حملة رقمية بلباس طائفي.. “عربي بوست” يكشف كيف أجّجت شبكة حسابات بعضها أجنبية خطاب الكراهية بين السوريين خلال أحداث جرمانا

عربي بوست
شبكة حسابات على منصة X استغلت أحداث جرمانا في سوريا لتأجيج الكراهية وخطاب الطائفية بين السوريين – عربي بوست
يكشف تحليل أجراه “عربي بوست” لمحتوى تغريدات على موقع X، نُشرت بالتزامن مع الاقتتال الحاصل في مدينة جرمانا بريف دمشق، عن دور مئات الحسابات – كثير منها لا يديرها سوريون – في استغلال التوترات الحاصلة والمساهمة في تأجيج مشاعر الكراهية، وتوسيع انتشار الخطاب الطائفي بين السوريين.
التغريدات التي رصدها التحليل تضمنت محتوى طائفياً وتحريضياً موجهاً ضد شرائح مختلفة من المجتمع السوري، ووجدت طريقها إلى الانتشار الواسع عبر مئات الحسابات الأخرى، كثير منها مجهول الهوية، وذلك بالتزامن مع أحداث جرمانا.
هذه الحسابات أعادت نشر تغريدات محددة مرتبطة بأحداث جرمانا، أو علّقت عليها، أو اقتبستها مع إضافة نصوص ومقاطع مرئية ذات طابع طائفي، ما ساهم في تضخيم هذا النوع من الخطاب وسرّع من انتشاره في الفضاء الرقمي.
شمل التحليل 5300 تغريدة عن سوريا ومتعلقة بأحداث جرمانا وصحنايا، وجُمعت من شبكة الحسابات التي تم رصدها، والحسابات الأخرى التي تفاعلت معها، خلال الفترة من مساء يوم 28 أبريل/ نيسان 2025، حتى فجر يوم 30 أبريل 2025، وهي الفترة التي بلغ فيها الاقتتال ذروته.
يشير محتوى التغريدات المنتشرة إلى تركيز متعمد على استحضار البُعد الطائفي، واستخدامه كأداة لتأجيج التوترات بين السوريين وإثارة الانقسام بينهم، لكون هذه القضية تمثل موضوعاً حساساً.
ولا يتجاهل هذا التحليل حقيقة أن بعض السوريين تبنَّوا خطاباً طائفياً، ونشروا محتوى كراهية ضد بعضهم خلال أحداث جرمانا وصحنايا، لكنه يسلّط الضوء على الطريقة التي تم فيها استغلال هذا الخطاب وتضخيمه من قبل حسابات هدفت إلى زيادة التوتر وتأجيج مشاعر الكراهية.
تواصلت “عربي بوست” مع وزارة الإعلام السورية، لسؤالها عن تحرّكات الحكومة تجاه انتشار خطاب الكراهية بين بعض السوريين، وذكر مصدر في الوزارة أنه “يتم العمل على إعداد قوانين تجرّم الخطاب الطائفي، وجرائم المعلوماتية”.
تزامن هذا التضخيم مع صدور دعوات سورية داخلية تطالب بنبذ الخطاب الطائفي والعمل على تهدئة التوترات، وفي وقت كانت تُبذل فيه جهود محلية على الأرض لوقف الاقتتال.
شبكة الحسابات المرصودة تُظهر وجود 4 أنماط رئيسية من الحسابات الفاعلة، تشترك في المساهمة في تضخيم الخطاب الطائفي المرتبط بأحداث جرمانا وصحنايا، وسنتناولها بالتفصيل في الفقرات المقبلة:
1- حسابات لبنانية وعراقية: تتبنى مواقف موالية لرئيس النظام المخلوع بشار الأسد، ولـ”حزب الله” وإيران، وتُظهر عداءً صريحاً للإدارة السورية الجديدة، وغلب على محتواها استخدام خطاب طائفي موجّه نحو الأحداث في سوريا.
2- حسابات لموالين للأسد: أظهر تتبع تغريدات هذا النوع من الحسابات أنها كانت تُظهر دعماً دائماً لنظام الأسد وتهاجم المعارضين له، واللافت أن بعضها، رغم مهاجمتها سابقاً لأبناء السويداء خلال احتجاجاتهم ضد الأسد، نشرت خلال الاقتتال في جرمانا تغريدات توحي بدعمهم للسويداء، وهو ما سنعرض أمثلة عنه في الفقرات المقبلة.
3- حسابات إسرائيلية: تحظى بحضور قوي في الفضاء الرقمي العربي، وتُعنى بنشر خطاب طائفي يدعو إلى تقسيم سوريا إلى أقاليم طائفية بحجة “حماية الأقليات”، وتروّج لفكرة “حماية الأقليات” كمبرر للهجمات والتدخلات الإسرائيلية في سوريا، وبعضها تديرها شخصيات معروفة، وأخرى تُعد جزءاً من لجان إلكترونية مؤيدة لإسرائيل.
4- حسابات مجهولة: تُشكّل ما يشبه “حلقة الوصل الرقمية” بين الأطراف الثلاثة السابقة، وتعيد نشر محتواها بشكل مكثف، ما يوسّع دائرة انتشاره.
تتسم هذه الحسابات بـ:
استخدام أسماء مستعارة
افتقارها إلى صور شخصية حقيقية
زعمها التواجد في بلدان مختلفة، ما يُصعّب تتبع مصادرها
تُثير طبيعة نشاطها على منصة X، خصوصاً في أوقات الأزمات، احتمالية أن تكون جزءاً من “لجان إلكترونية” تعمل على تضخيم نشر تغريدات وخطاب معيّن خلال فترة زمنية محدودة.
وأوضح تحليل التغريدات وجود نشاط ملحوظ لحسابات أُنشئت حديثاً، قبيل وخلال حدوث الاقتتال في جرمانا، وكتبت تغريدات طائفية، إذ تبيّن أن ما لا يقل عن 54 حساباً من الحسابات التي تفاعلت مع تغريدات تضمنت محتوى طائفياً، أُنشئت خلال يوم 29 أبريل 2025 فقط، وبعضها أُنشئ في ذات الوقت.
في حين بلغ عدد الحسابات الجديدة التي أُنشئت منذ يوم سقوط الأسد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وحتى 29 أبريل/ نيسان 2025، 137 حساباً، وتفاعلت هذه الحسابات بشكل ملحوظ من خلال إعادة نشر تغريدات حملت طابعاً طائفياً.

شمل التحليل أيضاً مراجعة مجموعة الوسوم (الهاشتاغات) التي رُوّج لها في تغريدات الحسابات التي رصدناها، والمرتبطة بأحداث جرمانا، وتبيّن أن العديد منها حمل طابعاً طائفياً واضحاً، وبعضها تضمّن معلومات مضللة وخاطئة وتُثير الكراهية.
من بين الوسوم البارزة: “#حماية_الأقليات”، و”#محرقة_العلويين_في_سوريا”، و”#أوقفوا_الانتهاكات_بحق_الأقليات_في_سوريا”، إضافة إلى وسوم تركّز على مناطق جرمانا، والساحل، والدروز، والعلويين.

التركيز على نشر محتوى معين على شبكة X
بغرض تقريب الصورة أكثر للقارئ حول تضخيم نشر محتوى معين على شبكة X، صممنا هذا التصور المرئي الذي يُظهر التغريدات الأصيلة التي نشرتها حسابات معيّنة (مُمثّلة باللون البرتقالي) حول أحداث جرمانا وصحنايا، وكيف تولّت عشرات الحسابات مهمّة نشر التغريدة الأصيلة من خلال إعادة تغريدها بكثرة والتعليق عليها (مُمثّلة باللون الأزرق).

أظهر تحليل البيانات وجود مجموعات واضحة من الحسابات الزرقاء ارتبطت بعدة حسابات تنشر تغريدات أصيلة، ما يعني أنها لم تقتصر على إعادة نشر محتوى حساب واحد، بل تفاعلت مع أكثر من حساب من الحسابات التي نشرت خطاباً طائفياً خلال أحداث جرمانا.
هذا النمط من الحسابات يلعب دور “العُقد الوسيطة”، التي تمارس دوراً محورياً في عمليات التضخيم، إذ تسهم في نقل المحتوى من عدّة حسابات محددة، ويشير تواجدها إلى وجود مهمّة مركّزة على نشر محتوى معيّن خلال فترة زمنية محدّدة.

وتزامن انتشار خطاب الكراهية والتحريض الطائفي مع توترات شهدتها مدينة جرمانا فجر الثلاثاء 29 أبريل/ نيسان 2025، إذ اندلعت مواجهات عنيفة بين مقاتلين محليين ومسلحين، بعدما انتشر تسجيل صوتي مسيء إلى النبي محمد (ص). وقالت الحكومة السورية في بداية الاقتتال إن العناصر التي اشتبكت مع مقاتلين في جرمانا ليسوا تابعين لها.
في البداية، نُسب التسجيل إلى أحد شيوخ الطائفة الدرزية، لكن الحكومة أعلنت أن التحريات أثبتت عدم صحة نسبة التسجيل إلى الشخص المتهم، وقالت إنها فتحت تحقيقاً في الحادثة.
كذلك أصدرت “الهيئة الروحية للمسلمين الموحّدين الدروز” في السويداء بياناً رفضت فيه محتوى التسجيل وأعلنت تبرؤها منه. واتسع بعد ذلك الاقتتال ووصل إلى صحنايا بريف دمشق، وقالت الحكومة السورية إن مواجهات اندلعت هناك بين قواتها و”مجموعات خارجة عن القانون”
تسببت المواجهات في مقتل ما لا يقل عن 16 شخصاً، وذلك قبل أن يتم التوصل إلى تهدئة واتفاق حول السويداء وجرمانا.
حسابات لبنانية وعراقية تدخل على خط التأجيج الطائفي
بيّن رصد الحسابات التي غرّدت بشكل مكثف حول الاقتتال في جرمانا وصحنايا نشاطاً واضحاً لعدد من الحسابات العراقية واللبنانية، التي ركّزت تغريداتها بشكل رئيسي على التوترات في المدينة، بين 28 أبريل/ نيسان وحتى 30 أبريل/ نيسان 2025.
تضمنت التغريدات محتوىً يدعو الفصائل المسلحة في جرمانا إلى الاستمرار في الاقتتال ومواجهة السلطات السورية، وحفّزها على التمسك بالسلاح، إضافة إلى نشر تغريدات تحمل طابعاً تخويفياً، أو تتضمّن إساءات مباشرة لمكوّن سوري معيّن وتُظهر دعماً لمكوّن آخر، بشكل يؤجّج مشاعر الكراهية.
لجأت حسابات إلى استخدام لغة طائفية مباشرة، عبر نشر عبارات وجُمل تُشيطن طرفاً سورياً وتُحرّضه ضد الآخر، في مسعى إلى تكريس الكراهية والانقسام.
من بين أبرز الحسابات العراقية، برز حساب “نمير الكواك” الذي يتابعه 136 ألف مستخدم على موقع X، إضافة إلى 88 ألفاً في قناته على تلغرام. يؤيّد الحساب فصائل الحشد الشعبي في العراق، و”حزب الله” وإيران، وينشر تغريدات عن سوريا تحمل طابعاً طائفياً.
نشر “الكواك” مقطع فيديو يُظهر جانباً من الاشتباكات في جرمانا، وعلّق عليه باستخدام عبارات طائفية، كما نشر تغريدة أخرى زعم فيها بأن “علويي سوريا يشكرون أكراد ودروز سوريا لمواقفهم”، ونشر ما قال إنها “مطالب العلويين للمجتمع الدولي بالحماية، وإقامة إقليم للعلويين”.

وأظهر تحليل تفاعل الحسابات الأخرى مع منشورات الكواك وجود حسابات بأسماء وصور مجهولة قامت بنشر محتوى تغريداته عن أحداث جرمانا على نطاق واسع، وبعضها تم إنشاؤه حديثاً.
يقتصر نشاط هذه الحسابات بشكل رئيسي على إعادة التغريد، وبعضها أعادت نشر أكثر من تغريدة من حساب “الكواك” حول جرمانا بفارق زمني قليل.



ينشر الكواك أحياناً تغريدات مضللة، إذ ادعى في تغريدة نشرها يوم 4 مارس/ آذار 2025، أن مؤيدين للرئيس أحمد الشرع رفعوا العلم الإسرائيلي في سوريا، لكن التحقق من روايته أظهر أن العلم رُفع في دوار العنقود بالسويداء من قبل مجهولين، وتمت إزالته لاحقاً من أبناء المنطقة الذين أحرقوه رفضاً له.

برز أيضاً حساب عراقي آخر باسم “علي الشمري”، الذي نشر تغريدات تضمنت عبارات طائفية، وتُظهر مراجعة تغريداته القديمة أن الشمري عمد إلى استغلال التوترات الحاصلة في جرمانا، حيث وصف في تغريدة كتبها عام 2024 “الدروز بأنهم صهاينة”، بحسب تعبيره، لكنه غيّر موقفه فجأة مع اندلاع الاشتباكات في جرمانا، وكتب تغريدة وصف فيها “القتلى من الدروز بالشهداء”، بحسب قوله.


وتضم شبكة الحسابات العراقية الأخرى التي تفاعلت مع محتوى طائفي حول ما يجري في سوريا عدداً من الحسابات التي تتسم بسلوك متشابه، يتمثّل في إعادة التغريد والتعليق على منشورات محددة دون إنتاج محتوى أصلي.
يتشابه هذا النمط إلى حدٍّ كبير مع عمل “اللجان الإلكترونية”، وهي مجموعة من الحسابات تُخفي هويتها الحقيقية، وتركّز عملها على تضخيم محتوى معيّن خلال فترة زمنية محددة، ما يضاعف من وصول التغريدات.

من الحسابات غير السورية التي كثّفت أيضاً من نشر محتوى بصبغة طائفية عن أحداث جرمانا، برزت حسابات لبنانية، وأظهر البحث في تغريداتها القديمة أنها كانت تؤيّد بشار الأسد، وتتخذ الآن موقفاً سلبياً من السلطة الجديدة التي أطاحت بالنظام.
من بين أبرز الحسابات اللبنانية، حساب “abu ali الديراني”، والذي يعرّف نفسه في حسابه بأنه كاتب وناشط إعلامي، والحساب موالٍ لإيران، و”حزب الله”، وبشار الأسد.
بين 28 وفجر 30 أبريل/ نيسان 2025، نشر الحساب ما لا يقل عن 8 تغريدات حول جرمانا، بينها تغريدة أشاد فيها بحمل فصائل مسلحة في جرمانا للسلاح وقتالها السلطات السورية، وزعم أن السلطات في سوريا تعهدت بحماية العلويين “ثم غدرت بهم وذبحتهم”، بحسب قوله.

نشر الديراني تغريدة أخرى يوم 29 أبريل/ نيسان 2025، زعم فيها أن من وصفهم بـ”عصابات الجولاني” – في إشارة إلى قوات الأمن العام والجيش – هاجموا محافظة السويداء، وهي معلومة خاطئة، إذ لم تشهد السويداء هجوماً عليها في ذلك اليوم.

على نحو مماثل لما أظهره التحليل حول محتوى حسابات عراقية عن جرمانا وصحنايا، فإن تغريدات نشرها حساب “الديراني” حظيت بتضخيم من قِبل حسابات متعددة، بعضها مجهول الهوية، وأخرى أعادت تغريد أكثر من منشور له خلال فواصل زمنية قصيرة جداً.



إلى جانب حساب “الديراني”، برز أيضاً حساب لبناني آخر باسم “Ghaleb Ghosn”، تناول أحداث جرمانا مستخدماً خطاباً طائفياً، وأظهر الحساب أيضاً تأييده للضربات التي وجّهتها إسرائيل إلى قوات الأمن العام السورية خلال اشتباكات وقعت في صحنايا.

يبرز أيضاً حساب لبناني مؤيّد لـ”حزب الله” وإيران وبشار الأسد، وهو حساب باسم “AHMAD SLMAN”، الذي، وبالتزامن مع الاقتتال في جرمانا، نشر تغريدات توحي بوجود ارتباط بين إسرائيل والدروز في سوريا.
وسبق أن أعرب بعض مشايخ العقل في الطائفة الدرزية في سوريا عن رفضهم التدخل الإسرائيلي في سوريا بذريعة حماية الدروز، ورفضوا الإشارة إلى أي ارتباط بينهم وبين الاحتلال.


حسابات موالية للأسد استغلت أحداث جرمانا
دخلت حسابات موالية لبشار الأسد على خط استغلال التوترات في جرمانا، وأسهمت في نشر خطاب طائفي وتحريضي على نحو واضح. ولعبت هذه الحسابات دورين رئيسيين:
الأول: نشر محتوى يتضمّن خطاب كراهية وتحريضاً على أسس طائفية.
الثاني: إعادة تغريد مكثّفة لمحتوى صادر عن حسابات سورية وأخرى أجنبية حول الأحداث في جرمانا، واتسمت تغريداتها بمحتوى طائفي.
من بين الحسابات البارزة، حساب باسم “جورج خوري”، وهو حساب لديه العديد من التغريدات التي كان يؤيّد فيها بشار الأسد خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم من أن الشخص الذي يدير الحساب الآن يزعم أنه لا علاقة له بالتغريدات المكتوبة قبل بداية العام 2025، إلا أنه كثّف من نشر تغريدات طائفية متعلقة بالأحداث في جرمانا.
يروّج الحساب لفكرة أن “الأقليات مُحقة بطلبها للحماية”، وهو ما ذكره في تغريدة نشرها بالتزامن مع احتدام الاقتتال في جرمانا وصحنايا.

في تغريدة أخرى، نشر الحساب فيديو قال فيه إن “عصابات الجولاني”، بحسب تعبيره، تستهدف البيوت وأي شخص يروْنه أمامهم في أشرفية صحنايا، إلا أن الفيديو يُظهر مواجهات بين مقاتلين، دون أي مشاهد أو أدلة توثّق استهداف مدنيين أو منازل.


برز حساب آخر باسم “Vendetta – ڤينديتا“، وكان هذا الحساب حساباً شخصياً، ظلّ معدّل النشر فيه منخفضاً حتى تاريخ سقوط الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، ومنذ ذلك الحين، غيّر الحساب اسمه إلى “سوريا العلمانية”، ثم إلى “ڤينديتا” في مارس/ آذار 2025.
خلال الأحداث التي شهدها الساحل السوري في آذار 2025، نشر الحساب عدداً من التغريدات ذات محتوى مضلّل، واستغلّ حادثة الاقتتال في جرمانا، ونشر مزاعم تحدثت عن “إبادة الطائفة الدرزية”.

من بين الحسابات الموالية أيضاً، حساب “Sam M.H.L”، الذي تناول حادثة جرمانا بخطاب تحريضي، وفي الوقت ذاته حاول أن يربط بين التوترات الحاصلة وبين رحيل الأسد، بطريقة توحي بأن التوترات حدثت نتيجة لإزاحة الأسد عن السلطة.



تضمنت تغريدات أخرى لحسابات موالية للنظام محتوى يتشفّى بإراقة الدماء في جرمانا وصحنايا، وأخرى كثّفت من نشرها لتصريحات مرتبطة بموقف إسرائيل من الاقتتال الذي حصل في جرمانا وصيدنايا، إضافة إلى نشر محتوى مضلّل، كالزعم بأن مقاتلين أجانب يقتحمون صحنايا دون تقديم أدلة على ذلك.
تضم شبكة الحسابات الموالية للأسد أيضاً حسابات بأسماء مجهولة، بعضها اتخذ من أسماء الطوائف اسماً لها، وأخرى تضع علم النظام، وتتـشابه في سلوكها من حيث طبيعة المحتوى الذي تنشره، والحسابات التي تعيد نشر محتواها، وتستخدم خطاب كراهية وطائفياً.

حسابات إسرائيلية تؤجج الكراهية
في تكرار لنمط ظهر سابقاً خلال أحداث الساحل السوري في مارس/ آذار 2025، استغلّت حسابات إسرائيلية الاقتتال في جرمانا وصحنايا، ونشرت تغريدات لتأجيج التوتر وزيادة الكراهية بين السوريين، وركّزت في تغريداتها على الطائفة الدرزية، وحاولت الربط بينها وبين إسرائيل، رغم رفض طيف واسع من أهالي السويداء لربط إسرائيل نفسها بهم.
من أبرز الحسابات التي استغلّت الاقتتال في جرمانا وصحنايا:
“جلعاد مئير”: تُركّز تغريدات الحساب بشكل عام على مزاعم “اضطهاد الأقليات في سوريا”، متحدثاً بشكل متكرر عن العلويين والدروز، وتحتوي بعض تغريداته تلميحات إلى اهتمام إسرائيل بحماية الأقليات في سوريا.
كثّف الحساب، الذي يستخدم اسماً مستعاراً ويضع علم إسرائيل، من نشر تغريدات عن سوريا مع الاقتتال في جرمانا، ونشر تغريدات دعا فيها الأقليات في سوريا إلى تشكيل جبهة واحدة لمواجهة السلطة، وإلى إقامة أقاليم منفصلة.



حساب مئير مصري: إسرائيلي مُحاضر في الجامعة العبرية، وكان من بين الحسابات البارزة التي استغلّت أحداث الساحل، وأعاد الكرّة نفسها خلال الاقتتال في جرمانا وصحنايا، ويركّز على نشر تغريدات تزعم دعم إسرائيل للأقليات، خاصة العلويين والدروز، وتصويرها كحامية لهم.
نشر مئير مصري العديد من التغريدات عمّا يجري في جرمانا، بينها تغريدات ألمح فيها إلى استعداد إسرائيل للتدخل، وأخرى حملت خطاباً طائفياً تمت إعادة مشاركتها من قِبل حسابات مجهولة وأخرى موالية لنظام الأسد، ووصلت تغريداته إلى عشرات الآلاف بسبب التضخيم المتعمد في إعادة نشرها على منصة X.


كان لافتاً أيضاً مشاركة حسابات معروفة بأنها جزء من اللجان الإلكترونية الإسرائيلية، التي تساهم في نشر الرواية الإسرائيلية في الفضاء الرقمي على منصة X، مثل حساب “Israel4peaceful”، وحساب “نصيري إسرائيلي”، الذي يدعم في تغريداته تدخّل إسرائيل في سوريا، ويؤيّد فكرة التقسيم، وتشكيل قوات لمواجهة السلطة، ويروّج لمزاعم اضطهاد الأقليات.
امتلأ حساب “نصيري إسرائيلي” بتغريدات حملت خطاب كراهية ومحتوى طائفياً حول ما يجري في جرمانا، خلال الفترة من 28 أبريل/ نيسان وحتى 30 أبريل/ نيسان 2025.

شبكة حسابات مجهولة تعزّز انتشار خطاب الكراهية
تمثّل هذه الشبكة نقطة محورية في استغلال أحداث جرمانا وصحنايا، لنشر محتوى يهدف إلى تعزيز الكراهية بين السوريين. هذه الشبكة لا تنتج محتوى أصيلاً في الغالب، بل تقوم بدور “مضخّم رقمي”، إذ تركّز بشكل منهجي على إعادة نشر التغريدات الصادرة عن شبكة الحسابات الثلاث الأساسية التي تحدّثنا عنها (اللبنانية، والعراقية، والموالية للأسد، والإسرائيلية).

تعيد شبكة الحسابات المجهولة تدوير الخطاب الطائفي والتحريضي على نطاق واسع، وأظهر التحليل أن هذه الحسابات تتبع نمطاً سلوكياً متكرّراً ومريباً على منصة X؛ حيث تتركّز أنشطتها في فترات زمنية قصيرة وبكثافة عالية، عبر إعادة التغريد الجماعي والتعليق، ما يسهم في دفع المحتوى إلى الصدارة في خوارزميات المنصة.

يُظهر تحليل سلوك النشر المرتبط بالحسابات المجهولة أن عدداً منها سبق أن لعب دوراً فاعلاً في تضخيم محتوى كراهية خلال أحداث الساحل السوري، مستخدمة الأسلوب ذاته: ضخّ متزامن للتغريدات، وإعادة نشر منظّمة لتغريدات أخرى، وتكثيف التفاعل لإعادة تدوير الخطاب الطائفي والمساهمة في زيادة انتشاره.
ختاماً، تُشير نتائج التحليل، وطبيعة الحسابات والتغريدات التي نشطت خلال حادثة الاقتتال في جرمانا وصحنايا، إلى وجود حملة رقمية منسّقة، هدفت إلى تضخيم نشر الخطاب الطائفي بين السوريين، وتصوير ما يجري داخل سوريا من منظور طائفي فقط.
—————————————————
معركة رقمية خفية.. “عربي بوست” يكشف شبكة حسابات تدعم تدخل إسرائيل في سوريا بحجة الأقليات وتؤجج التوترات الداخلية
عربي بوست
شبكة حسابات تروج لمزاعم إسرائيل حول سوريا وتبرر تدخلها بحجة حماية الأقليات، وتؤجج التوترات الداخلية بالمعلومات المضللة – عربي بوست
يكشف تحليل أجراه “عربي بوست” على نحو 20 ألف تغريدة عن حملة منظمة تقودها حسابات على منصة X، بعضها إسرائيلية وأخرى مرتبطة بموالين لنظام بشار الأسد. وتهدف الحملة إلى الترويج للمزاعم الإسرائيلية حول “ضرورة حماية الأقليات” لتبرير تدخل إسرائيل في سوريا، وضخ كميات كبيرة من المعلومات المضللة لإشعال التوترات الداخلية.
يُظهر التحليل معالم هذه الحملة، وأبرز الأطراف المشاركة فيها، والأساليب المستخدمة لتضخيم انتشار بعض التغريدات بشكل مقصود، وكيف يتم التلاعب بالمعلومات بشكل ممنهج، من خلال تضخيم الادعاءات حول وجود توترات بين المكوّن السني والطوائف الأخرى، والترويج لفكرة أن الأقليات بحاجة إلى حماية إسرائيلية.
وتعمل بعض الحسابات على إعادة إنتاج سردية تبرر التدخلات الخارجية أو دعم مشاريع انفصالية، وتتضمن تغريداتها أيضاً إشارات ومزاعم بأن سوريا كانت في وضع أفضل خلال حكم الأسد.
تنقسم الحسابات التي تتبعناها إلى 3 أقسام، والتغريدات التي حللناها هي ليوم 4 مارس/ آذار 2025 فقط:
1- حسابات إسرائيلية: بعضها معروف، وأخرى مجهولة الهوية، وتساهم في نشر محتواها حسابات من اللجان الإلكترونية الإسرائيلية، وحسابات بأسماء عربية، وأخرى موالية لنظام الأسد ومعادية للتغير الذي شهدته سوريا.
2- حسابات موالية لنظام الأسد: بعضها قديم، لكنه أصبح نشطاً بعد سقوط الأسد في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024، إضافة إلى مئات الحسابات الأخرى التي أنشئت حديثاً منذ بداية 2025 وحتى يوم 4 مارس/ آذار، وتقوم هذه الحسابات بنشر أخبار مضللة وخاطئة بهدف التأجيج.
3- حسابات مجهولة: تدعم المزاعم الإسرائيلية حول “اضطهاد الأقليات” في سوريا، وضرورة حمايتهم من إسرائيل، وتلعب أيضاً دوراً كبيراً في نشر المعلومات المضللة وتأجيج الداخل السوري، بينما تزعم بعضها أن هويتها عراقية أو كردية.
تعمل هذه الحسابات المجهولة كحلقة وصل، حيث تعيد نشر محتوى حسابات إسرائيلية وأخرى موالية للأسد، مما يسهم في تضخيم تغريدات محددة وتعزيز انتشار الوسوم (الهاشتاغات) بهدف إيصال هذه السرديات إلى نطاق أوسع على منصة X.
ولفهم نوع المحتوى المشترك الذي تروج له الأطراف الثلاثة لشبكة الحسابات التي نتحدث عنها، حللنا من خلال التغريدات الوسوم التي استخدمتها هذه الحسابات في تغريداتها عن سوريا، ونشرت الحسابات وسوماً تدعو إلى تقسيم سوريا، مع تركيز خاص على محافظات الساحل السوري.
كما كررت وضخّمت نشر مزاعم بوجود “إبادة للعلويين”، إلى جانب وسوم مرتبطة بالدروز وإسرائيل، فضلاً عن أخرى تستهدف الإدارة السورية الجديدة عبر نشر أخبار مضللة عنها.

تضخيم نشر تغريدات حسابات محددة على X
لإيضاح كيفية تضخيم تغريدات حسابات معينة وزيادة انتشارها على شبكات التواصل الاجتماعي، أنشأنا تصويراً مرئياً للتغريدات والحسابات الناشرة لها، يُظهر كيف يتم نشر تغريدات حسابات معينة (المُمثَّلة باللون الأخضر في الصورة التالية)، ثم تضخيم محتواها عبر تكثيف إعادة النشر وكتابة التعليقات من قِبَل شبكة واسعة من الحسابات (المُمثَّلة بالنقاط الزهرية)، مما يسهم في تعزيز وصول المحتوى إلى جمهور أوسع.
يكشف التحليل البصري أيضاً عن التداخل الواضح بين شبكات الحسابات الثلاث، حيث تلعب بعض الحسابات دوراً محورياً في نشر المحتوى، وتتلقى تفاعلات مكثفة خلال فترات قصيرة، ما يشير إلى دور الحسابات الوهمية أو الآلية (Bots) في تعزيز انتشار الرسائل المستهدفة.
هذا التضخيم لا يتم بشكل عشوائي دائماً، بل يعتمد على استراتيجية محددة تهدف إلى التلاعب بالنقاش العام، وإيصال رسائل معينة إلى شريحة أوسع من المستخدمين، مما يخلق انطباعاً زائفاً بوجود دعم كبير للأفكار التي تروِّج لها التغريدات.
ومن خلال تحليل الروابط بين الحسابات في هذا التصوير، تبيَّن أن هناك شبكة تعمل على إعادة نشر المحتوى الإسرائيلي والمناصر لنظام الأسد، والذي يتضمن شائعات وأخباراً مضللة تؤجج الشارع السوري.

تبنّي محتوى شخصيات إسرائيلية وتضخيم نشره
مع تصاعد تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول دعم “الأقليات في سوريا”، كثّفت حسابات إسرائيلية، معروفة ومجهولة، من نشر تغريدات تزعم فيها تعرّض الأقليات في سوريا للاضطهاد، مروّجة لضرورة تدخّل إسرائيل لحمايتها.
من أبرز الحسابات المشاركة في هذه الحملة:
إيدي كوهين: الصحفي الإسرائيلي المعروف.
مئير مصري: المحاضر في الجامعة العبرية.
جلعاد مائير: حساب مجهول يتفاعل مع حسابات أخرى ضمن اللجان الإلكترونية الإسرائيلية، مثل:
حساب “نصيري إسرائيلي”: يدعم تدخّل إسرائيل في سوريا، ويؤيد فكرة التقسيم، وتأسيس “جيش الدفاع العلوي”، ويروّج لمزاعم اضطهاد الأقليات.
حساب “Abu Baklava أبو بقلاوة”: يزعم أنه من الدروز، ويغرّد باللغتين العبرية والعربية، ويظهر دعمه للدروز في إسرائيل، كما ينشر تهديدات مماثلة لتلك التي أعلنتها إسرائيل حول “المساس بالدروز في سوريا”.
تحظى تغريدات هذه الحسابات، لا سيما حسابَي كوهين ومئير مصري، بتفاعل واسع بهدف تعزيز انتشار محتواها، لكن تحليل انتشار التغريدات يُظهر نمط نشر مثيراً للريبة، يشير إلى أن بعض الحسابات التي ساهمت في تضخيم تغريدات الحسابات الداعمة لإسرائيل، هي إما حسابات آلية (Bots) قادرة على النشر بكثافة في وقت قصير، أو تابعة للجان إلكترونية تعمل على تضخيم المحتوى لتعزيز السردية الإسرائيلية حول سوريا.
إضافة إلى ذلك، فإن بعض الحسابات التي تروّج للحسابات الإسرائيلية سبق لها أن عبّرت في تغريدات سابقة عن دعمها الصريح لنظام بشار الأسد، وهو ما سنعرض نماذج منه في الفقرات المقبلة.
تضخيم نشر تغريدات إيدي كوهين
في هذه التغريدة، مثلاً، كتب كوهين يوم 4 مارس/ آذار 2025: “القمة العربية، لماذا لا يتحدثون عن المجازر ضدّ العلويين؟ أليسوا عرباً؟ أم أن الدم العلوي أرخص من الدم الفلسطيني؟؟؟”، وبيّن تحليل التغريدات أن حسابات مجهولة، لا يقل عددها عن 30 حساباً، أنشئت منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول 2024، ساهمت بشكل كبير في نشر هذه التغريدة.
ومن خلال مقارنة تاريخ إنشاء الحسابات وحجم نشاطها، يتضح أنها تعمل بأسلوب مشابه للحسابات الآلية، التي تغرق منصة X بعدد كبير من التغريدات المحدّدة عبر إعادة التغريد وكتابة التعليقات، وذلك بهدف زيادة ترويج محتوى معين. فعلى سبيل المثال:
حساب @RuqiyaAlenezi، الذي أُنشئ يوم 30 يناير/ كانون الثاني 2025، لديه – حتى تاريخ 6 مارس/ آذار 2025 – 5788 تغريدة. ومن خلال مقارنة تاريخ إنشاء الحساب بعدد التغريدات، فإن معدل التغريد اليومي لهذا الحساب يبلغ 217 تغريدة يومياً، وهو ما يُعد نشاطاً مشبوهاً وغير طبيعي.
ووفقاً لفريق الدعاية الحاسوبية في معهد أكسفورد للإنترنت فإن نشر أكثر من 50 منشوراً يومياً يعد سلوكاً مريباً، فيما يعتبر مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية الذي يعمل على كشف شبكات التضليل على منصات التواصل، أن نشر 72 منشوراً يومياً يعد مريباً.
ينطبق الأمر نفسه على حسابات أخرى شاركت تغريدة كوهين التي أشرنا إليها، وتغريداته الأخرى، ومن بينها حساب “Kemet91969” الذي أُنشئ يوم 3 مارس 2025، ولديه 1091 تغريدة، أي أن معدل النشر اليومي للحساب 365 تغريدة.

تتبعنا أيضاً انتشار تغريدة كوهين بين الحسابات الموالية لنظام الأسد، ووجدنا بأن العديد منها أعادت نشر نفس التغريدة على فيسبوك.


يُعد مئير مصري ثاني أبرز الحسابات الإسرائيلية التي يتم تضخيم محتواها حول سوريا، إذ يركّز على نشر تغريدات تزعم دعم إسرائيل للأقليات، خاصة العلويين والدروز، وتصويرها كحامية لهم. كما تتضمن تغريداته خطاباً طائفياً وتحريضياً، يهدف إلى تأجيج الانقسامات داخل المجتمع السوري.
ينشر مئير أيضاً معلومات مضللة وخاطئة، كزعمه أن الرئيس السوري أحمد الشرع “أمر الإعلام السوري بالكفّ عن استخدام مصطلح عدو إسرائيلي، واستبداله بكلمة إسرائيل”، في حين أن الشرع، وفي خطابه أمام الجامعة العربية يوم 5 مارس/ آذار 2025، قال عن إسرائيل إنها “العدو الذي لا يتوقف عن عدوانه”.
وفي يوم 4 مارس/ آذار 2025، نشر مئير تغريدة كتب فيها: “سوريا: السنة في حماية تركيا، الدروز في حماية إسرائيل، الكرد في حماية أمريكا، المسيحيون في حماية فرنسا، والعلويون، من يحميهم؟”
وسرعان ما انتشرت هذه التغريدة ووصلت إلى 103 آلاف شخص، وشاركها عشرات الحسابات المجهولة، التي يجمعها نمط إعادة نشر المحتوى نفسه، سواء من حسابات إسرائيلية تتحدث عن الأقليات في سوريا، أو حسابات موالية للنظام السابق.


على غرار إيدي كوهين ومئير مصري، ينشط حساب إسرائيلي آخر يحمل اسم “جلعاد مئير”، يركّز على ادعاء “اضطهاد الأقليات في سوريا”، متحدثاً بشكل متكرر عن العلويين والدروز، مع تلميحات مباشرة إلى دور إسرائيل في حمايتهم.
يتم تضخيم تغريدات هذا الحساب عبر حسابات مجهولة، تغرق المحتوى بالتفاعل من خلال إعادة التغريد والتعليقات والإعجابات، مما يرفع من مستوى انتشاره.
ومن خلال تحليل نمط التفاعل، تبيّن أن بعض الحسابات التي تروّج لمحتوى جلعاد مئير تقوم أيضاً بنشر محتوى مماثل من حسابات إسرائيلية أخرى تتحدث عن سوريا، إلى جانب دعمها لمحتوى حسابات موالية للنظام السابق.
شبكة حسابات موالية للأسد
تضم هذه الشبكة حسابات لموالين لنظام بشار الأسد الهارب، وتنقسم هذه الحسابات إلى فئتين:
حسابات قديمة: يعود تاريخ إنشائها إلى سنوات مضت، لكنها لم تكن جميعها نشطة حتى هروب الأسد من سوريا في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث كثّف بعضها من نشاطه فجأة بعد ذلك.
حسابات حديثة: أُنشئت مع بداية عام 2025 أو خلال وبعد معركة “ردع العدوان” التي انطلقت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وانتهت بالإطاحة بالنظام.
تركّز هذه الحسابات على نشر أخبار مضللة، وتقديم روايات منحازة حول التطورات في سوريا، حيث تصف جميع العمليات التي ينفذها الأمن العام السوري ضد فلول النظام السابق بأنها عمليات انتقامية ذات طابع طائفي، في محاولة لإثارة التوترات الداخلية.
كذلك، تبدي حسابات لموالين للنظام تأييدها لإسرائيل، وبعضها تعيد نشر تغريدات من حسابات إسرائيلية، وأخرى وجّهت شكراً لإسرائيل بعد تصريحاتها الأخيرة حول الأقليات في سوريا، وهو ما سنعرض نماذج منه.
من بين أبرز الحسابات الموالية للنظام، والتي تمثل جزءاً من شبكة الحسابات التي نتحدث عنها:
Vendetta – ڤينديتا: أُنشئ هذا الحساب عام 2011 كحساب شخصي، وكان يحمل اسم المستخدم (Amado290720). وفي السابق، كان صاحب الحساب ينشر تغريدات عن الرياضة وغيرها، وسبق أن أشار في إحدى تغريداته إلى أنه من منطقة في طرطوس، وتم التأكد من ذلك من خلال تتبّع حسابه على فيسبوك.
ظل معدل النشر في الحساب منخفضاً حتى ديسمبر 2024 تاريخ سقوط الأسد، ومنذ ذلك الحين، غيّر الحساب اسمه إلى “سوريا العلمانية”، وفي بداية مارس/آذار 2025 غير الاسم مرة أخرى إلى “ڤينديتا”.

يؤيد الحساب بشار الأسد ويهاجم الفصائل التي أطاحت به، ويطلب الحساب من إسرائيل التدخل لـ”حماية العلويين” في سوريا، بحسب قوله.

يُظهر تحليلنا لتغريدات هذا الحساب أنه مدعوم بحسابات مجهولة تعيد نشر محتواه على نطاق واسع، وفي فترات زمنية متقاربة جداً، مما يُشير إلى دعم الحساب من قِبَل حسابات آلية أو لجان إلكترونية.
وفي مثال على ذلك، قام حساب @SahmSyria0 يوم 5 مارس/ آذار 2025 بإعادة نشر محتوى حساب Vendetta بأوقات متقاربة جداً، لا يتجاوز الفارق بينها ثوانٍ معدودة.

2- حساب Mohammed Al-Jajeh: اسم المستخدم لهذا الحساب هو (mohammed_jajeh@)، ويصف صاحب الحساب نفسه بأنه “مفكر حر ناشط سياسي واجتماعي مستقل”، يعود تاريخ إنشاء الحساب إلى 2018، وهو من المعادين للمقاومة الفلسطينية، وسبق أن دعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة.
كثّف الحساب من نشره تغريدات مؤيدة للأسد منذ بدء معركة “ردع العدوان” وبعد هروب الأسد، والآن يلعب الحساب دوراً كبيراً في نشر معلومات مضللة وفي ترديد الدعاية الإسرائيلية، وإعادة نشر ما تنشره حسابات إسرائيلية عن سوريا.

من بين ما نشره الحساب، تغريدة تضمنت صورة تحتوي على قرار مزعوم بأن “الرئيس السوري أحمد الشرع” وجّه طلباً إلى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء جنوب سوريا بعدم الخروج في مظاهرات ضد إسرائيل، لكن البيان غير صحيح. كما زعم أن الحكومة السورية تسببت في الحرائق بجبال الساحل، بينما في الحقيقة كان الدفاع المدني السوري هو من يعمل على إخمادها.
تحليل التفاعل على تغريدات Mohammed Al-Jajeh أظهر أن بعض منشوراته تصل إلى عشرات الآلاف من المستخدمين، بفضل إعادة التغريد المكثفة من قِبَل حسابات موالية للأسد وأخرى من اللجان الإلكترونية الإسرائيلية، التي تضاعف أعداد إعادة التغريد والإعجابات.


تضم شبكة الحسابات الموالية للأسد أيضاً حسابات بأسماء مجهولة، بعضها ربط اسمه بالساحل السوري، وأخرى تتخذ من أسماء الطوائف اسماً لها، وتتشابه في سلوكها من حيث طبيعة المحتوى الذي تنشره، والحسابات التي تعيد نشر محتواها. كما أن بعض هذه الحسابات تم إنشاؤها منذ سنوات، في حين أُنشئت أخرى حديثاً.
تساهم هذه الحسابات في نشر معلومات مضللة، كما يروّج بعضها لمزاعم إسرائيل حول الأقليات في سوريا، وعزم الاحتلال على تقديم الحماية لهم.

حسابات مجهولة لنشر الرواية الإسرائيلية والمعلومات المضللة
تمثل الحسابات المجهولة التي تنتحل هويات مختلفة الطرف الثالث في شبكة الحسابات التي تم تحليلها، حيث تلعب دوراً رئيسياً في إعادة نشر المحتوى الإسرائيلي والترويج للروايات التي تخدم مصالح إسرائيل في سوريا.
يُظهر التحليل أن العديد من هذه الحسابات لا تكتفي بالتفاعل مع حسابات إسرائيلية، بل تساهم أيضاً في تعزيز محتوى الحسابات الموالية للنظام السابق، مما يعزّز نشر الأخبار المضللة والشائعات حول الوضع السوري.
بعض هذه الحسابات تدّعي هويات عراقية أو كردية أو لبنانية أو يمنية، بينما يعود تاريخ إنشائها إلى الفترة بين بداية 2025 وحتى 3 مارس/ آذار 2025، في حين أن بعضها يكرّر الترويج لنفس الحسابات عدة مرات يومياً، مما يعكس وجود تنسيق منظم في عملية تضليل متعمدة.


التدخل الإسرائيلي في سوريا
ومنذ سقوط النظام يوم 8 ديسمبر 2024، رمت إسرائيل بثقلها في التدخل بسوريا، بدءاً من شنها أعنف الضربات على مواقع عسكرية، وتوغلاتها المتكرة بجنوب سوريا، وصولاً إلى تهديد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بتحرك عسكري لـ”حماية الدروز” في سوريا.
وترى إسرائيل بأن “سوريا المستقرة، لا يمكن أن تكون إلا فيدرالية وتضم مناطق حكم ذاتي مختلفة”، بحسب ما قاله وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي زعم بأن الإدارة السورية الجديدة “تنتقم من العلويين وتؤذي الأكراد”.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن نية إسرائيل إنفاق مليار دولار، في محاولة لتأليب الدروز في سوريا على الإدارة الجديدة. فيما تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا التي يقطنها الدروز، وقفات رافضة للتدخل الإسرائيلي في سوريا بحجة “حماية الأقليات”، وأبدت شخصيات اعتبارية في المحافظة تأييدها لوحدة الأراضي السورية.
وفي إشارة إلى مزيد من التدخلات الإسرائيلية في سوريا، توعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الجمعة 7 مارس 2025، بأن تل أبيب “ستعمل على ضمان أن يكون جنوب سوريا منزوع السلاح وخاليا من التهديدات”، وأضاف أن إسرائيل “ستحمي السكان الدروز هناك”، في خطوة تعكس استغلال إسرائيل للورقة الطائفية، وسط رفض سوري واسع لهذه التصريحات.
تعكس تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بشأن سوريا غضباً من تولي الإدارة الجديدة لزمام الأمور فيها بعد إسقاط نظام الأسد، التي تشير تقارير إعلامية وتصريحات مسؤولين إلى أن إسرائيل لم ترغب يوما في سقوطه و”كانت ترى فيه لاعباً مفيداً”، وفقاً لما أوردته وكالة الأناضول.
ما عزز هذا الاعتقاد بحالة “التعايش والتناغم” بين نظام الأسد وإسرائيل، قيام الأخيرة وفور سقوط النظام، بقصف مئات الأهداف ومخزونات الأسلحة الاستراتيجية التابعة للجيش السوري السابق خشية وصولها لقوات الإدارة الجديدة، كما استغلت إسرائيل الوضع الجديد بعد سقوط نظام الأسد، واحتلت المنطقة السورية العازلة ومنطقة جبل الشيخ، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا لعام 1974.