استمرار قرار تعليق العقوبات المفروضة على سوريا.

ويوضح الكريم، أن الصندوق “يريد الحصول على موافقة سوريا للمشاركة برسم السياسات الخاصة بآلية استلام المنحة وتوزيعها ومراجعة قوانين المؤسسات ذات الصلة، بما يضمن التأكد من المبلغ الذي تحتاجه دمشق والجدوى الاقتصادية، ودعم بناء القدرات وكفاءة المؤسسات الحكومية”.

ويقول: “غالباً فإن تركيز الصندوق على فرض شروط تدعم السياسات التقشفية في سوريا، وإعادة هيكلة الدعم وتحرير الأسعار، مع زيادة معدلات الضرائب، بما يسهم برفع المداخيل الحكومية مقابل تقليل النفقات، إضافة إلى مطالب بتوحيد أسعار صرف الليرة وضمان حرية حركة الأموال، مصحوبة بالعمل على تطوير القطاعات المصرفية وتعزيز الشفافية الحكومية”.

ومن المتوقع أن يستمر عمل رئيس بعثة الصندوق إلى سوريا رون فان رودن، مدة ثلاثة أشهر، لمراقبة وتقييم أداء حكومة دمشق خلال الربع الثاني من مرحلة تعليق العقوبات الغربية والأوربية المقررة لمدة عام واحد، قبل اتخاذ قرار التعاون مع دمشق.

وتختلف التقديرات حول قيمة المنحة التي تطلبها دمشق، حيث يجري الحديث عن توجه للحصول على مبلغ 500 مليون دولار، وهي قيمة حقوق السحب الخاصة بسوريا، باعتبارها عضواً ومساهماً. بينما يتوقع اقتصاديون، محاولة الفريق الحكومي الحصول على قرض بقيمة 50  مليون دولار أميركي، لتغطية نفقات عملية تأهيل وصيانة محطة دير علي الحرارية بريف دمشق، وهي منح ذات فائدة منخفضة تُقدم للدول الفقيرة.

ما الذي تحتاجه سوريا اليوم؟

تردد صندوق النقد يُعتبر مُتفهماً، في ظل ما تعانيه سوريا من حالة عدم استقرار على مستوى الحوكمة وتذبذب أسعار الصرف والفوضى الأمنية، فضلاً عن استمرار العقوبات المفروضة عليها وعدم إدراجها في برامج الصندوق للتنمية، ما يفرض على السلطات السورية المزيد من الجهد والعمل لتقديم ضمانات حقيقية قادرة على طمأنة الدول المانحة.

ويشير يونس الكريم إلى أن “تنفيذ جزء وإهمال آخر من الوصفة المقدمة لحكومة دمشق، يُدخل البلاد في المزيد من الفوضى والفقر، خصوصاً أن هذه المطالب تحتاج مؤسسات متينة ذات كفاءة وجودة عالية وإدارة حوكمية مستقرة، الأمر الذي يزيد الشكوك في جهوزية الحكومة لهذه الخطوة”.

بدوره، يعتبر الخبير الاقتصادي محمد جزماني، في حديث لـ”المدن”، أن ما تحتاجه سوريا حاليا “هو الدعم التقني من البنك الدولي عبر تصميم برامج ومشاريع تهدف لإصلاح قطاعات الدولة المنهكة، وهذا ما حدث بالفعل عبر إعلان البنك تقديم لمنحة مالية لدعم قطاع الطاقة في سوريا بقيمة 150 مليون دولار”.

ويقول: “ما يطلبه البنك الدولي هو خطة اقتصادية واضحة ومراقبة تنفيذ المشاريع التي يقوم بتمويلها وتقييمها على الأرض، وما يحتاجه أيضاً من الحكومة السورية، هي الشفافية الكاملة والرجوع إليه في حال وجود أي مشاكل لوجستية أو تقنية، حيث يمكن الاستفادة من الاستشارات التي يقدمها لبناء المؤسسات الاقتصادية وحوكمتها، وتقديم المشورة الفنية للانتقال إلى الاقتصاد الحر الذي يمثل هدف الحكومة الانتقالية”.

ومع ذلك، لم يفوت جزماتي الفرصة لإبداء مخاوفه من آلية تنفيذ المشاريع المتفق عليها “إذ تمثل التحدي الأكبر للحكومة السورية، بسبب نقص الكفاءات الإدارية والمهارات البشرية، كنتيجة حتمية لسياسة الانغلاق على العالم في زمن النظام البائد، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي تشكل عائقاً كبيراً أمام إكمال التعاون والدعم المقدم من البنك الدولي وأيضاً صندوق النقد مستقبلاً”.

وعلى الرغم من ضرورة الحصول على المنح النقدية بالنسبة إلى حكومة دمشق، إلا أن الهدف الأبرز بحسب من تواصلت معهم “المدن” من اقتصاديين سوريين، يتمثل بتحصيل اعتراف رسمي من قبل المؤسسات المالية العالمية، ما يعطيها مزيداً من الشرعية الدولية ويدعم موقفها في محادثات رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، فضلاً عن إيجاد مصدر استشاري موثوق في عملية بناء اقتصاد سوريا المدمر.

المدن

——————————–

مصير الأسد.. المحاكمة أم شيخوخة هادئة في بارفيخا؟/ يمن حلاق

 30/4/2025

منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأوّل 2024، الذي دخلت فيه قوات المعارضة السورية إلى دمشق، وسقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، بعد عقود ذاق فيها الشعب السوري ألوانًا من الانتهاكات، وارتكاب الكثير من الجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، طفا على مسرح الأحداث الكثير من التساؤلات التي تتعلق برأس النظام البائد، الذي حظي بلجوء سياسي إلى روسيا.

مبعث هذه التساؤلات ينبع من أن الحكومة الروسية لها سوابق عديدة في التعامل مع الأنظمة التي ثارت عليها شعوبها، وأوى إليها حكامها بعيدًا عن قبضة القانون ومنصة العدالة.

وهو الأمر الذي ينسحب على الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وما يتعلق بمصيره، خصوصًا في الآونة الأخيرة التي يجري الحديث فيها حول إمكانية تسليمه إلى السلطات الجديدة في دمشق، لتتم محاكمته وتقديمه إلى العدالة.. وهو ما يتوجب الوقوف عنده لتبيان إمكانية ذلك، وهل سيكون أول سابقة للقيادة الروسية، المعروف عنها أنها لا تتخلى عن حلفائها؟

الحليف الأوكراني في بارفيخا

تقع بلدة بارفيخا الخلّابة على مشارف موسكو، وتحيط بها غابات الصنوبر. لا تحتوي أبنية عالية أو بيوتًا متواضعة، إذ تضم منتجعًا صحيًا يمتلكه فلاديمير بوتين، إلى جانب العديد من البيوت الفارهة المملوكة للنخب الروسية.

وتعدّ بارفيخا أيضًا موطنًا للعديد من السياسيين الذين حصلوا على حق اللجوء في روسيا، ومن بينهم زعماء سابقون ليوغسلافيا وقرغيزستان وأوكرانيا وجورجيا. هناك، يقيم كذلك الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور ياناكوفيتش، الذي منحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حق اللجوء، إثر الإطاحة به عام 2014.

كان ياناكوفيتش من أبرز الحلفاء المقرّبين لموسكو، حيث منح روسيا مجموعة من الامتيازات الاقتصادية والسياسية التي عززت نفوذها الإقليمي في أوكرانيا، بما في ذلك توقيع اتفاقية تضمنت تمديد عقد إيجار ميناء سيفاستوبول حتى عام 2042، والسماح بوجود نحو 25 ألف جندي روسي في القاعدة العسكرية في سيفاستوبول ومحيطها، مع الاحتفاظ بقاعدتين جويتين لروسيا في شبه جزيرة القرم.

علاوة على ذلك، عارض يانوكوفيتش تقارب أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي، واتبعت سياساته نهجًا أبطأ في مسار انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، بما يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية الروسية.

على غرار نظيره الأوكراني، مارس الرئيس المخلوع بشار الأسد دورًا محوريًا في تعزيز نفوذ موسكو الجيوسياسي في الشرق الأوسط؛ فقد أتاح للأسطول العسكري الروسي استخدام قاعدة حميميم الجوية دون مقابل ولأجل غير مسمّى، ووقّع اتفاقًا يسمح بتوسيع المنشأة البحرية في طرطوس لمدة 49 عامًا، مع منح روسيا ولاية قضائية سيادية على القاعدة.

وقد ساهمت هذه الخطوات في تحويل الساحل السوري إلى محور إستراتيجي في البنية اللوجيستية للنشاط العسكري والبحري الروسي، خصوصًا باتجاه البحر المتوسط والقارة الأفريقية.

كذلك منح الأسد موسكو مجموعة من العوائد الاقتصادية التفضيلية، شملت عقودًا حصرية للتنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، إضافة إلى فرص استثمارية واسعة في قطاعات الطاقة والكهرباء والمصارف وغيرها. و​​من الناحية السياسية، مثّل الأسد نقطة ارتكاز أساسية مكّنت روسيا من إعادة تموضعها كلاعب مؤثر في الإقليم، على حساب النفوذ الغربي.

بعد فراره إلى روسيا، إثر احتجاجات شعبية عرفت باسم “ثورة الميدان الأوروبي”، حُوكم ياناكوفيتش غيابيًا، وأصدرت الحكومة الأوكرانية مذكرة اعتقال بحقه، متهمة إياه بالمسؤولية عن قتل المتظاهرين، والخيانة العظمى، والتحريض على العدوان الروسي على أوكرانيا.

مع ذلك رفض بوتين بشكل قاطع تسليم حليفه للمحاكمة. كان مصير ياناكوفيتش على عكس توقعات الشعب الأوكراني؛ إذ يتمتع اليوم -بعد مضي 11 عامًا على خلعه- بحياة هادئة في عقار فاخر اشتراه في بارفيخا بقيمة 52 مليون دولار.

أما مصير الأسد، الذي مضى على سقوطه 5 أشهر، فلا يزال مجهولًا وسط تكهنات عن احتمالية تسليمه في إطار المفاوضات الجارية بين موسكو ودمشق.

تسليم الحليف السوري، خرق غير مسبوق للأعراف الدبلوماسية الروسية

    هل ستسلم روسيا الأسد؟

    “مستحيل”.

بهذه الكلمة الحاسمة، عبّر الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، المعروف بلقب “عقل بوتين”، عن رفض موسكو القاطع فكرةَ تسليم الرئيس السوري المخلوع.

ويُرجع دوغين هذا الموقف إلى التزام موسكو العميق بمبادئها الإستراتيجية، ووفائها بالتزاماتها تجاه حلفائها السياسيين. وأضاف أن “روسيا تحترم كلمتها بشدة”، وبالتالي فإن تراجعها عن منح حق اللجوء للأسد يتنافى مع العقيدة السياسية الروسية القائمة على مبدأ “دعم الحلفاء”، بوصفه خيارًا إستراتيجيًا لا يخضع للتقلبات السياسية.

ويؤكد الدبلوماسي الروسي السابق والأكاديمي فيتشيسلاف ماتوزوف أن تسليم الأسد لا يُعد خرقًا لقيم السياسة الخارجية الروسية فحسب، بل يشكل كذلك تهديدًا لتحالفاتها طويلة الأمد، لا سيما في القارة الأفريقية.

فقد استثمرت روسيا في العديد من الأنظمة الاستبدادية هناك، بما في ذلك أنظمة مالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، وقدمت لها الدعم العسكري لمواجهة الجماعات المتمردة، مقابل حصولها على امتيازات اقتصادية وجيوسياسية، بما في ذلك عقود حصرية لاستغلال الموارد الطبيعية مثل الذهب واليورانيوم، وتسهيلات عسكرية تعزز وجودها في مناطق إستراتيجية.

بقاء الأسد في دائرة الحماية الروسية بعد سقوطه يشجع قادة الأنظمة الأفريقية الحليفة على التعاون مع روسيا، لا سيما أنها أنظمة هشة مهددة بالانهيار في أي لحظة. في حين أن تسليمه قد يحمل مخاطر فقدان ثقة وولاء حلفاء موسكو الحاليين والمحتملين.

في هذا السياق، فإن بقاء الأسد في شقته الفاخرة في “موسكو سيتي”، لا يعتبر “مكافأة نهاية خدمة”، إنما يحمل بعدًا رمزيًا يعزز سمعة روسيا كحليف موثوق، ويبعث رسالة للحلفاء مفادها: تستطيعون الثقة بموسكو، فهي تقف بجانبكم عند تقاطع المصالح، وتضمن لكم تقاعدًا كريمًا عندما تتغير موازين القوى.

الأسد ورقة مساومة هامشية

على الرغم من التزام روسيا بمبدأ “حماية الحلفاء”، فإن خسارة قواعدها العسكرية في سوريا تعتبر ضربة لمكانتها الجيوسياسية في الإقليم، وهزيمة يصعب على موسكو تقبلها. وعليه، يعتقد البعض أن خيار تسليم الأسد قد يبقى مطروحًا في إطار صفقة شاملة بين موسكو ودمشق.

ينفي ألكسندر دوغين مجددًا هذا الاحتمال، مؤكدًا أن روسيا لن تسلم -تحت أي ظرف- اللاجئين إليها، إذ إن المقايضة بهذا الشكل تزعزع مكانة روسيا على الساحة الدولية، موضحًا: “هناك أمور لا تتفاوض عليها الدول العظمى”.

كذلك من غير المقبول أن تعطي روسيا انطباعًا وكأنها تلقت ضغوطًا من حكومة ناشئة، لتتراجع عن قرار سبق واتخذته، ووفقًا لدوغين: “لا يوجد أي مبرر إستراتيجي أو عسكري أو اقتصادي من الممكن أن يعوض الخسارة في السمعة الدولية”.

بعيدًا عن حسابات السمعة الدولية، تهيمن المصالح الإستراتيجية على منطق العلاقات الدولية، متجاوزة الاعتبارات الإنسانية، وبناء عليه يظل احتمال تسليم الأسد في إطار المفاوضات أمرًا مستبعدًا.

حسب تعبير آنا بورشفسكايا من معهد واشنطن، “لا يزال لدى روسيا الكثير لتقدمه لسوريا”، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي أو الدبلوماسي.

فقد سبق أن عبر الرئيس الشرع في لقاء له مع صحيفة نيويورك تايمز عن انفتاح سوريا على شراء أسلحة إضافية من روسيا، وأن التعاون الدفاعي مع موسكو لا يزال قائمًا، وذكر أن روسيا لا تزال شريكًا أساسيًا لسوريا ليس فقط في المجال العسكري، بل أيضًا في قطاعات الغذاء والطاقة. كما أكد أن لموسكو دورًا هامًا في دعم استقرار سوريا على الساحة الدولية، لكونها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن.

على صعيد آخر، من الممكن أن تقوم روسيا بشطب الديون المترتبة على الخزينة السورية كبادرة حسن نية، كما فعلت سابقًا مع بعض الدول الأفريقية. كذلك قد تقوم بتقديم تعويضات مالية مباشرة للحكومة الجديدة، فضلًا عن إمكانية استثمارها في مشاريع إعادة الإعمار.

من ناحية أخرى، لا شك أن تسليم الأسد يُعد مكسبًا سياسيًا كبيرًا لحكومة الشرع، من شأنه أن يمنحها دفعة قوية نحو تعزيز شرعيتها الداخلية. مع ذلك من غير المرجح أن يشكّل هذا الملف عائقًا كبيرًا أمام إعادة العلاقات مع موسكو، نظرًا لحجم المصالح التي تجمع البلدين.

كذلك، تواجه دمشق اليوم جملة من التحديات المعقدة، من أبرزها ملفات إعادة الإعمار، وتخفيف العقوبات، وتحقيق العدالة الانتقالية، فضلًا عن التعامل مع المخاطر الأمنية المتصاعدة. وفي خضم التركيز على هذه القضايا الملحة، قد تغدو محاكمة الأسد ملفًا هامشيًا، ومن الممكن أن تفقد المطالبة بتسليمه زخمها مع الوقت.

عودة للنشاط السياسي أم شيخوخة هادئة في بارفيخا؟

مع استبعاد احتمالية تسليمه، من الممكن التكهن بالمصير النهائي للأسد من خلال المقارنة مع ظروف اللاجئين السابقين لدى روسيا.

عبر تاريخها، منحت موسكو اللجوء السياسي والإنساني للعديد من الشخصيات المثيرة للجدل، سواء كانوا قادة سياسيين مهددين في بلدانهم أو رؤساء أطاحت بهم ثورات شعبية، ولم تتخلَّ يومًا عن أي منهم.

من بينهم من اعتزل الحياة السياسية واندمج بالمجتمع المدني، مثل رئيس قرغيزستان السابق، عسكر أكاييف، الذي أطاحت به ثورة التوليب عام 2005، ليمنحه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حق اللجوء.

وعلى الرغم من اتهامه بسرقة ملايين الدولارات وأكثر من 1.5 طن من الذهب، رفضت روسيا تسليمه للمحاكمة في بلاده، وسمحت له بمتابعة عمله الأكاديمي في الرياضيات التطبيقية، حيث أصبح عضوًا في الأكاديمية الروسية للعلوم، ونشر أكثر من 150 عملًا علميًّا، بينها 15 كتابًا.

من غير المرجح أن يتبع الأسد نفس الطريق الذي سار عليه أكاييف، فهو طبيب عيون غير مهني، ولا يمتلك أي مؤهلات تعود بالنفع على المجتمع الروسي.

بعض اللاجئين فضل مواصلة العمل السياسي، مثل رجل الاستخبارات الجورجي السابق إيغور غيورغادزه، الذي لجأ إلى روسيا بعد تورطه في محاولة اغتيال الرئيس إدوارد شيفرنادزه عام 1995. ومن هناك واصل نشاطه السياسي، حيث أسس التحالف الوطني الجورجي عام 2001، ثم أصبح زعيمًا لحزب “العدالة” عام 2003.

لن يلقى الأسد هذا المصير كذلك، إذ تم منحه اللجوء الإنساني، وهو ما يمنعه من ممارسة أي نشاطات سياسية وفقًا لما أكده الدبلوماسي الروسي السابق، ماتوزوف.

أقرب الاحتمالات، هي أن يقضي الأسد تقاعدًا مريحًا على غرار ياناكوفيتش، سواء في شقته في موسكو سيتي، أو في واحدة من البلدات النخبوية مثل بارفيخا. هناك قد يمنح الأسد حرية التنقل، أو ربما يفرض عليه الكرملين نوعًا من الإقامة الجبرية.

أما احتمالية التعويم السياسي للأسد فهي مستحيلة. سبق أن قدمت موسكو اللجوء لرئيس البرلمان الطاجيكي إمام علي رحمون، الذي فر إلى روسيا عام 1992 في فترة الحرب الأهلية، لكنه عاد إلى بلاده عام 1994 وأصبح رئيسًا لطاجيكستان، منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة.

عودة الأسد للرئاسة أمر محال بلا شك. فمن ناحية، نستطيع أن نقول إن موسكو على وفاق حاليًا مع الحكومة الجديدة، كما أن الأسد الذي استحق كره الشعب السوري فقد شعبيته حتى في أوساط مؤيديه، بعد أن فر هاربًا وتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم.

كما خسر جميع أوراقه السياسية -إقليميًا ودوليًا- بسبب تعنته ورفضه التوصل لأي نوع من التسويات السياسية، والرعونة التي جعلته يتصور أن الصراع انتهى لصالحه، ما منعه من بناء علاقات طيبة مع الدول المجاورة مثل تركيا، واستمرّ بتوريد الكبتاغون إلى العديد من دول المنطقة، بما في ذلك الأردن، والسعودية.

والأهم من ذلك، لم يعد الأسد حليفًا موثوقًا بالنسبة لروسيا؛ فقد خذلها في العديد من الملفات بعد أن استثمرت به عسكريًا واقتصاديًا، وقدمت له دعمًا لا متناهيًا على الساحة الدولية.

لقد كان الأسد ابنًا عاقًا لموسكو، لكن مع ذلك لا يزال حلم القصاص بعيد المنال؛ فمن خلال مراجعة سريعة للتاريخ، يبدو جليًا أن موسكو لا تتخلَّى عن أبنائها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

باحثة، سورية

الجزيرة

———————————-

أنطولوجيا الأمثال الشعبية في الحرب السورية/ فاطمة عبود

2025.05.01

لم يكن حضور الأمثال الشعبية في الحرب السورية مجرَّد حضور لغوي يتقاطع مع الخطاب اليومي، بل كان تمثيلاً لانفعالات المجتمع التي تجسِّد في حقيقتها الوعي الجمعي، إذ إنَّ الأمثال منذ القِدَم كانت تعدُّ أداة لتثبيت القيم الاجتماعية، ووسيلة لرسم حدود السلوك المقبول بين الأفراد، بيد أنَّها خلال الحرب السورية تحوَّلت إلى رمزية تترجم انكسار المعنى وإعادة إنتاجه في آنٍ معاً.

إنَّ الأمثال الشعبية في هذا السياق اكتسبت وظيفة تراجيدية، وأحياناً عبثية، بالإضافة إلى وظائفها السابقة؛ التوجيهية والنقدية، لتكشف تناقضات العيش في عالم فقد بوصلته القيمية. فحين يقول أحدهم “إذا بدَّك تعيش، امشي الحيط الحيط وقول يا رب السترة”، فهو لا يعبِّر فقط عن حذرٍ غريزي، بل يعلن استسلاماً مضمراً أمام جدار من الخوف المتجذِّر في النفوس، والذي سعى نظام الأسد البائد إلى ترسيخه في لاوعي السوريين خلال حكمه، حتَّى تحوَّل إلى شعور يوجِّه سلوكهم ويتحكَّم بهم. ويتحوَّل مثل آخر “الساكت عن الحق شيطان أخرس” من دعوة أخلاقية إلى مأزق وجودي، إذ يصطدم المبدأ بالخوف أيضاً، ويُجرَّم الصمت في زمن يصبح فيه النطق مخاطرة بالحياة، فينقلب المثل من حثٍّ على شجاعة الكلام إلى محاكمة للضعف الإنساني أمام جبروت الظلم وسطوته.

لقد أصبحت اللغة في المجتمع السوري أداة للبقاء والمحافظة على الوجود أكثر منها أداة للتواصل، نتيجة تعرُّضه لهزات وجودية خلال سنوات الحرب، وهنا لعبت الأمثال دور الحصن الأخير الذي يلجأ إليه الناس حين يخونهم التعبير؛ لغة، وفعلاً. فحين يقول السوري “كل مين إيدو إلو”، فهو لا يصف مشهداً من الانتهازية المفرطة التي وصل إليها حال الناس فحسب، إنَّما يعرِّي البنية الأخلاقية التي انهارت، من خلال جملة موجزة، تختزن نقداً لاذعاً، وشعوراً  قاسياً بالخذلان. ويكون مثل “العين ما بتقاوم المخرز”، بمنزلة قبول قاسٍ بميزان قوى غير عادل، حين يُقرُّ بالعجز الذي يخفي وراءه غضباً مكتوماً، وهو اعتراف بأنَّ البصيرة وحدها لا تكفي عندما تكون القوة عمياء ووحشية، فالعين قد ترى الحقيقة، لكنَّها لا تملك دائماً القدرة على الدفاع عنها، في حال كانت المواجهة غير متكافئة. وبذلك استخدمت الأمثال الشعبية بوصفها وسيلة للنجاة، بدلاً من المواجهة الصريحة مع السلطة الظالمة، فهي تحمل معنى التمرد، دون أن تُعلن العصيان الواضح.

ومن منظور فلسفي، يمكن النظر إلى الأمثال بوصفها أنماطاً تفسِّر الوجود، وتحاول أن تخلق اتزاناً وجودياً في وسط فوضى القتل والتشريد والضياع التي تعرَّض لها الشعب السوري خلال سنوات الحرب. إنَّها لا تقول الحقيقة كما هي، بل كما ينبغي أن تكون كي تستمر الحياة، لأنَّ المثل الشعبي لا يبحث عن تفسير لما تعرَّض له السوريون، بل يحاول أن يتأقلم مع الراهن، بوساطة التبرير والتصبير. ولهذا فإنَّ انتشار أمثال من قبيل: “اللي بياكل العصي مو متل اللي بيعدها” أو “الحكي ما عليه جمرك” ليس مجرد تعبير عن فروقات التجربة الإنسانية، بل هو إعلان ضمني عن انقسام المجتمع بين من يرى أو يشاهد من بعيد دون أن يكتوي بنار الظلم والقهر، وبين من يذوق ويعاني، إنَّها فلسفة اللامساواة وقد تجلَّت بكلمات بسيطة لا تُناقش، بل تُردَّد، وكأنَّها قوانين صارمة يفرضها الوعي الجمعي ليؤكِّد أنَّ المساواة لا تتحقق بين هذين الطرفين.

ولا يمكن فهم دور الأمثال في الحرب السورية دون التوقُّف عند وظيفتها الساخرة في وجه العبثية، فالمثل يمكنه أن يقول ما لا يمكن قوله صراحة، ويسخر من المأساة دون أن يتنكَّر لوجعها، ويأتي مثل “حاميها حراميها” ليعبِّر عن المفارقة الساخرة، حين تتحوَّل الجهات المفترض بها حماية الناس إلى أدوات قمعٍ وسرقة، كما حدث في التجربة السورية، فيصبح المثل أداة اتهام رمزية تتخفَّى تحت عباءة التلميح الذكي، وبهذا المعنى، أصبح المثل شكلاً من أشكال المقاومة الرمزية، وفتح نوافذ صغيرة للكرامة الإنسانية وسط حصار الطغيان، ليساعد الناس على التنفيس من خلال رمزية اللغة التي يمكن تحميلها أكثر من معنى.

ومن المعروف أنَّ الحرب تعيد تعريف الزمن، وتقسمه إلى قبل وبعد، تاركة الإنسان معلقاً في فجوةٍ لا يستطيع عبورها ولا الرجوع منها، وفي هذه الهوة الوجودية، يطفو المثل الشعبي كأثرٍ لغوي مقاوم للاندثار، ولهذا فإنَّ بعض الأمثال القديمة قد عادت للظهور، كما في قولنا “الحي أبقى من الميت”، ولكن بحمولات معنوية جديدة، فالمثل يقدِّم فكرة معروفة وهي أنَّ الحياة تستمر رغم المصائب والمآسي التي قد تعتري الإنسان، ولكنَّها اكتسب دلالات إضافية  لتساعد الناس على تقبُّل ما لا يُحتمل تقبلُّه مثل: غياب الأحبة، تبدُّل المواقف، انهيار القيم، ففي الحرب لا مجال للحزن الطويل، ولا وقت للوفاء المستحيل.

وإذا نظرنا إلى الأمثال من زاوية هيدغرية، فإنَّها تجسد الوجود في العالم، لكنه وجود مهدَّد، متوتر، مشروط بالخوف والخسارة. المثل لا يشرح العالم، بل يعيشه. هو تجلٍّ مباشر للقلق الوجودي بلغة مألوفة، يحوِّل الرعب إلى جملة قابلة للتداول، ليخفف من ثقل التجربة. فالمثل لا يسأل لماذا وقعت الحرب، بل ماذا نفعل الآن وقد وقعت؟ إنَّه فلسفة ما بعد السقوط، فلسفة الركام. ويمكن أن نرى هذا بوضوح في مثلٍ شعبيٍّ متداول: “الضربة اللي ما تقتلك تقويك”. فهذا القول لا يعرض تفسيراً للكارثة، بل يمنحها وظيفة وجودية: وهي التمرُّن على التحمل، والصمود المؤقت، والقدرة على البقاء أطول فترة ممكنة وسط اللاجدوى.

إنَّ الأمثال الشعبية، في سياق الحرب السورية، تحوَّلت إلى أدوات تأويلية تنخرط في إنتاج المعنى داخل فضاء مشبع بالفقد والاضطراب، فقد تمَّ استخدامها لترويض الواقع، وإعادة تشكيله بما يسمح بالحد الأدنى من الاستمرار. لقد مثَّلت الأمثال آلية دفاع وجودية، تحاول عبر التكرار والترميز أن تمنح المشهد السوري المنكوب بعدًا قابلاً للفهم، أو على الأقل للاحتمال. وهكذا، تصبح الأمثال بنية لغوية –ثقافية تسعى لإعادة ترميم الذات المفككَّة، من خلال توفير سرديات صغيرة للبقاء، وعبر رموز مألوفة يمكن استيعابها وتكرارها. إنَّها شكل من الأنطولوجيا الشعبية التي تعيد للغة وظيفتها الأصلية بوصفها أداة للتوصيل، وأفقاً للتأقلم الوجودي مع الواقع.

تلفزيون سوريا

—————————-

الناشطون الإعلاميون” شهود وضحايا التحولات الكبرى/ مالك داغستاني

2025.05.01

في الأزمنة الاستثنائية، لا يُنتظر أن تأتي الحقيقة عبر القنوات الرسمية أو المؤسسات الإعلامية التقليدية. في لحظات الثورات والحروب، غالباً ما يكون الناشطون الإعلاميون هم الأقدر على التقاط نبض الناس، ونقل معاناتهم ليعرف العالم حقيقة ما يجري.

قبل أيام أعدتُ نشر رأي مقتضب “بوست” كنت كتبته بدايات عام 2014، عن شجاعة الناشطين الإعلاميين السوريين، كانت حينذاك قد بدأت تطولهم بعض الانتقادات من صحفيين محترفين. في كتابتي تلك كنت منحازاً ومنتصراً لأولئك الأبطال الذين صوروا المظاهرات قرب رصاص قناصي الأسد، ووثقوا القصف وهم على بعد قذيفة كان من الممكن أن تسقط على رؤوسهم، وقد حدث هذا مع كثير منهم، وكلنا يعرف أسماء عشرات الشهداء من هؤلاء الناشطين الأوائل.

جاءتني بعض الملاحظات والانتقادات، والتي كانت تحاكم بعض هؤلاء بما آل إليه حالهم اليوم، وهي ملاحظات وانتقادات محقة، لكنها منزوعة من سياقها الزمني. وطبعاً كما كان رأيي تعميمياً، لم يتناول الاستثناءات السلبية في تلك الفترة، جاءت الملاحظات من الأصدقاء أيضاً تعميمية إلى حدٍّ ما، وأعتقد أن كلا الحالتين تجانبان الصواب.

عام 2014، وطبعاً منذ بدايات الثورة، كنت أتحدثُ عن أشخاص لم تخرِّجهم كليات الإعلام، ولم تمنحهم المؤسسات الكبرى شهادات اعتماد. إنما ظهروا فجأة من بين الناس العاديين. أفرزتهم الظروف، ليلعبوا بسبب شجاعتهم الاستثنائية، أدواراً حاسمة في توثيق الجرائم والانتهاكات، مساهمين في تكوين رأي عام دولي، إضافة إلى إلهام شعبهم أحياناً. ومع ذلك، فإن المسار الذي يسلكه الناشطون الإعلاميون ليس دائماً مستقيماً، فقد يزيغ بعضهم، وقد ينقلب بعضهم الآخر إلى أداة في يد قوى جديدة. وهذه الجدلية ليست حكراً على بلد دون آخر، فهي تجربة عالمية متكررة.

في سوريا عام 2011، كان المشهد الإعلامي خالياً تقريباً من التغطية المستقلة. الإعلام الرسمي كان مكرساً للرواية الحكومية الزائفة، بينما منعت السلطة دخول الصحفيين الأجانب إلى مناطق الاحتجاجات، ومن دخل منهم سرّاً بلا إذن كان محاصراً، ودفع الثمن حياته في بعض الحالات. في هذا الفراغ، ظهر جيل الناشطين الإعلاميين الذين حملوا الكاميرات والهواتف الذكية، ونقلوا إلى العالم صور المظاهرات السلمية، والهجمات الوحشية على المدنيين. وساهموا في نقل ما يحدث في الساحات إلى شاشات العالم.

هؤلاء الشبان لم يكونوا محترفين، ولكنهم تعلموا في الميدان. بعضهم دفع حياته ثمناً لهذه الرسالة. فهم لم يخضعوا لأي تدريبات مهنية لحمايتهم من القصف، وعموماً لم تكن شهاداتهم الأكاديمية، لو وجدت، لتقيهم من رصاص القناصة. مع ذلك، سجلت كاميراتهم ما تجاهله الإعلام العالمي بدايةً، وكانوا السبب الأهم في إدخال سوريا إلى صدارة نشرات الأخبار.

في مدينتي، أكثر ما يحضرني الآن أسماء مثل باسل شحادة، الذي قُتل في أثناء توثيقه للقصف في حمص، وقحطان حسون، مصور فيلم “العودة إلى حمص”، ووئام بدرخان، التي صورت وساهمت في إخراج فيلم “ماء الفضة” خلال حصار المدينة القديمة، وكانت إحدى أبرز الأصوات النسائية الناقلة لمأساة الحصار. طبعاً إضافة إلى أسماء أخرى ما زالت حاضرة حتى الآن.

مهما كان موقفنا من بعضهم اليوم، علينا ألا ننسى أن هؤلاء “المواطنين الصحفيين” هم من سدّوا فجوة الإعلام التقليدي، فكانوا المصدر الصحفي الوحيد للمعلومات حتى بالنسبة لكبريات وكالات الأنباء الدولية. من قلب الحدث، نشروا المقاطع المصوّرة قبل أي وسيلة إعلامية. وثّقوا الجرائم ضد الإنسانية خلال المجازر التي ارتكبها نظام الأسد، وكان لهم الفضل في العديد من الحالات في تحريك الرأي العام.

هؤلاء هم من وفّروا المادة الأولية لصناعة العديد من الأفلام الوثائقية، وثبّتوا الرواية البديلة والحقيقية في مقاومةٍ كانت ناجحة، في حالات ليست بالقليلة، لرواية إعلام النظام، فمثّلوا وجهات نظر الضحايا والمجتمعات المهمشة. رغم ذلك، ومع هذه الأهمية، لا يمكن الإنكار أنه كانت هناك كثير من التحديات والمحاذير، أهمها عدم التحقق من صحة معلومات بعضهم بسبب الانحياز والمبالغة، وبسبب الضعف المهني أساساً.

بالطبع الظاهرة ليست محصورة بسوريا. فحين اندلعت الثورة في مصر واعتصم المتظاهرون في ساحة التحرير، لعب الناشطون الإعلاميون دوراً محورياً أيضاً. كنت حينئذ أتابع صفحة “كلنا خالد سعيد” على فيس بوك، فهي لم تكن بالنسبة لي مجرد أداة لدفع الشارع للمثابرة، بل منصة إعلامية بديلة، نشرت الصور ومقاطع الفيديو التي فندت الرواية الرسمية، وألهمت ملايين المصريين لمتابعة مسيرتهم حتى سقوط النظام.

في أوكرانيا، خلال انتفاضة “الميدان الأوروبي” في العاصمة كييف، نهاية عام 2013، كان للناشطين دور أساسي في توثيق القمع الوحشي للمتظاهرين السلميين. صور الهواتف المحمولة، ومقاطع الفيديو المباشرة كانت السلاح الأبرز بيد المحتجين في وجه آلة الإعلام الرسمي الموالية للكريملين. وفي إيران، خصوصاً خلال احتجاجات 2009 “الحركة الخضراء” وعام 2022 بعد مقتل مهسا أميني، حيث أصبح المواطن الصحفي هو المصدر الرئيسي للأخبار، رغم القمع الشديد وحجب الإنترنت. صور هاتفية متواضعة الجودة، لكنها غنية بالشجاعة والحقيقة وصلت عبر هؤلاء الناشطين المغمورين إلى العالم.

لكن لنعترف، أنه مع تطاول أمد النزاعات، تتغير الأدوار أحياناً. بعض الناشطين الإعلاميين السوريين، الذين بدؤوا مع الثورة بنقاء نادر، انخرطوا لاحقاً في مصالح ضيقة، أو اصطفوا مع قوى محلية جديدة. ظهر “إعلاميو الفصائل”، ومادحو سلطات الأمر الواقع الناشئة في الشمال السوري، ممن استبدلوا، في العديد من الحالات، الكلمة الحرة بالدعاية السياسية لهذا الفصيل أو ذاك. هذه الظاهرة أيضاً ليست سورية فقط. ففي مصر، تحول بعض ناشطي الإعلام إلى موظفين لدى منصات لديها أجندات خاصة، ليفقدوا تدريجياً صدقيَّتهم. وفي أوكرانيا، في مرحلة ما بعد الثورة، أصبح بعض الناشطين جزءاً من الحملات الحكومية الدعائية.

هنا يظهر التحدي الأخلاقي الأكبر، كيف يمكن للناشطين الإعلاميين أن يحافظوا على نزاهتهم عندما تتبدل السلطات، أو حين يتحول النضال من أجل الحرية إلى معركة نفوذ وصراعات مصالح؟ ينجح بعضهم في اجتياز هذا الامتحان وينجو، أو ينجرف مع مستجدات الأحداث ويصبح جزءاً من آلة المصالح، وفي كثير من الحالات يعود آخرون إلى البيت، مع كثير من الخيبة، ومخزون هائل من الذكريات التي تدعو للفخر.

باعتقادي، يجب أن لا يتوجه النقد لمجرد وجود هؤلاء على الأرض في مرحلة ما، وأجزم أننا في سوريا تخطّينا هذا الأمر. الخطأ ليس في ظاهرة الناشطين الإعلاميين بحد ذاتها. فالظروف الخاصة، تحتاج إليهم بشدة. ولكن المطلوب أن يتم العمل على تطوير مهاراتهم، وتدريبهم على معايير الصحافة المهنية، من دون انتزاع روح المغامرة والحماسة التي تميزهم عن “الإعلام الرسمي”.

توجد تجارب عالمية ناجحة في هذا المجال، فهناك كثير من المؤسسات الدولية المستقلة التي قامت بتدريب الناشطين حول العالم منذ التسعينيات، خصوصاً التدريبات على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان بشكل احترافي. وفي سوريا، ظهرت مبادرات محلية ودولية لتدريب الناشطين على تقنيات العمل الصحفي والسلامة، والتحقق من الأخبار، وأخلاقيات الصحافة والنشر، وكان بعضها ناجحاً مما حوّل بعض الناشطين إلى أسماء في عالم الاحتراف.

في النهاية، يجب أن لا يُنظَر إلى الناشطين الإعلاميين كخصوم للإعلاميين المحترفين، بل كشركاء، مؤقتين غالباً، في صناعة رواية الشعب، ثم كحاملي مشعل يجب أن يُصقل عبر التعليم والتجربة لا عبر التهشيم والسخرية. فمن السهل انتقادهم حين يخطئون، ولكن من الإنصاف أن نتذكر أنهم كانوا في لحظات الحقيقة الأكثر صعوبة، أول من تقدَّم الصفوف. ومع كل التحولات والانحرافات التي قد تصيب بعضهم، تبقى قصتهم قصة شجاعة فردية استثنائية ضد آلة القمع، خلال محاولتها التعتيم من أجل النسيان. ففي عالم يزداد فيه التحكم بالمعلومات وتزييفها، سنظل بحاجة إلى ذلك الناشط الإعلامي الذي يقف، بكاميرته المرتعشة وصوته المرتجف، شاهداً على الانتهاكات والظلم، وعلى لحظات انتزاع الحرّية.

تلفزيون سوريا

—————————-

حين فقد السوريون بيوتهم.. قراءة ثقافية في رمزية مسلسل “الفصول الأربعة”/ مالك الحافظ

2025.04.30

في زمن التفكك السوري، لم يكن فقدان البيت مجرّد واقعة عمرانية، بل كان تفككاً بنيوياً في مركز الإحساس بالوجود، فحين تنقطع العلاقة بالمكان الذي كان يُنظم العاطفة والذاكرة والعلاقات اليومية، يبدأ المعنى بالتلاشي تدريجياً، وتصبح استعادة الماضي فعلاً نفسياً أكثر منه سردياً.

هنا، يظهر مسلسل الفصول الأربعة كأحد أكثر النصوص الدرامية التي حافظت على صورة “البيت السوري الممكن” في الوعي الجمعي. ومع مرور الزمن يتحوّل هذا النص التلفزيوني إلى ما يشبه البيت المتخيّل أو المؤجل، الذي يلجأ إليه السوري حين تضيق اللغة، وتتكسّر المرايا، وتتعذّر العودة.

إنه ليس استعادة لماض كامل فقط، وإنما بحثٌ غريزي عن نقطة عاطفية تتيح النجاة من هشاشة الحاضر، وعن صيغة جمعية للحنين يمكن أن نقتسمها دون خوف.

يقدم مسلسل الفصول الأربعة نموذجاً درامياً لعائلة ممتدة تقيم ضمن فضاء سكني مشترك، تتحول فيه “البيتية” إلى بنية سردية عضوية، تتجاوز حضور الجدران أو التوزيع الهندسي للمكان، لتصبح مركزاً للعلاقات الحية والتفاعلات الشعورية، وتاريخاً يومياً مصغراً.

هذا الفضاء يمكن تحليله في ضوء مفهوم “البيت كنظام معنوي” الذي طرحه الأنثروبولوجي دانييل ميلر، حيث البيت لا يُفهم بوصفه بناءً فيزيائياً بقدر ما يمكن فهمه كنسيج عاطفي يتم إنتاجه وإعادة إنتاجه عبر التفاعل المستمر بين الأفراد.

يرى نوربرت إلياس أن الزمن ليس معطى فيزيائياً بقدر ما هو تكوين اجتماعي ـ ثقافي ينبثق من العلاقات والسياقات اليومية، ومن هذا المنظور فإن “الفصول الأربعة” لا يعيد فقط عرض الحياة العائلية، بل يعيد خلق زمن اجتماعي خاص بها، ينسج تواصل الأفراد ضمن طقوسهم وانفعالاتهم، ويعيد تثبيت العلاقة بينهم وبين أنفسهم كمجتمع صغير داخل الشاشة.

العائلة كشبكة شعورية.. من الطمأنينة البنيوية إلى هشاشة الشتات

البيت، كما يُقدمه المسلسل، ليس مجرد مسكن بل بنية شعورية طقسية؛ قد يتكرر فيه الإفطار الجماعي، والعتاب الصغير، والضجر، والاهتمام، واللحظات الحميمة التي تعيد تثبيت الهوية الجماعية للأسرة. هذه البنية تظهر اليوم بعد تحوّلات اللجوء والتهجير والغربة والفقد الأسري كأثرٍ حنيني مركزي، خصوصاً لدى جمهور الشتات، الذي يستعيد المسلسل كأرشيف شعوري لا فقط كمنتج تلفزيوني.

في ضوء ذلك، يغدو البيت كما صاغه المسلسل بوصلة عاطفية، تحافظ على توازن الأفراد في عالم تتسارع فيه التحولات وتتشظى فيه المرجعيات.

لطالما شكّلت العائلة في المجتمع السوري بنية مستقرة وظيفياً، وفق نموذج تالكوت بارسونز الكلاسيكي الذي يرى في العائلة نواة لإعادة إنتاج النظام الاجتماعي.

في علم الذاكرة الثقافية، يشير مفهوم النوستالجيا الوظيفية إلى الميل لاستخدام الماضي كآلية دفاع نفسي أمام التغيّر الكاسح، وهذا ما يمكن أن يفسّر ظاهرة استعادة حلقات “الفصول الأربعة”، عبر منصات المشاهدة، من قبل سوريين كثر في أصقاع متباعدة.

البيت المتخيّل في المسلسل، بأثاثه العادي وحواراته الدافئة، يُستعاد كـبيت عاطفي بديل، ليس لأننا فقدنا بيوتنا الواقعية فقط، بل لأننا أيضاً فقدنا اللغة التي كنا نتحدث بها داخلها. كل ذلك نجده مجازاً في تلك الدقائق الدرامية التي صنعت من بيتٍ تلفزيوني، بيتاً وطنياً شعورياً مشتهى.

بحسب جاك رانسيير، ليست وظيفة الفن أن يعرض الواقع، بل أن يُعيد توزيع الأحاسيس التي نستطيع الإحساس بها. من هنا، فإن الدراما العائلية لا يجب أن تؤدي وظيفة توثيقية مباشرة، وإنما يجب أن تعمل على تخليق خيال اجتماعي بديل، يُمكّن الفرد من الاعتراف العاطفي بنفسه وبالآخر.

“الفصول الأربعة”، إذن، لا يسجل فقط نمط عيش سابق، بل يُعيد تمثيله ضمن شروط شعورية محببة، تساعد على خلق مشترك وجداني رمزي، في غياب المرجعيات الجماعية الأخرى.

إن استعادة الحبّ كقيمة مدنية شعورية، هي ضرورة ثقافية ـ تربوية، تُمكّن المجتمع من إعادة بناء نسيجه عبر الأدب، الفن، الحوار، والنظرة البسيطة المتسامحة في وجه المختلف.

البيت، بهذا المعنى، يُبنى بالثقة، بالانتباه، وبالذاكرة التي تعرف كيف تنسى دون أن تُنكر، وتتذكّر دون أن تُقصي.

في التحليل السوسيولوجي الكلاسيكي لبنية العائلة، تُعتبر الأسرة الممتدة نموذجاً اجتماعياً مستقِراً يقوم على الاستمرارية الرمزية، وتماسك السلطة الأبوية، وتوزيع الأدوار الوظيفية ضمن شبكة قرابية متماسكة، وقد شكّلت هذه البنية التي سادت في سوريا حتى مطلع الألفية الثالثة حاضنة أولى للهُوية الاجتماعية، وآلية لإعادة إنتاج القيم الجمعية والروابط الاجتماعية.

لكن، وفق تحليلات أولريش بيك وزيغمونت باومان حول “المجتمع السائل”، فإن التحولات الاقتصادية، والهجرات الداخلية، وانتشار أنماط الفردانية الجديدة، أدت إلى تفكيك النموذج التقليدي، وتراجع سلطة الأب، وإعادة صياغة موقع الأم من محور الرعاية إلى محور الصمت أو التحمل الرمزي.

جاءت الحرب لتُسقِط هذه التحولات من حيّز التدرج إلى التفكك البنيوي الحاد. لم يعد البيت فضاءً للتفاوض الرمزي بين الأجيال، بل أصبح في كثير من الحالات، ساحة صراع صامت أو غياب متبادل.

زمن العائلة.. الفصول الأربعة كإيقاع يومي ضد التفتت

في الشتات؛ تحوّل البيت التلفزيوني إلى بديل رمزي عن البيت الحقيقي، وأصبحت الشخصيات الدرامية بكل خيباتها ودفئها، مرآة لعائلات لم تعد تجتمع ولم يعد لها سقف، أو صورة معلقة في الذاكرة سوى تلك التي التُقطت قبل الحرب مباشرةً.

إلى جانب البنية الدرامية والزمنية، لعبت العناصر البصرية والسمعية دوراً خفياً في ترسيخ أثر المسلسل داخل الذاكرة الجمعية، من الإخراج إلى الموسيقى التصويرية شكّلا نسيجاً من الحضور الهادئ الذي ارتبط لا شعورياً بمعاني الدفء، الطمأنينة، والعودة اليومية المتكررة إلى الذات والعائلة. هكذا تحوّل المسلسل، ليس بالفكرة فقط بل بإيقاعه الحسيّ أيضاً، إلى أحد الأركان التي حافظت على صورة “البيت الممكن” في المخيال السوري.

هل هذه نوستالجيا؟ ربما، لكنها ليست نوستالجيا للزمن، بل نوستالجيا للشعور، للمكان الذي يسمح لك بأن تكون غير كامل، متردداً، محبوباً على الرغم من زلاتك.

في هذا السياق، يصبح البيت كما ظهر في المسلسل تجلّياً شعورياً للهُوية الجمعية، بيت لم يعد موجوداً، لكنه بقي كصورة خيالية، يعود إليها السوري حين تضيق عليه العناوين في بلدان اللجوء، أو في الحارات التي صارت تخيفه في مدنه المدمّرة.

أحد العناصر البنيوية التي منحت مسلسل “الفصول الأربعة” قيمته العاطفية المستدامة، هو طريقته الخاصة في التعامل مع الزمن. كما لم يكن الزمن في المسلسل زمناً درامياً تقليدياً تسير فيه الأحداث على وتيرة تصاعدية حتمية، بل كان زمناً دائرياً، طقوسياً، مشبعاً بالتكرار والتفاصيل اليومية الصغيرة.

بحسب ميشال دو سرتو، فإن الزمن اليومي كما يُعاد تشكيله عبر الممارسات الصغيرة يمكن أن يكون شكلاً من المقاومة الصامتة في وجه تفكك المعنى واندفاع التاريخ الكبير.  ومن هذا المنظور، يتحوّل الزمن في “الفصول الأربعة” إلى بنية مضادة للتفكك، إذ تعيد التفاصيل اليومية (إعداد المائدة، الانتظار، التكرار) تشكيل شعور بالاستمرارية داخل واقع يتآكل.

هذا الخيار يفتح زاوية ثقافية مقاومية شعورية، ويُظهر المسلسل كأداة لإعادة بناء الزمن من الأسفل، لا من فوق.

حين يصبح الحبّ مشروعاً اجتماعياً.. إعادة تخيّل البيت السوري

إن البنية الزمنية للنص ليست مجرد هيكل سردي، بل هي أداة لإعادة تنظيم الوجود، عبر الجمع بين الزمن التاريخي والزمن الشعوري، وهذا ما فعله المسلسل، فقد منحنا زمناً عاطفياً متواصلاً، يمكن للمشاهد أن يدخل إليه ويخرج منه دون أن يشعر بالاغتراب، لأن الزمن هناك لا يعاقبه، بل يحتضنه.

إن هذا التكوين الزمني الذي لا يضغط على الشخصيات، بل يفسح لها المجال، ساعد في ترسيخ المسلسل كفضاء وجداني بديل عن الزمن الواقعي، القاسي والمتسارع والممزق. ففي بلد تكسّر فيه تسلسل الزمن بفعل الانتكاسات التي سببتها الحرب، وفقد الناس فيه القدرة على “تخطيط المستقبل”، يأتي مسلسل مثل الفصول الأربعة ليعيد تركيب الزمن وفق إيقاع أكثر حناناً، وأكثر إنسانية.

ربما لا يعود البيت السوري كما كان، لكنه قد يُصاغ من جديد، لا كحنين ساذج وإنما كمشروع ثقافي مشترك، كفكرة قيد الإنشاء تُؤسسها الدراما، وينقذها الحنين إن لم يُفرط في تهذيبه.

إن مشروع إعادة بناء البيت السوري يبدأ من استعادة “الفصول الأربعة”، كفرضية ثقافية لما قد نكون قادرين على تخيّله معاً، إن امتلكنا شجاعة أن نحبّ من جديد، أن نصغي دون خوف، وأن نكتب المشهد الأخير بأيدينا، لا على شاشة تلفاز، بل في الواقع الذي ينتظر من يروي حكايته بطريقة أكثر حناناً وأقل قسوة.

تلفزيون سوريا

———————————

الدولة الحيادية، لماذا تكون خيارنا الأقرب!/ شيماء البوطي

نشر في 1 أيار/مايو ,2025

تنويه:

كُتِب هذا المقال بطلب من إدارة برنامج “حوارات السوريين”، وبمناسبة مشاركة الكاتب في جلسة حوارية لمناقشة موضوع “حيادية الدولة تجاه العقائد الدينية للسوريين”. وهو يعبّر عن رأي الكاتب وموقفه من الموضوع.

رئيس التحرير

يظهر مصطلح حيادية الدولة كمصطلح أكثر لطفًا ومقبولية وأقل صدامية في صراع المفاهيم الذي دام أكثر من قرن بين ثنائية (إسلامية/ علمانية)، وظل مسببًا للاصطفاف الأيديولوجي، ومحرّضًا على خلاف يدور في دوامة لا تنتهي بين أفكار عدة: “الدين سبب التخلف”، “العلمانية هي الحلّ”، “الإسلام هو الحل”، “لا بديل عن الديمقراطية”. وعلى الرغم من أن الدولة الحيادية هي نفسها الدولة الديمقراطية العلمانية، فإن المصطلح نأى بالمعنى عن صور العلمانية المتطرفة المعادية للدين التي لا تقف على مسافة واحدة والتي تجعل المصطلح مثيرًا للجدل، فتحمل الدولة الحيادية في طيات المصطلح التدرج بنشر الديمقراطية في المجتمع حتى تتأصل حيادية الدولة، كذلك ينأى المصطلح عن حساسية علاقة الدين بالسياسة، لأنه يعبّر عن انفصال واستقلال الدولة عن جميع أشكال البنى التقليدية ما دون المجتمعية، من الدين إلى القومية والمناطقية والطبقية والذكورية والسلطوية والطائفية، وغير التقليدية كالأحزاب وغيرها.

‏فالدولة الحيادية بوصفها تقوم على احترام الحريات والتكافؤ، فلا تمثل مجموعة على حساب أخرى ولا يتم توزيع المناصب السيادية والإدارية بناءً على انتماءات أو محاصصات من دون أن يمنع ذلك دعمها الجماعات الدينية المعتدلة بدعوتهم لأفكارهم، وتحمي حرية ممارستهم الشعائر، في الوقت الذي تتصدى فيه لاستخدام الدين لتحقيق أهداف أفراد أو جماعات سياسية، وتضع القانون في مسؤوليته لحماية الإنسان وحفظ حريته وكرامته، لا للتدخل في شؤون في حياته، وتضبط العمل السياسي للمؤسسات الدينية والأحزاب من دون أن تصادر حقهم في المشاركة السياسية. مما يجعلها تشكل ضامنًا لتحقيق المساواة بين المواطنين، وسببًا لاستثمار التنوع والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد، ومانعًا لتغوّل فئة على فئة أو جنس أو عرق على آخر، وسبيلًا أجدى لتحقيق تكافؤ الفرص وإخماد النزعات الفردية تدريجيًا حتى تتلاشى، ويصبح الجميع على صعيد واحد، كأسنان المشط لا تفاضل بينهم إلا بمقدار ما يقدمون للوطن والشعب.

 وهي أيضًا ضامن لترسيخ انتماء المواطنين جميعًا، وبلورة هوية جامعة وتفعيل مساهمات الجميع، أقلية وأكثرية، من دون أن يشعر البعض أنه ضيف في وطنه على فئة أكثر عددًا، مما يعزز بناء الثقة بين أبناء المجتمع دون أن يكون السلم الأهلي منحة من الأكثرية للأقلية. ومن ثم ينتقل المجتمع إلى سياق الدولة الحديثة القابلة للنماء والازدهار وتحقيق الرخاء للجميع. هذه الصورة تبدو كحلم جميل يتطلّع إليه الجميع، إذا تغاضوا عن الصراع الأيديولوجي العلماني/ الإسلامي، وتبدو أقرب مسعى لتحقيق الحكم الرشيد والسلام المجتمعي. ولكن قد يقول قائل؛ الدولة الديمقراطية تنبذ الشريعة الإلهية، وتتبنى شرعة وضعية وضعها أناس من خارج مجتمعنا، لهم تجربتهم وخصوصيتهم، فلماذا نتبنى قيمهم، ولدينا قيم خالدة ودين ليس كهنوتيًا بل هو للروح والحياة معًا، ينظّم حياة الفرد وعلاقته بربه ومجتمعه وعلاقته مع الآخر ومع الكون عمومًا؟

‏وقد يقول قائل: أليست الدولة الديمقراطية المنشودة صورةً من الدولة الإسلامية التي لم تكن يومًا عبر التاريخ من نوع الثيوقراط، باستثناء ظواهر عابرة غير منتمية للحكم الإسلامي الذي تتفق عليه غالبية الأمة، شأن الدولة الفاطمية على سبيل المثال؟ ‏أليست قيم الإسلام السياسية تقوم على العدل والرحمة والمساواة والشورى؟ فلماذا نذوب في الآخر ولدينا هذا التراث وهذه المنظومة القيمية؟ ولماذا ندخل في دوامات قد تتعارض مع الدين أو تقوض الأسرة كقضية تولي المرأة أو سفرها بغير محرم أو الزواج بأمر الولي أو المواريث؟

‏وهنا، لا أجد نُدحةً في التعريج على بعض هذه القضايا التي يُنظَر إليها كمتعارضة مع حقوق الإنسان، والمشكلة أن كثيرًا من هذه الأحكام لم تُقرأ بشكل صحيح أو تم دمج المقدس بغير المقدس، فمنها ما لا يستند إلى نص، بل هو مجرد عادة اجتماعية بالية كزواج القاصرات، ومنها ما ارتبط بظرف في عصره كان يجب أن يُفهم أنه للاحتراز وليس للانتقاص -لولا الفقه الذكوري- كسفَر المرأة وحدها، فإذا اختفى الخطر وتغير الظرف يتغير الحكم، ومنها ما يتناقض مع نص قرآني، كالنص الذي يثني على حكم بلقيس الرشيد ثم يأتي من يحتج بحديث آحاد على تحريم تولية المرأة، وليس لذلك ذكر في صريح المحرمات، ومنها ما استقي من التاريخ، وليس من جوهر الدين ولا مما فيه نص، كحكم الردة الذي يتعارض مع حرية الاعتقاد ومع نصوص واضحة مناقضة له تؤكد سموّ مقصد حرية الإنسان واختياره الهدى أو الضلال بلا إكراه، ومنها ما انتفت المساواة المادية فيه لصالح الرجل، بمقابل زيادة الأعباء عليه والتكاليف والإنفاق كمسألة المواريث، وبعض هذه الإشكاليات لا يشكّل أمرًا عند غالبية المسلمين إلا من تعرّض لظلم مباشر، وحل هذه المسائل يأتي بالقانون والاحتكام لقرار الشعب (الشورى)، مع تفصيل اللوائح التنفيذية لأي قانون بحيث تمنع الظلم والشعور بالانتقاص من أي مواطن، فغاية الدين حماية الإنسان وتنظيم حياته، لا قهره وقمعه. وكل هذا يحتاج إلى مراجعات وإعادة نظر وقراءة جديدة للتاريخ وللموروث الديني، بعيون متفحصة وعقول متحررة من ربق التقليد الأعمى والتقديس للرموز التاريخية.

‏ وللإجابة عن التساؤلات السابقة، نرى أن القيم القرآنية في السياسة لم تشكّل سوى خطوط عامة عريضة دون تفاصيل، والممارسة السياسية الإسلامية لم تأت جميع تفاصيلها من نصّ أو من تطبيق النبي لها، بل من العهود اللاحقة حين اختلط المسلمون بغير المسلمين، وبالممالك والإمبراطوريات القائمة في ذلك العهد، وأفادوا من نظمهم السياسية والإدارية وفق منظور العصر الذي كانوا فيه، أما عن القيم السياسية العامة، فهي قيم خالدة يتفق عليها بنو الإنسان، وليست خاصة بأمة دون الأمم، كالعدل والمساواة والحرية والشورى التي جاءت بلفظها وشكّلت منطلقات العمل السياسي الإسلامي، وإن غفل البعض عن قيم أخرى أدرجت في النصوص نحو “يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بالحق” و”خذ العفو وأْمر بالعرف”، فهل العُرف هو عرف القبيلة في أحكام الذكورة والثأر وجرائم الشرف؟ّ! أم هو ما يتعارف عليه المجتمع في عصر أو بيئة زمانية أو مكانية، بما يتسق مع الفطرة الإنسانية السليمة والنقية، وهذه تتفق مع معظم ما جاء في الشريعة الدولية لحقوق الإنسان؟

 مشكلة الإسلاميين أنهم يعيشون ضياعًا بين عدة مفاهيم، فيلجؤون حينًا إلى الترقيع والانتقائية، ويلبسون هواهم في الانتماء والعيش في التاريخ الجميل لبوسًا معاصرًا، متغافلين عن حل ثغرات لا تتسق مع النموذج الذي يطرحونه، وهم يتبنون فكرة أن الديمقراطية هي عينها الإسلام، أو هي الوحش الكامن المتأهب للانقضاض عليه على حين غرة، فيأتي ثوب الدولة الإسلامية الديمقراطية متداخلَ الألوان بين مفاهيم ومصطلحات تشتتت بين النص والتطبيق، بين دين مقدس وتاريخ أو ممارسات غير مقدسة، وتنزيل الأحكام بغير ما أتت فيه أو فهمت وفقه في عصر أو سياق ما. وبعض صور هذا التيه هي في خلط قوانين المجتمع بأحكام السياسة وخلط التشريع بالعادات.

‏ولا نقول إن الأمرين لا يتلازمان، أي المجتمع والسياسة، فديمقراطية الدولة لا تتحقق إلا بديمقراطية المجتمع، وهذا يحتاج إلى رحلة جادة من العمل والتوعية والاتزان في العلاقات ومراقبة القوانين والممارسات حتى تنضج المساواة في المجتمع بين الطبقات والذكر والأنثى والذات والآخر المختلف ضمن الهوية الجامعة والذات والآخر الخارجي، وحتى تلغى الذكورية والاستبداد من نفوس الناس، فلا يتسلط أحد على أحد، ولا يستعلي أحد على أحد، ولا تكون مسؤولية طرف ما أو قوامته أو إدارته لمؤسسة بابًا للتغول والطغيان والوصائية المتنافية مع حقوق الإنسان، بل لتنظيم العلاقة وحماية المرؤوسين وزيادة الإنتاج.

‏من عجيب أمر الصراع حول الدولة الإسلامية والعلمانية، أنّ المسلمين خارج المنطقة العربية يميلون للمطالبة بعلمانية الدولة، ويجدون فيها ضمانًا لمساواتهم وحمايتهم، باستثناء الدول المتطرفة في علمانيتها، حسب أحد الباحثين، بينما تغرق النخبة العربية في نقاش مسألة دين الدولة ودين رئيس الدولة وتسمية الدولة، وهي أمور مهمة لا ينبغي تجاوزها، إلا أن الدولة مجموعة مؤسسات ونظام، ولها مسؤوليات ومهام تخضع لقانون، وهي تملك سلطة تنفيذ القانون، فأيّ دين يُطلَب من مؤسسة؟!

‏إنّ دين رئيس الدولة أمرٌ يتوافق عليه الشعب، وأحسب أن الأغلبية ستؤثر في القرار والاختيار، لأن المواطنة لم تنضج بعد بما يكفي، وإن كنت أرى أن التركيز على صفات الحاكم وأدواره ومسؤولياته وما يطلب منه من مهام ومن حماية، وإقراره بسلطة القانون ومحاسبة الشعب، أهمّ بكثير، وتأتي المعضلة في مصادر التشريع، ذلك أن إنكارها يدخل في دوامة، وأخذها -كما يعرفها الإسلاميون- يدخل في دوامة أخرى، فهنالك بين فهم النص وأخذه بحرفيته، وفهمه في سياقه وفهم إطلاقه وتعميمه، اتسعت أبواب من الشرح والفقه والتحليل، لا أنكرها ولكنني أدعو لإعادة النظر بها، لأجل صوغ قوانين تستند إلى المقاصد الشرعية وتراعي فهم الواقع الراهن.

 كمسلِمة، أوقن أن الدين الإسلامي من مصدر إلهي؛ وهذا لا يلزم من لا يؤمن أن يرى ما أراه، لكنني أرى الدين من عند الخالق الذي لا يتعصّب لقوم من خلقه على آخرين، فالخلق كلّهم عيال الله، وإن كان قد اختص أمة من الأمم بمنهج يصلح للحياة والعبادة يضعهم على طريق المسؤولية لنشر أفضل السبل، لا ليكونوا شعب الله المختار، الدين الذي من عند الله هو دين كرَّم الإنسان، ووهبه العقل والقدرة لينتج ويجتهد ويطوّر، لا ليكون حارسًا على نتاج من قبله ولا ليكون مقلّدًا، ولقد ظلّ النظام السياسي في الإسلام غائمًا وغير مفصل، مقارنة مع أحكام العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات والسلم والحرب، ومن هنا جاء اللبس، وتدخُّل البشر في شرح بعض النصوص، وجعلها تستخدم أحيانًا كوسيلة سياسية لتثبيت حكم الفرد وتبرير استبداده. وهذا أمر يجب أن يرفضه المسلمون قبل غيرهم، فالنصوص الشرعية اكتفت بذكر المبادئ العريضة، وتركت اختيار الأنماط والتسميات والتقسيمات والتفصيلات وشكل الحكم وهياكله لاختيار الإنسان بما يلائم عصره وظرفه.

أخيرًا نقول: إن الديمقراطية نفسها ليست مثالية ولا مكتملة، ولكنها تقدّم نموذجًا شبه متكامل للنظام السياسي، يتلاءم مع مقتضيات الحياة بأكبر قدر من التوافق مع قيم مجتمعنا وثقافته، أنتجه العقل البشري بعد تجارب مديدة ونجاح وفشل حتى وصل إلى هذه الصورة، لنفيد منه، ولنأخذ النافع ونطور ما فيه نقص، ونحفظ القيم الخالدة وننبذ الفاسدة، وهي توفّر أرضية للعمل تسمح بالتغيير، وتنزع صفة القداسة عن النظام السياسي، لأنّه لو أخذ صفة البعد الديني لأصبح ثابتًا لا يقبل التغيير، الذي هو سنّة من سنن الحياة.

تحميل الموضوع

مركز حرمون

————————-

============================

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 01 أيار  2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

——————————-

سوريا: هل اتفاق العاشر من آذار مع الأكراد مهدد بالانهيار؟/ بكر صدقي

تحديث 01 ايار 2025

تفاءل السوريون خيراً من الإجراء العملي الأول في إطار اتفاق العاشر من آذار الذي كان قد وقعه كل من أحمد الشرع، بوصفه رئيس الجمهورية، ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وذلك بانسحاب وحدات حماية الشعب التابعة لقسد من حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، ونقل تأمينهما إلى إدارة الأمن العام بوحدات مطعمة بعناصر كردية، إضافة إلى تبادل الأسرى والمعتقلين بين الجانبين. تبع ذلك تحييد سد تشرين قرب مدينة منبج من الصراع الذي كان دائراً بين قسد وفصائل تابعة لتركيا (ما كان يسمى بالجيش الوطني) ووقف إطلاق النار بين الجانبين بدون إعلان رسمي. وكان من المفترض استمرار المفاوضات بين طرفي الاتفاق من خلال تشكيل لجان نوعية لتطبيق البنود الأخرى من الاتفاق تباعاً على أن ينتهي هذا المسار مع نهاية العام الجاري.

ولكن، يبدو أن ثمة أموراً تجري بعيداً عن متناول الرأي العام غيّرت تلك الأجواء الباعثة على التفاؤل وغيّرت نبرة الأطراف نحو التوتر. ترى هل يتعلق الأمر بقراءات مختلفة لبنود اتفاق الشرع ـ عبدي ترجمها كل طرف من زاوية نظره فظهرت الخلافات؟ أم أن تدخلات من خارج الطرفين، بل من خارج سوريا ككل هي التي دفعتهما إلى التصلب المتبادل؟ أم أن أحداثاً أخرى متصلة بالشؤون السورية ولا علاقة مباشرة لها بالطرفين هي التي تسببت بذلك؟

لا أحد يملك أجوبة حاسمة على هذه الأسئلة بسبب غياب المعطيات، يمكننا فقط أن نتحدث عن تفسيرات محتملة قد تتأكد لاحقاً أو يتم نقضها.

لا شك أن اتفاق العاشر من آذار لم يبن على مجرد النيات الطيبة للطرفين، بل كانا مضطرين لعقده تحت ضغط ضرورات لا مفر منها. فقد كانت إدارة أحمد الشرع في حاجة ماسة لإنجاز كبير في ذلك الوقت على أمل أن يغطي على المجازر التي ارتكبت في الساحل قبل أيام وفشلت الإدارة في منع وقوعها ووقف استمرارها (إلى الآن). كذلك كانت تأمل أن يفتح الاتفاق بارقة ضوء في نهاية نفق الوضع الاقتصادي الاجتماعي الكارثي، على الأقل فيما يتعلق بالثروة النفطية التي من المفترض أن تنتقل إدارتها وعائداتها من قسد إلى السلطة في دمشق (بعد اقتطاع حصة لمنطقة الجزيرة وفق أحد بنود الاتفاق) لكن الأهم من هذا وذاك أن الاتفاق قد نص صراحة على إدماج قسد في جسم الجيش الجديد الذي من المفترض أنه في طور التشكيل. الواقع أن هذا الإدماج يعني، ولو نظرياً، توحيد معظم الأراضي السورية تحت سلطة مركزية واحدة، وهو أمر بالغ الحيوية بالنسبة لتوطيد شرعية إدارة الشرع. وقد كان الخلاف حول شكل هذا الاندماج في الأشهر السابقة على الاتفاق هو العقبة الرئيسية أمامه، وقد تم تذليله بنوع من الالتفاف عليه من خلال ما قد يسمى بـ«الغموض البنّاء».

من جهتها كانت قوات سوريا الديمقراطية مضطرة لعقد الاتفاق تحت ضغط حرب فصائل «الجيش الوطني» ضدها حول سد تشرين المعززة بالضربات الجوية والمدفعية التركية من جهة أولى؛ واتجاه حزب العمال الكردستاني في تركيا، من جهة ثانية، إلى حل نفسه والتخلي عن السلاح بدعوة من قائده التاريخي عبد الله أوجلان الذي أطلق نداء بهذا الخصوص من السجن الذي مازال فيه منذ ربع قرن؛ والضغوط التي تأتيها من واشنطن وباريس وعواصم إقليمية أخرى مدفوعة برغبتها في إنجاح المرحلة الانتقالية في سوريا بعيداً عن أي صراعات جديدة أو مستجدة لا تريدها.

لم يكن خافياً على أحد دورا كل من واشنطن وباريس الداعمتين لقسد في دفعها لتوقيع اتفاق العاشر من آذار، كما في دفعها لتشكيل وفد كردي مشترك يمثل جميع القوى السياسية الكردية للتفاوض مع سلطة دمشق حول المطالب الكردية من جهة، وحول رؤية كل من الطرفين لسوريا المستقبل بصورة عامة. إنما في هذا السياق تم عقد المؤتمر الكردي العام، بعد فترة طويلة من التجاذبات، في مدينة القامشلي في 26 نيسان.

بدت مخرجات المؤتمر عالية السقف بالقياس إلى بنود اتفاق آذار، وبخاصة فيما يتعلق ببند «لامركزية الدولة» المرتبط بـ«توحيد المناطق الكردية إدارياً» في إطارها. فكانت ردة فعل سلطة دمشق متشنجة في رفضها ما اعتبرته مطالبة بشكل فيدرالي للدولة مرفوض من قبلها. كذلك طالب المؤتمر بالاعتراف الدستوري بكل المكونات السورية، في حين واظب الشرع وأركان إدارته طوال الأشهر السابقة على رفض أي تصورات للدولة الجديدة قائمة على فكرة المكونات أو المحاصصة في السلطة على أساسها.

يمكن القول إن المؤتمر قد عبر عن رؤية معينة، بصرف النظر عن مقبوليتها سواء لدى السلطة أو عموم السوريين، وهذا حق لكل كيان سياسي من غير أن يعني السعي إلى فرضها. بل هي عبارة عن مطالب مطروحة للتفاوض حولها، قد يتم التفاهم على قسم منها أو إيجاد حلول وسط. مع الأخذ بعين الاعتبار أنها مسنودة بقوة قادرة على موازنة قوة سلطة دمشق التي بدورها لا يمكن اعتبارها ممثلة لدولة عمومية تمثل جميع السوريين.

لقد وجدت إدارة الشرع نفسها في اجتماع مجلس الأمن الأخير في مواجهة وضع غير مريح لأن الدول الفاعلة جميعاً لم تظهر ارتياحاً للخط الذي تمضي فيه إلى الآن، فما زالت تلك الدول تطالبها بتشكيل حكومة تمثل التنوع السوري، إضافة إلى وجوب تخلصها من المجاهدين الأجانب وغيرها من المطالب. وعلى رغم إعلانها أنها لا ترفض تلك المطالب لكنها مازالت تخفق في تحقيقها. فربما كان «بيان رئاسة الجمهورية» الذي صدر بلهجة متشنجة تجاه مخرجات المؤتمر الكردي تعبيراً عن ضيقها الشديد من هذه الضغوط الغربية.

على الجانب الآخر من الحدود بدا شيء من التباطؤ في «المسار السلمي» الذي أطلقه كل من دولت بهجلي وأوجلان، في ظل النزاع السياسي الصاخب بين السلطة والمعارضة العلمانية، وفي الوقت الذي كان الرأي العام في تركيا ينتظر انعقاد مؤتمر حل حزب العمال الكردستاني أصدر الأخير بياناً طالب فيه مجدداً بتأمين الشروط المناسبة لأوجلان ليتمكن من إدارة عمل المؤتمر وتوجيهه حتى ولو من داخل السجن.

هذه العوامل مجتمعة قد تفسر جو التوتر الذي أعقب انعقاد المؤتمر الكردي في القامشلي، ومن المستبعد أن يؤدي ذلك إلى انهيار اتفاق آذار لأن جميع القوى ما زالت في حاجة للتمسك به. مع ذلك من الحصافة حسبان الحساب لهشاشة الوضع العام في سوريا الذي لا يمكن التكهن بمآلاته.

كاتب سوري

القدس العربي

———————-

دمشق و”قسد”… أكثر من خطوة إلى الوراء/ بشير البكر

01 مايو 2025

واجه اتفاق العاشر من مارس/ آذار الماضي، الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيس قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، الأسبوع الماضي، أول امتحان جدي بين دمشق و”قسد” وضعه على محك التطورات. وبدأ الموقف بالعودة إلى ما كان عليه لجهة الاستنفار العسكري في مناطق التماس بين قوات الطرفين وخاصة في منطقة سد تشرين بريف حلب، الذي كان من المقرر أن تتسلمه الدولة، لكن “قسد” أصرت على الشراكة الأمنية والإدارية، الأمر الذي انعكس سلباً على تنفيذ بقية بنود التفاهمات الخاصة بحيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، والخاصة بالإفراج عن محتجزين لدى الطرفين، وانسحاب “قسد” وعناصر الأمن التابعة لها باتجاه محافظة الرقة. يتمثل الامتحان الذي واجهه الاتفاق بين دمشق و”قسد” والتفاهمات بين الطرفين بالمؤتمر الذي عقده حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي تحت عنوان “وحدة الموقف والصف الكردي”، والذي انتهى إلى مخرجات ملخصها “صياغة رؤية سياسية كردية مشتركة، تُعبّر عن إرادة جماعية ومشروع واقعي لحل عادل للقضية الكردية في سورية، كدولة ديمقراطية لامركزية”، حسب ما جاء في البيان الختامي السبت الماضي.

واجهت الدولة البيان الصادر عن الاجتماع برد سريع جاء في عدة نقاط. ويبدو من قراءة ما بين السطور أن دمشق ترى في البيان الكردي، نقطة الماء التي أفاضت الكأس، حيث اعتبرت أنه محاولة لتعطيل اتفاق 10 مارس الماضي، الذي تم بوساطة ورعاية أميركية. وتحدث بيان رئاسة الجمهورية عن انقلاب على اتفاق مارس، وأن المؤتمر الكردي قوضه، كونه اعتبر الرؤية التي خرج بها “أساساً للحوار الوطني” بين القوى الكردية ومع الإدارة الجديدة في دمشق.

وحسب القراءة الرسمية، فإن البيان وضع سقفاً للحوار أعلى من تفاهمات بيان 10 مارس الماضي، ويتجاوزها إلى المطالبة بعدة نقاط تعد من الخطوط الحمراء بالنسبة للدولة السورية، ومنها اللامركزية، التي فسرها بيان الرئاسة بأنها تعني الفيدرالية التي “تُكرّس واقعاً منفصلاً على الأرض، تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها”، والتقسيم الإداري الذي يشكل “محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة”، وتفكيك ما يسمى بـ”الحزام العربي”، في المنطقة الحدودية مع تركيا، والخاص بإعادة إسكان أهالي القرى التي غمرها سد الفرات خلال فترة إنشائه مطلع سبعينيات القرن الماضي. ورأت الرئاسة أن هذه الدعوة تعبر عن “توجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، بما يهدد النسيج الاجتماعي السوري، ويُضعف فرص الحل الوطني الشامل”.

بيان الرئاسة يلغي ما جاء في اتفاق دمشق و”قسد”

الخلفية الفعلية لتحرك الدولة هي أن البيان يلغي ما جاء في اتفاق دمشق و”قسد” في مارس الماضي، ولا يبني عليه، وقد كانت حسابات الدولة تقوم على أساس أن ذلك الاتفاق هو الحل النهائي للمسألة الكردية في سورية، في حين أن “قسد” ترى فيه حلاً يخصها، ذلك الذي يتعلق بوضعها وحدها، ولا يشمل بقية تعقيدات القضية، التي تتوجب توحيد رؤية الأكراد من حولها، وعلى هذا ذهبت نحو عقد المؤتمر المذكور، الذي يجمع بعض القوى الحزبية الكردية، ويسقط من الحساب أطرافاً حزبية أخرى وقوى المستقلين الأكراد الذين يمثلون الأغلبية العظمى. والملاحظ أن طرفي المؤتمر لم يوجها الدعوة لهذه الأطراف، التي تتبنى وجهات نظر أخرى للحل ضمن إطار الدولة السورية، وليس على أساس الدعوة إلى “روج آفا”، التي تعتبر الجزيرة السورية غرب كردستان.

وتفيد أوساط قريبة من الحكومة بأن أطراف البيان الكردي تلعب ورقة كسب الوقت، وتراهن على متغيرات تضعف الدولة، وتعزز من موقف الأكراد للحصول على تنازلات أكبر، تتعلق بالقضايا الرئيسية، وفي المقدمة منها الحكم الفيدرالي، ولذلك حددت لتنفيذ اتفاق الشيخ مقصود ما بين ستة إلى سبعة أشهر، في حين أنه يمكن إنجازه بحدود أسبوعين على أقصى تقدير، فهو لا يتجاوز تبادل المحتجزين، وانسحاب “قسد”، وتسليم المقرات للدولة والمشاركة في الإدارة الأمنية. وكذلك الأمر بالنسبة الى دمج “قسد” بالجيش السوري، الذي تم تقييده بمهلة زمنية هي نهاية العام الحالي، وبالتالي لن يتم تبييض السجون وتسليم المقرات الأمنية في حلب، وكذلك لن تنسحب “قسد” من محيط سد تشرين، ولن تسلم آبار النفط والغاز للدولة، بل تراجعت حتى عن تسليم كميات من النفط الخام إلى النصف، وعادت للعمل بسياسة القبضة الحديدية في منطقة الجزيرة، وهذا يعني أنها تطالب بمقابل سياسي لكل خطوة من هذا القبيل، الأمر الذي يعقد الحل أكثر فأكثر كلما تم التقدم إلى الأمام، وذلك بالقياس إلى العدد الكبير من القضايا المعلقة، والتي تتطلب أن ترفع “قسد” يدها عنها، كالمعابر الحدودية ومطار القامشلي، ومؤسسات الدولة وإداراتها، بما في ذلك المدارس والمشافي واحتكار محاصيل الحبوب للتحكم بالأمن الغذائي.

المسألة معقدة

جولات المفاوضات بين دمشق و”قسد” في الحسكة، كشفت أن المسألة معقدة أكثر مما كانت تحسب أوساط رسمية، كانت تظن أن الوساطة الأميركية الفرنسية، بالإضافة الى التفاهمات بين الشرع وعبدي تكفي للذهاب إلى الأمام نحو تفكيك “قسد”. ويذكر هنا أن هناك طرفاً في “الجيش الوطني”، كان يرى أن الحل الممكن الوحيد مع “قسد” هو خيار السلاح، الذي لوحت به تركيا، وعطله الشرع لصالح المفاوضات. ويبدو أن الحشد العسكري الذي تلا صدور البيان الكردي باتجاه سد تشرين هو تمهيد للتفاوض بالنار مع “قسد”.

الأوساط القريبة من قوات سوريا الديمقراطية ترى أن اتفاق دمشق و”قسد” لا يزال ساري المفعول، لكنه يواجه عقبات. وترمي المسؤولية على التفسير الحكومي له. وتضرب مثالاً على ذلك الترتيبات التي حصلت بخصوص تسليم سد تشرين. وتقول إن اتفاق دمشق و”قسد” لا ينص على تسليم السد كلياً لقوات الحكومة، بل لإدارة مدنية تشارك فيها “قسد” على قدم المساواة، وأن تبقى قوات الطرفين بعيدة عنه بمسافة واحدة، تبلغ سبعة كيلومترات، وكل منهما تقف عند ضفة. وتضيف أن الخلل الذي حصل ناجم عن تقدم قوات “الجيش الوطني” إلى نقاط غير متفق عليها مما استدعى عودة “قسد”، في حين أن عمليات إدارة السد وتسييره وصيانته تسير بشكل جيد وتفاهم بين الطرفين. ورغم الخلافات عادت اللجان المشتركة للاجتماع في مدينة الطبقة، بهدف المتابعة وتصفية التوترات.

وتعتبر هذه الأوساط أن الحكومة تسرعت بإصدار البيان، وكان في وسعها أن تستقبل الوفد وتستمع لوجهة نظره، ومن بعد ذلك تحدد موقفها، خاصة أن طرفي اجتماع القامشلي اتفقا على مسألة الحوار مع دمشق سبيلاً للحل. وعلى هذا أكد عبدي أن “المؤتمر لا يهدف، كما يقول البعض، إلى التقسيم، لا بل على العكس تماماً، (يُعقد) من أجل وحدة سورية”.

إلى ذلك، هناك عدة نقاط بمثابة علامات تميز الوضع الكردي في سورية، وهي: أولاً، ضرورة أن تفصل الدولة بين “قسد” وحقوق الأكراد السوريين، لأن قوات سوريا الديمقراطية تأسست على فكرة عابرة للقوميات، وباتت اليوم تتبنى طرح الزعيم الكردي رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود البارزاني القائم على الفيدرالية، كما أنها طرف كردي هجين لا يمثل الأكراد جميعاً، وتركيبتها مختلطة من عرب وأكراد من الجزيرة، لكن أغلب قياداتها الفعلية كوادر في حزب العمال الكردستاني، ذي النفوذ على جزء من أكراد سورية، ويمثله في ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي.

أطراف في “قسد” متضررة من الاتفاق

ثانياً، هناك أطراف من “قسد” متضررة من الاتفاق مع الدولة السورية، وهي تعمل بشتى الوسائل لإفشاله، وتطمح الى تفجير الموقف عسكرياً، لأن ذلك يخدم مصالحها، ويبعد إمكانية التوصل لحل سياسي، وهذه الأطراف هي القيادات التركية القادمة من الخارج، التي دخلت سورية على أساس اتفاق مع نظام بشار الأسد يقوم على محاربة الحراك الثوري السوري وتركيا. وهؤلاء يرفضون مغادرة سورية.

ثالثاً، الدولة تتفاوض حتى الآن مع “قسد” لوحدها، في حين أن الوضع يوجب عليها أن تنفتح على بقية الأطراف، في وقت يشكل فيه المستقلون الأكراد النسبة الأكبر من الحركة الكردية السورية، وقد تم إقصاء هؤلاء من قبل دمشق و”قسد” فلا الدولة الجديدة قبلت الالتقاء بهم، أو السماح لهم بعقد مؤتمرات يعلنون فيه مواقفهم، ولا حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الكردي وجهوا لهم الدعوة لحضور اجتماع القامشلي، وقد آن الأوان أن تنظم هذه الكتلة نفسها وتعلن عن موقفها من الحل، وهو ما يمكن أن يضع حل المسألة الكردية على طريق مستقيم وفي صورة نهائية.

رابعاً، مظلوم عبدي ليس الرجل الأقوى داخل “قسد”، وهو يعمل على لم شمل جميع الأطراف تحت خيمة قوات سوريا الديمقراطية، وقد ظهر في الآونة الأخيرة وهو يحاول إرضاء البارزاني، الذي يقف وراء المجلس الوطني الكردي، وكسب ود السلطات السورية الجديدة، وتجنب الصدام مع تركيا.

خامساً، القضية الكردية تمثل تراكمات كثيرة من الحكم السوري السابق، منذ تسلم حزب البعث للسلطة عام 1963، وحلها يحتاج إلى رؤية وطنية واحدة تقوم على القواسم المشتركة ضمن سورية موحدة، ولكن ليس على أساس إقصاء الأكراد، ولا منحهم حقوقاً لا يستحقونها، خصوصاً السيطرة على أراض عربية في محافظات أخرى، بعيداً عن مناطقهم التاريخية. ثم إن اثارة قضية ما يسمى بالحزام العربي تفتح ملفات الهجرات الكردية التي جاءت من الخارج، وخصوصاً من تركيا.

العربي الجديد

——————————

مؤتمر القامشلي وتعزيز تضارب المصالح مع دمشق/ عمر اونهون

آخر تحديث 30 أبريل 2025

اندلاع صراع جديد سيقود إلى مزيد من الدمار في سوريا

في 26 أبريل/نيسان، انعقد المؤتمر الوطني الكردي، الأول من نوعه، بتنظيم فصيلين كرديين متنافسين ومتخاصمين منذ زمن طويل، هما “المجلس الوطني الكردي في سوريا” وحزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD).

عُقدت الاجتماعات في القامشلي، المدينة الرئيسة في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، التي يطلق عليها الكرد ومعظم المجتمع الدولي اسم “روج آفا”.

يشكل الكرد السوريون مكونا رئيسا في سوريا الجديدة الآخذة في التشكل، وقد تلعب مواقفهم دورا حاسما في صياغة مستقبل البلاد، بل وقد تكون عاملا مفصليا في تحديد ما إذا كانت سوريا ستنزلق نحو صراع جديد.

كان هدف المؤتمر، الذي حمل اسم “مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي في روج آفا كردستان”، تشكيلَ وفد كردي موحد بموقف سياسي واحد للتفاوض مع دمشق. غير أن آثار المؤتمر تخطت حدود سوريا، إذ وصف مسعود بارزاني، في رسالة تليت على منصة المؤتمر، الاجتماع بأنه نقطة تحول تاريخية للشعب الكردي.

شهد اللقاء حضور نحو 400 شخص، مثلوا جماعات كردية من داخل سوريا وخارجها، كان الكثير منها في صراع أو خلافات جدية مع بعضها البعض، إلى جانب ممثلين عن منظمات غير حكومية ودبلوماسيين أجانب، وكذلك مسؤولين في أجهزة المخابرات.

وخلال الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، صرح مظلوم عبدي، قائد “قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب”، الجناح المسلح لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي”، بأن الكرد لا ينوون تقسيم سوريا، مؤكدا التزامهم بوحدة أراضيها.

وأضاف عبدي أن منح الكرد حقوقهم سيجعل سوريا أكثر قوة، مشيرا بإيجابية إلى جميع الشرائح العرقية والدينية والطائفية في المجتمع السوري. وقد جاءت هذه الإشارات لطمأنة مختلف الأطراف المعنية.

ويبدو أن عبدي ومستشاريه الأجانب، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وفرنسا، حرصوا على تجنب أي خطوات قد تزيد من توجس الإدارة السورية الجديدة في دمشق، أو تؤجج قلق المكونات الأخرى للمجتمع السوري ودول الجوار مثل تركيا والعراق وإيران.

ولخص عبدي في خطابه، وفي تصريحاته السابقة للاجتماع، المطالب والمبادئ الكردية التي اعتمدها المؤتمر كموقف موحد، وأبرز هذه المبادئ:

*الاعتراف بسوريا دولةً متعددة الأعراق والأديان والثقافات، تقوم على نظام اتحادي ولا مركزي.

* الاعتراف بالمناطق الكردية كوحدة سياسية وإدارية واحدة وموحدة داخل سوريا اتحادية.

* إعادة إعمار البنية التحتية في المنطقة الكردية وضمان التوزيع العادل للموارد الطبيعية.

* الاعتراف باللغة الكردية لغةً رسمية ثانية.

* ضمان تمثيل الكرد في جميع مؤسسات الدولة.

*  التراجع عن سياسات مشروع الحزام العربي وإلغاء جميع القرارات المتعلقة بالهندسة الديموغرافية.

*  ضمان الحقوق الدستورية للكرد، بما يشمل اللغة والتعليم وسواهما.

ومع نهاية اليوم، تلا مسؤولون من “حزب الاتحاد الديمقراطي” البيان الختامي الذي أعلن أن المؤتمر توصل إلى موقف كردي مشترك، مع قرار بتشكيل وفد كردي موحد بشكل فوري.

لم يتأخر رد الرئيس أحمد الشرع على نتائج المؤتمر، إذ أصدرت الرئاسة السورية بيانًا مكتوبا أشار في بدايته إلى أن الاتفاق الأخير بين الرئيس الشرع وقيادة قوات سوريا الديمقراطية “شكل خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حل وطني شامل”، لكنه اعتبر أن التصريحات والتحركات الأخيرة لقيادة “قسد”، الداعية إلى الفيدرالية، تتعارض مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة أراضيها.

وأكد البيان أن “أي محاولة لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت ستار الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل مرفوضة، وأن وحدة سوريا، أرضا وشعبا، خط أحمر.”

كما أكد البيان أن “الممارسات التي توحي بتوجهات خطيرة نحو تغيير ديموغرافي في بعض المناطق” تهدد النسيج الاجتماعي السوري وتضعف فرص التوصل إلى حل وطني شامل.

ودعا البيان الرئاسي، الذي رفض محاولات “قوات سوريا الديمقراطية” لاحتكار كل ما يتعلق بـ”روج آفا”، دعا الكرد إلى الالتزام الصادق باتفاق 10 مارس/آذار، وإعطاء الأولوية للمصالح الوطنية العليا على المصالح الضيقة أو الوصاية الأجنبية.

وتشير نتائج مؤتمر القامشلي وردّ دمشق عليه إلى تضارب خطير في المصالح داخل سوريا. وبينما لم تصدر تركيا بيانا رسميا، فإنها تشارك دمشق مخاوفها بالكامل، إذ تتعارض العناصر التي أُعلنت في ختام مؤتمر القامشلي، لا سيما الرؤية المتعلقة بالهيكل الإداري المستقبلي لسوريا، مع “الخطوط الحمراء” التي أعلنها وزير الخارجية التركي وكبار المسؤولين الأتراك علنا في الأسابيع الأخيرة.

وفي المقابل، تتعاطف الولايات المتحدة وفرنسا مع وحدات حماية الشعب، وتسعيان إلى إبقائها حليفا محليا في منطقة مليئة بالخصوم والخصوم المحتملين. وقد شاركت الدولتان بنشاط في التوسط بين الجماعات الكردية المتناحرة، السورية وغير السورية، لإقناعها بتسوية خلافاتها. ويمكن القول بأمان إنهما كانتا من بين رعاة مؤتمر القامشلي.

كما تشارك الولايات المتحدة في جهود التقريب بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” على طاولة المفاوضات، وتسعى إلى تخفيف حدة التوترات بين تركيا وهذه القوات. ومن الطبيعي أن لا ترغب واشنطن، التي تستعد لتقليل عدد قواتها العسكرية في سوريا وتخطط للانسحاب الكامل في المستقبل القريب، في رؤية تعقيدات قد تعرقل هذه الخطط.

ومن غير المرجح أن تظل تركيا صامتة إزاء التطورات في سوريا، خاصة في ظل مواجهتها لقضايا داخلية خطيرة. إلا أن أنقرة مطالبة باختيار أفضل الطرق للتعامل مع هذه المشكلات. وعلى الرغم من أن الخيار العسكري يبقى مطروحا، فإن اللجوء إليه قد يضع تركيا في مواجهة مع إدارة ترمب، لذا من المرجح أن تعتمد مزيجا من الدبلوماسية والقوة الصلبة في هذه المرحلة.

ولا بد من الإشارة إلى أن لتركيا عمليتها الخاصة تجاه الكرد، المعروفة باسم “مبادرة تركيا بلا إرهاب،” التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتطورات الجارية في سوريا.

النتيجة أن إصرار الكرد السوريين على مطالب لن تقبلها دمشق ولا الدول المجاورة يفتح الباب أمام احتمالية تجدد الصراع، ولكن اندلاع صراع جديد سيقود إلى مزيد من الدمار في سوريا، وقد يشعل نزاعات محلية أخرى، بل وربما يستدرج دولا إضافية إلى أتون الأزمة.

لذلك، لا يسعنا إلا أن نأمل أن تتحلى جميع الأطراف في سوريا والجهات الفاعلة الأجنبية بالذكاء والحكمة والواقعية الكافية لعدم دفع الأوضاع إلى هذا المصير المظلم.

المجلة

——————–

ما علاقة إسرائيل بالأقليات في سوريا؟/ حسين جلعاد

1/5/2025

في واحد من أقسى مشاهد الخزي الوطني والقومي، انتهكت الطائرات الإسرائيلية أمس سماء سوريا، وهذا امر ليس جديدا، لكن المفارقة الأشد حرجا أن حكومة الاحتلال زعمت أنها تدافع عن الدروز الطائفة السورية التي عرفت طوال تاريخها بأنها من أشد المدافعين عن عروبة سوريا واستقلالها.

إن ما جرى يعكس مفارقة قاسية في تاريخ سوريا الحديث. ولعل هذا يذكر بخزي قديم، ففي صيف عام 1982، اجتاحت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان تحت غطاء عملية “سلامة الجليل”، لكن الهدف لم يكن فقط طرد منظمة التحرير الفلسطينية، بل التأسيس لتحالف استراتيجي مع الطائفة المارونية، بوصفها الحليف الأكثر قابلية للتموضع في “شرق أوسط جديد” قائم على كيانات طائفية متناثرة. وقد دعمت إسرائيل حينها صعود بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية، ونسّقت عسكريًا مع ميليشيات “القوات اللبنانية”، التي سرعان ما ارتكبت مجزرتي صبرا وشاتيلا تحت أنظار الجيش الإسرائيلي. لقد مثّلت تلك اللحظة الذروة العلنية لاستراتيجية إسرائيل الأمنية العميقة: تفتيت الكيانات العربية المركزية عبر بوابة الأقليات، وتحويل الطائفة إلى شريك سياسي وظيفي يخدم توازنات الهيمنة.

ورغم أن المشروع الماروني-الإسرائيلي انهار سريعًا تحت ثقل المقاومة والرفض الشعبي، إلا أن أثره ظل حاضرًا في الذاكرة الإسرائيلية كدرس استراتيجي، يُستدعى كلما احتدمت الفوضى في بلد عربي متعدد الطوائف.

وهكذا، تعود هذه الرؤية اليوم – في خضم الحالة السورية – بثوب مختلف، لتعيد إنتاج السؤال: ما علاقة إسرائيل بالأقليات في سوريا؟ وهل نحن أمام إعادة تدوير لتحالف الأقليات على نمط لبناني قديم، ولكن بأدوات سورية جديدة؟

“تحالف الأقليات”.. الفرضية الأمنية لإسرائيل

منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، لم تُخفِ إسرائيل اهتمامها المتزايد بمآلات الصراع السوري، خاصة فيما يتعلق بوضع الأقليات الدينية والإثنية داخل البلاد. ومع تصاعد الفوضى، وانهيار مركزية الدولة، وانكفاء النظام السابق إلى جيوب طائفية ضيقة، بدأت تتبلور استراتيجية إسرائيلية أكثر جرأة تجاه الداخل السوري، عُرفت إعلاميًا واستخباراتيًا باسم “تحالف الأقليات”. هذه الاستراتيجية، وإن كانت غير معلنة رسميًا، إلا أنها باتت تتجلى في سلسلة من المبادرات الميدانية، السياسية والإنسانية التي اتخذتها تل أبيب حيال المكونات الأقلوية في سوريا.

منذ بداية الثورة السورية، لم تُخفِ إسرائيل اهتمامها المتزايد بمآلات الصراع السوري، خاصة فيما يتعلق بوضع الأقليات داخل البلاد (الفرنسية)

تروج الاستراتيجية الإسرائيلية مجموعة من المقولات أبرزها أن الأقليات في المشرق العربي (الدروز، العلويون، المسيحيون، الأكراد، والإسماعيليون) تعيش في ظل قلق وجودي مستمر، خاصة في ظل ما تعتبره تل أبيب “تهديد الأغلبية السنية ذات التوجهات الإسلامية”. ومن هنا، ترى إسرائيل في هذه الأقليات شركاء محتملين، أو على الأقل أطرافًا قابلة للاستثمار في الصراع طويل الأمد الذي يدور في جوارها. لكن العلاقة ليست متساوية، ولا تُبنى على أسس تحالف صريح، بل غالبًا ما تُدار عبر رسائل غير مباشرة، دعم إنساني انتقائي، وتنسيق لوجستي محدود في مناطق النفوذ. كما أن هذه الطوائف جزء أصيل من مكونات الشعب السوري تاريخيا. فيكف تسعى إسرائيل إلى خلخلة هذا النسيج؟

الدروز.. العلاقات الشائكة

يُعرف الدروز تاريخيا بأنهم حاملو لواء استقلال الدولة السورية من خلال رمزهم التاريخي سلطان باشا الأطرش الذي يوصف بأنه قائد الثورة السورية الكبرى التي قاتلت الاحتلال الفرنسي.

لكن الأزمة السورية الحالية تباعد بين بعض قياداتها وبين القيادة الجديدة التي تتولى السلطة منذ سقوط نظام الأسد، علاوة على انقسام الدروز أنفسهم بين تيارات وفئات تؤيد التقارب مع السلطة الجديدة بوصفها رمزا للدولة السورية وبين فئات أخرى تناوئ دمشق لاعتبارات فكرية وسياسية معقدة.

ولعل وجود جزء من الطائفة الدرزية المنضوية تحت سلطة إسرائيل في الأراضي المحتلة، يخلق نوعا شائكا من العلاقة بين الدروز وإسرائيل من جهة، وبين الدروز والدولة السورية من جهة أخرى.

ولعل واحدة من أكبر الإشكاليات أن إسرائيل، التي تضم داخلها أقلية درزية واسعة ومندمجة في مؤسسات دولة الاحتلال، تنظر إلى دروز جبل العرب (السويداء) والدروز المنتشرين في جنوب سوريا كامتداد مجتمعي وثقافي. وقد شهد العام 2025 تدخلًا إسرائيليًا غير مسبوق حين شنت غارة جوية في محيط صحنايا قرب دمشق، معلنةً أنها استهدفت مجموعة متطرفة كانت تخطط لمهاجمة مواقع درزية. سبق هذه الضربة إرسال مساعدات إنسانية إلى السويداء شملت 10 آلاف طرد غذائي، في خطوة وُصفت بأنها رسالة مزدوجة: دعم وحماية.

ورغم أن بعض الزعامات الدرزية السورية أعربت عن قلقها من هذا التقارب العلني، خشية أن يُنظر إليهم كعملاء، فإن إسرائيل لا تزال تستثمر في خطاب “الحماية”، وتروّج لنفسها كضامن لوجود الدروز في منطقة تشهد تمدد الجماعات السلفي، حسب الزعم الإسرائيلي.

هناك حرج تاريخي يعاني منه الدروز في المنطقة العربية، فزعيم الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف يروج سردية نتنياهو، وطائفته نفسها هناك ترتبط مع الإسرائيليين بحلف تاريخي يسمى “حلف الدم”. وفيما كانت إسرائيل أمس تقصف أحياء في دمشق، كان طريف يتفاخر أن ثمة تغييرا كبيرا سيحدث في المنطقة.

العلويون.. من النظام إلى القلق

الطائفة العلوية، التي ارتبطت بمجملها لعقود بالنظام البعثي وبالعائلة الأسدية، وجدت نفسها في موقع هش بعد سقوط النظام. وتشير تقارير إسرائيلية إلى تلقيها رسائل غير رسمية من بعض أبناء الطائفة يطلبون فيها “الدعم أو الحماية”. ورغم غياب أي تنسيق علني، فإن مصادر استخباراتية إسرائيلية تتحدث عن استعداد لتقديم مساعدات “غير مباشرة”، تشمل الدعم الإنساني أو المعلوماتي، في حال اندلاع تهديد واسع قد يؤدي إلى إبادة الطائفة في الساحل السوري.

قطعا لا توجد معلومات مؤكدة عن تنسيق رسمي وواسع النطاق بين العلويين وإسرائيل، وتشير مواقع وصحف إلى وجود اتصالات ومناشدات من بعض الأفراد أو المجموعات العلوية تنشد الدعم والحماية.  لكن تظل هذه الاتصالات محدودة وغير معلنة رسميًا، وتعكس تعقيدات المشهد السوري الحالي وتعدد الأطراف الفاعلة فيه.​

وفي الأشهر الأخيرة، ظهرت مناشدات من بعض أفراد الطائفة العلوية تدعو إسرائيل إلى التدخل لحمايتهم مما وصفوه بالاضطهاد والتهديدات التي يتعرضون لها. على سبيل المثال، نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تقارير عن رسائل استغاثة من علويين يطلبون فيها المساعدة من إسرائيل. كما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مناشدات مماثلة تطالب بحماية دولية للعلويين في الساحل السوري.

ويظهر أفراد يصفون أنفسهم بأنهم علويون من الساحل ويدخلون في نقاشات علنية مع رموز إعلامية إسرائيلية في مساحات منصة إكس والتواصل الاجتماعي ويخوضون نقاشات مطولة تدعو إلى تدخل إسرائيلي فوري لحماية العلويين، لكن ذلك لا يقاس عليه ولا يعد أمرا رسميا يعبر عن عموم العلويين.

ووفقًا لتقارير إعلامية، هناك اقتراحات داخل الأوساط الإسرائيلية لدعم العلويين بشكل سري، بهدف تمكينهم من الدفاع عن مناطقهم واستنزاف خصوم مشتركين، مثل “الجماعات الإسلامية المتطرفة”.  وتؤكد هذه التقارير على أهمية السرية في أي تنسيق محتمل، لتجنب ردود فعل سلبية من الأطراف الأخرى في المنطقة.

المسيحيون.. الحياد المضطرب

​ لا توجد مؤشرات على وجود علاقات أو تنسيق مباشر بين المسيحيين في سوريا وإسرائيل. وخلال السنوات الماضية، حافظ المسيحيون على موقف محايد نسبيًا، مع ميل إلى دعم النظام السابق بقيادة بشار الأسد، الذي قدم نفسه كحامٍ للأقليات. وبعد سقوط نظام الأسد وتولي هيئة تحرير الشام مقاليد السلطة بقيادة أحمد الشرع، أبدى المسيحيون مخاوفهم من النظام الجديد، رغم تطمينات القادة الجدد بحماية الأقليات. وتشير تقارير إلى أن بعض المسيحيين في حلب شعروا بالخوف في الأيام الأولى بعد استيلاء هيئة تحرير الشام، لكنهم لاحقًا أفادوا بأنهم لا يشعرون بقلق كبير، وأن الكنائس تعمل بشكل طبيعة.

ورغم أن إسرائيل تسعى إلى بناء علاقات مع الأقليات في سوريا، بما في ذلك المسيحيين، إلا أن المسيحيين السوريين لم يُظهروا اهتمامًا علنيًا بالتعاون مع إسرائيل.

الطائفة المسيحية في سوريا، والتي تضم تقليديًا الأرثوذكس والكاثوليك والآشوريين والسريان، فضلت غالبًا النأي بنفسها عن كل الاستقطابات.  ولا توجد علاقات رسمية أو تنسيق معلن بين المسيحيين في سوريا وإسرائيل. ورغم محاولات إسرائيل لاستمالة الأقليات ضمن استراتيجيتها الإقليمية، يبدو أن المسيحيين السوريين يفضلون الحفاظ على موقف داخل الدولة السورية، مع التركيز على حماية وجودهم الثقافي والديني في ظل التغيرات السياسية والأمنية المتسارعة في البلاد.​

أما إسرائيل، من جهتها، فإنها تحاول توظيف خطاب حماية المسيحيين إقليميًا، خاصة في المحافل الغربية، لكنها لا تجد فيهم شريكًا مباشرًا. وتُبدي تل أبيب اهتمامًا ضمنيًا بالمسيحيين في سوريا، بوصفهم جزءًا من تراث الشرق، وكمجموعة يمكن استخدامها دبلوماسيًا للضغط على الغرب بشأن الاضطهاد الديني، لكنها لم تتجاوز حدود الخطاب الرمزي والدبلوماسية الإعلامية، دون الدخول في علاقة وظيفية كما تفعل مع الدروز أو كما تدرس مع العلويين.

الإسماعيليون: الحضور الرمزي

الطائفة الإسماعيلية، المتمركزة في مدينة السلمية وبعض نواحي حماة، عُرفت باعتدالها الفكري. واتسمت الطائفة تاريخيًا بموقفها المعارض للنظام السوري، حيث شارك العديد من أبنائها في الاحتجاجات السلمية التي اندلعت في عام 2011.  ومع ذلك، تعرضت الطائفة لضغوط من مختلف الأطراف، بما في ذلك النظام السوري والجماعات المسلحة، مما أدى إلى انقسام داخل الطائفة بين مؤيدين ومعارضين للنظام.​

مؤخراً، قام زعيمها الروحي الأمير كريم آغا خان بتقديم دعم مالي للحكومة السورية الجديدة، في خطوة فُسرت كمحاولة لضمان حماية الطائفة، وليس تعبيرًا عن اصطفاف سياسي. ولم يُسجل أي مؤشرات على تقارب أو تواصل مع إسرائيل، ما يجعل الإسماعيليين خارج دائرة “التحالف الوظيفي” الذي تحاول تل أبيب بناؤه في سوريا.

ورغم محاولات إسرائيل للتقرب من الأقليات في سوريا ضمن استراتيجيتها الإقليمية، إلا أن الطائفة الإسماعيلية لم تُظهر أي اهتمام بالتعاون مع إسرائيل. ويظهر أن الطائفة الإسماعيلية تفضل الحفاظ على موقف تحت مظلة الدولة السورية، مع التركيز على حماية وجودها الثقافي والديني في ظل التغيرات السياسية والأمنية المتسارعة في البلاد.​

إسرائيل والأكراد.. استراتيجية التفكيك الإقليمي

منذ ستينيات القرن الماضي، سعت إسرائيل إلى بناء علاقات سرية مع القوى الكردية، خاصة في شمال العراق بقيادة مصطفى البرزاني، وذلك في إطار هدفها الاستراتيجي بإضعاف الدول العربية المركزية. ودعمت تل أبيب الأكراد عسكريًا ولوجستيًا، عبر وساطة إيرانية آنذاك، بهدف استنزاف العراق ومنعه من التحول إلى قوة إقليمية تهدد أمنها. هذه العلاقة لم تكن قائمة على دعم “حق تقرير المصير” بمفهومه التحرري، بل على توظيف الأقليات القومية في خدمة مشروع إسرائيل الأمني، الذي يقوم على تفتيت الدول المحيطة إلى وحدات إثنية قابلة للضبط.

ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، رأت إسرائيل في تمدد القوى الكردية المسلحة مثل وحدات حماية الشعب فرصة نادرة لإضعاف سوريا وإزاحة مركزيتها، وربما دعم قيام كيان كردي مستقل بحكم الأمر الواقع. وبالرغم من أن الدعم العلني للأكراد جاء من الولايات المتحدة، فإن إسرائيل رأت فيهم حليفًا “وظيفيًا” في وجه خصومها الإقليميين، دون أن تترجم ذلك إلى اعتراف دبلوماسي أو سياسي. فالأكراد في نظرها “شريك دون دولة”، يمكن الاستفادة منه ما دام يتقاطع مع أهدافها، والتخلي عنه عند تبدّل الظروف. وهكذا، تشكل العلاقة بين الطرفين نموذجًا حيًا لتحالف الأقليات، حيث تُمنح الهوية مقابل الوظيفة، وتُقدّم الحماية مقابل الاستثمار في الفوضى.

تدعم إسرائيل الأكراد كـ”وظيفة استراتيجية”، لا كمبدأ سياسي. فكلما تصادمت مصالحهم مع خصوم إسرائيل، يصبح الأكراد ورقة دعم. وإذا تغيّر السياق، يمكن غضّ الطرف عنهم.

محددات الأمن القومي الإسرائيلي.. الطائفة والتجزئة شرط البقاء

إن فهم الديناميكيات المعقدة داخل سوريا يتطلب إلقاء نظرة معمقة على الأسس النظرية التي توجه تفكير إسرائيل. إذ أن فهم العقل النظري الإسرائيلي شرط أساس لفهم السلوك العدواني والانتهاكات المستمرة التي تقوم بها إسرائيل بحق الدولة السورية.

يستند الأمن القومي الإسرائيلي، منذ تأسيس الدولة، إلى مبدأ جوهري يتمثل في تفتيت المحيط العربي إلى كيانات طائفية وإثنية أصغر من إسرائيل ديموغرافيًا وجغرافيًا، لضمان تفوقها الاستراتيجي والسيطرة على المجال الإقليمي. هذا المبدأ، الذي تكرس بوضوح في “استراتيجية يينون” في ثمانينيات القرن الماضي، يفترض أن استقرار إسرائيل لا يتحقق في ظل دول قومية قوية، بل في بيئة مفككة تتنازعها هويات دينية وعرقية، يسهل التحكم بها عبر الدعم أو الإخضاع أو التحييد. ومن هنا، تنظر إسرائيل إلى الأقليات لا كمجرد مكونات اجتماعية، بل كوكلاء محتملين في معركة الهيمنة على الجوار العربي.

ويمكن القول إن إسرائيل ومنذ تأسيسها عام 1948 قد بنت استراتيجيتها الأمنية على جملة من المحددات النظرية والعملية التي لا تتعامل مع الأمن فقط بوصفه مسألة دفاعية، بل بوصفه مشروعًا بنيويًا لتشكيل المجال الجيوسياسي المحيط بها على نحو يخدم وجودها كدولة يهودية في قلب منطقة عربية وإسلامية معادية بطبيعتها التاريخية والثقافية.

وقد تمحورت إحدى هذه المحددات الجوهرية حول ضرورة تفتيت المجتمعات المحيطة إلى كيانات إثنية وطائفية صغيرة، بما يجعل إسرائيل، رغم كونها “دولة أقليّة يهودية”، تبدو “منسجمة” مع محيطٍ ممزّق عرقيًا ودينيًا، ويُسهل عليها إدارة التهديدات واحتواء الطموحات القومية العربية أو الإسلامية.

تفكيك الدولة العربية

يتجلى هذا المنظور بوضوح في الورقة التي نشرها الصحفي الإسرائيلي عوديد يينون عام 1982 بعنوان: “استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات”، وهي وثيقة شهيرة ترسم خريطة طريق لمستقبل الشرق الأوسط من وجهة نظر الأمن القومي الإسرائيلي.

وترى هذه الوثيقة أن بقاء إسرائيل مرهون بتحول العالم العربي من دول قومية قوية إلى كيانات طائفية متصارعة، على غرار ما حدث في لبنان، باعتباره نموذجًا قابلًا للتكرار في العراق، وسوريا، ومصر، والسودان.

يقول يينون: “يجب على إسرائيل أن تُعيد رسم الخريطة السياسية للعالم العربي من خلال تفكيك كياناته إلى طوائف دينية ومجموعات إثنية، لأنه لا يمكن التعايش مع دول عربية قوية ومتماسكة”.

هذه الرؤية لم تكن معزولة أو هامشية، بل تجد أصداءها في وثائق رسمية وتقارير لمراكز الأبحاث الإسرائيلية الكبرى مثل مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، ومعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي INSS.

دولة الطائفة مقابل الطوائف

بما أن إسرائيل تأسست على أساس ديني وإثني (دولة يهودية للشعب اليهودي)، فهي تجد في الدولة الوطنية العربية الحديثة القائمة على الانتماء القومي والهوية الجامعة تهديدًا وجوديًا. ولذلك، فإن خلق محيط مماثل لها، أي ممزّق إلى “هويات فرعية” (دروز، سنة، علويون، أكراد، شيعة، مسيحيون، إسماعيليون…)، يسمح لإسرائيل ألا تبدو استثناءً، بل نموذجًا آخر من “دولة الطائفة”، وسط طوائف متجاورة.

وقد سعت إسرائيل، في تطبيق هذا التصور، إلى بناء تحالفات مع الأقليات التي تشعر بالتهديد من محيطها السني، مثلما فعلت مع الميليشيات المارونية في لبنان، ومع الأكراد في العراق، والدروز أيضا. هذه التحالفات لم تكن مبنية على روابط قيمية، بل على وظيفة الأقليات كرافعة لإضعاف الدولة المركزية وتفكيك المجتمعات من داخلها.

لقد شكّل التحالف مع الموارنة في الثمانينيات النموذج التطبيقي الأول، بينما برز التنسيق مع الأكراد في العراق بعد عام 2003، ومع فصائل درزية محلية في جنوب سوريا خلال العقد الأخير، كاستراتيجيات متكاملة تصب في مشروع الإضعاف البنيوي للجوار.

ويرى معظم المنظّرين الإسرائيليين أن التهديد الوجودي لا يتمثل فقط في الجيوش، بل في إمكانية وجود “دولة قومية عربية قوية ومتماسكة وديمقراطية”. فمثل هذه الدولة، حتى لو لم تكن معادية، تُفكك من الداخل السردية الصهيونية التي تبرر “خصوصية” إسرائيل، وتشكل منافسًا أخلاقيًا وسياسيًا لها أمام المجتمع الدولي.

ولذلك، فإن تفكيك العراق إلى شيعة وسنة وأكراد، وتفكيك سوريا إلى علويين ودروز وسنة، وإضعاف مصر عبر حصارها بالملفات الإقليمية، كلها تدخل في تعريف موسّع للأمن القومي الإسرائيلي.

الهدف النهائي ليس فقط تفكيك الدول، بل خلق بيئة شرق أوسطية يسهل ضبطها. إسرائيل لا تطمح إلى احتلال مباشر، بل إلى محيط يمكنها فيه أن تلعب دور “الضامن الأمني”، أو “العرّاب الطائفي” الذي يوازن بين الفرقاء، ويضرب هذا الطرف أو يرضي ذاك وفقًا لمصالحها.

وفي هذا السياق، يصبح وجود دويلات أو كيانات صغيرة مثل دولة علوية، أو منطقة كردية، أو حكم ذاتي درزي، أكثر ملاءمة من سوريا موحدة، أو عراق مركزي.

إن استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، كما تتجلى في كتابات المنظّرين والسياسيين والواقع العملي، تقوم على تفكيك المحيط العربي إلى وحدات إثنية وطائفية أصغر منها، بهدف التخلص من الكيانات الكبيرة التي قد تشكل خطرًا سياسيًا أو ثقافيًا أو ديمغرافيًا.

فكلما صغرت الجغرافيا، وكلما تشظّت الهويات، ازدادت قدرة إسرائيل على البقاء بوصفها “الدولة اليهودية الوحيدة”، منسجمة مع محيط طائفي لا يُحرجها سياسيًا، ولا ينافسها استراتيجيًا.

ما بعد التحالف.. ما بعد الدولة

لا تبني إسرائيل علاقاتها مع الأقليات السورية على أسس دبلوماسية أو اعتراف متبادل، بل على معادلات أمنية عابرة، تُستخدم بحسب الحاجة. وهي لا ترى في هذه المجموعات “أقليات” فقط، بل أدوات توازن، وصمامات أمان محتملة في صراع طويل على شكل الدولة والسلطة في سوريا. لكن الرهان على الطائفة قد يكون خادعًا: فالأقليات ليست حلفاء طبيعيين ولا أدوات وظيفية، بل مجتمعات ذات إرادة وتاريخ، يمكنها أن تقاوم أو أن تنسحب، وقد تقلب الطاولة حين يُظن أنها مجرّد تفصيل.

المصدر : الجزيرة

—————————————–

باريس تعود إلى المشهد السوري: رهان استراتيجي على قسد لزيادة النفوذ

2025.04.30

أظهرت فرنسا للمرة الأولى الرغبة بمشاركة فاعلة في المرحلة الانتقالية السورية منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي عندما استضافت باريس مؤتمراً خاصاً بسوريا، الذي تبنى إقامة سوريا موحدة، وعقد مؤتمر وطني يفضي إلى إصلاح دستوري وانتخابات.

لاحقاً امتد الدور الفرنسي حيث رعت باريس وساطة لتقريب وجهات النظر بين المجلس الوطني الكردي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما أعطى انطباعاً واضحاً عن رغبة باريس بأن تكون فاعلاً مؤثراً في الملف السوري.

تعيين مسؤول فرنسي للملف السوري

علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر دبلوماسية أن فرنسا أوكلت الملف السوري بعيد سقوط بشار الأسد إلى وزارة الخارجية بعد أن كان ملفا أمنياً بامتياز، مع متابعة محدودة من مبعوث الرئاسة الفرنسي.

ووفقاً للمصادر فإن الخارجية الفرنسية عينت مسؤولاً للملف بمسمى قائم بالأعمال، وهو السفير الفرنسي في قطر جان باتيست فافر، وسيباشر مهامه من العاصمة السورية دمشق قريباً بهدف زيادة الفاعلة الفرنسية.

وتعكس عملية تعيين مسؤول لسوريا تزايد أهمية الملف في قائمة أولويات السياسة الخارجية الفرنسية، خاصة أن باريس تعتبر سوريا جزءاً من نفوذها الدولي التقليدي، والفرصة باتت مواتية اليوم لممارسة سياسة نشطة بعد سقوط الأسد وانتهاء حالة الجمود التي سادت لسنوات طويلة بالملف.

الاعتماد الفرنسي على الأكراد لزيادة النفوذ في سوريا

أكدت المصادر الدبلوماسية لموقع تلفزيون سوريا أن باريس تتجه بشكل واضح للاعتماد على الأكراد لزيادة النفوذ في سوريا، لأن باريس غير مرتاحة لسياسات الإدارة السورية الجديدة، خاصة فيما يتعلق بتقاربها الكبير مع الجانب التركي.

وتتخوف فرنسا من حصول أنقرة على امتيازات كبيرة خاصة في مجالات الطاقة والموانئ في سوريا، وبالتالي تكرار ما حصل في ليبيا عندما فقدت باريس الكثير من نفوذها نتيجة هيمنة روسيا على شرق ليبيا نظراً للدعم الذي تقدمه لخليفة حفتر، مقابل النفوذ التركي الكبير غرب البلاد بموجب الاتفاقيات التي وقعتها مع حكومة الوفاق عام 2021.

ومما يزيد المخاوف الفرنسية في سوريا هو بقاء القواعد العسكرية الروسية، والمؤشرات التي ظهرت مؤخراً على وجود تفاهمات بين دمشق وموسكو في المجالات الاقتصادية والعسكرية.

وتحاول فرنسا الحصول على نفوذ مهم في حوض شرق المتوسط، مما يتيح لها المساهمة في خطوط نقل الطاقة إلى أوروبا، وتتنافس مع تركيا على الهدف ذاته، ولذا دعمت عام 2020 تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط الذي ضم دولاً عديدة أبرزها مصر واليونان وإيطاليا واستثنى تركيا.

وفي إطار تعزيز العلاقات مع المكون الكردي السوري والاعتماد عليه ليكون نقطة ارتكاز فرنسية في الملف السوري، رعت الخارجية الفرنسية بشكل غير معلن مؤتمر الحوار الكردي الذي انعقد شمال شرق سوريا آواخر نيسان/ أبريل الجاري، وجمع قسد والمجلس الوطني الكردي وأحزاب سياسية أخرى، وتبنى مطلب تأسيس سوريا الاتحادية، كما تشير المعلومات إلى أن الجانب الفرنسي يجري اتصالات مكثفة مع قسد للعمل على ملأ الفراغ الذي سيخلفه تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا.

وتفيد المعلومات بأن باريس تدفع باتجاه امتلاك المكون الكردي التأثير في المشهد السوري، والدخول في مختلف مؤسسات الدولة لتضمن عن طريقه تحقيق مصالحها.

وعلى الأرجح ستعمل باريس على استثمار مخاوف دول أخرى مثل إسرائيل من تنامي النفوذ التركي في سوريا، وتسعى لزيادة دورها بتنسيق مع هذه الدول لزيادة قدرتها على التأثير، بالإضافة إلى كونها دولة بارزة في الاتحاد الأوروبي الذي يحتفظ بالعقوبات على سوريا، في ظل حاجة دمشق لتخفيف أو إزالة هذه العقوبات من أجل ضمان تعافي الاقتصاد.

——————————-

الإدارة الكردية تناشد دمشق التدخل لوقف الاعتداءات التركية على سد تشرين

«هيئة الطاقة» بالإدارة خفضت توليد الكهرباء بنسبة 40 في المائة

القامشلي: كمال شيخو

1 مايو 2025 م

في الوقت الذي حذرت فيه «الإدارة الذاتية لشمال شرقي» سوريا خروج سد تشرين عن الخدمة جراء استمرار الأعمال القتالية في محيطه منذ أشهر؛ كشف مسؤول بارز في هيئة الطاقة عن أن قلة المياه الواردة من الجانب التركي والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمحطة، تسببت في عجز ربط السد بالشبكة العامة جراء الأعطال في شبكات التوتر العالي وخروج هذه المنشأة الحيوية عن الخدمة بعدما توصلت الأطراف العسكرية إلى اتفاق يقضي بتولي الحكومة السورية إدارتها.

يقول زياد رستم، رئيس هيئة الطاقة بالإدارة الذاتية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن كمية المياه المقبلة من الجانب التركي وتدخل الأراضي السورية تقدر بنحو 250 متراً مكعباً في الثانية مثل حصة لسوريا والعراق، لافتاً إلى أن «هذه النسبة تشكل ربع الكمية المخصصة لهذا السد الحيوي المتفق عليها دولياً».

وأكد رستم أن هذا الانخفاض يتزامن مع تعرض المنطقة لموسم جفاف استثنائي رافقه زيادة التبخر في البحيرات، ما عرض بحيرة الفرات المجاورة في الطبقة للضغط والاستنزاف، «فالقصف والهجمات المستمرة قد تؤدي لحدوث تصدعات واهتزازات في بنية السد، واحتمالية انهياره في المستقبل القريب وشيكة».

وناشدت الإدارة الذاتية الحكومة في دمشق للتدخل الفوري والإيجابي وعبر قنواتها الرسمية، للضغط على تركيا لوقف اعتداءاتها. وقالت في بيان، (الأربعاء)، على معرفاتها الرسمية: «نطالب دمشق بالضغط على تركيا لتمرير كمية المياه المتفق عليها عبر اتفاقيات رسمية سابقة بين كل من سوريا وتركيا والعراق، والبالغة 500 متر مكعب في الثانية»، وتأمين مصادر طاقة بديلة لتخفيض ضغط الطلب على الطاقة من سدود الفرات.

تأتي هذه التصريحات بعد مؤتمر للأحزاب الكرية السياسية بمدينة القامشلي في 26 أبريل (نيسان)، وبلور موقف كردي موحد للتفاوض مع دمشق تصدرها الدعوة لنظام لامركزي سياسي، ما أثار انتقادات وردود فعل غاضبة من دمشق وأنقرة.

وأوضح المسؤول الكردي، أن خروج سد تشرين عن الخدمة يزيد استنزاف مخزوننا الاستراتيجي، ولفت رستم إلى أن كمية مخزون البحيرة اليوم 298 متراً فوق سطح البحر، في حين كان يبلغ مستواها الطبيعي بنحو 304 أمتار». مشيراً إلى خفض توليد الكهرباء بنسبة 40 في المائة من طاقتها التوليدية: «فرضنا إجراءات صارمة لمرور المياه من السد حفاظاً على المخزون الاستراتيجي بعد أن انخفض منسوب المياه بأكثر من 5 أمتار عمودية، وفقدان 4 مليارات متر مكعب من مياه بحيرة الفرات».

اتفاقات هشة برعاية أميركية

وتوصلت الحكومة السورية والإدارة الذاتية إلى اتفاق برعاية أميركية في 11 أبريل الماضي، يقضي بتشكيل إدارة مشتركة لسد تشرين، على أن يتم تقليص الوجود العسكري وانسحاب جميع الأطراف المتحاربة من محيطه، في خطوة تندرج ضمن اتفاق ثنائي أوسع وقعه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، مظلوم عبدي، في مارس (آذار) الماضي، يقضي بدمج مؤسسات الإدارة في هياكل ومؤسسات الدولة السورية.

من جانبها؛ نشرت وكالة «هاوار» الكردية للأنباء، المقربة من الإدارة الذاتية، صوراً ومقاطع فيديو على موقعها الرسمي (الأربعاء)، تظهر وصول قافلة مدنية جديدة من سكان المقاطعات التابعة لها للانضمام إلى حركة الاحتجاجات المستمرة منذ 5 أشهر، ضد ما وصفته بـ«هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته وحماية السد من الانهيار».

وتزامنت هذه الاحتجاجات مع دخول القوات الحكومية محيط السد وإقامة عدة نقاط عسكرية على أطراف السد الذي يقع في ريف محافظة حلب الشرقي، بعد أن دفعت دمشق بتعزيزات عسكرية من مدينة حلب باتجاه سد تشرين، لفض الاشتباك بين الفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا، وقوات «قسد» التي تتمركز في قرية أبو قلقل على بُعد 7 كيلومترات من السد، بالتوازي مع توجيه أوامر لتشكيلاتها برفع الجاهزية القتالية.

وبحسب مصادر كردية ووكالة «هاوار» عاد القصف التركي بطائرات مسيرة ليزيد التوتر المتصاعد في المنطقة، حيث استهدفت أنقرة محيط السد بأربعة ضربات جوية مؤخراً، تسببت في سقوط ضحايا من الطرفين؛ الأمر الذي يهدد بانهيار الاتفاق الجزئي الذي تم التوصل إليه في وقت سابق، والذي يقضي بإدارة مشتركة للسد، وينذر بتصعيد الموقف وهشاشة الاتفاقات التي رعتها الولايات المتحدة.

ويرى مراقبون أن أهمية السد لا ترتبط بخدماته الكهرومائية بما توفر من كهرباء ومياه للشمال السوري أو تغذية السلة الغذائية، بل يشكل خط دفاع رئيسياً اتخذته قوات «قسد» لحماية مناطق نفوذها شرق الفرات، وينظر الأكراد بريبة إلى أن أي تصعيد عسكري في السد، على أنه تراجع من دمشق عن الاتفاقيات المبرمة وبمثابة مقدمة إعلان حرب ضدها.

——————————–

تركيا تؤكد معارضتها لنظام حكم لامركزي في سوريا

ا1 مايو 2025 م

كشفت مصادر تركية عن أن أنقرة ترفض أي خطط من شأنها تقويض الحكومة المركزية في سوريا أو تهديد سيادتها وسلامة أراضيها، وذلك رداً على مطالب الأكراد بتبني سوريا لنظام حكم لا مركزي، وفقاً لوكالة «رويترز».

ودعمت تركيا المعارضة المسلحة ضد الرئيس السابق بشار الأسد لسنوات، وينظر إليها على أنها أقرب حليف أجنبي لحكام سوريا الجدد، وتعهدت بمساعدتهم في إعادة بناء واستقرار البلاد التي دمرتها حرب استمرت 14 عاماً.

وترى أنقرة أن مطالب الأكراد السوريين بنظام حكم لا مركزي تشكل تهديداً بسبب ما تقول إنها صلات تربطهم بمسلحين أكراد في تركيا، في حين تتطلع إلى إنهاء صراع مستمر منذ عقود مع جماعة «حزب العمال الكردستاني» المحظورة.

واتفقت أحزاب كردية سورية متنافسة، بما في ذلك تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» المهيمن في شمال شرقي البلاد، في اجتماع يوم السبت، على رؤية سياسية مشتركة للأقلية الكردية في البلاد، وعلى فكرة نظام الحكم اللامركزي، وهي الدعوة التي رفضتها القيادة السورية.

وتحدثت مصادر تركية عن تعليقات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي قال أمس الأربعاء إن مطالب الحكم اللامركزي في سوريا «ليست أكثر من مجرد حلم».

وقال مصدر في وزارة الخارجية التركية: «تركيا لا تقبل أي مبادرة تستهدف وحدة الأراضي السورية، أو تمس سيادتها، أو تسمح بحمل الأسلحة من قِبَل آخرين خارج السلطة المركزية السورية».

وتعتبر تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة منظمة إرهابية.

ورحبت أنقرة بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في مارس (آذار) بين تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق لدمج الهيئات الحاكمة وقوات الأمن التي يقودها الأكراد مع الحكومة المركزية، لكنها قالت إنه يجب عليها أيضاً ضمان تفكيك جماعة «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تقود التحالف، وسلسلة القيادة في «قوات سوريا الديمقراطية».

توفير «المساحة»

أفاد المصدر بأن تركيا أتاحت لدمشق «المساحة اللازمة» لمعالجة مخاوفها بشأن المسلحين الأكراد في سوريا. وحذرت في السابق من أنها ستقوم بعمل عسكري إذا لم تعالج مخاوفها.

وذكر مصدر بوزارة الدفاع التركية، أمس الأربعاء، أن مطالب الحكم الذاتي قد تضر بسيادة سوريا واستقرار المنطقة.

وأضاف المصدر في إفادة صحافية بأنقرة: «لا يمكن أن نوافق على تفكك وحدة أراضي سوريا وسقوط بناء الوحدة لديها تحت أي غطاء».

واستطرد يقول: «نعارض خطاب المنطقة ذاتية الحكم أو اللامركزية والأنشطة الرامية إلى ذلك، مثل الإدارة السورية الجديدة تماماً».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيسيلي، في وقت متأخر من أمس الأربعاء، إن كل دول المنطقة يجب أن تساهم في أمن واستقرار سوريا، ودعا إسرائيل إلى وقف «غاراتها الجوية التي تضر بوحدة سوريا وسلامة أراضيها».

وتشن إسرائيل غارات جوية داخل سوريا، فيما وصفته تركيا بأنه استفزاز غير مقبول يهدف إلى النيل من وحدة سوريا في حقبة ما بعد الأسد. وتركيا من أشد منتقدي إسرائيل منذ أن شنت حرب غزة.

وتريد أنقرة أيضاً رفع كل العقوبات الغربية المفروضة على سوريا بشكل كامل وانسحاب القوات الأميركية المتمركزة في شمال شرقي البلاد.

—————————-

==================================

الموقف الأميركي اتجاه سوريا، مسالة رفع العقوبات، الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة السورية تحديث 01 أيار 2025

لمتابعة هذا الملف التبع الرابط التالي

العقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائها

——————————-

رسائل واشنطن – دمشق.. مرايا القلق وأبواب الانفتاح الموارب/ عبد الله مكسور

2025.04.30

منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، بدأ الزمن السوري يقطف لحظة جديدة، لحظة تبدو كما لو أنها خرجت من مجازٍ سياسي طويل النفس، تخلّى عن العناوين القصوى، وارتدى لغة الباب الموارب. في لحظة رمادية بين الحروب المعلّقة، والتسويات الممكنة وغير المكتملة، انفتحت فجوة صغيرة بين دمشق وواشنطن، تمرّ منها الرسائل، لا الصواريخ. بين الكلمات والوعود والاختبارات، تتشكل خريطة نادرة من التماس الدبلوماسي، تلتقطها العيون المتربصة، وتحللها مراكز القرار بميزان المصالح، لا المبادئ على قاعدة الثوابت. مزيج من الترقب الحذر، والانفتاح المحسوب على إيقاع النوايا، من الرسائل المتبادلة التي تحمل في طيّاتها لغة المصالح المتشابكة، وتاريخًا من العُقد والاشتباك، ووعودًا لا تزال حبلى بالاحتمالات.

خطاب سيادي بلغة دبلوماسية

يمرر الرئيس أحمد الشرع للبيت الأبيض عبر الإعلام الأميركي رسائله، محاولاً الظهور كمن ينفض – عن كرسي الرئاسة وعن تاريخه الشخصي-  غبار الصراع القديم، دون أن يتخلى عن لهجة سيادية تبدو – في ترجماتها العربية- حادة. تحدث باللغة التي تتطابق مع الأصوات في مرحلة ما بعد الحروب الكبرى، لا منتصر واضح، ولا هزيمة تامة، بل رغبة في ترسيم مرحلة جديدة، دون انبطاح ولا عناد.

أراد الشرع أن يقول شيئًا بسيطًا ومعقدًا في آن: سوريا لا تطرق أبواب أحد، لكنها لا تغلقها أيضاً. السيادة ليست بندًا تفاوضيًا. الوجود الأجنبي على الأرض السورية لا يمكن تقنينه إلا تحت مظلة الدولة. وفوضى السلاح، إذا تُركت دون ضوابط، ستحرق أكثر من حدود الإقليم. في رسالته، كان خطاب الشرع ينطوي على تحذير ناعم، فُسّر في واشنطن والعواصم الإقليمية على مقياس المخاطر بأنه نداءٌ لإعادة التقييم، لا لإعادة التطبيع. اللافت هنا أن صفقة سورية وُضِعت على الطاولة، صفقة غير معلنة بشكل واضح لكنها تحمل معنى “إن فُعِل كذا سنفعل كذا”، وهذا انتقال باللهجة السورية الرسمية السابقة إلى لغة المفاتيح الممكنة.

جملة مصالح متبادلة تقوم على مراجعة أميركية للعقوبات مقابل انفتاح سوري “مشروط” على الحوار والتعاون. ليست الصفقة جديدة، لكن الجديد هو أن من يعرضها الآن هو دمشق نفسها، لا حلفاؤها. الرسالة كان مفادها أن سوريا، التي قاومت التفكك والانهيار، تريد أن تعيد إنتاج نفسها بوصفها لاعباً لا عبئاً. وهي مستعدة لتبديل مفردات العلاقة، دون أن تبدّل جوهر موقعها في المعادلة.

وفي تفاصيل هذه العناوين، ما يستحق التوقف عنده: تحدث الشرع عن إمكانية منح الجنسية لبعض المقاتلين الأجانب المقيمين منذ سنوات في سوريا. قد يُقرأ ذلك كجزء من إعادة هندسة الخريطة الاجتماعية السورية ما بعد الحرب، أو محاولة ناعمة لاستيعاب مخاطرهم. لكنه في العمق رسالة من النوع الثقيل: السلطة الجديدة تريد إعادة إنتاج مواطنيها، بل وتخترعهم أحيانًا، وفق مقتضيات المرحلة.

حامل الرسائل المحفوفة بالمخاطر

لم تكن صور السيناتور الأميركي كوري ميلز في الشام القديمة وحدها اللافتة في زيارته الأولى من نوعها لعضو كونغرس إلى دمشق منذ أكثر من عقد، فقد حملت من الإشارات بقدر ما حملت من الأسئلة. لم يكن ميلز رسول مصالحة بالمعنى الكلاسيكي والتقليدي، لكنه كان “عصفور استكشاف” أميركيًا في حقل ألغام سوري تتربَّص الدخول إليه وفيه الإدارة الأميركية، جاء حاملاً ما يكفي من التصريحات المتزنة، ليُبقي النافذة مفتوحة على الإشارات بين البيت الأبيض وقصر الشعب.

في تصريحاته بعد لقائه بالشرع، بدا ميلز كمن يسوّق لنموذج من “البراغماتية الواقعية”: لا تنازل أميركياً عن الملفات الكبرى، لكن لا مانع من الحوار بشأنها. وشدد على أن واشنطن ترى في دمشق لاعباً محتملاً في الاستقرار الإقليمي، لا مصدر اضطراب دائم. وفي هذا دعوة لحضور سوريا على كرسي في أي طاولة تناقش مستقبل الشرق الأوسط.  تحدث عن ملفات أمنية مثل تهريب السلاح، والتوازن في العلاقة مع إيران، وحتى الحوار أو تحسين العلاقات مع إسرائيل، وهي عناوين محرّمة لعقود في القاموس السوري، لكنها الآن مطروحة، ولو بحدود اللغة الممكنة. وهذه الإشارات كلها تقع في محاولة جسر الهوة التاريخية بين واشنطن ودمشق.

بين المطالب والشروط

رغم أن واشنطن لم تتخلّ عن خطابها بشأن الانتقال السياسي، إلا أن لهجتها باتت أكثر واقعية. لم تعد تتحدث عن “عدم التعامل مع النظام”، بل عن “إصلاح الشراكة”، وعن ضمانات حقيقية لعدم استخدام سوريا كمنصة تهديد إقليمي. وبينما كان ملف الانتقال السياسي أحد أعمدة التصعيد في العقد الماضي، أصبح اليوم بندًا للنقاش، لا للابتزاز. وفي هذا الطرح إقرار ضمني أميركي بأن إقصاء دمشق لم يؤد إلى نتائج، وأن تطبيعاً “مشروطاً” قد يكون البوابة الممكنة لكسر الجمود بعد التغيير.

وفي هذا السياق، تبدو تصريحات الشرع للإعلام الأميركي وكأنه يلمّح إلى قبول مبدأ التدرّج، لا الانقلاب، في أي عملية سياسية داخلية. وهو بذلك يتقاطع مع لغة واشنطن الجديدة، التي ترى أن أي تطبيع مشروط يجب أن تقابله خطوات إصلاحية من دمشق، لكنها لا تشترطها دفعة واحدة.

زيارة ميلز شكّلت ذروة هذا التحول في العلاقة التي مرَّت بمنعرجات أمنية غير معلنة، آخرها كان الكشف عن مساعدة الولايات المتحدة لسوريا بإحباط محاولة الهجوم على مقام السيدة زينب في العاصمة خلال الأشهر القليلة الماضية، لكن هذه الحالة لم تكن البداية وفق التسريبات، ففي الكواليس، جرت نقاشات حول المشهد الأمني ككل، لم تكن وحدها الولايات المتحدة بل شاركت فيها كراسي أخرى جلست عليها تركيا وإسرائيل وغيرهم.

مراجعة سياسية.. ماذا تغيّر؟

على إيقاع الجولة الخارجية الأخيرة للرئيس السوري أحمد الشرع، والتي بدأت في أنطاليا ثم أبو ظبي فالدوحة، وقبلها السعودية والأردن ومصر، لوَّحت الولايات المتحدة بأنها بدأت بمراجعة عقوباتها على دمشق، تزامناً مع تقارير استخبارية تشير إلى تحول جزئي في بنية السلطة السورية، وظهور توجهات أكثر انفتاحًا في السياسة الخارجية. ترافق ذلك كله مع تحسن محدود في العلاقة بين دمشق وبعض العواصم العربية. وفي ظل هذه الأرضية تطرح الرئاسة السورية نقاطها الأساسية في المعادلة والتي تقوم على:

    ضمانات بعدم استخدام سوريا كقاعدة أو منطلق لأي هجمات أو أذى يصيب دول المنطقة بما في ذلك إسرائيل.

    لا تنازل عن السيادة وأي وجود عسكري على الأراضي السورية يجب أن يتم بالاتفاق والتنسيق مع الدولة، بما في ذلك الوجود الروسي والتركي.

    لا تفريط بحلفاء الحرب، فالحكومة تنظر بمنح الجنسية للمقاتلين الأجانب نظراً لمشاركتهم في الثورة وزواجهم من مواطنات سوريات، وإقامتهم الطويلة في البلاد. وفي هذا حديث ورسائل مكشوفة عن تحويل التهديد وفق التعريف الأميركي إلى اندماج.

    أي فوضى على الأرض السورية لن تبقى حبيسة الحدود، بل ستمتد كحريق إلى ما وراء الجغرافيا، لتمس الاستقرار العالمي.

بقراءة متأنية للنقاط السابقة نجد أن دمشق تحاول أن تتكلم بلغة السيادة مع فتحها لباب المراجعة، فالحديث هنا ليس صدامياً، بل كمن يعيد ترتيب أوراق اللعبة مع وضع كل شيء على الطاولة. وفي هذا ما يمكن وصفه بالنضج السياسي الذي يؤشر إلى إمكانات تطور ملموسة في العلاقة مع العالم إذا ما وُجِدت الإرادة السياسية المشتركة.

بين الشك والفرصة: أي مستقبل للعلاقة؟

تاريخ العلاقة بين دمشق وواشنطن يُشبه شبكة معقدة من الحبال المشدودة، كلما فُكَّت عقدة ظهرت أخرى. منذ العام 2003، حين أصبحت سوريا هدفًا محتملًا في “الحرب على الإرهاب”، مروراً بالسنوات العجاف التي أكلت البلاد، كان التواصل بين الطرفين محكومًا بمنطق الضغط لا الحوار. بالقلق لا البحث عن المخارج الأمنية. وما يجري اليوم ليس إعادة تطبيع بقدر ما هو اختبار نوايا. كل طرف يُلوّح بإغراءات، ويحتفظ بالشكوك.

واشنطن تخشى أن يكون حديث الرئاسة السورية مراوغة ذكية لا أكثر. ودمشق تخشى أن يكون انفتاح البيت الأبيض فخًا جديدًا. ومع ذلك، فإن ما يميّز اللحظة الحالية هو الاعتراف المتبادل، ولو ضمنيًا، بأن استمرار القطيعة يُنتج فراغات تملؤها قوى أخرى، من طهران إلى موسكو، مرورًا بالتنظيمات غير المنضبطة الخارجة عن السيطرة. ربما يكون هذا المشهد بوادر فصل جديد، ولكن الرسائل المتبادلة بين دمشق وواشنطن لا تزال في طور التجريب. الذي لم يرتق بعد إلى مستوى خريطة طريق سياسية واضحة، قد تبدو مختلفة هذه المرة، أقل صخبًا، وأكثر نضجًا. فالخطاب السيادي الذي قدّمه الشرع، مع الاستعداد لمناقشة قضايا حساسة، يقابله خطاب أميركي بدأ يعترف بحدود القوة وحدود العزل، فهل تُكتب هذه الرسائل كفصل جديد في كتاب العلاقات السورية الأميركية؟ أم تُطوى كما طُويت مئات الرسائل من قبل؟ الجواب مؤجل، لكنه مرهون بقدرة الطرفين على ترويض التوحش السياسي، واستبداله ببراغماتية تمنع ما تبقى من الحروب التي لا تنتهي.

تلفزيون سوريا

—————————

انقسامات أميركية تعوق رسم سياسة واضحة تجاه سوريا

بين تخفيف تدريجي للعقوبات ورفض «آيديولوجي» قاطع

واشنطن: رنا أبتر

30 أبريل 2025 م

في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019، وقَّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد طول انتظار، على مشروع عقوبات قيصر لتضييق الخناق على نظام الرئيس السوري حينها، بشار الأسد. عقوبات كان من شأنها أن تصبح منتهية الصلاحية في ديسمبر 2024، لكن «الكونغرس» عاد لتجديدها في نص جرى التوافق عليه قبل ساعات قليلة من سقوط نظام الأسد وتسلم قائد «هيئة تحرير الشام» أبي محمد الجولاني، والذي أصبح الرئيس أحمد الشرع، سُدة الحكم، في تطورات متسارعة فاجأت الداخل والخارج السوريين، وصدمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في أسابيعه الأخيرة من الرئاسة.

وبينما تغنّى بايدن بسقوط الأسد، إلا أن إدارته لم تتخذ أي قرارات بارزة وحاسمة تجاه حكومة الشرع، عدا إصدار بعض الإعفاءات من العقوبات، مُرجئة هذه القرارات للرئيس المقبل دونالد ترمب، الذي تسلَّم سُدة الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي.

انقسامات داخلية

ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، تتخبط الإدارة الأميركية في دوامة تجاذبات داخلية حالت دون رسم استراتيجية أميركية واضحة تجاه سوريا توفر أُطراً توجيهية حيال التعامل مع الشرع وحكومته، وذلك وفق مصادر عدة في الإدارة الحالية تحدثت، لـ«الشرق الأوسط»، دون الكشف عن اسمها نظراً لحساسية الملف، في وقت أعلنت الخارجية الأميركية أمس أن «بعض مسؤولي السلطة الانتقالية بسوريا موجودون في نيويورك ولكن أميركا لا تطبع العلاقات مع دمشق في هذه المرحلة» في إشارة إلى زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لمقرّ الأمم المتحدة.

ويترأس الملف السوري في إدارة ترمب علنياً ورسمياً المبعوث الخاص السابق إلى اليمن تيم ليندركينغ، الذي يلعب هذا الدور بانتظار مصادقة مجلس الشيوخ على جول رابيرن، مرشح ترمب لتسلُّم منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.

لكن من يقود الملف فعلياً، وفق مصادر مطلعة، هو سيباستيان غوركا، نائب مساعد ترمب ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، المتحفظ، بشكل كبير، حيال التعامل مع حكومة الشرع، لأسباب آيديولوجية.

ويتحدث المبعوث الخاص السابق لسوريا والمبعوث الأميركي السابق لدى التحالف الدولي ضد «داعش» جايمس جيفري عن هذه الانقسامات في فريق ترمب، فيقول، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»: «يبدو أن هناك خلافات حول الشرع داخل الحكومة الأميركية، وقد أدت هذه الخلافات إلى تجميد التفكير الاستراتيجي في كيفية التعامل مع الملف». وأضاف: «تجميد من هذا النوع، خاصة فيما يتعلق بتخفيف العقوبات، يمكن أن يُطيح بالمشروع السوري بأكمله».

ويوافق ديفيد شينكر، نائب وزير الخارجية السابق، مع تقييم جيفريز حيال هذه الخلافات، فيقول، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك المشككون في الشرع وماضيه الجهادي، داخل الحكومة الأميركية، وهؤلاء مترددون في رفع العقوبات، بينما يرغب آخرون في اختبار الشرع لمحاولة التحقق من كيفية حكمه، ورفع العقوبات تدريجياً بناءً على أدائه».

ويَعدّ شينكر أنه لهذا السبب طرحت واشنطن قائمة تضم 8 شروط لرفع العقوبات، تتراوح بين وضع أسلحة سوريا الكيميائية تحت المراقبة الدولية، إلى تحييد المقاتلين الأجانب من المناصب الرئيسية في الجيش، مشيراً إلى امتثال الشرع لبعض هذه المطالب، وتردده في تطبيق شروط أخرى. ويحذر شينكر من أنه، وفي غياب التنمية الاقتصادية، سيفشل الشرع في جهوده لتوحيد سوريا، وقد تتدهور الدولة إلى سيناريو مماثل لما حدث في ليبيا، مضيفاً: «لا يبدو أن الحكومة الأميركية تتعامل مع الملف من منطلق الوضع الطارئ للحيلولة دون حصول هذا الاحتمال القاتم. فهناك القليل من التفاعل من قِبل الإدارة مع الحكومة السورية الجديدة». ويشير شينكر إلى أن مجلس الأمن القومي هو الذي يتولى حالياً قيادة الشأن السوري؛ لأنه لم تجرِ المصادقة على المعيَّنين في وزارة الخارجية بعد.

معركة آيديولوجية

تبدو هذه الانقسامات واضحة لمن يراقب التصريحات الصادرة من وجوه مختلفة من الإدارة حيال الملف السوري؛ فيقول ليندركينغ إن الولايات المتحدة «تبحث عن فرص لبناء الثقة»، مشيراً إلى أنه لن يجري التوصل إلى حلحلة في هذه الأمور بين ليلةٍ وضحاها، وإن هناك انفتاحاً من قِبل الإدارة للتواصل مع حكومة الشرع لتقييمها.

ولا ينفكّ غوركا يذكر بأن الشرع كان عضواً مؤسساً في «جبهة النصرة». وفي مقابلة مع موقع «برايبارت» المحافظ قال: «(جبهة النصرة) كانت جزءاً من (تنظيم القاعدة). إذن لديك شخص فاز بمعركة لإخراج الزعيم العلوي العلماني (الأسد)، واستبدال الديكتاتورية بماذا؟ لا نعرف. كل ما نعرفه هو أن ما يسمى الرئيس المؤقت قال إن الشريعة الإسلامية ستكون قانون سوريا. إذن ما زلنا غير واثقين بشأن الجولاني وما يريد فعله في سوريا». وقال غوركا، الذي يصرّ على الاستمرار باستعمال لقب الجولاني، وليس الشرع، في تصريحاته: «إذا قال أي شخص أنه يعرف مستقبل سوريا، فهو كاذب. كل شيء مرن، وكل شيء متغير».

وتَعدّ كبيرة الباحثين بمعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية ناتاشا هال، من ناحيتها، أن الاستراتيجية الأميركية المتعلقة بسوريا غائبة؛ لأنه «لطالما تعاملت الولايات المتحدة مع سوريا من خلال منظور مواجهة إيران وحماية إسرائيل، ونادراً ما كانت تركز على السوريين وسوريا بحد ذاتها». وتشير، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إلى أن غياب هذه الاستراتيجية أصبح إشكالياً منذ سقوط نظام الأسد؛ لأنه لا توجد استراتيجية تنظر للمستقبل، حيث يمكن للإدارة وحتى أعضاء «الكونغرس» استغلال هذه اللحظة التاريخية بوصفها فرصة. وتَعدّ هال أن وجوهاً مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، وجول رابيرن، تنظر إلى سوريا من خلال منظور إيران وإسرائيل، وليس بناءً على ظروف سوريا نفسها، ما يعكس تردداً في التعامل مع الإدارة السورية الحالية من قبلهم. في المقابل، هناك أشخاص مثل مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي لديه منظور مختلف، وقد يكون أكثر توافقاً مع معتقدات الرئيس ترمب الباحث عن فرص دون خلفية آيديولوجية كبيرة، ما قد يكون مفيداً لدفع الأمور قُدماً، على حد قولها. لكنها تُعقّب قائلة: «بالطبع، هناك غوركا وتولسي غابارد (مديرة الاستخبارات الوطنية)، اللذان يريدان تجنب التعامل مع حكومة الشرع قائلين: من كان جهادياً، فسيظل جهادياً».

رفع العقوبات

في ظل هذه الانقسامات، يترنح مصير العقوبات الأميركية على سوريا. وبينما يطالب البعض برفع العقوبات بشكل كامل، يُحذر البعض الآخر من التسرع، كرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري جيم ريش، الذي قال، في تصريحات خاصة، لـ«الشرق الأوسط»: «يجب ألا نخطئ، فهناك مخاطر حقيقية، سواء في رفع العقوبات بشكل سريع للغاية على سوريا، أم في إضاعة الفرصة التي أمامنا. وفيما يجب على أميركا ألا تتسرع في سوريا، يمكننا أن نخلق مساحة لحلفائنا الإقليميين وغيرهم للقيام بذلك». وعن الانقسامات داخل إدارة ترمب، يتابع ريش قائلاً: «لديَّ ثقة تامة بأن إدارة ترمب ستتعامل مع الوضع بالدقة التي يستحقها».

ويتردد تعبير «الفرصة» على لسان كثيرين في واشنطن، على اختلاف مواقفهم تجاه حكومة الشرع، فتراجعُ النفوذ الإيراني في المنطقة هو بالنسبة للأميركيين فرصة لن تتكرر. وفي هذا الإطار يدعو جيفري الإدارة الأميركية إلى إعطاء الأولوية لضمان عدم عودة إيران ووكلائها من جهة، وعدم عودة «داعش» من جهة أخرى. ويضيف: «لتحقيق هذه الأهداف، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على ضمان أن تكون سوريا موحَّدة ومستقرة، وليست ضعيفة ومنقسمة، لذا يجب أن تنضم إلى المجتمع الدولي لتخفيف العقوبات تدريجياً والتعامل مع دمشق، بالإضافة إلى التوسط في التوترات الإسرائيلية التركية».

وعَدّ جيفري أنه، ورغم منطقية بعض المطالب التي وضعتها الإدارة الأميركية لرفع العقوبات، فإن هناك ضرورة لوجود تواصل مستمر لتوضيح هذه المطالب استعداداً للتوصل إلى اتفاق مع السوريين الذين يُبدون تعاونهم.

وهنا يَعدّ شينكر أنه من الجيد أن تكون هناك معايير عالية مع الحكومة السورية الجديدة، «خاصةً بالنظر إلى علاقاتها الجهادية السابقة»، لكنه يُحذر قائلاً: «من الممكن أن تؤدي التأخيرات غير المبرَّرة في تخفيف العقوبات، حتى وإن كانت بسيطة ومؤقتة إلى فشل الحكومة، مع تأثيرات مترتبة على الدول المجاورة». ويتابع: «يجب على واشنطن الانخراط بشكل مكثف مع دمشق لدفع الحكومة الجديدة لاتخاذ خطوات نحو تلبية المطالب الأميركية التي من شأنها السماح برفع الإجراءات الاقتصادية القائمة ضد سوريا. إذا لم تُلبِّ حكومة الشارع هذه المطالب، فيمكن دائماً إعادة فرض هذه العقوبات وغيرها». لكن هال تَعدّ أن الوقت قد حان لرفع العقوبات التي كانت مفروضة على نظام الأسد بأسرع وقت ممكن، محذرة من أنها (أي العقوبات) «تدفع الأنظمة إلى الانخراط في الأسواق السوداء والأنشطة غير القانونية، وتضعها في أحضان دول أخرى مثل إيران والصين وروسيا».

وفد الكونغرس

وقد شهدت الأيام الأخيرة تحركات أميركية داخلية وخارجية حول الملف السوري؛ منها المتواضع، كزيارة مشرِّعين جمهوريين لسوريا، في زيارة غير رسمية وُصفت بأنها غير فعالة نظراً لكون المشرّعين من النواب غير النافذين في «الكونغرس»، وصولاً إلى رسائل من مشرّعين بارزين كالسيناتور جيم ريش، وكبيرة الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية جين شاهين لإدارة ترمب تحثّه فيها على «إزالة الحواجز أمام توسيع الانخراط مع الحكومة السورية المؤقتة، على أن تهدف المقاربة الأميركية إلى تحقيق التوازن المناسب بين الفرصة والمخاطرة».

ولعلَّ رسائل من هذا النوع هي التي قد تلقى آذاناً صاغية من قِبل ترمب أكثر من زيارة النائبين، وهذا ما ألمح إليه فريدريك هوف، المبعوث السابق إلى سوريا، الذي دعا إدارة ترمب إلى تعيين «دبلوماسي رفيع المستوى في دمشق قادر على تشكيل علاقات لائقة مبنية على الثقة والاطمئنان مع القادة الجدد في سوريا». وقال هوف، في فعالية طاولة مستديرة مع think للأبحاث والاستشارات، التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام، حضرتها «الشرق الأوسط»، إن «المطلوب هو شخص يستطيع إقناع الرئيس ترمب بأن ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا. لطالما كان الأمر كذلك، والمصالح الأميركية مرتبطة بذلك، شئنا أم أبينا». وتابع هوف بلهجة لاذعة: «لا أعتقد أن النائبين غير النافذين اللذين زارا سوريا مؤخراً، يمكنهما إيصال هذه الفكرة للرئيس».

انسحاب أميركي مرتقب

وهنا يُذكر الدبلوماسي السوري بسام بربندي بنقطة مهمة جداً؛ وهي الانسحاب الأميركي من سوريا في شهر سبتمبر (أيلول)، مشيراً، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «ترمب يريد أن يقول إن الانسحاب كان ناجحاً، على خلاف انسحاب بايدن من أفغانستان». ويضيف: «يتطلب الانسحاب الأميركي أن تكون هناك توافقات إقليمية على استقرار سوريا، واستقرار وضع الأكراد والتطرق للتحفظات التركية ومحاكمة الدواعش في السجون وتنظيم هذه السجون، وجزء من هذا التنظيم هو أن تلتزم الحكومة السورية بعدم بسط (طالبان) أو التيار الجهادي سُلطته بعد خروج أميركا من سوريا».

ويَعدّ بربندي أن الإدارة الأميركية تتعامل مع الملف السوري من منظور توقيت الانسحاب من سوريا، وليس من منطلق ما تحتاج إليه سوريا. ويفسر ذلك بالقول: «الشروط المطروحة مرتبطة بإسرائيل، وهي متعلقة بكيفية رؤية الإدارة لكل المنطقة. يجب الإسراع بتنفيذ الشروط الأميركية وعدم إضاعة الفرصة». ويرى بربندي أن التحدي الأكبر هنا يكمن في اشتراط البيت الأبيض تنفيذ كل الشروط الثمانية، مضيفاً «أنه إذا جرى تنفيذها قبل الرابع من موعد انتهاء تجميد بعض العقوبات في يوليو (تموز)، فيمكن رفع المزيد من العقوبات. وإن لم يجرِ الالتزام فهذا يعني أن التعاون مع الحكومة السورية فكرة غير جيدة».

الشرق الأوسط

—————————-

============================

العدالة الانتقالية تحديث 01 ايار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

العدالة الانتقالية في سوريا

——————————-

من العدالة الانتقالية للغفران الصعب: بول ريكور في سورية/ نبيل سليمان

1 مايو 2025

ما إن أشرقت في سورية شمس الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024 حتى بدأت إطلالات قائد قوات ردع العدوان أبو محمد الجولاني الذي سيستعيد اسمه الأصلي أحمد الشرع. وفي تلك الإطلالات المبكرة، قبل أن يصير رئيس الجمهورية بأسابيع، أعلن مرة بعد مرة أنْ لا ثأر ولا انتقام، و أنْ لا قصاص طائفيًا. وقد قال في لقاء تلفزيوني مع قناة العربية: “أما إذا ذهبنا لنبحث عن حق كل ما حصل خلال أربعة عشر عامًا، فهذا سيكرس حالة الانتقام والانتقام المضاد”. وقال الرئيس قبل أن يصبح رئيسًا: “نحن غلّبنا حالة الرحمة”. وقال: “في المعارك الكبرى يتم التنازل عن الانتقام إلا في حالات معينة”. ومن هذه الحالات على سبيل المثال من ألقوا البراميل وارتكبوا المجازر. ولا أنسى هذه القولة الفيصل: “بناء سورية أعظم حق يقدم للمتضررين”.

من بعد، وعلى الرغم من وقوع انتهاكات ذات طابع طائفي في الساحل وفي حمص أيضًا كان الاتجاه الغالب هو ما ترسمه الأقوال السابقة للشرع. وفي الآن نفسه كان حديث العدالة الانتقالية يأتي متلجلجًا، حتى في مؤتمر الحوار الوطني، وصولًا إلى الإعلان الدستوري، حيث كتبت في هذا المقام في (3-3-2025) عن المادة الخاصة بالعدالة الانتقالية: “ماذا لو تساءل المرء عن إغناء هذه المادة بآلية اختيارية للتسامح والمصالحة، كما كان في جنوب أفريقيا مثلًا؟”.

أسرع الصقور الذين تكاثروا خلال الشهور الأربعة الماضية، وبخاصة بعد الجرائم الطائفية الوحشية التي ارتكبت في الساحل السوري، إلى تسعير الخطاب الطائفي وخطاب الانتقام والثأر والقصاص، على النقيض من كل ما افتتح به أحمد الشرع العهد الجديد.

وأسرع سياسي هنا وروائي هناك وإعلامي هنا ومثقفة هناك إلى اللعثمة والتأتأة في إدانة الجرائم والمجازر، بينما ترجّع صوت معاذ الخطيب: “لن تستقر سورية حتى يعيش الإنسان آمنًا، ويكون دم البريء حرامًا مهما كان دينه وطائفته وانتماؤه، وحتى يكون هناك عدل لا ثأر، وقانون لا همجية، ودولة لا غابة”. وتحدث برهان غليون عن تعويض الضحايا من مذاهب مختلفة، وعن واجب الاعتذار للضحايا. كما شدّد في حوار مع جريدة النهار اللبنانية في 24-3-2025 على أن “تطبيق العدالة الانتقالية واجب على السلطة السياسية كائنة من تكون. فلا ينبغي أن نتجاهل أن الناس بشر، وأن روح الانتقام والثأر للملايين من ضحايا النظام القديم الذي امتهن الجريمة في تعامله مع الشعب السوري لإجباره على الاستسلام، موجودة وحية عند جمهور كبير من الناس. وعندما تغيب العدالة القانونية وتحتقن الأجواء، لا يبقى بديل لتفريغها سوى قانون الثأر البدائي، أي خرق القانون”.

العدالة الانتقالية

في الحد القانوني للعدالة الانتقالية أنها باقة من الإجراءات القضائية والسياسية في آن معًا، غايتها تحقيق المصالحة الوطنية، وسُبُلها: التحقيق في جرائم النظام السابق، وتحديد من كان مسؤولًا عن انتهاك حقوق الإنسان، ومعاقبتهم، وكذلك تعويض الضحايا، والعمل من أجل المصالحات الجماعية والفردية. وهكذا يتفرع حديث العدالة الانتقالية إلى شُعَبٍ عديدة، منها تشكيل هيئات مجتمعية، ليست قضائية، لكنها تقوم أيضًا بالتحقيق، وتصدر توصيات. ومن ذلك الحديث أيضا جبر الضرر والتعويض المالي، والتعويض المعنوي بالاعتذار الرسمي وبتخليد ذكرى الضحايا. وثمة من يرسل الترسيمة التالية للعدالة الانتقالية:

المصالحة – المحاسبة – المصالحة.

في الحالة السورية يبدو أنه لا تزال المحاسبة تغلب على حديث العدالة الانتقالية، بينما تغيب المصالحة عن هذا الحديث. وإذا كان ما تمّ من العزل السياسي ومن التطهير يمتّ بنسبٍ ما إلى العدالة الانتقالية، وإذا كان تقصّي الحقائق في مجازر الساحل، وكذلك العمل من أجل السلم الأهلي، يتصل بالعدالة الانتقالية، فنحن لمّا نطرق بابها بعد، بل إننا لا زلنا بعيدين عن الباب. ألا يرجّح ذلك تمديد عمل لجنة تقصي الحقائق ثلاثة أشهر بعد شهرها الأول، ونسيانها ما وعدت به عند تشکیلها من تقديم إحاطة أسبوعية؟ وإذا كان تقصّي الحقائق فيما ذهب ضحيته مئات من عناصر الأمن العام وألفين أو أكثر من المدنيين، في الساحل، يقتضي أربعة أشهر، إذ لم تُمدد من جديد، فكم ستستغرق العدالة الانتقالية في مئات آلاف الضحايا – بل أكثر – خلال أربع عشرة سنة؟!

يختم بول ريكور كتابه “الذاكرة، التاريخ، النسيان ” تحت عنوان “الغفران الصعب” وفي خاتمته يفلسف الغفران بما يتجاوز النسيان

ربما علينا أن نتذكر ما كان في تونس عام 2011 بعد سقوط نظام زین العابدين بن علي، حيث قامت “هيئة الحقيقة والكرامة”، وعملت لجانها الفرعية ستة أشهر قبل تقديم مسودة مشروع “قانون العدالة الانتقالية”، حيث غدت مؤسسات المجتمع المدني ورشات عمل للتعريف بالعدالة الانتقالية، وتنظيفها من شبهة الانتقام. كما قادت وزارة حقوق الإنسان حوارًا وطنيًا وحملة إعلامية للتعريف بالعدالة الانتقالية. فأين سورية من أقل القليل من ذلك؟

ثمة من يتحدث عن العدالة الانتقامية -عبد الحسين شعبان من العراق- ويعرّفها بعدالة المنتصر، والمتمثلة بالقصاص من أركان النظام المخلوع خارج نطاق القانون، وكذلك بالعقاب السياسي الجماعي. وقريبة من ذلك هي العدالة الانتقائية المتمثلة بالعقاب لدواع دينية أو طائفية أو مصلحية، كأن يشتري مجرم سلامته بالمال والمعلومات، مثلًا.

يتواتر حضور أنموذج رواندا في الحديث السوري عن العدالة الانتقالية، حيث بلغ عدد المتهمين 120000. ويحضرني من ذلك ما سمّى القتلة به ضحاياهم: “الصراصير”. هل تذكرون حديث المخلوع بشار الأسد عن “الجراثيم” وتطهير الجسم، أي الإبادة؟ لماذا لا نسمّي: بشار الرواندي؟ كما يتواتر حضور أنموذج جنوب أفريقيا، ومنه نتذكر لجان العدالة الانتقالية: لجنة الانتهاكات- لجنة جبر الضرر- لجنة العفو.

وتتعدد النماذج، لنؤوب إلى سورية، حيث “تبدو العدالة الانتقالية اليوم بوابة الأمل الوحيدة، إذ لا يطلب من الضحايا أن ينسوا، ولا من الجناة أن يختفوا، بل أن يعترفوا” كما كتب زيدون الزعبي في ملحق سورية الجديدة (8-4-2025). ومما كتب نقرأ أن العدالة الانتقالية “ليست مجرد قانون يُسَنّ، أو محكمة تُقام ، بل هي نداء إنساني عميق لاستعادة التوازن بين الذاكرة والنسيان، بين العقاب والمغفرة، بين الانتقام والمصالحة”.

مع آخرين، أذهب إلى أن ما جرى من حرق وإتلاف الملفات والسجون وفروع الأمن ومقرات الشرطة، أضرّ بالعدالة الانتقالية. كما أذهب إلى أن بيان مؤتمر الحوار الوطني جاء فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية أوضح وأشمل وأدقّ مما جاء في المادة 49 من الإعلان الدستوري، حيث قرن البيان بين المحاسبة واستعادة الحقوق… و”ترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب السوري، ونبذ كافة أشكال العنف والتحريض والانتقام بما يعزز الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي”.

بول ريكور في سورية: الغفران الصعب

يصف جورج زيناتي كتاب أستاذه بول ريكور “الذاكرة، التاريخ، النسيان” بأنه آخر كتاب فلسفي هام صدر في القرن العشرين. وأحسب أن استدعاء هذا الكتاب الضخم الذي ترجمه زيناتي (700 صفحة) لما هو عليه حديث العدالة الانتقالية في سورية، أمر بالغ الضرورة والإفادة.

يميز بول ريكور بين الذاكرة المعاقة جرّاء صدمة، والذاكرة المتلاعب بها، وهي الذاكرة التي يضللها الكذب وقلب الحقائق. أما النوع الأخير من الذاكرة فهي الذاكرة الإلزامية التي تهيمن على مشاعرنا وأفكارنا. وهذه الذواكر الثلاث ليست معزولة عن بعضها. وقد تتداخل، فالذاكرة بحسب ريكور ليست خزانة ولا تخزينًا.

يتحدث بول ريكور عن سياسة الذاكرة العادلة التي تقوم على الاعتراف المتبادل بين الأفراد والجماعات المختلفة، ومن غير هذا الاعتراف المتبادل لا تقوم المصالحة ولا التعايش السلمي. وهنا يأتي ما يسميه ريكور بالذاكرة السردية التي ليست سجلًّا لما كان وانقضى، بل هي تشكيلنا للماضي، وبالذاكرة السردية تتعدد سرديات الماضي.

بتشغيل ما أرسل بول ريكور عن الذاكرة السردية في أحوالنا السورية والعربية، يتبين كم هي مهمة كتابة الرواية عن سورية منذ عام 2011، أو عن الحرب الأهلية اللبنانية منذ عام 1975 -أو عن الحالات المماثلة عربيًا- وفي تاريخ سورية ولبنان. أي كم هي الروايات مهمة لتاريخية العدالة الانتقالية، ولمستقبل بلد مثل سورية ما بعد 8-12-2024. وحسبي هنا أن أشير إلى خطورة الروايات التي تنفخ في الطائفية أو الانتقام على السلم الأهلي وعلى المستقبل.

من العوامل التي تؤدي إلى تهشيش (من هشاشة) الذاكرة، يعدّد ريكور “الزمن”، والانتقائية، والصراع على الذاكرة المتمثل بمحاولة كل طرف فرض روايته عن الماضي.

ومن الأسئلة الهامة التي يطلقها هنا ريكور ما يتعلق بدقة التذكر، وبوجوبه. ويختم كتابه “الذاكرة، التاريخ، النسيان” تحت عنوان “الغفران الصعب”. وفي خاتمته يفلسف الغفران بما يتجاوز النسيان، ويتجاوز التسامح. فالغفران هو إعادة تفسير لما كان، وليس نسيانًا له. ويميز ريكور هنا بين الغفران العابر، أي التسامح السطحي (بوس اللحى، بالعامية)، وبين الغفران المتبادل الذي يتطلب الحوار بين الضحية والجاني من أجل إعادة بناء الثقة بينهما، وهو ما يبدو في حالتنا مستحيلًا، أو يلتبس بنجاة الجاني من العقاب. لكن الغفران ليس كذلك، ولهذا هو الغفران الصعب.

من المعلوم أن الأمم المتحدة أعلنت سنة 1995 سنة التسامح. ومن مفارقات (التقادير) أن اليوم العالمي للتسامح يصادف واحدًا من أسوأ الأيام السورية، أقصد يوم إعلان الأسدية/ الحركة التصحيحية في 16-11-1970، وهو اليوم الذي يصادف أيضًا يوم ميلاد مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعادة. واستطرادًا أشير إلى أنه ثمة من رأى أن حافظ الأسد اختار عامدًا الإعلان عن حركته التصحيحية يوم ميلاد أنطون سعادة لأسباب عائلية ذات صلة بالحزب العتيد: الحزب السوري القومي الاجتماعي.

لا تعرف الأسدية التسامح، ولا العدالة الانتقالية، ولا الغفران الصعب. وأختم بقول الكاتب حسام أبو حامد في “العربي الجديد” (25-3-2025) بأن “عدالة انتقالية تؤطر المظلوميات الطائفية حقوقيًا، تمنح فرصًا حقيقية للحيلولة دون بقائها هويات سياسية تهدد السلم الأهلي، والاستقرار الإقليمي. أما تأجيلها فإمعان في تبنّيها”. وكان أبو حامد قد كتب في المقام نفسه في 18-3-2025 أنه “كان المأمول إرساء آليات عدالة انتقالية تركّز في المساءلة الفردية لا الجماعية، فتمنع شيطنة شرائح اجتماعية بكاملها”، وقد كشفت مجازر الساحل “الثمن الباهظ للتباطؤ في السير نحو العدالة الانتقالية”.

ضفة ثالثة

تحميل كتاب الذاكرة، التاريخ، النسيان

——————————-

الجمهورية بعد الأسد: أطياف السلطة وظلال الطائفة/ مها غزال

الخميس 2025/05/01

في مشاهد متكرّرة تتنقّل بين جرمانا وصحنايا ومناطق أخرى من تخوم العاصمة السورية إلى محافظاتها البعيدة، لا نواجه مجرد اضطرابات أمنية معزولة، بل نلامس مجدداً ذلك الفشل البنيوي العميق في تشكُّل الدولة السورية كإطار جامع، لا كمجرد سلطة فوقية تفرض نفسها بقوة السلاح والولاء.

فحين تبدأ التوترات بالتكثف حول خطوط طائفية، وتتكرّر المواجهات بين فصائل تُوصف بـ”المنفلتة” وأجهزة أمنية يُفترض بها أن تكون مؤسسية، يصبح من المشروع أن نتساءل: هل نحن أمام دولة تنهار، أم سلطة لم تتشكّل أصلًا على قاعدة المواطنة؟

ما يجري ليس جديداً في جوهره، بل هو استمرار لصدام بين منظومة حكم لم تتمكن من الخروج من دائرة التعاطي مع المجتمع السوري بوصفه خليطاً من “مكوّنات”، لا بوصفه شعباً موحّد الإرادة والتطلعات. وفشلت السلطة في عزل أبناء الساحل عن فلول نظام الأسد، عبر الحوار والإنصات لتاريخ من التوجس المتبادل والحساسية الطائفية. وتعاملت مع الحالة الساحلية بذات الأدوات الأمنية القديمة، وافتقرت إلى مقاربة سياسية ناضجة تعترف بالذاكرة الجمعية للسوريين، وبالارتباك الذي خلّفه سقوط النظام في بيئة ربطها به وجودياً. وتكشّف فشل السلطة في بناء قنوات تواصل حقيقية، تتجاوز منطق الإقصاء والثأر إلى أفق وطني مشترك.

واليوم، في عمق هذا الانفلات الأمني، يتكرّر المشهد على نحو أكثر بؤساً. مجموعات مسلّحة تتنازع النفوذ، وسلطة مركزية تدّعي الدمج والتوحيد، لكنها تعجز عن إنتاج منظومة دفاع حقيقية أو هرمية أمنية متماسكة.

في ظل هذه المعادلة المعطوبة، تُطرح المشاركة الوطنية بوصفها توزيعاً طائفياً للمناصب لا جدلاً سياسياً حول مستقبل البلاد. يُعيَّن الوزير لكونه سنياً أو مسيحياً أو علوياً أو كردياً، لا لأنه يعبّر عن تيار سياسي أو رؤية اقتصادية أو منظومة قانونية. تُستدعى الطوائف إلى المسرح للزينة، ولمنح شرعية زائفة لحكم لم يغادر بعد منطق الغلبة. غير أن المشاركة، كما تفهمها التجارب الديمقراطية الحديثة، لا تتحقق من خلال المشاركة الشكلية، بل عبر التعدد الفكري والبرامجي، والتوازن بين السلطات، والقدرة على التفاوض الدستوري حول معنى الدولة نفسها. وما لم تُنقل سوريا من حالة “التمثيل الطائفي” إلى “التداول السياسي”، فستبقى بنية السلطة فيها قابلة للانفجار من داخلها.

ويُفهم في هذا السياق التغير في الموقف التاريخي للدروز السوريين بوصفه تعبيراً عن وعي وطني مبكر. فالطائفة التي رفض أبناؤها، بأغلبية واسعة، الالتحاق بجيش الاسد الذي كان يُوجَّه لقتل السوريين، لم تكن في حالة انعزال بل في حالة رفض، لا انكفاء. وهذا الرفض لم يكن انتقاصاً من الوطن بل دفاعاً عنه، ورفضاً لتحويله إلى ساحة تصفية حسابات. وعليه، فإن الخطاب الأخير للشيخ حكمت الهجري، والذي لمح فيه إلى إمكانية التعاطي مع إسرائيل، بدا خروجاً عن هذا الإرث، ومجافاة لذاكرة تاريخية ارتبط فيها الدروز بالمشروع الوطني لا بالمحاور.

وإذا كان الداخل السوري متآكلاً من فراغ السياسة، فإن الإقليم لا ينتظر. فالصراع المتصاعد بين تركيا وإسرائيل — المُغذّى بتقاطعات معقدة داخل الأرض السورية — يعيد إنتاج البلاد كساحة لا ككيان.

من هنا، فإن أي تصور لمستقبل الدولة السورية دون حوار حقيقي وعدالة انتقالية شاملة هو وهم مؤجّل. لا يمكن عبور هذا الجسر المتداعي نحو وطن موحّد دون الاعتراف بالضحايا، ومحاسبة الجناة، وإعادة صياغة العقد الوطني على أسس جديدة. العدالة الانتقالية ليست مكرمة أخلاقية، بل أداة سياسية لتفكيك الأحقاد، وكسر دوائر الثأر، وبناء مجتمع سياسي يحتكم إلى القانون لا إلى السلاح. هي وحدها قادرة على تجنيب البلاد انزلاقاً جديداً إلى حرب أهلية طائفية تُلبس شعارات الأمن لبوس الطائفة، وشعارات المقاومة لبوس التصفيات.

قد تكون التجربة الإسبانية في مرحلة ما بعد فرانكو الأقرب إلى ما تحتاجه سوريا اليوم. دولة خرجت من ظل الديكتاتور لا عبر الانتقام، بل عبر “نسيان متفق عليه” أُسِّس على الاعتراف، والإصلاح، والعزل السياسي لمنظومة القمع، لا عبر محو الذاكرة. هذا النموذج، رغم محدودياته، أتاح للهوية الوطنية أن تتشكّل مجدداً بوصفها اختياراً مشتركاً، لا فرضاً فوقياً. وربما كانت تلك لحظة الحقيقة: أن تبني وطناً لا يعني أن تنتصر، بل أن تتنازل عن وهم النصر لصالح عقد جديد يتسع للكل.

ما تعيشه سوريا اليوم ليس شتاتاً اجتماعياً فحسب، بل ضياع لفكرة الدولة نفسها. وطن بلا مشروع، وسلطة بلا شرعية جامعة، ومجتمع ممزّق بين ذاكرته وأشباح مستقبله. ووسط هذا الخراب، تبقى الأسئلة الكبرى معلّقة: من يحكم؟ ولماذا؟ ولأي غاية؟ وإلى متى يمكن للرماد أن يتكئ على ذاته قبل أن ينهار بالكامل؟

المدن

———————————–

 من وجع الذاكرة إلى أمل العدالة: العدالة الانتقالية كمخرج لسوريا الجديدة/ كمال صوان

الاعتراف بالمعاناة – من خلال تقارير رسمية أو شهادات عامة – يخفف من الإحساس بالعزلة والخذلان، ويخلق نوعاً من المصالحة مع الذات

1 مايو، 2025

مع زوال غمامة النظام عن وطننا سوريا، وبدء تشكل ملامح إدارة مدنية جديدة فيها، تبرز أمام السوريين أسئلة مصيرية تتجاوز تفاصيل الحكم والإدارة اليومية. سؤال العدالة، تحديدًا، يعود إلى الواجهة بقوة، لا بوصفه مطلباً قانونياً فحسب، بل كشرط أساسي للتعافي المجتمعي والنفسي بعد سنوات طويلة من الانتهاكات والدمار.

في هذه اللحظة الانتقالية، تتبدى أهمية العدالة الانتقالية كمسار متكامل لمعالجة إرث الانتهاكات الجسيمة، وتحقيق التوازن بين كشف الحقيقة والمحاسبة، من جهة، وبناء مستقبل مشترك، من جهة أخرى. العدالة هنا لا تُختزل في المحاكم فقط، بل تشمل الاعتراف بالضحايا، جبر الضرر، ضمان عدم التكرار، وإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية.

سوريا اليوم ليست فقط أمام تحدي إعادة الإعمار المادي، بل أمام معركة استعادة المعنى، والثقة، والانتماء. العدالة الانتقالية يمكن أن تكون الجسر نحو ذلك، إذا ما تم النظر إليها كعملية طويلة المدى تبدأ من القاعدة الشعبية، وتُبنى على إرادة حقيقية في مواجهة الماضي، لا دفنه.

وفي ظل بروز مبادرات محلية في المناطق المحررة، ونقاشات دولية بشأن مستقبل الحل السياسي، تصبح هذه المرحلة فرصة ذهبية — وإن كانت محفوفة بالتحديات — لصياغة رؤية سورية للعدالة، تستجيب للخصوصية السورية، دون أن تتجاهل دروس التجارب العالمية. العدالة الانتقالية ليست فقط أداة للمحاسبة، بل وسيلة لمعالجة الذاكرة الجماعية والبدء بمصالحة حقيقية.

ما هي العدالة الانتقالية؟

العدالة الانتقالية تشير إلى مجموعة من السياسات والآليات التي تُستخدم بعد فترات النزاع أو الحكم القمعي، بهدف:

    محاسبة الجناة.

    كشف الحقيقة بشأن ما جرى.

    جبر الضرر المادي والمعنوي للضحايا.

    إصلاح المؤسسات التي شاركت أو سهّلت الانتهاكات.

هي ليست عدالة انتقامية، بل وسيلة لتحقيق توازن بين المساءلة والمصالحة، تضمن أن لا تتكرر المأساة من جديد.

سوريا بعد التحرير: واقع معقد وفرص كامنة

في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يظهر واقع مزدوج: من جهة هناك ضعف مؤسساتي وانعدام الثقة بالقضاء، ومن جهة أخرى هناك مجتمع مدني ناشئ وأصوات تطالب بالعدالة. هذه المساحات، رغم هشاشتها، يمكن أن تكون نقطة انطلاق لمشاريع محلية للعدالة الانتقالية تبدأ من الناس ولأجلهم.

الأثر النفسي للعدالة على أسر الضحايا والمغيبين

واحدة من أعمق آثار العدالة الانتقالية تتجلى في الجانب النفسي والاجتماعي، خاصة على أسر المفقودين والمغيبين قسريًا.

هذه العائلات لا تعيش فقط حزن الفقد، بل تعاني أيضاً من حالة تعذيب نفسي مستمر نتيجة الغموض، والحرمان من معرفة مصير أحبائهم، أو حتى الحصول على اعتراف رسمي بوفاتهم أو مكان دفنهم.

حين تبدأ الحقيقة بالظهور، حتى لو لم يتحقق القصاص بعد، يشعر الكثير من الأهالي بأن كرامتهم قد استعادت بعضاً من معناها، وأن تضحياتهم لم تُمحَ. كما أن الاعتراف بالمعاناة – من خلال تقارير رسمية أو شهادات عامة – يخفف من الإحساس بالعزلة والخذلان، ويخلق نوعاً من المصالحة مع الذات، وهي الخطوة الأولى نحو التعافي الجماعي.

نحو مستقبل أكثر عدلاً

تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا يحتاج إلى نهج متعدد المستويات:

    محلياً: عبر مبادرات المجتمع المدني، والمجالس القضائية المستقلة.

    وطنياً: من خلال توافق سياسي يشمل كل السوريين.

    دولياً: بدعم من آليات التحقيق الدولية وتوثيق الجرائم.

في المستقبل، يجب أن تركز العملية على إعادة بناء المؤسسات بما يضمن عدم تكرار ما حدث، وعلى بناء ثقافة حقوقية تحترم الإنسان كقيمة عليا.

بالطبع! إليك الفقرة ملخصة على شكل نقاط بسيطة وواضحة:

دور المجتمع المحلي في مسار العدالة الانتقالية :

قدم ناشطون حقوقيون محليون وعالميون مجموعة مقترحات لإشراك المجتمع المحلي في مسار العدالة الانتقالية

ومنها :

    المشاركة الفعّالة: المجتمع المحلي لا يتلقى العدالة فقط بل يشارك في صناعتها وتوجيه مسارها.

    التجربة والتوثيق: لدى الأهالي والناشطين المحليين خبرة في توثيق الجرائم والمساهمة في الكشف عن مصير المعتقلين.

    المبادرات المحلية: بدأت تظهر بعض المبادرات مثل جبر الضرر الرمزي وجلسات المصالحة، رغم محدوديتها.

    القرب من الضحايا: المجتمع المحلي هو الأقرب إلى الضحايا والأقدر على تحديد احتياجاتهم لتحقيق الإنصاف.

    الاستدامة والضمان: العدالة التي تنبع من المجتمع المحلي تضمن استدامتها وتحقق توافقاً أوسع في المستقبل.

دروس من العالم:

    جنوب إفريقيا: استخدمت شهادات الضحايا في “لجنة الحقيقة والمصالحة” لبناء رواية وطنية جامعة.

    كولومبيا: دمجت روايات الضحايا في العملية السياسية مما ساعد في التئام الجراح الوطنية.

    رواندا: رغم قسوة التجربة، لعبت المحاكم المجتمعية دوراً مهماً في التهوين النفسي وتخفيف الأعباء العاطفية من خلال مواجهة الجناة علنًا.

خاتمة:

العدالة الانتقالية في سوريا ليست حلماً بعيد المنال، بل ضرورة من ضرورات التعافي وبناء السلام.

أسر الشهداء والمغيبين لا تبحث فقط عن الانتقام، بل عن الاعتراف، والكرامة، وضمان ألا يعيش آخرون ما عاشوه.

لهذا، فإن أي حل سياسي لا يأخذ العدالة بجدية، هو مجرد تأجيل لنزاع قادم.

مراجع :

1.المركز الدولي للعدالة الانتقالية (ICTJ)

https://www.ictj.org

➤ تقارير تحليلية وتوثيقية لعدالة ما بعد النزاع في سوريا وغيرها من الدول.

2.الأمم المتحدة – العدالة الانتقالية (Rule of Law)

https://www.un.org/ruleoflaw/thematic-areas/transitional-justice

➤ صفحة شاملة لتعريف وتطبيق العدالة الانتقالية في الأطر الأممية.

3.مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان (OHCHR): العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان

https://www.ohchr.org/en/transitional-justice

➤ مقدمة مفصلة عن العدالة الانتقالية ودورها في ضمان عدم التكرار.

4.مذكرة الأمين العام للأمم المتحدة حول العدالة الانتقالية كأداة استراتيجية

https://www.ohchr.org/en/documents/tools-and-resources/guidance-note-secretary-general-transitional-justice-strategic-tool

➤ وثيقة موجهة لصناع القرار حول استخدام العدالة الانتقالية في عمليات السلام.

    قصة أممية – العدالة الانتقالية: مواجهة الماضي وبناء المستقبل (2025)

https://www.ohchr.org/en/stories/2025/03/transitional-justice-confronting-past-building-future

    ➤ مقالة حديثة تشرح أهمية معالجة الماضي في بناء مجتمع سليم.

    العدالة الانتقالية وحفظ السلام بعد الصراع (OHCHR)

https://www.ohchr.org/en/topic/transitional-justice-and-post-conflict-peacekeeping

    ➤ تحليل لكيفية دمج العدالة في جهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.

معجب بهذه:

العربي القديم

————————————-

============================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 01 أيار 2025

=======================

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا

تحديث 01 أيار 2025

——————————-

إسرائيل و«تفكيك سوريا»!/ رأي القدس

تحديث 01 أيار 2025

شن الطيران الإسرائيلي، أمس الأربعاء، عدة غارات على محيط منطقة أشرفية صحنايا، استهدف في إحداها تجمعا لقوات الأمن العام السوري على أطراف بلدة أشرفية صحنايا في ريف دمشق الجنوبي ما أدى، في محصلة أولية، إلى مقتل عنصر أمن وإصابة آخرين، على خلفية اشتباكات تشهدها المنطقة منذ مساء الثلاثاء بين قوات الأمن السورية ومسلحين دروز من سكان المنطقة أسفرت عن مقتل 6 من المسلحين الدروز و16 من القوات الأمنية.

حسب بيان صادر عن مكتب بنيامين نتنياهو، فإن رئيس وزراء إسرائيل أمر جيشه بشن غارات استهدفت «مجموعة متطرفة» كانت تستعد لتنفيذ هجوم ضد السكان الدروز وذلك لنقل «رسالة حازمة» إلى النظام السوري مفادها أنه يتوقع منه منع الإضرار بالطائفة الدرزية مشددا على التزام الدولة تجاه الدروز في إسرائيل.

بدأت الاشتباكات، حسب رواية وزارة الداخلية السورية، بعد أن هاجمت «مجموعات خارجة عن القانون» من منطقة أشرفية صحنايا حاجزا يتبع لإدارتها، وذكرت بعض المصادر أن تلك المجموعات كانت في طريقها إلى مدينة جرمانا، جنوب دمشق، التي يسكنها كذلك سكان من الطائفة الدرزية، التي شهدت اشتباكات إثر هجوم مجموعات مسلحة على المدينة بعد انتشار تسجيل صوتي نُسب لشيخ درزي يهاجم النبي محمد، تبين لاحقا أنه مفبرك، وقد أدت تلك الاشتباكات إلى مقتل 17 شخصا بينهم 8 من المقاتلين الدروز، و9 من قوات النظام.

بعد تدميرها مجمل القوة العسكرية السورية إثر سقوط نظام بشار الأسد، وإعلان سيطرتها على جبل الشيخ، وتوغلها في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، تأتي الغارات الأخيرة كتطوّر لافت باعتبارها تدخّلا في قضايا داخلية تتقصّد وضع طائفة بعينها في مواجهة النظام، بشكل يفاقم الأوضاع المتهالكة أصلا ضمن الاجتماع السوريّ، الذي أنهكته الحرب الشاملة التي شنّها النظام السابق مما أدى لمصرع مئات الآلاف وإلى دفع قرابة نصف السوريين إلى اللجوء والنزوح، وانضافت إلى كل ذلك عقوبات أمريكية ودولية كبّلت الاقتصاد وأفقرت مجمل السوريين.

يجيء ذلك أيضا بعد معارك شنّها ضباط ومقاتلون من الطائفة العلوية زرعت الرعب في مناطق الساحل السوري، وتبعتها مجازر طائفية قادتها فصائل مسلّحة تابعة للحكومة الجديدة وأخرى رديفة لها حصدت قرابة 1700 شخص من العلويين، في خطوة فتحت الباب لاختراق النسيج الاجتماعي والوطني السوري، تناظرت مع ارتفاع دعوات الحماية من الغرب وإسرائيل، وأثارت المخاوف لدى الدروز وبقية الأقليات الدينية والقومية التي أقلقها صعود التيارات الجهادية السنّية.

شكّل نظام الأسد، في علاقته مع إسرائيل، مفارقة سياسية عربية وإقليمية وعالمية، فقد بنى أركان استبداده الوحشيّ ضد السوريين والفلسطينيين واللبنانيين على ذريعة عدائه المعلن لإسرائيل، وكانت الدولة العبرية، من جهتها، شديدة الاطمئنان والركون إلى هذا النظام، فقد كانت سماته الإبادية، وإجرامه اللامتناهي ضد السوريين، عناصر يمكن الاقتداء بها، كما هو حاصل عمليا في غزة، كما كانت من عدة «الاستشراق» الكولونيالية المعتادة بين إسرائيل «الحضارية» و«الديمقراطية» في مقابل العرب المتوحّشين، وفي الحالتين، كان الأسد صنفا مطلوبا وقابلا للاستهلاك الإقليمي والعالمي!

كان سقوط نظام الأسد، بهذا المعنى، خسارة كبيرة لإسرائيل، وفتحا لباب الأمل لدى السوريين في إعادة إنقاذ اجتماعهم وسياستهم واقتصادهم وبناهم التحتية وسرديتهم الخاصة التي تصل التاريخ السحيق بالحاضر الممكن. كان ذلك أيضا حلا للاستعصاء الهائل الذي شكّله سرطان النظام السوري السابق في المنطقة.

يمثّل بيان نتنياهو الأخير صيغة ملطّفة التعابير عن تصريح وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش قبل أيام الذي قال إن تل أبيب لن توقف حربها في غزة قبل تحقيق «أهداف استراتيجية كبرى» من بينها تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، وتفكيك الدولة السورية، وتجريد إيران من سلاحها النووي!

الحقيقة أن الرد على سموتريتش و«أهدافه الاستراتيجية» لن يكون سهلا، فالتركة المعقّدة التي خلّفها النظام السابق، والعقوبات الدولية التي تنهك البلاد، والضعف الهائل في البنى التحتية، والنزوح واللجوء، وقضايا العدالة الانتقالية، تتشابك كلّها مع تحدّيات سياسية وازنة يحتاج النظام الجديد إلى مشاركة الاجتماع السوري كلّه في حلّها، وهو ما يحتاج الخروج من السياسات العصبوية إلى شجاعة وبراغماتية كبيرة.

القدس العربي

—————————–

لماذا لا يتحرّك الشرع حقاً؟/ زياد بركات

01 مايو 2025

ماذا يحدُث في جرمانا… مشروع فتنة يُخطّط لها، وليس مجرّد “إشكال”، كما يقول إخوتنا اللبنانيون. وإذا لم تكن إسرائيل وراء ذلك مباشرة (وهذا ليس مُستبعَداً نظرياً على الأقلّ)، فإنها تفيد منه، بل إنه يندرج في إطار مخطّط لم تُخفه منذ أحداث جرمانا السابقة في نهاية مارس/ آذار الماضي، وهو القيام بدور حامي الأقلّيات في المنطقة، ومنها الدرزية، بحسب ما أكّد في حينه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير أمنه.

صحيحٌ أن إسرائيل تكيد لنا وتخطّط، ولكن ذلك لا يكفي لفهم ما يحدُث قبل البحث عن سبل تفكيكه، فبعد سقوط الرئيس الفارّ بشّار الأسد، حرص كثيرون من أعداء ومتربّصين ومتضرّرين على فتح صندوق باندورا دفعةً واحدةً، وإطلاق الشرور كلّها في وجه السوريين، وليس العهد الجديد، عقاباً لهم على إطاحة نظام الأسد، ومنها المناطقية والإثنية والطائفية. وإذا كانت ثمّة مظلومياتٌ فهي جماعية، عابرة للطوائف والإثنيات والمناطق، لكن إذا كان ثمّة من حلول فعليها ألا تكون عابرةً، فتقفز عن الخصوصيات، وبعضها مفهوم وحقيقي وكثيرها زائفٌ ومضخّم، ما يعني أن على العهد الجديد، الذي يتسم ببطء الأداء والاستجابة، ويُولي العلاقات مع العالم الخارجي الأهمية الكبرى على حساب ملفّاتٍ داخلية لا أوّل لها ولا آخر، أن يتوقّف قليلاً عن لعبة أن “الأمور بخير” وأن “الوقت كفيلٌ بحلّ ما يستعصي منها”.

ومن هذه الملّفات ملفّ دروز البلاد، وهم الكتلة الكبرى من دروز العالم، وكثيرون منهم تضرّروا في عهد الرئيس الفارّ، ومنهم من تواطأ وتصرّف باعتباره كتلةً منفصلةً عن عموم مواطنيه، واعتصم بأقلّويته علّها تمنحه استثناءً أو مزايا، وعندما خاب ظنّه انقلب على بشّار، بعد أن شارف الأخير على الرحيل. ليس هنا مجال التلاوم والاتهامات، بل التفهّم للتوصّل إلى حلول، ومنها أن يتحرّك العهد الجديد فعلياً لتطويق ما قد يُصبح حصان طروادة إسرائيلياً، يفكّك البلاد، أو يجعلها مهيّأةً للتقسيم، فلا تكفي الابتسامات وتغيير الزي وارتداء ربطات العنق لإقناع العالم بأننا تغيّرنا، ونستجيب لمتطلّبات الغرب ومعاييره وإكراهاته، ونحن نقارب أزماتنا الصغيرة بذهنية التنظيم لا الدولة، فحتى التشكيل الوزاري كان مرتجلاً، ومن حواضر البيت، أو التنظيم وأصدقائه للدقّة، فلا انخراطَ شاملاً وحقيقياً في الأزمات الصغيرة التي تُترَك للمحافظين، ومَن هم في طبقتهم، بينما كان يفترض أن يكون ملفّ دروز البلاد وأكرادها من اختصاص الرئاسة نفسها، هل رأيتم الرئيس أحمد الشرع في السويداء؟

لا يعني هذا تبرئة بعض الأطراف الذين يُصعّدون ولا يخفون ما في صدورهم، ولكن هؤلاء يظلّون أفراداً، حتى لو تجمّع حولهم الآلاف، وبالإمكان عزلهم في نهاية المطاف بنزع شرعيتهم المدّعاة في التمثيل من الداخل، وهذا لا يمكن أن يحدُث من دون أن تكون الرئاسة السورية منخرطةً في حوار حقيقي مع هؤلاء وأنصارهم، وزعرانهم أيضاً، أمّا الرهان على الوقت فيفاقم المظلوميات ويكرّس الشرعيات المتوهّمة.

وليس معقولاً أن يكون وليد جنبلاط أكثر استشعاراً لخطر الفخّ الإسرائيلي المنصوب للدروز السوريين من الشرع نفسه، وأن يدعو الزعيم اللبناني إلى اجتماعات، ويجري اتصالات، بينما لا يفعل ذلك الرئيس السوري الجديد، الذي يراهن على ما يبدو على حلّ درزي داخلي من دون تدخّل، ولو كان هذا الظنّ صحيحاً فهذه كارثة، لأن الدروز السوريين هم مواطنون سوريون أصيلون، ليس مطلوباً عزلهم، أو حتى تمييزهم إيجاباً باعتبارهم أقلّية، بل “توطينهم” بالمعنى القانوني، فلا هم أفضل ولا أقلّ من سواهم أمام القانون، شرط تمتّعهم بمزايا المواطن، وبالقانون لا بالرشى، أمّا ترك الملفّ مفتوحاً فوصفة للتقسيم، وفرصة للمتربّصين الذين يريدون معاقبة الشعب السوري على إطاحته أسوأ جزّار في العالم.

وكانت رحلة بضع عشرات من الدروز السوريين إلى إسرائيل، لزيارة مقام النبي شعيب، مؤشّراً إلى عجز العهد الجديد في تحديد أولوياته، وكان صمته مؤشّراً على تغليبه رضا الغرب على متطلّبات المرحلة الانتقالية، وكان عليه من حينه أن يتعامل بجدّية أكبر، إلا إذا كان يعرف ماذا يفعل ولماذا صمت، وهو التمهيد لعلاقاتٍ مع إسرائيل. وفي هذه الحال، تعرف إسرائيل أكثر من غيرها أن الإساءة لسيّدنا محمّد ستُغضب أنصار الشرع أكثر من مصافحة زعماء جرمانا، فلماذا لا نضغط أكثر حتى يأتي إلينا بشروطنا.

العربي الجديد

——————————–

الجمهورية بعد الأسد: أطياف السلطة وظلال الطائفة/ مها غزال

الخميس 2025/05/01

في مشاهد متكرّرة تتنقّل بين جرمانا وصحنايا ومناطق أخرى من تخوم العاصمة السورية إلى محافظاتها البعيدة، لا نواجه مجرد اضطرابات أمنية معزولة، بل نلامس مجدداً ذلك الفشل البنيوي العميق في تشكُّل الدولة السورية كإطار جامع، لا كمجرد سلطة فوقية تفرض نفسها بقوة السلاح والولاء.

فحين تبدأ التوترات بالتكثف حول خطوط طائفية، وتتكرّر المواجهات بين فصائل تُوصف بـ”المنفلتة” وأجهزة أمنية يُفترض بها أن تكون مؤسسية، يصبح من المشروع أن نتساءل: هل نحن أمام دولة تنهار، أم سلطة لم تتشكّل أصلًا على قاعدة المواطنة؟

ما يجري ليس جديداً في جوهره، بل هو استمرار لصدام بين منظومة حكم لم تتمكن من الخروج من دائرة التعاطي مع المجتمع السوري بوصفه خليطاً من “مكوّنات”، لا بوصفه شعباً موحّد الإرادة والتطلعات. وفشلت السلطة في عزل أبناء الساحل عن فلول نظام الأسد، عبر الحوار والإنصات لتاريخ من التوجس المتبادل والحساسية الطائفية. وتعاملت مع الحالة الساحلية بذات الأدوات الأمنية القديمة، وافتقرت إلى مقاربة سياسية ناضجة تعترف بالذاكرة الجمعية للسوريين، وبالارتباك الذي خلّفه سقوط النظام في بيئة ربطها به وجودياً. وتكشّف فشل السلطة في بناء قنوات تواصل حقيقية، تتجاوز منطق الإقصاء والثأر إلى أفق وطني مشترك.

واليوم، في عمق هذا الانفلات الأمني، يتكرّر المشهد على نحو أكثر بؤساً. مجموعات مسلّحة تتنازع النفوذ، وسلطة مركزية تدّعي الدمج والتوحيد، لكنها تعجز عن إنتاج منظومة دفاع حقيقية أو هرمية أمنية متماسكة.

في ظل هذه المعادلة المعطوبة، تُطرح المشاركة الوطنية بوصفها توزيعاً طائفياً للمناصب لا جدلاً سياسياً حول مستقبل البلاد. يُعيَّن الوزير لكونه سنياً أو مسيحياً أو علوياً أو كردياً، لا لأنه يعبّر عن تيار سياسي أو رؤية اقتصادية أو منظومة قانونية. تُستدعى الطوائف إلى المسرح للزينة، ولمنح شرعية زائفة لحكم لم يغادر بعد منطق الغلبة. غير أن المشاركة، كما تفهمها التجارب الديمقراطية الحديثة، لا تتحقق من خلال المشاركة الشكلية، بل عبر التعدد الفكري والبرامجي، والتوازن بين السلطات، والقدرة على التفاوض الدستوري حول معنى الدولة نفسها. وما لم تُنقل سوريا من حالة “التمثيل الطائفي” إلى “التداول السياسي”، فستبقى بنية السلطة فيها قابلة للانفجار من داخلها.

ويُفهم في هذا السياق التغير في الموقف التاريخي للدروز السوريين بوصفه تعبيراً عن وعي وطني مبكر. فالطائفة التي رفض أبناؤها، بأغلبية واسعة، الالتحاق بجيش الاسد الذي كان يُوجَّه لقتل السوريين، لم تكن في حالة انعزال بل في حالة رفض، لا انكفاء. وهذا الرفض لم يكن انتقاصاً من الوطن بل دفاعاً عنه، ورفضاً لتحويله إلى ساحة تصفية حسابات. وعليه، فإن الخطاب الأخير للشيخ حكمت الهجري، والذي لمح فيه إلى إمكانية التعاطي مع إسرائيل، بدا خروجاً عن هذا الإرث، ومجافاة لذاكرة تاريخية ارتبط فيها الدروز بالمشروع الوطني لا بالمحاور.

وإذا كان الداخل السوري متآكلاً من فراغ السياسة، فإن الإقليم لا ينتظر. فالصراع المتصاعد بين تركيا وإسرائيل — المُغذّى بتقاطعات معقدة داخل الأرض السورية — يعيد إنتاج البلاد كساحة لا ككيان.

من هنا، فإن أي تصور لمستقبل الدولة السورية دون حوار حقيقي وعدالة انتقالية شاملة هو وهم مؤجّل. لا يمكن عبور هذا الجسر المتداعي نحو وطن موحّد دون الاعتراف بالضحايا، ومحاسبة الجناة، وإعادة صياغة العقد الوطني على أسس جديدة. العدالة الانتقالية ليست مكرمة أخلاقية، بل أداة سياسية لتفكيك الأحقاد، وكسر دوائر الثأر، وبناء مجتمع سياسي يحتكم إلى القانون لا إلى السلاح. هي وحدها قادرة على تجنيب البلاد انزلاقاً جديداً إلى حرب أهلية طائفية تُلبس شعارات الأمن لبوس الطائفة، وشعارات المقاومة لبوس التصفيات.

قد تكون التجربة الإسبانية في مرحلة ما بعد فرانكو الأقرب إلى ما تحتاجه سوريا اليوم. دولة خرجت من ظل الديكتاتور لا عبر الانتقام، بل عبر “نسيان متفق عليه” أُسِّس على الاعتراف، والإصلاح، والعزل السياسي لمنظومة القمع، لا عبر محو الذاكرة. هذا النموذج، رغم محدودياته، أتاح للهوية الوطنية أن تتشكّل مجدداً بوصفها اختياراً مشتركاً، لا فرضاً فوقياً. وربما كانت تلك لحظة الحقيقة: أن تبني وطناً لا يعني أن تنتصر، بل أن تتنازل عن وهم النصر لصالح عقد جديد يتسع للكل.

ما تعيشه سوريا اليوم ليس شتاتاً اجتماعياً فحسب، بل ضياع لفكرة الدولة نفسها. وطن بلا مشروع، وسلطة بلا شرعية جامعة، ومجتمع ممزّق بين ذاكرته وأشباح مستقبله. ووسط هذا الخراب، تبقى الأسئلة الكبرى معلّقة: من يحكم؟ ولماذا؟ ولأي غاية؟ وإلى متى يمكن للرماد أن يتكئ على ذاته قبل أن ينهار بالكامل؟

المدن

—————————

دروز سوريا وعلاقة مرتبكة بالشرع… خطاب التفاهم وواقع التصادم/ سلطان الكنج

مطالبهم لم تتغير وحضورهم يمتد إلى إدلب

30 أبريل 2025 م

اصطبغت علاقة الإدارة السورية الجديدة بالقوى الفاعلة في محافظة السويداء، معقل الطائفة الدرزية، بطابع غلبت عليه حالة من الشد والجذب، والتصعيد في مقابل تصعيد مضاد بهدف توجيه رسائل تدفع عملياً لفتح حوار يجنب سوريا المزيد من الفوضى الأمنية في مقابل انتزاع مكاسب تتعلق بشكل النظام السياسي وتوزيع السلطات والحفاظ على الخصوصيات المحلية في آن واحد.

وقد وضعت الأحداث الأخيرة التي جرت في الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، قضية الدروز على نار حامية وإن بدا ظاهرياً على الأقل أنها هدأت بعد أحداث كثيرة ومتفرقة شهدتها الأسابيع الأخيرة محافظة السويداء وصولاً إلى منطقة جرمانا، حيث الكثافة الدرزية في محيط العاصمة دمشق.

وكان التصعيد بلغ ذروته بمنع الفصائل العسكرية «الدرزية» قوات الأمن العام التابعة لحكومة دمشق من دخول مدينة السويداء، ومنطقة جرمانا جنوب شرقي العاصمة، للقبض على «قتلة» أحد عناصر الأمن العام عند أحد مداخل المنطقة في الأول من مارس (آذار) الماضي، في أحداث سبقت مباشرة أحداث الساحل الدموية.

هذا، وتشهد السويداء بين الحين والآخر احتجاجات رافضة لسلطة أحمد الشرع اتخذ بعضها نهجاً خطراً كمثل حادثة رفع العَلم الإسرائيلي، أو طلب الحماية من إسرائيل في مقابل بيانات وتصريحات لقوى أخرى أكثر ثقلاً محلياً وإقليمياً تدعو إلى الحوار ومنع التصعيد الطائفي كما ورفض التصريحات الإسرائيلية التي عرضت تقديم الحماية للدروز.

انفتاح دونه عقبات

مصدر في حكومة الشرع قال لـ«الشرق الأوسط» إن التقدم الذي تحرزه الحكومة في مجالات عدة بدأ ينعكس على العلاقة مع الدروز. وأشار المصدر، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إلى أن «الأوضاع في السويداء تسير بشكل إيجابي، وإن هناك تقدماً في أكثر من جانب»، وإن أبناء السويداء «هم جزء لا يتجزأ من سوريا». يأتي ذلك في وقت بدأت تتسرب أنباء عن «اتفاق متعجل» يتم إقراره بين الشرع وأعيان من الطائفة الدرزية على غرار اتفاقه مع الزعيم الكردي مظلوم عبدي، من دون إمكانية تأكيد ذلك بعد بشكل حاسم.

ولفت المصدر إلى «أن الحكومة منفتحة على الحوار، لكنها تواجه عقبات قد تتطلب وقتاً لحلها»، مشدداً على أن «حل أي خلافات يتم بين السوريين أنفسهم دون أي تدخل خارجي. فالحكومة السورية تدير شؤون بلدها باستقلالية تامة».

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسيطرة إدارة العمليات العسكرية بقيادة «هيئة تحرير الشام» على الحكومة الانتقالية المؤقتة، ازداد المشهد تعقيداً بعد تصريحات تصعيدية لبعض رجال الدين الدروز الفاعلين ترفض الامتثال لحل الفصائل المسلحة وتسليم السلاح ودمج عناصرها أفراداً في وزارة الدفاع؛ ما يعكس واقع «الهشاشة» وغياب الثقة في العلاقة بين الطرفين.

وفي خطوة تصب باتجاه تجنب التصعيد، سارع الرئيس السوري أحمد الشرع ومنذ منتصف ديسمبر الماضي إلى استقبال وفد من كبار رجال الدين الدروز، من بينهم الشيخ سليمان عبد الباقي قائد «تجمع أحرار جبل العراق» وسلمان الهجري نجل الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري.

وكما وكان الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط أول زائري الشرع على رأس وفد من الوجهاء والأعيان الروحيين، بما يحمل ذلك من رمزية لا تخفى عن طبيعة العلاقات التاريخية بين السلطة (أي سلطة) في دمشق والطائفة الدرزية.

ومع ذلك، ظلت القوى الدرزية الفاعلة على الأرض، سواء الدينية أو الاجتماعية أو المسلحة منقسمة في مواقفها من العهد الجديد، وحول رؤيتها لمستقبلها في كنف السلطة الوليدة.

وفي محاولة إسرائيلية لتأجيج الخلافات بين الطائفة الدرزية والحكومة الانتقالية، استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاشتباكات بين قوات الأمن العام ومسلحي جرمانا للتهديد بالتدخل العسكري في حال تعرض الدروز لأي أذى. لكن الإدارة السورية وظفت علاقاتها مع بعض القوى الدرزية في السويداء لقيادة مفاوضات أسفرت عن التهدئة مع مسلحي جرمانا. كما وجاء إعلانها عن اعتقال اللواء إبراهيم حويجة، الرئيس السّابق للاستخبارات العامّة في سوريا، والمتّهم باغتيال الزعيم الدرزيّ كمال جنبلاط عام 1977 قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية لاغتياله، بمثابة رسالة واضحة للزعامة الدرزية «الرسمية» المتمثلة بآل جنبلاط ومن ورائها عموم أبناء الطائفة.

دروز إدلب… علاقة غير ودية

في الواقع، هذه الأحداث ليست وليدة الأمس. فالوجود الدرزي لا يقتصر على معاقل محمية إلى حد بعيد كالسويداء وجرمانا، وإنما هناك أيضاً دروز إدلب وتحديداً في مناطق جبل السمّاق الذين تعرضوا لانتهاكات وعمليات قتل عشوائية في 2015 بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على المنطقة. وأبرز تلك العمليات كانت في قرية «قلب لوزة» على يد فصائل «جهادية» متحالفة مع جبهة النصرة حينذاك.

وبعد فك الارتباط بتنظيم القاعدة في يوليو (تموز) 2016، حاولت «جبهة النصرة» التي تحولت تدريجياً إلى «هيئة تحرير الشام» بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، النأي بنفسها عن «التشدد» وتجنب «التصنيف» على لوائح الإرهاب، مستفيدة من تجربة حكم تنظيم الدولة وتعامله مع المجتمعات المحلية وخسارته «الحاضنة الاجتماعية». وعليه، شكلت «هيئة تحرير الشام» في مدينة إدلب «حكومة الإنقاذ» لادارة المناطق الخاضعة لسيطرتها وتسيير شؤون السكان الذين تجاوزت اعدادهم الأربعة ملايين.

ومع التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية وخفة حدة العمليات القتالية، وفي محاولة لمنع أي تصعيد سواء بين الفصائل المسلحة، أو بين المجتمعات المحلية، ولإبراز الوجه الجديد للهيئة بصفتها سلطة «الأمر الواقع»، التقى زعيمها «أحمد الشرع» أكثر من مرة بوجهاء وأعيان المحافظة، ومن بينهم «الدروز» الذين تلقوا منه وعوداً بإرجاع حقوقهم وممتلكاتهم وتأمين الخدمات الأساسية لهم وحمايتهم. وهو ما جرى جزئياً ولكن عادت الأحداث وتسارعت واتخذت منعطفات مختلفة مع سقوط نظام بشار الأسد، حيث لا تزال ملامح العملية السياسية وشكل النظام السياسي وهويته بانتظار ما تحدده صيغة دستور المرحلة الانتقالية التي يفترض أن يتوافق عليها السوريون.

مشهد معقّد

ما يزيد المشهد تعقيداً، أن أجزاءً كبيرة من البلاد لا تزال خارج سيطرة الحكومة الحالية، كما أن السلاح لا يزال منتشراً بيد مجموعات مسلحة منظمة أو سكان محليين والدروز بطبيعة الحال ليسوا استثناء.

لذلك؛ فقد سلطت أحداث الساحل الأخيرة ثم الاتفاق مع المكون الكردي، الضوء على التحدي الأبرز أمام الإدارة الجديدة وهو الإبقاء على وحدة المجتمع السوري والحفاظ على تماسك نسيجه المتنوع وكيفية إدارة الأزمات والاحتقان الناتج من ذلك التنوع والاختلافات.

ويقول مضر هائل لـ«الشرق الأوسط»، وهو من أبناء السويداء النشاطين سياسياً وأحد أبرز منظمي تظاهرات ساحة الكرامة بين 2023 و2024: «الحكومة الحالية هي حكومة أمر واقع، ويجب أن نتجه نحو حكومة منتخبة وأن يشارك الجميع في وضع دستور لهذا البلد وأن تأتي تلك الحكومة من إرادة الشعب. في هذه الحالة، لن يبقى لأحد ذريعة برفض الاعتراف بحكومة دمشق. نحن دائماً كنا مع جميع فئات المجتمع السوري في الثورة ضد النظام، لكن يجب ألا نستبدل نظاماً بآخر فقط، بل يجب أن نبني دولة تحترم الجميع ويكون الجميع تحت قانونها».

ويضيف: «هناك من يستغل التصريحات الإسرائيلية بخصوص حماية الدروز ليثير النعرات الطائفية»، ويقول: «انظروا، هؤلاء عملاء»، وبالتالي ينفذ أجندته غير الوطنية. لا أحد يريد أن يكون مع إسرائيل، لكن بالحوار والتفاهم، وبناء دولة تشاركية، يمكننا قطع الطريق على إسرائيل وغيرها من الطامعين».

أزمة ثقة… لا تمنع المصالحة

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى الباحث السياسي اللبناني مكرم رباح الذي لفت إلى أن الثقة بين الطائفة الدرزية والإدارة السورية الجديدة لا تتعلق فقط بالمسألة الدرزية. وقال رباح: «من المعروف أن النظام السوري السابق استخدم الجماعات التكفيرية لتخويف الدروز، وهذا يشكل هاجساً دائماً لدى الدروز المتمسكين بأرضهم وسلاحهم. والمشكلة الأساسية تكمن في إصرار الرئيس أحمد الشرع على المركزية، وهذا الأمر يثير قلق الدروز، في حين أن نظام البعث نفسه كان قد منحهم نوعاً من الاستقلالية ضمن إطار تحالف الأقليات».

وهنا يبرز السؤال عما إذا كان الشرع سيتمسك بهذه المركزية بعد عقد اتفاق مع الأكراد وهو ما سيتحدد أكثر عندما تظهر بنود الاتفاق وشروطه.

ويؤكد الباحث أن إسرائيل تلعب دوراً في توتر العلاقة بين السويداء ودمشق، لكنه يستبعد أن يكون أحداً من دروز سوريا مستعداً للدخول في مغامرة كهذه. «فإسرائيل تستخدم هذا الملف كورقة في حربها المستمرة في المنطقة، كما تسعى للضغط على الشرع لتقديم تنازلات».

ويقول رباح: «مطالب الدروز هي نفس مطالب كل السوريين. هناك خصوصية للطائفة الدرزية، لكن الإدارة الجديدة ربما لم تحاول التعرف عليها. وفي حال أدركت حكومة الشرع هذه الخصوصية، ستتمكن من التعاطي الإيجابي مع الملف الدرزي».

واعتبر رباح أن وليد جنبلاط يلعب دوراً أساسياً في الملف الدرزي بسوريا، حيث كان أحد المبادرين لمقابلة الرئيس الشرع. لكن هناك أيضاً شخصيات درزية عدة مؤثرة، مثل الشيخ يوسف الجربوع، وحكمت الهجري، ويحيى الحناوي، وكلهم سيتعاملون مع الشرع باعتباره رئيس الجمهورية السورية، نظراً لما يتمتعون به من تأثير كبير كمشايخ عقل.

ورأى أن هناك عوامل تدفع نحو حل الملف الدرزي وتسرّع المصالحة الكاملة بين جميع الأطراف، مثل وضع خريطة واضحة للانتقال السياسي، ومشاركة الدروز في العملية السياسية، ومنح نوع من اللامركزية المحلية. كما أن بعض المبادرات الإيجابية من الرئيس الشرع قد تساهم في تحسين العلاقة بشكل أسرع.

السياسة ومرجعية المشايخ

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى الباحث السوري وائل علوان فقال: «العلاقة بين الطرفين لا تتعلق بعدم الثقة، فهناك خصوصية للمجتمع في السويداء، ليست الحكومة فقط من يراعيها، بل كل المجتمع السوري يراعي تلك الخصوصية».

ولفت علوان إلى أنه خلال الأعوام التي تلت اندلاع الثورة في 2011، كان هناك نزاع داخلي في السويداء بين المرجعية الدينية التقليدية التي كانت في بيت الهجري والحناوي وبيت الجربوع، حيث كانوا موالين للسلطة، وبين الثوار في السويداء الذين كانوا ضد النظام السوري. لكن كان الثوار يفتقدون التغطية الدينية من أحد تلك المراجع المذكورة، وبقي المرجع الديني صاحب الكلمة العليا.

ويضيف علوان: «في السنوات الأخيرة، كان حكمت الهجري، رجل الدين الأبرز، معارضاً للنظام، وبذلك أخذ دوراً أكبر بكثير من الحناوي والجربوع، وهما من أبرز المراجع الدينية الأساسية لدى دروز سوريا. ولعب الهجري دوراً كبيراً في السويداء، لكن لم يكن على علاقة جيدة مع البلعوس الذي يمثل التيار المعارض الثوري ضد النظام السوري. حيث كان هناك تنافس وصراع بين المراجع الدينية التقليدية وبين المكونات الجديدة الثورية، أي التي عارضت النظام السوري وخالفت رأي بعض رجال الدين».

معتبراً أن الفترة الأخيرة التي عارض فيها الهجري نظام بشار الأسد، فتحت خطاً مع علاقة مع موفق طريف، وهو أحد الزعماء الدينيين الدروز في إسرائيل. وبقي البلعوس وسليمان عبد الباقي على علاقة مع وليد جنبلاط في لبنان مع مجموعات عسكرية متحالفة مع البلعوس. وهذان خطان متباينان، خط الهجري مع طريف يقابل خط البلعوس وجنبلاط، وهما متباينان تماماً، وكلا الخطين استعان بحليف خارجي.

انقسامات داخلية

يشير علوان إلى أنه بعد سقوط الأسد، أصبح من الواضح أن هناك انقساماً في المشهد، مرجحاً أن تتحالف الحكومة السورية الجديدة مع تيار البلعوس وجماعته، وأن يصبح الهجري أكثر معارضة لها.

ويذهب الباحث إلى أن إسرائيل تخدم دور الهجري وتعدّه حليفاً؛ وهذا ما أثر سلباً على العلاقة بالمجتمع السوري الأوسع، معتبراً أن مطالب أهل السويداء لم تتغير وهي احترام خصوصية المجتمع الدرزي والهرمية الدينية وعدم دخول أحد من خارجهم ليحكمهم.

من المؤكد أن جميع التحديات التي تواجهها الحكومة الانتقالية هي ذات أبعاد إقليمية أو دولية، إلى جانب التداعيات المحتملة للأوضاع الداخلية «غير المستقرة» على مستقبل البلاد ووحدة المجتمع. وتمثل إسرائيل وتهديداتها وتعهداتها بالتدخل لحماية الدروز، التحدي الأكبر لقدرة الحكومة على التعاطي مع مثل هذه الملفات.

لكن عاملي التمسك بالمركزية و«انعدام الثقة» ولو جزئياً يجعلان ملف الطائفة الدرزية ومن خلفه ملفات بقية المكونات السورية أبرز التحديات التي تواجه «الشرع» ووحدة المجتمع السوري وسيادة البلد ووحدته الترابية.

——————————-

عن التجييش الطائفي في سورية … وواقعة جرمانا/ عمار ديوب

30 ابريل 2025

نُسب إلى الشيخ السوري الدرزي مروان كيوان تسجيل صوتي يشتم فيه النبي محمّد. ولاحقاً نفى الشيخ ذاته أيّ صلة له بالتسجيل، وأكدت وزارة الداخلية في بيانٍ لها كلام الشيخ. استغلّ أصحاب الخطاب الطائفي الخبر، ولم ينتظروا تبيان صوابه من خطئه لتكفير الدروز طائفة وضرورة إبادتهم، وأعلنوا ذلك في أكثر من تظاهرة في مدن سورية عديدة. لاحقاً بدأت الأحداث تتطوّر من المدينة الجامعية في حمص، فتظاهر بعض الطلاب، وهدّدوا الطلبة من الطائفة الدرزية، وتضمّنت كلمات بعضهم كلاماً ضد الدروز، وطاولت حتى قائد الثورة السورية في عشرينيات القرن العشرين سلطان باشا الأطرش. وبعدها غادر الطلاب الدروز حمص واتجهوا نحو السويداء، وفعل الأمر نفسه طلاب آخرون من كليات في دمشق.

في ليلة الثلاثاء، تحرّكت جماعات مسلحة، وشَنت عدّة هجمات على بلدة جرمانا، بعد الساعة الثانية ليلاً، وفي الخامسة صباحاً، وأُلقيت قذائف آر بي جي على جرمانا، وكانت الحصيلة خمسة قتلى من جرمانا، وقتلى عديدين في صفوف المهاجمين. جاء الهجوم على خلفية التسجيل المنسوب وما حصل في حمص. أحدثت الأخبار المتلاحقة حالة من القلق الشديد، والتحشيد الطائفي من كل الطوائف، والأسوأ أن جهاز الأمن العام لم يتحرّك بشكلٍ جادٍ لتطويق الحدث، وقتلى جرمانا من المنتسبين للأمن العام وهم من سكّانها، والأسوأ أن عناصر الأمن العام من خارج جرمانا انسحبوا منها، وأُغلقت مداخل المدينة، خروجاً ودخولاً، خوفاً من تصاعد الحدث. جاءت تصريحات بعض وزراء الحكومة عامة وغير محدّدة بمعالجة الحدث نفسه، ولم تُعِلن عن خطابٍ وطنيٍّ رافضٍ للهجوم على الدروز طائفة، ورافضٍ الخطاب الطائفي والإعلان عن اعتقال كل من يتحدّث به وإحالته إلى القضاء، وهو ما لم يحصل منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول (2024)، وبدأت الانتهاكات التي طاولت الطائفة العلوية وقتل فيها نحو 600 شخص، وتفجر الوضع في السادس من الشهر الماضي (مارس/ آذار)، وحدثت مجازر واسعة، وحدث ما يشبه الممارسات ذاتها أخيراً في مدينة حمص، إثر مقتل شخص من الأمن العام، وهو من الطائفة السنية، لتندلع أحداث قتل طائفية، طاولت في حمص 14 شخصاً وفي دمشق أربعة من الطائفة العلوية.

هناك حالياً رفض للانجرار للاقتتال الطائفي، وللتحشيد الطائفي، وهناك تبرّؤ من مشايخ وشخصيات ثقافية ووجهاء دروز من التسجيل المنسوب، وهناك أيضاً رفض من مشايخ سنّة وشخصيات ثقافية وسياسية للتطييف وأغلبية السوريين، ولكن الحكومة لم تعلن خطاباً وطنياً صلباً ضد التحشيد، وهي من يفترض فيها أن تمثل كل السوريين، لم يحدُث هذا في الأشهر الأربعة السابقة، وهو خطأ كبير.

تبدو الرؤية السياسية للإدارة وللحكومة قاصرة عن معالجة الملف الطائفي، والذي يترافق مع هشاشة كاملة في الملف الأمني، وهناك وضع اقتصادي واجتماعي في غاية التأزّم، وهناك شعور بالتهميش من جرّاء الخطوات السياسية منذ إعلان الفصائل العسكرية أحمد الشرع رئيساً لسورية.

ليس الملف الطائفي في سورية جديداً، بل تصاعد مع بداية الثورة من النظام في العام 2011، ولاحقاً من قوى وفصائل طائفية عسكرية. هناك إرث كبير يتعلق بانعدام الثقة بين الطوائف. بدا أن الإدارة ستتجه نحو التخفيف منه، مع بداية معارك ردع العدوان قبل انحلال النظام، وتوجّهت إدارة العمليات العسكرية ببيانات سياسية للطائفة العلوية وللدروز وللإسماعيليين ولكل السوريين تفيد بأن السوريين مواطنون، والمعركة مع الطائفة الأسدية فقط. كانت تلك البيانات وطنية بامتياز، واعتقد السوريون أن السلطة ستسير على المنوال نفسه. ولكنها لم تُحوّل بياناتها تلك إلى رؤية متكاملة وسياسات ثابتة تجاه السوريين المختلفين طائفياً وقومياً، وإن لم تعد هيئة تحرير الشام (أو السلطة) إلى خطابها المناهض لبقية الأقليات وللآخر السني المختلف أيضاً، وبالتالي تراجعَ خطابها عن الوطنية “المستقيمة”. ويبدو أنّها لا تزال مرتبكة إزاء التبنّي الكامل لهذه “المستقيمة”، وتتالت الانتهاكات بحق العلويين والتهديد للدروز خاصة وللأكراد. إذاً، تصاعد الخطر الطائفي، وانفجر، وأخيراً انفجر في جرمانا.

هل تجاوزت سورية إمكانية الانفجار الطائفي مع الدروز أو العلويين أو الأكراد مثلاً، وكذلك بين السنة أنفسهم! أبداً. التفجر الطائفي الذي حدث منذ الثامن من ديسمبر يقول باحتمال تجدّده في أيّ لحظة، وبالتالي، هناك ضرورة لتفكيك أسباب حدوثه كي يتمكّن السوريون من البدء بإعادة تشكيل دولتهم. … وهناك إمكانية لتفجر الوضع مع الأكراد، ولا سيما بعد وثيقة صدرت أخيراً عن تجمّعٍ للقوى الكردية الرئيسية، وإعلان الرئيس الشرع رفضه توجّهها العام. هناك اتجاه سوري يؤكّد على ضرورة أن تتبنى الإدارة وحكومتها سياسات وطنية في كل خطواتها، والابتعاد عن عقلية الاستئثار بكل المؤسسات السياسية للدولة، وبالسلطة، وإن غياب ذلك يؤدي إلى ابتعاد أغلبية السوريين عن مشروع السلطة الحالية، ويؤدّي، في الوقت نفسه، إلى تعزيز خطاب الهوية الطائفية، باعتبار أن الدولة لا تنطلق من سياسات وطنية بشكل ممنهج، ولا تزال الكثير من سياساتها فيها غلبة للطائفة السنية، وتحديداً للدوائر القريبة من شخصيات هيئة تحرير الشام أو تتحرّك برؤية الهيئة قبل حلّها المفترض.

كتبت في “العربي الجديد” عن ضرورة البدء بالعدالة الانتقالية في سورية، باعتبارها الحجر الأساس لتجاوز الخطاب الطائفي، الذي ينطلق من أن هناك طائفة بأكملها ظُلمت وأقليات دينية كانت ظالمة، ولا سيما السوريين العلويين، وهو خطاب مقطوع الصلة بالواقع، ومحض خطاب تحشيدي، بينما مسار العدالة انتقالية، لو اعتمد، كان سيُظهر بدقة الشخصيات التي ارتكبت المجازر والانتهاكات والتعذيب والقتل والتهجير، وهي عدّة آلاف من السوريين الذين كانوا جزءاً من النظام أو الشبّيحة، وهم من كل الطوائف. أعاد التأخر بهذا المسار تفعيل الخطاب الطائفي، بعد استلام السلطة، ولهذا، لا بديل عن العودة إلى تطبيق إجراءات “العدالة الانتقالية”، للبدء بتجاوز الخطاب الطائفي وتعزيز السلم الأهلي والمصالحة المجتمعية.

… هناك حالياً قلق حقيقي في بلدتي جرمانا وصحنايا ومدينة السويداء من اشتعال الوضع بأكمله، ولا سيما أن الإدارة لم تبسط سلطتها بشكل كامل منذ التحرير.. لا يرفض أغلبية السوريين وصول سلطتها إلى كل المدن والمحافظات، ولكنهم يرفضون عقلية التشكيك بوطنيتهم، وعدم الثقة بأنهم ساعون بدورهم إلى النهوض بالدولة، وأن ذلك يقتضي إشراكهم الحقيقي، وليس الوهمي، كما جرى من خلال وزراء ليسوا ممثلين للأقليات، وبالطبع ليس للأكثرية السنية، بل هم ممثلون للإدارة بشكل رئيسي.

إحالة من ارتكبوا الاعتداءات على الطلاب في حمص، ومن ارتكبوا الهجوم على جرمانا، وكذلك من فعلوا الأمر نفسه في الساحل وحمص إلى العدالة، وإشراك الكرد في أي قرارات سيادية جديدة، وتجريم الخطاب الطائفي هو ما سيُوقف خطر الملف الأمني، وسيساهم بذلك الإعلان عن بداية تشكيل هيئة العدالة الانتقالية، وانتخاب مجلس شعبي بعيد عن التعيين من الرئيس أحمد الشرع أو معاونيه.

العربي الجديد

—————————

العنف الطائفي في صحنايا وجرمانا.. الدولة الغائبة مجددًا/ أغيد حجازي

30 أبريل 2025

تسلط الأحداث التي وقعت في كل من مدينة جرمانا وبلدة أشرفية صحنايا، في ريف دمشق، الضوء على هشاشة التوازنات الاجتماعية في سوريا، في ظل استمرار الانقسامات الطائفية والسياسية التي تفاقمت خلال السنوات الماضية. فقد أدى انتشار تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد، نسب إلى أحد أبناء الطائفة الدرزية، إلى اشتباكات مسلحة، وموجة تحريض متبادلة، عكست خطورة الاحتقان الكامن داخل المجتمع السوري. تأتي هذه التطورات وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة ما لم تتم معالجة أسبابها العميقة عبر إجراءات قانونية حازمة وإعادة بناء الثقة المجتمعية.

البداية: تسجيل صوتي مسيء يشعل فتيل الأزمة

في خطوة أثارت موجة استنكار واسعة، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع صوتي يتضمن إساءة إلى مقام النبي محمد، نسب في البداية إلى رجل من أبناء الطائفة الدرزية. سريعًا، خرج الرجل في تسجيل مصور لينفي أي علاقة له بالمقطع المتداول، مؤكدًا براءته مما نسب إليه.

وزارة الداخلية السورية أصدرت بيانًا أكدت فيه أن الشخص الذي وجهت له أصابع الاتهام لم تثبت نسبة التسجيل إليه، وأن التحقيقات مستمرة لتحديد هوية صاحب الصوت ومحاسبته وفقًا للقانون.

وشددت الوزارة على ضرورة الالتزام بالنظام العام وعدم الانجرار خلف التصرفات الفردية أو الجماعية التي قد تخل بالأمن العام أو تعتدي على الأرواح والممتلكات، مؤكدةً عزم الدولة على حماية المقدسات بكل حزم ومسؤولية.

وانتقد مراقبون عدم ذكر البيان للهجوم المسلح الذي استهدف مدينتي جرمانا وصحنايا، وتجاهله لخطورة أن تتحول إساءة فردية، لم تثبت نسبتها يقينًا حتى الآن، إلى ذريعة للتحريض ضد طائفة بأكملها، في مشهد يكشف عمق أزمة إدارة التنوع المجتمعي، وضعف قدرة المؤسسات الرسمية على حماية السلم الداخلي بشكل وقائي لا أمني فقط.

على وقع انتشار المقطع، اندلعت مظاهرات في عدة مناطق سورية، حمل بعضها شعارات تحريضية ضد الطائفة الدرزية، ترافقت مع حملة ممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي تنطوي على التحريض الطائفي، مما زاد من منسوب التوتر في الشارع.

في هذا السياق، أصدرت مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز بيانًا، حمل توقيع الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، أدانت فيه بشدة الإساءة المذكورة، مؤكدة أن “من يتجرأ على الرموز الدينية إنما يمثل نفسه وحده ولا يمثل أبناء الطائفة المعروفية”.

ودعا البيان إلى “الاحتكام إلى لغة الإيمان والعقل وما يجمع الشمل”، محذرًا من محاولات استغلال الحادثة لتفكيك البنية الوطنية السورية الواحدة.

امتداد الفتنة: حوادث في السكن الجامعي

لم تتوقف التداعيات عند التحريض الإعلامي، بل امتدت إلى الجامعات. فقد شهد السكن الجامعي في محافظتي حمص ودمشق تجمعات طلابية، ردد خلالها طلاب هتافات عدائية واعتدوا جسديًا ولفظيًا على طلاب من محافظة السويداء.

مصادر طلابية من جامعة حمص أكدت لـ”الترا سوريا” أن الحوادث أسفرت عن إصابة طالب من السويداء بجروح، ونقل إلى المشفى وحالته مستقرة.

وأشارت المصادر إلى انتشار أمني كثيف عقب فض التجمعات، موضحةً أن قوى الأمن أطلقت النار في الهواء للسيطرة على الوضع. أحد الطلاب قال لـ”الترا سوريا”: “مع استمرار حالة الاحتقان الطائفي التي بدت واضحة داخل الحرم الجامعي أثناء المظاهرات التي كانت تنادي بالانتقام من الطائفة الدرزية، اختبأت خلف جدران السكن الجامعي خوفًا من العنف”.

اشتباكات دامية في جرمانا

لم تكن الجامعات الساحة الوحيدة للعنف، فمدينة جرمانا شهدت تصعيدًا أكبر بعد تلك الأجواء المشحونة. مصادر خاصة من داخل المدينة تحدثت لـ”الترا سوريا” مؤكدةً أن مجموعات مسلحة حاولت اقتحام جرمانا، مما دفع شباب المدينة المنتسبين إلى الأمن العام، بمساندة الفعاليات الأهلية المحلية، إلى التصدي لهم على الحواجز التي كانت منتشرة على أطراف المدينة.

المكتب الإعلامي في وزارة الداخلية أكد أن الاشتباكات أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى، من بينهم عناصر من قوى الأمن، مشيرًا إلى أن وحدات الأمن العام مدعومة بقوات من وزارة الدفاع تدخلت لفض الاشتباك وحماية الأهالي، وفرضت طوقًا أمنيًا حول المنطقة.

في حديثها لـ”الترا سوريا”، عبرت الطالبة الجامعية أريج سالم عن خوفها قائلة: “لم أستطع النوم طوال الليل خوفًا من تكرار مشاهد العنف التي حصلت في الساحل السوري. اضطررت إلى التغيب عن امتحان مقرر في الجامعة بسبب الوضع الأمني وحالة القلق التي اجتاحت عائلتي بأكملها”.

وامتدت الاشتباكات إلى بلدة أشرفية صحنايا، جنوب دمشق، عندما قامت مجموعة مجهولة بإطلاق النار، من سلاح “بي كي سي” محمول على سيارات دفع رباعي، على حاجز “القوس”، حيث يوجد عدد من شبان صحنايا المكلفين، بالتنسيق مع الأمن العام، بحماية البلدة، لتندلع بعدها اشتباكات أوقعت عددًا من الإصابات.

أزمة أعمق من تسجيل صوتي

في تحليله للأحداث، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، باسل المحمد، أن المسؤولية تتوزع على عدة أطراف، بدءًا من الجهات المجهولة التي قامت بتسريب مقطع مثير للجدل، دون أن تتمكن الأجهزة المعنية من كشف هويتها حتى اللحظة، مرورًا بالأطراف التي استغلت التسريب لبث خطاب تحريضي طائفي عوضًا عن الدعوة إلى ضبط النفس والتحقيق الموضوعي، محملًا جانبًا من المسؤولية إلى الجانب الأمني بسبب تأخره في احتواء الملف منذ البداية. كما يعتبر المحمد، في حديثه لـ”الترا سوريا”، أن بيان وزارة الداخلية جاء متأخرًا نسبيا، مما فتح الباب أمام تفاقم التوتر.

أما الكاتب والباحث، د. مالك الحافظ، فقال إن المسؤولية لا تقتصر على الأفراد الذين تورطوا مباشرةً، بل تشمل الهياكل السياسية والدينية التي ساهمت في تعزيز الطائفية والتطرف وتكرس الانقسامات عبر صمت مريب. ويشير، في حديثه لـ “الترا سوريا”، إلى أن “السلطة الانتقالية الحالية، التي تستند إلى مرجعية دينية عبر مجلس الإفتاء الأعلى، تتحمل جزءًا من الأزمة عبر سياسات التجاهل التي تغذي الخطاب الطائفي”، محملًا إياها مسؤولية تعميق الشروخ المجتمعية.

أما عن جذور الأزمة، فيربط الحافظ بين الحادث الأخير والمناخ المتفجر الناتج عن عقود من حكم نظام البعث، وسنوات الحرب التي أنهكت النسيج الاجتماعي. ويوضح: “غياب مؤسسات الدولة القادرة على فرض العدالة يجعل مثل هذه الحوادث وقودًا سهلًا للتعبئة الطائفية، خاصةً مع وجود أطراف إقليمية تستغل الوضع لتمزيق السوريين”.

ويرى أن السبب وراء هذه الطفرة الطائفية يعود إلى تدهور الثقة بين الطوائف، التي تغذيها الخطابات التحريضية. معتبرًا أن غياب المؤسسات المدنية القوية والإعلام المستقل التعددي، يسهل استغلال مثل هذه الحوادث، بغض النظر عن مدى صحتها أو مصداقيتها.

ويتفق باسل المحمد مع الحافظ بأن جذور الأزمة تعود إلى هشاشة البنية الاجتماعية السورية التي أنهكتها سنوات الحرب، وسياسات النظام السابق والحالي التي رسخت الانقسامات الإثنية والطائفية على مدى عقود، فتحول المجتمع إلى برميل بارود قابل للاشتعال بأدنى شرارة. يضاف إلى ذلك تنامي خطاب الكراهية عبر منصات التواصل الاجتماعي في غياب تشريعات رادعة تجرم مثل هذه الممارسات.

آفاق الحل

يعتقد المحمد أن الحل يبدأ ببناء وعي مجتمعي عبر إعلام وطني شامل، يخاطب جميع السوريين دون إقصاء أو تمييز، إلى جانب تفعيل آليات تحقيق محايدة وشفافة للكشف عن الحقائق في القضايا الحساسة قبل استفحالها. كما لا غنى عن سن قوانين صارمة تجرم التحريض على الكراهية، ودعم مبادرات المجتمع المدني التي تعزز التعايش وتعيد رتق النسيج الاجتماعي الممزق.

ولمواجهة التصعيد، يؤكد الحافظ أن الحل لا يكمن في معالجة الحوادث الفردية، بل في بناء مؤسسات دولة حقيقية تسعى إلى المساواة والعدالة بين جميع المواطنين، يبدأ بتطبيق آليات العدالة الانتقالية وتعزيز مفهوم المواطنة. مضيفًا: “لا بد من إيقاف استغلال الخطاب الديني في تغذية النزاعات الطائفية”. داعيًا المجتمع المدني أن يلعب دورًا رئيسيًا في مكافحة الطائفية وتحقيق المصالحة الوطنية، وهو ما يتطلب دعمًا دوليًا حقيقيًا لتحقيق استقرار دائم.

إلى أين تتجه الأزمة؟

يخشى مراقبون من أن تكون الأحداث الأخيرة مجرد مؤشر على تصاعد خطير لخطابات الكراهية في المجتمع السوري. وبحسب المحمد، فإن تفاقم الأوضاع مرهون بمدى تعاطي النخب السياسية والدينية مع الملف. فالتدخل السريع لمحاسبة المحرضين واحتواء التداعيات قد يطفئ نار الفتنة قبل امتدادها، في حين أن التهاون في المعالجة الجذرية قد يحول الأمر إلى أزمة معقدة، خاصةً مع احتمال تدخل أطراف خارجية تغذي الصراع لأجندات خاصة.

وينهي حديثه بالقول: “لا بد من تحرك عاجل للدولة لتعزيز الخطاب العقلاني، وإشراك جميع مكونات المجتمع في بناء سوريا ما بعد الحرب، حيث يصبح التسامح أساسًا للعلاقات الاجتماعية، والعدالة ضامنًا للاستقرار”.

يعتقد د. مالك الحافظ أن الموضوع سيستمر في التفاقم طالما لم تتغير الظروف السياسية والاجتماعية بشكل جذري. ففي غياب تسوية سياسية حقيقية، ستبقى مثل هذه الحوادث أداة قابلة للاستغلال من قبل القوى المتنفذة والإقليمية الساعية لإشعال التفرقة وزيادة الشروخ في المجتمع السوري. ويختم بالقول: “استمرار الحال على ما هو عليه، سوف يوسع هذه الأزمات، مما يزيد من تعقيد الوضع السوري”.

دماء سالت في شوارع جرمانا وصحنايا لأن تسجيلًا صوتيًا مجهولًا قرر أن يلعب بالنار. فماذا لو اشتعلت شرارة أكبر؟ وهل فقد السوريون مناعتهم ضد الفتنة؟ تساؤلات تطل برأسها من تحت أنقاض المدن السورية المدمرة، حيث تحول كل حادث عابر إلى ذريعة لتمزيق ما تبقى من نسيج اجتماعي مهدد بالانهيار. والمأساة ليست في الصوت المجهول الذي اخترق الهواتف، بل ربما في مجتمع صار جاهزًا للانفجار.

الترا سوريا

———————————

اشتباكات صحنايا | إسرائيل تغذّي الاقتتال الطائفي في سورية/ ضياء الصحناوي و نايف زيداني

30 ابريل 2025

محاولة إسرائيل استغلال اشتباكات صحنايا لتغذية مشروع فتنة في سورية

وليد جنبلاط دعا إلى التهدئة وفتح باب الحوار في سورية

سقط قتلى مدنيون ومسلحون في اشتباكات صحنايا

توسعت الاشتباكات في ريف دمشق، اليوم الأربعاء، والتي بدأت ليل الاثنين الثلاثاء في مدينة جرمانا، عقب انتشار تسجيل صوتي مسيء للرسول نُسب إلى شيخ من طائفة الموحدين الدروز خرج لينفي أي تورط له، قبل أن تؤكد وزارة الداخلية السورية أن “الصوت المُسيء لا يمتّ إليه بصلة”، لتطاول منطقة صحنايا وأشرفية صحنايا، مع تحوّل بارز في الأحداث عبر التدخل الإسرائيلي، بتوجيه ضربات لمن قال الاحتلال إنهم مسلحون كانوا يستعدّون لمهاجمة السكان الدروز في بلدة صحنايا، وذكرت الإخبارية السورية أن مدنيين أصيبوا، بينهم دروز، من جراء الضربات الإسرائيلية، لتظهر سريعاً محاولة تل أبيب استغلال اشتباكات صحنايا لتغذية مشروع فتنة في سورية، مقابل موقف تركي بالاستعداد “للرد على أي محاولة لجر سورية إلى مستنقع جديد من عدم الاستقرار”.

اشتباكات صحنايا نحو التهدئة

وبعد يوم طويل من اشتباكات صحنايا وأشرفية صحنايا سقط فيه قتلى من مدنيين ومسلحين من الطرفين، أعلن مدير الأمن في ريف دمشق المقدم حسام الطحان، في تصريح لوكالة “سانا” الحكومية، عصر اليوم، انتهاء العملية الأمنية في منطقة أشرفية صحنايا، وانتشار قوات الأمن العام في أحياء المنطقة لضمان عودة الأمن والاستقرار.

وفي حين دلّت المعطيات عصر اليوم الأربعاء إلى أن الأوضاع متجهة للتهدئة بعد اشتباكات صحنايا مع دخول قوى الأمن العام السورية إلى أحياء أشرفية صحنايا كافة، واتخاذ إجراءات لاستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، فإن الأنباء تضاربت حول أسباب اشتباكات صحنايا وأشرفية صحنايا، غرب دمشق، منذ ليل أمس الثلاثاء، بين مجموعات مهاجمة وقوات أهلية محلية ذات أغلبية درزية. فرغم اندماج فصائل من مدينة جرمانا ومن صحنايا وأشرفية صحنايا مع سلطات الأمن العام منذ أكثر من شهر، وإعادة تفعيل المؤسسات الخدمية والأمنية كالمحكمة والشرطة، فإن ذلك لم يمنع من اشتعال الأوضاع مجدداً. وفي حين عزا بعض سكان بلدة أشرفية صحنايا السبب إلى تدفق مجموعات مسلحة آتية من ريف درعا الشمالي وبلدات ريف دمشق المجاورة، بالتزامن مع انسحاب قوات الأمن العام من حواجزها عند بدء الهجوم، وتفسير ذلك على أنه “تواطؤ أو أوامر عليا” أعطيت للأمن العام بترك البلدة دون حماية، برزت رواية أخرى عزت السبب لانسحاب مجموعات مسلحة من الفصائل التي تتبع لمرجعيات دينية في السويداء من بلدة جرمانا باتجاه أشرفية صحنايا، وهجومها على حاجز للأمن العام، ما تسبب بعودة الاشتباكات.

وكان فتيل هذه المواجهات قد اندلع إثر تسريب تسجيلٍ صوتي نُسب لشخص من الطائفة الدرزية يتضمن إساءةً للذات النبوية، ما أثار اعتداءاتٍ على طلاب دروز في سكني جامعتي حمص ودمشق، تلاها هجوم مسلح على مدينة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية في 28 إبريل/ نيسان الماضي، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، قبل أن تتدخل قوات الأمن العام وتفرض اتفاقاً مع وجهاء المدينة. وليل الثلاثاء الأربعاء انتقلت المواجهات إلى صحنايا وأشرفية صحنايا، وأعلن المكتب الإعلامي بوزارة الصحة السورية عن سقوط 11 قتيلاً “إثر استهدافات المجموعات الخارجة عن القانون للمدنيين وقوات الأمن في أشرفية صحنايا”. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” “قيام مجموعات خارجة عن القانون من منطقة أشرفية صحنايا بالهجوم على حاجز يتبع لإدارة الأمن العام مساء الثلاثاء، ما أسفر عن إصابة ثلاثة عناصر إصابات متفاوتة. وتوازياً، قامت مجموعات أخرى في نفس الوقت بالانتشار بين الأراضي الزراعية وإطلاق النار على آليات المدنيين وآليات إدارة الأمن العام على الطرق، ما أدى إلى استشهاد ستة أشخاص وجرح آخرين”.

وفي حصيلة غير نهائية بلغ عدد الضحايا من أبناء أشرفية صحنايا حتى صباح اليوم ثلاثة قتلى وأكثر من عشرين جريحاً، وفق مصدر من الأشرفية، بينما لم يُعلن المهاجمون عن عدد الخسائر البشرية في صفوفهم، رغم ورود أنباء عن وقوع قتلى بينهم.

وقال مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام علي الرفاعي، لـ”العربي الجديد”، إن مجموعات مسلّحة خارجة عن القانون عاودت مساء الثلاثاء شنّ هجوم مباغت على عدد من حواجز الأمن العام المنتشرة في أشرفية صحنايا، مستخدمةً أسلحة رشاشة خفيفة وقذائف “آر بي جي”، ما تسبّب في إصابة عدد من العناصر. وأضاف: استجاب الأمن العام سريعاً وانتشر في عموم المنطقة لضبط الوضع وتأمين السكان، إلا أن بعض أفراد تلك المجموعات اعتلوا الأبنية وقاموا بأعمال قنص استهدفت العناصر الأمنية المنتشرة، ما أدى إلى مقتل خمسة عناصر من الأمن العام وإصابة آخرين. وتابع الرفاعي: في ساعات الفجر الأولى، أقدمت تلك المجموعات على إطلاق النار باتجاه سيارة كانت قادمة من درعا، ما أدى إلى مقتل ستة من ركّابها، موضحاً أن قوات الأمن العام حالياً تقوم بتعزيز الإجراءات الأمنية والانتشار لضمان الاستقرار وحماية المدنيين.

الاحتلال واستغلال اشتباكات صحنايا

ولم يتأخر الاحتلال الإسرائيلي عن التدخّل لاستغلال اشتباكات صحنايا تحت ذريعة “حماية الدروز”، وشنّ غارات عديدة اليوم على أشرفية صحنايا ومناطق محيطة بها. وقبل ظهر اليوم، أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، في بيان مشترك، أنه بناءً على إيعاز منهما ومن رئيس هيئة الأركان العامة إيال زامير “قام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عملية تحذيرية، وهاجم تنظيماً لمجموعة متطرّفة كانت تستعد لمواصلة مهاجمة السكان الدروز في بلدة صحنايا. كما تم توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى النظام السوري، إذ تتوقع إسرائيل منه أن يعمل على منع الإضرار بالدروز”. ووفقاً للبيان فإن “إسرائيل لن تسمح بالإضرار بالطائفة الدرزية في سورية، انطلاقاً من التزام عميق تجاه إخوتنا الدروز في إسرائيل، المرتبطين بعلاقات عائلية وتاريخية مع إخوتهم الدروز في سورية”.

وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن الهجوم في سورية نُفذ بواسطة مُسيّرة من طراز “زيك” استهدفت مبنى، زعمت إسرائيل وجود “مسلّحين” فيه، “كانوا يستعدون لمهاجمة الدروز”. وقبل ذلك، وعلى وقع احتجاجات لدروز إسرائيل في المنطقة الشمالية، بحجة التضامن مع إخوتهم في سورية، دعا الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في دولة الاحتلال موفق طريف، الحكومة الإسرائيلية إلى التدخّل في ما يحدث في سورية. وقال: “في هذه اللحظة، تتجه أنظار وقلوب الدروز نحو الاعتداءات على البلدات الدرزية في محيط دمشق. أدعو دولة إسرائيل والمجتمع الدولي والشعب اليهودي إلى التحرك الآن، فوراً، لمنع المذبحة الجماعية”، على حد وصفه، مضيفاً “أن دولة إسرائيل يجب ألا تقف مكتوفة الأيدي وتشاهد ما يحدث الآن في سورية. هذا هو وقت التحرّك”. ويعتبر طريف إحدى أقرب الشخصيات الدرزية للمؤسسة الإسرائيلية.

وأفاد جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه “في ختام تقييم الوضع أوعز رئيس الأركان بالاستعداد لمهاجمة أهداف تابعة للنظام السوري في حال عدم توقف العنف ضد الدروز”. وتابع: “خلال اليوم هاجمت طائرات للجيش الإسرائيلي في ريف دمشق مستهدفة نشطاء هاجموا مواطنين دروزاً”. وأضاف جيش الاحتلال أنه يتابع التطورات في سورية، “حيث تبقى القوات مستعدة للدفاع، وللتعامل مع سيناريوهات مختلفة”.

وحذر مفتي سورية الشيخ أسامة الرفاعي من الفتن والانتقام، داعياً إلى التعايش السلمي بين مختلف طوائف البلاد. وفي كلمة متلفزة اليوم، قال: “إذا اشتعلت الفتنة فنحن خاسرون بكل طوائفنا ولن يكون هناك رابح واحد”. ودعا مفتي سورية إلى أن تأخذ العدالة مجراها “من أجل التعايش السليم الذي يحفظ دماء شبابنا”.

من جهته، دعا كل من الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان، سامي أبي المنى، إلى التهدئة وفتح باب الحوار في سورية، محذّرين من “مشروع فتنة” تسعى أطراف داخلية وخارجية إلى تغذيته. وعقب اجتماع استثنائي للمجلس المذهبي الدرزي في دار الطائفة في بيروت، قال جنبلاط “إما أن نقتنع بسورية موحدة مع احترام التنوع، أو ننساق خلف المشروع الإسرائيلي”. وشدد الزعيم الدرزي اللبناني على ضرورة “اتخاذ موقف واضح وصريح لإدانة من أهان النبي محمد والإسلام”، داعياً في الوقت نفسه إلى التهدئة والحوار، والسلطات السورية إلى فتح تحقيق شفاف يتبين من خلاله كيف وقعت الحادثة على مشارف جرمانا. ولفت إلى أن “حفظ الإخوان” (الدروز) يكون بالاتصال المباشر مع القيادة السورية، مؤكداً استعداده للذهاب إلى دمشق مجدداً “لوضع أسس لمطالب الدروز الذين هم جزء من الشعب السوري”. كذلك دعا إلى رفض التدخل الإسرائيلي، مشيراً إلى أن “ما يجري من الشيخ (موفق) طريف وأتباع الشيخ طريف أنهم يريدون توريط بني معروف في سورية ولبنان بحرب لن تنتهي ضد المسلمين”. وأضاف: “إسرائيل ستستخدم بعض الدروز ولا تبالي”. كما دعا إلى “إسكات بعض الأصوات في الداخل (داخل الأراضي المحتلة) التي بدأت تستنجد بإسرائيل”. ولفت إلى أن الدولة السورية تبتدئ بترميم نفسها بنفسها وأن رموز النظام السابق في كل مكان، ولم تستطع الدولة بعد استئصال رموز النظام السابق. واتهم جنبلاط إسرائيل بمحاولة استغلال الطائفة الدرزية في سورية “لإحداث فتنة”، وشدد على أنه “إما أن نقتنع أنه لا بد أن نعيش في سورية موحدة مع احترام التنوع أو ننساق إلى المشروع الإسرائيلي الذي لن يترك درزياً في مناطقه، يريد تهجير الدروز إلى قرب الحدود الأردنية الإسرائيلية واستخدامهم”.

من جهته، أعلن شيخ العقل سامي أبي المنى أن “ما حصل كان مشروع فتنة، من خلال تسجيل صوتي يُسيء إلى النبي محمد، استُتبع بردات فعل خطيرة”. وقال: “ندين الإساءة كما ندين ردة الفعل، وندعو للتنبه للكلام الفتنوي”، مشيراً إلى وجود “يد خفية تعمل لتأجيج النزاع في سورية”. وشدد أبو المنى على أن الموحدين الدروز “يرفضون أن يكونوا في حالة عداء مع أي مذهب إسلامي، ويرفضون أي مخططات لتحويلهم إلى قومية مستقلة”. وأضاف: “نحن امتداد عربي مسلم، ولا نقبل بأي مخططات مشبوهة لإسرائيل”. ودعا أبو المنى السلطات السورية إلى “تحمل مسؤولياتها في حماية المواطنين وضبط الفصائل المتطرفة”، مؤكداً أن “للدولة السورية مسؤولية بحفظ حقوق الناس والمكونات كافة، والموحدون الدروز أحد هذه المكونات”.

وكان الحزب التقدمي الاشتراكي قد أفاد في بيان اليوم بأن جنبلاط أجرى اتصالات مكثّفة شملت الإدارة السورية وتركيا والسعودية وقطر والأردن، وطالب فيها “بالسعي إلى وقف إطلاق النار في منطقة أشرفية صحنايا لوقف حمام الدم”. وطالب كذلك بمعالجة الأمور “انطلاقاً من منطق الدولة ووحدة سورية بجميع مكوناتها”.

وفي السياق، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أنقرة لن تسمح “بفرض أمر واقع في منطقتنا ولا بأي مبادرة تهدد أو تعرض الاستقرار الدائم في سورية والمنطقة للخطر”. وأضاف أردوغان في تصريح للصحافيين على متن طائرته أثناء عودته من إيطاليا: “سنرد بطرق مختلفة على أي محاولة لجر جارتنا سورية إلى مستنقع جديد من عدم الاستقرار”. وأردف قائلاً: “وحدة أراضي سورية أمر لا غنى عنه بالنسبة لنا، ونعلم أن الحكومة السورية تتصرف أيضاً بنفس المنطلق”. وأشار إلى أن الغارات الإسرائيلية على سورية محاولة لتقويض المناخ الإيجابي الذي بدأ مع الإدارة الجديدة في دمشق.

تباينات حول أسباب انفجار الأوضاع

وداخل سورية، تباينت المواقف حول أسباب انفجار الأوضاع. نظام جمول، أحد أهالي أشرفية صحنايا، أعرب عن صدمته من التحول المفاجئ، وقال في تصريح لـ”العربي الجديد”: “عشنا عقوداً من التعايش بين مكونات البلدة، دروزاً وسنةً ومسيحيين، دون تمييز. اليوم، الهجوم ليس رد فعل على تسجيل صوتي، بل مخططٌ مُسبق لاستهداف المناطق التي تقطنها أغلبية من السوريين الدروز”. وأكد جمول ملاحظة انسحاب قوات الأمن قبل الهجوم مباشرة، ما اعتبره دليلاً على “اتفاق مبيّت”، وقال جمول: “منذ مساء الأمس (مساء الثلاثاء) وقبل الهجوم المسلح على البلدة انسحبت قوى الأمن العام من الحواجز والنقاط التي كانت تتمركز بها دون أي اقتتال مع الجماعات المهاجمة للبلدة، ما يعزز الشكوك حول اتفاق وتورط للقوى الأمنية أو أوامر من جهات عليا للانسحاب”.

أما شادي سليمان، من سكان أشرفية صحنايا، فقد أكد أنه لاحظ تحشيداً للمجموعات المسلحة الموجودة في أشرفية صحنايا وكأنها تحضّر لعمل ما، مضيفاً لـ”العربي الجديد”: “ما إن بدأت الاشتباكات حتى اعتلى قناصة من هذه المجموعات أسطح المنازل وبدأوا يستهدفون عناصر الأمن العام وكل من يمر في الطريق”، موضحاً أن عملية التجييش الطائفي أدت إلى اشتباكات بين أبناء البلدة نفسها التي تضم خليطاً من المذاهب والأديان، وتبين أن الجميع يمتلك أسلحة استخدمت في الاشتباكات.

ورأى منير أبو علي، أحد سكان أشرفية صحنايا، أن الأحداث تكشف فشل الحكومة المؤقتة في الانتقال من “عقلية المليشيات” إلى بناء دولة مؤسسات، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن صمت السلطات عن سفك الدماء، يؤكد “استمرار هيمنة أمراء الحرب” أو “استجابةً لمطالب إقليمية بتقسيم سورية”. وأضاف أن “ادعاءات نزع السلاح والاندماج الأمني مجرد واجهة لتسليم الأقليات لمليشيات مسلحة”. وأشار إلى تضليل وتعتيم إعلامي يرافق ما يحصل، نافياً أن يكون عفوياً، بل يعتبره “ممنهجاً”.

وحمّل الناشط المدني أكرم جبور، في حديث لـ”العربي الجديد”، الحكومة المؤقتة المسؤولية المباشرة عن فشل احتواء الأزمة في أشرفية صحنايا، متهماً إياها بالتواطؤ مع المسلحين المتشددين. وتساءل جبور عن سبب الصمت الرسمي عن ذلك، خصوصاً مع وجود تقارير مسبقة عن تحركاتهم، مرجحاً أن هذا التواطؤ يأتي لتحقيق مكاسب ميدانية، أو لخلق ذرائع تبرر تدخلاً خارجياً. وقال إن “السلطات الأمنية التابعة للحكومة المؤقتة كانت غائبة عمداً. كيف يُفسر عدم تحرك الأمن العام وقوى وزارة الدفاع رغم وجود تعزيزات قريبة؟”، مشدداً على أن هذا الأمر يشير إلى أن الفوضى تُدار بموافقة ضمنية.

من جهته، حمَّل الباحث محمد صبرا، في حديث لـ “العربي الجديد”، وزارة الداخلية مسؤولية فشلها في كبح جماح الجماعات المسلحة التي هاجمت جرمانا، مطالباً وزير الداخلية أنس خطاب بـ”تقديم استقالته والاعتذار للشعب”، ومؤكداً أن حل الأزمات لا يكون عبر “مضافات المشايخ”، بل بتطبيق القانون على الجميع بدون استثناء. كذلك هاجم تواطؤ عناصر مسلحة في صحنايا مع “طائرات إسرائيلية استطلاعية”، داعياً إلى موقفٍ واضح من التدخل الإسرائيلي، ووصف خطاب نتنياهو عن “حماية الدروز” بأنه مُجرَّد ذريعة لتوسيع النفوذ. كذلك وجّه صبرا انتقاداتٍ لاذعةً لسياسات الأمن السوري، محذراً من تحوُّل مناطق مثل جرمانا وصحنايا إلى “دويلات مسلحة” تُهَدِّد فكرة الدولة ذاتها. واعتبر أن وجود مسلحين محليين تحت ذرائع حماية المناطق يُؤسِّس لـ”الأمن الذاتي” المناقض لمفهوم الدولة، مشدداً على أن تحميل طائفةٍ كاملة وزرَ فعل فردي، كالشتائم الموجهة للرسول، يُهَدِّد النسيج الوطني، ويستوجب محاكمة الأفراد بدون تعميم. وختم صبرا بالقول: “حماية المواطن مسؤولية الدولة وحدها، وكل مدني يرفع السلاح، حتى لو ادعى دعم الدولة، يجب محاسبته، فالبندقية المدنية جريمة بغض النظر عن شعاراتها”.

العربي الجديد

————————

سوريا إلى خيبة أمل كبرى؟/ يوسف بزي

الخميس 2025/05/01

الأخبار اليومية الآتية من سوريا مخيفة. ما احتُسِب إنجاز أثناء معركة تحرير البلاد، وبعد سقوط النظام لأكثر من شهرين، إن في تجنب عمليات الانتقام الواسعة، أو في منع الفوضى في العاصمة والمدن، أو في ضبط الأمن والسلاح، وطغيان مناخ احتفالي وميل عمومي إلى التسامح النسبي، وسرعة القوى المنتصرة في صون ما تبقى من مؤسسات وإدارات، واعتماد مبدأ “تسوية” أوضاع المسلحين والعسكريين الموالين للنظام المخلوع، ومن ثم إشهار الحوار مع قوى مجتمعية (إثنية ودينية) لديها مخاوفها ومطالبها المشروعة.. كل هذا يبدو في طريقه إلى التآكل والتبدد.

في البداية، نجح المتعصبون والمتطرفون الموالون للنظام السابق، وهم من أصحاب السجل الأسود الخائفين من أي عدالة قد تطالهم، في تدبير كمين سياسي وعسكري في مناطق الساحل. جرّوا النظام الجديد إلى المذبحة المتبادلة، أي إلى مجازر طائفية يبدو أن هناك استعداداً كامناً عند الجهتين لارتكابها بسهولة وفظاعة تامتين. الحدث قطع على الأرجح في المستقبل المنظور أي احتمال لاحتضان متبادل بين السلطة الجديدة وغالبية الطائفة العلوية. ففي الشهرين الأولين، عقب هروب بشار الأسد، ظهر ميل عند سكان الساحل للتبرؤ من النظام السابق، وأبرزوا الكثير من الأدلة عن مشاركة نخبهم وجمهورهم في الثورة وفي معارضة الأسد. لكن المذبحة، أيقظت الغرائز الطائفية و”المخاوف التاريخية”، التي لطالما استثمر فيها آل الأسد. لقد كان ذلك كميناً محكماً ذهبت إليه سلطة أحمد الشرع، بسهولة.

هذا ما أتاح لمشايخ علويين المطالبة بتدخل خارجي، روسي، ولرامي مخلوف الدعوة إلى التسلح وإنشاء كيان انفصالي.

في ضواحي دمشق، وفي جرمانا كما في صحنايا والسويداء، تتكرر الصدامات الدموية مع المسلحين الدروز، الذين في الأساس كانوا أول من تحرر من سلطة الأسد وشاركوا في إسقاطه، وها هم اليوم مزودون بمخاوف مشروعة من ناحية، وبتشجيع ودعم إسرائيلي مفضوح من ناحية ثانية، يتمردون على سلطة أحمد الشرع التي أظهرت ميلاً متزايداً لحكم فئوي لا ينقصه التعصب الديني.

ودل ردّ الفعل على ما أعلنه الكرد أخيراً من مطالب أساسية ونظرتهم إلى نظام الحكم المأمول، أن سلطة دمشق تنحو إلى تشدد مركزي وهيمنة أقرب إلى تكرار خطايا حكم البعث.

الوقائع اليومية التي تدل على محاولات حثيثة ومرعية من السلطة الجديدة لفرض أيديولوجيا الإسلام السياسي على المجتمع وفي داخل الدولة، هي الوصفة الفعالة في إثارة اعتراضات لا حد لها، وتحرض فئات وشرائح كبيرة في المجتمع السوري لمواجهة السلطة الناشئة. بل إن ذلك، سيوقظ حتماً مسألة الأقليات على نحو يقود سوريا إلى حروب أهلية لن تقل فظاعة عن ما جرى خلال 14 عاماً المنصرمة.

إن تمردات مناطقية وإثنية وطائفية تغذيها أجندات خارجية، لا يمكنها أن تندلع وتستمر وتتوسع لولا أن السلطة الجديدة تمارس الإقصاء والتهميش والتمييز، كما أنها تُظهر يوماً بعد يوم وجهاً متعصباً، أجهض متطلبات الحوار الوطني والمشاركة الفعلية في المرحلة الانتقالية.

بعد نحو 500 ألف قتيل، ومليوني جريح و10 ملايين لاجئ ومهجّر، لا يبدو أن “المنتصرين” والمهزومين تعلّموا كفاية، ولا أصغوا إلى آلاف الصرخات والنداءات التي أطلقها أفضل السوريين.

المسار السياسي والأمني الذي تسلكه سلطة الشرع في الداخل السوري، والمموه بدبلوماسية خارجية ناجحة، قد يأخذ سوريا إلى تكرار مأسوي وجهنمي، لما حدث في العراق عقب سقوط الطاغية صدام حسين، أو إلى ما شهده لبنان في السبعينات والثمانينات من مجازر طائفية.. والأسوأ إلى تكرار الأسدية في سنواتها الـ14 المنصرمة. فإصرار السلطة الجديدة على عدم الإصغاء، هو أقصر الطرق لتتحقق نبؤات نتنياهو ورامي مخلوف في تفجير سوريا.

المدن

—————————

الدروز على خطوط التماس… وجنبلاط بين الشرع والجولاني/ نادر حجاز

الخميس 2025/05/01

صباح الثامن من كانون الأول 2024 كانت جرمانا، في ريف دمشق الغربي، جزءاً من المشهد السوري المبتهج برحيل النظام. فحطّم أهلها تمثال حافظ الأسد، وأطلقوا على ساحة المدينة اسم الشهيد كمال جنبلاط، معلنين تحطيم السجن الكبير الذي استمر لعقود والعبور نحو سوريا الجديدة.

لا تشبه الأحداث الدموية على أطراف المدينة، منذ ليل الاثنين الثلاثاء، والتي انتقلت إلى أشرفية صحنايا ومناطق في السويداء، المشهد السوري الجامع عشية سقوط حكم آل الأسد. لتتقدّم النزعات الطائفية والمشاريع التقسيمية، وتكرار مظاهر سفك الدماء التي فرّ منها ملايين السوريين وتحوّلوا إلى مهجّرين في بلاد الشتات.

قلق الدروز

تعكس اشتباكات جرمانا وأشرفية صحنايا بين مجموعات محسوبة على وزارة الدفاع ومسلحين دروز، العلاقة القلقة بين دروز سوريا والإدارة الجديدة، بعدما كانا قد اجتمعا في غرفة العمليات المشتركة في الأسبوع الأخير من عمر النظام. إلا أن خلافات كبيرة في مقاربة المرحلة الانتقالية تركت ذيولها على خط جبل العرب – دمشق. فالدروز الذين عاشوا بشبه إدارة ذاتية منذ عامين تقريباً، لم يسلكوا طريق الأكراد باتجاه الانضمام إلى الدولة وإداراتها، وتمسّكوا بسلاحهم خصوصاً بعد أحداث الساحل.

استغلّت إسرائيل هذا القلق بشكل علني، مدّعيةً حماية الدروز، في محاولة واضحة لتأجيج فتنة بين الدروز ومحيطهم السنّي، بهدف تعزيز النزعة الانفصالية في المناطق الدرزية، وتكريس منطقة عازلة تفصلهم عن الحكم الجديد برئاسة أحمد الشرع في دمشق.

تسجيل مفبرك وحماية مزعومة

بدأ اللعب الإسرائيلي على خط دروز سوريا يأخذ أبعاداً خطيرة، والتسجيل المفبرك المنسوب لشيخ درزي يسيء للنبي محمد الذي أشعل فتنة جرمانا، والذي أثبتت وزارة الداخلية السورية زيفه، يثير تساؤلات كبيرة حول الجهات المستفيدة من خلق توترات أمنية مماثلة تضع الدروز في عزلة عن محيطهم. وتحوّلهم إلى وقود لفتنة طائفية تنتهي بمشاريع تقسيم وانفصال خدمة لأطماع إسرائيل.

وكان أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في الأول من أذار الماضي، إلى الجيش الإسرائيلي الاستعداد من أجل الدفاع عن مدينة جرمانا، على خلفية سقوط قتلى وجرحى بعد اشتباكات شهدتها المنطقة آنذاك.

وقال حينها نتنياهو ان “إسرائيل لن تسمح للنظام الإسلامي المتطرف بإلحاق الأذى بالدروز. وإذا ألحق بهم الأذى فسوف يتعرض للأذى من قبلنا”. ليعود نتنياهو ويتدخّل بعد الأحداث الأخيرة، معلناً الأربعاء أن “الجيش الإسرائيلي نفذ ضربة تحذيرية استهدفت متطرفين يستعدون لمهاجمة الدروز في سوريا”، مؤكدا أن “إسرائيل تؤكد التزامها العميق بحماية الدروز في سوريا”.

في الوقت نفسه، كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن إسرائيل وجّهت تحذيرًا شديدًا للنظام السوري وطالبته بمنع الاعتداءات على الدروز.

تحذير جنبلاط

في لبنان، رفع الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الصوت باكراً، محذّراً دروز سوريا من الإنجرار إلى هذا المشروع، داعياً إياهم للالتحاق بالدولة السورية الجديدة التي “تحاول ترميم نفسها بنفسها”، على حدّ تعبيره، إدراكاً منه أن الدروز هم مواطنون سوريون ولا مكان لهم إلا في دولتهم، لا أن يكونوا جنوداً في لعبة الأمم الكبرى.

ومرة جديدة استنفر جنبلاط لوقف حمّام الدم بعد أحداث جرمانا، محذّراً، في كلمةٍ ألقاها عقب الاجتماع الاستثنائيّ للمجلس المذهبي الدرزيّ بحضور شيخ العقل سامي أبي المنى، من “التدخّل الإسرائيليّ”، مشدداً على أنّه “نرفض استخدام دروز سوريا من قِبل إسرائيل، وحفظ الإخوان يكون بإسكات بعض الأصوات الداخليّة التي بدأت تستنجد بإسرائيل”.

زائر دمشق الأول

وبعدما كان جنبلاط من بين أوائل الزائرين لدمشق عقب رحيل الأسد ولقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، في مشهد أراد من خلاله نوجيه رسالة واضحة بضرورة إعطاء الحكم الجديد فرصة لالتقاط أنفاسه وبناء الدولة، وتوجيه دعوة غير مباشرة للدروز بأن يكونوا جزءا من هذه الدولة. عاد وأعلن من جديد “أنني على استعداد لأن أذهب إلى دمشق مجدّداً، وأن أتحاور معهم، لوضع أسس لمطالب الدروز الذين هم جزء من الشعب السوري”، داعيًا إلى التهدئة والحوار في ضوء التطوّرات الأخيرة. كما طالب السلطاتِ السورية بإجراء تحقيقٍ شفاف في أحداث جرمانا، محذّرًا من محاولات تل أبيب استغلال الطائفة الدرزيّة لإشعال فتنةٍ داخليّة. كذلك دعا إلى تشكيل لجنةٍ للتواصل مع جميع الأطراف بغية العمل على حلّ الأزمة السورية.

إعلان جنبلاط سيكون بانتظار تحديد موعد جديد له في قصر الشعب. وكان سبق له وقال في الثاني من أذار الماضي أنه سيطلب موعداً من الشرع وسيزور دمشق مجددًا ليقول للجميع إنّ الشام هي عاصمة سوريا.

“لا نحتاج حماية إسرائيل”

موقف جنبلاط كان سبقه سلسلة اتصالات مكثفة على مدى الساعات الماضية، وكشف أمين سرّ كتلة اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن، في حديث لجريدة المدن الإلكترونية، أنه “منذ صباح الثلاثاء، أجرى جنبلاط حركة اتصالات مكثفة داخلية وخارجية، طالت كل من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية والأردن بهدف التعاون لضبط الأمور والتهدئة وتصويب مسار التفاوض بين الفعاليات الروحية والمدنية في جرمانا وفي جبل العرب مع الحكومة السورية، من خلال المحافظين وممثلي وزارة الداخلية السورية. وهذه الاتصالات كانت قد أثمرت الثلاثاء في جرمانا الى أن توسّعت الأمور الأربعاء لتشمل أشرفية صحنايا”.

وأضاف أبو الحسن: “تمت معاودة الاتصالات، وقام الأصدقاء الخارجيون بسعيهم بالتنسيق مع الإدارة السورية وتوجّه وفد من المشايخ والتقوا بالفعاليات من خلال ممثلي وزارة الداخلية مجدداً في جرمانا وفي ريف دمشق”، مؤكداً أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح وتتجه نحو التهدئة. وهنا دعوة إلى الجميع للهدوء والتعقّل والتروّي وعدم الانجرار إلى الانفعال على الإطلاق، فالانفعال يؤدي إلى التوتر، والتوتر يؤدي الى نتائج غير محسوبة”.

وتابع أبو الحسن: “نعبّر عن أشد عبارات الاستنكار للاساءة التي وجّهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، خصوصاً أن هناك مندساً مشبوهاً حاول أن ينتحل صفة أحد أبناء طائفة الموحدين المسلمين الدروز، وقام بتوجيه الإساءات لرسول الله. هذا أمر مستنكر وعمل مريب ومشبوه الهدف منه إثارة النعرات وإشعال فتيل الفتنة، وما يقوم به جنبلاط وشيخ العقل هو وأد الفتنة ودفنها في مهدها”.

وشدّد أبو الحسن على انه “يبقى الأساس أن طائفة الموحدين الدروز لا تحتاج حماية أحد، هم جزء أساسي ومكوّن أساسي من النسيج السوري، يركنون الى الدولة السورية ولا نحتاج حمايةً لا من إسرائيل ولا من غيرها. مَن يحمي الدروز هو وعيهم وحكمتهم ودولتهم السورية”.

غليان في الشارع

يأتي الاستنفار الدرزي بعد غليان في الشارع على أثر الأخبار الواردة من سوريا، وكان بعض الشبان قد عمدوا إلى قطع الطريق العام في عاليه احتجاجًا على الأحداث التي تشهدها مدينة جرمانا، ما دفع مشيخة العقل والمشايخ الدروز إلى إصدار حرم ديني يمنع هذه المظاهر بشكل قاطع، أو التعرّض للسوريين في لبنان بأي شكل من الأشكال.

وكان رجال الدين قد تداعوا إلى اجتماع في مقام الأمير السيّد عبد الله التنوخي في عبيه، حضرته المرجعيات الروحية وشيخ العقل سامي أبي المنى، الذي دعا للهدوء وحذّر من “مخطّطات لضرب أبناء الوطن الواحد في سوريا”، داعيًا إلى “الحكمة والتبصّر بعواقب الأمور ولملمة الوضع الحاصل وجمع الشمل”. وأشار إلى أنّه على تواصلٍ دائم مع القيادات السياسيّة، بما فيها وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان، ومع المسؤولين السوريين وغيرهم من المرجعيّات الدينيّة في المنطقة، محمّلًا الجميع مسؤوليّة تدارك الفتنة.

من جهته، اعتبر أرسلان أن “حماية الدروز وسائر الأقليات في سوريا هي من صميم مسؤوليات الدولة وسلطاتها الرسمية، وأيّ تعدٍّ أو تهديد يطال سلامتهم أو حياتهم من قِبل عناصر أمنية أو عسكرية أو فصائل تابعة لها، يُعدّ كارثة كبرى. وعلى دول العالم، ولا سيّما الدول العربية، التحرّك فوراً لردع أي اعتداءات تستهدف الدروز وضمان حمايتهم، أسوةً بسائر الأقليات”.

تجربة دروز إدلب

استحضرت أحداث جرمانا ما سبق أن تعرّض له الدروز في منطقة إدلب، ومجرزة بلدة قلب لوزة التي راح ضحيتها العشرات في العام 2015. استذكر جنبلاط هذه الأحداث، مؤكداً استعداده لتكرار ما فعله حينها من أجل حماية الدروز، رغم تعرّضه آنذاك لانتقادات بسبب تواصله مع أبو محمد الجولاني، الرئيس الشرع اليوم، فالتواصل والحوار مع القيادة السورية الجديدة هو الطريق الوحيد، وإلا سيكون الدروز أمام خيارات أخرى ستورّط كل الدروز ولن يسلم منها دروز لبنان أيضاً.

الدروز في سوريا على خطوط تماس خطيرة وفالق تحوّلات عابر للحدود، وعلى مسافة مفخخة بين تل أبيب ودمشق، وصولاً إلى أنقرة. وفيما يواجهون أصعب الخيارات بتحديد بوصلة مستقبلهم، هل تنجح دمشق بطمأنتهم قبل خطفهم إلى مكان لا يشبههم؟

المدن

——————————-

الأحجار السورية تتداعى: عن سلطة لا تفهم الدرس/ عبد المنعم علي عيسى

الخميس 1 أيار 2025

قاد بث فيديو فتنوي منسوب إلى رجل دين درزي إلى ردود فعل عنيفة، بدأت في حمص، لتنتقل النار سريعاً إلى مدينة السويداء، ومن ثم إلى جرمانا، ومنها إلى صحنايا. وفيما اتّهم مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، رامي عبد الرحمن، «قوات الأمن السورية بالمشاركة فعلياً في الأحداث»، ذهب ناشطون من السويداء إلى القول إن الفيديو المذكور مفبرك، ويقف وراءه «طرف ثالث»، في إشارة إلى دور إسرائيلي يبدو مرجّحاً.

وفي خضمّ ما جرى، بدا أن المواقف الصادرة عن مشايخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا، تسير عبر محرّك ذي دفع ثلاثي، أحد أضلعه وأضعفها، مشايخ العقل، فيما الثاني يتمثّل بدروز الجولان الذين يلعبون دور الجسر بين التجمعات الدرزية في الجولان وسوريا ولبنان، وبين صانع القرار الأمني في تل أبيب بذريعة «حماية الطائفة الدرزية». وبالنسبة إلى ثالثها، وهو الأقوى، فيتولاه حلفاء النظام السابق في لبنان من القيادات الدرزية، وربما يمكن الجزم بأن الدور الذي يضطلع به النائب السابق وليد جنبلاط يكاد يكون هامشياً. وفي المقابل، لا يبدو أن السلطات الحاكمة في دمشق مدركة جيداً أن من سيتولى دور «ضابط الإيقاع»، ليس سوى السفارة الأميركية في عوكر.

على أن ما يثير الاستغراب هو أن السلطة ظلّت صامتة إزاء اندلاع النار في جرمانا وتمدّدها نحو أشرفية صحنايا، ما يشير إلى وجود نوايا، أقلّه لدى قوى وازنة فيها، بضرورة الذهاب إلى معركة «كسر عظم»، على نحو ما جرى في الساحل خلال الأسبوع الأول من آذار الفائت. وما يؤكد ذلك هو أن السلطة ما انفكّت تتبنّى خطاباً طائفياً يتم تصديره على أنه «عودة إلى الأصول».

وعلى الرغم من أن هذا الخطاب كفيل بإثارة هواجس شتى لدى الكثير من الأطر الثقافية والمدنية والمعرفية، وأيضاً بتهشيم منظومة العيش بين المكوّنات السورية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لقرع أي «جرس إنذار»، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات لدى الناشطين والنخب الذين أبدوا تخوفاً من أن ما يجري قد يكون هدفه «الإجهاز على ما تبقّى من سوريا»، فيما رأى البعض في ما تقدّم مؤشراً إلى «وجود قيادات تريد ركوب الموجة الدينية لتحقيق مكاسب سياسية تحت غطاء حكم الشريعة».

اللافت هو أنه سرعان ما تردّد صدى الأحداث التي شهدتها جرمانا وأشرفية وصحنايا على مدى اليومين الفائتين، في «جزر» كان من المُقدّر لها أن تفعل ذلك على وقع تماثل الهواجس القائم في ما بينها وبين المصدر، إذ سارع رئيس «المجلس الإسلامي العلوي»، الشيخ غزال غزال، إلى الظهور ببيان مصوّر طالب فيه بـ«سوريا فيدرالية»، متجاوزاً بذلك ما ذهب إليه «الكونفرانس الكردي»، الذي طالب في أعقاب مؤتمر له عقده في القامشلي قبل أيام، بـ«سوريا لا مركزية».

ولربما يمكن تفسير التطورات المتلاحقة منذ 8 كانون الأول، وطريقة تعاطي السلطات القائمة معها، على محملين اثنين، أولهما هو عجز صانع القرار عن فهم تعقيدات التركيبة السورية الداخلية ربطاً بالحساسية الجيوسياسية السورية التي فرضتها عوامل عدة، وثانيهما يفيد بأن صانع القرار قد يكون على دراية، من نوع ما، بتلك المسألة، لكن ثمة ضواغط تدفع به في اتجاهاته التي يسير عليها.

أما إسرائيل، فالراجح أن خياراتها سوف تتمايل على وقع التجاذبات الدولية الراهنة في ما يخص الأزمة السورية، والمآلات المحتملة لها. وصحيح أن تل أبيب تجد في سيناريو تقسيم سوريا مصلحة استراتيجية لها، لكن ذلك لا يعني بالضرورة نفاذ «الحلم» الإسرائيلي، بل إن الكلمة الأخيرة ستكون لـ«خارج» بات ممسكاً بتلابيب الجسد السوري بطريقة يستطيع من خلالها الإمساك بـ«أنبوب الأوكسيجين»، وتحديد كم الهواء الواصل إلى الرئتين. ومع هذا، لا يمكن استبعاد أي فاعلية للعامل الداخلي، الذي وإن تعالت أصوات عدة منه مطالبة بـ«الحماية الدولية»، بل وبعضها بـ«التقسيم»، إلا إن المزاج العام السوري لا يزال يميل نحو بقاء سوريا موحّدة، أقله حتى اللحظة الراهنة.

الأخبار

——————–

ما علاقة إسرائيل بالأقليات في سوريا؟/ حسين جلعاد

1/5/2025

في واحد من أقسى مشاهد الخزي الوطني والقومي، انتهكت الطائرات الإسرائيلية أمس سماء سوريا، وهذا امر ليس جديدا، لكن المفارقة الأشد حرجا أن حكومة الاحتلال زعمت أنها تدافع عن الدروز الطائفة السورية التي عرفت طوال تاريخها بأنها من أشد المدافعين عن عروبة سوريا واستقلالها.

إن ما جرى يعكس مفارقة قاسية في تاريخ سوريا الحديث. ولعل هذا يذكر بخزي قديم، ففي صيف عام 1982، اجتاحت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان تحت غطاء عملية “سلامة الجليل”، لكن الهدف لم يكن فقط طرد منظمة التحرير الفلسطينية، بل التأسيس لتحالف استراتيجي مع الطائفة المارونية، بوصفها الحليف الأكثر قابلية للتموضع في “شرق أوسط جديد” قائم على كيانات طائفية متناثرة. وقد دعمت إسرائيل حينها صعود بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية، ونسّقت عسكريًا مع ميليشيات “القوات اللبنانية”، التي سرعان ما ارتكبت مجزرتي صبرا وشاتيلا تحت أنظار الجيش الإسرائيلي. لقد مثّلت تلك اللحظة الذروة العلنية لاستراتيجية إسرائيل الأمنية العميقة: تفتيت الكيانات العربية المركزية عبر بوابة الأقليات، وتحويل الطائفة إلى شريك سياسي وظيفي يخدم توازنات الهيمنة.

ورغم أن المشروع الماروني-الإسرائيلي انهار سريعًا تحت ثقل المقاومة والرفض الشعبي، إلا أن أثره ظل حاضرًا في الذاكرة الإسرائيلية كدرس استراتيجي، يُستدعى كلما احتدمت الفوضى في بلد عربي متعدد الطوائف.

وهكذا، تعود هذه الرؤية اليوم – في خضم الحالة السورية – بثوب مختلف، لتعيد إنتاج السؤال: ما علاقة إسرائيل بالأقليات في سوريا؟ وهل نحن أمام إعادة تدوير لتحالف الأقليات على نمط لبناني قديم، ولكن بأدوات سورية جديدة؟

“تحالف الأقليات”.. الفرضية الأمنية لإسرائيل

منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، لم تُخفِ إسرائيل اهتمامها المتزايد بمآلات الصراع السوري، خاصة فيما يتعلق بوضع الأقليات الدينية والإثنية داخل البلاد. ومع تصاعد الفوضى، وانهيار مركزية الدولة، وانكفاء النظام السابق إلى جيوب طائفية ضيقة، بدأت تتبلور استراتيجية إسرائيلية أكثر جرأة تجاه الداخل السوري، عُرفت إعلاميًا واستخباراتيًا باسم “تحالف الأقليات”. هذه الاستراتيجية، وإن كانت غير معلنة رسميًا، إلا أنها باتت تتجلى في سلسلة من المبادرات الميدانية، السياسية والإنسانية التي اتخذتها تل أبيب حيال المكونات الأقلوية في سوريا.

منذ بداية الثورة السورية، لم تُخفِ إسرائيل اهتمامها المتزايد بمآلات الصراع السوري، خاصة فيما يتعلق بوضع الأقليات داخل البلاد (الفرنسية)

تروج الاستراتيجية الإسرائيلية مجموعة من المقولات أبرزها أن الأقليات في المشرق العربي (الدروز، العلويون، المسيحيون، الأكراد، والإسماعيليون) تعيش في ظل قلق وجودي مستمر، خاصة في ظل ما تعتبره تل أبيب “تهديد الأغلبية السنية ذات التوجهات الإسلامية”. ومن هنا، ترى إسرائيل في هذه الأقليات شركاء محتملين، أو على الأقل أطرافًا قابلة للاستثمار في الصراع طويل الأمد الذي يدور في جوارها. لكن العلاقة ليست متساوية، ولا تُبنى على أسس تحالف صريح، بل غالبًا ما تُدار عبر رسائل غير مباشرة، دعم إنساني انتقائي، وتنسيق لوجستي محدود في مناطق النفوذ. كما أن هذه الطوائف جزء أصيل من مكونات الشعب السوري تاريخيا. فيكف تسعى إسرائيل إلى خلخلة هذا النسيج؟

الدروز.. العلاقات الشائكة

يُعرف الدروز تاريخيا بأنهم حاملو لواء استقلال الدولة السورية من خلال رمزهم التاريخي سلطان باشا الأطرش الذي يوصف بأنه قائد الثورة السورية الكبرى التي قاتلت الاحتلال الفرنسي.

لكن الأزمة السورية الحالية تباعد بين بعض قياداتها وبين القيادة الجديدة التي تتولى السلطة منذ سقوط نظام الأسد، علاوة على انقسام الدروز أنفسهم بين تيارات وفئات تؤيد التقارب مع السلطة الجديدة بوصفها رمزا للدولة السورية وبين فئات أخرى تناوئ دمشق لاعتبارات فكرية وسياسية معقدة.

ولعل وجود جزء من الطائفة الدرزية المنضوية تحت سلطة إسرائيل في الأراضي المحتلة، يخلق نوعا شائكا من العلاقة بين الدروز وإسرائيل من جهة، وبين الدروز والدولة السورية من جهة أخرى.

ولعل واحدة من أكبر الإشكاليات أن إسرائيل، التي تضم داخلها أقلية درزية واسعة ومندمجة في مؤسسات دولة الاحتلال، تنظر إلى دروز جبل العرب (السويداء) والدروز المنتشرين في جنوب سوريا كامتداد مجتمعي وثقافي. وقد شهد العام 2025 تدخلًا إسرائيليًا غير مسبوق حين شنت غارة جوية في محيط صحنايا قرب دمشق، معلنةً أنها استهدفت مجموعة متطرفة كانت تخطط لمهاجمة مواقع درزية. سبق هذه الضربة إرسال مساعدات إنسانية إلى السويداء شملت 10 آلاف طرد غذائي، في خطوة وُصفت بأنها رسالة مزدوجة: دعم وحماية.

ورغم أن بعض الزعامات الدرزية السورية أعربت عن قلقها من هذا التقارب العلني، خشية أن يُنظر إليهم كعملاء، فإن إسرائيل لا تزال تستثمر في خطاب “الحماية”، وتروّج لنفسها كضامن لوجود الدروز في منطقة تشهد تمدد الجماعات السلفي، حسب الزعم الإسرائيلي.

هناك حرج تاريخي يعاني منه الدروز في المنطقة العربية، فزعيم الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف يروج سردية نتنياهو، وطائفته نفسها هناك ترتبط مع الإسرائيليين بحلف تاريخي يسمى “حلف الدم”. وفيما كانت إسرائيل أمس تقصف أحياء في دمشق، كان طريف يتفاخر أن ثمة تغييرا كبيرا سيحدث في المنطقة.

العلويون.. من النظام إلى القلق

الطائفة العلوية، التي ارتبطت بمجملها لعقود بالنظام البعثي وبالعائلة الأسدية، وجدت نفسها في موقع هش بعد سقوط النظام. وتشير تقارير إسرائيلية إلى تلقيها رسائل غير رسمية من بعض أبناء الطائفة يطلبون فيها “الدعم أو الحماية”. ورغم غياب أي تنسيق علني، فإن مصادر استخباراتية إسرائيلية تتحدث عن استعداد لتقديم مساعدات “غير مباشرة”، تشمل الدعم الإنساني أو المعلوماتي، في حال اندلاع تهديد واسع قد يؤدي إلى إبادة الطائفة في الساحل السوري.

قطعا لا توجد معلومات مؤكدة عن تنسيق رسمي وواسع النطاق بين العلويين وإسرائيل، وتشير مواقع وصحف إلى وجود اتصالات ومناشدات من بعض الأفراد أو المجموعات العلوية تنشد الدعم والحماية.  لكن تظل هذه الاتصالات محدودة وغير معلنة رسميًا، وتعكس تعقيدات المشهد السوري الحالي وتعدد الأطراف الفاعلة فيه.​

وفي الأشهر الأخيرة، ظهرت مناشدات من بعض أفراد الطائفة العلوية تدعو إسرائيل إلى التدخل لحمايتهم مما وصفوه بالاضطهاد والتهديدات التي يتعرضون لها. على سبيل المثال، نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تقارير عن رسائل استغاثة من علويين يطلبون فيها المساعدة من إسرائيل. كما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مناشدات مماثلة تطالب بحماية دولية للعلويين في الساحل السوري.

ويظهر أفراد يصفون أنفسهم بأنهم علويون من الساحل ويدخلون في نقاشات علنية مع رموز إعلامية إسرائيلية في مساحات منصة إكس والتواصل الاجتماعي ويخوضون نقاشات مطولة تدعو إلى تدخل إسرائيلي فوري لحماية العلويين، لكن ذلك لا يقاس عليه ولا يعد أمرا رسميا يعبر عن عموم العلويين.

ووفقًا لتقارير إعلامية، هناك اقتراحات داخل الأوساط الإسرائيلية لدعم العلويين بشكل سري، بهدف تمكينهم من الدفاع عن مناطقهم واستنزاف خصوم مشتركين، مثل “الجماعات الإسلامية المتطرفة”.  وتؤكد هذه التقارير على أهمية السرية في أي تنسيق محتمل، لتجنب ردود فعل سلبية من الأطراف الأخرى في المنطقة.

المسيحيون.. الحياد المضطرب

​ لا توجد مؤشرات على وجود علاقات أو تنسيق مباشر بين المسيحيين في سوريا وإسرائيل. وخلال السنوات الماضية، حافظ المسيحيون على موقف محايد نسبيًا، مع ميل إلى دعم النظام السابق بقيادة بشار الأسد، الذي قدم نفسه كحامٍ للأقليات. وبعد سقوط نظام الأسد وتولي هيئة تحرير الشام مقاليد السلطة بقيادة أحمد الشرع، أبدى المسيحيون مخاوفهم من النظام الجديد، رغم تطمينات القادة الجدد بحماية الأقليات. وتشير تقارير إلى أن بعض المسيحيين في حلب شعروا بالخوف في الأيام الأولى بعد استيلاء هيئة تحرير الشام، لكنهم لاحقًا أفادوا بأنهم لا يشعرون بقلق كبير، وأن الكنائس تعمل بشكل طبيعة.

ورغم أن إسرائيل تسعى إلى بناء علاقات مع الأقليات في سوريا، بما في ذلك المسيحيين، إلا أن المسيحيين السوريين لم يُظهروا اهتمامًا علنيًا بالتعاون مع إسرائيل.

الطائفة المسيحية في سوريا، والتي تضم تقليديًا الأرثوذكس والكاثوليك والآشوريين والسريان، فضلت غالبًا النأي بنفسها عن كل الاستقطابات.  ولا توجد علاقات رسمية أو تنسيق معلن بين المسيحيين في سوريا وإسرائيل. ورغم محاولات إسرائيل لاستمالة الأقليات ضمن استراتيجيتها الإقليمية، يبدو أن المسيحيين السوريين يفضلون الحفاظ على موقف داخل الدولة السورية، مع التركيز على حماية وجودهم الثقافي والديني في ظل التغيرات السياسية والأمنية المتسارعة في البلاد.​

أما إسرائيل، من جهتها، فإنها تحاول توظيف خطاب حماية المسيحيين إقليميًا، خاصة في المحافل الغربية، لكنها لا تجد فيهم شريكًا مباشرًا. وتُبدي تل أبيب اهتمامًا ضمنيًا بالمسيحيين في سوريا، بوصفهم جزءًا من تراث الشرق، وكمجموعة يمكن استخدامها دبلوماسيًا للضغط على الغرب بشأن الاضطهاد الديني، لكنها لم تتجاوز حدود الخطاب الرمزي والدبلوماسية الإعلامية، دون الدخول في علاقة وظيفية كما تفعل مع الدروز أو كما تدرس مع العلويين.

الإسماعيليون: الحضور الرمزي

الطائفة الإسماعيلية، المتمركزة في مدينة السلمية وبعض نواحي حماة، عُرفت باعتدالها الفكري. واتسمت الطائفة تاريخيًا بموقفها المعارض للنظام السوري، حيث شارك العديد من أبنائها في الاحتجاجات السلمية التي اندلعت في عام 2011.  ومع ذلك، تعرضت الطائفة لضغوط من مختلف الأطراف، بما في ذلك النظام السوري والجماعات المسلحة، مما أدى إلى انقسام داخل الطائفة بين مؤيدين ومعارضين للنظام.​

مؤخراً، قام زعيمها الروحي الأمير كريم آغا خان بتقديم دعم مالي للحكومة السورية الجديدة، في خطوة فُسرت كمحاولة لضمان حماية الطائفة، وليس تعبيرًا عن اصطفاف سياسي. ولم يُسجل أي مؤشرات على تقارب أو تواصل مع إسرائيل، ما يجعل الإسماعيليين خارج دائرة “التحالف الوظيفي” الذي تحاول تل أبيب بناؤه في سوريا.

ورغم محاولات إسرائيل للتقرب من الأقليات في سوريا ضمن استراتيجيتها الإقليمية، إلا أن الطائفة الإسماعيلية لم تُظهر أي اهتمام بالتعاون مع إسرائيل. ويظهر أن الطائفة الإسماعيلية تفضل الحفاظ على موقف تحت مظلة الدولة السورية، مع التركيز على حماية وجودها الثقافي والديني في ظل التغيرات السياسية والأمنية المتسارعة في البلاد.​

إسرائيل والأكراد.. استراتيجية التفكيك الإقليمي

منذ ستينيات القرن الماضي، سعت إسرائيل إلى بناء علاقات سرية مع القوى الكردية، خاصة في شمال العراق بقيادة مصطفى البرزاني، وذلك في إطار هدفها الاستراتيجي بإضعاف الدول العربية المركزية. ودعمت تل أبيب الأكراد عسكريًا ولوجستيًا، عبر وساطة إيرانية آنذاك، بهدف استنزاف العراق ومنعه من التحول إلى قوة إقليمية تهدد أمنها. هذه العلاقة لم تكن قائمة على دعم “حق تقرير المصير” بمفهومه التحرري، بل على توظيف الأقليات القومية في خدمة مشروع إسرائيل الأمني، الذي يقوم على تفتيت الدول المحيطة إلى وحدات إثنية قابلة للضبط.

ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، رأت إسرائيل في تمدد القوى الكردية المسلحة مثل وحدات حماية الشعب فرصة نادرة لإضعاف سوريا وإزاحة مركزيتها، وربما دعم قيام كيان كردي مستقل بحكم الأمر الواقع. وبالرغم من أن الدعم العلني للأكراد جاء من الولايات المتحدة، فإن إسرائيل رأت فيهم حليفًا “وظيفيًا” في وجه خصومها الإقليميين، دون أن تترجم ذلك إلى اعتراف دبلوماسي أو سياسي. فالأكراد في نظرها “شريك دون دولة”، يمكن الاستفادة منه ما دام يتقاطع مع أهدافها، والتخلي عنه عند تبدّل الظروف. وهكذا، تشكل العلاقة بين الطرفين نموذجًا حيًا لتحالف الأقليات، حيث تُمنح الهوية مقابل الوظيفة، وتُقدّم الحماية مقابل الاستثمار في الفوضى.

تدعم إسرائيل الأكراد كـ”وظيفة استراتيجية”، لا كمبدأ سياسي. فكلما تصادمت مصالحهم مع خصوم إسرائيل، يصبح الأكراد ورقة دعم. وإذا تغيّر السياق، يمكن غضّ الطرف عنهم.

محددات الأمن القومي الإسرائيلي.. الطائفة والتجزئة شرط البقاء

إن فهم الديناميكيات المعقدة داخل سوريا يتطلب إلقاء نظرة معمقة على الأسس النظرية التي توجه تفكير إسرائيل. إذ أن فهم العقل النظري الإسرائيلي شرط أساس لفهم السلوك العدواني والانتهاكات المستمرة التي تقوم بها إسرائيل بحق الدولة السورية.

يستند الأمن القومي الإسرائيلي، منذ تأسيس الدولة، إلى مبدأ جوهري يتمثل في تفتيت المحيط العربي إلى كيانات طائفية وإثنية أصغر من إسرائيل ديموغرافيًا وجغرافيًا، لضمان تفوقها الاستراتيجي والسيطرة على المجال الإقليمي. هذا المبدأ، الذي تكرس بوضوح في “استراتيجية يينون” في ثمانينيات القرن الماضي، يفترض أن استقرار إسرائيل لا يتحقق في ظل دول قومية قوية، بل في بيئة مفككة تتنازعها هويات دينية وعرقية، يسهل التحكم بها عبر الدعم أو الإخضاع أو التحييد. ومن هنا، تنظر إسرائيل إلى الأقليات لا كمجرد مكونات اجتماعية، بل كوكلاء محتملين في معركة الهيمنة على الجوار العربي.

ويمكن القول إن إسرائيل ومنذ تأسيسها عام 1948 قد بنت استراتيجيتها الأمنية على جملة من المحددات النظرية والعملية التي لا تتعامل مع الأمن فقط بوصفه مسألة دفاعية، بل بوصفه مشروعًا بنيويًا لتشكيل المجال الجيوسياسي المحيط بها على نحو يخدم وجودها كدولة يهودية في قلب منطقة عربية وإسلامية معادية بطبيعتها التاريخية والثقافية.

وقد تمحورت إحدى هذه المحددات الجوهرية حول ضرورة تفتيت المجتمعات المحيطة إلى كيانات إثنية وطائفية صغيرة، بما يجعل إسرائيل، رغم كونها “دولة أقليّة يهودية”، تبدو “منسجمة” مع محيطٍ ممزّق عرقيًا ودينيًا، ويُسهل عليها إدارة التهديدات واحتواء الطموحات القومية العربية أو الإسلامية.

تفكيك الدولة العربية

يتجلى هذا المنظور بوضوح في الورقة التي نشرها الصحفي الإسرائيلي عوديد يينون عام 1982 بعنوان: “استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات”، وهي وثيقة شهيرة ترسم خريطة طريق لمستقبل الشرق الأوسط من وجهة نظر الأمن القومي الإسرائيلي.

وترى هذه الوثيقة أن بقاء إسرائيل مرهون بتحول العالم العربي من دول قومية قوية إلى كيانات طائفية متصارعة، على غرار ما حدث في لبنان، باعتباره نموذجًا قابلًا للتكرار في العراق، وسوريا، ومصر، والسودان.

يقول يينون: “يجب على إسرائيل أن تُعيد رسم الخريطة السياسية للعالم العربي من خلال تفكيك كياناته إلى طوائف دينية ومجموعات إثنية، لأنه لا يمكن التعايش مع دول عربية قوية ومتماسكة”.

هذه الرؤية لم تكن معزولة أو هامشية، بل تجد أصداءها في وثائق رسمية وتقارير لمراكز الأبحاث الإسرائيلية الكبرى مثل مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، ومعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي INSS.

دولة الطائفة مقابل الطوائف

بما أن إسرائيل تأسست على أساس ديني وإثني (دولة يهودية للشعب اليهودي)، فهي تجد في الدولة الوطنية العربية الحديثة القائمة على الانتماء القومي والهوية الجامعة تهديدًا وجوديًا. ولذلك، فإن خلق محيط مماثل لها، أي ممزّق إلى “هويات فرعية” (دروز، سنة، علويون، أكراد، شيعة، مسيحيون، إسماعيليون…)، يسمح لإسرائيل ألا تبدو استثناءً، بل نموذجًا آخر من “دولة الطائفة”، وسط طوائف متجاورة.

وقد سعت إسرائيل، في تطبيق هذا التصور، إلى بناء تحالفات مع الأقليات التي تشعر بالتهديد من محيطها السني، مثلما فعلت مع الميليشيات المارونية في لبنان، ومع الأكراد في العراق، والدروز أيضا. هذه التحالفات لم تكن مبنية على روابط قيمية، بل على وظيفة الأقليات كرافعة لإضعاف الدولة المركزية وتفكيك المجتمعات من داخلها.

لقد شكّل التحالف مع الموارنة في الثمانينيات النموذج التطبيقي الأول، بينما برز التنسيق مع الأكراد في العراق بعد عام 2003، ومع فصائل درزية محلية في جنوب سوريا خلال العقد الأخير، كاستراتيجيات متكاملة تصب في مشروع الإضعاف البنيوي للجوار.

ويرى معظم المنظّرين الإسرائيليين أن التهديد الوجودي لا يتمثل فقط في الجيوش، بل في إمكانية وجود “دولة قومية عربية قوية ومتماسكة وديمقراطية”. فمثل هذه الدولة، حتى لو لم تكن معادية، تُفكك من الداخل السردية الصهيونية التي تبرر “خصوصية” إسرائيل، وتشكل منافسًا أخلاقيًا وسياسيًا لها أمام المجتمع الدولي.

ولذلك، فإن تفكيك العراق إلى شيعة وسنة وأكراد، وتفكيك سوريا إلى علويين ودروز وسنة، وإضعاف مصر عبر حصارها بالملفات الإقليمية، كلها تدخل في تعريف موسّع للأمن القومي الإسرائيلي.

الهدف النهائي ليس فقط تفكيك الدول، بل خلق بيئة شرق أوسطية يسهل ضبطها. إسرائيل لا تطمح إلى احتلال مباشر، بل إلى محيط يمكنها فيه أن تلعب دور “الضامن الأمني”، أو “العرّاب الطائفي” الذي يوازن بين الفرقاء، ويضرب هذا الطرف أو يرضي ذاك وفقًا لمصالحها.

وفي هذا السياق، يصبح وجود دويلات أو كيانات صغيرة مثل دولة علوية، أو منطقة كردية، أو حكم ذاتي درزي، أكثر ملاءمة من سوريا موحدة، أو عراق مركزي.

إن استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، كما تتجلى في كتابات المنظّرين والسياسيين والواقع العملي، تقوم على تفكيك المحيط العربي إلى وحدات إثنية وطائفية أصغر منها، بهدف التخلص من الكيانات الكبيرة التي قد تشكل خطرًا سياسيًا أو ثقافيًا أو ديمغرافيًا.

فكلما صغرت الجغرافيا، وكلما تشظّت الهويات، ازدادت قدرة إسرائيل على البقاء بوصفها “الدولة اليهودية الوحيدة”، منسجمة مع محيط طائفي لا يُحرجها سياسيًا، ولا ينافسها استراتيجيًا.

ما بعد التحالف.. ما بعد الدولة

لا تبني إسرائيل علاقاتها مع الأقليات السورية على أسس دبلوماسية أو اعتراف متبادل، بل على معادلات أمنية عابرة، تُستخدم بحسب الحاجة. وهي لا ترى في هذه المجموعات “أقليات” فقط، بل أدوات توازن، وصمامات أمان محتملة في صراع طويل على شكل الدولة والسلطة في سوريا. لكن الرهان على الطائفة قد يكون خادعًا: فالأقليات ليست حلفاء طبيعيين ولا أدوات وظيفية، بل مجتمعات ذات إرادة وتاريخ، يمكنها أن تقاوم أو أن تنسحب، وقد تقلب الطاولة حين يُظن أنها مجرّد تفصيل.

المصدر : الجزيرة

———————–

إسرائيل تعود إلى سياسة “فرّق تسد” الطائفية لتفكيك سوريا/ محمد وتد

القدس المحتلة- تشهد الساحة السورية في الآونة الأخيرة تطورات متسارعة من أبرزها التدخل الإسرائيلي المتكرر لا سيما في ريف دمشق، وما يُثار حول دور تل أبيب في تأجيج الأزمة التي تمس أبناء الطائفة الدرزية في الجنوب السوري.

هذا التدخل لا يمكن فصله عن السياسة الإسرائيلية التقليدية القائمة على استغلال الانقسامات الطائفية والمجتمعية في الدول العربية، ومحاولة توظيفها لصالح مشاريع تهدف إلى إضعاف الدولة المركزية وتعميق حالة الانقسام والفوضى.

وتشير قراءات محللين وباحثين في الشأن الإسرائيلي إلى أن ما تريده تل أبيب في سوريا الجديدة برئاسة أحمد الشرع يتجاوز الاعتبارات الأمنية الظاهرة إلى أهداف إستراتيجية بعيدة المدى تتضمن تحويل سوريا إلى كيان هش أو حتى تقسيمها فعليا، بما يضمن غياب أي تهديد مستقبلي من الجبهة الشمالية، ويفتح المجال أمامها لفرض وقائع جيوسياسية جديدة في المنطقة.

مخطط التقسيم

اليوم، تسيطر إسرائيل فعليا على مواقع داخل جنوب لبنان، ولها حضور عسكري متزايد في مناطق سورية، فضلا عن سيطرتها على محاور إستراتيجية في قطاع غزة، مما يعكس توجها واضحا نحو تعزيز وجودها الجغرافي في محيطها المباشر، وهو ما يتقاطع مع مخططها لفرض واقع تقسيمي في سوريا.

ووفق الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، يبدو أن إسرائيل تنفذ سياسة قديمة جديدة تتمثل في إثارة النعرات الطائفية داخل المجتمعات العربية، وهذه المرة تركز على الوضع في سوريا، وتحديدا في المناطق التي يقطنها أبناء الطائفة الدرزية.

ويؤكد شلحت للجزيرة نت أن إسرائيل دأبت، منذ عقود، على استغلال التوترات الطائفية لتحقيق مكاسب إستراتيجية، إذ تسعى لبناء تحالفات مع الأقليات التي تعاني من تهميش أو تمييز داخل بلدانها، وتوظف هذا التوتر في زعزعة الاستقرار الداخلي.

ويوضح “في الحالة السورية، تُستأنف محاولات تل أبيب لإقامة نوع من العلاقة الإستراتيجية مع الدروز، مستندة إلى تجارب سابقة في لبنان وسوريا لم تؤتِ ثمارها المرجوة”.

ولفت إلى أن إسرائيل تسعى من خلال أدواتها وأذرعها الاستخباراتية إلى تعميق الانقسامات الطائفية، مما يندرج في إطار خطة أوسع لتحويل سوريا إلى دولة فاشلة، “بل إلى كيان أكثر فشلا من سابق عهدها إبان حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، عبر تغذية الصراعات الداخلية وضرب النسيج المجتمعي”.

وبحسب شلحت، فإن المخطط الإسرائيلي بعيد المدى ويهدف إلى تقسيم سوريا وإبقائها ضعيفة، وهو جزء من صراع النفوذ الإقليمي مع كل من إيران وتركيا، اللتين تملكان تحالفات متجذرة في دمشق، على عكس إسرائيل التي تفتقر لهذا الامتداد، ولهذا تسعى لخلق نفوذ بديل عبر تحريك الفتن الداخلية.

نقطة تحول

ويرى شلحت أن هجوم “طوفان الأقصى” شكل نقطة تحول في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، حيث اتجهت نحو التوغل داخل أراضي الجوار (لبنان، سوريا، غزة) كخيار بديل عن التحصينات والدفاعات التكنولوجية التي أثبتت محدوديتها. كما تسعى إسرائيل إلى استغلال الروابط الطبيعية بين الدروز في الداخل السوري ونظرائهم داخل أراضيها، لتأجيج التوترات الطائفية ودفع الأزمة السورية نحو مزيد من التعقيد.

ووفقا له، لا تضع إسرائيل حدودا لتدخلها في أزمات الدول التي تعتبرها “عدوة” وعلى رأسها سوريا. ورغم أن أهدافها قد لا تتحقق بالكامل، فإن مصيرها يبقى مرتبطا برد فعل القيادة السورية ودور الحلفاء الإقليميين، خاصة تركيا وإيران، القادرين على كبح طموحات تل أبيب وتعديل ميزان القوى.

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي طه إغبارية أن إسرائيل تسعى لأن تبقى سوريا دولة مفككة ولكن مضبوطة، فهي لا ترغب في الفوضى التي قد ترتد سلبا عليها، لكنها في الوقت نفسه لا تريد لدمشق أن تعود دولة قوية قد تشكل تهديدا مستقبليا لها. ومن هذا المنطلق، تتحرك تل أبيب بحذر في تعاملها مع النظام السوري الجديد، وتراقب التطورات عن كثب.

وقال إغبارية للجزيرة نت إن معظم التقارير والتحليلات الإسرائيلية تتعامل مع النظام السوري الحالي بقدر كبير من الحيطة والشك، خصوصا في ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أكد فيها مرارا عدم ثقته بالرئيس أحمد الشرع، متهما إياه بقيادة تنظيمات “إرهابية” تسعى للقضاء على إسرائيل.

ويعتقد أن التدخل الإسرائيلي في الأزمة السورية يأتي في إطار محاولة للهروب إلى الأمام بعد الفشل في تحقيق أهداف العدوان على غزة، ولذلك تعود لتفعيل أجندات قديمة-جديدة في الساحة السورية، في ظل الضعف العربي والإسلامي وغياب أفق سياسي لحل الأزمات في غزة ولبنان.

سياسة الفتن

ووفق إغبارية، تستغل إسرائيل هذه المرحلة وتعيش نوعا من النشوة السياسية والعسكرية، ويستدل على ذلك بتصريحات متكررة لنتنياهو حول إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الإسرائيلية، بما في ذلك تفكيك الدول المحيطة بها، وإبقاء دول الطوق مستنزفة وضعيفة، وهو ما يصب في خانة الحلم التوسعي بإقامة “إسرائيل الكبرى”.

وفيما يتعلق بالوجود التركي في سوريا، يرى المتحدث أن إسرائيل لا تريد التورط عسكريا هناك، كما أنها تخشى ترك الساحة بالكامل لأنقرة التي تُعتبر حليفا رئيسيا للنظام السوري الجديد. وهذا يضع تل أبيب في موقف “الإمساك بالعصا من المنتصف”، إذ تسعى للتوسع وتنفيذ مشاريعها دون الدخول في صدام مباشر مع قوى إقليمية قوية مثل تركيا.

أما عن الدور الإسرائيلي في تأجيج التوترات الطائفية داخل سوريا، فقد اعتبر إغبارية أن تل أبيب تنتهج سياسة الفتن كوسيلة للضغط على الدول المعادية لها، ومن ضمن ذلك التحرك باتجاه الطائفة الدرزية، ومحاولة إضعاف تماسكها في سوريا، من خلال شخصيات دينية مثل الشيخ موفق طريف.

وأوضح أن إسرائيل لطالما وظفت الأقليات في تنفيذ أجنداتها، وتسعى حاليا إلى ربط دروز سوريا ولبنان وفلسطين ضمن مشروع يخدم مصالحها في المنطقة. وختم بأن واقع التدخل الإسرائيلي في سوريا يعكس رغبة تل أبيب في أن تبقى سوريا منقسمة وضعيفة ومشغولة بصراعاتها الداخلية، في ظل غياب أي ضغط عربي فاعل يمكن أن يردع هذا التدخل أو يحد من طموحاتها التوسعية.

المصدر : الجزيرة

——————————

كيف نفهم الدروز؟ وكيف يؤثرون على مستقبل سوريا؟

الدروز بين مواقف الحياد ومخاطر الاصطفاف

بعد أكثر من خمسة عقود من إغلاق الحدود بين سوريا والأراضي المحتلة في إسرائيل في أعقاب حرب عام 1973؛ دخل عشرات من رجال الدين من طائفة الدروز السوريين إسرائيل يوم الجمعة الماضي 14 مارس/آذار، لأول مرة، في زيارة لما يعتقدون أنه مقام النبي شعيب الذي يقع في بلدة جولس بالقرب من طبريا داخل الأراضي المحتلة، والذي يُعتبر أحد أهم المواقع الدينية المقدسة عند الدروز.

على متن ثلاث حافلات ترافقها مركبات عسكرية، عبر رجال الدين خط الهدنة في مجدل شمس في مرتفعات الجولان، وكانت الحافلات الثلاث قد انطلقت من داخل الجولان السوري المحتل إلى بلدة حضر السورية عند الحدود لنقل مشايخ الدروز، وسلكت طريقا عسكريا كان قد أقامه جيش الاحتلال بعد سقوط نظام الأسد.

جاءت الزيارة بناءً على دعوة من الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، وبدا في تفاصيلها أنها جرت بتنسيق وحفاوة بالغة من قبل سلطات الاحتلال.

ومع أن الزيارة قد قوبلت بردود غاضبة من قبل أصوات درزية، داخل سوريا وخارجها، فإنها جاءت ضمن سياق محاولات إسرائيلية أوسع لاستقطاب الطائفة الدرزية والتعاون معها ضد سلطة دمشق الجديدة؛ مما يعطيها بعدا غاية في الأهمية.

وكان تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قد قال مؤخرا، إن إسرائيل تسعى إلى إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة في دمشق والمطالبة بحكم ذاتي ضمن نظام فدرالي، وإنها تخطط لإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق هذه الغاية.

إذن؛ تبدو سوريا، شرقا وجنوبا وغربا، طافية على توترات ليس من السهل احتواؤها، حيث تواجه قدرها التاريخي الذي يجمع تناقضات المشرق العربي داخل حيز جغرافي ضيق لم تصنعه تفاعلات تاريخية واجتماعية طبيعية، فإلى أي وجهة سوف يحسم الدروز طريقهم في هذا المزيج المعقد؟

كيف بدأ الدروز؟.. رحلة عشرة قرون!

في منطقة جبلية صغيرة من بلاد الشام، تمتد جنوب غرب سوريا وجنوب لبنان وشمال إسرائيل، يعيش حوالي مليون ونصف مليون درزي، يُطلقون على أنفسهم اسم “الموحدون”.

هذه الطائفة الدينية والاجتماعية، التي لا يعرفها الغرباء، ولا يفهم معتقدها حتى أغلب أتباعها، تُشكل أقلية صغيرة وإن كانت ذات أهمية سياسية بالغة، حيث شاركت بفعالية وحضور في كافة محطات تأسيس المشرق العربي الحديث.

يتبع الدروز ديانة باطنية غامضة، لا يتحدث مشايخها ومعتنقوها في تفاصيلها الدقيقة، لكن أغلب المصادر السنية تؤرخ لها باعتبارها أحد امتدادات الطائفة الإسماعيلية التي حكمت مصر تحت اسم الدولة الفاطمية وبنت مدينة القاهرة عاصمة لها، وتعود نشأتهم إلى عهد الخليفة السادس للدولة الفاطمية الحاكم بأمر الله -الذي امتدت فترة حكمه من عام 996 إلى 1021م- على يد محمد بن إسماعيل الدرزي الذي هاجر إلى الشام، واشتهرت الطائفة باسمه، مع أن الكثيرين منهم يرفضون نسبتهم إليه وتسميتهم بالدروز!

كما أن ثمة مراجع أخرى تذكر أن المؤسس الفعلي للطائفة هو حمزة بن علي بن محمد الزوزني، الذي بدأ الدعوة التوحيدية منذ عصر الحاكم بأمر الله، وهو من أصول فارسية.

وتقوم دعوة التوحيد، على تفسير باطني مختلف للنص القرآني يستند إلى خليط فلسفي معقد، يمزج الفلسفة اليونانية والديانات الفارسية، والمسيحية.

هذا النتاج الفلسفي، تجسّد لاحقا فيما سيُعرف برسائل الحكمة، وهي عبارة عن عشرات من الرسائل التبشيرية السرية، كتبها الدعاة ونشروها بين القبائل العربية في مناطق نفوذ الدولة الفاطمية.

الحكومة الإسرائيلية تسعى لاحتواء السجال المناهض لقانون “يهودية الدولة” بين الدروز، وفي الصورة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يصافح الرئيس الروحي للطائفة الدرزية الشيخ موفق طريف، خلال اللقاء الذي جمع نتنياهو بقيادات درزية في ديوانه بالقدس.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصافح الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف (الجزيرة)

لم تستمر الدعوة إلى الديانة الجديدة سوى بضعة عقود ثم أغلقوا باب الدعوة في منتصف القرن الحادي عشر، خاصة بعد الهجوم العنيف الذي قاده ضدهم الخليفة الفاطمي أبو حسن علي الظاهر، ليقتصر أتباع المذهب على من بقي من معتنقيه الأوائل وأبنائهم ومن يولد منهم، وصار ممنوعا على من لم يولد درزيًّا الانضمام إلى الطائفة الدرزية.

في مطلع القرن الثامن عشر، اندلع اقتتال داخلي بين الدروز الذين كانوا يقطنون مناطق ضمن ما يعرف الآن بدولة لبنان، نزحت على إثره أعداد منهم لتستوطن جبل العرب شرقًا (الذي يعرف الآن بجبل الدروز)، في المنطقة التي ستصبح لاحقا محافظة السويداء في سوريا الحديثة.

طوال المرحلة العثمانية؛ شكّل الدروز في السويداء ما يشبه الحكم الذاتي في إطار اتفاق ضمني مقابل حمايتهم لدمشق من غزوات القبائل البدوية من الجنوب، ورفض الدروز بشكل صارم محاولات الدولة العثمانية في فتراتها الأخيرة إجبارهم على الالتحاق بالتجنيد، وخاصة في فترة سيطرة الأسرة العلوية على بلاد الشام تحت سلطة إبراهيم باشا بن محمد علي.

انحاز الدروز، بقيادة أحد أهم شخصياتهم التاريخية، وهو سلطان الأطرش، إلى الثورة العربية الكبرى التي قادها الهاشميون ضد الدولة العثمانية بقيادة الشريف حسين 1916 – 1918، ودعموا فكرة الانضمام للدولة العربية المزمع تأسيسها.

وأدت قوات الدروز دورا حاسما في الثورة، إذ تذكر المصادر أنهم دخلوا دمشق قبل وصول قوات الشريف حسين، وطردوا منها القوات العثمانية.

لم تنشأ الدولة العربية كما حلم بها قادة الثورة، وسرعان ما فرضت بريطانيا وفرنسا الانتداب في شرق المتوسط، وتقاسمتا المنطقة لاحقا وفق اتفاقية سايكس بيكو 1916، لتولد بذلك سوريا الحديثة بحدودها الحالية.

كانت السويداء ضمن حصة فرنسا، وحظي الدروز تحت الانتداب الفرنسي بدولة مستقلة باسم دولة جبل الدروز 1921-1936، وسميت أيضا عدة سنوات باسم دولة السويداء، ضمن عدة دول أخرى داخل جغرافيا سوريا الحالية من بينها دولة العلويين في الساحل السوري.

لكن الحقيقة التاريخية أن المشاعر القومية لدى الدروز دفعتهم إلى مقاومة الانتداب الفرنسي رغم منحهم دولة مستقلة، ودشن الدروز الثورة السورية على سلطات الانتداب الفرنسي عام 1925، وخاضوا سلسلة معارك انتهت بهزيمتهم عسكريًّا.

وفي عام 1936، وحّدت فرنسا سوريا على صورتها الحالية، ودمجت فيها دولة جبل الدروز، بموجب ما يعرف بمعاهدة الاستقلال. لكن الانتداب الفرنسي استمر في سوريا فعليًّا حتى أبريل/نيسان 1946.

في عام 1954، شنّ الزعيم السوري أديب الشيشكلي، الذي استولى على السلطة بانقلاب عام 1949، حملة دموية ضد الدروز متهما إياهم بتلقي أسلحة ودعم عسكري من الهاشميين في العراق والأردن.

لكن الدروز واجهوا قمع سلطة الشيشكلي بتمرد واسع، امتد إلى أنحاء أخرى في سوريا، واضطرت السلطة لإعلان حالة الطوارئ في خمس محافظات سورية هي دمشق، وحلب، والسويداء، وحمص، وحماة، واعتقال أعداد كبيرة من المعارضين السياسيين البارزين، وانتهت الأحداث بإعلان انقلاب عسكري على العقيد الشيشكلي دفعه إلى الاستقالة في 25 فبراير/شباط 1954، ليسهم الدروز بذلك مرة أخرى في تشكل المشهد السياسي السوري.

في عام 1966 أوصل انقلاب ناجح ثلاثة ضباط -اثنان منهم علويان والآخر درزي- إلى السلطة. وقبل نهاية العام، قام العلويان -قائد القوات الجوية البعثي اليميني حافظ الأسد، والجنرال البعثي اليساري صلاح جديد– بإقصاء الضابط الدرزي سليم الحاطوم في انقلاب آخر.

أصبح الأسد وزيرًا للدفاع، بينما استقال جديد من الجيش ليصبح عضوًا قويًّا في الحكومة السورية، وفي عام 1970 أطاح الأسد بجديد، وبعد عام ترشح للرئاسة السورية دون منافس، وحصل على 99.99٪ من الأصوات، وفقًا للنتائج الرسمية. حوّل الأسد سوريا إلى دولة يحكمها العلويون، حيث شكّلوا 90% من سلك الضباط في عهده.

لم يثق حافظ الأسد بالدروز؛ مما أدى إلى تقليص مساحة محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية من 11 ألف كيلومتر مربع إلى 6 آلاف كيلومتر مربع، وعزلها عن العالم الخارجي، ودخل الدروز بشكل عام في علاقة مع دولة الأسد مفادها حماية الطائفة مقابل الإذعان لسلطة الدولة.

وفي العام الأخير من حكم بشار الأسد، بدأ الدروز انتفاضة ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وبعد تدشين فصائل إدلب معركة ردع العدوان، شاركت فصائل السويداء، وفقا لوكالة الأناضول، في تأسيس غرفات عمليات الجنوب التي ضمت فصائل درزية وأخرى من محافظات درعا والقنيطرة، واستطاعت طرد قوات الأسد من المحافظات الثلاث، ثم الانطلاق إلى دمشق حيث دخلتها فصائل غرفة عمليات الجنوب قبل أن تصل إليها الفصائل التي كان يقودها أحمد الشرع.

حيرة الدروز التاريخية

مع أن السؤال المطروح على الدروز حاليا بشأن العلاقة مع السلطة المركزية في سوريا يبدو سؤلا جديدا؛ فإن الحقيقة أن الدروز بوصفهم طائفة أقلية، لا يزال هذا أحد أسئلتهم المركزية منذ نشأة المشرق الحديث.

يعيش الدروز اليوم ضمن حدود ثلاث دول، سوريا ولبنان والأراضي المحتلة، إلى جانب أعداد قليلة في الأردن هاجرت إليه بعد نشوب الصراع بين الدروز في السويداء وسلطات الانتداب الفرنسي مطلع القرن العشرين.

ويقدر عددهم بمن فيهم أولئك الذين هاجروا إلى أوروبا أو أميركا أو غرب أفريقيا، بنحو مليون ونصف مليون شخص. منهم 700 ألف يعيشون في السويداء ويمثلون 90٪ من مجمل سكان المحافظة.

بعد صعود القومية العربية واستقرار وضع الدول الناشئة في بلاد المشرق، أصبحت ثمة ثلاثة تيارات كبرى ولدت داخل مجتمع الدروز يقودها ثلاثة زعماء تاريخيين، كان لكل منهم إجابة مختلفة عن سؤال العلاقة مع الدول التي يعيش فيها الدروز ومع المحيط العربي بشكل عام.

في لبنان خطت أسرة جنبلاط التي تتزعم الطائفة سياسيا منذ عقدين على الأقل خطا اندماجيا في الهوية القومية العربية الجامعة، وأسست لمدرسة خاصة حاولت دمج المقولات السياسية اليسارية في المعتقد الديني الدرزي، بما يحوّل الطائفة نفسها إلى حزب سياسي يساري تقدمي، لوضعها في سياق وطني أوسع من مفهوم الطائفة الدينية، وتبنت مفاهيم مناهضة للاستعمار والاحتلال الإسرائيلي.

أما في إسرائيل فقد سلكت الطائفة مسلكا آخر، حيث قادها زعيمها الروحي موفق طريف إلى صيغة إذعانية لدولة الاحتلال، باعتبارها السلطة الغالبة التي على الطائفة أن تتعامل معها صيانة لمصالحها، وقد قبلت الطائفة في وقت مبكر بالالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية منذ عام 1957 وأظهرت الولاء الكامل لإسرائيل في كافة المناسبات.

ومع ذلك فإن ادعاء نجاح هذه الصيغة يتعرض لتحديات بعد إقرار قانون “القومية” في إسرائيل ووصفها بأنها دولة يهودية، بما يضع الدروز في موقع مهمش ويحرمهم من كثير من الامتيازات المدنية رغم تحملهم أعباء الخدمة العسكرية.

والجدير بالذكر أن الدروز في منطقة الجولان المحتل كانت لهم مواقف مختلفة حيث رفضوا التجنس بالجنسية الإسرائيلية، مدفوعين بشعور انتمائهم لسوريا؛ مما عرضهم لتهميش وحرمان بالغ لقراهم من خطط التنمية وعوائدها.

وفي سوريا نحا الزعيم الدرزي سلطان الأطرش منحًى أكثر انتماء للدولة ورفضا للتدخلات الخارجية منذ عشرينيات القرن الماضي، وطوال قرابة قرن كامل هو عمر الدولة السورية الحالية كانت غالبية مواقف الدروز السوريين مؤيدة للوحدة ولم تسُدْ فيهم نزعات انفصالية، ولكن في الوقت نفسه كان الدروز مدافعين شرسين عن أمن الطائفة وأفرادها.

خلال اليومين الماضيين، صرح يوسف جربوع أحد شيوخ طائفة الموحدين الدروز في سوريا، قائلا: “قادرون على حماية أنفسنا بأنفسنا، ولا يوجد ما يجعلنا نطلب الحماية من أي جهة”، قد يشعر البعض بأن هذه مجرد مبالغة في سياق خطابي، لكن استقراء التجربة التاريخية للدروز في سوريا يقول إنهم فعلا لم ينتظروا قوة خارجية يومًا ما لحمايتهم!

كيف هي السويداء اليوم؟

أظهرت تداعيات ما بعد سقوط الأسد انقسامات داخل مجتمع الدروز في السويداء بين مؤيدي الفدرالية والمطالبين بوحدة سوريا، وهو انقسام شمل المرجعيات الدينية والتيارات السياسية والفصائل المسلحة.

تُعد “حركة رجال الكرامة” الفصيل الأبرز في السويداء، وقد تأسست عام 2013 بقيادة الشيخ وحيد البلعوس، في إطار معارضة تجنيد الشبان الدروز ورفض مشاركتهم في الحرب السورية، ورفع مؤسس الحركة حينها شعار “دم السوري على السوري حرام”، إضافة إلى حماية الدروز من الاعتقالات، والضغط لأجل الإفراج عن المعتقلين.

ورغم اغتياله عام 2015، استمرت الحركة في دورها الرافض للهيمنة الأمنية لنظام الأسد، وقامت تحت قيادة الشيخ يحيى الحجار بعد 2017 بتعزيز نفوذها في المنطقة، متبنيةً خطابًا يركز على الدفاع عن الهوية الدرزية والاستقلالية المحلية.

ووفقا لدراسة أعدها مركز حرمون السوري؛ تزايد نفوذ الحركة فيما بين 2018 و2022، مع توسعها في عمليات التصدي لعصابات التهريب والمجموعات الأمنية التابعة للنظام السوري، كما رفضت الحركة التدخلات الإيرانية، ودخلت في مواجهات مباشرة مع المجموعات المدعومة من حزب الله، ورفضت أي شكل من أشكال الارتباط بالمشروع الإيراني في سوريا.

وقد شهدت الحركة عدة انشقاقات، حيث برزت “قوات شيخ الكرامة” بقيادة أبناء وحيد البلعوس، واتخذت موقفًا أكثر حدة اتجاه النظام السوري وروسيا. وظهر “تجمع أحرار جبل العرب” بقيادة الشيخ سليمان عبد الباقي، الذي أدى دورًا في تنظيم الحراك الشعبي وتنسيق الاحتجاجات ضد نظام الأسد عامي 2022 و2023.

وفي 2024، ومع اقتراب سقوط النظام، ظهرت تشكيلات عسكرية جديدة مثل “درع السويداء”، الذي ركز على منع أي فراغ أمني في الجبل، و”كتيبة الفجر” التي تبنّت عمليات أمنية ضد المجموعات المدعومة من إيران وحزب الله في المنطقة.

وحاليا تتراوح مواقف الفصائل في السويداء من الحكومة الجديدة بين ثلاثة توجهات رئيسية. الأول، هو الرفض القاطع لسلطة الحكومة والسعي إلى إعادة هيكلة الحكم في سوريا وفق نظام فدرالي يمنح السويداء استقلالًا إداريًّا واسعًا.

ويعد “المجلس العسكري في السويداء” أحد أبرز الفصائل التي تبنت هذا التوجه، وقد تأسس في يناير/كانون الثاني 2025 بقيادة طارق الشوفي، وهو ناشط سياسي معروف بمواقفه الداعمة للفدرالية، ومعه العميد سامر الشعراني، الذي كان سابقًا أحد ضباط الجيش السوري قبل انشقاقه في 2018.

ويرى “المجلس العسكري” أن النظام المركزي لم يعد قادرًا على تلبية تطلعات المحافظة، ولقي هذا التوجه دعمًا سريعًا من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي أعلنت مساندتها للمجلس منذ لحظة تأسيسه.

أما الموقف الثاني، فقد تبنته الفصائل التي ترى ضرورة التعامل بحذر مع الحكومة الجديدة، مع وضع شروط تضمن عدم تكرار هيمنة دمشق على السويداء.

ومن بين هذه الفصائل “رجال الكرامة”، حيث تتبنى الحركة موقفًا يعتمد على الحفاظ على خصوصية المحافظة مع قبول التنسيق الأمني والعسكري مع دمشق، بشرط أن يكون تحت إدارة أبناء السويداء أنفسهم.

وينطبق الأمر ذاته على حركة “أحرار جبل العرب”، التي تأسست عام 2017 على أنها حركة مناهضة للتدخلات الخارجية، لكنها لا تتبنى موقفًا عدائيًّا صريحًا من النظام.

والثالث؛ هو القبول بسلطة دمشق بشرط أن لا يجري تسليم السلاح إلا بعد الاطمئنان لهيكلة وزارة الدفاع الجديدة، والدستور الجديد الذي يضمن مدنية الدولة وحقوق الأقليات، فضلا عن استبعاد العناصر الأجنبية من الوزارة، مثل موقف لواء الجبل.

وقد أفضت المفاوضات بين غرفة العمليات المشتركة في السويداء والحكومة إلى اتفاق يسمح بانضمام أبناء المحافظة إلى قوى الأمن الداخلي، على أن يكونوا من غير أصحاب السوابق الجنائية. وبناءً على ذلك، أرسلت وزارة الداخلية تسع سيارات شرطة إلى السويداء في السادس من مارس/آذار 2025، إلا أن “المجلس العسكري” حال دون دخولها.

وجاء ذلك بالتزامن مع مظاهرات دعا إليها “تيار سوريا الفدرالي”، رفعت شعارات تطالب بإسقاط النظام، وأعلنت دعمها للشيخ حكمت الهجري والشيخ موفق طريف، وهو ما زاد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في المدينة.

وإلى جانب الفصائل العسكرية؛ تباينت مواقف المرجعيات الدينية الثلاث الأبرز في السويداء (حكمت الهجري، حمود الحناوي، ويوسف الجربوع)، ليس فقط من سلطة الشرع، بل من سلطة الأسد قبل ذلك منذ عام 2022، حيث ظهر اختلاف واضح في درجة المواجهة أو التقارب مع السلطة.

كان الشيخ حكمت الهجري أكثر المرجعيات نشاطًا، من حيث التصريحات السياسية المواكبة للأحداث بعد سقوط الأسد، إذ اعتبر أن حل الفصائل وتسليم سلاحها مرتبط بإقرار الدستور وإنشاء الجيش، كما ألمح إلى أن البلاد تحتاج إلى التدخل الدولي لضمان أن تسفر العملية السياسية عن دولة مدنية.

في حين كانت مواقف كلّ من يوسف وحمود تتركز على رفض أي مشاريع انفصالية في المحافظة. وأبدى الشيخ حمود الحناوي معارضة كاملة لكل التشكيلات العسكرية والسياسية الداعية إلى الانفصال في السويداء.

ماذا عن إسرائيل؟

بالعودة إلى تقييم فرص إسرائيل في الوصول إلى تفاهم مع الدروز، فمن المرجح أن هذا قد لا يكون متاحا أمام إسرائيل في المدى القريب على الأقل.

السبت الماضي، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس بأنهما أمرا الجيش بالاستعداد للدفاع عن مدينة جرمانا السورية، موطن عدد كبير من الدروز. وفي وقت آخر من نفس الأسبوع قالت الخارجية الإسرائيلية إنها سلمت 10 آلاف حزمة مساعدات إنسانية للدروز في مناطق الاشتباك في سوريا، تضم سلعا غذائية.

وفي سياق أوسع، يبدو أن إسرائيل قد أقرت مشروعا طويل المدى لنسج علاقات قوية مع المجتمع الدرزي في السويداء، ليمثل معها أداة لمنع سيطرة قوات الحكومة السورية الجديدة على مناطق الحدود مع إسرائيل.

لكن الواقع أن التباينات داخل مجتمع الدروز، فضلا عن التجربة الطويلة للممارسات الإسرائيلية العنصرية والدموية في المنطقة قد لا تحفز مجتمع الدروز للتعاون مع إسرائيل.

وعلى الجانب الآخر؛ فإن أمام سلطة دمشق اختبار تاريخي لجمع شتات البلد الذي لم يكن تاريخه الحديث مستقرا في أغلب أوقاته.

وبعيدا عن الترتيبات الإدارية والاتفاقات السياسية التي قد يكون عمرها قصيرا؛ فإن التحدي الأكبر هو مدى قدرة السوريين على بناء عقد اجتماعي وترسيخ هوية وطنية تجمع هذا المزيج المعقد الذي يمثل الدروز واحدا من تكويناته التاريخية، بما يمثل ضمانة للأمن المجتمعي وإغلاقاً لفرص التدخلات الخارجية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

———————————

حقيقة ما جرى في جرمانا والاتفاق مع الحكومة السورية/ شام السبسبي

30/4/2025

ريف دمشق- بعد الاشتباكات العنيفة التي شهدتها مدينة جرمانا في ريف دمشق أول أمس الاثنين، اتفق مسؤولون في الحكومة السورية، أمس الثلاثاء، مع ممثلين عن المجتمع الأهلي والمحلي بالمدينة على صيغة للتهدئة ووقف التصعيد.

وقال رئيس لجنة العمل الأهلي في جرمانا، ذوقان نصر، إن الهيئة الروحية والمجتمع الأهلي في المدينة كان لديهم شرط جازم لاستيفاء حقوق أبنائها، “الذين هم جزء لا يتجزأ من الوطن”، وهو أن يكون ممثلوها حاضرين في آليات تنفيذ الاتفاق وعلى دراية بالخطوات التي تتخذها الحكومة وغيرها من الإجراءات لتأمين المنطقة.

وأكد نصر، في حديث للجزيرة نت، أن جرمانا قامت بتسليم جثامين القتلى الذين سقطوا من المسلحين ممن هاجموا المدينة للجهات المعنية، أمس الثلاثاء، عملا بالعقيدة الدينية التي تقول إن “إكرام الميت دفنه”.

جرمانا_سيارة دفن الموتى تحمل أحد الضحايا أمام مبنى لجنة وقف مدينة جرمانار – الجزيرة نت

تشييع جثمان أحد الضحايا أمام مبنى لجنة وقف مدينة جرمانا (الجزيرة)

محتوى الاتفاق

وشهدت جرمانا، صباح اليوم الأربعاء، تشييع جثامين الضحايا الذين سقطوا في الاشتباكات من أبناء المدينة وسط حضور شعبي واسع.

ولاحقا، فرضت جهات محلية في المدينة حظرا للتجول يمتد من الساعة الخامسة مساء وحتى صباح غد الخميس “حرصا على السلامة العامة”، كما تداولت مواقع إخبارية محلية الخبر، في وقت رصدت فيه الجزيرة نت عمل الفصائل المحلية على فرض الحظر بجرمانا ابتداء من الخامسة من مساء اليوم الأربعاء.

وأوضح المسؤول نصر أن الاتفاق تم بحضور كل من مسؤول الغوطة الشرقية محمد علي عامر، ووجهاء ومشايخ من مدينة جرمانا، وممثل محافظة ريف دمشق عامر الشيخ، ومسؤول الشؤون السياسية في محافظة ريف دمشق أحمد طعمة.

ونص الاتفاق على:

    ضمان إعادة الحقوق وجبر الضرر لذوي الشبان الذين ارتقوا في المدينة نتيجة الأحداث الأخيرة.

    التعهد بالعمل على محاسبة المتورطين بالهجوم الأخير وتقديمهم للقضاء.

    توضيح حقيقة ما جرى إعلاميا والحد من التجييش الطائفي والمناطقي بكل أشكاله.

    العمل على تأمين حركة السير بين محافظتي دمشق والسويداء أمام المدنيين.

حسن النية

وأضاف ذوقان نصر، رئيس لجنة العمل الأهلي في جرمانا، أن الوجهاء والمشايخ في المدينة لم يحددوا مع مسؤولي الحكومة السورية آليات جبر الضرر وإنما أبقوا المسألة “طلبا مفتوحا” من الحكومة للتعامل معه.

واعتبر أن “مبدأ حسن النية” هو الذي يحكم تطورات هذا الاتفاق، قائلا “نوايانا حسنة، ونحن منذ سقوط نظام الأسد بادرنا بمشاركات حثيثة مع جميع مكونات جرمانا كنوع من الطمأنة للجميع، وأن شعارنا هو: جرمانا للكل سلم وسلام وأمن وأمان، لا نعتدي على أحد، ولا نسمح لأحد أن يعتدي علينا”.

وشهدت المدينة اشتباكات عنيفة على مدى اليومين الماضيين أودت بحياة 8 أشخاص، وذلك على خلفية انتشار تسجيل صوتي مسيء إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، منسوب إلى أحد أبناء الطائفة الدرزية، مما أدى إلى موجة غضب واسعة بين السوريين.

وأفاد مصدر أمني، للجزيرة، بمقتل اثنين من قوى الأمن العام خلال اشتباكات اندلعت فجر أمس الثلاثاء في محيط جرمانا. وأكد أن قوات الأمن العام لم تكن طرفا فيها، لكنها حاولت فض اشتباك بين مجموعات غير نظامية.

وذكرت مصادر أمنية، للجزيرة، أن 6 عناصر من مجموعات مسلحة في جرمانا قُتلوا خلال الاشتباكات، كما أصيب أكثر من 12 آخرين.

تحقيقات جارية

بدوره، قال المسؤول الأمني في منطقة الغوطة الشرقية محمد خير تقلجي، إن “جميع من تورطوا في الدماء على خلفية أحداث مدينة جرمانا سيقدمون إلى القضاء، مهما كان انتماؤهم”. وأضاف -في تصريحات سابقة للجزيرة- أن مروجي المقطع الصوتي قصدوا الفتنة بين مكونات الشعب السوري.

وفي وقت سابق، أوضح بيان لوزارة الداخلية أن التحقيقات الأولية أشارت إلى أن الشخص الذي وُجهت إليه أصابع الاتهام لم تثبت علاقته بالتسجيل الصوتي، وأن العمل جارٍ للوصول إلى صاحب التسجيل وتقديمه للعدالة لينال العقوبة المناسبة، وفق القوانين المعمول بها في البلاد.

أما وزارة العدل فقالت إنها لن تتهاون في ملاحقة مرتكبي الاعتداءات، لا سيما تلك الموجهة إلى الرسول الأعظم. ودعت المواطنين إلى الالتزام بأحكام القانون وتجنب الانجرار إلى خطاب الفتنة والتجييش، واللجوء إلى القضاء كسبيل مشروع لمحاسبة المجرمين ومثيري الفتن.

في سياق متصل، حذر شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز يوسف الجربوع مما وصفها بالفتنة التي تعمل عليها أطراف عديدة لضرب وحدة النسيج السوري. ودعا السوريين إلى التروي وتحكيم العقل، مشددا على أن مشيخة العقل لن تقبل أي إساءة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

من جانبه، قال شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حمود الحناوي إن ما جرى في جرمانا بُني على اتهامات غير حقيقية. ودعا -في مقابلة مع الجزيرة- إلى ضرورة وأد الفتنة، وحل المشكلة بأسرع وقت ممكن.

المصدر : الجزيرة

——————————-

اشتباكات صحنايا تكشف هشاشة السلام بين الدروز والحكومة السورية

1/5/2025

شهدت منطقتا صحنايا وجرمانا بريف دمشق تحولا مفاجئا أمس الأربعاء، عندما باغتت مجموعة مسلحة عناصر الأمن العام فقتلت 16 منهم، في حين سارع جيش الاحتلال لإرسال مسيَّرات وشن غارات بحجة حماية الدروز في المنطقة.

ووفقا لتقرير أعده للجزيرة محمود الكن، فقد انقلبت هذه المجموعة على اتفاق تم قبل يوم واحد بين الحكومة السورية والدروز في هذه المنطقة، التي شهدت الثلاثاء أحداث عنف بسبب تسجيل صوتي لأحد الدروز حمل إساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

لكن مجموعة مسلحة نفذت هذا الهجوم المباغت الذي تركز في صحنايا وأشرفيتها بشكل كبير، واستهدفت عددا من المواقع التابعة للأمن العام، حسب تقرير الكن.

وسارعت قوات الأمن للتعامل مع الهجوم، فقتلت عددا من المشاركين فيه، ونفذت عملية تمشيط واسعة في صحنايا وأشرفيتها، وأعلنت -مساء الأربعاء- القبض على عدد من المسلحين وانتهاء العملية.

تدخل إسرائيلي

وبالتزامن، نفذ جيش الاحتلال غارات في محيط صحنايا، وحلقت مقاتلاته الحربية بشكل مكثف في سماء المدينة، وأعلن أن رئيس الأركان إيال زامير أصدر تعليمات بضرب أهداف تابعة للدولة السورية، إذا لم يتوقف ما سماه العنف ضد الدروز.

وسبق أن استهدفت مسيَّرات إسرائيلية تجمعا لقوات أمنية سورية على أطراف مدينة صحنايا، فقتلت عنصر أمن وأصابت آخرين، بحسب الداخلية السورية.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، سارعت الحكومة السورية لعقد اجتماع مع عدد من وجهاء المنطقة، وبحثوا أمورا منها تسليم السلاح الخارج عن الدولة، وانتقد الوجهاء ما جرى، وأكدوا أنهم جزء من النسيج الوطني.

وأعلن محافظ السويداء مصطفى البكور التوصل إلى اتفاق مبدئي يقضي بوقف إطلاق النار بمدينتي جرمانا وأشرفية صحنايا.

وأكد في بيان تشكيل لجنة مشتركة للعمل على وقف أعمال العنف، وإيجاد حلول تسهم في تحقيق التهدئة واستقرار الأوضاع في المنطقتين.

وقال البكور إن الجلسة عقدت في دمشق بحضور محافظي ريف دمشق والسويداء والقنيطرة، إلى جانب عدد من الوجهاء والشخصيات الاجتماعية.

وندد المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون بالهجمات التي تشنها إسرائيل على سوريا، ودعا إلى وضع حد فوري لها، معربا عن قلقه العميق إزاء أعمال العنف “غير المقبولة” لا سيما في ضواحي دمشق ومدينة حمص (وسط)، وكذلك التقارير التي تتحدث عن احتمالية تصعيد الوضع الهش أصلا.

المصدر : الجزيرة

———————————

بعد حادثة جرمانا.. شبح “مجازر الساحل” يطرق أبواب دمشق/ رامي الأمين

30 أبريل 2025

“ليس لك عندنا إلا السيف البتار،” يخاطب مسلح سوري ملثم، وفي يده سيف طويل، صاحب تسجيل صوتي منسوب لرجل درزي.

المسلح الذي بدا “داعشيا” بامتياز في مظهره وخطابه، وصف صاحب التسجيل الذي يتعرض فيه للنبي محمد، بأنه “عدو الله”.

لم يعرف إلى أي مجموعة مسلحة ينتمي الملثم  الذي ظهر محاطا بمجموعة مسلحين ملثمين. لكن وكالة رويترز نقلت عن مصادر سورية أن مجموعات مسلحة سنية غاضبة هاجمت بلدة جرمانا ذات الغالبية الدرزية قرب العاصمة السورية دمشق، والنتيجة مقتل أكثر من 12 شخصاً.

وقالت وزارة الداخلية السورية في بيان إنها تعمل على “تحديد هوية مصدر الصوت” في التسجيل ودعت إلى الهدوء، وحثت المواطنين على “الالتزام بالنظام العام وعدم الانجرار إلى أي تصرفات فردية أو جماعية من شأنها الإخلال بالأمن العام أو التعدي على الأرواح والممتلكات”.

الحادثة المشحونة طائفياً أعادت إلى الأذهان المجازر التي ارتكبتها قوات سورية وجماعات موالية للرئيس السوري، أحمد الشرع، ضد مدنيين علويين في الساحل السوري في شهر مارس الماضي. وقتل فيها أكثر من 1600 شخص، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وبحسب رويترز، “مثلت تلك الاشتباكات أحدث حلقة من العنف الطائفي الذي يتسبب في سقوط قتلى بسوريا، حيث تزايدت المخاوف بين الأقليات منذ أن أطاح مقاتلو المعارضة المسلحة بقيادة إسلاميين بالرئيس السابق بشار الأسد”.

ويهدد ملف الأقليات وحدة سوريا، ويطرح مخاوف من التقسيم على أساس طائفي، اذ لا تبدو الأقليات الدينية مرتاحة للنظام الجديد في الشام.

وعادت الأصوات الداعية للتقسيم لتعلو في الشمال السوري في مناطق الأكراد، على الرغم من توصل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” إلى اتفاق مع الرئيس السوري أحمد الشرع قبل أسابيع، يقضي بانضمام الميليشيا الكردية المسلحة إلى القوات النظامية السورية وتسليم المعابر والمراكز الرسمية في مناطقها لحكومة الشرع.

لكن يبدو أن هذا الاتفاق انهار بعد اجتماع عقدته الأحزاب الكردية في مدينة القامشلي نهار السبت الماضي. واعتبر مراقبون سوريون أن دفع وزارة الدفاع السورية قوات قسد إلى “سد تشرين” ربما تكون خطوة تصعيدية بعد بيان الرئاسة السورية عن إخلال قوات سوريا الديمقراطية بالاتفاق الذي وقع في شهر مارس الماضي، وأن إرسال قوات إلى السد مؤشر على بدء معركة تم تأجليها للسيطرة على السد، وهو ما يشير إلى أن الاتفاق الموقع تم إيقافه بعد بيان اجتماع الأحزاب الكردية السبت، والذي تبنت خلاله هذه الأحزاب وثيقة تدعو إلى نظام لا مركزي وحكم برلماني وضمان حقوق جميع مكونات الشعب.

هذا الأمر اعتبرته الرئاسة السورية اخلالاً بالاتفاق الموقع مع “قسد”، وأصدرت بياناً أعربت فيه عن رفضها القاطع لأي محاولات “لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”.

وأضاف بيان الرئاسة السورية، إن تحركات وتصريحات قيادة قسد تتعارض تعارضا صريحا مع مضمون الاتفاق و”تهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها”.

من جهتها، كانت الطائفة الدرزية التي تتواجد بغالبيتها في الجنوب السوري على الحدود مع هضبة الجولان، قد دخلت في نقاش الانضمام/ الانفصال عن نظام الشرع المركزي في دمشق. وقد عبّرت أطراف درزية عن رفضها الاندماج، فيما حافظت أطراف أخرى على الحوار مع الشرع، وبرزت أصوات تنادي بالانضمام إلى إسرائيل بعد ان عرضت الأخيرة تأمين الحماية للأقلية الدرزية.

وكان العضو في الكونغرس الأميركي مارلين ستوتزمان، الذي التقى مؤخّراً الرئيس السوري في دمشق، قد نقل عن الشرع أنه سيكون “منفتحاً تماماً” على التطبيع مع “إسرائيل”، وأن ما يهمه هو أن يحكم سوريا موحدة، في إشارة إلى مشاريع التقسيم أو “الفدرلة” التي تنادي بها بعض الأقليات الخائفة من الاندماج وتسليم أسلحتها للنظام الجديد.

وقد تعزز هذا الخوف أكثر بعد أحداث الساحل الدموية. ويبدو أن أحداث جرمانا تدفع بالأقليات إلى مزيد من القلق والانطواء والمطالبة بالانفصال والأمن الذاتي وعدم الاطمئنان إلى حماية الدولة لها.

ما بدا مثيراً للقلق في حادثة جرمانا هو سقوط اثنين من عناصر جهاز الأمن العام السوري في الاشتباكات، فيما أكدت وزارة الداخلية السورية في بيان وقوع “اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلحين، بعضهم من خارج المنطقة وبعضهم الآخر من داخلها. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن وقوع قتلى وجرحى، من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة”.

وتخوف ناشطون سوريون من أن تكون قوات الأمن متورطة بالحادثة، وأن تكون المجموعة المسلحة التي ظهرت في مقاطع الفيديو “تضرب بسيف أحمد الشرع”.

وقالت مصادر أمنية لوكالة رويترز إن الاشتباكات بدأت ليلا عندما تجمع مسلحون من بلدة المليحة القريبة ومناطق أخرى ذات أغلبية سنية في بلدة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية الواقعة جنوب شرقي دمشق.

ونفت وزارة الداخلية أن يكون مسلحون قد هاجموا البلدة، وقالت على لسان المتحدث باسمها إن مجموعات من المدنيين الغاضبين من التسجيل الصوتي نظمت احتجاجا تعرض لإطلاق نار من قبل مجموعات درزية.

وسط كل هذا الصخب الطائفي، أطل رامي مخلوف، ابن خال الرئيس المخلوع بشار الأسد، في منشور على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، معلناً عن تشكيل فصيل مسلح في منطقة الساحل السوري، لكنه قال، إن القوات التي حشدها “ليست غايتها الانتقام من أحد، وإنما حماية أهلنا في الإقليم الساحلي”، على حد تعبيره.

وقال مخلوف إنه عمل مع “القائد النمر” (الضابط البعثي سهيل الحسن المتهم بارتكاب مجازر) على حشد مقاتلين من النخبة، لحماية المناطق العلوية.

هكذا تجد حكومة الشرع نفسها محاصرة مجدداً بثلاث أقليات متمردة، الأكراد في الشمال الشرقي، العلويون في الساحل، والدروز في الجنوب، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل سوريا، وعما إذا كانت الأمور ذاهبة إلى مواجهات وتقسيم، أو أن للشرع خطة أخرى لإعادة الأقليات إلى “حضن الوطن”.

رامي الأمين

الحرة

———————————

 سوريا الهشة.. الدروز في عين العاصفة/ أسامة المصري

الأزمة الدرزية الداخلية مستعصية ولا حل أو ترتيب للبيت الداخلي الدرزي نظرا لتباعد المواقف المبينة على أسس مختلفة في العلاقة مع السلطة الجديدة والعلاقة مع دروز إسرائيل

1 مايو، 2025

جميعنا يعرف أن أي سلطة تأتي بعد نظام الأسد، وما خلفه من تركة ثقيلة لن تكون قادرة على خلق واقع جديد ، أو النهوض بالبلد المدمر على كافة الأصعدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وبشكل خاص الوضع الطائفي الذي أسس له الأسد الأب وعمق شروخه الابن، وكان واضحا منذ ما قبل تحرير دمشق وهروب الأسد أن الأغلبية السورية، إضافة إلى مدينة السلمية ذات الأغلبية الإسماعيلية، هم فقط من رحب بالتقدم العسكري لإدارة العمليات، ومن ثم سقوط النظام، وبينما عبر المسيحيون عن موقفهم بالصمت، لكن الطائفة العلوية، فقد كان وقع الصدمة كبير على عموم الطائفة وربما كانت الصدمة أكبر على نخبهم وبشكل خاص اليساريين، إلا أن المواطنين العاديين من أبناء الطائفة فشعروا بالخذلان من قبل الأسد الذي هرب على جناح السرعة، وهم الذين ضحوا بأرواح أبنائهم للدفاع عن نظامه، مقنعهم أن نظامه خالد إلى الأبد، إلا أن معظمهم بحسب مصادر متعددة ليس لديهم الرغبة أو السعي إلى مقاومة السلطة الجديدة، وانما يريدون العيش بسلام، فيما كان موقف الفلول واضحا برفضهم بل ومقاومتهم لهذا التغيير حتى لو استدعوا الأجنبي أي يكن، وإذا كان موقف عموم الطائفة العلوية مفهوما، فالخسارة كبيرة، والشعور بهزيمة تاريخية ليس أمرا سهلا، ولا بد من الإشارة إلى أن هناك قلة من أبناء الطائفة العلوية الذين رحبوا بسقوط النظام.

 ما يلفت الانتباه هو موقف طائفة الموحدون الدروز، فرغم أن موقفها من الثورة كان مترددا بسبب القمع العاري من قبل الأسد، وهذا كان مفهوما ومتفهما، إلا أنه كان لها مواقف مهمة وخاصة رفضهم تجنيد أبنائهم وزجهم بالقتال الى جانب قوات النظام الطائفية، الذي تحالف مع المحور الشيعي في المنطقة لتدمير وسحق الأغلبية السورية التي تدين بالمذهب السني، أضف إلى ذلك فإن هذه الطائفة وفي تطور هام خرجت في مدينة السويداء عام 2023 بتظاهرات ضد النظام وطالبت بإسقاطه على مدى أكثر من عام وتحت قيادة الشيخ حكمت الهجري وبرعايته، لكن كل شيء تبدل بالنسبة للشيخ الهجري واتباعه مع فرار الأسد وتحرير دمشق، وتوزعت مواقف هذه الطائفة بين مؤيد ومرحب وبين الحذر، والرافض، للسلطة الجديدة ورفض تسليم السلاح تحت ذرائع، عدة قد يكون بعضها مفهوما.

ورغم حضور السيد وليد جنبلاط الذي يتمتع بشعبية كبيرة لدى ابناء الطائفة الدرزية إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع، بعد أيام من تسلمه السلطة، إلا أن ذلك لم يحقق ما أراد نظرا لعدم وجود نفوذ له على الشيخ حكمت الهجري، ربما بسبب الموقف من نظام الأسد، وربما قضايا أخرى، مثلا التناغم بين الهجري والشيخ اميل طريف الذي تربطه علاقة وثيقة مع الحكومة الإسرائيلية.

ورغم أن عدة فصائل درزية مسلحة عقدت اتفاقاً مع الحكومة السورية، واستقبل الرئيس الشرع عدداً من الشخصيات السياسية والمدنية الدرزية، إلا أن الشيخ الهجري لم يتزحزح عن موقفه الرافض لأي حوار مع شروط متغيرة ومتبدلة في كل مناسبة، كان آخرها تصريحه بالقول “لسنا على توافق مع دمشق ومستعدون للقتال” .

اتخذت السلطة السورية موقف المتريث وتركت الفصائل في السويداء وامتداداتهم في ضاحية جرمانا وصحنايا للتفاهم مع القوى الرافضة أو القوى المترددة، وبات الخلاف الدرزي – الدرزي يراوح في مكانه على مدى الشهور الماضية، مع وضعية أمر الواقع للفصائل العسكرية التي اتفقت مع السلطة وكذلك الرافضة لها، ولكن فيما يتعلق برجال الدين يبدو أن الخلافات كانت أعمق مع القطيعة بين الشيخ الهجري وبقية رجال الدين الذين أبدوا موقفا مرنا أو وسطا للتعامل مع السلطة الجديدة، منطلقين من الحرص على وحدة الطائفة وتجنيبها حمام دم إذا ما حصل اقتتال داخلي بينها، أو في مواجهة محتملة مع السلطة، وكذلك اعتبارهم وحدة التراب السوري أمرا مقدسا، مع التأكيد على رفضهم القاطع بالاستقواء بالخارج والمقصود اسرائيل بالطبع، فالهجري يبدو أنه يريد أن يشكل ضاحية جنوبية كما فعل حزب الله في لبنان، وأنا أعتقد أن الأمر غير ممكن فزمن الضواحي انتهى رغم تبدل اللاعبين.

 لابد من الإشارة إلى أن النخب من أبناء الطائفة أيضا توزعت على هذه المروحة من المواقف، وبدا أنها غير فاعلة (بسبب سلطة الفصائل العسكرية وسطوة رجال الدين).

هناك عامل آخر مهم خلف موقف الفصائل العسكرية الرافضة للتعامل مع السلطة، وهو وجود أعداد كبيرة من فلول نظام الأسد الذين تجمعوا في السويداء ومحيطها ومنهم المجلس العسكري، وكذلك في جرمانا حيث أن فلول النظام أيضا تجمعت في هذه الضاحية بحسب ما أكدت مصادر أهلية عدة في السويداء وجرمانا ومناطق أخرى، فقد أكدت عدة مصادر أهلية وناشطون أن أولادهم الذين كانوا ينتمون لميليشيات إيران والدفاع الوطني يتواجدون في هذه المناطق، أضف إلى ذلك تواجد ما يسمى مجموعات من عصابات الشبيحة الذين يديرون عمليات التجارة بالمخدرات وغير ذلك.

السلطة التي تتسم بالضعف والهشاشة في العديد من الجوانب، وخاصة تجاه معالجة القضايا الخطيرة والملحة كالعدالة الانتقالية على سبيل المثال، تريثت بمسألة التوصل إلى اتفاق مع جميع المناطق ذات الغالبية الدرزية عبر زعاماتها العسكرية والمدنية والدينية، والسبب الأساسي كما أعتقد انها تلعب على عامل الزمن والمتغيرات الداخلية والإقليمية لتساهم بذلك، على طريقة حل مسألة سلاح فصيل أحمد العودة، إضافة إلى إعطاء فرصة لترتب القوى المجتمعية والعسكرية الدرزية بيتها الداخلي عبر تفاهمات تصب بمصلحة وحدة سوريا والانخراط في العملية السياسية، والتوصل إلى موقف وطني موحد، وهذا بالطبع لم يحصل لعدة أسباب أهمها سطوة الفصائل التي تأوي وتتحالف مع فلول النظام، إضافة إلى الوهم الذي انعقد على العامل الخارجي الذي اصطف الشيخ الهجري ومن خلفه ضمن هذا الموقف ونأمل أن يتغير الموقف والذهاب إلى العمل الوطني المشترك.

أخيرا بدا واضحا أن الأزمة الدرزية الداخلية مستعصية ولا حل أو ترتيب للبيت الداخلي الدرزي، نظرا لتباعد المواقف المبينة على أسس مختلفة في العلاقة مع السلطة الجديدة والعلاقة مع دروز إسرائيل من جهة، والعلاقة مع الفلول من جهة أخرى، فالجميع متمسك بمواقفه، ففصائل الفلول المسألة بالنسبة لهم حياة أو موت ولن يهادنوا أو يدخلوا في مساومة مع السلطة، وبات واضحا انهم يعيشون مع وهم الدعم الخارجي، أما بالنسبة للفصائل الوطنية التي اتفقت مع السلطة، فأيضا خياراتها محسومة في الانخراط بالحل الوطني وملتزمة بما اتفقت به مع السلطة.

 إن ما حدث خلال الأيام الماضية من أحداث واقتتال ودخول إسرائيل على الخط وبقوة، من خلال استهدافها لقوت الأمن العام، يشير بوضوح أن هناك جهة تريد افتعال أزمة ومعركة مع السلطة، فكان هذا الفيديو الذي تمت فبركته لإثارة الأكثرية السنية، وهذا ما تريده إسرائيل وفلول النظام من عصابات وقتلة ومجرمين الذين يعتاشون على الحرب والقتل، لقد بدا الشيخ الهجري كأنه مظلة لهؤلاء مع الاستقواء بالخارج، وجاء نشر الفيديو المفبرك في محاولة لنقل الخلاف الذي سميناه بالداخلي إلى صراع مع السلطة أو الأكثرية، وبالتالي خلط الأوراق الداخلية بالإقليمية وكلها لحسابات مصالح فئوية وشخصية وخدمة لأجندات ليست سورية.

الأحداث التي جرت ومحاولات بعض القوى توسيعها لمزيد من العنف مع تدخل إسرائيل والاستقطاب الطائفي من مكونات ونخب أقلوية كان له عنوان واحد هو التحريض على العنف ومزيد من القتل، في محاولة لإغراق السلطة الجديدة بمزيد من الدم، ربما ليثبتوا أن ما حدث في الساحل ليس استثناء، وهذه إن دل على شيء فإنما يدل على سلوك أقل ما يوصف به أنه غير وطني خاصة أنه تلاقى مع تدخل إسرائيل بشكل مباشر.

إن عدم إدانة هذا التدخل من قبل الشيخ الهجري، يؤكد ما لا نريد التفكير فيه حرصا على الوحدة السورية وعدم الذهاب إلى حرب جديدة الجميع سيكونوا من ضحاياها، السلطة مرة أخرى تتحمل المسؤولية الأكبر عن كل ما جرى وما قد يجري وعليها أن تقدم الحلول والمبادرات لإطفاء النار قبل أن تتحول إلى حريقا يأكل الاخضر واليابس، وكذلك القيادات المدنية والدينية ذات التأثير الأقوى ضمن الطائفة الدرزية، تتحمل مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤولية السلطة، ومطلوب الإسراع في حل هذه القضية وتسليم كل الخارجين عن القانون من فلول النظام السابق وعصابات المخدرات والمجرمين، وانهاء ما بات يعرف بالجزر الأمنية التي يسيطر عليها هؤلاء في جرمانا وبعض مناطق السويداء، وكذلك فإن من واجب الشيخ الهجري تغليب مصلحة الوطن على مصالح فئوية فإسرائيل لن تحميه وانما السوريون هم ابناءه وسوريا وطنه التي ولد فيها، وبات مطلوب من النخب الدرزية لعب دور أكبر وضاغط لسحب البساط من تحت اقدام المتحكمين بالمشهد الدرزي، بتعبيرات عملية عبر الخروج بتظاهرات تعبر عن موقفها الوطني التاريخي وإبعاد من يريدون مصادرة قرار هذه الطائفة التي كان لها دورا تاريخيا في تأسيس الكيان السوري.

العربي القديم

——————————

هوبز في دمشق.. المجزرة تبدأ بالكلمات/ صهيب عنجريني

ليس الغرض من هذه المقالة النقاش حول صحة هذه الرواية أو تلك، بل التعامل مع التصريحات الرسمية بوصفها جزءًا من “خطاب الدولة”، فيما نحن إزاء إساءة استخدام للخطاب، في سياق حروب ما دون الدولة.

مرة جديدة يجد السوريون أنفسهم أمام منعطف دموي حاد، قد تختلف مجرياته عن منعطفات سبقته. لكن مقدماته، وحتى أسبابه، قد تتشابه إلى حدّ يقارب التطابق.

في المجريات قد لا يختلف ما يدور في صحنايا كثيرًا عمّا دار في جرمانا، لكن المثالين يختلفان وربما جذريًّا عمّا شهده الساحل السوري في آذار/مارس الماضي. ومع ذلك تكاد الأجواء العامة تكون ذاتها بين تحريض وتجييش وتزايد للخطاب الطائفي، وقصور لخطاب السلطة عن الخروج من خطاب الجماعة إلى خطاب الدولة.

بينما أعمل على مراجعة خطاب السلطة الانتقالية في دمشق منذ كانون الأول/ديسمبر وصولًا إلى الهجوم على جرمانا وصحنايا في اليومين الأخيرين، قررت الاستعانة بـ توماس هوبز، وتحديدًا كتابه الأشهر “اللفياثان” الذي نُشر قبل نحو أربعة قرون.

ما دفعني نحو هوبز أنّ حضوره بات لازمة شبه ثابتة عند الخوض في نقاش يتعلق بالمرحلة السوريّة الراهنة، وإن كان هذا الحضور يكاد يقتصر على التنبيه من “حرب الكل ضد الكل” التي يحذر منها هوبز بوصفها الحالة الطبيعية التي جُبل الإنسان عليها، والخلاص منها هو في تفويض السلطة المطلقة للدولة.

تستخدم كثير من نخبنا السورية اليوم هذه اللازمة مع كل منعطف دموي تمر به البلاد، أحيانًا قبل المنعطف، وأحيانًا بعده، في دعوة غير مباشرة للخضوع بوصفه ضمانة للسلم الأهلي، مع تجاهل أن هوبز يسوق كلامه في إطار شرح ما ينبغي أن يكون عليه العقد الاجتماعي بين الرعايا من جهة، والسلطة من جهة أخرى، فيعد تنازل الرعايا نوعًا من المشاركة السياسية لأنه “طوعي”، ويؤكد في الوقت نفسه “حق الرعايا في عصيان بعض أوامر السلطة المطلقة إذا كانت تهدد حياتهم”، وبالتالي يبيح للرعايا الحق في الدفاع عن النفس ضد السلطة.

إذا أخذنا أحداث جرمانا وصحنايا مثالًا، لأنّ الدماء فيهما لم تجف بعد، وحاولنا تطبيق “المقاييس الهوبزيّة” عليهما، سنجد أنفسنا أمام سؤال مُلحّ: من هاجم من؟ وهل اشتبك أبناء جرمانا وصحنايا مع الدولة؟ أم مع مجموعات خارجة عن الدولة؟ ولنبحث معًا عن الجواب في خطاب السلطة الانتقالية (التي التبست بالدولة وتلبّستها منذ شهور).

على مدخل جرمانا، يُطالعنا مراسل لإحدى الشبكات المحليّة التي أطلقت حديثًا، ويجري لقاء مع “قائد إحدى دوريّات الأمن العام” ويسأله عمّا يحصل، ليجيبه المسؤول: “نحن إخوانكم في الأمن العام موجودون هنا لفض النزاع ما بين أهالي جرمانا وأهالي المليحة، بسبب أن أهالي جرمانا سبوا النبي وأهانوا الرسول”.

نحن إذًا ــــ وفق كلام المسؤول ــــ أمام نزاع بين طرفين لا علاقة لهما بالدولة، والأمن العام يحاول فض النزاع بينهما، لكنه في الوقت نفسه يتبنّى موقف أحد طرفي النزاع بطريقة تعميمية فاضحة: “أهالي جرمانا سبوا النبي”، في إشارة إلى تسجيل نُسب إلى أحد شيوخ طائفة الموحدين الدروز، ثم اتّضح أنه مفبرك.

يتوجب علينا أن نقول لأنفسنا هنا: “لعلّ المسؤول أساء التعبير، وليس بالضرورة أن يكون كلامه يمثل موقف الأمن العام”، ثم نبحث عن خطاب رسمي يُمثل الموقف الرسمي بوضوح، ونجد ضالّتنا في بيان صحفي صدر عن وزارة الداخلية عبر معرّفاتها الرسميّة قبل وقوع الهجوم الكبير على جرمانا.

نقرأ في التصريح تأكيدًا على أن التسجيل لا يعود للشيخ الذي نُسب إليه الكلام. هذا توضيح مهم فعلًا، لكن التصريح لا ينتهي هنا، بل يأخذ على عاتقه شكر وتقدير “المواطنين الكرام على مشاعرهم الصادقة وغيرتهم الدينية دفاعًا عن مقام النبي”. يأتي هذا الشكر برغم أن التعبير عن “المشاعر الصادقة والغيرة الدينية” إنما جاء في شكل هجوم بالأسلحة البيضاء على طلبة من أبناء السويداء في المدينة الجامعية بحمص.

نبحث عن موقف رسمي آخر، فنقع على بيان لوزارة العدل يؤكد “أهمية اللجوء إلى القضاء لمحاسبة المجرمين ومثيري الفتن”. من هم المجرمون المقصودون هنا؟ هل يُعدّ من حمل سلاحًا وهاجم الآخرين مجرمًا؟ أم أنه “مواطن غيور”؟

لا نعلم على وجه اليقين، لكن ما يؤكده البيان ذاته أن وزارة العدل “في إطار حرصها على حماية المقدسات والرموز الدينية لن تتهاون في ملاحقة الاعتداءات، خاصة تلك الموجهة إلى جناب الرسول الأعظم”.

كذلك، سنقف على بيان لوزارة الأوقاف، يردد المضامين نفسها، مع الإعلان عن تنسيق بينها وبين النيابة العامة لتحريك الدعوى العامة استنادًا إلى المرسوم 20 للعام 2022 (قانون الجرائم المعلوماتية الذي أصدره الرئيس الفار بشار الأسد).

مرة أخرى من واجبنا أن نسأل: هل قصدت “العدل” و”الأوقاف” المقدسات الدينية؟ أم المقدسات الإسلاميّة؟ هل ستلاحق من ينال من مقدّس أو رمز ديني غير إسلامي كالصليب مثلًا؟ كنيسة؟ مقام؟ وهل تقتصر صلاحية قانون الجرائم المعلوماتية على هذه الحالة فقط، ولا تنطبق على آلاف المنشورات التحريضية ودعوات الإبادة الصريحة التي يضج بها الفضاء الإلكتروني السوري، خصوصًا منذ مجازر الساحل وما رافقها من دعوات نفير شارك في إطلاقها عناصر في الأمن العام رفعوا أصواتهم طالبين الفزعة لأن “العلويين غدروا بنا” (ما أشبه التعميم هنا بـ”أهالي جرمانا سبوا النبي”)؟

ماذا عن صحنايا وما شهدته وتشهده؟ المعطيات والمعلومات كانت حتى وقت قريب تشير إلى سيناريو مشابه لما حصل في جرمانا: مجموعات (لا تنتمي للدولة) هاجمت البلدة، ووقعت اشتباكات بينها وبين مجموعات أخرى (لا تنتمي للدولة)، لكنّ تصريحات رسميّة سرعان ما حسمت الأمر، ونسبت الهجوم هذه المرة للدولة والأمن العام، واضعة إياه في سياق الرد على “مجموعات خارجة عن القانون من منطقة أشرفية صحنايا هاجمت حاجزًا يتبع للأمن العام”.

ليس الغرض هنا النقاش حول صحة هذه الرواية من عدمها، بل التعامل مع التصريح بوصفه جزءًا من “خطاب الدولة”، ما يقودنا إلى التساؤل عن تلك المجموعات التي هاجمت جرمانا سابقًا: ألم تكن مجموعات خارجة عن القانون؟ ماذا عن الطلبة الذين هاجموا زملاء لهم في المدينة الجامعية بحمص؟ ألم يخرجوا عن القانون؟ أم أن الخروج عن القانون يقتصر على مهاجمة “الأمن العام”؟  

قد يقول قائل إن طرح أسئلة من هذا النوع غير مبرّر، لكنه في الحقيقة واجب مُلح، لأن رأس السلطة الحالية سبق أن أكّد أننا على موعد مع “منطق الدولة”، ولأن كثرًا ممن هم في السلطة لم يوفروا فرصة لإطلاق تصريحات تخاطب الخارج حول مسؤولية الدولة والتزامها حماية التنوع والتعدد، ولأنّ كثيرًا من الأمثلة المشابهة قد تضعنا أمام حالة فصاميّة معقّدة، واختلافات هائلة لا بين الكلام والفعل فحسب، بل وبين كلام وكلام آخر يصدر كلّ منهما عن “الدولة” في مقامين مختلفين.

يُفصل هوبز شارحًا حالات إساءة استخدام الخطاب، فيميز بين أربع حالات أساسية هي “حين يسجل البشر أفكارهم بصورة خاطئة بسبب التباس الدلالات في كلماتهم، وبذلك يخدعون أنفسهم. الثانية عندما يستخدمون الكلمات استخدامًا استعاريًّا، أي بمعنى غير ذلك المخصص لها، وبذلك يخدعون الآخرين. الثالثة عندما يعلنون بالكلمات عما ليس بإرادتهم وكأنه كذلك. والرابعة عندما يستخدمونها ليؤذي بعضهم بعضًا”.

كذلك يميّز  بين المعركة والحرب، ويضع في خانة “حرب الكل ضد الكل” أجواء ما قبل المعركة، التي تُمهد عادة للمعارك بالسلاح، فيتحدث عن “إرادة المنازعة وخوض المعركة” بوصفها جزءًا من الحرب المُحذّر منها، وتندرج هنا إساءات استخدام الخطاب. أما أهم اقتباس أجده مناسبًا للاختتام به فقوله: “تدخل ضمن إعاقات الدولة، وفي المرتبة الأولى، تلك الناتجة من تأسيس ناقص، وهي تشبه أمراض الجسم الطبيعي الناجمة عن إنجاب سيئ”.

أوان

—————————–

اختبار دام” في صحنايا… وإسرائيل تُعقّد المشهد السوري/ صبحي فرنجية

آخر تحديث 30 أبريل 2025

تحديات مصيرية

تعيش أطراف العاصمة دمشق توترا كبيرا بفعل اشتباكات اندلعت بين الأمن العام ومجموعات محلية من جرمانا لتمتد إلى أشرفية صحناياالتي تتشابك فيها القوى المتدخلة، فمنها من ينتمي للحكومة السورية متمثلا بالأمن العام، ومنها مجموعات محلية خارجة عن إطار الدولة قوامها مدنيون محليون ومقاتلون من دير الزور ودرعا، إضافة إلى مجموعات محلية من الدروز، وما عقد المشهد في صحنايا أكثر هو ضربتان للطيران الإسرائيلي استهدفتا أشرفية صحنايا.

ارتداد الخلاف الحاصل في ريف دمشق أخذ طريقه داخليا نحو الجنوب الذي بدأ يشهد توترات واستنفارا شمل جميع القوى التابعة للحكومة، المحلية، والفصائل الموجودة في محافظة السويداء. حيث اعترضت مجموعة محلية في منطقة المطلة على أوتوستراد دمشق السويداء رتلا عسكريا يتبع لفصائل عسكرية موجودة في السويداء كان متجها نحو أشرفية صحنايا، وبحسب مصادر “المجلة” فإن المجموعة المحلية اعترضت الرتل دون وجود أوامر أو تنسيق مع قوات الحكومة السورية.

وبحسب قيادي في الأمن العام في درعا فإن الحكومة السورية استنفرت في الجنوب “خوفا من امتداد التوتر إلى منطقة درعا والسويداء”، في الوقت الذي “تعمل فيه الحكومة السورية يدا بيد مع ممثلين عن المرجعية الدينية في السويداء وممثلين عن بعض الفصائل من أجل حل الخلاف ومنع أي امتداد لحالة التوتر التي سببها تسجيل صوتي لم يُعرف من يقف وراءه”.

في غضون ذلك تحاول إسرائيل إيصال رسائل بأنها تحمي الدروز، وذلك من خلال مسيرات كانت تحوم فوق منطقة جرمانا يوم الثلاثاء 29 أبريل/نيسان، وهجمات جوية اليوم الأربعاء 30أبريل، إضافة إلى إرسال رسائل عبر الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف، الذي قال في بيان إن “الوضع تحت السيطرة”، وإن نتنياهو أصدر تعليمات متصلة بالوضع في سوريا، وأضاف أن “تغييرا قريبا سيحدث”.

في الوقت نفسه أعلن الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط اتصل بالحكومة السورية وتركيا والسعودية وقطر والأردن ضمن إطار جهود وقف النار بأشرفية صحنايا، وبحسب بيان الحزب فإن جنبلاط أكد أن معالجة الأمور ينبغي أن تتم “انطلاقا من منطق الدولة ووحدة سوريا بجميع مكوناتها”.

القصة بدأت في جرمانا

بدأ التوتر في منطقة جرمانا يوم الاثنين وذلك عقب انتشار تسجيل صوتي- قيل إنه لشيخ درزي- يتضمن إساءة للرسول الكريم محمد، وعلى الرغم من أن الحكومة السورية لم تستطع تحديد من يقف خلف التسجيل، فضلا عن أن المرجعيات الدرزية أكدت أن هذا التسجيل لا يُمثل الدروز، وأن الغاية منه نشر الفتنة بين السوريين، فإن ذلك لم يخفف من حالة التوتر الذي تحول إلى اشتباكات في مدينة جرمانا ليل الثلاثاء وتحديدا عند حاجز حي النسيم، ما أسفر عن سقوط قتيل وإصابة أربعة آخرين.

مصدر محلي في جرمانا قال لـ”المجلة” إن “الإشكالية بدأت مع محاولة مسلحين قدموا من ريف دمشق لا ينتمون للحكومة، بإطلاق رصاص في الهواء كنوع من الرد على التسجيل الصوتي، وهو ما رد عليه مسلحون في جرمانا بالرصاص، وبعد هذه الحادثة لم نعد نعلم ما الذي حصل”.

الداخلية السورية قالت إن الهجوم على جرمانا لم يكن من قبل الحكومة ولم يكن هجوما منظما، مضيفة أن ما حصل في البداية هو هجوم من قبل مجموعات محلية استهدفت احتجاجا مدنيا.

قيادي في الأمن العام قال لـ”المجلة” إن “الأمن العام تعرض لهجوم من قبل مجموعات محلية في حي النسيم”. وأضاف أنه “تقريبا” كل عناصر الحواجز التابعة للأمن العام في جرمانا “هم مقاتلون أصولهم من السويداء، لذلك لا يمكن تصديق أن يكون الأمن العام هو من بدأ بالهجوم”، وأكد أن “الدولة السورية كانت واضحة في تعليماتها لنا بعدم الاشتباك ومحاولة ضبط الأمن ومنع أي جهة من دخول جرمانا خوفا من تعقيد المشهد هناك”.

وتابع: “بذلت الحكومة السورية والمرجعيات الدرزية كلها جهودا كبيرة من أجل حل الإشكال، واجتمعوا يوم الثلاثاء في جرمانا لإنهاء الخلاف، وهذا تحقق فعلا، وتم تسليم جثث القتلى من الأمن العام للدولة السورية، وتم تشييعهم اليوم الأربعاء، التوتر في جرمانا كلف السوريين 13شهيدا للأسف”.

الاشتباكات لم تكن كثيفة في جرمانا، وذلك بسبب تدخل كل من الحكومة السورية وفصائل السويداء والمرجعيات الدينية لحل الخلاف، وفعلا اجتمع ممثلون عن الحكومة وممثلون عن الطائفة الدرزية والمجتمع الأهلي والمحلي في المدينة الثلاثاء، وبحسب الورقة التي اطلعت عليها “المجلة” فإن أبرز ما اتفق عليه الحضور هو “ضمان إعادة الحقوق وجبر الضرر لذوي الضحايا الذين سقطوا في المدينة”، إضافة إلى “التعهد بالعمل على محاسبة المتورطين بالهجوم وتقديمهم للقضاء”، و”توضيح ما جرى إعلاميا والحد من التجييش الطائفي والمناطقي”.

لم يكد يمضي على الاتفاق ساعات حتى اندلعت اشتباكات في منطقة أشرفية صحنايا التي تحتضن مزيجا من السوريين من محافظات السويداء، ودير الزور، ودرعا، ومحافظات أخرى.

قضايا متشابكة وامتداد لتوتر جرمانا

بحسب الرواية الرسمية للحكومة السورية فإن “مجموعات خارجة عن القانون من منطقة أشرفية صحنايا قامت بالهجوم على حاجز يتبع لإدارة الأمن العام مساء أمس (الثلاثاء)، ما أسفر عن إصابة 3 عناصر إصابات متفاوتة”، بحسب ما نقلت وكالة “سانا” عن مصدر أمني في دمشق، والذي أضاف أنه “بشكل متواز، قامت مجموعات أخرى في الوقت نفسه بالانتشار بين الأراضي الزراعية وإطلاق النار على آليات المدنيين وآليات إدارة الأمن العام على الطرق، ما أدى لاستشهاد 6 أشخاص وجرح آخرين”.

الإشكال في أشرفية صحنايا بحسب مصادر “المجلة” له أبعاد عديدة، أبرزها أن المنطقة شهدت عبر السنوات الماضية توترات عديدة بين مدنيين ينتمون لعشائر من دير الزور والدروز، وأن هناك احتقانا بين الطرفين تدخل الأمن العام أكثر من مرة في الأشهر الماضية لتخفيفه.

قيادي في الأمن العام قال لـ”المجلة” إن “الوضع في أشرفية صحنايا معقد أكثر من جرمانا”، موضحا أنه “على الرغم من أنه يبدو في الظاهر أن التوتر امتد من جرمانا إلى الأشرفية، فإن أسبابه الحقيقية محلية بحتة تم استغلال التوتر في جرمانا لتصفية الحسابات بينهم”، وتابع: “بحسب المعلومات فإن الخلاف بدأ بين المحليين في الأشرفية دون أن يكون للأمن العام دخل فيه، وقوات الأمن العام توجهت منذ الصباح إلى الأشرفية لضبط الأمن واعتقال كل من كانت له علاقة بالاشتباك من المدنيين بغض النظر عن انتمائه”.

الأمن العام الذي دخل إلى الأشرفية تعرض لهجمات لم يستطع تحديد من يقف وراءها، وذلك نتيجة تداخل القوى في المنطقة، خصوصا أن القوى المتشابكة في الأصل لديها سلاحها وتقيم داخل الأشرفية، وبحسب ما أعلن الأمن العام في وقت سابق اليوم فإن الاشتباكات في أشرفية صحنايا أسفرت عن سقوط 16عنصرا في صفوفه، ما اضطر الدولة السورية إلى استخدام مسيرات شاهين لمراقبة الوضع وجمع المعلومات.

وبجهود حثيثة من قبل المرجعيات الدينية في السويداء والحكومة السورية، بدأت ملامح حلحلة الأمور في الأشرفية مؤقتا ريثما يتم التعامل مع كل المهددات المستقبلية للسلم الأهلي، حيث علمت “المجلة” أن أكثر من اجتماع حصل منذ الصباح بين الحكومة السورية والمرجعيات الدينية الدرزية، في دمشق، وفي منطقة قريبة من داريا، وفي صحنايا، وبحسب المعلومات فإن الوفد القادم من السويداء وصل بحماية من قبل الأمن العام.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “المجلة” فإن الحكومة السورية لا تريد أن يمتد الصراع أكثر ويتحول إلى دوامة طائفية تقود إلى اقتتال شبيه بما حصل في الساحل، وهذا مطلب يتقاطع مع المرجعيات الدينية الدرزية والفصائل الكبرى في السويداء. المعلومات تقول إن دمشق تعلم حجم السلاح الموجود في السويداء، إضافة إلى التوتر القديم بين السويداء ومجموعات البدو هناك، ولذلك ترى دمشق أن حل الإشكال سلميا سيكون أكثر نجاعة من تطويره، خصوصا وأن إسرائيل دخلت مباشرة على الخط وتحاول تصوير نفسها على أنها حامي الدروز، وهو ما قد يُعطي دفعة نفسية لبعض القوى في السويداء للتحرك ضد الحكومة السورية عسكريا.

قيادي عسكري في درعا يقول لـ”المجلة” إن “السلاح الموجود في السويداء كبير، وهناك فصائل في السويداء تدعم الحكومة السورية، وأخرى تريد مواجهتها، والخوف اليوم أن يبدأ صراع تتعقد فيه المسببات والنتائج والقوى، لذلك من مصلحتنا جميعا عدم الانجرار لحرب بيننا لن تخدم إلا عدونا”. وأضاف أن الحكومة السورية لم ترسل أي أمر للأمن العام والجيش في الجنوب السوري لتنفيذ عمليات أمنية أو اعتقالات في الجنوب.

في السياق، نقلت وكالة “سانا” عن مدير مديرية الأمن في ريف دمشق المقدم حسام الطحان أن الأمن العام  تمكن من دخول “كافة أحياء أشرفية صحنايا”، وسنبدأ إجراءات استعادة الأمن والاستقرار للمنطقة”، مؤكدا “انتشار قوات الأمن العام في أحياء المنطقة لضمان عودة الأمن والاستقرار”.

الهدنة “المؤقتة”، بحسب معلومات “المجلة” سيتبعها جهد حثيث من قبل الحكومة والمرجعيات الدرزية الدينية والعسكرية لمنع أي محاولة أخرى من قبل “خارجين عن القانون” لزعزعة الاستقرار في سوريا، وأن الطرفين سيعملان على مواجهة أي تدخل خارجي “لا يهدف إلا لتدمير سوريا”.

إسرائيل تدخل المشهد

منذ يوم الثلاثاء تحوم مسيرات إسرائيلية فوق دمشق، بالتزامن مع التوتر الحاصلفي جرمانا، لتُصعد اليوم وتشن غارات عدة في منطقة أشرفية صحنايا، تبعه إعلان واضح أن إسرائيل تريد حماية الدورز، وتطالب حكومة دمشق بحماية الدورز.

واليوم الأربعاء شنت طائرات إسرائيلية عدة غارات استهدفت منطقة أشرفية صحنايا، الأول استهدف رتلا للأمن العام كان في طريقه إلى أشرفية صحنايا أسفر عن سقوط قتيل من الأمن العام، والثاني استهدف المنطقة أيضا وسط معلومات غير مؤكدة عن إصابات في صفوف المدنيين.

وبحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء 30أبريل/نيسان، فإن الجيش الإسرائيلي نفذ “عملية تحذيرية، واستهدف مجموعة متطرفة كانت تستعد لشن هجوم على السكان الدروز في بلدة صحنايا، في محيط دمشق بسوريا”. واعتبر أن هذا الهجوم “رسالة حازمة إلى النظام السوري”، وأن إسرائيل “تتوقع” من الحكومة السورية “التحرك لمنع الإضرار بالطائفة الدرزية”.

الضربات الإسرائيلية والتصريحات التي تبعتها لم تكن جديدة، حيث قال نتنياهو أكثر من مرة إن “الجيش الإسرائيلي ملتزم بحماية الدروز”. وفي مطلع شهر مارس/آذار الماضي قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن إسرائيل ستتدخل عسكريا في سوريا “إذا أقدم النظام على المساس بالدروز في ضاحية جرمانا جنوب شرقي دمشق”، وذلك بالتزامن مع توترات شهدتها جرمانا بين الأمن العام ومقاتلين دروز انتهت باتفاق بين الطرفين. في مقابل ذلك كانت المرجعيات الدرزية الدينية في سوريا، وفصائل في السويداء، أكدت أكثر من مرة أن دروز سوريا هم جزء من النسيج السوري، وأنهم ليسوا بحاجة لحماية خارجية.

وعلى الرغم من أن الحكومة السورية والمرجعيات الدرزية في سوريا يبذلون كل جهد لتوحيد الصف السوري، فإن عوامل الانقسام موجودة، فمن ناحية هناك جزء من الدروز يبحث عن الحماية الإسرائيلية، ومن ناحية أخرى ما زالت الدولة السورية تبني قدراتها لضبط السلاح المنفلت والذي قد تستخدمه قوى غير منضبطة لتنفيذ هجمات على الدورز أو غيرهم، في محاولة لزعزعة الاستقرار. والأمن العام يعلم ذلك، ويرى- بحسب أحد قادته- أن ما يحصل اليوم قد يتكرر، وقد تزداد شدته، لذلك علينا التعاون كسوريين بغض النظر عن انتمائنا”.

المجلة

—————————

وزير الإعلام السوري: أحداث ريف دمشق تعكس توترات المرحلة الانتقالية

أكد أن خطاب الدولة لا يميّز بين أكثرية وأقلية… وقتيلان في غارة إسرائيلية على أشرفية صحنايا

دمشق: «الشرق الأوسط»

30 أبريل 2025 م

أكد وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى اليوم الأربعاء، أن خطاب الدولة لا يميز بين أكثرية أو أقلية بل يقوم على المواطنة، وذلك بعد أحداث عنف طائفية دموية في ريف دمشق.

ولقي العشرات حتفهم في جرمانا وصحنايا بريف دمشق يومي الثلاثاء والأربعاء إثر مواجهات بين مسلحين مسلمين ودروز بعد انتشار مقطع صوتي يتضمن إساءة للنبي محمد.

وقال وزير الإعلام في مقابلة مع «تلفزيون سوريا»، إن أجهزة الدولة السورية سعت إلى حماية السكان داخل جرمانا وخارجها من أي اعتداء، مؤكدا أن العنف في المدينة طال أيضا أفراداً من إدارة الأمن العام.

وأضاف المصطفى أن أحداث العنف التي شهدها ريف دمشق «تعكس توترات المرحلة الانتقالية». وأكد أن قوات الجيش والأمن العام سيطرت على منطقة أشرفية صحنايا بعد أحداث العنف التي تسببت في مقتل 16 على الأقل، بحسب وسائل إعلام سورية.

إلى ذلك، قتل شخصان جراء غارة شنّتها إسرائيل على منطقة صحنايا قرب دمشق أثناء اشتباكات بين مسلحين مرتبطين بالسلطات وآخرين من الدروز في بلدة صحنايا، بحسب ما أفاد مسؤول محلي اليوم الأربعاء.

ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، قال محافظ ريف دمشق عامر الشيخ خلال مؤتمر صحافي «قام طيران الاحتلال الإسرائيلي خلال هذه العملية… باستهداف إحدى دوريات الأمن مما أدى لمقتل أحد عناصر الدورية وأحد أهالي بلدة أشرفية صحنايا» وجرح آخرين.

وأفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) في وقت سابق اليوم، نقلا عن مدير الأمن في ريف دمشق بانتهاء العملية الأمنية في منطقة أشرفية صحنايا بعد أحداث عنف أسفرت عن سقوط قتلى.

ونقل «تلفزيون سوريا» عن مصدر عسكري قوله إن قوات الجيش السوري والأمن العام تسيطر على كامل منطقة أشرفية صحنايا في ريف دمشق، مضيفاً أن قوات الأمن العام اعتقلت عددا من «المسلحين الخارجين عن القانون» في صحنايا لتقديمهم إلى المحاكمة.

وذكرت وسائل إعلام سورية أنه جرى التوصل إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار في جرمانا وصحنايا «وتحديد خطوات عملية لتحقيق التهدئة في المنطقتين».

وفي وقت سابق وصل وفد من مشايخ محافظة السويداء وزعماء من الطائفة الدرزية إلى صحنايا في محاولة لاحتواء التوتر.

واندلعت أعمال عنف طائفية في منطقة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية بالقرب من دمشق أمس الثلاثاء بين مسلحين دروز ومسلمين سنة أسفرت عن مقتل 12، بحسب وسائل إعلام سورية.

وامتد العنف إلى صحنايا ذات الأغلبية الدرزية أيضا، وذكرت وسائل إعلام سورية أن 16 لقوا حتفهم اليوم الأربعاء بعد هجوم مسلح استهدف مقرا للأمن العام. وأفاد «تلفزيون سوريا» في وقت لاحق بمقتل اثنين من أفراد الأمن العام برصاص «مجموعات خارجة عن القانون» قرب طريق سريع يربط بين السويداء ودرعا في جنوب البلاد.

وقالت وزارة الداخلية السورية إن العنف اندلع بعد تداول تسجيل صوتي يتضمن إساءة للنبي محمد، مشيراً إلى أنها تحقق في مصدره.

وأكدت سوريا التزامها بحماية الأقليات، بما في ذلك الطائفة الدرزية.

وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان إنها ترفض بشكل قاطع جميع أشكال التدخل الخارجي «وتعتبر الدعوات التي أطلقتها جماعات خارجة عن القانون، شاركت في أعمال عنف على الأراضي السورية، للمطالبة بما يسمى ‘حماية دولية’، دعوات غير شرعية ومرفوضة بشكل كامل».

وأضافت «تؤكد الجمهورية السورية التزامها الراسخ بحماية جميع مكونات الشعب السوري دون استثناء، بما في ذلك أبناء الطائفة الدرزية، التي كانت ولا زالت جزءا أصيلا من النسيج الوطني السوري».

———————–

سوريون بعد أحداث صحنايا وجرمانة: “المتغطي بإسرائيل عريان

1/5/2025

شهدت الساحة السورية أمس الأربعاء جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، إثر الأحداث التي اندلعت في منطقة أشرفية صحنايا ومدينة جرمانا بريف دمشق، وهما منطقتان تقطن فيهما الطائفة الدرزية.

جاءت هذه الأحداث على خلفية هجوم مسلحين على عناصر الأمن السوري، حيث سارعت الحكومة السورية إلى دخول أشرفية صحنايا بهدف بسط سيطرتها على المنطقة ونزع السلاح من أيدي المسلحين، لكن الأمر تطور مع تدخل الطيران الإسرائيلي، وفقا لمقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل، والتي أشارت إلى تأييد الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، لهذا التدخل.

ووجه مغردون انتقادات لاذعة للشيخ موفق طريف والشيخ حكمت الهجري، معتبرين أن مواقفهما ساهمت في محاولة تأجيج الفتنة داخل سوريا.

وقد استُخدمت عبارة شائعة للتعبير عن ذلك: “المتغطي بإسرائيل عريان”، في إشارة إلى ما وصفه المغردون بمحاولة استغلال الطائفة الدرزية لتحقيق أجندات خارجية.

وأفاد محللون أن الهجوم الإسرائيلي على صحنايا يأتي ضمن مشروع أكبر يراد فرضه على سوريا، هدفه ليس حماية الدروز بل توظيفهم لخدمة أهداف التقسيم.

وأكد هؤلاء أن تقسيم سوريا لا يزال هدفا إسرائيليا جوهريا، وأن الحديث عن كيان درزي عازل ليس سوى بداية لمخطط أكبر يجب إفشاله، مؤكدين أن هذا التقسيم ليس خيارا لأبناء سوريا.

وأشار مستخدمون إلى أن المشكلة في مناطق السويداء وجرمانا وصحنايا ليست بطبيعتها دينية أو طائفية بين السنة والدروز، وأوردوا أنه لو كانت المشكلة دينية، لكانت هناك هجمات واسعة على قرى الدروز في إدلب أو القنيطرة، لكن ذلك لم يحدث.

وأكدوا أن ما يجري يعود إلى تراكمات اجتماعية واقتصادية وأمنية فاقمتها مواقف وتصريحات صدرت عن بعض الشخصيات، مثل الشيخ حكمت الهجري، والتي أثارت غضب بعض السوريين.

وأبدى مغردون استياءهم من تدخل إسرائيل في الأحداث الأخيرة، معتبرين أن هذا التدخل لا يمثل صورة الطائفة الدرزية التي نجحت على مدى 100 عام في سوريا برسم صورة مثالية لطائفتها.

وأشاروا إلى أن الدروز اشتهروا بتاريخهم الوطني المخلص، وصفاتهم كـ”المسالمة، الطيبة، الكرم، الشهامة، والمعاداة الشديدة للأجنبي”، فضلا عن علاقاتهم الجيدة مع الأغلبية السنية وبقية المكونات السورية.

ورأى المغردون أن رفع السلاح ضد الدولة السورية بدعم إسرائيلي يضر بصورة الطائفة ويناقض إرثها الوطني.

كم أشاد بعضهم بالدور الذي لعبه شيوخ العقل، مثل الشيخ حمود الحناوي والشيخ يوسف الجربوع، وقائد قوات “شيخ الكرامة” ليث البلعوس، في التحرك السريع لإخماد نار الفتنة.

كما أشادوا بحضورهم اجتماعا شهده محافظ ريف دمشق ومحافظ السويداء والقنيطرة، بهدف التوصل إلى تسوية تنهي حالة التوتر في منطقتي جرمانا وصحنايا.

وعبّر مغردون عن أهمية رفض كل أشكال التحريض الطائفي، وطالبوا بالتبليغ عن أي حساب على منصات التواصل يروّج للفتنة، أو ينشر خطابا مسيئا يمس الكرامات أيا كان الدين أو الطائفة.

كما شددوا على ضرورة التمييز بين النقد المشروع والخطاب الطائفي، حيث يمكن انتقاد أفعال شخصيات أو جهات مثل حكمت الهجري أو حزب العمال الكردستاني “بي كيه كيه” (PKK)، دون أن يتحول ذلك إلى إساءة جماعية لطائفة أو عرق أو منطقة.

وأشاروا إلى أن الإدانة الأخلاقية تكمن في تعميم الإساءة على جماعة بأكملها، وهو سلوك مرفوض يجب الامتناع عنه.

ودعا مغردون السوريين إلى الابتعاد عن الخطابات التي تحمل شحنا طائفيا، مؤكدين أن وحدة السوريين هي السبيل الوحيد للخلاص من الدمار والخراب الذي خلفته الحرب.

وأثارت المشاهد التي أظهرت وجود أسلحة ثقيلة في أيدي المجموعات المسلحة في صحنايا تساؤلات عدة، حيث تساءل مغردون عن مصدر هذه الأسلحة والأطراف التي تقوم بتمويل وتسليح هذه المجموعات.

وفي الوقت ذاته، أشاد مواطنون بالدعم الشعبي الواضح للدولة السورية والجيش والقوات المسلحة في مواجهة الخارجين عن القانون. وأكدوا أن الابتعاد عن الطائفية هو أكبر دعم يمكن تقديمه للدولة ولمستقبل سوريا.

وشددوا على أن زمن الاصطفاف خلف الطائفة قد انتهى، وشددوا على أهمية بناء دولة المواطنة التي تقف على مسافة واحدة من جميع أبنائها، دون منح امتياز أو خصوصية لطائفة أو عرق على حساب الآخر.

——————————-

رواية الفتنة والاشتباك المذهبي في جرمانا… و”الأيادي الخفيّة المشبوهة”/ جاد ح. فياض

مصادر أهليّة في جرمانا روت لـ”النهار” تفاصيل الاشتباكات التي حصلت.

بلغ التوتر في سوريا ذروته فجر الثلاثاء، مع هجوم مسلّح شنّته جماعات متشدّدة على مدينة جرمانا، بعد سلسلة من الأحداث التي حملت في طياتها أبعاداً سياسية مشبوهة. الحدث الأول كان زيارة وفد مشايخ درزي كبير لمقام النبي شعيب في الداخل الإسرائيلي، والثاني كان انتشار مقطع صوتي مسجّل حمل إساءات للنبي محمد، ونُسب إلى الشيخ الدرزي مروان كيوان.

كيوان نفى مسؤوليته، ووزارة الداخلية السورية توصّلت من خلال تحقيقاتها الأولية إلى أنّ التسجيل مفبرك ولا يعود لكيوان، وقد تقاطعت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في جرمانا مع هذه الأجواء ومعها فعاليات سياسية واجتماعية درزية، فكانت فرضية سعي جهات معلومة مجهولة إلى إثارة فتنة مذهبية في سوريا وسيناريوات دموية.

رواية لما حصل

مصادر أهلية في جرمانا روت لـ”النهار” تفاصيل الاشتباكات التي حصلت، وقالت إن إدارة الأمن العام بلغتها معلومات عن توجّه مجموعات مسلّحة متشدّدة إلى المنطقة لمهاجمتها، ردّاً على الإساءة المزعومة للنبي، فقامت بتحصين مواقعها واستقدام التعزيزات، مع ضرورة الإشارة إلى أن عناصر الأمن العام في جرمانا هم من أبناء المنطقة الدروز ومن مذاهب أخرى من خارج المنطقة.

أقفل الأمن العام مداخل المنطقة لمنع المسلحين من الدخول إليها، وحينما وصلت المجموعات المتشدّدة، وقعت اشتباكات، ما أدّى إلى سقوط قتلى من الطرفين، وتدخّل مسلحون من أبناء منطقة جرمانا فقاتلوا ضدّ الجماعات المسلّحة، وتصاعدت حدّة الاشتباكات ورصد إطلاق قذائف هاون، وفق ما تشير المصادر الأهلية في المنطقة.

هذه الرواية أكّدتها الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في جرمانا، التي أشارت في بيانها إلى أن “غالبية الذين سقطوا من أبناء المدينة هم من المنتسبين إلى الأمن العام”، واستكملها بيان وزارة الداخلية التي رفضت فيه هذه التصرفات “التي من شأنها الإخلال بالأمن” ودعت إلى الالتزام بالنظام العام، وبصورة أوضح، فإن الأمن العام وأهالي جرمانا كانوا في صف واحد ضدّ الهجمات المسلّحة.

قراءة سياسية

في قراءة سياسية لما حصل، يرى الناشط الاجتماعي في جرمانا فؤاد منذر أن “أياديَ تعمل في الخفاء” ولديها مصالح ومشاريع مستقبلية فبركت التسجيل الصوتي لتعميق الحقن الطائفي الذي “تصاعدت حدّته بعد الإشكالات المشبوهة التي حصلت وزيارتي المشايخ الدروز لإسرائيل”، التي يشير إليها كـ”قوة كبرى في المنطقة” لديها مصلحة في الدفع نحو التقسيم على قاعدة “فرّق تسد”.

وفي معرض حديثه عن دور السلطات الانتقالية السورية في ما حصل، يشير في حديث لـ”النهار” إلى أن الأمن العام موجود عند مداخل جرمانا بتوافق مع أهالي المنطقة وبأمرة وزارة الداخلية، ويضمّ عناصر دروزاً وغير دروز، وقد نصب الحواجز وأقفل مداخل المنطقة منعاً من دخول المسلحين الذين اشتبك معهم، وكان حريصاً على تطويق الأحداث.

مسؤولية ما حصل تتوزّع على طرفين رئيسيّين وفق مصادر متابعة، الطرف الأول هو الدولة وأجهزتها الأمنية التي من المفترض أن تنهي حالة الجماعات المسلّحة والمتفلّتة وتضمن الأمن السوري، والمسؤولية الثانية تقع على عاتق أولئك الذين يقومون بممارسات تعمّق الشرخ الداخلي المذهبي، من خلال الدعوة للانفصال عن سوريا وإعلان دولة درزية أو الانضمام إلى إسرائيل ونطاق أمنها.

بتقدير منذر، فإنّ الحلّ الجذري يكون باتخاذ الأجهزة المختصة الرسمية إجراءات لإنهاء حضور الجماعات المسلّحة، ومحاسبة كلّ من ارتكب انتهاكات في الساحل والجنوب، لإنهاء حالة الغليان الحاصلة في سوريا. وتضيف مصادر إلى ذلك وجوب وقف جزء من الدروز زياراتهم لإسرائيل والانجرار خلف المشاريع التقسيمية.

في المحصّلة، فإنّ حالة الغليان مستمرّة في سوريا، والعين على المستفيد الأكبر من استمرار التشقّقات والانقسامات وإثارة الفتن لتعزيز واقع التشرذم، إضافة إلى المشروع الاستراتيجي المرسوم لسوريا، والقائم على الدويلات المذهبيّة المتناحرة.

النهار العربي

————————–

استطلاع رأي حول التطبيع: 40 بالمئة من السوريين يؤيدون التطبيع مع إسرائيل

قال “المركز السوري لدراسات الرأي العام” (مدى) إن 60 بالمئة من السوريين يتوقعون إعلان معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل مستقبلًا، وإن 40 بالمئة يؤيدون التطبيع مع إسرائيل.

وأصدر “مدى”، وهو مركز بحثي مستقل أسسه أكاديميون وصحفيون وناشطون، تقريراً يتضمن نتائج استطلاع للرأي شارك فيه 2550 من السوريين في عموم المحافظات، بعنوان “نحو التطبيع.. آراء وتوقعات السوريين حول توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل”.

ووفقاً للمناطق السورية، فقد أبدت محافظتا السويداء والقنيطرة نسبًا مرتفعة في تأييد وجود اتفاقية سلام مع إسرائيل، مقابل تراجعها في درعا وبقية المحافظات.

 وأرجع المركز ارتفاع التأييد في المحافظتين إلى تعالي خطاب حماية الأقلية الدرزية من قبل إسرائيل في مرحلة ما بعد سقوط الأسد، والعبء الذي يتحمّله أهالي محافظة القنيطرة، كونهم على تماس مباشر مع القوات الإسرائيلية التي تنفذ توغلات عسكرية دون رادع لها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

وأشار الدكتور حسام السعد، رئيس مركز “مدى”، إلى أن الاختلاف في آراء العينة شمل أيضاً كلاً من القومية والديانة والطائفة، فعلى مستوى القومية، كان المكوّن الكردي، من عينة الدراسة، هو الأكثر تأييدًا لوجود معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل، وكان المسيحيون أكثر تأييدًا لمعاهدة سلام، فيما كانت الطائفتان الإسماعيلية والعلوية أكثر تأييدًا لمعاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل، مقابل المكوّن السني في عينة الدراسة.

وأسند “مركز مدى” ارتفاع نسبة العلويين والدروز المؤيدين لاتفاق التطبيع مع إسرائيل، إلى الخطاب الدعائي الذي صدّرته إسرائيل حول حماية الأقليات.

ووفقاً للتقرير، فقد ربط غالبية السوريين بين الاستقرار والازدهار الاقتصادي في سوريا والتطبيع مع إسرائيل، حيث رأى أكثر من 70 بالمئة أن التطبيع سوف يعمل على “قدوم الاستثمارات العربية والدولية إلى سوريا”، وبالتالي “تحسّن الوضع الاقتصادي”.

ومن الناحية الأمنية، اعتبر أكثر من نصف السوريين أن التطبيع سيؤدي إلى انتهاء الحروب في المنطقة، وتحسن الوضع الأمني في سوريا.

ورغم التوجه الكبير والتحول في آراء السوريين تجاه إسرائيل والموافقة على عقد اتفاقية سلام، إلا أنهم اعتبروها الدولة الأكثر خطراً على بلادهم، تليها إيران والولايات المتحدة وروسيا، وهذا يفسر أن قرار الاتجاه نحو تأييد السلام معها يأتي من باب درء المخاطر، لا سيّما أنها على تماس مباشر مع سوريا بشكل عام، وبعض المحافظات السورية الحدودية على وجه الخصوص.

وجاءت المملكة العربية السعودية كأقل البلدان خطراً على سوريا.

——————————-

جنبلاط: أتباع الشيخ طريف يريدون توريط دروز لبنان وسوريا

الأربعاء 2025/04/30

حذّر رئيس الحزب التقدميّ الاشتراكيّ السّابق وليد جنبلاط، في كلمةٍ ألقاها عقب الاجتماع الاستثنائيّ للمجلس المذهبي الدرزيّ، من “التدخّل الإسرائيليّ”، مؤكّدًا أنّ “أتباع الشيخ موفق طريف يريدون توريط دروز لبنان وسوريا لمحاربة جميع المسلمين”. وشدّد على أنّه “نرفض استخدام دروز سوريا من قِبل إسرائيل، وحفظ الإخوة يكون بإسكات بعض الأصوات الداخليّة التي بدأت تستنجد بإسرائيل”.

وعبّر جنبلاط عن رفضه القاطع لأيّ إهانةٍ للرسول الكريم، مدينًا هذا التصرّف، وداعيًا إلى التهدئة والحوار في ضوء التطوّرات الأخيرة. كما طالب السلطاتِ السورية بإجراء تحقيقٍ شفاف في أحداث جرمانا، معلنًا استعداده للذهاب إلى سوريا ومجدّدًا رفضه لأيّ تدخّلٍ إسرائيلي هناك، ومحذّرًا من محاولات تل أبيب استغلال الطائفة الدرزيّة لإشعال فتنةٍ داخليّة. كذلك دعا إلى تشكيل لجنةٍ للتواصل مع جميع الأطراف بغية العمل على حلّ الأزمة السورية.

وفي سياقٍ متصل، أفادت معلوماتٌ صحافيّة عن “قطع الطريق العام في عاليه احتجاجًا على الأحداث التي تشهدها مدينة جرمانا السّوريّة”.

أبي المنى: مخططات لضرب سوريا

من جهته، حذّر شيخُ العقل لطائفة الموحّدين الدروز، الشيخ سامي أبي المنى، من “مخطّطات لضرب أبناء الوطن الواحد في سوريا”، داعيًا إلى “الحكمة والتبصّر بعواقب الأمور ولملمة الوضع الحاصل وجمع الشمل”. وجاء كلامه خلال لقاءٍ روحيّ وشعبيّ عُقِد في مقام الأمير السيّد عبد الله التنوخي في عبيه، استنكارًا للأحداث الدامية التي تتعرّض لها طائفةُ الموحّدين الدروز في جرمانا وأشرفية صحنايا، بمشاركة الشيخ القاضي نعيم حسن ولفيفٍ من المشايخ.

وبعد تلاوة الفاتحة على أرواح الشهداء، قال أبي المنى: “نتواصل مع إخوتنا لحظةً بلحظة للوقوف على حقائق الأمور التي تسارعت بشكلٍ كبير، ما يدلّ على وجود شحنٍ في النفوس ونوايا مبيّتة ومخطّطات مشبوهة يجب أن نكون واعين لها”. وأضاف: “إذا كان تسريبُ كلامٍ مسيء بحقّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قد ظهر وكأنّه صادرٌ عن مرجعيّةٍ روحيّة، فهذا مرفوض إطلاقًا ويؤكّد أنّه مدسوس في إطار مخطّطٍ لضرب أبناء الوطن الواحد بعضهم ببعض”.

وأكّد أبي المنى أنّ “العقل يجب أن يقودنا إلى الحكمة ولملمة الوضع وجمع الشمل”، مذكّرًا بأنّ “ما يحصل في السويداء أو الغوطة أو الإقليم يعنينا مباشرةً، فنحن أبناء طائفةٍ إسلاميّةٍ موحّدة في لبنان وسوريا وفلسطين”. وتابع: “لا يجوز أن نقطع الطرقات أو نعتدي على أحد؛ هذا خطّ أحمر. يجب أن تبقى رايةُ الموحّدين مرفوعةً بكرامةٍ وأخلاق، بعيدًا من الانجرار وراء الفتن”.

وأشار إلى أنّه على تواصلٍ دائم مع القيادات السياسيّة، بما فيها وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان، ومع المسؤولين السوريين وغيرهم من المرجعيّات الدينيّة في المنطقة، محمّلًا الجميع مسؤوليّة تدارك الفتنة. وختم بالقول: “لقاؤنا اليوم لتأكيد الوحدة ورفع الصلاة؛ فأمضى سلاحٍ هو وحدتُنا وبركةُ مشايخنا ودعاؤهم”.

————————–

بيان حول الأحداث الأخيرة في جرمانا

تتعرض سورية منذ سقوط النظام البائد وحتى اليوم، إلى استهداف منظّم من قبل قوىً داخليةٍ وخارجية، تسعى لإثارة الفتن والأحقاد الطائفية بين أبناء الشعب السوري، في سعيٍ حثيث لزعزعة الاستقرار، وخلق انفلات أمني، يُراد به تفجير حرب أهلية بين السوريين، وإن ما جرى ويجري في مدينة جرمانا؛ لهو مثالٌ حاضر على هذا الاستهداف.

وهو أيضاً؛ تجسيد لصراع خفي على السلطة، بين تيار رئيس المرحلة الانتقالية؛ السيد أحمد الشرع – الساعي لبناء الدولة الوطنية – والفصائل الإسلامية المتطرفة المسلحة، التي تسعى لفرض أجندتها الإسلامية المتطرفة على المجتمع السوري، وتريد اليوم توجيه رسائل نارية إلى الشرع لإثبات قدرتها على زعزعة الأوضاع الداخلية عبر التجييش الطائفي، بتوظيف تسجيلٍ صوتي مفبرك، يسيء إلى الرسول الكريم محمد(ص)، وإثارة الهيجان الطائفي في عدد من المدن السورية، كان آخرها الهجوم المسلح على مدينة جرمانا.

الأمر الذي يوجب على العقلاء والوجهاء والقوى الروحية والوطنية ؛ الجنوح نحو التهدئة، وتنبيه الناس إلى خطورة الانجرار نحو خطاب طائفي قد يهدد وحدة الشعب السوري، وثورته الطامحة لاستكمال مهامها في بناء الدولة الوطنية.

نحن في حزب الشعب الديمقراطي السوري ندين وبشدة؛ الاعتداء على مدينة جرمانا التي يشكل سكانها نموذجاً للعيش المشترك بين السوريين، كما وندين قتل المدنيين وعناصر الأمن العام أثناء تصديهم للمعتدين الذين حاولوا اقتحام المدينة، ونعزي أهالي الشهداء ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى.

إن إعادة بناء الدولة الوطنية هي مهمة جميع السوريين، لذلك يتوجب على الحكومة الانتقالية تحمّل مسؤولياتها في تأمين احتياجات الناس المعيشية والخدمات والأمن والاستقرار، وكذلك السير بخطوات عملية جادّة نحو العدالة الانتقالية. كما يتوجب على المؤسسات الأمنية والعسكرية تحمل مسؤولياتها في حماية البلاد من الأخطار الداخلية والخارجية، وإنهاء العمل الفصائلي وإخراج الفصائل الأجنبية من سورية، كما وُينتظَر على وجه السرعة من مجلس الإفتاء الأعلى إصدار فتوى تحرم سفك الدم السوري، والعمل على منع ترويج الخطاب الطائفي عبر مؤسساته.

إنّ ما سبق ذكره، ليس سوى خطواتٍ ضرورية، لتحصين أوضاعنا الداخلية، والسير ببناء الدولة الوطنية إلى الأمام، وصولاً إلى الدولة الديمقراطية، دولة المؤسسات والمواطنة، دولة الحق والقانون والحريات والتنوع الثقافي.

دمشق 29 / 4 / 2025

مكتب الإعلام المركزي

حزب الشعب الديموقراطي السوري

————————

مسد” يدين التصعيد في جنوب دمشق ويحمّل الحكومة مسؤولية تفاقم العنف

1 مايو 2025

أدان مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، أحداث العنف الدامية التي شهدتها مناطق مختلفة في جنوب دمشق خلال الأيام الماضية، محملًا الحكومة المسؤولية الكاملة لتفاقم العنف في سوريا.

وأشار “مسد” في افتتاحية بيانه إلى أنه “يتابع ببالغ القلق والحذر التصعيد العسكري الخطير الذي تشهده منطقتا أشرفية صحنايا وجرمانا بريف دمشق”، محذرًا من “توسع دائرة العنف في قلب العاصمة السورية”.

وأكد “مسد” في بيانه إدانته “بأشد العبارات أعمال القتل والترويع وخطاب الكراهية والتحريض الطائفي”، داعيًا “جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار وتهدئة النفس”، محملًا الحكومة السورية “المسؤولية الكاملة عن تفاقم الأوضاع”.

وشدد “مسد” في بيانه على أن “الاستخدام المفرط للقوة سيوصل سوريا إلى حافة الانهيار، وسيزيد من اتساع الهوة التي خلقها النظام البائد بين أبناء الشعب السوري الواحد”.

وأضاف “مسد” في البيان أن هذه السياسات “ستفسح المجال الأوسع للتدخلات الخارجية، وخاصة تلك الجهات التي تستهدف أمن واستقرار البلد، وتسعى إلى الهيمنة على سوريا وتجريدها من وحدتها وسيادتها”.

وطالب “مسد” في بيانه الحكومة السورية بـ”ضبط الأمن ووقف الأنشطة والأعمال العدائية الجارية، وتجفيف منابع التحريض الطائفي وخطاب الكراهية”.

وأكد “مسد” في نهاية بيانه على ضرورة الإسراع في عقد مؤتمر وطني جامع للسوريين لـ”تصحيح مسار العملية الانتقالية بأكملها ووضع دستور وطني ديمقراطي عصري يليق بالتضحيات العظيمة التي قدمها السوريون، ويعبر عن تطلعاتهم، ويصون حقوقهم، ويؤسس لدولة المواطنة والعدالة”.

وكانت فصائل عسكرية عديدة متشددة، بلا مسميات واضحة إلى الآن، قد شنت ليلة 29 – 30 نيسان/أبريل، هجومًا عنيفًا على بلدة أشرفية صحنايا، التي تقطنها أغلبية من الطائفة الدرزية. وبحسب مصادر من أهالي البلدة، فقد شوهد مقاتلون أجانب بين المهاجمين الذين استخدموا قذائف الـ”آر. بي. جي”، ورشاشات “بي كي سي”، و”دوشكا”، إضافةً إلى الأسلحة الخفيفة

وجاء هذا التصعيد في صحنايا عقب اشتباكات مماثلة في منطقة جرمانا المجاورة لدمشق، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا، بينهم ثمانية من المقاتلين الدروز وتسعة عناصر مرتبطين بالقوات الحكومية، وفقًا لما أفادت به وكالة الأنباء الفرنسية، مشيرةً إلى أنه تم، اليوم الأربعاء، تشييع المقاتلين السبعة في جرمانا، فيما رفع بعض المشاركين راية الدروز الملونة ورددوا هتافات عدة، من بينها “عز البلاد رجالها”.

وتعد هذه الأحداث تتويجًا دمويًا لحالة من التجييش الطائفي والاحتكاكات المتنقلة بين عدد من المناطق والمحافظات. ورغم أن الشرارة الأولى تمثلت في تسجيل صوتي مسيء للرموز الإسلامية، نسب إلى أحد أبناء الطائفة الدرزية، فإن كثيرين يرون أن المسألة تجاوزت ردة الفعل باتجاه الاستهداف المنظم.

———————————-

============================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى