الموقف الأميركي اتجاه سوريا، مسالة رفع العقوبات، الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة السورية تحديث 06 أيار 2025

ا
لمتابعة هذا الملف التبع الرابط التالي
العقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائها
—————————
هل من مفاجأة سورية في زيارة ترامب السعودية؟/ رغيد عقلة
06 مايو 2025
مع تأكيد البيت الأبيض زيارةَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنطقة (بين 13و16 مايو/ أيار)، وتشمل السعودية والإمارات وقطر، تزداد تكهّنات عديدين من المهتمّين بالشأن السوري لتصل إلى درجة الاعتقاد بأن سورية في قائمة أولويات الرئيس الأميركي، إلى حدٍّ يجعلها محور مباحثاته مع قادة هذه الدول، وتحديداً مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وربّما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حال تأكّدت القمّة بينهما في الرياض، حتى إنّ بعض هذه التوقّعات بلغت شطط الإصرار على أن لقاءً سيجمع الرئيس ترامب برئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال هذه الزيارة، الأمر الذي قد يكون من الصعب تخيّل حدوثه، وإنْ عوّدنا ترامب على توقّع اللامتوقّع.
من يتحدّثون عن مثل هذا الاهتمام السعودي، حدث اللقاء أو لم يحدث، يستندون إلى رغبة سعودية واضحة في مساعدة سورية والسوريين على العبور ببلدهم إلى حالة استقرار، هي في صلب مصالح السعودية في المنطقة، وتحاول دوماً ألّا تتأثر كثيراً بشكل النظام القائم في دمشق، وأن السعودية لن تتأخّر في استثمار علاقاتها المميّزة بواشنطن، وبإدارة الرئيس ترامب لتحقيق ذلك. على أنّ هناك اعتقاداً مهمّاً لفريق آخر يرى أن احتواء النظام الرسمي العربي (والسعودية في مقدّمته) للإدارة الجديدة في دمشق، وإن كان من ضمن مجموعة مصالحه وهواجسه في سورية وحولها، إلّا أنه جاء أساساً بطلب غربي، تقف وراءه حزمةُ مصالحَ وهواجس لدول كبرى، وربّما في إطار مخطّطاتها الأوسع للمنطقة كلّها. يستطيع هذا الفريق بسهولة أن يستند في اعتقاده إلى مؤشّرات عديدة لافتة، لعلّ أهمّها جاء في حديث جون سويرز لقناة سكاي نيوز، الذي لا يستمدّ أهميته من حقيقة أن سويرز عمل مديراً للاستخبارات الخارجية البريطانية بين عامي 2009 و2014 فحسب، بل يضاف إلى ذلك أنه جاء في توقيت مبكّر جدّاً يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول، أي مع دخول الجولاني/ الشرع إلى دمشق، ولأنّ المتحدّث ليس مستجدّاً في الشأن السوري، فقد بدأ مسيرته الاستخباراتية من دمشق في ثمانينيّات القرن الماضي، حينما عمل في السفارة البريطانية مسؤولاً في الاستخبارات تحت غطاء “ملحق سياسي”.
سأل معلّق سكاي نيوز الشهير تريفور فيليبس، ضيفَه: “غالباً ما نكون في البداية متفائلين حول مثل هذه الأمور، ثمّ نكتشف أحياناً أنّنا استبدلنا السيّئ بالأسوأ، ماهي توقّعاتك من خلال ما نعرفه عن هيئة تحرير الشام، هل تعتقد فعلاً بإمكانية تحوّلهم من رديف للقاعدة إلى ما يصفه بعضهم بـ”حركة تحرّر حقيقي”؟، ليجيبه سويرز: “من المحقّ تبنّي الحذر هنا، ولكنّني عندما كنتُ مديراً للاستخبارات البريطانية… أجرينا تقييماً شاملاً لكلّ فصائل المعارضة السورية، لنميّز الذين نستطيع دعمهم من الآخرين غير المقبولين، لقربهم من تنظيم القاعدة، وهيئة تحرير الشام كانت قطعاً في التصنيف الثاني، لكنّني أعتقد (والكلام لا يزال لسويرز) أن قائدهم أبو محمد الجولاني قد بذل في العشر سنوات الماضية جهوداً عظيمةً للبقاء على مسافة من التنظيمات الإرهابية، وبكلّ تأكيد فإن المراس الذي رأيناه من هيئة تحرير الشام، في الأسبوعَين الماضيَّين (السابقَين على سقوط النظام) كان مراس حركة تحرّر، وليس مراس منظّمات إرهابية. ومن هنا، أظنّ أن وزير الداخلية سوف يطلب من جهاز الاستخبارات الداخلي، والمركز المشترك لتقييم الإرهاب، مراجعة تقييمهم لهيئة تحرير الشام، والبتّ إن كان يجب أن تحتفظ بذاك التصنيف المبدئي، لأنه سيكون سخيفاً ألّا نستطيع الانخراط مع القيادة السورية الجديدة استناداً لتقييم مضى عليه 12 عاماً”، هنا يسأله فيليبس صراحةً ومباشرةً: “لو كنت لا تزال في رأس عملك مديراً للاستخبارات الخارجية، هل كنت ستوجّه بالانخراط مع القيادة السورية الجديدة؟”، ليجيب سويرز بلهجة حاسمة: “بكلّ تأكيد، هناك واقع جديد في سورية اليوم، لكن المهمّة الصعبة فعلاً الآن محاولة لمّ شمل بلد لم يعرف الديمقراطية، ما نراه تحالف مجموعات مسلّحة، وليس جماعات سياسية”.
المثير جداً للانتباه في كلام سويرز كان في معرض حديثه عن الموقف الإسرائيلي ممّا يجري في سورية، الذي توقّع أن يشوبه التوتّر بعد أن استمتعت إسرائيل بحدود شمالية هادئة مع سورية 50 عاماً، عزاها إلى تفاهم ضمني، روسي إسرائيلي، منع الأسد بموجبه أي عمل عدائي ضدّ إسرائيل من الجولان مقابل عدم اتخاذها أيّ إجراءات قد تُضعف نظامه، الأمر الذي وصفه سويرز بالصفقة الروسية الإسرائيلية “القذرة غير المكتوبة”، لكنّه يستدرك أن إسرائيل اليوم تتابع ما يجري في سورية بكثير من التشكّك والوجل، وربّما تتحضر لأسوأ سيناريو تخشاه في أن ينفرط عقد سورية إلى كيانات أصغر، بجماعات مسلّحة قد تعيد تصويب سلاحها يوماً ضدّها، وإنْ كان الأمر لا يبدو مرجّحاً اليوم، لكنّه بكلّ تأكيد ليس مستحيل الحدوث، وستستمرّ إسرائيل في متابعته بدقّة، ليختم: “أعتقد أن على الإسرائيليين الوصول إلى تفاهمات مع الأتراك، لأنهم سيكونون وسطاء السلطة في سورية”.
قراءة متأنية لكلام سويرز، تأخذ في الاعتبار تطوّرات المشهد السوري منذ سقوط الأسد، ستخلُص إلى مجموعة نتائج مهمّة، منها أن انفتاحاً استخباراتياً غربياً عموماً، وبريطانياً خصوصاً، وفي أعلى مستوى على السلطة القائمة اليوم في دمشق قد حصل فعلاً، لكنّه لن يكون مجّانياً ومن دون مقابل، ويفترض وجود قائمة طلبات مهمّة وأساسية، ستكون قدرة الشرع على الوفاء بها الضامن الوحيد للاستفادة منه، ولعلّ أهمها بالمطلق وردَ صراحةً في كلام سويرز عن الهاجس الذي تشكّله المجموعات المسلحة لإسرائيل خصوصاً، والغرب عموماً، بغضّ النظر عن ولاءات هذه المجموعات وتحالفاتها اليوم، لأن التجارب أثبتت أنها تتغيّر بسرعات واتجاهات لافتة ومخيفة. الأمر الآخر المهم تقييم سويرز الدور الروسي في سورية، الذي تطوّر دراماتيكياً منذ 2011، ففي ظلّ اختلاف الأجندات الإقليمية والدولية في سورية، وحولها، وعدم وجود حتى طرفَين متّفقَين على كلّ شيء فيها، أو مختلفَين على كلّ شيء، أثبتت التفاهمات الروسية الإسرائيلية أنها كانت الأهم والأقوى والأكثر فاعليةً في المشهد السوري، وفي ظلّ حالة عدم ثقة ونفور شديد بين إسرائيل نتنياهو وتركيا، هل من الممكن أن تعود روسيا إلى المشهد السوري بإلزام غربي هذه المرّة؟
من يعتقد أن روسيا فقدت بطاقاتها كلّها في سورية، ربّما عليه أن يعيد حساباته، فهي لا تزال تحتفظ بقاعدتَين عسكريّتَين مهمّتَين، تضطلع إحداهما بدور أساسيّ في عملية التحصيل الاستخباراتي للمنطقة كلّها، وقد تَأوي إحداهما، كما في روسيا وربّما في مناطق أخرى، عدداً مهمّاً من الضبّاط القادة السوريين من الطائفة العلوية، ولا تزال لهم امتداداتهم في المشهد السوري. الأمر الآخر المهم أن روسيا مقبولة عند مكوّنات سورية عدّة، والأهم من ذلك كلّه أنها أثبتت دوماً لإسرائيل أنها شريك يمكن الوثوق به. وفي المقابل، لن تسمح إسرائيل على الإطلاق بتقدّم أيّ مسار استخباري سوري غربي طويل الأمد، وهذا محسوم وغير قابل للنقاش في الذهنيّتَين الاستخباراتية والسياسية الإسرائيليّتَين، يضاف إلى ذلك حقيقة أن نتنياهو لو أُعطي الخيار فيمن يفضّل التفاهم معه في سورية، فهو من دون شكّ سيختار بوتين على أردوغان، الأمر الذي قد يفعله النظام الرسمي العربي أيضاً.
من هذه الزاوية تماماً، تجدر مراقبة زيارة الرئيس ترامب المنطقة، خصوصاً في حال تخلّلتها قمّة مع الرئيس بوتين في السعودية، فعلاقة ترامب الشخصية ببوتين ليست متأخّرةً عن علاقته بالرئيس أردوغان. رغم ذلك، لا يزال موقف بوتين من الوساطة الأميركية مع كييف متشدّداً، رغم محافظتها على المكاسب الروسية في أوكرانيا، فإذا أخذنا في الحسابات مدى أهمّية هذه الوساطة للرئيس ترامب لتداخلها مع اتفاقية التنقيب الأميركي عن المعادن الثمينة في أوكرانيا، ورغبة إسرائيلية أكيدة بوجود طرف ضامن لهواجسها الأمنية في سورية (غير تركيا)، وقدرة الرئيس ترامب على إحياء تفاهمات روسية تركية إسرائيلية في سورية، فهل نرى موقفاً أميركياً جديداً في المشهد السوري هو أقرب لإعادة دورٍ روسيٍّ ما هناك؟ وهل قرأ الشرع ذلك مبكّراً فذكّرنا بأخيه المتخرّج من روسيا، ويتقن لغتها.. ومصاهرتها؟
العربي الجديد
—————————-
——————————–
=========================