التدخل الاسرائيلي السافر في سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانا

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا تحديث 03 أيار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا

——————————-

في ضرورة بناء الدولة السورية/ بشير البكر

03 مايو 2025

هناك إرادة إقليمية ودولية لبقاء سورية دولةً موحّدةً، وما يجري من محاولات عكس هذا التوجّه تقف وراءها الأطراف المتضرّرة من سقوط نظام الأسد، وخاصّة إسرائيل. والغرض إضعاف سورية الجديدة لتبقى دولةً فاشلةً غير قادرة على الدفاع عن حدودها واستقلالية خياراتها وفق حقوقها ومصالحها، وعلى أساس موقعها داخل وسطها العربي وقضاياه في الاستقلال والتنمية والمصير. ويخبرنا تاريخ سورية أن محاولات تقسيمها فشلت، بما فيها تلك التي قامت بها وموّلتها ورعتها دول كبرى مثل فرنسا، التي قسّمت هذا البلد بين عدّة دويلات حينما كان يقع تحت انتدابها، ولكنّها تراجعت عن المشروع بعد أن أدركت استحالة الهدف وكلفته العالية، وعدم صلاحيته من الناحية العملية، إذ تبيّن أن الكيانات التي صنعتها غير قادرة على الحياة منفصلة بعضها عن بعض.

لا يعني ذلك أن الأطراف صاحبة المصلحة في التقسيم ستكفّ عن المحاولة، وهذا ملحوظ منذ أشهر، إذ تعيش سورية حالةَ مواجهة بين مشروعَين: يعمل الأول من أجل بناء الدولة، ويحاول الثاني إيجاد حالة من عدم الاستقرار، وهدم الثقة بين المكونات السورية التي تعايشت تاريخياً، وهي تدرك أن ما يجمعها أكثر ممّا يفرقها. وهنا تبرُز المهمّة الأساسية للمرحلة الانتقالية للعمل وفق منهج سورية لكلّ أبنائها، ويقع قسط كبير من مسؤولية ذلك على الإدارة الجديدة، والجزء الآخر على القوى السياسية والنخب والرأي العام والشعب، من خلال التحلّي بخطاب وطني، يغلّب منطق الوطن على نزعات الجماعات ومخاوفها.

الخطاب والتحريض الطائفيان مدمّران وضارّان في الاتجاهات كافّة، لا يقودان إلى بناء دولة، ولا يحميان طائفةً، ولا سبيل إلى قطع الطريق على ذلك إلا من خلال تركيز الدولة وبناء مؤسّساتها بطريقة تشاركية، وفي سياق الاضطرابات في الأشهر الماضية في أكثر من محافظة سورية، برز من يحاولون اختطاف مكوّنات طائفية وعرقية، وتنصيب أنفسهم ناطقين باسمها، ومدافعين عنها، يصدرون البيانات ويطرحون المشاريع محاولين فرض شروطهم على الدولة. وفي هذا المقام، يجب عدم ترك الساحة لرجال الدين وحدهم كي يقوموا بصناعة الرأي العام، بل من الضروري إفساح المجال أمام النُخب الأخرى، وعلى الدولة أن تولي اهتماماً إعلامياً وثقافياً بما يجمع السوريين، وتعيّن ناطقين رسميين مهمتهم تقديم خطاب متوازن، يواجه حملات الشحن والتحريض ونشر ثقافة الكراهية، ويستند إلى حقيقة أن الدولة ضمانة لجميع السوريين، وما عدا ذلك كلّه، مرجعيات تخصّ أصحابها ضمن حدود طقوسها الداخلية.

لقد برزت بعد 8 ديسمبر (2024) فرصة حقيقية لبناء دولة سورية جديدة، مع الأخذ في الاعتبار أن حكم آل الأسد المديد أفقد البلد قسطاً من مناعته الوطنية، وضرب الشعور الجمعي العام، وأحيا العصبيات الضيقة التي تنشر اليوم خطاب ما دون الدولة، المستشري بقوة في وسائل التواصل، وفي كتابات بعض النُخب، التي لم تعد ترى من سورية سوى الطوائف والأعراق. وتشكل مسألة ضبط السلاح الفالت الخطوة الأولى لبناء الدولة، التي من بين مهامها احتكار العنف. وفي الحالة السورية، يجب أن يسير هذا الاجراء بالتوازي مع استكمال وحدة البلد، وتعزيز السلم الأهلي، وإطلاق مسار العدالة الانتقالية التي تأخّر البدء فيها، رغم تزايد أعمال الثأر ذات الخلفية السياسية. ويتوجّب على الدولة ألا تتهاون في مسألة السلاح الخارج عن النظام والقانون، وهذا يستدعي حلّ الفصائل المسلّحة، وفي المقدّمة المحسوبة عليها. يتوجّب أن تقدّم الإدارة القدوة في ذلك، وتعمل بصورة جادّة لبناء جيش وطني يتولى الدفاع عن سيادة البلد بوجه التهديدات الخارجية، وجهاز أمن يعمل على تحقيق الاستقرار وتوفير الأمن للمواطنين.

العربي الجديد

——————————–

كيف سيردّ الشرع على نتنياهو؟

رأي القدس

03 أيار 2025

نفّذ الجيش الإسرائيلي ضربة جديدة استهدفت موقعا في محيط قصر الرئاسة في العاصمة دمشق، وأكد بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل ووزير حربه إسرائيل كاتس هذا المقصد بقولهما في بيان مشترك إن هذه «رسالة واضحة للنظام السوري»، وربط الإسرائيليون هذه الرسالة الرمزية باشتراط واضح مفاده: «لن نسمح بنشر قوات جنوب دمشق أو بأي تهديد للدروز».

تأتي الضربة بعد أيام من الاشتباكات المسلّحة في بلدتي جرمانا وأشرفية صحنايا قرب دمشق، وبعض قرى محافظة السويداء، جنوب البلاد، خلّفت أكثر من 100 قتيل من عناصر «الأمن العام» ومسلّحين دروز.

الواقعة الواضحة في استهدافها النظام السوري الجديد ولشخص رئيسه أحمد الشرع، تم الرد عليها ببيان من الرئاسة التي اعتبرت الهجوم «استهدافا لمؤسسات الدولة وسيادتها وللأمن الوطني ووحدة الشعب السوري»، وأعلنت، في الآن نفسه، العمل «بكل حزم لمنع أي تهديدات قد تستهدف أمن الوطن والمواطنين»، وطالبت الدول العربية بـ«التعبير عن دعمها الكامل لسوريا».

تحوّلت سوريا خلال 14 سنة من الحرب الدموية التي مزقت البلاد ودمرت بناها التحتية والاجتماعية والثقافية إلى جغرافيا منتهكة يتقاسمها نظام بشار الأسد والميليشيات التي أنشأها لقمع السوريين مع جيوش دول عديدة تدير، بدورها، أنواعا من الميليشيات بعضها خارجي من جنسيات ولغات ورايات وأيديولوجيات متعارضة وبعضها محلّي يحاول إيجاد موقع قدم ودور ضمن شطرنج المصالح وأجهزة المخابرات وآليات التمويل ووظائف التشغيل.

كان الموقف الغالب ضمن اتجاهات الطائفة الدرزية في سوريا خلال سنوات الحرب هو العمل على تحييدها عن الصراع الناشب، وفي عام 2014 حاصر أبناء الطائفة مراكز الأمن التي احتجزت أبناءهم بسبب رفضهم التجنيد الإجباري وتمكنوا من إطلاق سراحهم، وبرز دور الشيخ وحيد البلعوس، الذي كان الأكثر إعلانا لمعارضة نظام الأسد حتى اغتياله في العام 2015، وفي العام نفسه نشبت مخاوف ضمن الطائفة نتيجة تقدم فصائل إسلامية في درعا والجولان فانضم بعضهم للقتال مع النظام.

ليس خافيا بالطبع، أن الطائفة الدرزية في إسرائيل، التي يقودها الشيخ موفق طريف، لعبت دورا وازنا في تأمين حاجيات نظرائهم في سوريا، وإذا كان ذلك قد ساهم في تخفيف المشاق الاقتصادية على الدروز السوريين فإنه، من جهة أخرى، جعل العلاقة بين الجهتين غير متوازنة، كما رجّح بعض توازنات القوة ضمن المرجعيات الدينية في سوريا، وفتح المجال لخلافات بين المرجعيات الوطنية والدينية.

يمثّل تأكيد بيان الرئاسة السورية على مفاهيم السيادة، ووحدة الشعب، والأمن الوطني، محاولة للملمة نسيج الهوية الوطنية السورية المشظى، والذي تعرّض للانكسارات العمودية والأفقية الفظيعة آنفة الذكر، ولكنّ مسعى النظام الجديد يصطدم بوقائع صلدة لا يمكن التغاضي عنها. أول هذه الوقائع هو أن سقوط الحكم الأسديّ جاء بائتلاف من قوى سنّية مسلّحة، أهمّها «هيئة تحرير الشام» التي هي في صلب عملية إدارة الحكم.

الأغلب أن العصبية السنّية، وعناصر الاستقلالية والشجاعة والمبادرة التي ميّزت «هيئة التحرير»، لعبت أدوارا كبيرة في إسقاط النظام السابق، غير أن هذه العناصر الراديكالية خطيرة الأهمية في فترة التحرير أصبحت، كما تظهر الوقائع الحالية، عبئا كبيرا في مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة.

فرض التغوّل الأسديّ على معارضيه التحوّل من «أمّة» إلى «طائفة»، وصار من المهم جدا عكس هذا التحوّل بشكل يجعل السوريين، بكافة أطيافهم، بمن فيهم السنّة أنفسهم، قابلين للانخراط في السردية الوطنية، وليس في صراع العصبيات الذي لا يمكن أن ينتج سيادة أو وحدة أو أمنا.

نجاة سوريا، ضمن السياق المذكور، لا يتعلّق بوحدة شعبها وأمنه وسيادته وحسب، بل يتعلّق بنجاة المنطقة برمّتها، ويمثّل أيضا الرد الأكثر صدقية على دولة الإبادة والإرهاب الإسرائيلية.

القدس العربي

————————————

مَن يدفع سوريا نحو الفوضى؟/ ناصر زيدان

الجمعة 2025/05/02

المجموعات والأفراد او المرجعيات التي عارضت نهج الرئيس أحمد الشرع، او الطريقة التي أدار فيها المرحلة الانتقالية منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول(ديسمبر) 2024، تتحمل جزء من المسؤولية عن ما آلت إليه الأوضاع في سوريا، لأن المرحلة كانت تقتضي أن يتعامل هؤلاء بواقعية للخروج من المحرقة التي وضِعت فيها البلاد على مدى 14 عام، وقبل ذلك من خلال حكم استبدادي تحكَّم بمؤسسات الدولة على مدى 54 عاماً، ووصل بهم الأمر الى حد إلصاق اسمهم باسم سوريا، ولم يترددوا في تبني الشعار المقيت “سوريا الأسد” بينما سوريا بالواقع أغنى بلاد الأرض بالحضارة وحماية التنوُّع، ودمشق عاصمة الأمويين الذين أغنوا البشرية بالعلوم الطبية والهندسية والإدارية والأدبية طيلة حقبة طويلة من الزمن.

لكن المسؤولية الكبرى تقع على الذين تولّوا الحكم، وهؤلاء لم ينجحوا في اقناع مكونات سورية مختلفة بصوابية خياراتهم، لاسيما في موضوع الأمن، وكل الأعمال التي حصلت حتى اليوم، بما في ذلك تأليف الحكومة وإعادة تشكيل قطاعات الجيش وقوى الأمن؛ لم تُحقِّق المرتجى، والدليل الفلتان الذي حصل في بعض المناطق، كأحداث الساحل الأليمة في النصف الأول من شهر آذار/مارس الماضي، ودفع ثمنها الأبرياء أكثر من المُجرمين الذين كانوا يتآمرون على الاستقرار، كذلك أحداث نهاية شهر نيسان/أبريل في جرمانا وأشرفية صحنايا، التي أثارت الموحدين الدروز من دوافعها الغامضة، وتوقيتها الغريب، وكيفية انتقالها من مكان الى آخر، ولا يكفي التبرير بسبب أخطاء قام بها بعض المندسين، أو الذين شوهوا بتآمر ودسّ رخيص صورة الرسول الكريم (ص)، وبعض السلطة الجديدة كأنها لم تدرك مدى تأثير خوف الأقليات على مصيرها، وهذا التأثير للمجموعات القليلة العدد، هدد استقرار امبراطوريات في ماضي سوريا، وسبَّب هزيمة للإستعمار.

بعض الأفراد من الذين يديرون مرافق أساسية في مؤسسات الدولة، لا يشبهون سوريا على الإطلاق، ويبدو أنهم يجهلون قيماً وأعرافاً راقية للشعب السوري، والحكم البائد لم يتجرأ على الولوج الى مساحة التحريض الطائفي الذي وصل اليها متطرفو اليوم، وبيان مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ أسامة الرفاعي أمس، كان مُعبراً جداً، وفيه توصيفات مهمة لما جرى، لأنه استنكر كل أعمال ردود الفعل الغرائزية، ودعا الى التكاتف والوحدة ونبذ الفتنة التي تؤدي الى تفكُّك النسيج المجتمعي وتسبِّب إراقة الدماء.

لا يحتاج إثبات وجود مُخطط لتفتيت سوريا، مزيداً من العناء، فيكفي الإشارة الى تصريح رأس حربة التطرف الإسرائيلي وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أمام وسائل الاعلام كافة، وهو قال “ان الحرب ستنتهي عندما تتفكَّك سوريا وعندما يخرج سكان غزة الى دول مجاورة”، وفي ذلك إشارة الى النوايا العدوانية الإسرائيلية، وهي ترغب في اقامات كيانات محيطة بها، تتقاتل بين بعضها البعض، وتلهي المقاومين للاحتلال عن النضال.

وحكومة العدوان الإسرائيلية تستغل الأخطاء التي يرتكبها بعض مَن في الإدارة السورية الجديد، كما تستفيد من بعض المتعاونيّن معها لأسباب نفعية – وأكثريتهم ممن كانوا على علاقة وطيدة مع النظام البائد – لتنفيذ مخططاتها الجُهنمية. وإسرائيل ليست حريصة على الموحدين الدروز كما تدَّعي، بل تريدهم وقوداً للنار التي تشعلها في المنطقة برمتها، علماً أن المسلمين الدروز لم يختلفوا مع الأمة السنية طيلة ألف سنة من التعايُش، رغم الإضطهاد والتكفير الذي تعرضوا له في محطات كثيرة من التاريخ. والأمر ذاته ينطبق على محاولة إسرائيل استغلال أحداث الساحل التي حصلت مع المسلمين العلويين ودفعهم للمطالبة بالاستقلال، وكذلك بالنسبة للأكراد في الشمال الشرقي، وهؤلاء لاقوا احتضان كبير من العرب السوريين بعد اضطهادهم في مناطقهم الأصلية في تركيا خلال القرن التاسع عشر.

تتوضَّح معالم مخطط تفتيت سوريا يوماً بعد يوم، وبعض الاجراءات غير المدروسة كفايةً ساهمت في بلورته، وكان يمكن لمؤتمر الحوار الوطني أن يتظهَّر بشكل أفضل، وكذلك الإعلان الدستوري الذي تخشى من بعض مواده مكونات هامة من الشعب السوري، خصوصاً لأنه حصر كامل السلطة التنفيذية بالرئيس، ولم يتحدث عن اللامركزية الادارية المنشودة، بسبب غياب أي تنمية في مناطق سورية عديدة منذ سنوات، لا سيما في السويداء ودرعا.

الاضطرابات الشنيعة التي حصلت في بعض المناطق التي تسكنها أغلبية من الدروز، لم تكُن في صالح الحكم الجديد على الاطلاق، وهي وفَّرت فرصة ذهبية للمصطادين في المياه العكرِة، وللذين لا يكنون أي ودّ للنظام الجديد، وهم يستفيدون من الفوضى ويدفعون اليها. صحيح أن أخطاء مجموعات من العلويين والدروز والأكراد، راكمت المخاوف لدى الإدارة الجديد، ولكن هذه الإدارة ساعدت في تطوير حالة الخوف وتغييب القانون، وساعدت في زيادة منسوب التفلُُّت، ولم تُقدِّم الحماية المُرضية لكافة المكونات الشعبية كما كان مُنتظراً، وتركت لدى المُنحرفين من تجار المخدرات او من ذوي الأهواء الإنفصالية فرصاً، استفادوا منها.

خوف “الأقليات” السورية من الاستبداد ومن التشدُّد، إضافة لطموحات إسرائيل العدوانية، والحصار الدولي الذي ما زال قائماً على سوريا، إضافةً الى الإخفاقات الإدارية؛ يدفعون سوريا نحو الفوضى، والفوضى قد تؤدي الى التفتيت والإنقسام.

المدن

———————

كيفية معالجة الحقوق القومية والطائفية في سوريا الجديدة؟/ عبدالله تركماني

2025.05.02

يتكون الشعب السوري من مكوّنات قومية وطائفية عديدة، مما يستوجب الإقرار الدستوري بالحق الثقافي لمختلف هذه المكوّنات. ولعلَّ هذا التنوّع من المشكلات التي ينبغي الاعتراف بوجودها، بغية البحث عن مخارج لها، بعد أن عمل النظام البائد طوال الـ 54 سنة، على تجييرها لديمومة بقائه في السلطة وتوارثها، من خلال نزع صفة المواطنة عن السوريين وتحويلهم إلى رعايا.

كما أنّ السنوات الأربع عشرة للثورة كانت كاشفة لتمزّق النسيج الوطني، مما يؤكد ضرورة الانتقال إلى بيئة قانونية في سوريا الجديدة، تضمن الحقوق لكل مكوّنات الشعب السوري، من خلال إعادة بناء الدولة السورية، استناداً إلى الشرعية الدستورية والرضا المجتمعي. وذلك على قاعدة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والاعتراف بالتعدد القومي والطائفي، والتفاعل فيما بين كل المكوّنات لما يخدم الحرية والتقدم والسلام الأهلي والعيش المشترك.

ويشير البيان الختامي لمؤتمر “وحدة الموقف والصف الكردي” المطالب باللامركزية من دون تحديد مضمونها، أهي سياسية أم إدارية؟ أهي على أساس جغرافي أم قومي؟ إلى أنّ ثمة أزمة مكوّنات قومية، تهدد أسس العيش المشترك وفرص استمرار وحدة الأرض السورية، بل يعطّل إمكانية انبثاق هوية سورية جامعة. وفي هذا السياق، ليس جديداً القول: إنّ المسألة الكردية هي أحد الأبعاد الأكثر إشكالية في مسألة الهوية السورية الجامعة. ويعود ذلك إلى أنّ النظام البائد قد روّج إلى أنّ الوجود الكردي في سوريا طارئ، وأنّ معظم الكرد قدموا من تركيا واستقروا في شمال شرقي سوريا.

وقد ترتبت على هذا التصوّر رؤية سياسية خاطئة مفادها أنّ الأكراد طارئون على النسيج الوطني السوري، وتجسد هذا التصوّر بحرمان عشرات آلاف الكرد من الجنسية السورية. وهكذا، ساد مفهوم “فوبيا الانفصال الكردي”، إذ بمجرد أن يطالب الكردي السوري بأدنى حق يُتهم بالانفصالية، ويُحكم عليه بأنه يسعى إلى تقسيم البلاد واقتطاع جزء منها. ولا شك أنّ الربط بين المسألة الكردية واللامركزية السياسية يهدف إلى المزيد من خلط الأوراق وتعقيد المسألة السورية.

وطالما أنّ المفاهيم هي نتاج الواقع الاجتماعي الذي يتسم بالتنوّع، فإنّ السؤال المطروح في الواقع السوري: هل يمكن الحديث عن حق تقرير المصير لمكوّنات الشعب السوري المنتشرة في عدة محافظات ولا يوجد ترابط جغرافي بين مناطق توزعها؟ خاصة إذا علمنا بتصادم مبدأين مرجعيين أساسيين في العقل السياسي الحديث، المستند إلى القانون الدولي (القرار 2625 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1970) الذي يعطي الحق في تقرير المصير للشعوب وليس إلى مكوّن قومي أو طائفي في شعب ما، بما يضمن الوحدة الإقليمية للدولة ضمن حدودها المعترف بها. فلو أنّ كل المكوّنات في الدول، استنادًا إلى تاريخها وثقافتها الخاصين، تطالب بالانفصال عن الدولة، فإنّ هذا يعني تفتيت الدول القائمة.

إنّ تعدّد المكوّنات في دولة ما ينطوي على احتمالين: أولهما، فرصة للغنى الثقافي، الذي يسهم في تقدم الدولة وازدهارها. وثانيهما، مصدر لتحديات التوتر والنزاعات، مما يجعل الدولة ضعيفة وقابلة للانفجار والتقسيم. وهنا تبرز طريقة قيادة المرحلة الانتقالية في إدارة الدولة كعامل رئيسي في ترجيح أحد الاحتمالين، فإذا كانت تعمل على حماية مبدأ التنوّع ضمن إطار الوحدة، وتضمن الحريات الفردية والعامة والمساواة أمام القانون. في هذه الحالة يكون التنوّع والتعدد فرصة لتوظيف إمكانيات كافة مكوّنات الدولة في سبيل التنمية والتقدم والازدهار.

إنّ الأمر يبقى مرتبطًا بممارساتها، إذ إنّ الإقصاء والتمييز السياسي والاجتماعي بين المواطنين، على أساس التعبئة القومية والطائفية، كما حصل مع إخوتنا العلويين في الساحل والدروز في جرمانا وصحنايا مثلاً، يمهدان الطريق أمام الصراعات الداخلية. وعلى العكس من ذلك، فإنّ السلوك الإيجابي للسلطة تجاه مواطنيها كافة، يمكن أن يتحول إلى ميزة إثراء وتقدم للدولة والشعب بكل مكوّناته.

وهكذا، تقوم الحقوق القومية والطائفية للمكوّنات السورية على المبادئ الأساسية التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “الاعتراف بالكرامة الإنسانية المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية والثابتة”، وضمانة هذه الحقوق تكمن في قيام دولة الحق والقانون. واستناداً إلى هذه الحقوق فإنّ سوريا في المرحلة الانتقالية يجب أن تعترف بتنوّع مكوّناتها، وتضمن حقوقهم وفق الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وتحترم حقوقهم الثقافية، مستندة إلى المرتكزات التالية:

إنّ الرابطة الوطنية السورية، التي أنتجتها تجربة تاريخية مشتركة يزيد عمرها عن قرن من الزمن، وعززها الكفاح من أجل الاستقلال الوطني، والعمل المشترك من أجل بناء الدولة الوطنية الحديثة، والنضال المشترك ضد النظام الاستبدادي التسلطي، تسمح برؤية السوريين شعباً واحداً، محافظاً على وحدة الأرض السورية، بضمانة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، بما يعزز إعادة البناء ونبذ الاقتتال الداخلي، وتأمين لحمة السوريين على اختلاف أعراقهم وانتماءاتهم في بوتقة الوطن الموحد. 

سوريا دولة متنوّعة قومياً وطائفياً، جميع مواطنيها متساوون في الحقوق والواجبات من دون أي تمييز، بما فيها الحقوق المدنية والسياسية، مع الاعتراف لمكوّناتها بحق الاختلاف في مجال القيم الثقافية، مع اعتبار أنّ توحيد المرجعية القانونية شرط لازم لتوحيد المجتمع، واكتساب منجزات الحداثة السياسية وتمثّلها على صعيد المجتمع.

تعدُّ اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وتتمتع جميع المكوّنات القومية، غير العربية، بحقوق استخدام لغاتها في الكتابة والنشر وإصدار آدابهم، واستخدامها في التعليم، في المناطق التي يشكلون فيها أكثرية عددية، كلغة ثانية إلى جانب اللغة الرسمية، مع حقها في إنشاء مؤسسات خاصة بها لتأمين كل فعالياتها الثقافية.

يجدر بقيادة المرحلة الانتقالية عدم تسخير السلطة لصالح هوية قومية أو طائفية معينة على حساب باقي الهويات، كما عليها أن تتخذ التدابير اللازمة، في برامج التعليم، من أجل معرفة الأجيال الجديدة بتاريخ مكوّنات مجتمعها المتنوعة.

في ظل صراع الهويات القائم اليوم، وكذلك المقتلة السورية التي عصفت بسوريا، أصبح السوريون في حاجة ماسّة إلى عقد اجتماعي جديد، ينقلهم إلى الحالة الوطنية الجامعة. وهذا يستدعي انخراط جميع المكوّنات في عملية صياغة هذا العقد، كي يجري الحديث عن الدولة السورية الواحدة، أرضاً وشعباً.

اعتماد مبدأ التشاركية في السلطة، حيث يتم تمثيل جميع المكوّنات فيها، بما يتناسب مع تعدادها السكاني، استناداً إلى مبدأ الكفاءة وليس مجرد المحاصصة. ومن المؤكد أنّ تمثيل هذه المكوّنات في كل الهيئات الانتقالية تجسيد لهذه التشاركية، لضمان مساهمة جميع مكوّنات الشعب السوري في الانتقال من الاستبداد إلى الدولة السورية الديمقراطية الجديدة.

إطلاق سيرورة الاندماج الوطني، أي وحدة التعدّد والاختلاف، بما يأخذ المجتمع السوري بعيداً عن التشظّي والانقسام، وبما يساعد على إعادة بناء دولة المواطنين السوريين المتساوين في الحقوق والواجبات.

لعلَّ مشروع اللامركزية الإدارية الذي سنعود له في مقال قادم، يساعد على الازدهار الاقتصادي والتنمية المتوازنة بين المناطق، إضافة إلى مساهمته في تماسك سوريا كوحدة جغرافية تقطع الطريق على الانقسام والتشتت.

وهكذا، فإنّ مشروع هذه الأسس يجب أن يحظى برضى أغلبية السوريين، ومعترف به من قبل القوى الإقليمية والدولية ذات التأثير على المسألة السورية. ومثل هذا المشروع سيسهم في وقف النزيف السوري، وبناء مستقبل سوريا الغد في إطار التعددية والديمقراطية، كما سيسهم في الازدهار الاقتصادي لسوريا، وضمان تماسكها كوحدة جغرافية تقطع الطريق أمام التقسيم والتشتت، وسينطوي المشروع التوافقي على ضمان الحقوق لكل المكوّنات السورية.

تلفزيون سوريا

——————————

ريف دمشق: فصام داخلي يهدد استقرار سوريا

الجمعة 2025/05/02

يجوب ياسر، أستاذ اللغة الإنكليزية، يومياً نحو عشر عيادات نفسية في مدينة اللاذقية، متنقلاً من عيادة إلى أخرى وهو يعاني من هلوسات حادة تمنعه من ممارسة حياته كشخص طبيعي. أفكار ثابتة تسيطر على رأسه، تدور حول تعرضه للتعذيب وسماعه كلمات مهينة فقط لأنه “نصيري”، كما يردد. هذه الحالة دفعت بعض الأطباء النفسيين إلى التوقف عن استقباله، ما جعله يعيش في حالة من الهلع الدائم، باحثاً عن عيادة جديدة في كل مرة.

وفي مشهد آخر من المدينة، يروي أحد طلاب جامعة تشرين لموقع “المدن”، عن شاب يقطن في السكن الجامعي، يرتدي جلباباً ويطلق لحيته، ويجوب الممرات مدعياً أنه خالد بن الوليد. يحمل سيفاً خشبياً، ويطالب الطلاب “بجمع الغنائم” و”طاعته”، مهدداً بأن الدماء “ستسيل إلى البحر”.

أطباء نفسيون أكدوا انتشار هذه الحالات التي تصل أحياناً إلى ادعاء النبوءة وتصديقها الكامل، ما يشير إلى فصام حاد يجد في البيئة الراهنة مناخاً خصباً لتكريسه والعيش فيه كواقع بديل.

لا نستطيع العيش معاً

تشهد العاصمة دمشق حالة من الفصام الاجتماعي المتفاقم، حيث رصدت “المدن” ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الطلاق داخل أروقة قصر العدل، تحديداً بين أزواج ينتمون إلى طوائف مختلفة، أبرزها بين السنة والعلويين. عبارة تتردد كثيراً على ألسنة المنفصلين: “لم نعد نستطيع العيش معاً”، ما يعيد إلى الأذهان أجواء الانقسام التي شهدها المجتمع السوري مع بدايات الثورة.

هذه الظواهر تشير إلى حالة من التفسخ المجتمعي وغياب التماسك، وهو ما يُعد مؤشراً خطيراً للحكومة السورية الشرعية، خاصة مع تصاعد الخطاب الطائفي الذي عاد ليطفو على السطح، باستخدام تسميات مثل “بني معروف”، “بني أمية”، “نصيرية”، و”نصارى”.

هندسة سلبية

ما يجري ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من “الهندسة السلبية” التي مارسها النظام السابق على بنية المجتمع السوري، والتي تسعى أطراف خارجية ــ وفي مقدمتها إسرائيل ــ إلى استثمارها، عبر تغذية النزاعات الطائفية ومحاولة تسليط طائفة على أخرى. وهو تكتيك مألوف لدى إسرائيل، التي لطالما سعت إلى بناء تحالفات أقليات في المنطقة، رغم تجاهلها لحقيقة أن الأقليات في سوريا جزء أصيل من نسيجها الوطني، لا كتل هامشية يمكن تفكيكها أو استغلالها، رغم عدم تصلب الحالة السورية حتى الآن، ما يدق ناقوس الخطر أمام الحكومة الشرعية الحالية في سوريا.

تراكمات تاريخية

الانفجار المفاجئ للعنف في مدينة جرمانا، ذات الغالبية الدرزية التي لطالما قُدّمت كنموذج تعايش مذهبي في محيط متنوع طائفياً، دلّ على أن ما جرى لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات تاريخية وهواجس متبادلة ظلّت مكبوتة لسنوات، فاقمتها الحرب السورية بما حملته من اصطفافات طائفية وتهشيم للنسيج الاجتماعي.

وهكذا، تحوّل “خطأ فردي” قد يكون مفبركاً (تسجيل صوتي يسيء للنبي محمد) إلى مبرّر لعقاب جماعي، في مشهد يلخّص عمق الأزمة المجتمعية التي تعيشها مناطق سورية عدّة، لا سيما تلك التي تعاني من احتكاك مذهبي يومي.

ضعف الدولة

أدى ضعف مؤسسات الدولة وغياب قنوات فاعلة لحل النزاعات بشكل فوري إلى تصاعد التوتر في مدينة جرمانا، ما سمح بانزلاق الأمور نحو العنف المسلح. فمع غياب دور حاسم للأجهزة الرسمية، تفجّرت ردود الفعل على حادثة التسجيل المسيء بشكل منفلت، سرعان ما خرج عن السيطرة.

وساهم انتشار السلاح ووجود مجموعات مسلّحة غير منضبطة، تنشط تحت مسمّيات “اللجان الشعبية” أو “القوات الرديفة”، في زيادة حدّة الاشتباكات. وقد أوردت تقارير محلية معلومات عن أعمال ثأر وانتقام متبادل، ما عزز مناخ الخوف والتصعيد.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، تم التوصل إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار، بوساطة وجهاء من الطائفة الدرزية، وبمشاركة ممثلين عن الحكومة السورية. الاتفاق نصّ على تهدئة الأوضاع وسحب السلاح الثقيل من الشوارع، دون ضمانات واضحة لالتزام الأطراف به.

ورغم توقف المواجهات، تعيش المدينة حالة من الترقب والقلق، في ظل مخاوف شعبية واسعة من تجدد الاشتباكات، خاصة إذا ما عادت الاستفزازات أو فشل الاتفاق في معالجة جذور الأزمة الاجتماعية والطائفية الكامنة.

صحنايا

لم تمضِ سوى أيام على أحداث جرمانا، حتى شهدت بلدة أشرفية صحنايا بريف دمشق توترات أمنية حادة، خلّفت حالة من الهلع بين السكان. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 16 عنصراً من جهاز الأمن العام السوري، في هجوم مسلّح استهدف مقراً أمنياً داخل البلدة.

في أعقاب الهجوم، عززت قوات الأمن السورية وجودها في المنطقة، وفرضت حظر تجول جزئي في عدد من الأحياء. كما تم إجلاء 18 عائلة على الأقل، في ظل تدهور الوضع الأمني واستمرار التوتر.

وفي تطور لافت، أعلنت إسرائيل تنفيذ غارات جوية استهدفت مواقع أمنية سورية في محيط البلدة، بزعم “حماية أبناء الطائفة الدرزية من تهديدات وشيكة”. هذا التدخل ترافق مع مطالبات بفتح ممرات آمنة للمدنيين، ما أدى إلى موجة نزوح واسعة، توجهت بمعظمها إلى منطقة باب توما ذات الغالبية المسيحية، والتي يُنظر إليها كمنطقة أكثر أماناً في الوقت الراهن، نظراً لما يُعتقد أنه “حماية غير معلنة” توفّرها لها أطراف نافذة.

خريطة نفوذ معقدة

يروي مصدر من داخل بلدتي صحنايا وأشرفية صحنايا لـ”المدن”، تفاصيل ما حدث خلال الأيام الأخيرة، كاشفاً عن خريطة النفوذ المعقّدة التي ساهمت في تصاعد التوتر.

ويقول المصدر إن بلدة صحنايا كانت خاضعة لحماية حركة “رجال الكرامة”، في حين كانت أشرفية صحنايا تحت إشراف لجان مشتركة بين “الهيئة ” و”رجال الكرامة”، ما جعل الدخول إلى البلدة يمرّ حصراً عبر حواجز تابعة للهيئة. وبحسب المصدر، كانت هناك عمليات أمنية مشتركة بين الطرفين، بينما كانت مؤسسات الدولة الرسمية كالمخفر والمحكمة والدوائر الإدارية تحت سيطرة مباشرة من الهيئة.

ومع تفشي السرقات خلال الفترة الماضية، شكّلت مجموعات من شباب الأحياء فرقاً محلية لحماية المنازل، وانتسب عدد منهم إلى “رجال الكرامة”، بهدف الدفاع الذاتي.

لكن، ومع تزايد الضغط الحكومي لسحب السلاح من الأهالي، برز عامل جديد زاد من تعقيد المشهد، تمثل في وجود مجموعات مسلحة أخرى من أبناء عشائر “العقيدات” المنحدرين من دير الزور، والذين يتشاركون المنطقة مع السكان الدروز. ووفقاً للمصدر، فإن العلاقة بين الطرفين يشوبها التوتر، ما ساهم في زيادة الاحتقان ورفع مستوى الاستنفار بين مختلف الأطراف.

يتابع المصدر المحلي في حديثه لـ”المدن” كاشفاً تسلسل الأحداث: “قبل انتشار الفيديو المسيء، كان هناك اتفاق مسبق على دخول فصيل من الأمن العام إلى بلدة صحنايا. غير أن الأمور انقلبت بعد يومين فقط، مع انتشار التسجيل الصوتي الذي أثار موجة غضب واسعة، حيث أُعلن النفير العام تحت عنوان محاربة الخارجين عن القانون”.

ويضيف المصدر أن “الهجوم انطلق من عدة محاور، أبرزها الكسوة وداريا وجديدة عرطوز، ما أدى إلى محاصرة البلدة من مختلف مداخلها، وسط حالة ذعر بين السكان”.

وفي تطور غامض، يشير المصدر إلى أن “طرفاً ثالثاً مجهول الهوية اعتلى أسطح المباني في المنطقة الفاصلة بين صحنايا وأشرفية صحنايا، وبدأ بعمليات قنص طالت المدنيين”، مرجّحاً أن هذا الطرف “ينتمي إلى الداخل، ويعمل على تأجيج الصراع”.

ويختم بالقول: “هذا النوع من التصعيد يعيد إلى الأذهان أساليب النظام البائد في خلق الفتنة عبر أطراف خفية، ويثير المخاوف من وجود أيادٍ تعمل في الظل لزرع الفوضى ونسف أي إمكانية للحل”.

ويتابع المصدر: “الفصيل الذي وصل إلى الموقع اتّسم بتشدّد كبير، وترافق دخوله مع قصف عنيف بقذائف الهاون التي لا تزال هويتها مجهولة حتى اللحظة، ما أسفر عن حالة من الذعر والدمار في محيط الاشتباكات. أعقب ذلك وصول تعزيزات عسكرية ودبابات، لتندلع بعدها مواجهات عنيفة بين القوات المهاجمة ومقاتلين من أبناء الطائفة الدرزية”.

وبحسب المصدر، “تم سحب السلاح من عناصر الطائفة الدرزية في المنطقة، بينما تُرك في أيدي مجموعات مسلّحة تنتمي إلى عشائر دير الزور، وهو إجراء أثار الكثير من علامات الاستفهام حول دوافعه، وإمكانية وجود تمييز أو أهداف سياسية وراءه”.

مع تصاعد العنف، بدأت موجات نزوح كبيرة بين أفراد الطائفة المسيحية، في وقتٍ شهدت فيه البلدة عمليات “تعفيش” للمنازل، وسط تقارير عن انتشار مقاطع فيديو يظهر فيها مسلحون متشددون وهم يستهزئون بجثث قتلى من الطائفة الدرزية. في إحدى المقاطع، يتنقل الفصيل بين الجثث قائلاً: “شو كيف الشوارب؟”، ثم ينتقل إلى جثة أخرى قائلاً: “طمني عنك، شو أخبارك”، في مشهد يعكس فظاعة الوضع. كما ظهرت جثث محروقة في الفيديو، مما يزيد من فظاعة المشهد ويفاقم من حالة الاحتقان.

هذه الأحداث تُظهر بوضوح هشاشة الوضع الأمني في المناطق ذات التركيبة الطائفية المعقدة، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز الحوار والشراكة بين الحكومة السورية والمجتمع المحلي بهدف تحقيق الاستقرار والأمن الدائمين.

في الوقت نفسه، سادت حالة من خيبة الأمل الكبيرة بين السوريين، الذين عبّروا عن استياءهم من خلال منشورات على فيسبوك، حيث كتب أحدهم: “ليست هذه الثورة التي خرجنا من أجلها، وقضينا سنوات في السجون تحت الحكم الأسدي”.

لا شك أن الواقع الداخلي في سوريا مأزوم، حيث يبدو أن هناك محاولات للعب بالنسيج الاجتماعي السوري والعبث بواقعه. كما كان الصحافي الراحل ميشيل كيلو يقول دائماً: “رتب بيتك الداخلي قبل أن تسعى لتعزيز علاقاتك الخارجية”.

وفي هذا السياق، تظل التساؤلات مفتوحة حول عدم قدرة الحكومة الحالية على السيطرة على الفصائل المتشددة، رغم الخطابات الرسمية التي تؤكد على وحدة سوريا ورفض تقسيمها. وبينما يُسمع خطاب يؤكد على الثوابت الوطنية، يظهر أن ما تفعله إسرائيل في المنطقة هو محاولة لتلاعب بها، وجذبها نحو التقسيم بمطلب شعبي.

ومع ذلك، يبقى الرهان على سوريا الأصيلة، على بلد كانت تستقبل الغريب قبل أن تضيق به ناسها. فالبداية الحقيقية تكون من الداخل، حتى لو استدعى الأمر مواجهة الواقع المُرّ وكشف أسبابه.

المدن

—————————-

إسرائيل تقتحم الفتنة في سورية بادعاء حماية الدروز/ نايف زيداني

01 مايو 2025

تستمر دولة الاحتلال الإسرائيلي في توظيف الفتنة في سورية وتعميق خطاب الأقليات الذي يفرّق السوريين، وبعض أخطاء النظام الجديد في دمشق والفئات المتطرفة من مختلف الأطراف والطوائف، من أجل تفتيت سورية الجديدة الباحثة عن بناء نفسها في مرحلة حساسة. آخر ما تحاول إسرائيل استغلاله الاعتداءات التي طاولت الدروز في مدينتي جرمانا وصحنايا في ريف دمشق، والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، لزعزعة الاستقرار والمضي في مخططاتها الرامية لتفتيت سورية ومنع قيام دولة قوية ومتماسكة تضمن تمثيلاً لجميع فئاتها، تحت راية وحدة وطنية.

ذريعة لاستثمار الفتنة في سورية

ومن هنا تروّج لمسألة الدفاع عن الدروز، بزعم أنها تلقّت مناشدات لمساعدتهم، فيما صرّحت قيادات درزية في غير مرة، برفضها التدخّل الإسرائيلي. وبرز أمس إعلان السلطات الإسرائيلية، في إطار لعبها على وتر حماية الأقليات، خصوصاً الدروز، أنها نفّذت قصفاً أمس الأربعاء، بذريعة الدفاع عن الدروز، لمبنى كان يوجد فيه “مسلّحون يستعدون لمهاجمة الدروز”. وجاء في بيان مشترك لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، أنه بإيعاز منهما ومن رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال إيال زامير، “قام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عملية تحذيرية، وهاجم تنظيماً لمجموعة متطرّفة كانت تستعد لمواصلة مهاجمة السكان الدروز في بلدة صحنايا، بمحافظة دمشق في سورية. كما تم توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى النظام السوري، حيث تتوقع إسرائيل منه أن يعمل على منع الإضرار بالدروز”.

وجاء هذا التحرك تحديداً، بعد احتجاجات شارك فيها العشرات من دروز إسرائيل، في المنطقة الشمالية، تعبيراً عما اعتبروه تضامناً مع أبناء الطائفة في سورية، ولا سيما في منطقتي جرمانا وصحنايا. وتخلل الاحتجاجات إشعال إطارات وإغلاق شوارع، ومطالبتهم بتدخّل إسرائيلي، وهو المطلب الذي يعود من فترة إلى أخرى منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وفي وقت كانت قيادات درزية تتحرك بهدوء بعيداً عن الشحن أو التحريض لاحتواء الفتنة من بينها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط عبر سلسلة اتصالات شملت القيادة السورية والقوى الدرزية وعواصم عربية وغربية انطلاقاً من ضرورة عدم السماح باتساع الاشتباكات وتدهور الانفلات الأمني ومنع أي أطراف من استغلال الوضع، برزت دعوة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في دولة الاحتلال، موفق طريف، “دولة إسرائيل والمجتمع الدولي والشعب اليهودي إلى التحرك الآن، فوراً، لمنع المذبحة الجماعية” في سورية، على حد وصفه، مضيفاً “أن دولة إسرائيل يجب ألا تقف مكتوفة الأيدي وتشاهد ما يحدث الآن في سورية. هذا هو وقت التحرّك”.

وعملت قيادات درزية في أراضي 48 موالية للمؤسسة الإسرائيلية على الدفع باتجاه التدخل في سورية، وهي قيادات تتواصل أيضاً مع دروز سورية، وتنظّم زيارات لمشايخ دروز، بتنسيق إسرائيلي تام وحماية أمنية إسرائيلية، إلى مقام النبي شعيب وقرى درزية في الداخل. وتستغل دولة الاحتلال هذه الحالة، ولو بشكل غير مباشر، لتسويق وجهها “الإنساني” الذي يجمع “الإخوة الدروز” من جانبي الحدود، ويحرص على السماح لهم بتأدية واجباتهم الدينية، رغم أن طائرته تقصف باستمرار مواقع سورية، وتستبيح البلاد، حتى على خلفية قضايا غير متعلقة بالدروز، وتحتل أراضي سورية بذرائع أمنية ومخاوف من النظام الجديد. لكن في المقابل، تتنصّل أوساط وشخصيات عربية درزية من الداخل الفلسطيني وأبناء الجولان السوري المحتل من مثل هذه المطالبات بالتدخل الإسرائيلي في سورية، وتحذّر من مخاطرها، ومخاطر الاندماج في المشروع الإسرائيلي في سورية.

استغلال الفتن الطائفية

ولا تستغل إسرائيل فقط ضرباتها ومخططاتها لتقسيم سورية وإضعافها أكثر، بذريعة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي، وإنما تلعب بورقة الفتنة في سورية من أجل إرضاء الدروز الموالين لها، أو من تحبذ أن تطلق عليهم اسم “إخوة الدم”، وتظهر بمظهر من يأبه بهم وبإخوتهم في سورية ويستجيب لطلباتهم، وهو ما عناه بيان نتنياهو وكاتس، بأنه “بالذات في يوم الذكرى لقتلى حروب إسرائيل، والذي نكرّم فيه المساهمة العظيمة للطائفة الدرزية في أمن إسرائيل، ونحيي ذكرى الدروز الذين ضحوا بحياتهم دفاعاً عن دولة إسرائيل، نحن نرى أهمية كبيرة في الوفاء بالتزامنا تجاه الطائفة الدرزية في إسرائيل وحماية إخوتهم في سورية… إسرائيل لن تسمح بالإضرار بالطائفة الدرزية في سورية، انطلاقاً من التزام عميق تجاه إخوتنا الدروز في إسرائيل، المرتبطين بعلاقات عائلية وتاريخية مع إخوتهم الدروز في سورية”.

ومن المفارقة أن القيادات الدرزية التي تروج لمقولة أنها أقنعت دولة الاحتلال بضرب سورية بحجة الدفاع عن الدروز، لم تتمكن حتى اليوم من تجنيب الطائفة في إسرائيل ويلات القوانين العنصرية، من قبيل قانون القومية العنصري أحد قوانين تكريس الفوقية اليهودية في دولة الاحتلال، وقانون كامينتس الذي يسهّل هدم البيوت العربية في أراضي 48، بما في ذلك في البلدات الدرزية. كما لم تتمكن من إقناعها بمنع مصادرة الأراضي وغيرها من القضايا، رغم أن الجزء الأكبر من أبناء الطائفة الدرزية يؤدون الخدمة العسكرية، ويشاركون دولة الاحتلال في حروبها، ويبذلون دماءهم في سبيلها، وبكلمات أخرى كيف لإسرائيل التي لا تحمي حقوق دروزها، الذين يقدّمون أبناءهم ودماءهم، أن تكترث لحماية إخوتهم في دولة آخر، إلا إن كانت لديها مآرب أخرى، على رأسها استغلالهم لتحقيق غاياتها.

——————————

وصفة لتفتيت الدولة/ رشا عمران

02 مايو 2025

تراجعت في سورية أفراح نشوة الانتصار ورحيل بشّار الأسد، وظهرت الكارثة فراغاً كبيراً في السياسة والأمن والمجتمع، أخذه السوريون بحسن نيّة، فيمكن للفراغ أن يعطي مساحةً واسعةً لبناء دولة جديدة على أسس متينة، بدلاً من بنائها على الأساسات الهشّة نفسها، والقابلة للسقوط في أيّ لحظة. بناء الدولة الوطنية الديمقراطية هو أوّل الأحلام التي عادت إلى الظهور، ما جعل كثيرين من الديمقراطيين، والمدنيين السوريين، يقفون بجانب سلطة الأمر الواقع، المتمثّلة بهيئة تحرير الشام، ويتغاضون عن تاريخها الجهادي العُنفي في سورية، خصوصاً بعد التطمينات التي قدّمها قائدها، الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، للسوريين وللخارج، في حواراته وخطاباته المقتضبة، التي أظهر فيها تغيّراً في خطابه القديم لصالح خطاب وطني جامع كان يمكن التأسيس عليه للبدء في عملية بناء الدولة الوطنية.

في بلدٍ مثل سورية، خرج من حرب أهلية قامت في أثر ثورة شعبية، يجب أن يبدأ بناء دولة وطنية من إعادة تشكيل هُويَّة وطنية جامعة، بها تُتجاوز الانتماءات الدينية والطائفية والعرقية، ورغم أن شروط تحقيق ذلك صعبة وطويلة الأمد، إلا أنه كان يفترض أن تكون لها الأولوية في أيّ خطّة تضعها السلطة، التي منحت نفسها شرعيةً ثوريةً وسلطةً، وكان عليها أن تقرن أقوالها بأفعال حقيقية في الأرض تُبيّن من خلالها حسن نيّتها في التعامل مع ملفّ الدولة الوطنية، حلم السوريين كافّة، لا سيّما منهم أولئك الذين خرجوا في 2011 مطالبين بالتغيير الديمقراطي وبالعدالة وبالهُويَّة الوطنية الجامعة ضدّ الإقصاء والتهميش. كان يفترض بها لذلك أن تضع (منذ وصولها إلى قصر الرئاسة)، خطّةً سريعةً للبدء بالعدالة الانتقالية، الضامن الوحيد (والأول) للسلم الأهلي الذي هو الضامن الوحيد (والأول) للدولة الوطنية.

أثبتت مجازر الساحل السوري في مارس/ آذار الماضي أن ما تقوله السلطة في أعلى مستوياتها شيء، وما يحدُث في الأرض من أفعال شيء آخر تماماً. لن ينفي أحد نظرية الفلول، ذلك أن الفوضى في سورية هي مطلب جهات عديدة، لكن الفلول في النهاية حركة عسكرية ينبغي التصدّي لها عسكرياً. إعلان النفير الجهادي، وتسليح المدنيين، وإعطائهم والفصائل (يفترض أنها منضوية في وزارة الدفاع) ضوءاً أخضرَ لارتكاب المجازر بحقّ المدنيين والآمنين من العلويين، هو وصفة لتدمير أساسات الدولة كلّها، ولتفتيت ما تبقّى من أواصر المجتمع السوري المنهك أصلاً. كان يمكن اعتبار تلك المجازر خطأً كبيراً، وسوءَ تقدير من السلطة الحاكمة، خصوصاً أن ذلك ساهم في منع رفع العقوبات عن سورية، لولا أن الحكاية ذاتها تعاد في هذه الأيام مع الدروز، في جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا (مناطق تبعد عن مركز العاصمة أقلّ من 15 كيلومتراً). أمّا الذريعة هذه المرّة فهي تسجيل ملفّق ينسب لشيخ درزي يسيء فيه إلى الرسول الكريم، ما جعل جموع المتطرّفين في سورية في حالة من الهيجان غير المبرّر (خصوصاً بعد فضح حقيقة التسجيل الملفّق وصدور بيانات درزية تتبرّأ منه) فيعتدون على طلاب دروز في الجامعات، يضربون ويطردون، يخرجون في مظاهرات طائفية مسلّحة لا تمنعها السلطة الحاكمة، تحاصر فصائل (متطرّفة) يفترض أنها تابعة لوزارة الدفاع، كما يصرّح وزير الخارجية السوري في الأمم المتحدة، المناطق ذات الغالبية الدرزية، تمنع سيّارات الهلال الأحمر من إنقاذ المصابين، يتصاعد خطاب الكراهية في وسائل التواصل… يحدث ذلك كلّه من دون أيّ تدخّل من السلطة الحاكمة لوقف مجزرة طائفية جديدة واضحة المعالم، ومن دون أن تعترض أو تضع حدّاً لما يحدث، ومن دون أيّ تدخّل من أركانها لمنع التحريض الطائفي وتجريمه وتجريم نتائجه التي أدت إلى مجازر مستمرّة لحظة كتابة هذه السطور.

كلّ ما حدث (ويحدث) يُظهر ألّا نيّة لسلطة الأمر الواقع في بناء دولة وطنية، بل ثمّة إصرار على اعتبار سورية غنيمةَ حرب، والسوريين من غير السنّة أهل ذمّة يمكن عقابهم في أيّ لحظة عبر الغوغائية التي تدّعي السلطة عدم قدرتها على ضبطها. قدمت السلطة خلال الخمسة أشهر الماضية وصفةً ممتازةً للقضاء على المجتمع وعلى حلم الدولة المدنية، وصفة سوف يدفع فاتورتها السوريون جميعاً، بمن فيهم المنتشون بالانتصار الوهمي الذي يعتقدون أنهم فيه الآن.

العربي الجديد

——————————–

دم أقل!… عن أحوال سوريا أو ما تبقى منها/ شكري الريان

02.05.2025

أظن أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن نحفظ من خلاله ما تبقى من كرامتنا كبشر، قبل أن نكون سوريين، سنة، مسيحيين، دروزاً، علويين… الشيء الوحيد الممكن والمطلوب بإلحاح من دون أي تأجيل هو أن نوقف نزيف الدم الآن، وبأي ثمن ممكن.

أظهرت سلطة الأمر الواقع في سوريا، نهماً شديداً تجاه إعادة إغلاق المجال العام، والسيطرة عليه، كدأب النظام الذي تدعي أنها هي من أزاحته. وهي سلطة أمر واقع، لأنها تمكنت بقوة السلاح والدعم الإقليمي فقط. كما كان حالها إبان استواء الأمر في سوريا، ما بعد ثورة 2011، والرد الهمجي من نظام الأسد على تلك الثورة، ومن ثم توزع مناطق النفوذ في كل البلاد ما بين أجزاء خاضعة لسلطة أسدية، وصلت ذروة اهترائها في انهيارها السريع خلال بضعة أيام فقط، بعد حكم دام لأكثر من نصف قرن، وأجزاء أخرى تقاسمتها قوى محلية مختلفة، حسب اللون الطائفي أو العرقي السائد في كل منطقة على حدة.

سلطة الأمر الواقع، وككل سلطة تشبهها، لا يمكنها الركون إلى رأي عام يتشكل ضمن مجال عام مفتوح للنقاش بشأن مصير البلاد والعباد. إذ إن هذا الرأي لا يمكن أن يكون ثابتاً، بحيث يؤمن دعماً مستمراً، غير مشروط، لسلطة بعينها. إذ هو، كرأي أولاً، خاضع للكثير من المعطيات المتعلقة بمصالح أصحاب ذلك الرأي ومصائرهم، وما قد يجمعون، أو يشكلون غالبية وازنة، لقبوله أو رفضه. وهو بالتالي طريق سلمي، مشروع، تكفله الدساتير المحترمة كافة، لإحداث التغيير المنشود، لمصلحة أصحاب تلك الغالبية أو سواها، من دون الحاجة إلى ثورة، قد تهدد مصير الكيان كله إن لم تنجح في الوصول إلى أهدافها. 

أساس المشكلة هو في تلك الكلمة “التغيير”، وهو بالنسبة الى أية سلطة، ذات طابع استبدادي، أمر لا يمكن الركون إليه، إذ قد يطيح كل المعطيات التي فرضت تلك السلطة لصالح معطيات جديدة يفرضها أصحاب المصالح المتنوعة، الذين بدورهم سيجدون الفرصة مواتية لإعادة تشكيل اصطفافاتهم بناء على مصالحهم، قبل هويتاهم، وبالتالي ستفقد تلك السلطة، مبرر وجودها الأهم: كونها الممثل الذي يُفترض أنه الشرعي والوحيد لمصالح أبناء تلك الطائفة، أو العرق، أو القبيلة، أو أي تشكيل ذي أساس هوياتي.

ماذا بقي من سوريا؟

“التغيير” إذاً يبدي بدوره نهماً، لا يقل عن نهم السلطة الاستبدادية، في زعزعة أركان تلك السلطة بالذات، فاتحاً المستقبل لاحتمالات أخرى للعيش بدون وجود تلك السلطة، أو ما يشبهها، كقدر أزلي فرض نفسه، بشرعية القوة، والعلاقات الإقليمية (حالة سوريا، منذ بدء الحقبة الأسدية إلى يومنا هذا، فريدة في هذا الجانب)، من دون أية شرعية أخرى مستمدة من الداخل المحلي الذي تسيطر عليه تلك السلطة، باستثناء تلك الشرعية المتأتية عن الخوف وحده.

وحتى لا نظلم السلطة الجديدة في دمشق، ونقول إنها تماماً كنظام الأسد، فإن الخوف الذي استندت إليه، في محاولتها لتثبيت أركان حكمها في أسرع وقت، لم يكن متأتياً من جهتها، بمعنى الخوف من بطش النظام الحاكم (ما زالت تلك السلطة بحاجة إلى وقت، قد يطول، لفرض “هيبتها”) بقدر ما كان متأتياً من “عدو”، داخلي دائماً، يريد إطاحة “الانتصار” الذي حققته ثورة السوريين. وهو، أي ذلك “الخوف”، موجّه تجاه ما تم التعارف عليه بصفته “البيئة الداعمة لنظام الحكم الجديد” بالدرجة الأولى، لشدّ عصبها خلف النظام الجديد. بينما في ظل النظام الأسدي، كان “العدو” دائماً خارجياً، وله عملاء في الداخل. وكان الخوف كذلك نابعاً من “هيبة” النظام الأسدي وكلاب حراسته المسعورين، وموجه تجاه عموم السوريين. ما خلا هذه الفوارق، فإنه لا يمكن ملاحظة أي فارق آخر بين نظام الأسد، والسلطة الجديدة في دمشق. 

وكذلك الأمر، وحتى لا نمضي في ظلم تلك السلطة، مدعين أنها وحدها من خلق هذا الخوف، لا بد من الاعتراف بأن دور نظام الأسد كان هو الأساسي في خلق خوف هائل مريع لا يمكن تجاوزه بسهولة، وبحاجة إلى وقت طويل وظروف ملائمة للتخفيف من آثاره، على الأقل.

ما فعلته تلك السلطة الجديدة، أنها استثمرت في هذا الخوف، ودعمته، وحاولت تعميقه، ناقلة إلى جمهورها فكرة بسيطة جداً: الثورة كانت سنية ضد استبداد علوي، ولذلك فإن البيئة السنية هي من دفع الثمن الأفدح لتلك الثورة، التي ما أن انتصرت، وعاد السنة لحكم البلاد، كما يفترض أن يكون الأمر، كونهم الغالبية، حتى بدأت الأقليات بالتمرد، وهي نفسها التي رضيت، صاغرة، بحكم علوي دام نصف قرن!

إذا، وضعت سلطة الأمر الواقع في دمشق الجميع أمام خيار وحيد، لا بديل عنه، وهو المضي في فرض سلطتها، من خلال حشد “الغالبية” السنية خلفها في مواجهة بقية السوريين، أياً كانت طوائفهم أو أعراقهم.

هذا ليس تجنّياً، إنه ما نراه ونسمعه يومياً في عموم سوريا، وبالتحديد تلك المناطق التي استطاعت سلطة الأمر الواقع، وميليشياتها المسلحة، الدخول إليها والقيام باستعراض قوة دموي، أدى إلى مذابح في مناطق العلويين، مع محاولة تكرار الأمر نفسه في مناطق الدروز، في محيط دمشق، باتجاه السويداء. وبالتالي يصح السؤال هنا: هل ما تفعله ميليشيات تلك السلطة، “المنفلتة” كما يدعوها البعض، أو المرتبكة “تجاوزات فردية”، كما تدعوها السلطة، عند محاولتها لعب دور “الحكم”، بانتهازية مكشوفة وممجوجة؛ هل ما تفعله تلك الميليشيات سيقود إلى الهدف “الأسمى”، حسب ما وعدت به السلطة جمهورها السني، أي تثبيت حكم سني مطلق لعموم سوريا، أم أنه سيقود إلى العكس تماماً: الإجهاز على ما تبقى من سوريا، بعد أن دمّرها نظام الأسد فعلياً؟

درج

——————————–

سورية: “تحذير” حربي إسرائيلي للشرع/ محمد كركص و ضياء الصحناوي و نايف زيداني

أخذت التدخلات والاعتداءات الإسرائيلية في سورية، المتصاعدة منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، طابعاً أشد خطورة عبر قصف استهدف محيط القصر الرئاسي في دمشق فجر أمس الجمعة، في رسالة تحذير للحكم في سورية وتحديداً للرئيس أحمد الشرع، في ظل الاشتباكات التي شهدتها مناطق جرمانا وصحنايا وريف السويداء في الأيام الأخيرة، ليستغل الاحتلال هذه التطورات لتعميق عدوانه على سورية تحت مبرر “حماية الدروز” فيما يستهدف فعلياً منع تحقيق الاستقرار في سورية ووجود نظام حكم قوي يتصدى لتوغلاته واحتلاله للأراضي السورية في الجولان والمنطقة منزوعة السلاح. يتزامن ذلك مع تفاهمات بين السلطة السورية والفعاليات المحلية في السويداء لتهدئة الأوضاع فيها وانتشار قوات الأمن العام بعد أيام من التوترات.

اعتداءات إسرائيلية متفاقمة على سورية

وأعلنت إسرائيل فجر أمس الجمعة أنها شنّت غارة على منطقة مجاورة للقصر الرئاسي في دمشق. وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في منشور على منصّة إكس إنّ “طائرات حربية أغارت… على المنطقة المجاورة لقصر أحمد حسين الشرع في دمشق”. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول سوري أن الهدف يبعد 100 متر تقريباً إلى الشرق من محيط القصر. وأكدت مصادر أمنية خاصة لـ”العربي الجديد” أن النقطة المستهدفة كانت تتبع سابقاً لقوات “الفرقة الرابعة” التي كان يقودها ماهر الأسد، قبل سقوط النظام. وأشارت إلى أن الغارة لم تسفر عن أي إصابات بشرية.

وعقب الغارة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان مشترك مع وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس: “هذه رسالة واضحة للنظام السوري. لن نسمح بنشر قوات (سورية) جنوب دمشق أو بتهديد الطائفة الدرزية بأيّ شكل من الأشكال”. وكان كاتس قد قال في منشور على منصة “إكس” إن “الهجوم الجوي هو رسالة تحذير واضحة للنظام السوري”. وأضاف: “عندما يستيقظ الجولاني (الشرع) ويرى نتائج هجوم سلاح الجو الإسرائيلي، فإنه سيفهم جيداً أن إسرائيل عازمة على منع إلحاق الأذى بالدروز في سورية”. وتابع: “من واجبه (الشرع) حماية الدروز في ضواحي دمشق من هجمات مثيري الشغب الجهاديين، والسماح لمئات الآلاف من الدروز في السويداء وجبال الدروز بالدفاع عن أنفسهم بأنفسهم، وليس إرسال قوات جهادية إلى المجتمعات”.

وفي السياق، شكر الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف، نتنياهو “على توجيهاته باتخاذ إجراءات حازمة لحماية الدروز في سورية خلال الأيام الأخيرة، بما في ذلك قراره قصف مجمع قصر الرئاسة في دمشق”. من جهته، قال نتنياهو لطريف “إنه يتوقع أن تحترم الطائفة الدرزية القانون في إسرائيل، كما تفعل في الأيام العادية، وألا تتصرف بأي شكل من الأشكال ضد المواطنين الآخرين أو ضد أفراد قوات الأمن”. ويأتي ذلك بعدما أغلق محتجون دروز شوارع وأضرموا النار فيها، كما شوهد بعضهم يتهجمون على جندي يهودي إسرائيلي.

في المقابل، دانت الرئاسة السورية في بيان بـ”أشد العبارات” القصف الذي تعرض له محيط القصر الرئاسي، محملة الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية هذا الهجوم الذي وصفته بـ”التصعيد الخطير” ضد مؤسسات الدولة وسيادتها الوطنية. وأكدت أن هذا الهجوم المدان يأتي ضمن سلسلة “الحركات المتهورة” التي تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، مشيرة إلى أن ما جرى يشكل استهدافاً مباشراً للأمن الوطني ووحدة الشعب السوري. وطالبت المجتمع الدولي والدول العربية باتخاذ موقف حازم إلى جانب سورية في مواجهة الاعتداءات العدوانية، التي تنتهك القوانين والمواثيق الدولية، داعية الدول العربية إلى توحيد مواقفها وتقديم الدعم الكامل لسورية لمواجهة هذه الهجمات، بما يحفظ الحقوق العربية في التصدي للممارسات الإسرائيلية. وأكد البيان أن مثل هذه الاعتداءات، سواء أكانت داخلية أم خارجية، لن تنجح في النيل من وحدة سورية أو من إرادة شعبها، ولن تعيق جهود الدولة في تحقيق الاستقرار والسلام في مختلف المناطق السورية. وشددت على أن سورية لن تساوم على سيادتها أو أمنها، وستواصل الدفاع عن حقوق شعبها بكل الوسائل المتاحة.

كما دانت الخارجية القطرية في بيان بأشد العبارات الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت محيط القصر الرئاسي في دمشق، وعدتها عدواناً سافراً على سيادة سورية وانتهاكاً خطيراً للقانون الدولي. وجددت التحذير من أن اعتداءات الاحتلال المتكررة على سورية ولبنان واستمرار حربه الوحشية على غزة من شأنها تفجير دائرة العنف والفوضى في المنطقة، داعية المجتمع الدولي إلى الضغط على الاحتلال للامتثال لقرارات الشرعية الدولية. كما جددت الوزارة دعم دولة قطر الكامل لسيادة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها، وتطلعات شعبها في الأمن والاستقرار. كذلك، دانت الخارجية السعودية في بيان بـ”أشد العبارات” الغارة الإسرائيلية، وجددت “رفضها القاطع للاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف سيادة سورية وأمنها واستقرارها”. وشددت على “ضرورة وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية السافرة للقانون الدولي في سورية والمنطقة”. كما قال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم محمد البديوي، في بيان، إن الغارة الإسرائيلية تمثل انتهاكاً خطيراً يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة وتؤكد نهج الاحتلال القائم على تأجيج الصراعات وتوتير الأوضاع في الشرق الأوسط.

في موازاة ذلك، توجّه الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، إلى دمشق، حيث التقى الرئيس السوري أحمد الشرع.

في غضون ذلك، نشر مئات الجنود الدروز في الخدمة النظامية والاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء الخميس، رسالة موجّهة إلى نتنياهو وكاتس، طالبوا فيها بالسماح لهم بالدخول إلى سورية للقتال، وما وصفوه الدفاع عن الدروز هناك. وجاء في الرسالة التي نشرها جنود دروز في جيش الاحتلال متوجهين لنتنياهو: “نتوقع أن تفي بوعدك بالتضامن والحماية ووقف المجازر بحق إخواننا الدروز وراء الحدود في سورية – كما وعدت ووعد وزير الأمن – وأن يتم تفعيل الجيش الإسرائيلي لهذا الغرض”. كما طلبوا السماح لهم بالتوجّه إلى سورية، بذريعة المشاركة في الدفاع عن أبناء طائفتهم، قائلين: “مئات الجنود الدروز على استعداد فوري للتطوع والقتال إلى جانب إخواننا لإنقاذهم”.

تهدئة في السويداء وجرمانا

مقابل ذلك، قُتل أربعة أشخاص من أبناء الطائفة الدرزية، عصر أمس الجمعة، وأُصيب آخرون بجروح، إثر استهداف مُسيّرة مزرعة في منطقة كناكر غرب مدينة السويداء جنوبي سورية. وبقيت الأوضاع في محافظة السويداء جنوبي البلاد متوترة، رغم التوصل إلى تفاهمات بين الفعاليات المحلية والسلطة في دمشق يوم الخميس، أثمرت عن البدء صباح أمس الجمعة بتفعيل عدة مراكز للأمن العام، فيما شهدت قرى وبلدات الريف الغربي لمحافظة السويداء، ليلة الخميس وحتى فجر أمس الجمعة، اشتباكات بين مجموعات مسلحة من أبناء عشائر البدو، ومسلحين من أهالي قرى حران ولبّين وجرين والدور في الريف الغربي المحاذي لريف درعا الشرقي والممتد لمنطقة اللجاة الوعرة. الاشتباكات التي اندلعت مساء الخميس في الريف الغربي لمحافظة السويداء، جاءت بعد هجوم شنه عدد كبير من المسلحين الذين ينتمون بغالبيتهم لعشائر البدو الذين يرفضون أي اتفاق في السويداء، على الرغم من تحرك رتل كبير للأمن العام قادم من محافظة درعا للسيطرة على الموقف وفض الاشتباك.

وأكد الناشط الإعلامي عمرو المحيثاوي لـ”العربي الجديد” أن المسلحين عمدوا إلى قصف القرى والبلدات بوابل من القذائف، والتقدم باتجاهها. وأضاف أن المسلحين المحليين استطاعوا صد الهجوم ومنعوا المجموعات المسلحة من اقتحام البلدات بعد وصول مؤازرة من القرى المحيطة وفصائل المحافظة. لكن هذه الاشتباكات لم تخلّف ضحايا أو جرحى بين المدنيين والمسلحين في القرى المستهدفة واقتصرت نتائجها على أضرار مادية، في حين رصدت “العربي الجديد” وقوع ضحايا بين المهاجمين. وقال فراس مرشد، أحد أبناء بلدة حران في الريف الغربي لمحافظة السويداء، لـ”العربي الجديد”، إن جميع أبناء القرية كانوا في حالة استنفار قصوى منذ أن بدأ التعرض لطلاب السكن الجامعي في حمص ودمشق من الطائفة الدرزية، وما تلاها من أحداث في جرمانا والأشرفية وصحنايا، وباتوا يتوقعون في كل وقت التعرض للهجمات من عشائر البدو أو جماعات مسلحة غير منضبطة من محافظة درعا المجاورة. وأضاف: “نعلم أن هؤلاء لا يمثلون كل أبناء عشائر البدو فنحن نتشارك وإياهم العيش والعمل في الأراضي منذ وُلدنا، ونثق أن الغالبية العظمى من أهلنا في درعا ترفض هذه الاعتداءات على جيرانها”.

في هذه الأثناء، انتشرت صباح أمس الجمعة مجموعات من قوات الأمن العام، من أبناء السويداء، في بعض مناطق المحافظة، تنفيذا للاتفاق الذي جرى التوصل اليه الخميس بين فعاليات المحافظة، والسلطة في دمشق. وتزامن ذلك مع معلومات عن موافقة الأمن العام على انضمام 700 عنصر من مقاتلي فصائل السويداء لقواته، على أن يتم نشرهم في مدينة السويداء ومداخل المحافظة تحت مظلة إدارة الأمن العام. وكانت مدينة السويداء قد شهدت اجتماعاً كبيراً للرموز الدينية والوجهاء وقادة الفصائل، بهدف اتخاذ موقف موحد من الأحداث في السويداء وريف دمشق. وحضر هذا الاجتماع الذي استمر لساعات شيوخ العقل الثلاثة، حكمت الهجري وحمود الحناوي ويوسف جربوع، ومعظم الوجهاء وقادة الفصائل الكبرى في المحافظة، وخلص إلى بيان أكد وحدة الأرض السورية ورفض كل أشكال التقسيم والتدخلات الأجنبية، ونبذ خطاب الكراهية والفتنة بين مكونات الشعب السوري. كما أكد البيان تفعيل دور وزارة الداخلية ومديرياتها في جميع المدن والبلدات، إضافة لمطالبة الدولة بتأمين طريق دمشق السويداء ومنع الاعتداءات المتكررة على المدنيين العابرين على الطريق.

يُذكر أن اجتماع السويداء قد تزامن مع لقاءات مماثلة حصلت في كل من جرمانا وأشرفية صحنايا وصحنايا، وخلصت جميعاً إلى قرارات متشابهة، تشدد على الوحدة الوطنية ورفض كل التدخلات الخارجية والسماح لقوى الأمن العام بأخذ دورها الكامل في جميع هذه المناطق. وفي جرمانا، قال مصدر أمني لـ”العربي الجديد”، إن قوات تابعة لوزارة الداخلية انتشرت في المدينة بهدف تعزيز الأمن. وكان مدير أمن ريف دمشق، المقدم حسام الطحان، قد كشف في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، عن التوصل إلى اتفاق ينص على عدة بنود رئيسية تهدف إلى ترسيخ الاستقرار وتهيئة الظروف لعودة الحياة الطبيعية.

العربي الجديد

——————————-

وسام على صدر أحمد الشرع/ ياسر أبو هلالة

03 مايو 2025

عنوان صحيفة النهار اللبنانية، وهي خصم تاريخي للوجود السوري في لبنان، لرحيل الطاغية حافظ الأسد “مات ولم يوقّع”. هذه سردية الأسد الأب، وتنطبق عملياً على الابن الساقط الهارب، إذ “رحل ولم يوقّع”، رغم أنه ابتعد، في آخر حكمه، من محور إيران واقترب من محور الإمارات، وتسرّب أنه أعطى وعوداً بالانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية، لكنّه لم يوقّع، ولم ينضمّ لتلك الاتفاقات، تماماً كما لم ينضمّ إلى محور المقاومة بعد “7 أكتوبر”، رغم ما قيل عن ضغوط إيرانية عليه.

ارتبطت شرعية الحاكم العربي بالصراع مع العدو الصهيوني، ولذلك كان آخر ما قاله صدّام حسين، وهو يواجه حبل المشنقة، “عاشت فلسطين”. من حسن حظّ أول رئيس لسورية الثورة، أحمد الشرع، أن عهده بدأ بوابل نيرانٍ إسرائيلية لم يتوقّف سرّاً وعلانية، وبلغ ذروته في قصف محيط قصر الشعب، وبحسب الناطق باسم جيش العدو “قبل قليل استهدفت طائرات حربية منطقة قصر أحمد حسين الشرع في دمشق. لم يُعرف وقوع ضحايا”، وعلّقت القناة 13 العبرية: “وهذه، بالطبع، إشارة تحذيرية بارزة أخرى من إسرائيل إلى الرئيس السوري بشأن التطوّرات في المناطق الدرزية”، في أول عدوان من نوعه منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي، وبمعزلٍ عن ردّة الفعل العربي والإسلامي والدولي على هذا العدوان، فهو جائزة تستحقّها سورية الجديدة، ووسامُ على صدر الشرع. فكما قيل: قل لي من عدوّك أقل لك من أنت. … هذا العدوان كلّه في وقتٍ لم يدّخر الشرع رسمياً وُسعاً في طمأنة العدو، وامتصاص العدوان، ومقاومته بـ”سلاح الصمت” وإظهار “حسن النيات” سرّاً وعلانيةً، وليس آخرها خطاب وزير الخارجية اسعد الشيباني في الأمم المتحدة.

يخفي العدوان الظاهر على سورية بذريعة حماية الدروز مرّة، والكرد مرّة أخرى، والعلويين ثالثةً، عدواناً استخبارياً خفياً، يتآمر واقعاً وفي منصّات التواصل افتراضاً (مثل التسريب الذي تسبّب بالفتنة أخيراً مع الدروز). فبحسب مسؤول سوري رفيع، اعتقلت الاستخبارات ضبّاطاً يتبعون أحمد العودة بعد اجتماع مع الإسرائليين في الحدود، وكانت هذه القشّة التي قصمت ظهر الفيلق الثامن. وهذا الفيلق عرب سنّة من حوران (بمنطق الطائفة)، لكن أهل حوران قدّموا الوطن والمبدأ على المنطقة والعشيرة، ونبذوا العودة وجنده فتبخّروا كأن لم يكونوا فيها. وتلك كانت ضربة قاصمة للمشروع التقسيمي الصهيوني، فالدروز معزولون في السويداء، وحتى يتواصلون مع فلسطين المحتلة يحتاجون سهل حوران. والضربة الثانية كانت الهزيمة العسكرية التي لقيها الخطّ الصهيوني الدرزي في صحنايا وجرمانا، وهو ما قوّى الخطّ الوطني الغالب، ومهّد لاتفاق السويداء.

قبل العدوان الإسرائيلي، مرّ أنصار الثورة السورية باخبتار قاسٍ، عندما اكتسبت سردية الشبّيحة زخماً مع تسريبات عضو الكونغرس، كةري ميلز، عن لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع، التي وعد فيها بالتطبيع مع إسرائيل بوجود الظروف المناسبة، والانضمام للاتفاقات الإبراهيمية، فالثورة السورية (بحسب الشبّيحة) لم تكن أكثر من مؤامرةٍ صهيونيةٍ ضدّ نظام المقاومة والممانعة، وأسرة الأسد أباً وابناً، كسردية الإسلاميين عن السلطان عبد الحميد؛ تخّلى عن عرشه ولم يتنازل للصهاينة. والأسوأ من ذلك أن الأسد الأب حصل على وديعة رابين التي تعيد الجولان وتوصل سورية إلى مياه طبرية، ورفض التوقيع. واليوم، يقوم عرض التطبيع الإبراهيمي على أساس التطبيع قبل التوقيع. وقد شكلّ ما سرّبه النائب الأميركي صدمةً لأنصار الثورة السورية، وكاتب هذه السطور واحد منهم، ورأى المتشائمون فيها نهايةً مأساوية للثورة التي انتصرت وهُزمت قيمها، في مقابل متفائلين يأملون أن يكون الخطأ في النقل أو التفسير أو التقدير.

يعتقد المتشائمون أن الرئيس السوري الشرع مثل من سبقه من قادة النضال الذين أرهقتهم الطريق، وتحوّلوا مشاريع سلطة، والسلطة هي الثابت الوحيد وما دونها تفاصيل ومتغيّرات، فقادة ثوريون، مثل معمّر القذّافي وعمر البشير، ومحمد دحلان وياسر عبد ربه (فلسطينياً)، اعتقدوا أن البوابة الإسرائيلية هي المنفذ الوحيد من الحصار الأميركي، وبشّار الأسد نفسه لو بقي معه متّسعٌ لولج تلك البوابة.

انتهى كابوس التطبيع قبل توقيع جوهر الاتفاقات الإبراهيمية، بقصف صحنايا، واستشهاد عناصر أمن وقصف محيط قصر الشعب. وقبلها بذلت شرارة الثورة درعا فلذات أكبادها في التصدّي للعدوان بقليل السلاح وعظيم العزيمة والإقدام، عندما تصدّى بضع فتيةٍ من كويا قضوا جميعاً في رسالة بالدم “لن تمرّوا”، وخرجت سورية كلّها في موكب وداعهم، في إجماعٍ يحدّد من العدو. وهذا ليس خطّ الدفاع الوحيد عن سورية، العدو، إيرانياً كان أم صهيونياً، ينفذ من خلال شقوق الطائفية، ولا يكون ردم هذه الشقوق بنجاح أمني وعسكري فقط، بل أيضاً ببناء سور المواطنة العظيم، فلا فضل لسوريٍّ على غيره إلا بما قدّم للثورة، من قبل، وللدولة من بعد.

أمام هيئة تحرير الشام بخاصّة، والحكم الجديد بعامّة، فرصة تاريخية، ليس لتخرج من العقوبات الأميركية، بل لتدخل التاريخ جامعةً وطناً ممزّقاً وبانيةً دولةً مدمّرةً. لقد تمكّنت الهيئة من تجاوز كثيرٍ من أدبياتها الإقصائية، وتصرّفت باعتبارها قوة جامعة، لكنّ ذلك كلّه تعرّض لاهتزازٍ في أحداث الساحل السوري في مارس/ آذار الماضي، وعلت وقتها أصواتٌ متطرّفة تجاوزتها الهيئة، مثل الزبير الغزّي الذي كان معتقلاً عندها أصلاً، وهو صاحب مقولة “لا تستفتِ أحداً في قتل العلوي”. ليست دولة المواطنة هي طوق الدفاع الأخير، لا بدّ من توسيع دائرة الحلفاء إقليمياً وعربياً ودولياً، وهي تعين في التصدي لهذا العدو الذي يعيش أعلى درجات الغطرسة، تستطيع سورية أن تتحرّك بسقف الجامعة العربية، لا سلام من دون سلام شامل وحلّ الدولتَين، وهذا يحرج العدو ولا يقبله، والسعودية اليوم تقود حراكاً دولياً لإحياء مبادرة السلام العربية تحت عنوان “حلّ الدولتَين”، ولدى قطر دبلوماسية فاعلة مع العدو، تجلّت في حرب غزّة وما سبقها. ومع إن تركيا تشكّل نقطةِ الاستفزاز الرئيسة لإسرائيل، إلا إن قوتها الوازنة إقليميا، وفي أوروبا وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وعلاقة ترامب المميّزة بأردوغان، تجعلها حاجز صدٍّ آخر دفاعاً عن سورية. وللأردن خبرة واسعة في التعامل مع العدو الذي وقّع معه اتفاقية سلام منذ 1994، وتشكّل سورية المستقرّة عمقاً له ومتنفسّاً اقتصادياً. ثمّة خطّ دفاع آخر مهم جدّاً، هو العراق، وقد بنى رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، جسراً مع سورية الجديدة من أول يوم عندما منع جماعة الحشد الولائي من دخول سورية لحماية نظام الأسد في أيّامه الأخيرة، وتوّجهاً نحو لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع في الدوحة، بوساطة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وبحسب “رويترز”، أرسل السوداني وفداً إلى سورية لدراسة إمكانية إعادة تشغيل أنبوب النفط العراقي عبر سورية إلى موانئ البحر المتوسّط. هذا تحوّل استراتيجي يساهم في إنقاذ الاقتصاد السوري، ويوسّع الاقتصاد العراقي. ففي حال استُئنف التصدير من الموانئ السورية سيزيد تصدير العراق من أربعة ملايين برميل يومياً إلى خمسة ملايين، وممكن أن يرتفع إلى ستة ملايين برميل. يعني أننا نتحدّث عن رقم ثوري في الاقتصاد يزيد على 20 ملياراً، بعودة علاقات البلدَين اللذين يشكّلان ركني المشرق العربي، وهو ما يجعلهما ندّين، ليس أمام العدو الصهوني فقط، ب أمام الجوارين الإيراني والتركي أيضاً. أيّ رسالة تاريخية يوصلها السوداني والشرع باستئناف تصدير النفط الذي توقف منذ عام 1982 أمام مصالح اقتصادية كبرى، لا تكامل بين شعبَين فقط، بل تطفئ نار فتنة طائفية فتكت بالأمة ودمّرت مقدّراتها؟

القضية الفلسطينية جزء من نضال الشعب السوري، الذي لا يزال أكثر من مليون من أبنائه نازحين من الجولان، ومنهم رئيس سورية الجديدة. لا يوجد عاقل يطالب القيادة السورية الجديدة بفتح جبهة مع العدو الصهيوني. ‏توجد منطقة آمنة للقيادة السورية الجديدة في تعاملها مع العدوان الصهيوني، وهي تقديم المطالب السورية، التي لا تقلّ عما حصله حافظ الأسد، وأصرّ عليها الابن، فيما عرف بـ”وديعة رابين”. هذا شرطٌ يمثّل الحدّ الأخلاقي الأدنى، حتى لا نقول الشرعي، في منطق الشرع، فأنت لا تتخلّى عن بيتك وعودة أهلك، وفي الوقت نفسه، لا تشنّ حرباً لتحقيق مطالبك. وهذا الموقف الذي عبّر عنه الشرع في خطابه أمام القمة العربية في القاهرة، حدّ أدنى لا يتنازل عنه، وهو مدعومٌ من الشارع السوري، تماماً كما يجد دعماً من حلفاء سورية الجديدة، ويحرج هذا الموقف أعداء سورية، سواء العدو الإسرائيلي أم إيران، ومن حالفهما.

قدّم الشرع، في لقائه أخيراً مع “نيويورك تايمز”، مقاربةً معقولة للوصول إلى المنطقة الآمنة، بلا صِدام ولا استسلام، من خلال إسناد الملفّ إلى الحليف التركي. ونقل عن الشرع أن حكومته “تتفاوض حالياً مع تركيا وروسيا بشأن وجودهما العسكري في سورية”، وألمح إلى إمكانية أن يقدّم كلاهما الدعم العسكري لحكومته”. بالنسبة لتركيا، الحليف السياسي القديم لجماعة الشرع المتمرّدة، يمكن أن يساعد الاتفاق العسكري مع السلطات السورية الجديدة في توسيع نفوذها أقرب إلى حدود إسرائيل، وتقليص قوة الجماعات المسلّحة الكردية في الشمال، وإبقاء إيران تحت السيطرة. ‏أبدي الشعب السوري، بعد انتصار ثورته المجيدة، وفي غضون التحرير، إلتزاماً بالقضية الفلسطينية، يفوق التزام نظام الشعارات البعثية، وقدّم أهل المخيّمات السورية تبرّعات من قوت يومهم إلى أبناء غزّة. وبعد الانتصار، خفقت راية فلسطين في شوارع سورية من حلب إلى إدلب إلى درعا، وهتف المتظاهرون لغزّة وصمودها، وقد تجلّى الموقف الشعبي في تصدّي أبناء سورية للعدوان الإسرائيلي، وهو موقفٌ ساندته الحكومة، بدا من خلال ممثّليها الذين شاركوا في العزاء والجنازات، وعبّر الشعب السوري عن إجماعٍ قلّ نظيره في التضامن مع درعا. و‏لقد جرّبت الأنظمة الثورية المصنّفة إرهابية (في التصنيفات الأميركية) البوابة الإسرائيلية للخروج من العقوبات. للتذكير بشّار الأسد نفسه، وقبله القذافي وعمر البشير، حاولوا. لكنّ تلك البوابة كانت تقود إلى الهاوية. البوابة الحقيقية للخروج من العقوبات هي بناء الدولة السورية الجامعة المواطنين والمصالحة معهم جميعاً من دون استثناء. ‏المؤكّد أن الشرع يتعرّض لمؤامرة صهيونية تُواجَه بمناورة ذكية، لا بصدام غبي.

في مقال مهم نشره زميل أبحاث في معهد دراسات الأمن القومي في تلّ، داني سيترينوفيتش، وهو متخصّص في الشؤون الإيرانية والأمن الإقليمي، وشغل سابقاً مناصب في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تختص بإيران وحزب الله وسورية، ومعه شيرا إيفرون، وهي مديرة الأبحاث في منتدى السياسة الإسرائيلية، وزميلة أبحاث أولى في معهد دراسات الأمن القومي، وزميلة مشاركة في مؤسّسة RAND… كشفا كلاهما حجم العدوان الإسرائيلي على سورية بعد التحرير، وحذّرا من تكرار نموذج احتلال جنوب لبنان الذي أوجد حزب الله. يقول الكاتبان إن إسرائيل اتخذت، بعد سقوط نظام بشّار الأسد، موقفاً أكثر عدوانية في سورية، فسيطرت على مناطق كانت تحت مراقبة الأمم المتحدة، ووسّعت عملياتها العسكرية لتشمل ضربات على البنية التحتية السورية، بما في ذلك الدفاعات الجوية ومستودعات الأسلحة، وأقامت تسعة مواقع عسكرية جديدة. وفي نظرهما، فوّتَت إسرائيل فرصةً للتقارب مع النظام السوري الجديد، الذي “أبدى رغبةً في تجنّب الصراع مع إسرائيل، بل وطرح إمكانية تطبيع العلاقات. ومع ذلك، قد تدفع التصرّفات الإسرائيلية العدوانية هذا النظام اتخاذ موقف عدائي، ما يُفقد إسرائيل فرصةً استراتيجيةً لعزل إيران وتقليل نفوذها في المنطقة. وتسبّبت التحرّكات الإسرائيلية في توتير العلاقات مع تركيا، إذ أحبطت إسرائيل محاولات تركية لإعادة بناء قدرات الجيش السوري، ما زاد من احتمالية مواجهة عسكرية بين البلدَين. وحذّر الكاتبان من تكرار تجربة حزب الله في لبنان، فإسرائيل تصنع أعداءها، واستمرار النهج العدواني قد يؤدّي إلى “تصعيد داخلي في سورية، إذ بدأت تظهر مقاومة مسلّحة ضدّ القوات الإسرائيلية، ما قد يُغرق إسرائيل في صراع طويل الأمد، ويزيد من التوتّرات مع جيرانها”. ودعا الباحثان بلدهما “إلى إعادة تقييم استراتيجيته في سورية، والتواصل مع النظام الجديد بشكل دبلوماسي، وتقديم المساعدة الإنسانية، والتأكيد على أن الوجود العسكري مؤقّت، وذلك لتجنّب إيجاد عدو جديد واستغلال الفرصة لتعزيز الاستقرار الإقليمي”.

بمعزل عمّا يخطّط له الصهاينة (متطرّفين وعقلاء)، السوريين قادرون على إحباط المؤامرة، ومن انتصر على أعتى الطغاة لن يرضخ لأعتى الغزاة.

العربي الجديد

———————————

السوريون يستحقون وطنهم/ ناصر السهلي

02 مايو 2025

يُكنَس الكثير في سورية تحت السجادة، وباستخدام العاطفة الشعبوية وسيكولوجية الجماهير. في جلساتهم الخاصة، يعبّر سوريون عن خوفهم على مستقبل وحدة بلدهم ونسيجه المجتمعي.

ذات يوم من أيام الثورة السورية، وأثناء بثّ القنوات مشاهد سحل دامٍ لشبّان سلميين في عام 2011 وسط الهتاف الشهير: الله… سورية.. بشّار وبس، حذّر الدكتور عزمي بشارة من أن أحداً لن يستمع لأصوات التعقل حين تقع الواقعة.

ولا يكفي في هذا المشهد المأساوي المتنقل القول: “لعن الله من يوقظ الفتنة”. تأخير العدالة الانتقالية والبحث الحقيقي في معاني دولة المواطنة، مع شدّ العصب الديني الطائفي، بعناوين “أقليات وأكثريات”، وتغييب النخب أو الكتل السياسية، يعني أن التكاذب التاريخي الذي ساقه النظام السابق عن أنه “علماني وليبرالي وممانع وحام للأقليات”، يتحول الآن إلى ما يشبه نسخاً ولصقاً. فنظام “البعث قائد للدولة والمجتمع” لا يصلح استبداله بحصص طائفية لا تشبه السوريين ولا غيرهم ممن فرضت عليهم في المشرق العربي الذي يعاني من نفايات الاستشراق، بما فيها الصهيونية.

كانت مسؤولة بروباغندا نظام بشار الأسد بثينة شعبان تنحت منذ عام 2011 في الأكاذيب عن المؤامرة الكونية وتصوير السوريين همجيين لتسويق “سورية المتجانسة”. اليوم تسود لدى بعض السوريين مخاوف استدعاء التجربة الأسدية الممتدة منذ انقلاب 1970. فصناعة ديكورات شبيهة بمصطفى طلاس وبقية القوم من أصحاب النياشين والأوسمة الكثيرة، الذين كان يرعبهم مساعد أول في المخابرات الجوية، للقول إن “جميع المكونات مشاركة في السلطة”، ورمي كل شيء على “المؤامرة”، لا تساهم، مع غيرها، سوى بتفاقم ما يُكنس إلى تحت السجاد.

نعم، ثمة فلول وبعض منكري انتهاء العهد البائد الذي قام على فكرة “إمّا أنا أو الخراب”. لكن في المقابل هناك مشكلة في مسار السلطة الانتقالية، وخصوصاً في مسار سياسي لا يتعامل بالجدية المطلوبة مع التحديات. فشعب سورية الطيب، الذي نجا بنفسه خلال 54 عاماً من فخّ الطائفية، يتوقع أن يكون بلده الجديد يمثله، أكثريات وأقليات، في السياسة والمواطنة، لا في الطائفة والعشيرة والقبيلة المستثارة من البعض كلما انتحل أحدهم باسم هؤلاء وأولئك.

ففي إعادة بناء الدول هناك فرق كبير بين رغبة البعض في الحفاظ على وحدة الدولة السورية وحالة التملق للسلطة بناء على أنها تشبهـ”نا”.

من الطبيعي، بل من الواجب، أن تستمع السلطة، المنوط بها نقل سورية والسوريين من الثورة إلى دولة المواطنة، لأصوات تعارضها، وتختلف معها. ألم يكن سوريو ثورة 2011 يطالبون بداية بحوار وطني واسع؟

ذلك ليس ترفاً، بل واجب لقطع الطريق على محاولات البعض إغراق سورية الجديدة في أتون التمزق، واستغلال مقيت ومكشوف باسم حماية “الأقليات”. ليس من مسؤولية السلطة فقط مواجهة استغلال الاحتلال الإسرائيلي لحالة الارتباك في الخطاب والممارسة، بل هي أيضاً مهمة النخب والكتل السورية، التي يقف بعضها مراقباً وعلى الحياد من التجربة الحالية.

فلا يزال ثمة وقت للعقل لمواجهة دعوات البعض لبقاء العقوبات على بلدهم، أو “المجتمع الدولي” للتدخل. وليس بالشعارات، بل بالدفع نحو دولة جميع السوريين المتساوين تحت سقف المواطنة ولا شيء غيره. فحين يعلن صراحة معسكر التطرف الصهيوني، وعلى لسان بتسلئيل سموتريتش، عن الرغبة بتفكيك سورية، فمن واجب كل مكونات الوطنية السورية أن تشمّر عن ساعديها وتستحضر عقولها حماية لشعبها ووطنها.

العربي الجديد

—————————-

تركيا تبدي انضباطاً أكبر تجاه الملف السوري.. ما الأسباب؟/ فراس فحام

الجمعة 2025/05/02

كان المسؤولون الأتراك من بين أول الواصلين إلى دمشق مباشرة بعد سقوط نظام الأسد آواخر عام 2024، وتم تداول الصورة الشهيرة لوزير الخارجية التركية هاكان فيدان على قمة جبل قاسيون إلى جانب الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، للدلالة على حجم الحضور التركي في الملف السوري، ثم ظهرت تسريبات شبه رسمية تركية لاحقاً عن نية أنقرة عقد اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع الإدارة السورية الجديدة، والمساهمة الفاعلة في هيكلة المؤسسة العسكرية.

منذ البداية، حرصت أنقرة على تنسيق الخطوات في الملف السوري مع دول عربية مؤثرة مثل المملكة العربية السعودية، تجنباً لأي تداعيات سلبية. مع مرور الوقت، بدأ الجانب التركي يظهر سياسية تحفظية، وانضباطاً أكبر للخطوات في الملف السوري بحكم المتغيرات وتضارب مصالح الفاعلين الدوليين.

تراجع الحديث عن الدور العسكري

حتى ما قبل بداية شهر نيسان/ أبريل الفائت التي شهدت هجمات إسرائيلية جوية واسعة على مواقع عسكرية وسط سوريا، انتشرت تسريبات مكثفة عن توجه دمشق وأنقرة لإقامة قواعد عسكرية تركية جديدة في حماة وحمص، ستساهم في حماية الأجواء السورية وتقديم الاستشارات الأمنية والتدريبات للجيش السوري.

على إثر التصعيد الإسرائيلي الذي بررته تل أبيب بالمخاوف من النفوذ التركي في سوريا، عقدت إسرائيل وتركيا لقاءاً أمنياً برعاية الحليف المشترك للجانبين المتمثل بأذربيجان، تخللها تأكيدات من الطرفين بعدم الرغبة بالاشتباك في سوريا.

أيضاً، لعبت واشنطن فيما يبدو دوراً مؤثراً في ضبط الموقف بين أنقرة وتل أبيب في سوريا، حيث أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عند استقباله في البيت الأبيض في نيسان/ أبريل الفائت، ضرورة التنسيق مع تركيا لحل القضايا العالقة في سوريا، حيث لا يرغب ترامب فيما يبدو بزيادة منسوب التصعيد بين حليفين رئيسيين له في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي سيستلزم الأمر مراجعة كل من أنقرة وتل أبيب لخطواتهما في الملف السوري.

في المقابل، تستمر تركيا بالتركيز على الأولوية الأمنية في الملف السوري المتمثلة بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وعدم السماح لمشروع الإدارة الذاتية الكردي بترسيخ نفسه على حدودها، ومن خلال التنسيق مع الإدارة السورية التي تحرص أنقرة على أن تحوز على شرعية كاملة، مع عدم إظهار نزعة تركية لتوسيع دورها ليشمل مختلف المجالات في سوريا كالسيطرة على مشاريع طرق النقل، أو رعاية تأسيس الجيش السوري الجديد.

حرية أوسع للإدارة السورية

من الواضح أن الموقف التركي يتيح حرية أوسع للإدارة السورية في سياساتها الخارجية، حيث تراجع التصعيد الإسرائيلي ضد المواقع الحكومية السورية إلى مستوى منخفض للغاية منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي، كما أن الطلعات الجوية التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية فوق دمشق خلال عمليات سيطرة القوات الحكومية على أشرفية صحنايا الخاضعة لسيطرة فصائل درزية لم تكن معيقة لهذه السيطرة، بل بدى لافتاً في البيان الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية، الحديث عن مطالبتها للإدارة السورية بمنع انتهاكات بحق الدروز مما أعطى انطباعاً بأن تل أبيب تجري اتصالات مباشرة مع دمشق.

من شأن السياسة التركية التحفظية تجاه الملف السوري أن تعطي انطباعاً للفاعلين الدوليين بأن الإدارة السورية لا تتحرك فقط من منظور العلاقة مع تركيا، خاصة وأن دمشق تبدي انفتاحاً على تطوير العلاقة مع فاعلين إقليميين ودوليين مهتمين بالملف السوري، ولديهم تنافسية مع تركيا مثل الإمارات وفرنسا، وقد أثمر هذا المسار توقيع اتفاقية بين الحكومة السورية وشركة فرنسية تتضمن استثمار ميناء اللاذقية، مما يعني أن باريس ستصبح دولة فاعلة في خطوط نقل البضائع والطاقة عبر البحر المتوسط باتجاه أوروبا.

على العموم، من المتوقع أن تستمر تركيا بالعمل على حشد الدعم الدبلوماسي للإدارة السورية من خلال الاتصالات مع إدارة ترامب، لأن من مصلحة أنقرة أن تسيطر الحكومة السورية على كامل أراضي البلاد بحكم المصالح الأمنية المشتركة بين الجانبين، والمخاوف من محاولات تقسيم سوريا إلى كيانات متعددة، وأيضاً ستركز أنقرة على علاقات تجارية واقتصادية مثمرة، دون إظهار رغبتها بالهيمنة في الملف السوري.

المدن

———————————

 لا أحد يحسد الشّرع على حكم سوريا/ فادي الأحمر

2025-05-02

قبل أسابيع شهد الساحل السوري أحداثاً مأساوية بعد قيام فلول من نظام الأسد بالاعتداء على قوّات الأمن العامّ. ومنذ أيّام حصلت اشتباكات في جرمانا وأشرفية صحنايا إثر قيام أحد الأشخاص بشتم النبيّ محمّد. هذه الأحداث تزيد من خطورة الوضع في سوريا وتشير إلى إمكان تكرار هذه الأحداث التي تتقاطع فيها المطالب الداخلية بالمصالح الخارجية.

ما حدث في جرمانا وأشرفيّة صحنايا، وقبلها في الساحل السوريّ، وربّما بعدها في السويداء وفي الساحل من جديد… كان متوقّعاً. سوريا لم تستقرّ. ولا تبدو أنّها في طريقها نحو الاستقرار السياسيّ والأمنيّ، وبالتالي ليست في طريقها إلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعيّ.

مهمّة الشّرع الصّعبة

إنّ مهمّة الشرع في حكم سوريا ليست سهلة بعد 54 عاماً من حكم الأسدَين، وبعد 12 عاماً من ثورة تحوّلت إلى صراعات إقليميّة دوليّة على الأرض السوريّة، وعلى سوريا. كُثر من معارضي الأسدَين، ولهم ملاحظات على سياسات الشرع، قالوا إنّهم لا يتمنّون أن يكونوا مكان الرجل. قبل نظام البعث ودكتاتوريّة الأسدَين لم يكن حكم سوريا سهلاً، فما بالك اليوم؟! الأسباب متعدّدة. وهذه أبرزها:

مناطق نفوذ داخليّة

1- استمرار وجود العديد من الميليشيات في البلاد. وهي ميليشيات منظّمة ومدرّبة ومسلّحة، وتسيطر على مناطق معيّنة، مثل ميليشيا “رجال الكرامة” في الجنوب، وميليشيا “قسد” في الشرق. إضافة إلى ميليشيات جاءت مع “هيئة تحرير الشام” من إدلب ولا تزال تتحرّك بإمرة زعمائها لا بإمرة وزارة الدفاع أو وزارة الداخليّة في حكومة الشرع.

إنّ مهمّة الشرع في حكم سوريا ليست سهلة بعد 54 عاماً من حكم الأسدَين

2- تنامي الشعور بالانتماء الطائفيّ في المجتمع السوريّ منذ ما قبل الثورة وخلالها. فحافظ الأسد العلويّ حَكَم سوريا بقبضة حديديّة بواسطة ضبّاط علويّين. وفي سنوات حُكم ابنه برز حكم العائلة العلويّة. قَبِلت البورجوازيّة السنّيّة المدينيّة هذا الوضع حفاظاً على مصالحها وأعمالها، بيد أنّ سنّة الأرياف ثاروا ضدّه مع “الإخوان المسلمين”. هذا ما برز منذ عسكرة الثورة (ابتداء من آب 2011) وتأسيس ميليشيات إسلاميّة. وقد زاد من الحالة الطائفيّة في سوريا دخول “الحزب” والحرس الثوري الإيرانيّ على خطّ الصراع لدعم الأسد وتأسيس ميليشيات شيعيّة على مدى عقد من الزمن.

مناطق نفوذ إقليميّة ودوليّة

3- استمرار مناطق النفوذ الإقليميّة والدوليّة في سوريا. ففي الشرق لا تزال القوّات الأميركيّة متمركزة وتدعم “قسد” على الرغم من الحديث عن قرار إدارة دونالد ترامب سحبها. ولا يزال الشمال السوري منطقة نفوذ تركيّة بواسطة “الجيش السوريّ الحرّ” وبعض الميليشيات التي تأتمر مباشرة بأنقرة. أمّا النفوذ الإسرائيليّ فهو قديم – جديد على كامل المنطقة التي كانت شكليّاً تحت سيطرة الأسد، وعمليّاً تحت نفوذ إيران و”الحزب”، والتي هي اليوم تحت سيطرة سلطة أحمد الشرع.

سوريا

4- قرار إسرائيل منع قيام سلطة قويّة في دمشق لفرض السلام والتطبيع. فغداة هروب الأسد قام سلاح الطيران الإسرائيليّ بتدمير ما بقي من مطارات عسكريّة ومخازن أسلحة للجيش السوريّ. وتمدّد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب. وأعلن أكثر من مسؤول إسرائيليّ حماية الدروز في سوريا. وتُرجم هذا التصريح بالغارة التي شنّتها الطائرات الإسرائيلية في أشرفية صحنايا ضدّ قوات الأمن السوريّة.

الحالة الطائفيّة والقوميّة في سوريا واقع لا مفرّ منه. إنكارها سيفاقمها وسيؤدّي إلى مواجهات وصدامات على أساس طائفيّ وقوميّ

الاستئثار بالسّلطة

بيد أنّ المسؤوليّة عمّا يدور من أحداث في سوريا لا تعود فقط إلى هذا الواقع الجيوسياسي والميداني المعقّد، إنّما أيضاً إلى السياسات التي اعتمدها أحمد الشرع منذ تسلّمه السلطة في سوريا والتي يمكن اختصارها بالآتي:

1- استئثار “هيئة تحرير الشام” بالسلطة. إذا كانت حكومة محمد البشير، وهي عمليّاً حكومة إدلب، مبرَّرة بسبب تسارع الأحداث في سوريا بعد هروب بشّار الأسد والحاجة إلى سلطة لضبط الأوضاع، فليس مبرَّراً أن تستأثر الهيئة بالسلطة، وأن تُوكَل كلّ الحقائب الأساسيّة في الحكومة الحالية لقيادات منها، وأن يكون تمثيل مكوّنات المجتمع السوري بأشخاص لا يمثّلون بيئاتهم الدينيّة والطائفيّة والقوميّة. وليس مبرَّراً أن تُحدَّد مدّة المرحلة الانتقاليّة بخمس سنوات.

2- اعتبار أحمد الشرع أنّ تشكيلات المعارضة قد سقطت بسقوط نظام بشار الأسد لاستبعادها عن الحكم، واستبعاد شخصيات أساسيّة فيها لها تاريخ نضاليّ منذ نظام الأسد الأب.

إنكار للواقع

3- رفض الشرع التعامل مع المكوّنات السوريّة الدينيّة والطائفيّة والقوميّة ورفض تمثيلها في السلطة الجديدة، واعتباره ذلك محاصصة معيقة للحكم. ربّما يخشى تكرار التجربة اللبنانيّة والعراقيّة. ولكن كان بإمكانه الحذر الإيجابي من التجربتين. ففي المجتمعات المركّبة لا بدّ من المشاركة في الحكم، على الرغم من وجود غالبيّة كبرى دينيّة (السنّة) وقوميّة (العرب). الكلام عن الخشية من التدخّلات الخارجيّة في حال التعامل مع المكوّنات الطائفيّة والقوميّة سيزيد من تلك التدخّلات.

 ليس المطلوب معالجةً سياسيّةً على أساس الأمن بالتراضي، بل على قاعدة المشاركة الهادئة في السلطة

4- طغيان الطابع الإسلامي على السلطة الجديدة في دمشق بفعل استئثار “هيئة تحرير الشام” الإسلاميّة المتطرّفة بالحكم، وخشية السوريين من تحوّل سوريا من دكتاتوريّة الأسد إلى دكتاتوريّة إسلاميّة.

5- تركيز أحمد الشرع على التصالح مع الخارج وإهماله التواصل مع الداخل السوريّ. وهذا ما أكّده العديد من قيادات المعارضة السوريّة.

إنّ الحالة الطائفيّة والقوميّة في سوريا واقع لا مفرّ منه. إنكارها سيفاقمها وسيؤدّي إلى مواجهات وصدامات على أساس طائفيّ وقوميّ كما حصل في الساحل السوريّ قبل أسابيع، وفي جرمانا وأشرفية صحنايا قبل أيّام. لا تكفي المعالجات العسكريّة، والسلطة في دمشق غير قادرة على ضبط الأوضاع عسكريّاً. ليس المطلوب معالجةً سياسيّةً على أساس الأمن بالتراضي، بل على قاعدة المشاركة الهادئة في السلطة.

أساس ميديا

————————————

بين الثقة المفقودة وفوضى السلاح… ما الذي أشعل جرمانا وصحنايا؟/ حسين الخطيب

نشر في 2 مايو ,2025

على مدى اليومين الماضيين، شهدت جرمانا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق تصعيدًا أمنيًا مفاجئًا، أعاد إلى الواجهة هشاشة الوضع الداخلي السوري أمام أي استفزاز طائفي أو أمني، حتى وإن بدا محدود النطاق، حيث تحوّلت شرارة صوتية إلى مواجهات وسجال محتدم على الأرض، وسرعان ما دخلت أطراف خارجية على الخط، في محاولة لاستثمار التوتر وتوسيع هوامش نفوذها في الجنوب السوري.

ورغم تدخل الدولة وبدء جهود التهدئة بالتنسيق مع وجهاء المجتمع المحلي، كشفت الأحداث الأخيرة عن خلل واضح في البنية الأمنية والاجتماعية، ما يؤكد الحاجة إلى معالجات جذرية تتجاوز إخماد التوتر إلى تفكيك أسبابه، ويتطلب ذلك إجراءات حاسمة، تبدأ بحصر السلاح في يد الدولة، وفرض سلطة القانون على الجميع دون استثناء، ومحاسبة كل من تورّط في العنف، لردع التكرار وقطع الطريق أمام محاولات الخارج استغلال الفوضى لتمزيق الداخل السوري.

في هذا التقرير، نرصد خلفيات التوتر في جرمانا وأشرفية صحنايا، وتداعياته على المستوى الوطني، في ظل مشهد إقليمي لا يتوقف عن إعادة رسم خرائط التأثير بقوة السلاح أو عبر بوابات الفتنة.

بداية التصعيد

في 28 أبريل/نيسان، أثار تسجيل صوتي متداول على وسائل التواصل الاجتماعي موجة غضب عارمة في سوريا، بعدما تضمّن إساءة للنبي محمد بلهجة تُنسب لأبناء جبل العرب (محافظة السويداء)، ووفق ما تم تداوله، نُسب التسجيل إلى أحد أبناء الطائفة الدرزية المقيمين في منطقة جرمانا بريف دمشق، ما فجّر حالة من الاستياء الشعبي، ترافقت مع خروج مظاهرات طالبت بمحاسبة الشخص المتهم بالإساءة، والتأكيد على رفض أي مساس بالمقدسات الدينية.

وتقع مدينة جرمانا على بعد خمسة كيلومترات إلى الجنوب عن العاصمة دمشق، بينما تتبع إداريًا لمحافظة ريف دمشق، وتعد منطقة سكنية كثيفة السكان، تتميز بتنوعها الطائفي والمجتمعي السوري، وتقطنها عائلات من الطوائف الدرزية والمسيحية والسنية والعلوية.

لم تمضِ ساعات على انتشار التسجيل الصوتي حتى تصاعدت وتيرة الشحن الطائفي، متجاوزةً حدود الفرد المتهم لتطال الطائفة بأكملها عبر تعميمات وتحريض مباشر، في الوقت ذاته، انتشرت مقاطع مصورة تُظهر أرتالًا مسلحة ترفع شعارات طائفية، تتحرك باتجاه جرمانا، حيث اندلعت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة مع مجموعات مسلحة كانت قد نصبت حواجز على مداخل المدينة، ما أسفر عن تأزيم المشهد وزيادة حدة التوتر.

تفجرت المواجهات فجر الثلاثاء 29 أبريل/نيسان الجاري، بعدما وقعت اشتباكات في عدة مواقع، بينها طريق المليحة، ومدخل جرمانا قرب الكباس، وأحياء النسيم والتربة والحمصي، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من المجموعات المهاجمة والمجموعات المحلية في جرمانا.

دفع استمرار المواجهات إلى تدخل جهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية السورية، الذي حاول فض الاشتباكات، مما أدى إلى مقتل اثنين من عناصر الجهاز، بحسب ما أكد مسؤول أمني في الجهاز خلال تصريح للمكتب الصحفي في السويداء، لافتًا إلى أن الاشتباكات وقعت بين مسلحين من داخل وخارج مدينة جرمانا.

وصدرت سلسلة من البيانات الاستنكارية من جهات درزية متعددة، شملت الهيئة الروحية للموحدين الدروز في جرمانا، ومشيخة العقل في السويداء، ومضافة الكرامة، ولواء الجبل، وتجمع أبناء الطائفة الدرزية، إلى جانب بيان خاص من الشيخ حكمت الهجري، وأدانت جميعها الاعتداءات التي طالت أبناء جرمانا، وشددت على رفض الطائفية وخطاب الكراهية، مؤكدين تمسكهم بوحدة المجتمع السوري وضرورة معالجة الفتنة بالحكمة وضبط النفس.

وحسب المكتب الإعلامي في وزارة الداخلية، فإن وحدات أمنية مدعومة بقوات وزارة الدفاع وصلت إلى منطقة جرمانا لفض الاشتباكات، وحماية السكان، والحفاظ على السلم المجتمعي، وفرض طوق أمني حول المنطقة لمنع تكرار أي حوادث مشابهة.

في أعقاب ذلك، اجتمع وفد حكومي مكون من مسؤول الشؤون السياسية وممثل عن محافظ محافظة ريف دمشق، مع وجهاء ومشايخ جرمانا، لإعادة الاستقرار، واتفق الجانبان على إيقاف المظاهر المسلحة، بينما تعهد الوفد الحكومي بإعادة الحقوق لأسر القتلى، ومحاسبة المتورطين، وفتح الطرقات أمام تنقلات السكان، وتسليم جثامين الضحايا الذين قتلوا داخل المدينة.

تمدد الاشتباك نحو صحنايا

تجددت الاشتباكات في منطقة أشرفية صحنايا في ريف محافظة دمشق، في منتصف ليل الأربعاء، بعدما نفذت مجموعات مسلحة هجمات على نقاط أمنية كُلفت بحماية البلدة، مما أسفر عن مقتل عدد من أفراد المجموعة المهاجمة.

وحسب مدير مديرية أمن ريف دمشق، المقدم حسام الطحان، فإن الاشتباكات تجددت في مدينتي صحنايا وأشرفية صحنايا، بسبب تسلل مجموعات خارجة عن القانون ليل الأربعاء، واستهدفت كل تحرك أمني، مما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى من المدنيين وعناصر الأمن العام. قبل أن تصعّد المجموعات اعتداءاتها صباح الأربعاء بمهاجمة نقاط وحواجز أمنية.

وتتبع أشرفية صحنايا إداريًا لمنطقة داريا في محافظة ريف دمشق، ضمن الغوطة الغربية، وتبعد عن مركز العاصمة مسافة 10 كيلومترات إلى الجنوب، وتسكنها عائلات سورية من الطائفتين الدرزية والمسيحية.

وتدخلت وفود حكومية ووجهاء منطقة أشرفية صحنايا لحل المشكلة ووقف إطلاق النار، إلا أنه، رغم الاتفاق، هاجمت مجموعة مسلحة دورية للأمن العام، مما تسبب في مقتل ستة عناصر من الدورية، لتجدد السلطات اتفاق وقف إطلاق النار مرة أخرى مع المجموعة المسلحة.

في تلك الأثناء، نفذ طيران الاحتلال الإسرائيلي غارة جوية طالت دورية للأمن العام في بلدة أشرفية صحنايا، ما تسبب في مقتل عنصر أمن، وإصابة آخرين.

ورغم الاتفاق الثاني، إلا أن مجموعة مسلحة استهدفت دورية للأمن العام مجددًا داخل أشرفية صحنايا، ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص من عناصر الأمن العام، ما دفع وزارة الداخلية إلى إرسال وحدات من جهاز الأمن العام، مدعومة بوحدات من قوات الجيش، لاعتقال الخارجين عن القانون.

بالتوازي مع ذلك، زار محافظو السويداء والقنيطرة وريف دمشق، وشخصيات من مشيخة العقل وحركة رجال الكرامة في السويداء، للوقوف على الأزمة التي تعرضت لها منطقتا أشرفية صحنايا وجرمانا، وتوصلوا إلى اتفاق أولي يقضي بتشكيل لجنة لتحقيق الاستقرار.

وفي بيان مصور، أكد محافظ ريف دمشق، عامر الشيخ، انتهاء العملية في أشرفية صحنايا باعتقال المجموعة الخارجة عن القانون ومصادرة سلاحها، لافتًا إلى أن إدارة المنطقة تعمل مع الوجهاء كفريق عمل واحد، مشيرًا إلى أن الاتفاق تم على محاسبة الأشخاص المتسببين بالاعتداء وتعويض المتضررين، كما أكد على أن الدولة تقف على مسافة واحدة من أبناء سوريا، مشددا على ضرورة حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة تحقيقًا للسلم الأهلي.

شحن وأبعاد طائفية بلا رادع

كشفت الأحداث الدامية في جرمانا وأشرفية صحنايا بريف دمشق عن عمق الهشاشة البنيوية التي يعاني منها المجتمع السوري، وهي هشاشة تراكمت على مدى عقود بفعل سياسات التفرقة التي كرّسها نظام البعث، واستثمرت فيها قوى خارجية لتعزيز نفوذها على حساب استقرار البلاد.

وانعكست هذه التصدعات بوضوح في الخطاب المتبادل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث طغت النزعة الطائفية على المشهد، وتبادل الطرفان اتهامات بالخيانة والتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ووصف الطرف الآخر بالتكفيرية من جهة مقابلة، ما ساهم في تأجيج التوترات وفتح الباب أمام اشتباكات مسلحة وردود فعل خطيرة هددت السلم الأهلي.

واعتبر مفتي الجمهورية العربية السورية، أسامة الرفاعي، أن كل دم سوري محرم، وطلب من السوريين تجنب الفتن ودعوات الثأر والانتقام لأنها تحصد الجميع، وأكد على ضرورة إطفاء الفتنة لحقن دماء السوريين، محذرًا من التفكير بالثأر والانتقام، ومشددًا على ترك العدالة كي تأخذ مجراها.

من جانبه، دعا عضو مجلس الإفتاء الأعلى، الدكتور محمد راتب النابلسي، السوريين إلى تحكيم لغة العقل، وعدم الانجرار خلف الشائعات، والتصرف بحكمة بعيدًا عن الانفعالات التي تزيد من تعقيد المشهد الأمني، واعتبر أن النشر على وسائل التواصل الاجتماعي أمانة ومسؤولية، فوقع الكلمة في أوقات الفتن أشد من وقع السيف.

وأكد أن السوريين متساوون في الحقوق والواجبات، وكراماتهم وأعراضهم ودماؤهم وأموالهم محفوظة ومصونة، والانتساب إلى طائفة معينة ليس تهمة، ولا يمنح أفضلية في الحقوق، وسوريا تكمن في تنوعها ووحدة نسيجها الاجتماعي، والمدان هو من شارك في الجريمة ودعمها وتستر عليها.

ويرى الكاتب والباحث بسام السليمان أن المشاحنات على منصات التواصل الاجتماعي في أحداث منطقتي جرمانا وأشرفية صحنايا ساهمت في تعزيز وإثارة النعرات الطائفية بين مكونات الشعب السوري، لأسباب مباشرة ترتبط بتسجيل يحتوي على إساءة لشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ويرجع، خلال حديثه لـ “نون بوست”، سبب تفاعل السوريين مع المشاحنات الطائفية إلى دور النظام البائد في استخدام الطوائف السورية ضد بعضها للحفاظ على سلطته، إضافة إلى الحرب خلال السنوات الماضية، التي دفعت السوريين إلى اللجوء إلى الطائفة أو القومية للحصول على الحماية.

ويضيف أنه بعد سقوط نظام الأسد لم يحصل في السويداء توافق، نتيجة تصدير مرجعية دينية تعتبر نفسها غطاء ومظلة لكل شخص من الطائفة الدرزية على حساب الوطن والمواطنة، بغية تعزيز وجود شخصيات محددة، مما انعكس سلبًا على العلاقة ودخول مؤسسات الدولة، علمًا أن الحالة لا تمثل جميع أبناء محافظة السويداء.

وأكد السليمان على ضرورة اتخاذ إجراءات جدية من السلطات السورية لإعادة النظر في آليات التواصل لإدارة ملف السويداء بشكل أمثل، بحيث يعيد الاستقرار للمحافظة، لأن الأحداث التي شهدتها سوريا خلال الأيام القليلة الماضية أظهرت حالة انقسام واضحة في المجتمع، وتحتاج إلى تعزيز التواصل بين المجتمعات السورية لبناء أركان الدولة.

الطائفية.. بوابة التدخلات الخارجية

أفسحت التطورات الميدانية في جرمانا وأشرفية صحنايا الباب أمام تدخلات خارجية مباشرة في الشأن السوري، كان أبرزها تدخل الاحتلال الإسرائيلي، الذي استغل حالة الفوضى وأرسل طائرات مسيّرة نفذت غارات جوية استهدفت دوريات تابعة لجهاز الأمن العام.

وأسفرت هذه الضربات عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف الجهاز، في تصعيد خطير يُعد انتهاكًا واضحًا للسيادة السورية، ويعكس محاولات تل أبيب توظيف التوتر الداخلي لتعزيز حضورها العسكري والأمني في الجنوب السوري.

وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قائلًا: “إن الجيش نفذ ضربة تحذيرية ضد متطرفين حاولوا الاعتداء على الدروز في منطقة صحنايا جنوبي دمشق”.

كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن إسرائيل تؤكد التزامها العميق بحماية الدروز في سوريا، لافتًا إلى أنها وجهت تحذيرًا شديدًا للسلطات السورية وطالبتها بمنع الاعتداءات على الدروز.

في المقابل، أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانًا حول التدخلات الخارجية والاستحقاق الوطني، أكدت خلاله رفضها القاطع لجميع أشكال التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، واعتبرت أن الدعوات التي أطلقتها جماعات خارجة عن القانون شاركت في أعمال عنف على الأراضي السورية للمطالبة بـ”حماية دولية” بأنها دعوات غير شرعية ومرفوضة بالكامل.

كما أكد البيان على أن الجمهورية العربية السورية ملتزمة بحماية جميع مكونات الشعب السوري دون استثناء، بما في ذلك أبناء الطائفة الدرزية الكريمة، التي كانت ولا تزال جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني السوري، وأعربت عن تقديرها للدور الحكيم والمسؤول من قبل عدد من مشايخ وعقلاء الطائفة الدرزية في إطفاء نار الفتنة للحفاظ على السلم الأهلي.

وجاء ذلك ردًا على بيان مصور أصدره الأمير يحيى حسن الأطرش في دار عرى في السويداء، في 30 أبريل/نيسان الماضي، حيث طالب خلاله المجتمع الدولي بمحاسبة من تلطخت يداه بالدماء تحت مسمى “الإبادة الجماعية”، وأمهل الحكومة في دمشق مدة ست ساعات كحد أقصى لفك الحصار عن أشرفية صحنايا، وتشكيل لجنة عليا للعمل على مذكرة تفاهم تصون حقوق وحماية سكان المنطقة، مؤكدًا أنهم إذا لم يجدوا تفاعلًا حقيقيًا، فسوف يعلنون طلب الحماية من أي جهة دولية.

وفي 1 مايو/أيار الجاري، خرج الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، في بيان صحفي، طالب فيه بالحماية الدولية، معتبرًا أنها حق مشروع لشعب “قضت عليه المجازر”، كما طلب من المجتمع الدولي ألا يواصل التجاهل والتعتيم على المجازر، مطالبًا القوات الدولية بالتدخل بشكل فوري لحفظ السلم الأهلي، مؤكدًا أنهم ليسوا دعاة انفصال، وإنما “دعاة مشاركة فعلية وتأسيس مشروع دولة فيدرالية ديمقراطية تحفظ كرامتنا”.

ويرى الباحث في مركز الحوار للدراسات، أحمد قربي، أن حماية الأقليات وسيلة تاريخية تتخذها الدول الغربية للتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط، وتقوم على هدم فكرة المواطنة وتعزيز فكرة الطائفية.

وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن إسرائيل لديها رغبة قبل سقوط الأسد البائد في تقسيم سوريا، لأنها تريدها ضعيفة، غير قادرة على حماية نفسها، حتى لا تشكل تهديدًا عليها، وفي حال لم تقع اشتباكات، فإن إسرائيل ستسعى إلى خلقها بهدف إيجاد مبرر لتدخلها بما يخدم أبعاد وجودها الاستراتيجي إقليميًا”.

ويضيف أن الأثر السياسي للغارات الإسرائيلية أكثر من أثرها الميداني، لأن إسرائيل تحاول إظهار التضامن والإيحاء بمسؤوليتها في حماية المكون الدرزي، وكأن الدروز في خطر وجودي، في محاولة لإظهار البلاد بأنها غارقة في الحروب الطائفية.

واعتبر أن تداعيات الطائفية مقلقة، وتجارب دول جوار سوريا واضحة في هذا السياق، لذا يتطلب من السوريين أن يكونوا أكثر وعيًا، لأنهم أمام فرصة تاريخية بعد الأسد البائد في بناء دولة المواطنة التي تقوم على سلوك وممارسات وحريات، لأن الاستمرار في النهج الطائفي المعادي يدمر فكرة الدولة، ويضع سوريا أمام سيناريوهات غير مرغوب بها.

بينما يرى الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، أن إثارة النعرات الطائفية والإثنية والقومية تُستثمر من الخارج، الذي يكون جزءًا من التحريض، فإن الأحداث التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد تُظهر استثمارًا واضحًا في إثارة نزعات طائفية ومناطقية، وهذه النزعات ترفع شعارات التدخل الخارجي بشكل معلن.

ويضيف في حديثه لـ”نون بوست” أن إسرائيل كانت ترسل رسالة بأنها جزء من التدخل الخارجي، بهدف توجيه رسائل حول هشاشة الأوضاع في سوريا، من أجل إبطاء عملية الانفتاح السياسي ورفع العقوبات والاعتراف بالحكم الجديد، بهدف بقاء سوريا ضعيفة وقابلة للتنازلات المستمرة أمامها، لأنها تريد أن تبقي دول الطوق كلها ضعيفة، فيها مركزية هشة، مقابل وجود كنتونات قادرة على التحكم بها والاستثمار في خلافاتها.

ختامًا، هزت أحداث منطقتي جرمانا وأشرفية صحنايا الشارع السوري، بسبب ما حملته من تداعيات، وكشفت حالة انقسام طائفي واضح، ما أثار أطماعًا خارجية تحاول عرقلة استقرار البلاد بشتى السبل الممكنة، الأمر الذي يضع السلطات السورية أمام استحقاق فرض الاستقرار الأمني عبر تعزيز التواصل بين المكونات السورية.

نون بوست

———————————

إلى أهلنا في السويداء: مشكلتكم مع شخص واحد/ عبد الناصر القادري

نشر في 3 مايو ,2025

منذ سقوط نظام الأسد وتحرير سوريا في 8 كانون الأول/ ديسمبر عام 2024، كان واضحًا أن الرئيس أحمد الشرع وكتلته الصلبة، بصدد تقديم خطاب تشاركي يحتوي جميع الأطراف تحت قيادته، مع التأكيد على الأخيرة، رغم طريقها الشاق والتحديات الجمّة التي ترافقها.

وكان من المعروف أن الشرع قد لا يكون الأفضل أو الأمثل، لكنه خيار واقعي في ظل الوضع السوري الداخلي من فصائلية ونزاعات وصراعات وفلول نظام، وملف عدالة انتقالية، وملف الجزيرة السورية (قسد)، وملف الضباط العلويين (ليس الطائفة بقدر من كان في صلب النظام منها)، وملف جنوب سوريا المقسّم إلى أقسام: (القنيطرة وتوغّل الاحتلال)، و(درعا ونفوذ أحمد العودة)، و(السويداء وما يتصل بها من مناطق جبل الشيخ وصحنايا وجرمانا)، والصلة مع النفوذ الإسرائيلي الذي يريد فرض نفسه، وملف (رجال أعمال النظام).

هذه الملفات الداخلية هي الأكثر إشكالية، وتم التعامل معها كلٌّ لوحده، وبحساسية عالية، بدءًا من يوم التحرير وحتى النجاح بإسقاط النظام.

حصل الشرع منصب الرئاسة اعتمادًا على مفهوم الشرعية الثورية من الفصائل العسكرية التي تمثّل كل الفصائل التي قاتلت النظام على مدى 13 عامًا، ومن ثم جلسة الحوار الوطني السريعة التي ضمّت لفيفًا واسعًا من النخب السورية، فبذلك كانت شرعية منصبه ومن ثم حكومته معتمدة على شرعية عسكرية وأخرى مدنية، تعتمد إلى ثورية الحدث الذي قاد إلى إسقاط النظام.

امتحان الساحل الصعب

بالطبع تختلف الشرعية الثورية عن الشرعية الدستورية، فالأولى على صلة بالتغيير الثوري المباشر وردّة فعله الكبيرة لدى الشارع، أما الثانية فتعتمد على تفعيل المؤسسات القانونية والدستور، وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة.

وفي ظل الوضع السوري السابق ذكره، والذي تبدو فيه سوريا بوضع استثنائي، من الناحية الأمنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية، ووجود ما يهدد وحدة أراضيها، يدفع للقبول بخيار الشرعية الثورية إلى حين حصول الاستقرار والانتقال إلى الشرعية الدستورية.

لا شكّ أن أحداث الساحل كانت واحدة من أبرز الملفات المعقّدة التي واجهت الحكومة الانتقالية بعد تعيين الرئيس، فعملية ردع العدوان التي منعت حدوث أي انتهاكات لحقوق الإنسان (من تاريخ إطلاقها في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر حتى 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024)، بواحدة من أهم المعارك في تاريخ سوريا الحديث والمعاصر، تمكّنت من ملء فراغ غياب الدولة (وليس النظام) من اليوم الأول، وخلال أسبوع واحد شعر السوريون بعودة حياتهم إلى الاستقرار رغم انهيار نظام الحكم واختفاء كل مظاهر الشرطة وقوى الأمن، حيث عمد الأهالي إلى تشكيل لجان حماية محلية إلى حين انتشار قوى الأمن العام في عموم المحافظات.

ورغم أن ما جرى في الساحل كان امتحانًا صعبًا على الدولة أولًا، عبر استهداف قوى الأمن العام، ومن ثمّ ردّة الفعل الشعبية التي استندت إلى مظلوميّات سابقة لم تستطع الحكومة الجديدة أن تحقّق العدالة فيها للعديد من الأسباب والظروف، فقد حصلت في الساحل السوري انتهاكات، وليس مجازر أو حرب إبادة تجاه العلويين كما أُشيع، بل انتهاكات مدانة دفعت الحكومة نفسها إلى التحرّك وتشكيل لجنة تحقيق استقصائية بهدف الوقوف على تفاصيل ما جرى، ومحاسبة المتورّطين، كما وعد بذلك الرئيس أحمد الشرع.

فكل تشبيه بجرائم النظام السابق هو قفزٌ عن الحقيقة، فقرار الدولة شيء، ومحاولة أطراف معيّنة لفرض أجندات دولية وكارثية أمرٌ آخر.

خطاب متوازن مستمر تجاه السويداء

في النظر إلى ملف السويداء، تعاملت الحكومة منذ اليوم الأول للتحرير مع السويداء على أنها جزءٌ لا يتجزّأ من سوريا، وكلّ سكانها مواطنون سوريون، وليسوا رعايا من طائفة معيّنة، خصوصًا مع الحراك الشعبي الذي انطلق في السويداء منذ آب/ أغسطس 2023.

رغم ذلك، لم يتوانَ الشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل لطائفة الموحّدون الدروز، عن إصدار البيانات التي يضع فيها نفسه مقرِّرًا عن كلّ من في جبل العرب وغيرها من المناطق التي ينتشر بها أبناء الطائفة، بل قاد خطابًا استفزازيًا عبر  فيه عن رفضه للإعلان الدستوري والحكومة الجديدة، التي بدت حكومة تكنوقراط حصلت على اعتراف دولي واسع، خصوصًا عربيًا وأوروبيًا، وظلّ يغرّد خارج السرب في وقتٍ شديد الحساسية، ويمكن فيه التنازل قليلًا لصالح الشأن العام، رغم أن الشرع اختار وزراءً من الطائفة على أساس تقني وتمثيلي في الوقت نفسه، باحترامٍ لأهمية السويداء وما تمثّله من ثقل في سوريا ومستقبلها.

ولم تكن الأصوات الدرزية البارزة تنتقد خطاب الهجري، مع كل أسف، رغم معرفتها بمشروعه المتّصل بمشروع موفق طريف، شيخ عقل الدروز في “إسرائيل”، والذي يتماهى مع خطاب الاحتلال، وزجّ بالطائفة الدرزية في فلسطين بمواجهة الشعب الفلسطيني المنكوب، من خلال الانتساب إلى قوات جيش الاحتلال التي تمارس أعتى أنواع القتل والتشريد بحقّ أهلنا في غزة والضفة وغيرها من المناطق المحتلّة.

وفي كواليس لقاء الزعيم الدرزي اللبناني البارز وليد جنبلاط مع الرئيس أحمد الشرع، جرى التطرّق إلى ملف السويداء ومشكلة الهجري بشكل خاص، ويبدو أن جنبلاط على خلاف كبير معه، ثم انتقل جنبلاط إلى نقده علنًا في أكثر من مقابلة، كان آخرها في بودكاست “هامش جاد” على التلفزيون العربي، حيث قال إن “تحويل الدروز في سوريا إلى قومية مستقلة أو فئة، يجعلهم أداةً لإسرائيل، كما هو حال الدروز في فلسطين المحتلّة، هذا يهدد الدروز”، مضيفًا أن “إسرائيل” تريد جعل موفق طريف (الزعيم الديني لدروز “إسرائيل”) ممثّلًا لدروز المنطقة كلّها، وحكمت الهجري متأثّر جدًا بدور موفق طريف وبمحيطه.

وأكّد على أن “حكمت الهجري يذهب إلى مغامرة انتحارية. لا يمكن للدروز أن يحملوا راية تقسيم سوريا. سنصل إلى مرحلة انقسام بين الدروز في سوريا”، مشدّدًا على أن “المشروع الصهيوني لن يرحم دروز فلسطين، سيهجّرهم. ودروز سوريا ليسوا بحاجة لحماية إسرائيل”.

وجاءت أحداث جرمانا، ومن بعدها صحنايا، من قِبل أطراف تريد خلق فوضى داخلية، فالحكومة الجديدة ليست بصدد خلق مشكلة أو أزمة تتضمّن انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل التحديات الهائلة التي تعاني منها، ومحاولة رفع العقوبات الأميركية، فأكثر المستفيدين من حصول هكذا هجمات على حواضن الدروز في جرمانا أو صحنايا أو السويداء هي إسرائيل، ومن يحاول الاستقواء بها من داخل سوريا.

أخطاء داخلية

ورغم الأخطاء التي قد تكون حصلت بحقّ بعض المدنيين أو المقاتلين الذين رفضوا الانصياع لشرعية الحكومة الجديدة عبر الانضمام إلى صفوفها أو تسليم السلاح لها، وبعض العبارات المسيئة من مختلف الأطراف لبعضهم، فإن الحقيقة هي أن الدروز ليسوا في حالة حرب مع الدولة، وليسوا مضطرين لأيّ مواجهة عسكرية أو حتى كلامية، فهم جزءٌ لا يتجزّأ من سوريا التي نريدها لجميع أبنائها، فالتهديد بـ”إسرائيل” أو بالحماية الدولية لن يتمكن من تحقيق أيّ غاية أو هدوء، والمحرّضون من مختلف الأطراف على مواقع التواصل الاجتماعي، بالغالب هم خارج سوريا وبعيدون عن الخسائر المباشرة التي يتعرض لها الدروز أو قوى الأمن العام.

وبدت بعض التصريحات وكأن هناك معركة مباشرة ضد الدروز بعينهم، وليس ضد مسلّحين موجودين في جرمانا أو صحنايا أو السويداء يحملون السلاح ضد الدولة، عبر بروبغندا تقلب الحقائق، مع إمكانية حدوث انتهاكات بسيطة لا ترقى أبدًا لما يتم التحدث عنه من قبل المحرّضين على وسائل التواصل الاجتماعي عن إبادات جماعية ومطالب حماية دولية.

وبيان الهجري الأخير، استفزازي، وهو من يحاول أن يجرّ السويداء إلى كارثة كبيرة، عبر استخدامه لغة تهديدية غير عاقلة، تنسف أيّ مبادرة للحوار أو التهدئة عبر وصف الحكومة بالتكفيرية واتهامها بارتكاب المجازر، مطالبًا الحماية الدولية في إشارة إلى “إسرائيل”.

وفي النص الذي ورد عنه قال: “نطالب بتدخّل دولي عاجل، عبر قوات لحفظ السلام، لوقف عمليات القتل والتهجير القسري الممنهج. ما يجري في الجنوب هو نسخة جديدة من تجربة الساحل، ونطالب بدعم دولي مباشر وسريع لإنقاذ ما تبقّى من الشعب السوري”.

وفي هذا مبالغة مستنكرة، أوّلًا لخلط الأحداث ببعضها، وجعل الأمور كلّها في بوتقة واحدة، وكأن الحكومة السورية وقوى الأمن العام تعمد إلى قتل السوريين بناءً على طوائفهم وانتماءاتهم، والواقع هو أن الحكومة تحرّكت بشكل سريع لوقف كلّ ذلك والعمل عبر وساطات للتهدئة من خلال البيان الأخير الذي وقّعه كلّ شيوخ العقل في السويداء ما عدا الهجري والميليشيات التابعة له.

السويداء جزء من سوريا.. هذا الرجل أزمتها

والقول الفصل: إن السويداء ودروز سوريا، هم سوريون، لهم في سوريا ما لكلّ سوري مسلم أو مسيحي أو غير ذلك، مشروعهم بلد مواطنة، يكون فيه كلّ شخص خاضعًا للقانون، مع دولة تحتكر السلاح، ولا تلجأ له إلا لحماية مواطنيها على أساس قانوني دستوري.

إن مطالبة الهجري بدولة مدنية علمانية، يتنافى مع تدخّله في السياسة بشكل مباشر، وكأنه حزب سياسي وليس مرجعية دينية،. وقد أصدر المفتي العام للجمهورية، الشيخ أسامة الرفاعي، والعديد من أعضاء مجلس الإفتاء الأعلى، بيانات حرّموا فيها دم السوري على السوري، معتبرين أن أيّ تحرّك على أساس طائفي هو فتنة تخدم الاحتلال، ومن يريد العبث بقرارات السوريين وجهودهم لبناء بلد آمن كريم.

ولذلك، مشكلة السويداء مع شخص واحد، يريد جرّ البلد إلى مساحته ومشروعه، ولكن لسان حال السوريين في السويداء وخارجها، عبر البيان الأخير (لم يُوقّع عليه)، يقول له ولأمثاله: سوريا حرّة، ولكلّ أبنائها، والقصف الإسرائيلي ليس دفاعًا عن أيّ طائفة، بقدر ما هو دفاع عن مشروع صهيوني في المنطقة، سيتجاوزه الشعب السوري وحكومته، كما تجاوزنا خلال الأشهر الأخيرة الكثير من التحديات والعوائق.

نون بوست

—————————

 سوريا و«حِفظ الإخوان»/ مشاري الذايدي

سوريا كما يعلم كل مهتّم، حافلة بالتنوّع الديني والطائفي والإثني، كما هي حافلة بالتعدّد الثقافي بين تيارات العروبة والإسلامية، والأصولية الغالية، واليسار واليمين والنسويات.

من هنا لا يُمكن حكمها بصفة مركزية ذات لونٍ واحد. حصافةُ الرُشد السياسي تكمن في بناء جامعة وطنية تستوعب الجميع بصدق، ولن تُفلح – حتى لو أرادت ذلك الآن أو لاحقاً – في إلغاء التمايزات الثقافية والدينية.

قبل أيام اشتعلت الاشتباكات الدامية في صحنايا قرب دمشق بين مسلحين مرتبطين بالسلطة وآخرين دروز، موقعة 22 قتيلاً على الأقل.

إلى هنا – رغم فداحة وخطورة ما جرى – يُمكن فهمه في سياق الفوضى والغموض الحالي، لكن الخطير كان في «استنفار» الحالة الدرزية في بلاد الشام، من لبنان للأردن… لفلسطين، أو إسرائيل.

في عقيدة الطائفة الدرزية، أو الموحّدين، كما يسمّون أنفسهم، 7 وصايا جوهرية، منها: صدق اللسان، و«حِفظ الإخوان».

تحت عنوان «حِفظ الإخوان» هذا، تكون حالة التراصّ والتعاضد الدرزي – الدرزي، بصرف النظر عن جنسية كل درزي، وربمّا ساعد هذا المفهوم، عبر التاريخ، في حِفظ الطائفة قليلة العدد، غير التبشيرية، من الذوبان والفناء، رغم أهوال التاريخ في بلاد الشام.

الزعيم الدرزي، وابن بيت الزعامة في لبنان، وليد جنبلاط، قال أول من أمس، من دار الطائفة في فردان ببيروت تعليقاً على هذا المفهوم الدرزي: «حِفظ الإخوان يكون برفض التدخّل الإسرائيلي».

نحن أمام مشروع فتنة كبيرة تحرق الجميع، والأمر حقّاً كما قال مفتي سوريا، الجديد، الشيخ أسامة الرفاعي، على حسابه بـ«فيسبوك»: «لو اشتعلت الفتنة في بلدنا… فكُلّنا، كل أعراقنا وكل أدياننا، كل طوائفنا، كلنا خاسر».

صحيحٌ، أن هناك أصواتاً درزية سورية وغير سورية تطالب بالحماية الإسرائيلية من الجماعات المتطرفة، لكنْ بقي صوت بعض كِبار الدروز، البيك وليد، تؤكد نهائية الانتماء السوري العربي للدروز، في وطن سوري واحد.

الفِتن الدينية والطائفية ليستْ جديدةً في بلاد الشام، منذ ما قبل فتنة 1840، ثم «الفتنة الكبرى» عام 1860 التي اشتعلت نيرانها في لبنان ودمشق وسوريا.

لكن أليس التاريخ مصدراً للعبرة وليس للتكرار؟!

الواجب الأخلاقي والقانوني والتاريخي في «حِفظ الإخوان» يقع على كاهل الدولة التي هي مسؤولة عن الجميع، من دون تفرقة، وبكل وضوح وحزم، وردع ومعاقبة كل الغُلاة المحرّضين… ونحن على فكرة في زمن فوّارٍ بالصور والتوثيق على مدار الساعة.

نعم هناك من يريد تقسيم سوريا، ومنهم إسرائيل أكيد، لكن هناك من يساعد إسرائيل، وغيرها، على ذلك، مباشرة، أو من خلال نتائج أعماله ضد المختلفين، بأي صورة كان هذا الاختلاف… ويدفع الأقليات، أو بعضها، دفعاً نحو التقسيم.

سوريا أولاً… وآخراً.

الشرق الاوسط

—————————–

كيف أشعلت إسرائيل التوتر في جرمانا وصحنايا؟/ وائل علوان

1/5/2025

لا توفرُ إسرائيل فرصةَ الاستثمار في أي فوضى تحدث في سوريا، فكيف إن كانت هذه الفوضى في محيط العاصمة دمشق؟ وكيف إن كانت هذه الفوضى ممزوجة بطيف من الطائفية والمناطقية؟

كان هذا الاستثمار الإسرائيلي واضحًا وجليًا في تصريحات الحكومة الإسرائيلية ومسؤوليها حول دور تل أبيب في حماية الموحدين الدروز في محافظة السويداء جنوب سوريا، وفي مدينة جرمانا شرق دمشق، ثم ميدانيًا بالتدخل المباشر والمعلن؛ حيث قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بعد ظهر الأربعاء 30 أبريل/ نيسان 2025 بلدة صحنايا على أطراف دمشق، بالتزامن مع الاشتباكات التي كانت تخوضها القوات الحكومية السورية، والتي أدت لاستعادة السيطرة على البلدة بشكل كامل في اليوم ذاته.

في المقابل، فإن الأحداث المتتالية والمتسارعة: من مؤتمر القوى الكردية، إلى بيان شيخ الطائفة العلوية غزال غزال، إلى منشور رامي مخلوف عن تجنيد 150 ألف مقاتل، وصولًا لاشتعال المواجهات في جرمانا وصحنايا، قد تروي رواية أخرى مختلفة عن مجرد الاستثمار، فهل لإسرائيل وعبر إحدى الدول الإقليمية دور مباشر في تفجير الأزمات؟

لماذا تفجّرت الأوضاع في جرمانا وصحنايا؟

انتشر يوم 28 أبريل/ نيسان 2025 تسجيل صوتي نسب إلى مروان كيوان أحد مشايخ الطائفة الدرزية في السويداء، وهو مقيم فيها، بينما أشارت معلومات إلى أن التسجيل قام به وبنسبه للشيخ كيوان شخص مقيم في هولندا اسمه فؤاد مراد، كان يعمل سابقًا مع العميد عصام زهر الدين أحد أركان نظام الأسد، وقد سجلت باسمه واسم مجموعته جملة من الانتهاكات بحق السوريين.

التسجيل الصوتي تضمن إساءة للحكومة السورية وقواتها مستخدمًا توجيه السباب والشتائم بمنحى طائفي وديني وصل إلى التطاول على الرسول الكريم بطريقة يتضح فيها تعمّد استفزاز جميع المسلمين، بل جميع الشعب السوري، وإلحاق ذلك بالطائفة الدرزية بشكل مقصود.

أثار التسجيل وما فيه صخبًا واسعًا بدأ من محافظة حمص، حيث وقعت مشادات في السكن الطلابي لجامعتها أدى إلى اعتداءات وإصابة طالب من السويداء بجروح، كيف لا والتسجيل بدأ ينتشر بشكل واسع على أنه لأحد مشايخ السويداء ومرجعياتها الدينية.

في اليوم التالي لانتشار التسجيل بدأت الاعتداءات المسلحة من حاجز النسيم الفاصل بين جرمانا والغوطة الشرقية، وبدأ سقوط القتلى واتساع التجييش والتحشيد، والذي فيما يبدو كان معدًا له مسبقًا قبل التسجيل، بل ربما جاء التسجيل إيعاذًا بتحركات أمنية وعسكرية وإعلامية مخطط لها مسبقًا، وسرعان ما تحولت جرمانا ذات الهويات المتعددة مسرحًا للفوضى التي انتقلت لبلدة صحنايا التي تصاعدت فيها المواجهات وانتهت بمعركة واسعة.

موقف الحكومة السورية وإجراءاتها

أدركت القوات الحكومية في وقت مبكر أنه يراد استدراجها لتكون طرفًا في المواجهات، فقامت بمنع مجموعات محسوبة عليها وغير تابعة لها من التصعيد وتوسيع دوائر المواجهة والاشتباك، وبتطويق بؤر المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون، وفصل الأماكن التي تحصنوا فيها عن بعضها البعض.

وهذه المجموعات لم تكن من تجمعات الدروز فقط، بل إن جزءًا كبيرًا من الدروز في جرمانا كانوا أقرب للأمن العام، وبعضهم كان منتسبًا للأمن العام بطبيعة الحال، في مقابل مجموعات من فلول النظام، وخاصة ما كان يعرف بالدفاع الوطني في صحنايا عملوا على التجييش والتحشيد وافتعال فوضى إطلاق النار، واستهداف المدنيين والقوات الحكومية على حد سواء.

نجحت القوات الحكومية في منع وصول مؤازرات الخارجين عن القانون من صحنايا لجرمانا، ومنعت مجموعات من المجلس العسكري في السويداء الموالي للشيخ حكمت الهجري من الوصول لدمشق وريفها، وأنهت القوات الحكومية مواجهات في أولها اندلعت بين البدو ومجموعات عسكرية في السويداء.

في المقابل استطاعت الحكومة السورية إدارة الرأي العام وتوجيهه مستعينة بمرجعيات مجتمعية مؤثرة من بينها حكماء السويداء الذين أظهروا الشيخ الهجري في موقف المحرض المستدعي للتدخل الخارجي.

فعليًا استطاعت الحكومة السورية أن تكشف بوضوح أن كل هذه التحركات المتتالية لم تأتِ عفو الخاطر أو بالتداعي فقط، بل ربما المتحركون لإثارة الفوضى والصخب هم من كشفوا ذلك بأنفسهم.

ماذا يريد المتربصون بسوريا وحكومتها؟

أن تكون سوريا مجموعة من مناطق سيطرة (كانتونات) مستلقة أمنيًا وسياسيًا وإداريًا، مع مركزية هشة تديرها دولة ضعيفة منزوعة السلاح ومرهقة بالعقوبات، هذا السيناريو الأفضل بالنسبة لإسرائيل، وهو ما تعمل عليه بشكل مباشر لاحقًا بعد اصطناع المشكلات، وبشكل غير مباشر عبر حلفائها الإقليميين قبل ذلك.

لا تجد حكومة نتنياهو حرجًا في أن تتوافق سياساتها حيال سوريا مع سياسات إيران، وأن يكون حلفاء تل أبيب في مساعيها لإثارة الفوضى هم ذاتهم حلفاء طهران، حيث غالبًا ما تطمئن إسرائيل إلى أن الدول الداعمة للحكومة السورية ستبذل جهدها لمنع عودة إيران إلى سوريا.

من جانب آخر، تحاول إسرائيل إضعاف سلطة الحكومة في دمشق وإرباكها بملفات حساسة، منها اختبار القدرة على التعامل مع الفوضى في الوقت الذي يرصد فيها العالم مراعاة حقوق الإنسان وحماية الأقليات.

وتعتقد تل أبيب أنها كلما زادت الضغط على الحكومة السورية فستكون قادرة على فرض شروط أو مكاسب إضافية على طاولة المفاوضات، بل إنها تكسب تأخير استحقاق التفاوض الذي سترعاه الولايات المتحدة في وقت ما.

لكن فعليًا فإنّ القيادة السياسية في سوريا غالبًا ما تتجاوز الاختبارات وتخرج منها بمكاسب مختلفة، أهمها إعادة تشكيل تماسكها الداخلي وكشف خصومها والمناوئين لها، وكما يقال: إن الضربة التي لا تقضي عليك أو تكسر ظهرك ستزيد من قوتك.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

مختص في الشأن السوري

الجزيرة

——————————-

الطابور الخامس وأدوات الدولة العميقة في سوريا/ خليل البطران

1/5/2025

تعريف الطابور الخامس: مصطلح “الطابور الخامس” يُستخدم للإشارة إلى مجموعة من الأفراد أو الجماعات، ممن يعملون ضد استقرار الدولة، سواء من داخلها أو خارجها، ويقومون بتخريب مؤسساتها أو تشويه صورتها.

ظهر هذا المصطلح لأول مرة خلال الحرب الإسبانية في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث كان يشير إلى جماعات محلية في إسبانيا تعمل لصالح العدو من داخل البلاد.

وفي السياق السوري، يشير الطابور الخامس إلى القوى الداخلية والخارجية التي تسعى إلى نشر الفوضى، وإضعاف الحكومة الجديدة، والعمل على عرقلة جهود الإصلاح.

منذ بداية تشكيل الحكومة السورية الجديدة بقيادة السيد أحمد الشرع، بدأت البلاد تواجه تحديات عميقة تهدد مسار الإصلاح وبناء الدولة، أبرزها خطر الطابور الخامس وأدوات الدولة العميقة.

هذه القوى المتجذّرة داخل مؤسسات الدولة، والموروثة من عهد النظام السابق، لا تزال تسعى لإفشال جهود التحول الديمقراطي، وتقويض مشروع بناء دولة مؤسسات حقيقية.

الطابور الخامس: تخريب داخلي في ثوب مدني

يتمثل الطابور الخامس في جماعات وأفراد يسعون لبث الفوضى وزرع الشك في نفوس المواطنين. في سوريا اليوم، تأخذ هذه الظاهرة طابعًا مركبًا يتمثل في: إعلام فاسد، صفحات مشبوهة على مواقع التواصل، وشخصيات تُعيد إنتاج خطاب النظام السابق بلبوس جديد.

يتقاطع هذا مع محاولات مستمرة لزرع الفتن العرقية والطائفية، والتشكيك بمصداقية الحكومة، عبر تسويق سيناريوهات خيالية مثل منح “الإدارة الذاتية” لقسَد، أو تعيين مظلوم عبدي نائبًا لوزير الدفاع، رغم أن الحكومة قد سُمي فيها وزير دفاع جديد هو فهيم عيسى.

حكومة الشرع: تمثيل شامل وكفاءة وطنية

من أهم عناصر قوة الحكومة السورية الجديدة تنوعها الوطني، وتمثيلها كافة مكونات الشعب السوري. تضم الحكومة وزراء من السنة، والعلويين، والدروز، والأكراد، والمسيحيين.

وهي حكومة تكنوقراط تعتمد الكفاءة أساسًا، لا المحسوبية أو التوريث السياسي، ما يعزز من مناعتها أمام الاختراقات الطائفية أو الحزبية التي اعتاد عليها النظام السابق.

تحركات السفارات: نموذج لتغلغل الدولة العميقة

برزت محاولات فلول النظام في عرقلة قرارات الحكومة الجديدة داخل بعض السفارات، وعلى رأسها السفارة السورية في موسكو، التي بقيت على صلة بالنفوذ القديم، ورفضت تنفيذ تعليمات الحكومة بخصوص تعيينات دبلوماسية جديدة. هذا النموذج يكشف الحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة الخارجية.

دعاية الفلول: عودة ماهر الأسد نموذجًا

في لحظة مدروسة بعناية، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بأنباء ملفقة عن “عودة ماهر الأسد” ومحاولته السيطرة على الساحل السوري. رُوّج لهذه الأخبار ضمن حملة إعلامية مضللة، مدعومة من فلول النظام، في محاولة لإرباك المشهد وزرع البلبلة. لكن الحقيقة تبيّنت لاحقًا، واتضح أن هذه التحركات كانت محاولات يائسة تم التصدي لها بسرعة.

وقد شكّلت هذه الحملة سببًا إضافيًّا لتبنّي الحكومة سياسات ردع قانونية وإعلامية واضحة، تمثلت في تجريم تمجيد النظام السابق، وإنشاء وحدة متخصصة في مكافحة الجريمة الإلكترونية.

“المكوّعون”: الوجه الآخر للطابور الخامس

في خضم هذه التحركات، ظهر على الساحة السورية مصطلح جديد: “المكوّعون”، ويقصد به أولئك الذين كانوا علنًا مع النظام طيلة السنوات الماضية، ثم بمجرد أن تغيّر المشهد بدّلوا مواقفهم وأعلنوا دعمهم للثورة.

ثم بلغ تملقهم حدّ إعادة رفع علم النظام القديم في نفس اليوم الذي تم فيه ترويج إشاعة عودة ماهر الأسد. هؤلاء يحاولون إعادة التموضع دون محاسبة، ما يستوجب فضحهم وكشف زيف مواقفهم، إذ لا يمكن أن يُبنى المستقبل على رماد الانتهازية.

من الاستجابة إلى الإستراتيجية: الطريق إلى المناعة الوطنية

لا يكفي الردّ على الشائعات والتخريب المؤسسي بردود أفعال متفرقة.. ما تحتاجه سوريا اليوم هو إستراتيجية وطنية شاملة تقوم على:

    نشر الوعي الشعبي السياسي، من خلال إعلام تنويري ومناهج تعليمية تعزز قيم المواطنة.

    فتح قنوات تواصل مستمرة بين الحكومة والشعب، لكسر الحواجز وإعادة الثقة.

    الاعتماد على حكومة تكنوقراط متنوعة، تُمثل جميع السوريين وتعيد بناء جسور الثقة.

    تأسيس منبر إعلامي رسمي قوي، يكون الناطق باسم الرئاسة، هو مصدر المعلومات والردود على الشائعات.

    تشريع قوانين تجرّم بث الفتن والتضليل الإعلامي، وتمنع إعادة إنتاج الكراهية والانقسام بين أبناء الوطن الواحد.

التصريحات الإقليمية: إيران والتدخل في الشأن السوري

في سياق الحديث عن التدخلات الخارجية، لا يمكن تجاهل التصريحات المثيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني، الذي هدد بشكل علني بأن بلاده لن تترك سوريا تعيش بسلام بعد انطلاق الدولة الجديدة التي يقودها أحمد الشرع.

هذا التصريح يكشف عن محاولات طهران للتأثير على المشهد السوري الداخلي، حيث تسعى لإبقاء نفوذها في سوريا من خلال دعم مليشيات وقوى موالية للنظام القديم.

ومن هنا، تصبح التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة أكثر تعقيدًا، وتتطلب درجة أعلى من اليقظة.

وعي الشعب السوري: الحصن الأخير

لقد أثبت الشعب السوري، رغم كل الجراح، أنه يتمتع بوعي سياسي متقدم، تشكّل عبر عقود من التعايش بين مكوناته، ومقاومته للأنظمة القمعية والاحتلالات المتعاقبة؛ فالسوريون اليوم ليسوا بحاجة لوصاية فكرية أو مشاريع وصاية سياسية، بل هم قادرون على تمييز الحق من الباطل، ويدركون حقيقة ما يُحاك لوطنهم من مؤامرات.

لقد أصبح هذا الشعب، بفضل معاناته وتجاربه المريرة، يملك نظرة حاذقة، ويستطيع مواجهة التضليل الإعلامي والاختراق السياسي بثقة وثبا… إنه شعب قادر على طيّ صفحة الماضي، وكتابة مستقبل جديد يقوم على الحرية، والعدالة، والمواطنة المتساوية.

الخاتمة: الدولة أولًا

الطابور الخامس لن يتوقف عن محاولات التخريب، لكنه سيسقط أمام مشروع وطني نزيه، شفاف، وقريب من الناس.

إن المهمة اليوم ليست فقط تفكيك الدولة العميقة، بل بناء دولة جديدة من الأساس، يكون فيها كل سوري شريكًا في القرار، لا مجرد متفرج على صراعات السلطة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كاتب وباحث في الشؤون السياسية والشؤون السورية

الجزيرة

———————————-

إسرائيل تختبر تركيا: كيف تُدار معارك “الإحماء” في صراع الدول؟/ كمال أوزتورك

2/5/2025

سنحت لي فرصة الحديث مع وزير الدفاع الوطني التركي يشار غولر قبيل اجتماعٍ ما، وكما هو متوقّع، ما إن طُرِق موضوع سوريا حتى سارعت إلى سؤاله عن آخر المستجدات، فقال: “الآلية التي أنشأناها لمكافحة تنظيم الدولة، والتي ناقشناها في اجتماع عُقد في الأردن، ستدخل حيز التنفيذ قريبًا. نحن عازمون على ذلك. ومن الأمور الأخرى ذات الأهمية بالنسبة لنا أن تُلقي المنظمة الإرهابية (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني أو كيانات مشابهة) السلاح وتقوم بحلّ نفسها. غير أن إسرائيل ما فتئت تسعى لإثارة المشاكل في كل هذه المسائل، ولكن عبثًا، فنحن عازمون على تنفيذ قراراتنا”.

وفي اللحظة التي كان يُكتب فيها هذا المقال، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلّق فوق القنيطرة، بينما دخلت مجموعات درزية صغيرة، مدعومة بشكل غير مباشر من إسرائيل، في اشتباكات مع الجيش السوري هناك.

وفي الوقت نفسه، صرَّح الرئيس رجب طيب أردوغان، في تصريحات له على متن الطائرة أثناء عودته من إيطاليا، قائلًا: “هجمات إسرائيل محاولة لعرقلة الإدارة الجديدة في سوريا. وحدة الأراضي السورية بالنسبة لنا أمر لا يمكن التنازل عنه، ولن نسمح بفرض أمر واقع”.

منذ اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل ترى في الإدارة الجديدة في سوريا، وفي الوضع الجيوسياسي المتشكل هناك تهديدًا لها، لم تكفّ عن محاولات إثارة الفوضى داخل البلاد واختبار تركيا.

تنشر مراكز الفكر ووسائل الإعلام الإسرائيلية تقارير تتحدث عن النتائج المحتملة لصدام تركي- إسرائيلي، في محاولة للتعبير عن “جدية” الوضع. لكنها لا تكتفي بذلك، بل تمارس أيضًا حملات دعائية ضد تركيا في الإعلام البريطاني وبعض المنصات الناطقة بالعربية، مستغلة الملف السوري.

كل هذا يدل على أن الساحة السورية تُستخدم كميدان للإحماء ولاختبار احتمالات الصدام بين تركيا وإسرائيل. فإسرائيل تسعى من خلال هذه التجربة أن تكتشف مدى جدية تركيا، ومدى اعتبار الإدارة السورية الجديدة أمرًا لا غنى عنه بالنسبة لأنقرة، ومدى قدرة تركيا على التشدد في مواقفها تجاه إسرائيل.

في لقاء أجريته مع أحد القادة رفيعي المستوى في القوات المسلحة التركية، سألته عن المقارنة العسكرية بين تركيا وإسرائيل، فأجاب بأن هذه مقارنة “مضحكة”، مؤكدًا أن لا فرصة لإسرائيل في مواجهة الجيش التركي.

وأضاف بلهجة حازمة: “قاعدة الاشتباك لدينا واضحة: نرد على أي هجوم يُشنّ علينا بالمثل، بغض النظر عن الدولة التي تقف خلفه. أي هجوم على قواعدنا العسكرية يُعدّ سببًا للحرب”.

تصريحات المسؤولين الأتراك كافة تسير في هذا الاتجاه. وإسرائيل تقرأ هذه الرسائل جيدًا. لكن السؤال هو: إلى أي مدى يمكن لتركيا أن ترد على إسرائيل، خاصة، وهي تتلقى دعمًا أميركيًا كاملًا؟ هذا ما تسعى إسرائيل لاختباره.

تركيا، دون شك، سترد على أي تطور ميداني سلبي تواجهه، لكن الرد قد لا يكون بأساليب عسكرية تقليدية. فالأمر يتوقف إلى حد بعيد على أساليب التحرش التي تنتهجها إسرائيل.

لا أحد يتوقع من إسرائيل أن تُقدم على خطوة مباشرة تؤدي إلى صدام، لكن من الواضح أنها لم تعد تخفي رغبتها في إضعاف الإدارة السورية الجديدة، بل إنها مستعدة للقيام بكل ما يلزم لتحقيق ذلك. ولهذا السبب، يُختبر في الميدان من هو الأقوى عزمًا وبأسًا.

واختبار صراع أميركي-صيني في كشمير

وعلى بعد آلاف الأميال من سوريا، هناك اختبار آخر للإرادة. لقد ألفنا التوتر القائم منذ سنوات بين الهند وباكستان، خاصة في قضايا مثل كشمير والمياه والمهاجرين وأمن الحدود.

ولكن الأحداث الأخيرة اكتسبت ديناميكية مغايرة ومتصاعدة بشكل غير متوقع. لعل تفاصيل الاشتباكات التي قُتل فيها 25 شخصًا في كشمير لم تعد بحاجة إلى سرد. ما يغير المعادلة هذه المرّة هو التموضع الجديد لكل من الصين والولايات المتحدة في هذا الصراع.

فبينما كثفت الولايات المتحدة من علاقاتها مع الهند، بلغت علاقات الصين مع باكستان ذروتها. وأعلن وزير الدفاع الباكستاني أن روسيا والصين ستشاركان في التحقيق في أحداث كشمير. كما أعلنت الصين، ردًا على تعليق الهند لاتفاقيات المياه، أنها قد تقدم على قطع المياه المتدفقة من أراضيها نحو الهند، في ردٍ على ما اعتبرته موقفًا عدوانيًا تجاه باكستان.

وفي حين تواصل الولايات المتحدة دعواتها الظاهرية لخفض التوتر، فإنها، في الخفاء، لا تتوانى عن تأكيد دعمها الكامل للهند.

هل تصبح هذه الساحة اختبارًا للقوة بين أميركا والصين؟

من الواضح أن الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة بهدف كبح نمو الصين وزيادة تأثيرها العالمي، لم تحقق النتائج المرجوة. فكثيرًا ما تراجع ترامب عن تصريحاته النارية.

ومع ذلك، تدرك الولايات المتحدة أنه لا بدّ من اتخاذ خطوة حاسمة قبل الموعد الذي حددته كآخر فرصة لوقف التمدد الصيني. ويبدو أنّ التوتر بين الهند وباكستان يُرى اليوم كفرصة لاختبار القوى في منطقة مجاورة مباشرة للصين.

في مشهد معقد تشارك فيه بنغلاديش وأفغانستان وروسيا، قد ترغب الولايات المتحدة في معرفة موقف الصين في حال اندلاع صراع مسلح: إلى أي مدى يمكن أن تُستنزف، وكم من مواردها يمكن أن تستهلك؟ ومن المؤكد أن واشنطن ترى أن إجراء هذا الاختبار على بعد 13 ألف كيلومتر من أراضيها أمر آمن.

وكما فعلت في الحروب التجارية، فإن صبر الصين الإستراتيجي الشهير سيتصدر المشهد في هذه الأزمة، وستسعى للخروج منها برباطة جأش محققةً أكبر قدر ممكن من المكاسب.

لكن ما فاجأني هو استعداد الصين، ولأول مرة، لأن تأخذ جانبًا واضحًا في صراع مباشر. ويبدو لي أن نهاية هذه الأزمة ستشهد على الأرجح مزيدًا من التوغل الصيني داخل باكستان، فضلًا عن تعزيز نفوذها في بنغلاديش وأفغانستان والدول المماثلة، من خلال إظهار الخطر الذي يشكله التحالف الهندي- الأميركي.

وأحسب أن الولايات المتحدة تضغط على كل الأزرار في حالة من الهلع من أجل عرقلة الصين واحتوائها وإيقافها. لكن، وكما في الأزمات السابقة، تخرج الصين أقوى في كل مرة، بينما تتراجع الولايات المتحدة خطوة إلى الوراء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كاتب وصحفي تركي

الجزيرة

—————————–

خرج من صيدنايا ليُقتل في صحنايا

السبت 2025/05/03

أسفرت الاشتباكات خلال الأيام الماضية في منطقتي جرمانا وأشرفية صحنايا قرب العاصمة دمشق، عن مقتل العشرات من المدنيين والمسلحين المحليين، وسط تصاعد حاد في التوترات الطائفية ضد الطائفة الدرزية تحديداً، امتدت من جرمانا إلى ريف السويداء، مخلفةً مشاهد قاسية تعيد التذكير بأن سوريا تبقى دولة غير مستقرة حتى بعد سقوط نظام الأسد.

وبرزت قصص إنسانية تكشف الثمن الذي مازال السوريون يدفعونه في صراع لم ينته فعلياً رغم التحولات السياسية الأخيرة بعد سقوط نظام الأسد، فيما وثق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” مقتل 74 شخصاً على الأقل خلال ثلاثة أيام، بينهم مدنيون، عناصر من الأمن العام، ومقاتلون محليون، وبين الأرقام والبيانات.

ومن بين الضحايا، ظهر اسم الشاب محمد نكاش، المعروف بـ”أبو باسل”، وهو مقاتل سني من أبناء داريا، فقد والده وشقيقين له خلال سنوات الثورة، وعرف بين أبناء منطقته بدماثة خلقه والتزامه. خاض معارك الحصار في داريا بشجاعة، وبقي حاضراً في خطوط المواجهة حتى النهاية زمن نظام الأسد البائد.

وسقط نكاش في الاشتباكات التي اجتاحت صحنايا، رغم أنه كان من أوائل من وقفوا ضد نظام الأسد، وتناقل ناشطون قصته كدليل صارخ على أن العنف المتجدد في سوريا لا يفرق بين معارض ومؤيد، وأن الخسارة أصبحت قدراً جماعياً يتقاسمه السوريون، مهما اختلفت مواقعهم.

كما قتل الشاب الدرزي يزن بالي، وهو طالب في كلية الهندسة، وتتمثل مأساته في أنه خرج من سجن صيدنايا في كانون الأول/ديسمبر الماضي عقب سقوط نظام الأسد، بعد اعتقال دام سنوات بسبب مواقفه المناهضة للنظام، ولم يمضِ وقت طويل على خروجه حتى سقط برصاص العنف المتجدد، في بلد ظن أنه أصبح حراً.

ونقل أحد الناشطين من دمشق شهادة أحد أصدقائه من أبناء أشرفية صحنايا يدعى “أبو وجدي”، وهو رجل دين معروف كان يستخدم سيارته لإسعاف المصابين خلال مظاهرات داريا بداية الثورة السورية. وتحدث الناشط عن قلقه بعد أحداث صحنايا، ما دفعه إلى التواصل مع صديقه للاطمئنان عليه بعد أكثر من 12 عاماً من الانقطاع، فأجابه: “قنصولي ابني يا دكتور”، في تعبير مختصر لوجع أب فقد ابنه في الاشتباكات الأخيرة.

ونظم سوريون وقفة احتجاجية في العاصمة الألمانية برلين، للتنديد بالعنف الحاصل في ريف دمشق والسويداء، ورفضاً للخطاب الطائفي الذي تغذيه أطراف داخلية وخارجية، ورفع المحتجون لافتات بلغات عديدة، وأرسلوا رسائل إلى مؤسسات دولية وأوروبية للمطالبة بحماية المدنيين ومحاسبة المتورطين في تأجيج الصراع، مؤكدين تمسكهم بدولة القانون والمواطنة.

المدن

————————————

شيخ الموحدين بجرمانا لـ”المدن”:لا نقبل عبارة “من يحرر يقرر

رائف مرعي

السبت 2025/05/03

ربما تختصر أشهر ساحات جرمانا، والتي تدعى”ساحة السيوف” لشهرتها من نصب السيوف الخمسة الموجود وسطها، سر هذه المدنية التي لم تهادن كثيرا النظام البعثي البائد، والتي باتت اليوم، تحمل سوريا كلها في ذاتها وقلبها وعقلها.

كثيرة هي التساؤلات التي تدور في الذهن، أثناء التوجه إلى جرمانا، تساؤلات سيجيب عن الكثر منها شيخ المدينة لطائفة الموحدين الدروز هيثم كاتبة، الحاصل على درجة الماجستير في أمراض جهاز الهضم من جامعة بوخارست– رومانيا عام 1989.

في صالون المنزل المتواضع، كان الشيخ أبو عهد في استقبالنا تعلو وجهه ابتسامة عريضة، بينما تحلق حوله لفيف من المساعدين.

كان لافتا أنه في الدردشة الأولى مع الشيخ، تحضيراً للمقابلة، تحدث بالعديد من النقاط، التي عاد ليتكلم فيها أثناء تسجيل الحوار معه، بل وثبتها في رسالة فهمنا منها بالمضمون والتوجيه، أن ما يقوله شيخ الموحدين الدروز في المجالس الخاصة لا يتورع عن قوله في الإعلام وعلى العلن.

وهذا كذلك، سر آخر من أسرار مدينة جرمانا، التي أكد شيخ أكبر المكونات الاجتماعية فيها، على أن مرجعيتهم الأساس ستبقى العاصمة دمشق، مهما كان شكل الحكم فيها، وأن مفهوم النزوح والتهجير من مدينتهم ليس وارداً على الاطلاق بالنسبة لهم، فهم متجذرون بأرضهم أقحاحاً عرب أصليين.

محددات مدينة جرمانا وعلاقتها بالسلطة الجديدة، اختصرها الشيخ أبو عهد في حديثه لـ”المدن”، بمفهوم التشارك، فجرمانا لم تنتظر أحداً ليحررها من النظام السابق، بل هي حررت نفسها منه حتى قبل أن تتحرر دمشق، وهذه ما يجعل المدينة لا تقبل عبارة (من يحرر يقرر)، بل المشاركة في التحرير، وكذلك الانتصار وما بعده.

يجزم الشيخ هيثم بأن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن حماية جرمانا والموحدين الدروز، لم يلقَ أي صدى ولم يكترث له أحد في المدينة أو لدى الموحدين، بل يعتبرونه تدخلاً بشؤونهم لإحداث الفتنة والتفرقة.

وفيما يلي نص المقابلة التي أجريت قبل الأحداث التي المعارك في جرمانا بين الأمن العام ومسلحين دروز:

-كيف يمكن أن نفهم حال الموحدين الدروز اليوم في جرمانا على ضوء المستجدات التي طرأت على مستوى إدارات الدولة؟ وكيف تقيمون علاقتكم بالسلطات الجديدة؟

عندما نريد التحدث عن الوضع في جرمانا، فأنا لاأحبذ الحديث إلا كمواطن سوري يرى الأمور بشكل شامل دون أن نجزأ رؤيتنا للوطن. نحن لا نوافق على الطروحات التي تتحدث عن  الموحدين كأقلية، بل عرب أقحاح متجذرين بهذه الأرض.

أغلبية أهالي جرمانا يتطلعون لبناء دولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق كل مكونات الشعب في كل المجالات، وفي هذا الإطار نحن نرفض دعوات التقسيم لأنها تعني التفرقة، والتفرقة تعني الضعف، والضعف يعني التلاشي والاضمحلال. ونتطلع لدولة موحدة مدنية لا تتعامل معنا كلون واحد بل مع كل أطياف المجتمع السوري.

نحنا كنا مساهمين في عملية التحرير من النظام السابق ولم نكن منبطحين أو مهادنين كثيراً على عهد السلطات البائدة. وإذا ما نظرنا قليلا إلى الوراء فإن الوضع في مدينة جرمانا يوم سقوط النظام الحاكم في دمشق، يمكن وصفه بالهادىء والمستقر نسبياً، فالمفارز والأجهزة الأمنية الذين كانوا داخل المدينة، خرجوا بسلاسة وهدوء، ومما جنبنا الكثير من الفوضى، هي التعليمات التي أعطيناها لشباب جرمانا من أجل المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة. لقد تفاجات السلطات الجديدة بعدم حصول أي تخريب وفوضى بالمدينة ونحن من جهتنا كنا متيقظين لذلك.

لقد قلنا للسلطة الجديدة، إن وجهتنا دمشق وأننا مع الاصلاح والتطوير، فنحن لسنا دعاة قتل ولا تخريب وليس من ثقافتنا نهائياً هذه الأفعال. ولكن أعلمنا الإدارة الجديدة بأن لنا ثوابتنا الأساسية، وهي الحفاظ على الأرض والعرض والكرامة، وهي خطوط حمراء بالنسبة لنا. نحن لا نعتدي على أحد، ولكن نرد الاعتداء عنا إذا ماحصل.

أخبرنا السلطة الحاكمة في دمشق، فكرة جوهرية وأساسية عن جرمانا وأهلها، وهي أننا ولدنا هنا ونموت هنا ولايمكن أن ننزح أو نهجر وهذه الفكرة بمثابة عقيدة ثابتة عندنا.

كان واضحا لدينا منذ البداية، وهو ما أخبرنا به السلطة الحاكمة أن جملة “من يحرر يقرر” لانحبذها في التعامل مع المدينة وأهلها، لأن جرمانا كانت شبه محررة قبل سقوط النظام فعلياً، وحتى قبل وصولكم كإدارة جديدة إلى دمشق ودخولكم كمحررين. الآن تم تفعيل مركز الناحية بالمدينة، بالاتفاق ما بين الهيئة الروحية ولجنة العمل الأهلي، فيما يسود التفاهم والتنسيق بين أهالي جرمانا وممثلي الإدارة الجديدة (قوات الأمن العام) ضمن صيغة توافقية لحفظ الأمن في المدينة.

– أي صدى حمله كلام نتنياهو عن جرمانا وحديثه المتكرر عن إمكانية تدخله لحماية الدروز؟

نحن لم نأخذ ولا نأخذ كلام نتنياهو حول جرمانا وطائفة الموحدين بعين الإعتبار، فلم يطلب منه أحد الحماية أو أن يحمينا. نحن نستطيع أن نحمي أنفسنا، ولطالما كنا نحمي أنفسنا حتى قبل أن يولد نتنياهو ذاته. لانحبذ كثيراً تصدير البيانات ولسنا من هواة ذلك. سلاحنا أحياناً كثيرة يكون الصمت.

فقط أصدرنا بياناً واحداً بعيد سقوط النظام السابق، أوضحنا فيه موقفنا بأننا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، كما أننا لا نعتدي على أحد، وندعو لدولة مدنية ديمقراطية.

-كيف تنظرون إلى العلاقة مع محافظة السويداء؟

تربطنا مع محافظة السويداء علاقة دينية وروحية، ولكن خياراتنا في الإدارة والحكم ومستقبل البلاد ليست بالضرورة مثل خياراتهم. فجرمانا لها خصوصيتها بحكم قربها من دمشق، وليس لدينا بديل عن التواصل مع دمشق مركز الحكم والعاصمة.

نحن ضد أي مشروع للانفصال عن سوريا، فهذا غير ملائم ولا يصب في مصلحة الموحدين، فإسرائيل دولة معادية ولا يمكن الاعتماد عليها أو الإستناد إليها، وهي لا تشكل أي ضامن أمين للطائفة، فهي ليست ديمقراطية كثيراً، وإنما صهيونية تعتمد التوسع والتمدد كعقيدة، ولربما بعد تحقيق غايتها في سوريا، أن تترك من ساعدها وأن تتخلى عمن ساهم معها في تحقيق مشروعها، وبالتالي فهي لا يؤمن جانبها ولا تصدق وعودها.

لقد حصل لدينا قلق جدي من أن بعض ما يجري في السويداء نُحاسب عليه نحن هنا في جرمانا، وهذا امتد لفترة ليست بالقصيرة، ثم تغير الوضع ووضعت النقاط على الحروف، وتم تبيان المسألة.

لقد كانت زيارة وفد من مشايخ الموحدين إلى اسرائيل زيارة دينية وليست سياسية، ففي السنوات السابقة ومن أيام النظام السابق، كان يزورنا هنا في دمشق من داخل إسرائيل، وفود شبيهة بهذا الوفد، وكنا نستقبلهم ونجتمع بهم ونحتفي بقدومهم.

عموماً، هذه الزيارة كانت لمجموعة من 100 شخص لا يمثلون طائفة الموحدين ولا يمثلون البلد، حتى أن بلدة حضر التي خرج منها الوفد كانت الفكرة مرفوضة بالنسبة لأهلها وللجهات الروحية فيها.

-هل ثمة خشية لديكم على مستقبل طائفة الموحدين؟ وماهي هواجسكم تجاه ذلك؟

لاخشية لدينا على طائفة الموحدين، فقد مررنا بأزمات أكبر خرجنا منها بأقل الخسائر. نحن مطمئنون كموحدين لأننا لا نعتدي على أحد. والآن الأنظار داخلياً وخارجياً وإقليمياً ودولياً مسلطة على الإدارة الجديدة وعلى سلوكياتها.

ما حصل في الساحل السوري من أحداث هي جرائم بحق المدنيين الأبرياء، ومهما كان سبب هذا الفعل أو مبرراته، فهي عمل إجرامي ولا يمكن أن تكون الحلول لأيه أزمات بشكل وأسلوب انتقامي، وإنما يجب أن نحتكم إلى العقل وأن نعتمد الحكمة وسلوك الحل السلمي.

من جهتنا،أقمنا سوراً أمنياً لحماية جرمانا من التجاوزات التي يمكن أن تحصل وكان ضبط الأمن ذاتياً، فقد أقمنا حواجز داخل المدينة وعلى مداخلها، وشباب جرمانا هم الذين يدافعون عنها ويقومون بذلك بإخلاص وتطوع منهم دون مقابل. لقد استطعنا حماية جرمانا وأهلها من أية فوضى أو مخالفات كان يمكن أن تحصل وكل ذلك جاء بجهود وإمكانيات المجتمع المدني والأهلي في المدينة.

عندما سقط النظام أصبح لدينا فراغاً أمنياً كبيراً وحدثت بعض الإشكالات، وكان من واجبنا أن نبادر ببعض الإجراءات كي نحد من تلك الإشكالات وأن نطوقها كي نعيد الاستقرار للمدينة وساكنيها. لقد صدرنا فتوى من جهتنا، بأن أية إساءة لمسيء، نحن نرفع الغطاء عنه حتى لو كان من طائفة الموحدين، بل وحتى لو كان من أسرتنا.

مهما يكن شكل الحكم القائم في دمشق ومهما سيكون، فإن خيارنا في جرمانا سيظل دمشق. وعلى الرغم من أن الادارة الجديدة عرضت علينا أن تنضم جرمانا (إدارياً) إلى العاصمة دمشق، فإننا رفضنا ذلك، لأننا نرى أن الوضع الحالي يشكل مصلحة مشتركة لمدينة جرمانا وأهلها والعاصمة دمشق.

ملاحظة جانبية، يزعجنا كثيراً اسم (دروز)، لأنه لقب ولا يحمل أي دلالة على طائفة الموحدين، ولكن له معنىً لغوي معبر، فمعنى درزي هو التماسك والتلاحم، مثل عظام الجمجمة.

المدن

————————————

جرمانا…بالسريانية: “المقيمون”/ عبير داغر إسبر

الخميس 2025/05/01

في سوريا اليوم، سوريتنا الجديدة، يبدو حديث “الأقليات” رائجاً، رخيصاً، سهل الهضم مثل “ريلز” فاقدة للمعنى.

لا يحيد هذا الجديد عن كل ما هو متنبأ به، كأننا ملعونون  بالنبوءات، إذ تُستعاد اللغة من ماضٍ بذيء، بلا ذرة إبداع، بلا خجل حتى. كأن من يسحبنا نحو الهاوية، نسي عدد الجثث التي شبع منها البحر، وعدد الأسماء التي ابتلعها قهر السجون.

تُوزع شهادات الوطنية كما تُوزع الرشاوى في الأزقة المظلمة: على الطوائف “الكيوت” بتعدادها السكاني “الناعم”، تلك الطوائف التي لم يُسمع لها صوت، إذ صمتت حين وجب الكلام، وبأدب الضيف الطارئ على البلاد وتاريخها، لم تطالب يوماً بحماية دولية ولا بعدالة لدمائها. وكأن كل سوري صار ملزماً باقتناص اعتراف، ومرحى “مخاطية القوام” من إعلام لزج على وطنيته، وممن؟ من الطرف الأقوى، الذي يزيد بملايينه عن أعداد “الأقليات”.

ها نحن، مكوّناً بعد آخر، نطالب المحرِّر المنتصر أن يسمح لنا بالتأهل للحياة فوق تراب هذه البلاد محترفة لنكبة، عديمة الذاكرة وهي ترشد العائدين لأرضها، كأنما لم يذهبوا لحرب. كأنما لم يسقط لهم نظام، ولم يُقتل لهم آلاف. كأنما لم يعد مخجلاً إن كان موتاها أبرياء أم لا، إن كان ضحاياها معذبين، مفجوعين، أو حتى مقتولين بالحلم. فالمهم على أي جهة يعقدون صلاتهم، وبحضرة أي نبي يحلفون أيمانهم، وعلى أي مقام يقرأون وداعاتهم.

اسمها جرمانا، مثل غيرها من المدن التي ذاقت مرارة التشظي، تذكرنا أن الأوطان لا تنهار فجأة، بل بالتدريج، بانفلات رصاصة هنا، بشائعة قذرة هناك، بخطاب تخوين رخيص ينتشر كالنار في هشيم التعب.

في هذا الفجر السديمي، حين تهتز جرمانا على وقع الرصاص، ويغتسل الصباح بدم أبنائه، يعود سؤال قديم يتثاءب بين أطلال المدينة: هل بوسعنا بعد كل هذا أن نؤمن بالأمل؟

ليس جديدًا أن تتأرجح سوريا على حافة فخاخها الطائفية، أن تتورط الحارات القديمة في مناوشات لا تشبه وجوه ناسها، بل تشبه قهرهم المخزن لسنين، سنين من سوء الفهم والتخوين والتخلي.

جرمانا، اسم عتيق حملته الأرض قبل أن تتبدل وجوه ساكنيها.

جاء من السريانية، ويعني: “المقيمون”، أولئك الذين عقدوا مع الحياة معاهدة صامتة على البقاء. على تخوم دمشق، نشأت جرمانا بلدة صغيرة، محاطة بالبساتين، مشهورة بكرومها وأشجارها، يقطنها خليط غني من الطوائف، يغلب عليهم الدروز والمسيحيون. وكانت عبر عقود طويلة مكانًا للجوء الداخلي، استقبلت المهجّرين من الجولان المحتل، ثم لاحقًا، آلاف العائلات النازحة من أتون الحرب السورية.

جرمانا كانت وعدًا مبكرًا بالسَّكينة، مقامًا لمن أراد أن يزرع جذوره في تربة لا تخونه. لكن المدن، مثل البشر، تتعب وتصاب بالنسيان. المدينة التي بُنيت على فكرة “الإقامة” تصارع للحفاظ على ذاكرتها وعلى فكرة العيش المشترك الذي لم يكن شعارًا فارغًا، بل خبزًا يوميًا مبللاً بالوجع. في زمن الانهيار، صار الاسم نفسه علامةً على الخيبة، وصار “المقيمون” غرباءَ بين جدرانهم، يطاردهم الخوف أكثر مما تطاردهم البنادق.

جرمانا اليوم مدينة تحمل عبء اسمها، كما يحمل العاشق القديم عبء ذكرى لا تموت.

مكانٌ يعرف أن الالتصاق بهذه البلاد، لم يعد مجرد فعل حياة، بل معركة يومية ضد البشاعة.

في هذا الخراب النازف قيحاً، يصبح الحديث عن الأمل فعلاً مشتبهاً فيه، وتصبح صناعته أصعب من صناعة المستحيل. ففي سوريتنا الجديدة اليوم، أن تواصل الإيمان بالحياة، بالكرامة، بالعدالة، هو صناعة المستحيل المثلى، هو اختراع للضوء من شرانق شمس آفلة. حيث يُنفى الرجاء، والتوق للآتي يُرمى عن أكتاف الحالمين كغبار أو أسفلت طرقات. يُرمى الحلم عن الأرواح كشعور عابر، أو مجرد انتظارٍ عبثي “لغودو” الذي سيفشل مرة أخرى بالإتيان بما قد يجود به الغيب، حيث لا جديد في الحكاية السورية. كله حصل من قبل، كله يجري بدقة حاقد، وإتقان جلّاد. الجديد فقط، والمفزع أيضاً، هو كمّ الاعتياد الذي يتسرب به الدم إلى العيون من دون أن يعميها. وكأن أحمرنا القاني، لم يعد لوناً للجلنار، بل للوجع. الجديد في حكايتنا السورية، أننا كأنما لا غد لنا، لنا فقط نسخ مشوهة من الأمس ومن الأبد.

كأنما نريد أن نثبت ما تنبأنا به، كأنما يريحنا ألا تخذلنا تحليلات عجائزنا الآتية من حروب بعيدة، والهسيس المخنوق للأمهات وهن يخزنّ مؤونات البرغل والنحيب للمجازر المقبلة، كأنما أنهار الدم التي ظلت تلوح في خيالنا الحكائي لسنوات، قفزت الآن طازجة “حديثة العصر” من كوابيسنا المأتمية.

هكذا، بسهولة الماء، نُرمى كلنا، كل البلاد، في لحظة غش تتراقص الأوهام فيها حول حماية دولية، بينما توزع شهادات الوطنية على الطوائف “المؤدبة”. ويصبح الإصرار على معنى مشترك، على فكرة وطن يتسع للجميع، ضرباً من الجنون المنظم والانجرار السهل نحو حروب الهويات الكسولة، الضيقة، عديمة المخيلة حتميًا. هكذا، من دون مسودات ونسخ للتعديل، تأتي كل النهايات مكتوبة سلفاً، كمحاكاة بليدة لنص خراب عتيق. ومع هذا، كيف لا نصرّ على أن صناعة الأمل، وكل ركن من هذا البلد المكبل بحكايته، بحاجة لمعجزة يبدو الأمل فيها صناعةً للمستحيل؟ كيف باستطاعتنا أن نحيد عن النبوءات، وألا تقتلنا مصائرنا التراجيدية المكتوبة في ألواح الآلهة اللامبالية؟

المدن

——————————–

سوريا: “تأبيد” الإذلال وامتهان الكرامة… / ديانا مقلد

03.05.2025

بشّار الأسد يواصل حكم سوريا عبر منظومة الإذلال التي أرساها في وعي إسلاميي الحكم الجديد، وسوريا لم تتخلّص من “البعث”، ذلك أن الأخير عاد وانبعث في الإدارة الجديدة عبر أبشع قيمه وأكثرها قسوة وقذارة.

كيف انتقلت الحال في سوريا من “بشّار ربك ولاك” إلى “عوّي يا كلب” واليوم “معّي يا حيوان!”…

في متابعة فيديوهات الإذلال التي تصلنا من سوريا؛ الإذلال الذي يتعرّض له دروز في سياق عنف طائفي يمارسه مسلّحون متشدّدون محسوبون على الإدارة السورية، شيء يصيب عمق النفس، ويكاد يكون أكثر قسوة من القتل نفسه، أعني أن نجد أننا ما زلنا أسرى فكرة إذلال الجسد وإهانة الهوّية واستباحة الكرامة، ومن ثم الاحتفاء بذلك من قِبل جحافل من الحمقى على السوشيال ميديا.

مشاهد القتل الدموي أو الجثث المدمّاة مروّعة، لكن من المحال النجاة من دلالات فيديوهات تجميع مسلّحين متشدّدين شبّاناً دروزاً يجري حلق شواربهم قسراً، فيما يظهر آخر في فيديو ثانٍ يُحقّر شابين ويُجبرهما على الإجابة: “شو ساووا بني أميّة؟ ليُجيب الشاب: نتفولنا شواربنا”.

في فيديو ثالث يظهر مسلّح يطلب من المعتقل أمامه أن “يُمعّي” كالخروف، “معّي، شو ما بتعرف تمعّي؟”، حاول الرجل الجالس أرضاً أن يقاوم طلب المسلّح بأن “يُمعّي”، وقال له: “معقول عم تطلب مني هيك!”، لكن المسلّح أصرّ أن ينظر في وجه الرجل وعينيه ويُذلّه ويُجبره على المأمأة (صوت الخروف).

بحسب الفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفيناس، فإن العلاقة الأخلاقية تبدأ بـ”الوجه”  ليس الوجه المادي فقط، بل حضور الآخر كذات أخلاقية، وعندما يُذلّ الآخر، يُنفى وجهه: “الوجه يقول: لا تقتلني، وحضور الوجه يضعنا مباشرة أمام مسؤولية لا تقبل النقاش. الإهانة، في جوهرها، هي نفي هذا الحضور، هذا النداء”.

من هنا، بدا النظر في وجود الشبّان وهم يصطفّون أمام المسلّحين ليحلقوا لهم شواربهم، أو ليفرضوا عليهم أن “يُمعّوا” كالغنم هو إنكار لجوهرهم ونفي لإنسانيتهم. في العُرف الدرزي يُعدّ الشاربين جزءاً من الكرامة والهوّية الثقافية، لذلك تعمّد المسلّحون إهانة عمق هذا الشعور، وزاد منها إجبارهم على المأمأة كالخراف.

الإذلال في الحروب والصراعات الطائفية لا يقتصر على القتل أو التهجير، بل يشمل أيضاً “قتل الكرامة” من خلال ممارسات تشبه إجبار الآخر على خيانة هوّيته، أو التنكّر لها. واليوم مع الهواتف الذكيّة يجري توثيق ذلك ونشره وتعميمه، لضمان أن الإذلال انتشر ورسخ وسيبقى طويلاً في الذاكرة.

لم يكن قد مرّ شهران على مجازر الساحل السوري، التي ارتكبها مسلّحون متشدّدون محسوبون على الإدارة السورية الجديدة ضدّ مدنيين علويين، لتتكرّر مشاهد القتل الطائفي نفسها في مناطق درزية. ضمن مشاهد القتل التي استهدفت العلويين برزت أيضاً فيديوهات تجميع عشرات الرجال والشبّان، وأمرهم بالعواء: “عوّي يا كلب”، فالعواء كالكلاب يُراد منه تحويل الآخر إلى “دون إنساني”.

ممارسات الإذلال الطائفي مثل إجبار أفراد من طائفة ما على تقمّص أدوار حيوانية، أو إذلال رموز ثقافية مثل الشاربين لها جذور عميقة، وغالباً ما ترتبط بمحاولات الهيمنة الرمزية والنفسية على “الآخر” في سياقات النزاع الطائفي أو الإثني أو السياسي.

 يروي الكاتب ياسين الحاج صالح تجربته الشخصية في السجون السورية خلال حكم آل الأسد، مسلّطاً الضوء على كيف أن الإذلال لم يكن مجرّد نتيجة عرضية للاعتقال، بل كان جزءاً أساسياً من استراتيجية حكم “البعث”.​

في إحدى مقالاته، يُوضح الحاج صالح الفرق بين القمع والإذلال، حيث يقول:​

“الدولة تقمع، وقد تقتل، لكنها لا تُذلّ مواطنيها، لا تطعنهم في إنسانيتهم وفي كرامتهم. الإذلال هو عنف عصابات لا عنف دولة”.

هذا الكلام يُوضح كيف تجاوز النظام السوري حدود القمع التقليدي إلى استخدام الإذلال كوسيلة لإخضاع المواطنين، مما يحوّل الدولة إلى كيان يمارس عنف العصابات.​ وفي كتابه “بالخلاص يا شباب”، يصف الحاج صالح تفاصيل الحياة في السجن، مشيراً إلى أن السجناء كانوا يُجبَرون على خفض رؤوسهم، والهمس عند الحديث، وحلق شعورهم، في محاولة مستمرّة لكسر إرادتهم وتجريدهم من كرامتهم: “أن تكون الرؤوس مُنكَّسة بحجّة أنهم لم يفعلوا شيئاً يرفع الرأس! وأن يكون الكلام همساً كي لا ترتفع أصواتهم مستقبلاً، وأن تكون شعور رؤوسهم وذقونهم وشواربهم حليقة كي يشعروا بالمهانة والاستصغار”.

الإذلال في السياق السوري ليس مجرّد وسيلة للسيطرة، بل هو جزء من بنية السلطة التي تهدف إلى تدمير الإنسان نفسياً ومعنوياً، مما يجعل من الصعب عليه استعادة كرامته.​ لن ينسى سوريون كثر فيديوهات جنود الأسد يعذّبون موقوفين معارضين ويخاطبونهم بالقول “بشّار ربك ولاك”، التي تحوّلت إلى شعار ضدّ المعارضة التي أُهينت وقُتلت وأُذلّت على مدى سنوات…

وبهذا المعنى فإن بشّار الأسد يواصل حكم سوريا عبر منظومة الإذلال التي أرساها في وعي إسلاميي الحكم الجديد، وسوريا لم تتخلّص من “البعث”، ذلك أن الأخير عاد وانبعث في الإدارة الجديدة عبر أبشع قيمه وأكثرها قسوة وقذارة.

من هنا تبدو فيديوهات “عوّي يا كلب” و”معّي يا حيوان”، التي كرّرها مسلّحون من الإدارة الجديدة في سياق قتل طائفي ضدّ علويين وضدّ دروز، بمثابة تكريس فكرة الإذلال بوصفه أكثر من مجرّد تجربة عابرة من الألم، بل هو بنية نفسية واجتماعية عميقة تُعيد إنتاج علاقات الهيمنة.

المفكرون والفلاسفة الذين تناولوا هذا الموضوع يقدّمون أدوات لفهمه لا بوصفه حدثاً، بل نظام مستمر من السيطرة والانتهاك، ولكن مع تبدّل الجهات التي تمارسه، فالإذلال هنا جزء من جهاز السلطة، إذ يُحوّل العقوبة إلى فعل داخلي، فتُصبح الضحيّة متواطئة في إعادة إنتاج قهرها.

درج

—————————————-

السوريون لا يُقتَلون بـ”وهم” الطائفية/ حسن عباس

03.05.2025

منذ إطلاق عمليّة “ردع العدوان”، تحدّث الشرع كثيراً عن مسألة الطائفية في سوريا، خاصّة بعد سقوط النظام السابق، والمشترك الوحيد بين ما قاله عنها هو اعتبارها طارئة وبالتالي زائلة. وفي إنكار هذه المسألة وما ينتج عنها من إشكاليات

في مقابلة أجراها مع “سي أن أن”، بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على حماة، قبيل إسقاط نظام الأسد، اعتبر أحمد الشرع؛ وكان وقتها يحمل لقب القائد العامّ لـ”إدارة العمليّات العسكرية”، أن الطائفية “مجرّد وهم”. نحو خمسة أشهر مرّت على هذا الوصف، خلالها تحوّل الشرع إلى “الرئيس السوري”، وخلالها… قتل “الوهم” آلاف السوريين.

ما اعتبره الشرع “وهماً” هو القاتل الأوّل للسوريين في الأشهر الخمسة الأخيرة. 1676 شخصاً قُتلوا في مجازر الساحل السوري يوميْ السابع والثامن من آذار/ مارس الماضي. أكثر من مئة قتيل خلّفهم الهجوم على الدروز ومناطقهم في الأسبوع الأخير، وسقط في نيسان/ أبريل الماضي 137 سورياً، بينهم سبع سيّدات وطفلان، “بجرائم تصفية على أساس طائفي وانتمائي”. هذه الأرقام وثّقها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، ما يعني أن الأرقام الحقيقية أعلى.

المسألة الطائفية

منذ إطلاق عمليّة “ردع العدوان”، تحدّث الشرع كثيراً عن مسألة الطائفية في سوريا، خاصّة بعد سقوط النظام السابق، والمشترك الوحيد بين ما قاله عنها هو اعتبارها طارئة وبالتالي زائلة. وفي إنكار هذه المسألة وما ينتج عنها من إشكاليات، مؤشّر على أنه يرفض التعامل معها بطريقة حوارية، توضَع فيها وجهات النظر المختلفة على الطاولة، ليُعمَل على التوصّل إلى أرضية مشتركة بين كافّة الجماعات السورية الدينية والقومية.

في المقابلة المذكورة مع “سي أن أن”، تحدّث الشرع عن أن “لا أحد يستطيع أن يُلغي الآخر” في سوريا، فالطوائف السورية “عاشت آلاف السنين” في هذا المكان، و”لا يحقّ لأحد أن يُلغيها”. هذا المنطق كرّره في مقابلات وتصريحات كثيرة بعد ذلك، ولكن ولا مرّة تجاوز في حديثه العموميات ذات الوقع الجيّد على آذان كافّة المستمعين، ليفيد بما يمكن أن نستشفّ منه أنه يفهم من “إلغاء الآخر” أكثر من إلغائه جسدياً. فكأنّه يتكرّم على هذا “الآخر” لأنه يتركه حيّاً.

الأمر الوحيد الذي كان الشرع واضحاً ومباشراً فيه، هو رفضه ما أسماه “فخّ المحاصصة”، ويمكن تأويل كلامه بأنه رفْض لتشارك السلطة مع غير العرب السنّة. مما يبيح هكذا تأويل أنه مارس الكثير مما يذهب في هذا الاتّجاه، من إصراره على حلّ “قوّات سوريا الديمقراطية” والمجموعات الدرزية المسلّحة، ودمجها بالمؤسّسات الأمنية الرسمية، وذلك قبل أن ينظّم بيته الداخلي، أي الفصائل المقاتلة السنّية. وأيضاً قال الكثير، من رفض “عقلية المعارضة”، إلى ضرورة وجود فريق من لون واحد في السلطة.

عودة ضرورية إلى الجولاني

يبيّن لنا مسار الأحداث في سوريا، في الأشهر الماضية، أن نجاة “الآخر” من الإلغاء  على يد السلطة الجديدة، التي سلّطت نفسها بنفسها على السوريين، بمنطق التغلّب، وما يحوم حولها من جماعات مسلّحة توصَف أحياناً بأنها “غير منضبطة”، تجد شروطها في مقابلة أبي محمد الجولاني مع أحمد منصور في عام 2015.

في تلك المقابلة، لم يكن الشرع قد ارتدى قفازاته بعد. حمّل العلويين (النصيرية كما يفضّل تسميتهم) وزر “ارتكاب مجازر كبيرة جداً بحقّ أهل السنّة”، و”قتْل ما يقارب مليون من أهل السنّة في الشام”، وذلك لأن “بشّار الأسد لا يقاتل بنفسه، هو يقاتل بهؤلاء”، ولأنهم “عصب النظام”.

وما شهدناه من مجازر في آذار/ مارس 2025 في الساحل السوري يؤكّد “جولانية” السلطة السورية الحالية، وأنها لا تنظر إلى العلويين بوصفهم “متورّطين” في جرائم النظام البائد فقط، بل تراهم كـ”طائفة خرجت عن دين الله عزّ وجلّ”، ولذلك عليها فوق التوقّف عن القتال “التراجع عن الأشياء العقائدية التي أخرجتهم من دينهم”، بعد أن تُبيَّن لهم “أسباب أخطائهم وخروجهم عن دينهم”، حسبما أخبرنا الجولاني.

وقد تنفع الإشارة هنا إلى أن المهرجانات الدعوية الكاريكاتورية التي شهدتها عدّة مناطق في الساحل قبل المجازر، لم تكن ربما تصرّفات خرقاء من بضعة متديّنين متحمّسين كما حسبها كثيرون، بل كانت ربما الشرط الشرعي للمقتلة التي جرت.

حال الدروز يُشبه حال العلويين في عرف الجولاني. في عام 2015، حدّثنا عن دروز إدلب وأخبرنا أنهم “محلّ دعوتنا”، و”أرسلنا إليهم مَن يصحّح لهم عقائدهم، مَن يعلّمهم الأشياء التي خرجوا منها من هذا الدين”، ورَبَط نجاتهم من القتل بأنهم “أظهروا لنا تراجعهم عن الأخطاء العقائدية التي كانوا عليها”.

الطريف، أو بالأحرى “غير الطريف بالمرّة”، أن المقابلة المذكورة عرضتها قناة “الجزيرة” في 27 أيار/ مايو 2015، وبعد ذلك بأقلّ من أسبوعين، في العاشر من حزيران/ يونيو، وقعت مجزرة قلب لوزة عندما فتح مقاتلو “جبهة النصرة” النار على دروز احتجّوا على مصادرة منزل أحدهم، في قرية قلب لوزة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، فاتّهمهم قائد المهاجمين، التونسي الجنسية، بالتجديف، وسقط نحو 24 قتيلاً.

يبدو أن سلطة التغلّب السورية لا تريد فقط الحكم، بل تريد إعادة هندسة المجتمع السوري، بما يتضمّن تغيير عقائده، أو أقلّه تغيير أشكال التعبير عنها ثقافياً بالدرجة الثانية، وسياسياً بالدرجة الأولى.

وعلى طريق الوصول إلى هذه الغاية، يقتصر مطلب حصر السلاح على ذاك الموجود بأيدي جماعات دينية وسياسية لا تدور في فلك هذه السلطة. أما المقرّبون، فمن الأفضل أن يبقى بينهم عناصر “غير منضبطين” ومجموعات “غير منضبطة” لتُسهّل على السلطة التي تدّعي الانضباط، الهيمنة على كلّ مَن تسوّل له نفسه التفكير بـ”عقلية المعارضة”… كيف؟ بالمجازر.

درج

————————————

ماذا يخيف وليد بك؟/ سمير عطا الله

03 أيار 2025

يتميز وليد جنبلاط في سياسات لبنان، بين أشياء أخرى، ببُعد النظر وسعة الأفق. ويحاول مناصروه وخصومه على السواء، أن يستقرئوا اتجاهاته كي يقرأوا من خلالها المتغيرات الكبرى في منطقة تشبه دوامة الرياح. وعندما كان أول زعيم غير سوري يذهب إلى دمشق، للقاء الرئيس أحمد الشرع، حاول اللبنانيون والسوريون معاً، أن يستطلعوا السبب في مثل هذه الخطوة.

وما هو إلا قليل حتى تحركت في سوريا موجات غامضة حول الأسرة الدرزية، يدور أغربها حول دروز فلسطين. وبدا واضحاً ومعلناً أن إسرائيل تمد أيادي الفتنة. وبينما خرجت أقليات درزية على الرأي الأساسي، سارع وليد جنبلاط إلى التأكيد على الثوابت التاريخية، والأخلاقية، حول ارتباط الدروز بعروبتهم وترابها. وكان واضحاً أن إسرائيل تفاقم محنة الدروز، في هذه اللحظات البالغة الخطورة، من تاريخ الأمة. ومرة أخرى برز دور وليد جنبلاط العابر للأسر الدرزية. فهو الوحيد القادر على حفظ خيوط الوحدة، في مثل هذا الاضطراب الإقليمي. وهو الأكثر قدرة وشجاعة على أن يصد بصدره، أخطار التمزق ومواجهة تيارات التشتت.

أدركنا معنى ذهاب وليد جنبلاط إلى دمشق الشرع في الأيام الأولى للرئيس الجديد، عندما رأينا التفجر الخبيث في حوار دمشق الدرزي. وأعدنا من جديد قراءة البيانات والتصريحات الصادرة عنه، ومنها ما يثير الخواطر، وصياغتها، دلالة على مدى الخطر الذي يستشعره، عارضاً مرة أخرى دور الوساطة قبل أن تتسع دائرة الثأرات والانتقادات، وقبل أن تتمدد وتتداخل قوى الشر والجهل.

في الأزمات الكبرى، هناك لغة لا أحد يجيدها مثل وليد جنبلاط. مزيج من المصارحة والجرأة والحكمة وبُعد النظر. هذه المرة لا يتصرف كزعيم درزي لبناني، وإنما كزعيم لنحو مليون درزي، يشكلون، على قلتهم، نقطة ثقل جوهرية في هذا القوس التاريخي المضطرب: سوريا، فلسطين، لبنان. هذه المرة القوس أكثر اشتعالاً، والثأر أكثر حماقة، ووليد بك أكثر تخوفاً.

الشرق الأوسط

————————————

أبرز رسائل إسرائيل إلى الشرع بضرب محيط القصر الرئاسي/ محمود علوش

2/5/2025

فجر 2 مايو/ آيار الجاري، شنّ الجيش الإسرائيلي غارة جوية على محيط القصر الرئاسي في العاصمة السورية دمشق. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان مشترك مع وزير الدفاع إن الغارة تحمل رسالة واضحة إلى الحكومة السورية مفادها أن إسرائيل لن تسمح بأي تهديد للدروز.

على الرغم من رمزية الضربة، فإنّها، من حيث الدلالات، تُعدّ من بين الخطوات الأكثر تصعيدًا في التحركات العدوانية الإسرائيلية في سوريا منذ الإطاحة بنظام المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

فهي من جانب رسالة تهديد ضمنية للرئيس أحمد الشرع شخصيًا ولإظهار أنه لا توجد خطوط حمراء تردع إسرائيل من الذهاب بعيدًا في تقويض الحكم الجديد.

كما أنّها مُصممة لإضفاء مصداقية على وعود “الحماية” التي تُقدمها إسرائيل للدروز، خصوصًا أن هذه الوعود لم تمنع الدولة السورية من دخول منطقتي أشرفية صحنايا وجرمانا على أطراف العاصمة في الأيام الأخيرة، ولم تمنع كذلك الاتفاق بين دمشق ووجهاء منطقة السويداء على دخول الدولة إليها.

إن استهداف محيط القصر الرئاسي إلى جانب الاستثمار الإسرائيلي في الحالة الدرزية والحديث الإسرائيلي المستمر عن الأقليات في سوريا والحاجة إلى دعمها من جانب المجتمع الدولي، يندرج في إطار نهج أوسع يسعى لاختبار مدى قدرة الرئيس أحمد الشرع على التحرك تحت ضغط الترهيب المادي والمعنوي الذي تُمارسه إسرائيل على سوريا، ولاختبار مدى استعداد السوريين لتحمّل تكاليف مشروع الدولة الموحدة، في وقت تُحاول إسرائيل استخدام “ملف الأقليات” كورقة ضغط على دمشق.

لذلك، لا يقتصر التحدي الإسرائيلي لسوريا في الواقع على احتلال أجزاء جديدة من أراضيها، أو على محاولة إحداث شرخ بين الدروز والدولة السورية، وتأليب المكونات السورية المُختلفة على هذه الدولة فحسب، بل أيضًا يُشكل تهديدًا وجوديًا لسوريا ككيان، ولعملية التحول فيها، كما يُشكل تحديًا كبيرًا لتركيا التي تضع كل ثقلها خلف الشرع والحكم الجديد لإنجاحه؛ لأنها ترى في سوريا الموحّدة والمُستقرة حاجة جيوسياسية لها لا تقبل المساومة، وأن نجاح إسرائيل في فرض تصوراتها لسوريا كدولة مقسمة أو فدراليات، يُشكل تهديدًا مباشرًا لتركيا.

مع ذلك، لا تعكس التحرّكات الإسرائيلية بالضرورة وضعًا مُريحًا لإسرائيل في سوريا، وهي تكشف نقاط ضُعف في هذا الوضع بقدر أكبر من نقاط قوة.

فمن جهةٍ تواجه مُعضلة كبيرة تُضعف استثمارها في الحالة الدرزية وتتمثل في تيار وطني قوي داخل الحالة الدرزية يُعارض الأطروحات الانفصالية والصدام مع الدولة، وأن يكون الدروز أداة لإسرائيل لتفكيك سوريا.

وهذا التيار عبّر عن نفسه بوضوح في اتفاق وجهاء السويداء في 1 مايو/ أيار الجاري، والذي يقضي بدخول الدولة إلى المحافظة وإلى منطقتي جرمانا وصحنايا على أطراف دمشق.

وبدون بيئة حاضنة لها كما هو الحال، لا تستطيع إسرائيل إنجاح استثمارها في الحالة الدرزية كما تُريد وفرض واقع خاص بها. وهذا الوضع يُوجد مُعضلتين لإسرائيل: أولاهما انكشاف عيوب الاستثمار في قضية تُشكل مدخلًا رئيسيًا لإسرائيل للتدخل في سوريا، والثانية تقويض مصداقية الوعود التي قدّمتها للتيار الدرزي الذي يُظهر في خطابه تماهيًا متكاملًا مع مشروعها في سوريا، ويتنزعمه الشيخ حكمت الهجري.

ومن جهة ثانية، يُعزّز الحكم الجديد في سوريا نفسه بشكل متزايد، وأصبح يحظى بقبول دولي واسع مما يدفع إسرائيل إلى تغيير خطابها تجاه هذا الحكم باعتباره نظامًا قائمًا وليس مُجرد سلطة تُديرها هيئة تحرير الشام.

وأصبحت إسرائيل تستخدم هذا الخطاب حتى في رسائل التهديد التي تُرسلها لسوريا. علاوة على ذلك، لا تستطيع إسرائيل تجاهل التوجه الأميركي العام الذي يُبدي ميلًا للتعامل مع الرئيس الشرع، وبدأ بالفعل في سياق تفاوضي معه، كما يولي أهمية كبيرة للتقاطعات الإستراتيجية في الأهداف والمصالح مع تركيا في سوريا.

وقد عبّر الرئيس دونالد ترامب بوضوح عن هذه التقاطعات خلال اجتماعه الأخير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض في 5 أبريل/ نيسان الماضي، عندما أبلغه بأن تركيا هي الدولة الأكثر تأثيرًا في تشكيل مستقبل سوريا، وأن على إسرائيل أن تكون عقلانية في التعامل معها، وهذا يعني أيضًا أن على إسرائيل أن تكون عقلانية أيضًا في الأهداف التي تضعها في سوريا كي تكون قابلة للتطبيق.

تجدر الإشارة إلى أنه منذ اجتماع ترامب ونتنياهو وشروع تركيا وإسرائيل في مفاوضات للتوصل إلى آلية لإدارة المخاطر، شهد النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا، تراجعًا كبيرًا، ولم تُسجل منذ 2 أبريل/ نيسان الماضي أي غارات إسرائيلية حتى الهجومين الأخيرين على دمشق.

إن هذه المؤشرات الثلاثة تضغط على الإستراتيجية الإسرائيلية في سوريا، وقد تدفع باتجاه تغيير في هذا النهج يتناسب مع الواقع السوري الحالي.

فالأهداف المُفرطة في عدم الواقعية، لا تؤدي فحسب إلى إظهار نقاط الضعف في الموقف الإسرائيلي، بل تُخاطر مع مرور الوقت بإفراز نتائج عكسية.

ومع ذلك، يبقى من الضروري أن يضع الرئيس الشرع وتركيا في حسبانهما أن إسرائيل لن تتخلى بسهولة عن أهدافها في سوريا، حتى لو اضطرت إلى تعديل خطابها أو أساليبها. فهي تسعى إلى إبقاء سوريا ضمن دائرة التوتر والضغط، لتتمكن من التحرك بحد أدنى من التكاليف الإقليمية والدولية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

باحث في العلاقات الدولية

الجزيرة

————————————

مشقة خروج سوريا من المرحلة الحرجة/ رفيق خوري

“الرصيد المبني في الداخل والخارج للرئيس الشرع، وهو إسقاط النظام وإخراج إيران، ليس ثابتاً من دون تقدم في بناء النظام الجديد”

السبت 3 مايو 2025

تقف سوريا اليوم على مفترق طرق، فإما أن تتبنى نظاماً جديداً مبنياً على التنوع، وإما أن تسقط في براثن التطرف والاقتتال الداخلي.

سوريا لا تزال في مرحلة اختبارات دقيقة وصعبة تحت المجهر الدولي.

والدعم العربي، وخصوصاً الخليجي، للوضع الجديد برئاسة أحمد الشرع يشكل درع حماية ضمن رهان على دور يعيد دمشق إلى موقعها العربي، في إطار الاستقرار المهم لسوريا والمنطقة والتخفف العملي من حمولات الجهادية السلفية. فالواقع يؤكد صعوبة ضبط الأمن الوطني والإمساك بالبلد عبر سلطة ضيقة على السوريين في “هيئة تحرير الشام”، التي تبدو عاجزة عن ضبط الفصائل “الجهادية” المتحالفة معها أو حتى المندمجة بها ومنعها من ارتكاب مجازر على أساس طائفي. وشعار “من يحرر يقرر” لا ينطبق على الوضع، لأن تحرير سوريا من نظام الأسد كان عملية طويلة وباهظة الثمن قدم فيها السوريون من كل التوجهات التضحيات على مدى أعوام، قبل أن تسمح الظروف الدولية لتركيا بأن تدفع “هيئة تحرير الشام” في مشوار سريع من إدلب إلى دمشق التي هرب رئيسها وأركانه.

 وليس ما حدث في جرمانا وصحنايا وحمص وحلب بعد مجازر الساحل ضمن الدعوات إلى “الجهاد” وتكفير أبناء الأقليات سوى ممارسة لعقلية “الغلبة والحكم بالشوكة”، لكن الغلبة على النظام ليست غلبة على السوريين. وإعلان “الجهاد” ضد مكونات سورية هو محاولة لأخذ البلد إلى قندهار وليس إلى المواطنة في الداخل والعلاقات المنفتحة على العالم، وهو أمر مناقض للدعم العربي ودعوة إلى الفشل في الاختبارات أمام المجتمع الدولي، الذي عبرت الأمم المتحدة عن قلقه.

ذلك أن الرصيد المبني في الداخل والخارج للرئيس الشرع، وهو إسقاط النظام وإخراج إيران، ليس ثابتاً من دون تقدم في بناء النظام الجديد على أسس مختلفة عن الماضي. والفرصة المفتوحة ليست من دون حدود لإنهاء التناقض بين الأهداف والشعارات المعلنة، والوقائع على الأرض. فالهدف، حسب الخطاب الرسمي، هو بناء دولة قانون ومواطنة. والوقائع مملوءة بصور الضحايا من الأبرياء في مجازر على أيدي فصائل مسلحة “جهادية” تضم عناصر من سوريا وأخرى من الشيشان وأفغانستان والإيغور وسواها. الحريات السياسية المفتوحة نسبياً، بصرف النظر عن حل الأحزاب الذي هو عمل ضد السياسة والحرية بامتياز، يقابلها تشدد في الحريات الاجتماعية. والظاهر أن الوضع الجديد محرج حيال الشروط الأميركية والأوروبية والمطالب العربية، بالنسبة إلى إخراج المقاتلين الأجانب “الجهاديين” وعدم إعطائهم مناصب في وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية بعد منحهم الجنسية. والمعادلة مكتوبة على الجدار بالنسبة إلى الحرص على وحدة سوريا وسيادتها على ترابها الوطني. لا سوريا واحدة من دون التسليم بالتنوع الاجتماعي الغني ومشاركته في السلطة. ولا حماية للتنوع من الفوضى والحرب الأهلية والتدخلات الخارجية من دون وحدة البلاد. والمشهد اليوم مقلق، سجال بين طرفي الاتفاق على ترتيب سياسي للوضع شرق الفرات. ومخاوف في الساحل والسويداء وحمص وحلب ودرعا من صدام ومجازر جديدة، وكل التطمينات المعلنة في الخطاب تحتاج إلى خطوات عملية حاسمة. فليس أخطر من فشل الفرصة الجديدة بعد سقوط النظام سوى أن يتحول النظام الجديد إلى وجه آخر لحكم الرجل الواحد، ضمن مركزية شديدة في نظام رئاسي.

والبديل في اليد، وهو النجاح في بناء دولة لكل المواطنين قادرة على حماية الأمن الوطني وأمن المواطن. فالاحتلال الإسرائيلي يتوسع من دون إمكانات المواجهة حالياً وسط الدعم الأميركي المطلق لحكومة نتنياهو وشركائه في اليمين الديني والوطني المتطرف جداً، وإيران لا تكتم سعيها للعودة إلى “الساحة” السورية من خلال استغلال نقاط الضعف، والمناخ الطائفي المخيف والذي هو من إرث النظام السابق مرشح للتدحرج نحو حرب أهلية أو مطالبة بالخصوصيات والفيدرالية، إن لم تخرج السلطة من القوقعة وتبدأ خطوات واسعة وسريعة على الطريق لإعادة الاعتبار إلى الوحدة الوطنية في المجتمع والسلطة. فالإعلان الدستوري الصادر أخيراً يحتاج إلى تعديل قبل الوصول إلى دستور دائم وانتخابات، والحكومة التي وُصفت بأنها حكومة الانفتاح تركت كل مراكز السلطة الأساس في أيدي رفاق الشرع في “إمارة إدلب”، وأعطت مناصب صورية لوزراء لا يمثلون بيئاتهم كما هي في الأطراف المهمة لوحدة سوريا.

وفي مقدمته للطبعة الثانية الصادرة عام 1987 لكتاب باتريك سيل “الصراع على سوريا”، يسجل المؤرخ ألبرت حوراني أن “الطرف الضعيف دفع الأقوياء إلى تحقيق مصلحته”، ويقول “إن ضعف الجسم السياسي في سوريا وعدم الاستقرار يغريان القوى بالتدخل، ولكن لا أحد استطاع التحكم في سوريا والهيمنة عليها، لأن من يسيطر على سوريا تصبح له اليد العليا في شرق العالم العربي”. أما اليوم، فإن مبدأ “لا حياد” الذي أعلنه الرئيس أيزنهاور واعتبر بموجبه أن سوريا المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي “عدو”، يمكن أن يغري الرئيس دونالد ترمب بالضغط على دمشق للانضمام إلى الصف الغربي. ولا مخرج أمام الرئيس أحمد الشرع من خطر “ضعف الجسم السياسي” في سوريا سوى الرهان على التنوع السوري، والطريق مفتوح.

——————————–

إسرائيل والتلاعب بورقة “حماية الدروز” في سوريا/ صبحي فرنجية

آخر تحديث 03 مايو 2025

ذريعة الحماية

حماية الدروز، تقسيم سوريا، منع النفوذ التركي، مواجهة المتطرفين، كل هذه العناوين تتحدث بها إسرائيل عبر مسؤوليها وإعلامها لتُبرر تدخلاتها في سوريا التي لم تنتهِمنذ سقوط النظام السوري، بدءا بالتوغل العسكري واستهداف البنية العسكرية السورية، مرورا بالقصف “التحذيري” الذي طال القصر الرئاسي في دمشق صباح الجمعة 2مايو/أيار على خلفية التوتر الحاصل بين الدولة السورية وفصائل من السويداء في كل من جرمانا، وأشرفية صحنايا، والسويداء.

أمس الجمعة، وبعد ساعات من غارة جوية إسرائيلية استهدفت منطقة القصر الرئاسي في دمشق، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن إسرائيل تُجهز أهدافا إضافية لضربها في سوريا، وهو أمر تحقق في اليوم ذاته الجمعة، حيث استهدف الطيران الإسرائيلي بعدة غارات مواقع عسكرية سورية في كل من ريف دمشق ودرعا وحماة، وبحسب بيان الجيش الإسرائيلي فإن الغارات استهدفت “موقعا عسكريا ومدافع مضادة للطائرات وبنية تحتية لصواريخ أرض-جو في سوريا”. وأضاف البيان أن “الجيش سيواصل العمل كلما دعت الحاجة من أجل حماية مواطني دولة إسرائيل”.

وفي التفاصيل فإن الغارات استهدفت الفوج 41 الواقع قرب مستشفى حرستا العسكري ومنطقة تل منين في ريف دمشق، الفوج 175 القريب من مدينة إزرع بريف درعا، والكتيبة الصاروخية في محيط قرية موثبين القريبة من الصنمين في محافظة درعا. أما في حماة فذكرت وكالة “سانا” أن القصف استهدف محيط قرية شطحة بريف حماة الشمالي الغربي موقعا أربع إصابات.

وعلى الرغم من أن هذه المواقع بحسب قيادي في وزارة الدفاع السورية هي “مواقع خالية تقريبا من السلاح”، فإن هذا التصعيد الذي تتذرع إسرائيل بحماية دروزسوريا من خلاله، يحمل تداعيات كبيرة على السلم الأهلي في سوريا، وعلى المناخ السياسي الإقليمي والدولي وسط تضارب مصالح كثير من الدول وتصوراتها عن شكل المستقبل الذي ينبغي أن تحمله سوريا.

السلم الأهلي في خطر

على مدار الأشهر الماضية استخدمت إسرائيل سردية حماية الدروز كحجة لأي تدخل ممكن من قبلها، وأرسلت تحذيرات عديدة على لسان مسؤوليها، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي قال إن بلاده “ملتزمة بحماية الدروز”، وشنت عدة غارات لدعم هذه السردية، كما استخدمت شيخ الدروز في إسرائيل موفق طريف لدعم تلك السردية التي يراها كثير من دروز سوريا حجة واهية لتبرير التدخل الإسرائيلي في سوريا، ويقول مسؤول عسكري في وزارة الدفاع السورية لـ”المجلة” إن “إخوتنا الدروز يعلمون أن إسرائيل لا تريد حمايتهم، وإنما تريد حماية مصالحها، وهذا لمسناه في كثير من المقابلات التي جرت مع قادة الفصائل في السويداء”. كما أعلنت الفعاليات الدينية ومشايخ الطائفة في السويداء أكثر من مرّة رفضهم التدخل الإسرائيلي بحجة حماية الدروز.

وعلى الرغم من أن هناك بعض الأصوات الدرزية في سوريا ربما تدعم رواية حماية إسرائيل للدروز، لكنها ليست شيئا يذكر أمام أصوات غالبية الدروز في سوريا ولبنان الرافضة للتدخل، مما يجعل سردية إسرائيل غير واقعية وليست ضرورة مطلبية أتت نحوها من قبل دروز سوريا. هذا التدخل غير القانوني وغير المبرر يُعقّد الوحدة الدرزية في سوريا ولبنان من جهة، ويخلق توترا أكبر بين بقية السوريين والدروز، وهي مؤشرات خطيرة قد تكون فتيل صراع داخل الطائفة الدرزية نفسها، وداخل النسيج السوري الديني من ناحية أخرى.

الحكومة السورية والفعاليات الدرزية تبذل ما أمكنها لمواجهة هذه السردية، وبحسب المعلومات فإن اتفاق السويداء الذي تم بين الحكومة السورية والفعاليات الدرزية هو محاولة من قبل الطرفين لتذليل التوتر السوري-السوري الذي تُغذيه إسرائيل بهجماتها وخطابها، حيث قبلت الحكومة بما يشبه إدارة محلية في السويداء يقودها أبناء السويداء أنفسهم، وهو أمر يخالف توجهها بعدم السماح بحصر السلاح ضمن مكون معين لإدارة مناطقهم، وكان جليا ذلك من خلال رفض الحكومة السورية اتفاقا شبيها مع “قسد” حيث اعتبرت أنه يهدد وحدة سوريا ومركزيتها.

جهود توحيد السلاح السوري

بحسب معلومات “المجلة” فإن هناك غضبا كبيرا من الهجمات الإسرائيلية على سوريا بين عناصر في الجيش السوري وفصائل محلية غير منضوية في وزارة الدفاع جنوب سوريا، والغضب هذا يأتي ليس من القصف الإسرائيلي فحسب، بل أيضا من النهج الحكومي في سوريا بعدم الرد، ويقول مسؤول في الأمن العام لـ”المجلة” إن “استمرار القصف الإسرائيلي والتدخل البري يشكل عقبة أمام الحكومة السورية في توحيد القوى العسكرية وسحب السلاح من المجموعات المحلية في الجنوب تحديدا”، مضيفا أن “كثيرا من عناصر تلك المجموعات يقولون أثناء عملية التفاوض مع الدولة إن السلاح بيدهم هو لحمايتهم من أي تدخل إسرائيلي بري”.

هذا الأمر أكده أحد قادة المجموعات المحلية في درعا لـ”المجلة” قائلا: “نحن بالقرب من خطوط العدو الإسرائيلي، ولا نعلم متى يدخلون نحونا، هل ننتظرهم ونشاهدهم في قرانا يسرحون؟ الجيش السوري ما زال في مرحلة التشكل، نحن ملتزمون بخطوات الحكومة وسياستها، لكن لن نسلّم السلاح طالما أن الخطر قد يدخل قرانا في أي لحظة”.

ويشير مسؤول عسكري في وزارة الدفاع بدرعا إلى أن غضب بعض المجموعات المحلية من حجة دعم إسرائيل للدروز دفعهم للتجمع ومحاولة التحرك نحو السويداء لمواجهة من يقول إن إسرائيل تتدخل للحماية، وهو أمر جعل قوى الجيش والأمن العام تتدخل فورا لمنع وصولهم إلى هناك وسحب السلاح منهم، وتابع: “البدو الذين استهدفوا المجموعات المسلحة التي خرجت من السويداء إلى طريق جرمانا تحرّكوا دون تنسيق، واضطررنا لدخول اشتباك معهم لمنعهم من تكرار ما حصل”.

ومما لا شك فيه أن إيران ستسعى للاستفادة من حالة الفوضى التي تخلقها إسرائيل من خلال تدخلّها، وذلك من خلال عدّة خطوات: الأولى عبر شيطنة الحكومة السورية إعلاميا ونشر فكرة قبول الحكومة السورية القصف الإسرائيلي والصمت حوله مقابل بقائها في الحكم، والثانية عبر استغلال الخلل الأمني الذي يحصل عند القصف أو محاولة احتواء التوتر الذي تُغذيه إسرائيل. الحكومة السورية أرسلت الآلاف من الأمن العام نحو السويداء ودرعا لتأمين المنطقة ومنع أي انفجار طائفي وأهلي هناك، وهذا بالضرورة يعني وجود ثغرات جغرافية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار النقص في عدد عناصر الجيش والأمن العام السوري، هذه الثغرات فرصة ربما لن تفوتها إيران لنقل السلاح أو دعم تشكيل خلايا محلية لخدمة مصالحها. مخاوف استغلال إيران لهذه الفوضى ذكرها أكثر من قيادي في الأمن العام أثناء حديثهم مع “المجلة”، وبحسب بعضهم أن القصف الإسرائيلي قد يعطي فرصة لفلول النظام وبقايا الميليشيات الإيرانية لشنّ هجمات ضد الدولة السورية، حيث تعرّضت بعض قوى الأمن العام لأكثر من هجمة في محافظة دير الزور خلال اليومين الماضيين.

الهجمات الإسرائيلية ستزيد من حالة الضعف الموجودة في القوة العسكرية السورية والأمن العام، خصوصا إذا ما أعادت الدولة انتشار عناصرها بعيدا عن المواقع العسكرية لحمايتهم من القصف الإسرائيلي، وهذا يجعلالبلاد أكثر عرضة لتحركات داخلية من قبل فلول النظام، و”داعش” الذي يحاول تقوية نفوذه وعتاده، وبقايا الميليشيات الإيرانية، الأمر الذي سيؤخر حتما أي جهود حكومية أو دولية لدعم الاستقرار في سوريا.

تحاول إسرائيل من خلال تدخلها في سوريا مواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا بعد سقوط النظام السوري، وذلك من خلال تدخلها عسكريا في سوريا، حيث قصفت مطلع الشهر الماضي مواقع عسكرية من بينها مطار “T4″، والذي كان هناك حديثا(غير مؤكد) عن محاولة تركية لتحويله إلى قاعدة عسكرية، وأيضا عبر محاولة إقناع واشنطن بأن نفوذ تركيا المتزايد هو تهديد لأمن إسرائيل، وبحسب المعلومات فإن إسرائيل تحاول إقناع واشنطن أيضا بالسماح لروسيا بزيادة نفوذها في سوريا على حساب النفوذ التركي، الأمر الذي يبدو أن واشنطن لم توافق عليه.

محاولة إسرائيل تعزيز النفوذ الروسي في سوريا سيواجه عقبات أوروبية وبريطانية، خصوصا وأن الدول الكبرى في القارة الأوروبية ترى في سقوط النظام فرصة لن تتكرر لإنهاء النفوذ الروسي في سوريا، وبناء عليه تحركت غالبية الدول نحو دعم الحكومة السورية في محاولة لسحب جغرافيا سوريا من حسابات موسكو، وذكر مسؤول أوروبي لـ”المجلة” بأن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يحاولان دعم سوريا لتحقيق الاستقرار والاستقلال عن التدخل الخارجي خصوصا روسيا وإيران. من جهة أخرى، التدخل الإسرائيلي الذي يُعمق ضعف الدولة السورية وخطواتها لحلّ الخلافات الداخلية لن يُعجب كثيرا من الدول العربية وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي، ولن يحظىبرضا أميركي كبير أيضا لأنه يخلق فرصة لإيران للعودة إلى سوريا ولبنان من بوابة مقاومة الاحتلال. وهو أمر لا تريده تلك الدول التي تسعى لدعم الاستقرار السوري الذي سينعكس بالضرورة على الاستقرار الإقليمي والدولي.

من المتوقع أن تستمر إسرائيل على المدى القصير- وربما الطويل- باستخدام ورقة حماية الدروز ومواجهة النفوذ التركي لتبرير تدخلها في سوريا، وفي المحصلة يبدو أن إسرائيل تريد بقاء سوريا ضعيفة، هشّة عسكريا، ولا تمتلك مقومات الاستقرار، لأن ذلك يحمي “أمنها القومي” على حد تعبير كثير من القادة الإسرائيليين، لكن هذه السياسة أيضا هي تفخيخ للشرق الأوسط، قد يقود إلى انفجار يهدد الأمن الإقليمي والدولي، ومن غير المتوقع أن تسلم إسرائيل من ارتداداته الكارثية على “أمنها القومي” الذي تحاول حمايته.

المجلة

———————————–

التصعيد الإسرائيلي ضد سوريا.. أهداف استراتيجية أبعد من ادعاء حماية الدروز/ فراس فحام

2025.05.03

في كل موجة تصعيد تقوم بها إسرائيل ضد سوريا منذ سقوط بشار الأسد تعمل تل أبيب على تسويق مسوغات لهذا التصعيد، فقد بررت الهجمات التي نفذتها على مستودعات أسلحة وقواعد عسكرية عقب هروب بشار الأسد في شهر كانون الأول 2024 بأنها لا تريد انتقال الأسلحة إلى المتشددين، ثم بررت هجمات شهر شباط عام 2025 برفضها وصول المتشددين إلى حدودها، ولاحقاً تذرعت بالخوف من النفوذ التركي لتسوغ هجماتها على قواعد جوية وسط سوريا مطلع شهر نيسان الماضي.

مؤخراً تستخدم إسرائيل ذريعة حماية الطائفة الدرزية لتنفيذ هجمات جوية وصلت إلى درجة استهداف محيط قصر الشعب الرئاسي السوري.

ومن الواضح أن إسرائيل لديها أهداف استراتيجية كبيرة في سوريا تعمل على تنفيذها، بغض النظر عن التبريرات المرحلية التي تقدمها مع كل هجوم.

منع إعادة هيكلة الدولة السورية

عاشت إسرائيل لعقود طويلة مرتاحة لسلوك النظام السوري المخلوع سواء في زمن حافظ الأسد أو ابنه بشار، ولم يقلق هذه الراحة سوى تنامي النفوذ الإيراني في سوريا ووصوله إلى حدود هضبة الجولان المحتلة بعد عام 2011، ورغم هذا حافظت إسرائيل على نهج استهداف المواقع الإيرانية من دون تعريض المواقع العسكرية التابعة لنظام الأسد للخطر، على الرغم من أن الهجمات طالت أحياناً وحدات عسكرية سورية، لكن بسبب تغلغل النفوذ الإيراني فيها على غرار الفرقة الرابعة.

يمكن القول إن إسرائيل استفادت كثيرا من الحرب السورية التي امتدت على مدار 14 عاماً، والتي أدت إلى تمزق الدولة السورية وتآكل المؤسسة العسكرية، وقبيل سقوط الأسد انتقلت تل أبيب لمحاولة تكريس نموذج الدولة الفاشلة، فقد أفادت تقارير غربية تسربت إلى وسائل الإعلام آواخر عام 2024 أن تل أبيب كانت تعمل مع بعض الدول الإقليمية على حل في سوريا يقوم على احتفاظ الأسد بسلطة هشة وضعيفة في دمشق، وتقوية مكونات فرعية شمال شرقي سوريا وجنوبها، إلا أن العملية التي شنتها المعارضة السورية بشكل مباغت وسقوط الأسد غير المتوقع أربك الحسابات الإسرائيلية.

من خلال تتبع الهجمات الجوية التي نفذها الطيران الإسرائيلي منذ سقوط الأسد آواخر عام 2024 إلى نهاية الربع الأول من عام 2025، نلاحظ أنها تركز على منع إعادة هيكلة الدولة السورية، وفي هذا السياق يندرج استهداف مستودعات الأسلحة والأصول العسكرية للجيش السوري لمنع الحكومة الجديدة من الاستفادة منها وهي في طور إعادة هيكلة الجيش السوري.

شنت إسرائيل موجة هجوم جديدة على سوريا شهر شباط الماضي، وأتى الهجوم بعد ساعات فقط من إعلان مخرجات مؤتمر الحوار السوري الذي شكل الأرضية لتولي الحكومة السورية إدارة البلاد في الفترة الانتقالية، وركزت مخرجات المؤتمر على وحدة الأراضي السورية، واحتكار الدولة للسلاح، مما أوحى بأن إسرائيل لا ترغب بتشكل سلطة مركزية جديدة غير قادرة على التحكم بها.

مع إعلان الإدارة السورية للتشكيلة الوزارية آواخر آذار الماضي، وتتالي الترحيب الدولي بالحكومة التي راعت التمثيل العرقي والإثني، والتأكيدات التركية الاستعداد لتقديم التدريبات لتأسيس الجيش السوري الجديد ودعمه بالمعدات، شنت إسرائيل هجمات واسعة شهر نيسان الماضي على قواعد عسكرية وسط سوريا، كان من المفترض أن تكون مراكز مشتركة بين الجيشين التركي والسوري، مما يعكس الاستياء الإسرائيلي لأي خطوات من شأنها أن تمنح الشرعية للحكومة السورية الحالية، بالإضافة إلى الرفض القاطع لهيكلة الجيش السوري من دون تدخل إسرائيلي مباشر فيه.

مؤخراً، تمكنت الحكومة السورية من استكمال فرض سيطرتها في محيط العاصمة عندما دخلت القوات الأمنية إلى أشرفية صحنايا، وجرمانا، اللتين يقطن فيهما المكون الدرزي، و كانتا خارج سلطة الدولة، وساد شعور في الأوساط الشعبية أن الحكومة السورية ماضية في توحيد البلاد، فردت إسرائيل بتحليق مكثف فوق العاصمة دمشق، قبل أن توجه ضربة جوية إلى محيط القصر الرئاسي، ثم ضربات متتالية في محافظات سورية عديدة، وهذه الضربات لم يكن لها أثر عسكري يذكر، لكنها أكدت مجدداً على قدرة إسرائيل على استباحة الأجواء السورية في أي وقت، ورفض وجود حكومة غير موثوقة تسيطر على كامل البلاد.

القلق من الانسحاب الأميركي

يوحي السلوك الإسرائيلي بوجود قلق من الانسحاب الأميركي من سوريا، وقد أقرت وسائل إعلام إسرائيلية في وقت سابق أن تل أبيب حاولت إقناع إدارة ترمب بتغيير قرارها المتضمن الانسحاب التدريجي من سوريا، لأن هذا الانسحاب يؤثر على الإستراتيجية الإسرائيلية في سوريا المتضمنة منع عودة الدولة الموحدة والتركيز على تقوية الأقليات.

في الفترة الممتدة من آذار إلى مطلع أيار من العام الحالي ازدادت وتيرة الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سوريا، حيث تم إفراغ قواعد عسكرية كاملة في محافظة دير الزور، ومن الواضح أن إسرائيل تعمل على استنزاف الحكومة السورية في الهجمات، وتستنزفها في ملف السويداء لحرمانها الاستفادة من الانسحاب الأميركي لتعزيز سلطتها شمال شرقي سوريا حيث تسيطر قسد وتوجد الموارد التي ستتيح للحكومة السورية حال السيطرة عليها تحسين الخدمات للمواطنين، بل إن إسرائيل لم تعد تخف اتصالاتها مع قسد منذ سقوط الأسد، والنهج الإسرائيلي شجع قسد على التراجع عن التفاهمات التي أبرمتها مع الحكومة السورية شهر آذار الماضي، إذ نصت مخرجات مؤتمر الحوار الكردي الذي انعقد آواخر نيسان الفائت على مطالب أقرب للفدرالية وإدارة ذاتية تستند إلى توحيد مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”.

إذا، يوجد أهداف إسرائيلية متعددة لتصعيدها المستمر على سوريا، يمكن تلخيصها برفض إعادة هيكلة المؤسسات السورية على أساس البعد الوطني السوري من دون تدخل خارجي يحدد من هي الأطراف التي ستحتكر قرار هذه المؤسسات، بالإضافة إلى رفض عودة سوريا لتكون دولة قوية موحدة القرار، والخوف من التموضع الإقليمي الجديد لسوريا بعد سقوط الأسد، حيث تتحالف مع تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية ، وهذه الدول تقف بدرجات متفاوتة في وجه الأطماع الإسرائيلية الإقليمية، وتشتركان في دعم وحدة الأراضي السورية واستعادة سوريا لدورها، كما أن ملء هذه الدول للفراغ في سوريا سيكون على حساب المشروع الإسرائيلي.

تلفزيون سوريا

—————————-

 لجنة التحقيق الأممية: تصاعد العنف والتدخل الإسرائيلي يهددان السلام في سوريا

2025.05.03

حذّرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا من أن التصاعد الأخير في أعمال العنف والتدخل الإسرائيلي في سوريا يهددان السلام المستدام في البلاد.

وفي بيان لها، قالت اللجنة إن “الاشتباكات المميتة ذات الأبعاد الطائفية في ريف دمشق، والتي امتدت إلى محافظة السويداء، أمر مثير للقلق العميق بالنسبة لمسار سوريا نحو السلام المستدام الذي يحترم الحقوق”، مضيفة أن “خطر تفاقم التشرذم وإلحاق الأذى بالمدنيين يتفاقم نتيجة استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية”.

وأوضح البيان أن “انتشار التحريض التمييزي وخطاب الكراهية، بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يؤجج العنف ويهدد التماسك الاجتماعي الهش في سوريا”.

ودعت لجنة التحقيق جميع الأطراف المعنية بالتصعيد الحالي إلى “وقف الأعمال العدائية فوراً، والسعي إلى جميع السبل المتاحة لتهدئة الوضع والحوار”، مشددة على أهمية “إعطاء الأولوية لحماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ومنع المزيد من النزوح”.

التدخلات الخارجية تفاقم العنف والنزوح

وأكدت لجنة التحقيق الدولية أن الغارات الجوية الإسرائيلية وتهديداتها بمزيد من التدخل العسكري في ظل استمرارها في توسيع احتلالها للجولان السوري، فضلاً عن محاولاتها لتقسيم مختلف المجتمعات السورية، “تُنذر بزعزعة استقرار سوريا أكثر فأكثر”.

وأكد بيان اللجنة الأممية أن “تاريخ سوريا الحديث يذكرنا بأن التدخلات الخارجية غالباً ما أدت إلى تفاقم العنف والنزوح والتشرذم”.

وأشار البيان إلى أنه “في حين يظل الوضع متقلباً، وتشير التقارير إلى التوصل إلى اتفاق بين زعماء بارزين في السويداء والسلطات في دمشق، تؤكد لجنة التحقيق أن الحكومة المؤقتة تظل مسؤولة عن ضمان حماية جميع المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها”.

الإفلات من العقاب محرك ثابت للصراع

واعتبرت لجنة التحقيق الدولية أن “الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لطالما كان محركاً ثابتاً للصراع في سوريا، ويجب ألا يُسمح له بالاستمرار”، مشددة على أنه “لا يمكن لسوريا أن تبدأ في إعادة بناء الثقة بين مجتمعاتها المتصدعة إلا من خلال تعزيز سيادة القانون، وضمان العدالة والمساءلة، وتعويض الضحايا وعائلاتهم”.

وطالبت اللجنة الحكومة السورية بأن “تضمن إجراء تحقيقات سريعة ونزيهة وشفافة ومستقلة في هذه الانتهاكات للقانون الدولي، ومحاسبة مرتكبيها من خلال عمليات موثوقة بموجب القانون السوري”.

ولفتت لجنة التحقيق الدولية المستقلة إلى أن “الاشتباكات الأخيرة، التي أعقبت أعمال العنف في المناطق الساحلية السورية مطلع آذار الماضي، تسلط الضوء على الوضع الأمني الهش ​​في البلاد، والحاجة المُلِحّة لوقف التصعيد”.

أحداث جرمانا وصحنايا والسويداء

ويأتي ذلك عقب التوترات الأخيرة التي شهدتها مناطق جرمانا وصحنايا بريف دمشق ومحافظة السويداء، والتي بدأت فجر الثلاثاء الماضي في جرمانا، حيث شنت مجموعات مسلحة هجمات على المدينة، واندلعت اشتباكات عنيفة أوقعت 13 قتيلاً، بينهم اثنان من عناصر الأمن العام، قبل أن تمتد المواجهات إلى صحنايا وأشرفيتها، وتؤدي إلى مقتل 16 عنصراً أمنياً إضافياً.

وجاءت هذه الأحداث على خلفية انتشار تسجيل صوتي منسوب لأحد شيوخ الطائفة الدرزية، يتضمن إساءة للنبي الكريم، ما فجّر موجة غضب واحتقان، رغم نفي الشيخ المعني أي صلة بالتسجيل. في المقابل، دان عدد من مشايخ وعائلات الطائفة التسجيل، مؤكدين احترامهم للرموز الدينية، ودعوا إلى ضبط النفس وتفادي الفتنة الطائفية.

ومساء أمس الجمعة، شنت طائرات دولة الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات جوية، استهدفت مواقع متفرقة في ريف دمشق ودرعا وحماة، في واحدة من أعنف الهجمات التي تطول الداخل السوري خلال الأشهر الأخيرة.

وسبق هذه الهجمات أن شنت الطائرات الإسرائيلية غارة جوية استهدفت موقعاً قرب القصر الرئاسي في العاصمة دمشق، قال بيان صادر عن دولة الاحتلال إنها “تحمل رسالة واضحة إلى الحكومة السورية”، مشدداً على أن إسرائيل “لن تسمح بأي تهديد للدروز”.

——————————-

من سيردع إسرائيل في سوريا؟/ سمير صالحة

2025.05.03

إلى متى ستستمر إسرائيل في توجيه “الضربات التحذيرية” عبر مقاتلاتها ومسيراتها باتجاه الداخل السوري، في محاولة لإيصال رسائل سياسية وأمنية تخدم مصالحها، وخاصة تجاه اللاعبين المحليين والإقليميين وعلى رأسهم تركيا؟

تركت تل أبيب كلا الطرفين التركي والسوري أمام تحديات صعبة وخيارات أصعب. فكيف سيأتي الرد وهل ستواصل تركيا مثلا انتظار رد ترامب؟ أم هي ستعيد رسم سياستها في المعادلة السورية نتيجة التصعيد والاستفزاز الإسرائيلي العلني؟

ساعدنا مؤخرا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في الإجابة عن هذا السؤال عندما وضع سوريا ضمن الأهداف الإقليمية الجديدة لإسرائيل: قائلاً: “إسرائيل لن توقف الحرب إلا بعد تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من قطاع غزة، وتقسيم سوريا، وتجريد إيران من سلاحها النووي”.

من جانبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، إن إسرائيل قلقة من “الدور السلبي” الذي تلعبه تركيا في سوريا ولبنان ومناطق أخرى. “يبذلون قصارى جهدهم لجعل سوريا محمية تركية” . كلام يتناقض تماما مع ما يردده سموتريتش.

نحن نتحدث عن وضع معقد كان من المفترض أن يتبدل مع سقوط نظام الأسد، لكن دخول اللاعب الإسرائيلي على الخط حوّل المسألة إلى مأزق إقليمي تتشابك فيه الأبعاد السياسية والأمنية والعسكرية.

لن تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا في المدى المنظور. هذه الضربات ليست مجرد عمليات عسكرية، بل تحمل رسائل موجهة لعدة أطراف تحت ذريعة الحؤول دون رسم سياسات جديدة تتعارض مع حسابات ومصالح تل أبيب هناك، وهي أبعد من قطع الطريق على عودة إيران وحزب الله إلى سوريا.

وبينها:

إبلاغ دمشق أن ما تتطلع إليه في سوريا أبعد من معاهدة سلام تطمئن تل أبيب.

وتذكير أنقرة بأن أمن حدود إسرائيل ومصالحها في سوريا لا يمكن تجاهلها أو الالتفاف عليها عبر تصريحات سياسية أعلنها ترامب بحضور نتنياهو في البيت الأبيض حول العقلانية الواجب اعتمادها.

وإعلام روسيا بأن إسرائيل قادرة على فرض خطوطها الحمراء رغم التنسيق الأمني مع موسكو.

تقليص المخاطر وتحقيق الأهداف دون الانجرار إلى حرب شاملة لا تريدها واشنطن في المنطقة وهو ما تفضّله إسرائيل أيضًا حتى الآن.

تعلن أنقرة ودمشق أنه لا نية لهما بالدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل فيرد نتنياهو عبر تحريك المسيرات فوق شرق دمشق وجنوبها دفاعًا عن دروز تلك الأحياء. القيادة السورية الجديدة هي المعني الأول والأخير في تحديد خيارات وخطط مواجهة المخطط الإسرائيلي وما تعد له تل أبيب وتريده في سوريا.

الدعم الإقليمي والدولي أساسي حتمًا، والتنسيق مع تركيا والدول العربية الفاعلة والمؤثرة محوري أيضًا. كما أن كسب العواصم الغربية وروسيا في خطط إعادة بناء سوريا الجديدة ضروري كذلك. لكنّ القرار سيكون سوريًا في النهاية، ودمشق هي التي ستتحمل ارتداداته ونتائجه، على مستوى الداخل والخارج.

تردد أنقرة من ناحيتها أن الكرة هي في الملعب الأميركي لأن ترامب هو القادر على التأثير في سلوك نتنياهو وتصرفاته الإقليمية، وطالما أنه هو الذي يوفر لإسرائيل الغطاء العسكري والسياسي والمادي. لكن تركيا عليها أن تبحث عن بدائل أخرى وعدم المراهنة كثيرًا على مواقف ودعوات الرئيس الأميركي لتل أبيب أن تكون واقعية وعملية ومرنة في سوريا.

على أنقرة أن تستعد في سوريا لما هو أبعد من لعب الورقة الدرزية من قبل إسرائيل. الورقة الكردية على حدودها الجنوبية لا تقل أهمية. ما الذي ستقوله وتفعله تركيا عندما تقرر إسرائيل توجيه مسيراتها لمهاجمة الجيش السوري أو التركي إذا ما حدثت مواجهات عسكرية في شمال شرقي سوريا عند فشل الحوار بين دمشق و”قسد”، وإذا قررت الأخيرة طلب الحماية الإسرائيلية، على غرار بعض القيادات الدرزية التي تطالب بالتدويل بعد ما جرى في “أشرفية صحنايا”؟ فهل سنشهد تكرار المشهد في “أشرفية حلب” تحت ذريعة الدفاع عن مشاريع انفصالية؟

إسرائيل مع الفوضى الإقليمية في سوريا، وهي لذلك توسع يومًا بعد يوم من رقعة أهدافها هناك كخيار أفضل لإبقاء البلاد فوق صفيح ساخن. من سيردع نتنياهو قد لا يكون بالضرورة إدارة ترامب، بل المفاجآت والمواقف السياسية والميدانية التي ستتخذها القيادة السورية الجديدة، للدفاع عن وحدة البلاد وتماسكها في مواجهة مشروع انزلاقها نحو الحرب الأهلية التي يعد لها البعض على نار هادئة.

تجد تركيا نفسها اليوم أمام مفترق طرق صعب يهدد سياستها السورية. عليها أن ترد على إسرائيل عبر ترامب ربما، لكن المشكلة أن يكون هو من يحرض ويخطط نيابة عن إسرائيل في سوريا. الاستفزازات الإسرائيلية مستمرة، سواء من خلال الاعتداءات الجوية أو التحركات العسكرية المباشرة، أو التلويح بمطالب سياسية معقدة. هي محاولات مستمرة لفرض واقع جديد في سوريا، هدفه تقليص دور تركيا بشكل كبير في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة لاستراتيجيتها الأمنية والإقليمية. إما أن تواصل سياسة “الصبر الاستراتيجي” والتريث، وحيث قد تجد نفسها أمام معضلة تراجع نفوذها في سوريا، أو أنها قد تختار الرد بحسم، وإظهار قوتها على الأرض وفي الساحة الدبلوماسية، لحماية مصالحها وأمنها القومي في المنطقة. الخيارات أمام تركيا تتقلص يومًا بعد يوم بسبب التحدي والتعنت الإسرائيلي، والقرار الذي ستتخذه قد يكون مصيريًا بالنسبة لمستقبل نفوذها في سوريا والمنطقة ككل.

رفض تل أبيب لكل الرسائل الانفتاحية الموجهة نحوها من قبل أنقرة ودمشق لم يترك أمامهما الكثير من الوقت والفرص. بعض الأطراف تراهن على مواجهة تركية إسرائيلية في سوريا على طريقة المواجهة الإيرانية الإسرائيلية ليس بقليل. ما الذي سيجنيه هو من تحويل سوريا إلى ساحة حرب إقليمية؟

أحلام الراعي تكسر جرة العسل، ونظرات الفتى الحالم تسقط جرة الماء من يد الشابة في الطريق إلى النبع. الراعي فقد ماله الوحيد جرة العسل، وأعين الشاب العاشق كلفت الفتاة جرتها. والنتيجة واحدة: انكسار لا يداويه ندم.

الرد المناسب قادم حتمًا وبمن حضر أمام الطاولة التي يجري الإعداد لها وسيعلن عنها ويتم توجيه الدعوات على أساسها قريبًا.

تلفزيون سوريا

———————————-

لا صوت يعلو على صوت العقل/ أحمد مظهر سعدو

2025.05.03

في زحمة التطورات الدراماتيكية التي تعيشها سورية هذه الأيام، وضمن مفاعيل وطنية سورية غاية في الأهمية، يجدر بنا كسوريين وفي سياقات الحرص على وحدة وتماسك النسيج الوطني السوري، والإمساك بتلابيب الوحدة الوطنية السورية، وإعلاء سور الوطن الواحد الموحد، أن نُعمل العقل السياسي الوطني الجامع، ونمسك جديًا بكل ما يجمع ولايفرق، ونعيد بناء أسوار الوطنية السورية المعبرة عن الجميع على أسس جديدة، تنهل من معين عقد وطني سوري جامع، لايستثني أحدًا من مكونات سورية، ويبني دولة المواطنة الحقة التي يحلم بها كل السوريين، بعيدًا عن كل المعوقات التفتيتية، التي تريد الاشتغال حثيثًا، فيما لو استطاعت إلى ذلك سبيلًا، نحو مزيد من التشظي والتذرر، الذي تريده هي، ضد إرادة السوريين بكليتهم.

ولا يمكن اليوم أن يغيب عن مخيالنا أبدًا، أن هناك من يعمل ليلًا نهارًا، من أجل بعثرة الواقع السوري، وإهالة التراب على ما كل أنجزته ثورة الحرية والكرامة، صبيحة يوم 8 كانون أول/ ديسمبر 2024. لأن ماتم إنجازه، هو شيء كبير وعظيم، إذ إن كنس إيران ومشروعها من سوريا والمنطقة، هو فعل ثوري مهم وتاريخي، يطول كل المشروع الإيراني، بجميع مساراته ومآلاته، وينهي أطماعه الخطرة في المنطقة العربية برمتها، ويعيد تأسيس المنطقة من جديد على أساسات متجددة، حيث لا وجود فيها للنفوذ والهيمنة الإيرانية، كما أن إزالة دولة الاستبداد المشرقي، وإحالة حقبة نظام آل الأسد بجميع تجلياته، هذه الحقبة التي خطفت الوطن بكليته، فسيطر حافظ الأسد وعصابته على مجموع مقدرات سوريا، فنهبوا ثرواته وألحقوه بالخارج، وفسدوا وأفسدوا كل شيء، لن تكون ارتدادات كل ذاك سهلة، ولن تقبل إسرائيل والدول الخارجية الأخرى ذات المصلحة، بأن يبني السوريون وطنهم، بغير ما بنى عليه وقام به نظام آل الأسد، وخارج إطار التابعية، وحماية أمن إسرائيل، منذ أن وقع نظام حافظ الأسد اتفاق فض الاشتباك عام 1974، إبان حرب تشرين الأول التي كادت أن تكون حربًا تحريرية، لولا ما أراد لها حافظ الأسد وأنور السادات، فكانت حربًا تحريكية ليس إلا ، فتحت الطريق واسعًا وممهدًا أمام النظام السوري في حينه ، التحاقًا بمصالح الأميركان والإسرائيليين على حد سواء.

لذلك فهم اليوم يحاولون ومنذ خمسة أشهر تقويض السلم الأهلي في سوريا، و(بكل أسف) إنهم يجدون من يساعدهم في ذلك، ويقومون باختراع المشكلات ويعوقون كل خطوات الاستقرار وبناء جدران السلم الأهلي، عبر تحريك تلك الطائفية المقيتة، هذه الظاهرة الموجودة لكنها كانت نائمة فيأتي اليوم من يقوم بإيقاظها، في حين الصحيح أبدًا، هو إعمال صوت الحق والعقل، ومنع أي جهة أو مجموعة أفراد من السماح لهم بانبعاثات مَرَضية قد تكون فتحت بابًا واسعًا لتدخلات خارجية، ليس أولها العامل الإسرائيلي، وهو ماشهدناه عبر القصف الإسرائيلي في أشرفية صحنايا، ثم بالقرب من القصر الجمهوري بدمشق، وليس آخرها كل من يريد شرًا في الواقع السوري.

ولعل ماتقوم به وتتابعه كثير من العقول الوطنية النيرة، وعبر وأد الفتنة في أشرفية صحنايا وجرمانا والسويداء، يؤشر إلى أهمية وضرورة إعلاء صوت العقل، فوق أي صوت، ومنعًا لأي إمكانية خطرة، لتحريك الطائفية النائمة، إذ إن العقلانية السياسية هي مايجب إعماله وإفساح المجال له، ومنع كل مظاهر اللاعقلانية السياسية، من الوصول إلى مواقع أي مواقع، يسمح لها بها وعبرها من تخريب ما أنجزه شعبنا السوري العظيم، بعد أربعة عشر عامًا من الكفاح المتواصل وعلى كل الصعد، وضد الطغاة، حيث وصل إلى حالة واقعية وممارسة من إزالة أدوات القمع والاستبداد، وإنهاء حالة سرقة الوطن وخطفه بكليته.

واقعيًا وضروريًا لا يجب أن يكون هناك اليوم، ولا يمكن السماح لأي صوت أن يعلو على صوت العقل الوطني الجامع، فجبل العرب جزء مهم من أهلنا السوريين، وهم جزء لا يتجزأ من الحالة الوطنية السورية الجامعة، وتاريخهم الوطني يشهد على ذلك، وأي خلل غير وحدوي وغير جامع يجب منعه من الظهور، ومن ثم منع إسرائيل من استثمار ذلك، أو الاشتغال به وعليه، ولعل صوت العقل في السويداء أولاً، وكذلك في الإدارة الجديدة أيضًا مايجب أن يكون بالمرصاد، في مواجهة وحصار أية تدخلات خارجية، وصونًا لوحدة السوريين والتفافهم حول وطنيتهم السورية، منعًا أكيدًا لكل التدخلات الخارجية، لأن الوطنية السورية تقتضي منا جميعًا أن نستنجد بإمكانياتنا الوطنية، وبعقلنا الوطني السياسي، ورشدنا، ومحبتنا لوطننا، وليس عبر الاستنجاد بالخارج أي خارج.

لا حل في سوريا إلا بالحوار الوطني الجامع، وعبر مزيد من مسارات منفتحة على الحوار الوطني السوري، وكذلك عبر القيام بكثير من اللقاءات الجامعة، وإفساح المجال من أجل إعطاء بعض التنازلات، وصولًا لوحدة الوطن السوري، وإعادة قيامة سوريا، على أسس جديدة من المواطنة السورية الجامعة.

نعم لا حل أبدًا إلا بمنع الأصوات الطائفية من التمظهر، ومحاسبتها، وقوننة وتجريم كل من يدعو إلى الطائفية أو يلعب على الوتر الطائفي أو الإثني، الذي يفرق ولايجمع يفتت ولا يبني، يعيدنا للخلف، ولا يستثمر إيجابًا بوحدة وانتصارات السوريين.

إن اللاعقلانية السياسية وحدها، مايمكن أن تفتح الباب على مصراعيه للمتدخلين خارجيًا وأصحاب المصالح، الذين يريدون تفتيت وتقسيم سوريا، في حين الحل العقلاني وصولًا إلى تطبيق وإنفاذ القوانين، والإسراع بإنتاج هيئات مطلوبة للعدالة الانتقالية في سوريا، سيكون ملاذًا ضروريًا لأي مستقبل سوري واقعي وعقلاني.

ومن يعتقد واهمًا أنه بغير صوت العقل يمكن أن نقيم دولة الحرية والمواطنة، فإنه يكون قد أدخل الوطن السوري في أتون أنفاق طويلة لاخروج منها، وتفتيت وطني مجتمعي وسياسي لا ينتج إلا كل ماهو خطر على وحدة السوريين.

فالمزيد من الحوار والعقلنة ستنتج وطنًا حقيقيًا متماسكًا موحدًا منتميَا إلى وطنيته أولًا، وجاد في إعلاء بناءات الدولة الوطنية، ومنعًا لأية تدخلات خارجية، وغير ذلك، وخارج هذا السياق، سنكون قد أدخلنا أنفسنا في نفق مظلم وظلامي، لاخروج منه أبدًا، وهذا ما لايريده أي وطني سوري لبلده ومستقبل وطنه.

تلفزيون سوريا

———————————-

غارات وإشاعات.. ماذا تريد إسرائيل من السوريين الدروز؟/ سلمان عز الدين

3 مايو 2025

انتشر خبر، ليلة 2 ـ 3 أيار/ مايو، عن هبوط مروحية إسرائيلية في “مطار السويداء”، قيل إنها محملة بالذخيرة القادمة للتيار الانفصالي في المحافظة، وجاء الخبر إثر شن الطيران الإسرائيلي غارات واسعة على محافظات سورية عديدة.

ونقلت شبكة أخبار “السويداء 24” المحلية عن مصادر مختلفة من الفصائل المحلية، المنتشرة على أطراف السويداء، نفيها التام لهذا الخبر، مؤكدة أنه “يأتي في سياق حملات التحريض الطائفي الممنهجة”. وقالت المصادر: “لم تُسمع أصوات مروحيات في أجواء المحافظة إنما كان هناك أصوات انفجارات بسبب الغارات الجوية التي كانت تستهدف مواقع عسكرية في ريف درعا”.

وأضافت: “ملايين الأشخاص جنوب سوريا يستطيعون تصوير صوت المروحية على الأقل في الأجواء، ولم نشاهد حتى الآن أي فيديو يدعم هذه الرواية”، موضحة أن “الفيديو المُتداول لتسليم مساعدات ليس في السويداء إنما في المناطق التي احتلتها إسرائيل من سوريا مؤخرًا وهناك ينظم الجيش الإسرائيلي حملات توزيع مواد إغاثية للسكان من شرائح مختلفة”. وختمت المصادر: “السويداء لا يوجد فيها مطار يحمل اسمها”.

غير أن إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلت، في وقت لاحق، عن مصادر عسكرية وأمنية إسرائيلية قولها إن طائرة مروحية إسرائيلية قد “نفذت إنزالًا في السويداء لنقل معدات ومساعدات إنسانية”.

وكانت إسرائيل قد شنت غارة جوية على بلدة أشرفية صحنايا في ريف دمشق، ذات الأغلبية الدرزية، وغارة أخرى على محيط قصر الشعب في دمشق، وقالت إنهما تأتيان في سياق سعيها لحماية الطائفة الدرزية في سوريا.

ويقول مراقبون إن الوقائع الملموسة، والإشاعات والأخبار الكاذبة، تصب جميعها في المجرى نفسه الذي يذهب نحو ترسيخ فكرة ارتباط الدروز الوثيق بإسرائيل، وبالتالي مسؤوليتها عن حمايتهم.

ويضيف المراقبون أن المسؤولين الإسرائيليين ليسوا أغبياء حتى يعتقدوا أنهم، بضربة صاروخية هنا وغارة جوية هناك، يستطيعون حماية مليون درزي في بلد يزيد عدد سكانه عن 25 مليون نسمة. وإذا كانت إسرائيل قادرة على انتزاع موقف من الحكم الرسمي لسوريا يلتزم فيه بعدم التعرض لمواطنيه الدروز (مع ما تحمله هذه الصيغة الافتراضية من عبثية) فإنها لا تستطيع بأي حال حمايتهم من محيطهم الشعبي، إذا ما صحت نظريتها بأن هذا المحيط “عدائي ولا يقبل وجود الدروز وسطه من حيث المبدأ”.

يقول حسن محمود، شاب درزي من منطقة جبل الشيخ بريف دمشق، لـ”الترا سوريا”: “إذا ما قبلت، على سبيل الفرض، بالحماية الإسرائيلية فهذا يعني أنني صرت من رعاياها، فأي حياة سوف أعيشها وسط السوريين؟!”. ويضيف ساخرًا: “في طريقي اليومي، من قريتي إلى عملي في دمشق، أمر بسبع قرى وبلدات يقطنها سوريون من غير الدروز، والذين سوف يحق لهم اعتباري شخصًا معاديًا أنتمي إلى دولة معادية، فكيف ستحميني إسرائيل هنا؟ هل ترسل لي دباية أتحصن بها، أم طائرة مسيرة ترافقني ذهابًا وإيابًا؟!”.

يقول محللون ومتابعون إن إسرائيل لا تهدف، عبر تصريحاتها وغاراتها، إلى حماية السوريين الدروز، بل على العكس هي تريد أن تجلب لهم الأذى من محيطهم، وصولًا إلى ترسيخ قطيعة بينهم وبين هذا المحيط، ودفعهم بالتالي إلى علاقة قسرية ما معها. وهي تدرك بلا شك أن استفزازاتها المتكررة للسوريين، بذريعة حماية مواطنيهم الدروز، تجلب النقمة على من تدعي حمايتهم، وهذا هو المطلوب تمامًا.

وماذا تريد إسرائيل من الدروز؟

يقول البعض إنها تريد إقامة المنطقة العازلة في الجنوب السوري وتريد من الدروز تشكيل ميليشيا لحماية هذه المنطقة. غير أن كثيرين يرون أن هذا السيناريو غير واقعي بالمطلق، فالدروز، بفرض قبولهم هذا الدور، أقل عددًا وأهلية من أن يحكموا سيطرتهم على المحافظات الجنوبية الثلاثة، درعا والقنيطرة والسويداء، ولكن الأهم: كيف ستوحد إسرائيل مواقف الدروز المنقسمين بشدة في شأن العلاقة معها؟

تشير التقديرات إلى أن أكثرية الدروز يجمعهم موقف معترض، أو متحفظ على الأقل، إزاء الحكومة في دمشق، وفي الوقت نفسه فإن أكثريتهم يتفقون على موقف رافض بشدة لأي علاقة مع إسرائيل، أما التيار الانفصالي فلا يزال رغم كل الجهود الإسرائيلية يمثل الأقلية الضئيلة. فكيف ستغلّب إسرائيل هذا التيار ليغدو قادرًا على لعب الدور الكبير المنتظر؟ هل ستنزل بنفسها لتقاتل إلى جانبه فتتورط في قتل من تدعي حمايتهم؟

يرى آخرون أن ما تريده إسرائيل ببساطة هو استخدام ورقة الدروز وبقية الأقليات لتفتيت سوريا وإعاقة إقامة دولة قوية فيها.

يكتب الناشط السياسي والفنان التشكيلي تيسير جبر (درزي من ريف دمشق) منشورات شبه يومية، على صفحته في فيسبوك، يفند فيها الادعاءات الإسرائيلية، ويحث السوريين، والدروز خاصة، على عدم الانجرار إلى تصديقها. يكتب في إحداها: “ادعاءات إسرائيل بحماية الدروز ليست من أجل عيون الدروز. بل لتنفيذ مصالحها في تفتيت سوريا من خلال زرع الفتن. وإلى المصدقين لهذا الكلام: إن فشل بناء الدولة لا سمح الله بديله الخراب الذي لن ينجو منه أحد، أجارنا الله من قصر النظر”.

وإذا كان هذا ما تريده إسرائيل بالفعل، فمسؤولية إحباطه تقع على عاتق القيادات الروحية والاجتماعية للطائفة الدرزية، ولكنها تقع أكثر على عاتق الحكومة السورية، والتي لا تزال بعيدة عن لعب هذا الدور المنتظر، بل أنها، عبر إجراءات خاطئة كثيرة وتجاوزات تتكاثر يومًا بعد يوم، تدفع آذانًا سورية كثيرة (وليس فقط درزية) إلى الإصغاء لأصوات الانفصاليين.

—————————

مهمة جنبلاط الإطفائية في دمشق.. خيارات الدروز الصعبة/ نادر حجاز

03-مايو-2025

تستنفر طائفة المسلمين الموحدين الدروز في لبنان، بعد سلسلة أحداث دموية في مدينتي جرمانا وصحنايا في ريف دمشق، حيث يواجه الدروز في سوريا خيارات أحلاها مرّ، ومستقبلًا غامضًا تتقاذفه أطماع ومصالح كبرى في لعبة الأمم.

يلتصق الدروز عبر تاريخهم بأوطانهم، رغم الرابط الروحي الجامع بينهم في مناطق انتشارهم في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن. فهذه الطائفة الأقليّة عددًا، يعلن زعماؤها الروحيون والسياسيون في كل مناسبة، أنها مذهبًا إسلاميًا، ولم تكن يومًا قومية تنشد الإنفصال أو بناء دولة مستقلة خاصة بها.

الدين لله والوطن للجميع

يمثّل الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى في وجه الإنتداب الفرنسي في العام 1925، رمزية خاصة لدى الدروز في سوريا. حيث يشكّل بالنسبة لهم المثال الأول للإنتماء الوطني السوري، مردّدين من أقواله أن “الدين للّه والوطن للجميع”.

وربما يكون هذا الشعار أكثر ما تحتاج إليه سوريا في هذه المرحلة المفصلية من تاريخها، بعد الاحداث الطائفية المتنقلة بين الساحل وريف دمشق وصولًا إلى السويداء.

وأمّا اخطر ما في هذا الفرز المذهبي، ما يرافقه من مخططات خارجية للاستثمار فيه وزرع فتنة لن تؤول إلا إلى تقسيم القميص الواحد خدمة للآخرين.

صرخة دروز لبنان

يتأهّب دروز لبنان خوفًا من هذا المصير تحديدًا. فقلقهم على حياة أبناء طائفتهم في سوريا جرّاء الاشتباكات الدموية، لا يقلّ أهمية عن خوفهم عليهم من خطفهم وتحويلهم إلى وقود مخططات تقسيمية تسلخهم عن سوريا. التي ما زالت في مرحلة إعادة البناء، وتحتاج إلى وضوح في الرؤية وتوسيع المساحات المشتركة على حساب الخلفيات الفكرية والأيديولوجية الموروثة من مرحلة ما قبل سقوط نظام الأسد.

يحاول أبناء هذه الطائفة المؤسّسة للكيان اللبناني، منذ أواسط القرن التاسع عشر، وصاحبة العلاقات الممتدة إقليميًا ودوليًا، توفير حاضنة عربية وإسلامية ودولية واسعة لتجنّب الخيارات القاسية ومنع انتقال شرارة الاحداث إلى لبنان.

ولهذه الغاية، عُقد لقاء عاجل في دار الطائفة في بيروت، ضم سفراء الدول العربية وسفير تركيا، إلى جانب نواب وشخصيات درزية، مطالبين بأوسع تحرّك عربي وإسلامي لوقف إراقة الدماء والمحافظة على وحدة سوريا وطمأنة الدروز فيها.

وبعد الاجتماع صرّح السفير المصري في لبنان علاء موسى باسم السفراء، قائلًا: “توافقنا على أن الفترة الحالية حرجة، وثمة ثوابت توافقنا عليها أيضًا، وهي وحدة التراب السوري ووحدة الدولة السورية، وبذل المزيد من الجهود، للتأكيد على أن الحوادث لا تتكرر في المستقبل والبديل عنها هو الحوار الدائم بين المكونات المختلفة، باعتبار الحوار كما ذكرنا هو السبيل الوحيد لحل مثل هذه الاختلافات، فكانت رسالة مهمة تبنيناها جميعًا، وان شاء الله نجد لها السبيل للتطبيق في المستقبل”.

استغلال إسرائيلي

يكمن الخطر الأكبر في تطورات الأيام الماضية، بالاستغلال الإسرائيلي وتقديم تل أبيب نفسها كحامٍ للدروز في ريف دمشق والجنوب السوري. والغارة التي استهدفت محيط قصر الشعب في العاصمة السورية، بحجة حماية الدروز، خير دليل على مدى الإنغماس الإسرائيلي في المشهد هناك.

تحضر إسرائيل في المكان الذي تغيب فيه الدولة السورية. في المكان الأكثر تماسًا بأي مكوّن اجتماعي، وهو الأمن والأمان. فالإشكالية الكبرى بين الدروز والإدارة السورية الجديدة تكمن في ملف السلاح ورفضهم تسليمه والإنخراط في الأجهزة الرسمية قبل بناء الدولة الحديثة. ومردّ هذا القلق الدرزي إلى حلّ الجيش السوري واستبداله بتشكيل جهاز الأمن العام الجديد من مجموعات مسلّحة سابقة لها خلفياتها العقائدية.

فما يطالب به دروز سوريا هو ضمان أمنهم قبل تسليم السلاح، لتأتي أحداث جرمانا وقبلها أحداث الساحل، وتمنعهم من اتخاذ هذه الخطوة.

تستثمر إسرائيل وعينها على منطقة حدودية آمنة من الجولان إلى جبل الشيخ، لضمان منع أي تقدّم تركي، وتوفير الظروف الميدانية لإنشاء “ممرّ داود” من الجنوب السوري وصولًا إلى شمال العراق، والذي يحمل جملة أهداف إستراتيجية تسعى لها إسرائيل، أبرزها إعادة تشكيل سوريا بما يخدم مصالحها، عبر تفتيتها وإضعاف السلطة المركزية في دمشق.

جنبلاط في قصر الشعب

رفع الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الصوت مرارًا، محذّرًا من هذا المخطط وقرب تنفيذه من قِبل إسرائيل، ومخاطبًا دروز سوريا للتنبّه لا سيما بعد الأحداث الأخيرة، مستعرضًا لمعلومات خطيرة حول وجود نيّات لتهجير الدروز من ريف دمشق إلى الحدود الأردنية السورية.

وبعد ساعات على إعلان استعداده زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع مرة ثانية، لنقل مطالب الدروز وبحث تسوية ما. حطّت طائرة قادمة من بيروت في دمشق، عصر الجمعة، وحصل اللقاء فعلًا بين الرجلين، اللذين سبق وتواصلا منذ العام 2015، حين وقعت مجزرة بحق الدروز في منطقة إدلب، ونجحت الاتصالات بينهما آنذاك بترتيب وضع جديد هناك.

“لقاء اتسم بالودية والحفاوة والصراحة”، هكذا وصف بيان صادر عن “الإشتراكي” الأجواء بين جنبلاط والشرع.

وفي ما يتعلق بالأحداث التي وقعت خلال اليومين الماضيين، شددا على ضرورة اضطلاع الدولة السورية بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين. كما ثمّن جنبلاط جهود الدولة السورية في التواصل والحوار مع مختلف مكونات الشعب السوري، مشددًا على أهمية دور أبناء طائفة الموحدين الدروز في مؤسسات الدولة وأجهزتها.

لا تسوية نهائية

سيحتاج هذا اللقاء إلى متابعة سياسية وأمنية وميدانية، ومن المبكر الحديث عن إنجاز تسوية تامّة ونهائية لوضع الدروز في سوريا. إنما زيارة جنبلاط يمكن أن تكتسب صفة المهمة الإطفائية في هذه المرحلة الحرجة، ومحاولة إحداث خرق ما منعًا لأي عزل للدروز في سوريا أو محاولات شيطنة من أي جهة كانت.

فجنبلاط طالب بتحقيق شفّاف يكشف كل ملابسات حادثة جرمانا، مطمئنًا الشرع لجهة رفض أي دعوات لحماية دولية. الأمر الذي يستدعي ملاقاة من الجانب الرسمي السوري، والنظر إلى الدروز كمواطنين لا جماعات خارجة عن القانون.

وربما استفاد جنبلاط من المناسبة لشكر الشرع على توقيف ابراهيم حويجة، المتهّم باغتيال والده كمال جنبلاط في العام 1977، علّها تكون فرصة للتذكير بالمعاناة المشتركة طوال 5 عقود من الظلم على يد نظام آل الأسد، وحلم الشعب السوري بمستقبل أكثر أمانًا.

صوت العقل

وتعليقاً على هذا المشهد المعقّد، أشارت عضو مجلس القيادة في الحزب التقدمي الإشتراكي مروى أبي فرّاج، في حديث لـ”الترا صوت”، إلى أن “الاشتراكي يؤكد موقفه الثابت بضرورة ضبط النفس وتغليب صوت العقل. والتنبّه من الخطابات الفتنوية التي تسعى لتأجيج الصراع الداخلي وتوريط المكونات الاجتماعية والطائفية في مواجهات لا تخدم سوى مشاريع مشبوهة، أولها المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تفتيت سوريا والمنطقة”.

وأضافت “لقد ترجم الإشتراكي هذا الموقف من خلال اتصالات مباشرة منذ اللحظات الأولى مع المعنيين داخليًا وإقليميًا، ما أدى إلى انتشار القوى الأمنية السورية في مدينة جرمانا وتعزيز الحواجز المحيطة بها، بالتنسيق مع المسؤولين والوجهاء المحليين في سوريا. كما نؤكد إدانتنا الكاملة للإساءة الموجهة إلى الإسلام ورسوله الكريم، ونرفض تبريرها. ونحذر من الانجرار إلى ردات فعل غير محسوبة أو الاستنجاد بأي تدخل خارجي، خصوصًا من العدو الإسرائيلي الذي لا يسعى سوى لزرع الفتنة. فإسرائيل لا تهدف إلا لتفجير مجتمعاتنا من الداخل، وتحويلنا إلى أدوات لمعاركها، ونحن نرفض أن نكون بيادق في مشاريعها التوسعية”.

وتابعت أبي فرّاج: “كما نرفض كل محاولة لفصل طائفة الموحدين الدروز عن محيطها العربي والإسلامي. نحن نعتز بعمقنا الإسلامي ومذهبنا التوحيدي، ونرفض الخطابات التي تحاول خلق مسافة بيننا وبين أهل السنة. نترحم على الشهداء ونتمنى الشفاء للجرحى، وندعو إلى احتضان أهلنا وعدم الانجرار إلى مواقف تصعيدية كقطع الطرقات والإعتداءات أو التحريض الإعلامي، بل إلى معالجة الأمور بالحكمة والسياسة والدبلوماسية، وبثبات على الموقف والهوية والانتماء”.

مفترق طرق

يقف الدروز في سوريا أمام مفترق طرق، ومعهم مستقبل سوريا كدولة موحّدة، فإمّا يقف حمّام الدم وتصمد تفاهمات مشايخ العقل والفعاليات مع المحافظين ووزارة الداخلية، وإطلاق مسار ضم الفصائل المسلّحة إلى الدولة وتقديم ضمانات أمنية مطمئنة، وإمّا سيكون الملعب السوري مساحة للفوضى من جديد.

———————————

هل يستطيع الإنجيليون واليهود السوريون تغيير موقف ترامب من أحمد الشرع؟/ إبراهيم درويش

2 – مايو – 2025

لندن- “القدس العربي”: نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريراً حول موقف الإدارة الأمريكية من الحكومة السورية بزعامة أحمد الشرع، قائلة إن سياستها تجاه سوريا لم تتشكّل بعد، أو أنها في طور التشكل.

وأشارت إلى زيارة عضوين في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري للعاصمة دمشق، قائلة إن مشهد السناتورين وهما يتمشيان في المدينة القديمة، كان يشير إلى زائرين غير متوقعين لسوريا. فقد ارتدى كوري ميلز، نظارة من ماركة راي بانز، وسترة أنيقة، وهو من قدامى المحاربين في العراق، وحائز على أوسمة، ومن كبار المتحمّسين لماغا، أو “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” من فلوريدا.

أما العضو الثاني فقد كان مارلين ستوتزمان من ولاية إنديانا، الذي أشاد بالرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب الشهر الماضي. ولم يتوقع أحد أن يبرز هؤلاء كمدافعين عن الحوار مع دولة يديرها رجلٌ كان في السابق عضواً بارزاً في تنظيم “القاعدة”.

لكن عضوي مجلس الشيوخ تركا سوريا مقتنعين بأن على الولايات المتحدة التعامل مع أحمد الشرع، وكانا “متفائلين بحذر” في ما يتعلق بقدرة أمريكا للتعامل معه، بحسب ما قال ميلز. وقال أيضاً إن الزعيم السوري الجديد ألمح له أنه في ظل الظروف المناسبة قد تنضم سوريا يوماً ما إلى اتفاقيات أبراهام، التي أسست علاقات تطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية في عام 2020.

ويقول المشاركون وراء الكواليس إن الزيارة كانت ناجحة بشكل كبير. ومقارنة مع حماس عضوي مجلس الشيوخ، كانت الحكومة الأمريكية بطيئة بالرد على التغييرات في سوريا. فقد بدأ الأوروبيون برفع العقوبات عن سوريا، وإعادة فتح السفارات بالعاصمة دمشق. ولم تقدم أمريكا سوى تخفيف محدود في العقوبات، مع أن استمرار الحصار يشلّ الحياة في دمشق، ويجبر رجالاً يرتدون البدلات للبحث في صناديق النفايات، ويترك دمشق في العتمة، باستثناء ساعات قليلة من التيار الكهربائي في اليوم.

كما أن الأمريكيين يثيرون مخاوف المانحين المحتملين، بمن فيهم أبناء سوريا في الخارج ودول الخليج لتحويل الأموال من أجل البدء في إعادة إعمار البلاد وإرسال المساعدات الإنسانية، ويضاف إلى هذا أن الولايات المتحدة لم تفتح سفارتها بعد في دمشق ولم ترسل دبلوماسيين إلى هناك.

 وترى المجلة أن الصقور في داخل البيت الأبيض والحزب الجمهوري، بمن فيهم سبستيان غوركا، مستشار ترامب لشؤون مكافحة الإرهاب، وتولسي غابارد، مديرة الأمن الوطني، ليسوا مقتنعين بتحوّلات الشرع، ولهذا فهم يصرون على التعامل مع سوريا، كموضوع مكافحة إرهاب.

وقال رجل أعمال مسيحي سوري- أمريكي: “لا يرون إلا الشرع الذي كان في العراق”.

لكن آخرين أبدوا رغبة في التعامل مع النظام الجديد، وبخاصة الإنجيليين المسيحيين واليهود السوريين في أمريكا، حيث يرون سوريا ساحة معركة لحقوق الأقليات في الشرق الأوسط.

وقبل فترة قريبة، التقى جوني مور، القس الإنجيلي المقرب من ترامب، والحاخام أبراهام كوبر، من مركز سايمون وينزنتال لحقوق الإنسان اليهودية، مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في نيويورك. وقال مور: “كان الأمر مقنعاً أكثر مما توقعت”. مضيفاً إنه “يجب على سوريا أن تنمو بسرعة، لأن الأمن الاقتصادي مرتبط بالأمن القومي وبالتالي بالسلام الإقليمي”.

ويخطط مور لقيادة وفد من الإنجيليين والحاخامات إلى دمشق قريباً.

ويعتقد الإنجيليون أن الزعماء الدينيين قد ينجحون حيث فشل آخرون في إقناع الرئيس ترامب بتخفيف العقوبات والتحدث إلى الحكومة الجديدة. ولكن إسرائيل، التي تحظى بدعم موثوق من جانب الإنجيليين في أمريكا، قد لا تقتنع بهذا. وحثت على اتخاذ موقف صارم تجاه الشرع.

ويقول ديفيد ليستش، مؤرخ الشرق الأوسط في جامعة ترينيتي في تكساس، والذي حث الحكومة السورية الجديدة على العمل مع الزعماء الدينيين في أمريكا: “في ما يتعلق بسوريا، يتمتع [الإنجيليون] بنفوذ كبير”.

    الزعيم السوري الجديد ألمح إلى أنه في ظل الظروف المناسبة قد تنضم سوريا يوماً ما إلى اتفاقيات أبراهام

وفي نيسان/أبريل الماضي، رشح ترامب مارك ووكر، عضو الكونغرس الجمهوري والقس الإنجيلي أيضاً، سفيراً للحرية الدينية، وهو ما قد يؤثر على السياسة الأمريكية. ففي مؤتمر المانحين، الذي عقد بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل في آذار/مارس، قدمت أمريكا ثمانية مطالب لحكومة الشرع، بما في ذلك المساعدة في العثور على الأمريكيين المفقودين في سوريا (وخاصة أوستن تايس، الصحافي المسجون)، ومنع المقاتلين الأجانب من الانضمام إلى الحكومة الجديدة، وتصنيف “الحرس الثوري الإيراني” منظمة إرهابية.

ومع أن المدافعين الأمريكيين عن النظام الجديد أصيبوا بخيبة الأمل في كانون الأول/ديسمبر، عندما تم تعيين عدد من المقاتلين الأجانب في وزارة الدفاع، إلا أنهم يعترفون في السر بأن دمشق حققت تقدماً في قضايا أخرى.

وربما قادت زيارة كل من ميلز وستوتزمان إلى دمشق إلى مزيد من الوفود الأمريكية غير الرسمية.

ولو استطاع الشرع إقناع أتباع ماغا الجمهوريين والإنجيليين بحسن نواياه، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالمسيحيين، فربما أصبح بجانب أمريكا، لكن سياسة ترامب لا تزال في طور التشكّل.

——————————

مئات الجنود الدروز يدعون الجيش الإسرائيلي لدخول سوريا

الجمعة 2025/05/02

دعا مئات الجنود الدروز في الجيش الإسرائيلي، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس إلى التدخل في سوريا، وذلك بعد دعوة وزير الخارجية جدعون ساعر لتدخل دولي بزعم “حماية الأقليات”.

حماية الدروز

وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن مئات الجنود الدروز دعوا نتنياهو كاتس لدخول سوريا، بزعم حماية عائلاتهم هناك.

تأتي الدعوة على خلفية المواجهات العنيفة في جرمانا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، بين مجموعات مسلحة من الدروز والجيش السوري، أسفرت عن مقتل العشرات من الجانبين.

وفي وقت سابق الخميس، دعا ساعر إلى تدخل دولي في سوريا بذريعة “حماية الأقليات”، حيث زعم بأن “الأقليات في سوريا وعلى رأسها الطائفة الدرزية تتعرض لاضطهاد من قبل النظام (الإدارة الجديدة) وميليشياته”، وفق تعبيره.

وأضاف ساعر في تغريدة على منصة “إكس”: “أدعو المجتمع الدولي إلى عدم غضّ الطرف عن الأحداث الصعبة التي تشهدها سوريا في الأشهر الأخيرة، والقيام بدوره في حماية الدروز من بطش النظام وعصاباته”.

تهديدات جديدة

وسبق دعوة ساعر، تهديدات جديدة أطلقها كاتس ضد الإدارة السورية الجديدة والرئيس السوري أحمد الشرع، لإيقاف الـ”هجمات ضد الدروز”.

وقال كاتس في بيان: “أحذر مرة أخرى رئيس النظام السوري، الجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع)؛ إذا لم تتوقف الهجمات على الدروز في سوريا، فسنردّ بقوّة شديدة”.

وأضاف أنه “في أعقاب الهجمات التي وقعت أمس على الدروز في سوريا، أصدر رئيس الحكومة وأنا، تعليماتنا للقوات الإسرائيلية، بتنفيذ عدة ضربات تحذيريّة، ضد العناصر المتطرّفة، كما تم نقل رسالة واضحة إلى النظام السوري، بأنه مسؤول عن منع الهجمات”.

والأربعاء، أعلن نتنياهو وكاتس في بيان مشترك، عن مهاجمة موقع في ريف دمشق بزعم حماية الدروز، وذلك بالتزامن مع المواجهات التي كانت مندلعة حينها، بين المسلحين الدروز والجيش السوري.

——————–

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى