أبحاثالأحداث التي جرت في الساحل السوريالتدخل الاسرائيلي السافر في سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوععن أشتباكات صحنايا وجرمانا

انكشف القناع/ حسان القالش

06 مايو 2025

هذه هي المرة الثانية التي نقع في الفخّ ذاته، الأولى عندما أجبَرنا أنفسنا على تصديق بشّار الأسد رغبة منّا بأن يكون الانتقال السياسي بعد موت أبيه سلساً ومن دون دماء، والثانية عندما صدقنا “هيئة تحرير الشام” وأحسنّا النيّة تجاهها، رغبة منّا أيضاً بانتقال سلمي من دون دماء. لقد خُدعنا بكل معنى الكلمة، أو استمرأنا أنْ نُخدع. اعتقدنا أنّ خلف هذا التحرير دولٌ داعمة له قادرة على كبح أي شذوذ من المحرّرين، وأنّ اتفاقاً دولياً قد حصل على قرار الاستقرار في سورية. وهذا وهمٌ كبير وقعنا فيه، فلا نفوذ واضحاً لدول صديقة أو شقيقة، والمجتمع الدولي متخبّط في التعامل مع سورية. وفي الوقت ذاته، اندفع بعض منّا في ما اعتقده واجباً وطنياً يقضي بإزالة مخاوف الناس من المحرّرين، ومحاربة الصورة النمطية عن الإسلاميين، وكانت خلاصة هذه الجهود هي التفريق بين قائد المحرّرين والدهماء من أتباعه، وأنّه ما إن تستقرّ له الأمور سيزيح العناصر المتطرّفة، وتسير عجلة بناء الدولة.

لم يحصل هذا للأسف، بل حصل العكس. فبينما كان السوريون يتفرّجون على مسرحيات فقيرة المخيلة، قليلة الجديّة، متذاكية، عناوينها الحوار الوطني والإعلان الدستوري ومؤتمر النصر وغيرها، كانت أخبار تجاوزات “العناصر غير المنضبطة” تملأ البلاد على امتدادها، وكان المجال العام يصل إلى أعلى درجات الاحتقان الطائفي عبر التحريض والإشاعات، من دون أن تتدخل الهيئة وتقطع الطريق بخطاب وطني مباشر وصريح وجامع خالٍ من الخطابة والمواراة. هكذا إلى أن وصلنا إلى المجازر ضدّ العلويين في 7 مارس، وأحداث جرمانا وصحنايا ابتداءً من ليلة 28 إبريل.

ما الذي يقوله استهداف العلويين والدروز؟ إنّه يقول ما هو معروف وواضح: أن لا وجود لإجماع شعبيّ على هويّة وطنية سورية صحيّة تنضوي فيها كلّ الجماعات السورية من دون تفريق، وأنّ آفة الطائفية موجودة فينا، نحن السوريين، ومستحكمة في تصوراتنا عن البلاد وشكل الحكم فيها، وأنّ هذه الأمور شارك في إنكارها كثيرون من السوريين، سواءً عن سذاجة سياسية وقلّة معرفة، أو عن قصد يُخفي رغبة انتقاميّة أو توقاً لمجتمع مهيمن، نقيّ ومُتغلّب، هو مجتمع سُنّي أكثريّ حاكم، لا يحتاج كثيراً من الشرح لإثبات استحالته وكونه مجتمعاً متخيّلاً. ما يقوله استهداف العلويين والدروز من ناحية أخرى أن مكان غالبية الفاعلين على الأرض من رجال الحكومة المؤقتة أو الهيئة ليس في مواقع المسؤولية، فلا القادة منهم من أصحاب الكفاءات ولا يملكون معرفة سياسية وتاريخية بالبلاد، ورجالهم، سواء المقاتلين منهم أو الشارع المؤيّد، هُم ببساطة واختصار تكفيريون. نعم، أعجبنا الوصف أم لم يعجبنا هُم كذلك.

تخاذَلَ سوريون كثيرون أمام هذا المشهد، قلّلوا من شأنه، أنكروه، قمعوا من حذّر منه واعتبروه عدواً، وأخرجوه من ملّة الوطنيّة بحجّة أنه يعطّل قيام الدولة الجديدة، ولم يدركوا أنّ الهيئة تلعب لعبة تلبيس الطرابيش، تسعى إلى اعتراف دولي من دون أن تقدّم شيئاً في المقابل، لا للمجتمع الدولي ولا للشعب. واليوم وقع المحظور، إسرائيل تسرح في سماء الوطن وتُهين سيادته، وتقضم أرضه بوتيرة متسارعة، فلم تكن لتحلُم بواقع كهذا يلغي سورية، وهذا واقع لم يكن صنيعة أحداث خارجة عن إرادة السوريين كلياً، فلو تعقّلت الهيئة وتواضعت لاختلف الأمر، أقلّه على المستوى المعنوي للناس، لكنّها للأسف، تُكمل ما بدأه بشّار الأسد: تفريق السوريين عن بعضهم وانهيار كيانهم السياسي الجامع.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى