نقد ومقالات

ليزيت لومبي وشعر الصلام: حين يُصبح الالتزام صوتا من الهامش

4 – مايو – 2025

مصطلح «الشعر الاجتماعي» الذي تستخدمه البلجيكية ليزيت لومبي، قد يكون محل اعتراض من طرفين، نقاد الشعر الجادين وعلماء الاجتماع كليهما، لأنه مُلتبس فلا هو في مقام الأدب الخالص، ولا في مقام التحليل الاجتماعي الصافي. أنها تتحدث بالأحرى عن فن «الصلام Slam». ينتمي الصلام إلى نوع الشعر الملتزم، المُصوت الذي يُجدد شيفراته. مفردات الصلام موصولة بالقاموس المألوف (من العامية والمحكي والاشتقاقات السائرة)، واختيار كلماته يخدم الإيقاع بدرجة أساسية، بحيث أن تكرار الكلمات والأصوات متواتر فيه (المترادفات، القوافي، المُتشابه الصوتي). الصلام هو مكان بين النطق dicté والغناء. أما استخدام الآلات الموسيقية المحتمَل فهو في خدمة النص فلا يلغيه أو يغطيه أو يُضْعفه. الآلات الموسيقية قليلة العدد وتصاحب الصوت. توفر هذه الممارسة منصة للتعبير يستطيع من خلالها المشاركون على المسرح التعبير عن شعرهم بالشكل الذي يرغبون فيه. الشفاهي أساسي في الصلام. في اللغة الإنكليزية، يعني مصطلح (شعر الصلام Slam Poetry) بالأصل بطولة أو مسابقة شعرية، بمعنى بطولة تماثِل بطولة الركبي أو مسابقة التنس الكبرى. في فرنسا، هناك ارتباك حول مصطلح «صلام»، الذي يستخدم أحيانا للإشارة إلى مسرح فقير مفتوح لقراءة القصائد أو الشعر الحضري المُغنى، أو المنقول مع الموسيقى، أي يعني «الكلمة المنطوقة». تطلق شركات التسجيلات على أغانٍ لفنانين فرديين، أصبحوا معروفين مثل فابيان مارسود تسمية صلام. ومع ذلك، فإن تلاوة نص مع الموسيقى أو الغناء في سياق المشهد المسرحي، الذي تنطبق عليه القواعد، لا يعد «صلاما» بالمعنى الدقيق للتعريف.

قد يكون «الشعر الاجتماعي» محاولة من ليزيت لومبي للتعبير عن مفردة «صلام»، أو «شعر الصلام» الذي هو فن كلامي ظهر سنة 1986 في الولايات المتحدة، ويعتبر الشاعر الأمريكي مارك سميث أول من مارسه. هذا الفن اللغوي يطرح مواضيع «واقعية» متباينة، يتم تناولها بحرية ودون قيود، ويعتمد على المهارة الخطابية وقوة الكلام، وأحيانا يكون الكلام كوميديا. على العموم فممارس هذا الفن يقرأ نصه بطريقة خطابية مؤثرة ويتناول أي موضوع من أجل مواجهة مصاعب الحياة الاجتماعية. أطلقه الشاعر الأمريكي مارك سميث سنة 1986، وهو كاتب من الطبقة العاملة في شيكاغو، يحب الرسوم المتحركة والمسرح وكل ما له علاقة بالإبداع الفني، أراد تغيير نمط الفن السائد في الولايات المتحدة آنذاك، وكان يَعتبر أن تكرار الفنون المعروفة يجعل الأمر مملا. فدعا لتنظيم جلسة من أجل القراءة في شيكاغو، تحت اسم «شعر الصلام في مركز المدينة» «Uptown Poetry Slam»، في هذا الحفل كانت خشبة المسرح مفتوحة لجميع من أراد قراءة قصيدة أو شعر، شرط أن يكون الخطاب واقعيا وخاليا من العواطف وأن يعبر عن هموم ومشاكل السكان، خصوصا الطبقة العاملة. مصطلح الصلام من اختيار مارك سميث نفسه.

ظهر المصطلح لأول مرة في أوروبا سنة 1993، في السويد وفنلندا وإنكلترا. وفي فرنسا ظهر سنة 1995، في لقاء عام للشعراء، ولم تكن حينها قواعد الصلام معروفة. في سنة 1998 طرح الأمريكي مارك لوفين فيلما تحت اسم «الصلام»، فحاز إعجاب الجمهور في أوروبا وفرنسا. كان أول ألبوم غنائي فرنسي للصلام هو Grand Corps Malade = الجسم الكبير المريض الذي طرحه الشاعر الغنائي فابيان مارسود Fabien Marsud الذي ولد سنة 1977. وكانت أول خشبة مسرحية في بلجيكا يُمارَس عليها فن الصلام هي في بروكسل سنة 2001. وفي ألمانيا ظهر سنة 1993. وفي العالم العربي، ظهر الصلام في تونس بعرض «سلام عليكم» لحاتم القروي في 1 مارس/آذار عام 2008 في قاعة التياترو في تونس العاصمة، وفي المغرب ظهر سنة 2012 عن طريق مغني الراب وعضو مجموعة «صوت الشعب» المغربية مصطفى صلامور.

ليزيت لومبي شاعرة وكاتبة وفنانة بلجيكية متعددة التخصصات. تدير ورش عمل في الكتابة والشعر والنقد. ولدت عام 1978 في مدينة نامور البلجيكية لأم بلجيكية وأب كونغولي، وهي باحثة في اللغات الرومانسية romaniste، تخرجت في جامعة لييج. عملت مدرسة لمدة عشر سنوات تقريبا، قبل أن تتفرغ لمشاريعها الفنية. وهي عضو مؤسس في مجموعة صلام L-SLAM(وهذه ترجمة عربية بالصاد تتحاشى القول سلام= الملتبس بالسين، محدد الدلالة)، وهي مجموعة متعددة الثقافات والأجيال من الشاعرات اللواتي ينظمن ورش عمل ومنصات صلام slam، على أساس مبدأ الكفالة marrainage فنانون من ذوي الخبرة يرافقون نساء أخريات في كتابة النصوص، ويدعمون ظهورهن الأول على المسرح. في عام 2019، نشرت ليزيت مع أختها جولي لومبي مجموعة من النصوص، مستقاة من ورش عمل الصلام الجماعية، بعنوان «لا نعتذر عن أي شيء»On ne s’excuse de rien.

تقود لومبي غالبا ورش عمل «الصلام»، الخاصة بالنساء، في بلجيكا وفي (العراق والسنغال وكندا وموريتانيا) أيضا في المدارس والجمعيات التي تعمل في مجال المساعدة الاجتماعية. وهي ناشطة في مجال النسويات الافريقيات «أفروفيمينست». تهدف ورش العمل التي تنشطها إلى إيصال أصوات النساء في التعبير عن مشاعرهن وصراعاتهن بالكلمات. تبني ليزيت لومبي نهجها والتزامها السياسي والفني عبر التبادلات الثقافية والتعاون مع فنانين آخرين، في مؤتمرات مثل المؤتمر الذي أقيم عام 2017 في بروكسل، والذي جمع فنانين شتى تربطهم بها علاقة قوية، مثل أماندين جاي Amandine Gay (مخرجة وممثلة ومؤلفة أفروفيمينست فرنسية ولدت عام 1984)، وكيس كيا Kis’ Keya (ممثلة ومخرجة ومديرة فرقة مسرحية ومخرجة أفلام وكاتبة سيناريو بلجيكية، ولدت عام 1972)، وجويل سامبي Joëlle Sambi (روائية وشاعرة ونسوية مِثلية أصلها من الكونغو، ولدت في بروكسل عام 1979. نشأت في كينشاسا وعادت إلى بلجيكا عام 2001 لمواصلة دراستها. مؤلفة العديد من القصص القصيرة والروايات والأشعار).

مصطلح «الشعر الاجتماعي» المُلتبِس يعادل تقريبا الصلام.

تمتعت ليزيت لومبي بمسيرة أدبية حافلة بالمطبوعات المنتظمة منذ نشر كتابها الأول في عام 2017. وقد نشرت: «سحر الاحتراق» 2017 و»كلمات سوداء» و»إمساك» 2019 و»فينوس الشعرية» 2020 و»احتراق، احترق، احترق» 2020 و»يونيس» 2023. نُشر نصها المعنون «الأزرق الداكن» في كتاب «صلام: قصائد وأصوات مدينة لييج» بقلم سيمون راكيت حول تاريخ لييج. وفي عام 2022 شاركت في إدارة مجموعة قصص نسائية بعنوان «كتابات السجون» مع جمعية «اقرأ لتنجح»، وهو العمل الذي ساهم في ترسيخ نهجها الفني اجتماعيا وسياسيا.

بالتعاون مع المؤلفة الموسيقية الفرنسية كلويه دو تريفل Cloé du Trèfle، أنجزت في عام 2023 عرضا موسيقيا تحت عنوان (احتراق، رقص) وهو عرض رقصي يؤديه فنانان، عبر شخصية أنثوية تدعى رومونادا، موضوعه الثورة ضد المجتمع الأبوي، وإعادة البناء البطيء للذات، ما يؤدي إلى التعبير غير القابل للاختزال عن حرية الجسد. إن رومونادا حرة في أن تعيش كما تريد، وأن تشعر، وأن ترغب، وأن تستمتع.

حصلت ليزيت لومبي في عام 2015، على المركز الثاني في جائزة (كلام مديني). وفي عام 2017، منحتها مدينة لييج البلجيكية لقب المواطنة الفخرية عن مجمل أعمالها. وفي ذلك العام، فازت بالمركز الثالث في المسابقة الوطنية الكبرى لشعر الصلام الفرنسي. في عام 2019، تم إدراجها ضمن قائمة أفضل 50 امرأة للعام من طرف غريناد، المؤسسة الإعلامية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية للجالية الفرنسية RTBF، التي تقوم بتحليل الأحداث من وجهة نظر نسوية. في عام 2021، فازت بجائزة غريناد، وهي جائزة أدبية مخصصة للكاتبات، عن مجموعتها الشعرية «احتراق، احترقْ، احترق». كما حصلت ليزيت لومبي على لقب الشاعرة الوطنية لبلجيكا لعامي 2024 و2025.

من منشوراتها بالإضافة إلى المذكورة أعلاه: «سحر الإرهاق» سيرة ذاتية، 2017. «كلمات سوداء، أماي، شجرة الكلمات» 2018.

مقتطفات عن فن الشعر:

« الشعر الاجتماعي رياضة مثل أي رياضة أخرى».

……..

« بالنسبة لي، النص هو إحدى الطرق التي تمكننا من طرح الظلم والتمييز. هذا هو طريقي الطبيعي. لم أقل لنفسي (سأكتب الشعر الاجتماعي) ولكن اتضح أن الأمر كذلك. الشعر لغة مجازية قوية جدا للتعبير عما نشعر به، للتعبير عن الظلم. هناك شيء ملتهب للغاية في هذه اللغة التي أسميها لغة النار والتي ليست لغة سياسية ولا لغة الكتب المدرسية. إنها لغة تتقبل الضعف والعاطفة. إنها الكلمة الأصيلة، وهي أيضا بوابة إلى مسألة الصور النمطية. أشعر بأن الشعر يسمح لنا بالتعبير عما يدور في دواخلنا بطريقة دقيقة للغاية، وبطريقة قوية».

…….

« نحن نبذر البذور. ليس من خلال الأفكار أو الخطابات؛ بل من خلال النصوص الشعرية. أنا قادمة من الصلام. إن التحدث هو فن التحدث، ولكنه قبل كل شيء فن الاستماع. عندما نبدأ بالاستماع إلى شخص آخر، بدءا من تعليمات الكتابة نفسها، نرى فجأة نصوصا تظهر وتعكس تفردات الأشخاص، والملمس، والإيقاعات المختلفة والطرق المختلفة في التعامل مع الموضوع نفسه. يمكننا البكاء أثناء الاستماع إلى هذه النصوص، ويمكننا الضحك. ومن خلال هذه البوابة، نتلمس إنسانية الإنسان».

………

« أنا أعمل على رسم الخرائط الخيالية. ففي هذه المناطق الخيالية، أرى تكاثرا للقصص والحكايات والسرديات التي لم تعد تنتمي إلى خطابات الهيمنة، بل تظهر من الهامش. هناك أصوات جديدة، وقصص جديدة تأتي من أماكن عديدة، من طرف المُهيْمَن عليهم. تطلع أراضي الهامش في النور. وكلها تقوم بتعديل تلك الخريطة الأولية، التي تمت إقامتها بواسطة المُهيْمِنين وحدهم. هناك تضاعُف لهذه الخريطة التخيلية بهذه الهوامش التي تدفع البعض إلى الوراء وتبدأ في شغل فضائه».

………

«في بعض الأحيان، في نهاية بعض الأيام، يسيطر علينا شكل من أشكال التعب الشديد. في بعض الأحيان يهاجمنا الوحش في الصباح. إنه مثل موجة ضخمة تصطدم بوجوهنا، موجة ضخمة محملة بكل أوساخ العالم القديم، موجة، موجة تحمل كل الأوساخ العنصرية في الصحف وشبكات التواصُل الاجتماعي، موجة، مد عارم، غثيان جارف، عدائية إضافية، عدائية إضافية، عدائية إضافية، عدائية إضافية، عدائية… في تلك الأيام، نقول لأنفسنا أن اجتماعاتنا وتعبئتنا عديمة الفائدة، نقول لأنفسنا لا أحد يستطيع غزو الصحراء، نقول لأنفسنا لا أحد يستطيع التغلب على التنانين ذات العرف الأبيض. ولكننا نعلم. نحن نعلم أن هذه ليست ثمار النضال إلينا، ونحن نعلم أنها ليست للغد، ونحن نعلم ذلك ونحن نناضل ونناضل. نحن نعلم ذلك، ولكن في هذه الأيام، أيام الاختراق، أيام الحزم، أيام الانفجارات المروعة، نقول لأنفسنا، قد نقول حتى أطفالنا لن يروا نهاية هذا النفق الذي لا نهاية له. وفي مثل هذه الأيام ثمة خطر على شجاعتنا وتصميمنا. هناك خطر على أصواتنا، خطر، خطر، خطر فقدان أصواتنا. في تلك الأيام، لا يمكن إنكار ذلك، إنه أمر سيئ حقا! إنها رائحة الانحدار من مسافة عشرة آلاف كيلومتر من كل مكان، رائحة الرجال الذين يتدافعون ويتغوطون، رائحة الزنخ في الطيات، إنها رائحة، إنها رائحة العودة الى الخلف الشرسة، رائحة فتيات مثلنا، فتيات نُخرجهن مثل مفروشات يوم الأحد لتلوين التجمعات [العامة]، وتلوين الكتب، وتلوين الصفوف وتبرئة أنفسنا من كل شيء آخر وكل شخص آخر، إنها رائحة تهديد لكل شيء، التهديد، تهديد الاستبدال، نهاية، نهاية العرق، نهاية الحياة، نهاية الوقت المبارك للمستعمرات، نهاية إغلاق الفم، رائحة كريهة، رائحة كريهة حتى تحت ملح البحر، رائحة لمبيد فئران [مخصص] للرجال، أيها الرجل الأسود، أيها الرجل الغجري، أيها الرجل العربي، رائحة كريهة للأقبية الرطبة، للعقول الفارغة، لتكاثر الحدود والمراسيم والأوامر الملكية، رائحة قطعان ميتة، جباه منحنية، رائحتها كريهة مثل الجراد، رائحتها كريهة مثل الظلام والنعال وأموال القرد وحسابات الصيدلة، رائحتها كريهة! لذا نعيد قراءة نصوصنا العتيقة، نعيد قراءة قصائدنا القديمة، نعيد قراءتها، نعيد قراءتها، نعيد قراءتها، حتى لا ننهار، حتى لا نستسلم، حتى نتماسك، حتى نقف، نتشبث بالكبرياء، حتى نتمسك بالعدالة، حتى نتمسك. نعيد قراءة نصوصنا القديمة، نعيد قراءة قصائدنا القديمة، قصائدنا الأولى، قصائدنا الساذجة، قصائدنا غير المزخرفة، نصوص البداية، نصوص الفجر لأنها وحدها القادرة على أن تصرخ بأننا لسنا مجانين، ولسنا متذمرين، ولسنا مصابين بجنون العظمة، ولسنا هيستيريين، لسنا مجانين».

………

«أكتبُ من أجل الأحياء، بلغة تتحدث إلى الصفوف الأخيرة».

……..

«هناك قصيدة لكل شخص».

………

«الشعر هو علاقة بالعالم، وطريقة لإدراك الجَمال الذي يحيط بنا. فهو يسمح لنا بتجسيد الأشياء والحيوانات والطبيعة؛ إنه وجود في صورة ولكن أيضا في هيئة موسيقي».

………

«الشعر ليس مملا، يتطلب فقط الوقت الكافي، الوقت للعثور على نقطة الدخول الصحيحة. إن ما ينقصنا هو وقت الاكتشاف الذي يسمح للناس باختيار طريقهم الخاص نحو الشعر. هناك أشكال عديدة من الشعر لدرجة أن هناك أشكالا تناسِب تقريبا كل شخص».

……..

«الصلام لم يخترع شيئا. في افريقيا، هناك بالفعل «غريوت griots» (شعراء شفهيون) في كل مكان. وتُعتبر ثقافة الشفهي حية للغاية في أفريقيا».

ملاحظة: الغريوت، (ربما من البرتغالية criado: خادم): في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، هو عضو في طبقة الشعراء الموسيقيين المتجولين، وأمناء الثقافة الشفوية ويشتهرون بالاتصال بالأرواح.

كاتب عراقي

القدس العربي،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى