تشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 06 أيار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

تشكيل الحكومة السورية الجديدة

—————————

حكومة تكنوقراط في مواجهة كل شيء/جمعة حجازي

06 مايو 2025

مع تأدية حكومة الرئيس أحمد الشرع القسم الدستوري، دخلت سورية مرحلة انتقالية حساسة، ليس على المستوى السياسي وحسب، بل على الصعيد الاقتصادي أيضاً، إذ يواجه الوزراء الجدد تحدّيات جسيمة تتطلب حلولاً سريعة ومبتكرة. هذه الحكومة، التي يغلب عليها الطابع التكنوقراطي، تعِد بإصلاحات شاملة تهدف إلى انتشال البلاد من أزماتها، لكنّ المهمة تبدو محفوفة بالعقبات.

لعلّ التغيير الأبرز في هذه الحكومة تركيبتها غير التقليدية، فقد جرى اختيار الوزراء للوزارات التقنية والاقتصادية من ذوي الخبرات العلمية والعملية في مجالاتهم، بعيداً عن التوازنات السياسية المعتادة.

وجود شخصيات بارزة في عالم الاقتصاد، مثل نضال الشعار في وزارة الاقتصاد، ومحمد يسر برنية في المالية، قد يعكس رغبة حقيقية في إصلاح الاقتصاد بعيداً عن الحسابات الأيديولوجية. لكنّ السؤال هنا: هل يكفي وجود التكنوقراط لتحقيق التحول الاقتصادي المطلوب في ظل بيئة مليئة بالتحديات؟ وما هي أبرز التحديات التي تنتظر هذه الحكومة؟

منذ مطلع عام 2012، شهدت الليرة السورية انهياراً متواصلاً أمام العملات الأجنبية، ما أدّى إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين. اليوم، يقف الفريق الاقتصادي للحكومة الجديدة أمام معضلة شائكة: كيف يمكن وقف هذا التدهور في ظل غياب احتياطي نقدي قوي، وعقوبات اقتصادية خانقة؟

يدرك الوزراء التكنوقراط أن الحلول التقليدية لم تعد مجدية، لذا بدأت الحكومة ببحث آليات جديدة لتحقيق الاستقرار النقدي، منها تعزيز الإنتاج المحلي لتقليل الحاجة إلى الاستيراد، ومحاولة استعادة ثقة المستثمرين عبر إصلاحات ضريبية وإدارية، إضافة إلى إجراءات رقابية أكثر صرامة على سوق الصرف، لكن التحدّي الأكبر يبقى مدى قدرتها على تنفيذ هذه السياسات في ظل محدودية الموارد والضغوط السياسية.

تعهدت الحكومة الجديدة بإطلاق مشاريع إعادة الإعمار في أسرع وقت ممكن، مستندة إلى خطط مدروسة تشمل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى البحث عن استثمارات خارجية، غير أن الواقع أكثر تعقيداً مما تبدو عليه الخطط على الورق، فالعقوبات المفروضة على سورية تعرقل إمكانية الحصول على تمويل دولي، فيما لا تزال رؤوس الأموال المحلية متردّدة في المغامرة في بيئة اقتصادية غير مستقرّة. لذلك، تسعى الحكومة إلى جذب السوريين المغتربين للاستثمار في بلدهم، مستغلة وجود شخصيات تكنوقراطية بارزة عادت من المهجر، مثل وزير الصحة مصعب نزال العلي القادم من ألمانيا، ومازن الصالحاني وزير السياحة، خريج كندا وصاحب خبرة في قطر. ووزيري المالية والاقتصاد. لكنّ نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على مدى قدرة الحكومة على توفير بيئة استثمارية آمنة وقوانين واضحة تحمي المستثمرين.

من بين الملفات الأكثر تعقيداً على طاولة الحكومة نجد ملفي الزراعة والصناعة، وهما قطاعان يعانيان من تدهور حاد بسبب الحرب وضعف البنية التحتية وارتفاع تكاليف الإنتاج. وزير الزراعة الجديد، أمجد بدر، يواجه تحدياً مزدوجاً: تأمين الأمن الغذائي للبلاد، وفي الوقت نفسه، دعم الفلاحين الذين تضرروا من الأزمة الاقتصادية.

أما في القطاع الصناعي، فإن دمج وزارات الصناعة والتجارة والاقتصاد في وزارة واحدة يعكس توجهاً نحو سياسات أكثر تكاملية، حيث تسعى الحكومة إلى حماية المنتج المحلي، وخفض تكاليف الإنتاج، وتوفير بيئة أفضل للاستثمار الصناعي. لكنّ العائق الأكبر هنا هو أزمة الطاقة، حيث تواجه البلاد نقصاً حاداً في الكهرباء والمحروقات، ما يعيق دوران عجلة الإنتاج.

من بين الأولويات التي حدّدها الرئيس أحمد الشرع، مسألة خلق فرص العمل واستقطاب الكفاءات السورية المهاجرة. لكن كيف ستتمكن الحكومة من إقناع هؤلاء بالعودة في ظل عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي؟ توفير بيئة عمل جاذبة ورواتب مغرية قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن دون حلول جذرية للأوضاع الاقتصادية، سيظل استقطاب الكفاءات تحدياً صعب التحقيق.

رغم أن الحكومة تضم شخصيات غير محسوبة على الأحزاب التقليدية، إلا أنها لا تزال تواجه إرث العقوبات الاقتصادية، الذي يعوق القدرة على استيراد المواد الأساسية وجذب الاستثمارات الأجنبية. ورغم أن هناك بوادر انفتاح من بعض الدول الإقليمية، مثل الترحيب العربي والأوروبي والأميركي المبدئي، إلا أن فك العزلة الاقتصادية عن سورية لن يكون سهلاً. ويحتاج إجراءات قانونية معقدة، وحتى ذلك الحين أعتقد أننا بحاجة للبحث عن محرّكات ذاتية للنمو الاقتصادي كالزراعة والصناعة والسياحة.

الحكومة الجديدة، رغم طابعها التكنوقراطي، لن تستطيع تجنب المعادلات السياسية الإقليمية والدولية، ما يعني أن أي تحسن اقتصادي سيكون مرتبطاً بمدى نجاحها في إدارة علاقاتها الخارجية، خصوصاً مع الدول التي تملك تأثيراً مباشراً على الاقتصاد السوري، مثل تركيا والسعودية والدول الخليجية من حيث التبادل التجاري والطاقة والغاز والنقل والسياحة، إضافة إلى موضوع الربط السككي.

تحمل حكومة الشرع في تركيبتها مزيجاً من الخبرات التقنية والطموح للإصلاح، لكن النجاح لن يكون سهلاً، فالمشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد معقّدة ومتداخلة، ولا يمكن حلّها بمجرد وجود كفاءات.

يبقى التحدي الأكبر مدى قدرة هذه الحكومة على تنفيذ رؤيتها في بيئة مليئة بالعقبات الداخلية والخارجية. فإذا نجح التكنوقراط في تطبيق سياسات فعالة على أرض الواقع، قد يكون ذلك بداية لعهد اقتصادي جديد في سورية. أما إذا اصطدمت الخطط الطموحة بالواقع الصعب فقد تكون هذه الحكومة مجرّد تجربة أخرى لتمرير الوقت.

العربي الجديد

——————————–

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى