صلاح بدر الدين: الشعب الكردي في سورية يحتاج لحل 100 حزب

بشير البكر
06 مايو 2025
شارك صلاح بدر الدين، الشخصية السياسية الكردية السورية المعارضة، في تأسيس العمل السياسي في الجزيرة السورية منذ الستينيات، وتولى مسؤوليات قيادية في مراحل مفصلية من نهوض المد الكردي وتراجعه. وتمايز خلال أعوام الثورة بمواقفه من حل المسألة الكردية في إطار سورية الموحدة. وفي هذا الحوار الشامل، يتناول المسألة الكردية وطروحات قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
– كيف تلقيت خبر سقوط النظام السوري؟
تسألون شخصاً عارض نظام البعث خلال حقبتي الأسد الأب والابن، 60 عاماً، وعانى منذ شبابه الملاحقة، والاعتقال، والحرمان من الحقوق المدنية، والإبعاد القسري عن أهله، وقريته، وبلاده. وبسبب تنقّلي الاضطراري إلى لبنان أولا، ثم تونس وألمانيا، وإقليم كردستان العراق، وتبديل الأسماء لضرورات أمنية، لم يكن أطفالي يعرفون اسمي الحقيقي إلا بعد أن أصبحوا شبابا، وماذا تعتقد أن يكون الجواب؟ نعم كان أسعد خبر في كل حياتي السياسية، عندما أعاد المحرّرون الاعتبار لثورتنا المغدورة، وحققوا البند الأول من أهدافها.
– مرّ زمن طويل على مغادرتك سورية، هل يمكن أن تلخص مسيرتك واحداً من زعماء الحركة الكردية السورية، ومتى خرجت من سورية، ولماذا؟
كنتُ أحد الفاعلين في عقد “الكونفرانس” الخامس للحزب الديمقراطي الكردي عام 1965، الذي شكل تحوّلاً جذرياً في الحركة الكردية السورية بعد تراجعات وأزمات داخلية، حيث جرى للمرة الأولى إعادة تعريف الكرد، والقضية الكردية، والسياسات الاجتماعية، والانحياز إلى اليسار، والإقرار بأن الكرد جزء من الشعب السوري، والحركة الكردية جزء من الحركة الديمقراطية السورية، ولن يكون هناك حل لقضيتنا من دون إسقاط الاستبداد وقيام النظام الديمقراطي، وقد كان هذا التطور العميق كفيلاً بتأليب النظام علينا وإثارة غضبه واستهدافنا، في يوليو/ تموز 1966 توجهت دورية مشتركة من عدد من دوائر الأمن والشرطة نحو قريتي (جمعاية) لإلقاء القبض علي، وكنت في تلك الأثناء في القامشلي، فتوجهت إلى بيروت، وقمت بزيارات إلى أوروبا لتفقد تنظيمات الحزب ونسج العلاقات مع الدول الاشتراكية سابقا. وفي بيروت أقمنا علاقات الصداقة والتعاون مع الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد كمال جنبلاط، ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما أقمنا علاقات رفاقية مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وزرت عدن عدة مرّات. ولا أريد سرد التفاصيل. فقط، أقول إننا استطعنا بناء علاقات لأول مرة بالعصر الحديث مع حركة التحرر العربية وأحزابها التقدمية والديمقراطية.
– قرابة خمسة أشهر على تسلم الإدارة الجديدة السلطة، كيف ترى أداءها على المستوى السوري العام؟
نجح الرئيس أحمد الشرع وفريقه في تحقيق الخطوة الأولى الأهم، إسقاط النظام (جزاهم الله خيرا)، وبما أنهم يعتبرون أنفسهم من صلب الثورة السورية التي اندلعت في مارس/ آذار 2011، فهم يعلمون جيداً أن أهداف تلك الثورة لا تتوقف عند إسقاط النظام، بل هناك خطوات أخرى، مثل تحقيق العدالة الانتقالية، وإجراء التغيير الديمقراطي، وإعادة الإعمار، وعودة المهجّرين والنازحين إلى ديارهم، وإجراء انتخابات برلمانية، وإطلاق حرية العمل الحزبي والاجتماعي والثقافي، وتحقيق مشاركة مختلف الأطياف في الإدارة والبناء، وحل القضايا العالقة، وفي المقدمة منها القضية الكردية، والانفتاح على العالم الخارجي بإزالة العقبات التي وضعها النظام السابق، وتعزيز الوضع الاقتصادي، ومنع عمليات الانتقام من منطلقات طائفية دينية، وترسيخ سيادة سورية الجديدة. لقد قرّر الإخوة في الإدارة الجديدة أن تكون المرحلة الانتقالية خمسة أعوام، ستكون الإدارة فيها من لون واحد، ولن تنجز فيها القضايا الأساسية، وكما أرى فإن هذه المدة طويلة جدا، وأقترح إعادة النظر بذلك القرار.
– جرى في العاشر من مارس/آذار توقيع اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، من أجل حل المسألة الكردية السورية، كيف تنظر إلى هذه الخطوة؟
تصحيحاً للسؤال، لم يكن اتفاق الطرفين حول حل المسألة الكردية، وسبق أن أعلنت الإدارة أن “قسد” لا تمثل الكرد السوريين، كما أن بنود البيان المشترك الموقع لا تتضمّن أي أسس لحل القضية الكردية، بل تدور حول الأمور العسكرية، فـ”قسد” تنظيم عسكري وفصيل من ضمن عشرات الفصائل الأخرى في سورية، المفترض أن تنخرط في قوات وزارة الدفاع، وليس في برنامجها بند حول القضية الكردية السورية، وقواتها تتكون من غالبية عربية، ونفوذها يقتصر على شمال شرقي سورية. أرى أن الاتفاق عسكري، واستحواذ الدولة على كل المقدّرات ضرورة وطنية، ومن شأن ذلك قطع الطريق على الأعمال الحربية التي سيكون المدنيون من ضحاياها، والكرد السوريون لم يخوّلوا “قسد” التفاوض باسمهم.
– هل الآلية الواردة في اتفاق العاشر من آذار مرضية للكرد السوريين، هل هي قابلة للتطبيق؟ ويبدو أن وجود مقاتلين من حزب العمال الكردستاني إحدى المشكلات، كيف ترى حلها؟
إذا كان المقصود بالسؤال آلية ضم قوات “قسد” إلى وزارة الدفاع، فمعظم الكرد السوريين مع حل الإشكالات العسكرية عبر الحوار، ووضع حد لسلطات الأمر الواقع، وكل المليشيات المنتشرة في سورية، وسيطرة الدولة على الإدارة العامة للبلد حتى يشعر المواطنون بالاطمئنان. نعم صحيح، تبعية قيادات “قسد” والإدارة الذاتية في سلطة الأمر الواقع لحزب العمّال الكردستاني (ب ك ك)، تشكل عائقاً أمام الاتفاق، والسلام بالمنطقة بشكل عام، مع العلم أن قائد ذلك الحزب ومؤسّسه عبد الله أوجلان قرّر حل الحزب وتسليم سلاحه، وعلى تنظيمات هذا الحزب في سورية تنفيذ أوامر زعيمهم بدون تردّد، قبل أن تتدخل إيران من جديد عبر مركز “قنديل” لمنع أي اتفاق مع إدارة العهد الجديد بدمشق، وإشعال الفتن مجدّداً.
– حسب المعلومات، تبدو القيادة السورية متفائلة بحلٍّ قريبٍ للمسألة الكردية، هل يشاركها الشارع ذلك؟
تبدي الإدارة الانتقالية الجديدة النيات الحسنة بشأن معالجة الحالة الكردية، وحل القضية الكردية عبر الحوار والتفاهم، وظهر ذلك من خلال تصريحات الرئيس والمسؤولين الآخرين، والكرد السوريين. ورغم الإحباطات المتكرّرة، ومعاناتهم الطويلة منذ عقود، فإنهم يعقدون الآمال على حصول انفراجات، ويتمسّكون بمبدأ الانتماء إلى الوطن المشترك، وعدم العودة إلى الوراء. وكما ألاحظ، ترى الغالبية الساحقة من النخب الوطنية الكردية السورية المستقلة عن أحزاب طرفي الاستقطاب أن الآلية المناسبة لحل القضية وإجراء الحوار هي مشروع حراك “بزاف” الداعي إلى عقد مؤتمر كردي سوري جامع من غالبية مستقلة مع مشاركة الأحزاب، إن أرادت، لإقرار البرنامج السياسي، وسقف المطالب الكردية القومية، وانتخاب هيئة لتمثيل الكرد السوريين، والتحاور مع الشركاء في الإدارة الانتقالية، وصولاً إلى توافقات لحل القضية الكردية، وهذا هو الطريق الأسلم للحل.
– عقدت الأحزاب الكردية مؤتمراً عاماً في القامشلي يوم 26 إبريل/ نيسان، وصدر عنه إعلان سياسي يحمل مطالب عديدة من الدولة. كيف ترى الاجتماع ومخرجاته؟
لا تتعلق المسألة بعبارات البيان الختامي، فهي كيفما كانت، لا تعكس إرادة الكرد، وتتعلق بمن أصدره، ولنبحث عمن بدل المؤتمر إلى كونفرانس؟ ولماذا؟ وهل الكونفرانس الذي عقد في القامشلي جمع ممثلين عن الكرد السوريين حقاً وحقيقة؟ وكما نعلم فإن أحزاب الطرفين (الاتحاد الديمقراطي/ الحزب الديمقراطي الكردستاني – سورية) المشاركة بالكونفرانس، التي قد تنتظم في صفوفها نسبة 20% من الكرد السوريين على أكثر تقدير، فأين مشاركة وتمثيل 80% في الداخل؟ وهناك أكثر من مليون ونصف المليون كردي سوري في بلاد الشتات، ولم يتمثلوا فيه، وهذا يعني حرمان أكثر من ثلاثة أرباع الكرد السوريين. في هذه الحالة، هل يمكن اعتبار هذا الكونفرانس قومياً أو وطنياً؟ من جهة أخرى، تستند الحركة الكردية الأصيلة والتاريخية ومنذ قيامها إلى مبدأ التوازن بين القومي والوطني، فأين حضور الشركاء السوريين، في حين شارك ممثلون عن كل من أحزاب: الديمقراطي الكردستاني – العراق، والجناح السياسي لحزب العمّال الكردستاني في تركيا، والاتحاد الوطني الكردستاني – العراق. ما يحتاجه الشعب الكردي في سورية في المرحلة الراهنة هو الإعلان عن حل أكثر من مائة حزب تعيش على مصادر مالية غير معروفة المصدر، والاندماج في حركة موحّدة، وإجراء مراجعة بالعمق، وتقديم التفسيرات لما حدث على الأقل منذ 14 عاماً، ثم العمل على إعادة بناء حركته السياسية التي تفككت، وانقسمت، ولم تعد تمثل مصالحه، وكان من المفترض أن يعقد مؤتمر كردي سوري جامع بعد سقوط الاستبداد وتحرير سورية، وتتشكّل من أجل ذلك لجنة تحضيرية من الوطنيين المستقلين للإعداد والإشراف، وصياغة الوثائق، ثم تقديمها علناً للمناقشة قبل انعقاد المؤتمر، ثم إقرار الوثائق وبينها المشروع الكردي للسلام بشقيه القومي والوطني، وشعبنا لا يحتاج إلى كونفرانس – اجتماع موسع للأحزاب، بل يحتاج منصّة تتم فيها محاسبة من أساء للكرد وحركتهم، وللسوريين وثورتهم، ومن أفرغ مناطقنا وأثار الفتن.
– ما رأيك باستقواء بعض الأكراد بالخارج، وخاصة دعوة إسرائيل إلى حماية الكرد التي صدرت عن رئيسة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد؟
بلغ الكرد السوريون سن الرشد، ولديهم تاريخ نضالي وطني طويل، وخبرة متراكمة وبإمكانهم الاعتماد على أنفسهم من دون تدخلات عسكرية عندما يتعلق الأمر بالحوار والتفاهم مع شركاء الوطن. بإمكاننا، نحن السوريين، التفاهم أكثر من دون تدخلات خارجية، فما بالك إذا كان هناك من يسعى إلى استحضار طرف خارجي ليس صديقاً للكرد ولا للشعب السوري، ولا للبيئة المحيطة. إنه نوع من المغامرة، عند ذلك تزداد الشكوك بشأن نياتٍ سيئةٍ لا تريد الخير لشعبنا ووطننا. تعمل إسرائيل من أجل نفسها ومصالحها، وهي ضربت نفوذ إيران وأذرعها ليس لسواد عيوننا. شخصياً، لستُ ضد الشعب اليهودي، وأتمنى أن يسود السلام بين الدولة السورية وجيرانها بما فيهم إسرائيل، وإن كان بعضهم يتوهم أن إسرائيل تقف مع حرية الشعب الكردي والشعوب الأخرى، نذكّرهم بحقوق شعب فلسطين.
– هناك وساطات من الخارج قام بها الرئيس السابق لإقليم كردستان الزعيم مسعود البرزاني، كيف ترى دوره؟
اقتصرت الوساطة بين أحزاب طرفي الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي للاتفاق في ما بينها، حيث أرسل الأخ مسعود بارزاني ممثله إلى القامشلي لهذا الغرض. ولم يكن هذا جديداً، فقد سبق له أن أشرف على لقاءات الطرفين في أربيل ودهوك منذ عام 2015. وكما هو معلوم، يحظى المجلس بدعم أربيل، والاتحاد الديمقراطي يتبع لقنديل، كان من المأمول أن تتم الوساطة، إذا كان لا بد منها من أجل توحيد الكرد السوريين ودعم مشروع المؤتمر الكردي السوري الجامع، وليس من أجل اتفاق أحزاب أثبت التاريخ عدم جدّيتها وعدم تمثيلها طموحات الغالبية الساحقة للكرد السوريين وأهدافهم. هناك معادلة قائمة الآن على قاعدة موالاة محوري أربيل وقنديل، والأفضل التخلص من هذه المعادلة ومن تلك التبعية للخارج، وأثبت الزمن عدم فاعليتها بل ضررها المتزايد على واقع الكرد السوريين ومستقبلهم وحركتهم السياسية. هناك خصوصياتٌ لكرد كل جزء يجب احترامها، وكما أن قضايا كرد العراق تحل ببغداد فإن قضيتنا تحل بدمشق، وذلك لا يتطلب الانعزال بعضنا عن بعض، بل يمكن، في الوقت نفسه، أن تتعزز العلاقات الأخوية.
الصورة
– تطرح بعض الأطراف الكردية الفيدرالية في منطقة الجزيرة (الرقّة، دير الزور، الحسكة) ذات الأغلبية العربية، هل تعتقد بأن هذا الطرح منطقي؟
فليطرح كل حزبٍ أو طرفٍ ما يشاء، وهناك فعلاً الكثير من الخيارات المطروحة، بعضها خاطئة منذ ظهور الحركة السياسية الكردية، وكما أرى فإن شروط نجاح الحل بأي صيغة هي: الإجماع الكردي، التوافق الوطني، توفر النظام الديمقراطي. وفي الحالة الكردية المشخصة الراهنة، لا سبيل إلى الإجماع على الصيغة التوافقية المناسبة إلا بعقد مؤتمر كردي سوري جامع ليتم التوصل إلى الصيغة المناسبة التي يجب أن تكون في إطار الحق الكردي المشروع في تقرير مصيره الإداري في سورية الجديدة الموحّدة. أما تجاوز بعض الأطراف حدودها، والسيطرة العسكرية على المناطق العربية، فأمر مرفوض ومسيء للكرد قبل كل شيء.
– الأطراف الكردية غير متفقة في ما بينها على رؤية مشتركة، ما هي الخريطة الفعلية لموازين القوى، وكيف يمكن التوصل إلى موقف كردي موحد؟
الاختلاف حول قضية شائكة، بقيت من دون حل منذ مائة عام أمر طبيعي، ومن دون مغالاة أو التقليل من شأن أحد، أقول نعم “قسد”، ومن الناحية العسكرية والسياسية والأيديولوجية امتداد لحزب العمّال الكردستاني، وهي مع المسميات الأخرى ليست جزءاً من الحركة القومية التاريخية لكرد سورية. تاريخ حركتنا يمتد من حركة “خويبون” في ثلاثينيات القرن الماضي، مروراً بانبثاق أول تنظيم كردي سوري عام 1957، وحزب العمّال الكردستاني قام حديثاً من أجل كرد تركيا، وفشل في تحقيق أي شيء هناك، وفي انتقاله الثاني منذ 2012 باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، سار على البرنامج نفسه، وكأنه في تركيا، مع العلم أن قضيتنا بصفتنا أكراداً سوريين في دمشق وليست في أنقرة. وإذا لاحظت أي مسؤول في هذا الحزب عندما يتكلم يبدأ بتركيا وينتهي بتركيا. ومعلومٌ أن هذا الحزب بسط سلطته على بعض المناطق الكردية السورية بالاتفاق مع نظام الأسد، ثم استقر بشكل أوسع في إطار محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وبدعم أميركي. لذلك لا يمكن القول إن هذا الحزب ومسمياته انبثقوا من الحركة الكردية السورية. وبالتالي، لا يمثلون طموحات ومصالح الكرد السوريين من الناحية التاريخية، ولكن لديهم قوة عسكرية وإمكانات مادية هائلة، ولديهم جيش من الموظفين في مناطق نفوذهم، وسر قوتهم يكمن في العامل الخارجي الذي لن يدوم طويلاً. وبالنسبة لخريطة القوى وموازينها في الساحة الكردية، نعتقد، بشكل عام، أن الأحزاب في سورية عامة، وفي الحالة الكردية على وجه الخصوص، فقدت بريقها وخسرت جماهيرها منذ مرحلة نظام الاستبداد، وهناك الغالبية الساحقة من الوطنيين السوريين، وبينهم الكرد، لم تعد تثق بالأحزاب القائمة، لأنها تابعة لأجندات الخارج، وغرقت في الفساد، وفقدت الروح الثورية المبادرة. أعتقد لو أصدرت الإدارة الحاكمة قانون الأحزاب والجمعيات يمكن أن نشاهد صعود أحزاب جديدة يغلب عليها العنصر الشاب من الجيل الجديد والبرامج السياسية الحديثة، وبالنسبة للساحة الكردية، فإن الوطنيين المستقلين عن الأحزاب يشكّلون الكتلة التاريخية الكبرى، التي أحوج ما تكون إلى تنظيم الصفوف.
– على حد علمي أنكم تواصلتم مع الإدارة السورية الجديدة، وقدّمتم تصوّراً حول حل المسألة الكردية في سورية، هل لك أن تضعنا في صورة ذلك؟
حراك “بزاف”، الذي أجد نفسي أقرب إليه، ليس حزباً، بل حراك فكري ثقافي وسياسي. كنتُ قد أرسلتُ رسالة تهنئة باسمه إلى رئيس الجمهورية أحمد الشرع، أكّدت فيها على وقوف الكرد مع تحرير البلاد وإسقاط الاستبداد والوحدة الوطنية، وفي رسالة ثانية أوضحنا للرئيس والإدارة الانتقالية عن نية حراك “بزاف” عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع في العاصمة دمشق، بعد أن رفض حزب الاتحاد الديمقراطي، وكذلك أحزاب المجلس الوطني عقد مؤتمرٍ كهذا من غالبية وطنية مستقلة، يسبقه قيام لجنة تحضيرية بغالبية مستقلة أيضا، بل أصرت أحزاب الطرفين على مؤتمر أو كونفرانس حزبي، وبالأحرى ثنائي حزبي مع استبعاد المستقلين، ومن حقنا ذلك، بل من واجبنا أيضاً، لأن نتائج ذلك المؤتمر ستشكّل مفتاح الحل للقضية الكردية السورية على قاعدة الشراكة الوطنية، ومقدّمة للحوار الجاد الفاعل مع الإخوة والشركاء في الإدارة الجديدة.
– تبدو معاناة الكرد السوريين مضاعفة بالقياس إلى العرب السوريين، فالكرد عانوا من النظام، ومن حزب العمّال الكردستاني، الذي سيطر على الجزيرة السورية، ومنعهم من أن يعبّروا عن أنفسهم باستقلالية وحرية. هل هذا التوصيف دقيق، وما السبيل إلى تجاوز هذا الوضع؟
توصيف سليم للحالة الكردية الخاصة، والسبيل إلى تجاوزه يمرّ عبر استكمال الاتفاق العسكري مع “قسد”، ثم عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع، والبدء بالحوار لإيجاد حل توافقي للقضية الكردية وبسط السلطة الوطنية السورية على كل المرافق، وتحقيق المشاركة العادلة، وعودة المهجّرين والنازحين.
– ألا تكفي المواطنة المتساوية في الدولة السورية حلّاً للمسألة الكردية؟
تأتي المواطنة المتساوية بعد الحل السياسي التوافقي للقضية القومية، فالقضية الكردية السورية ليست بنت اليوم، ولها خصوصيتها التاريخية، وتناولتها اتفاقيات دولية مثل سايكس – بيكو ومعاهدتي لوزان وسيفر، وكانت الشغل الشاغل للحكومات والأنظمة السورية المتعاقبة، التي اتخذت آلاف القرارات والمراسيم لتهجير الكرد، وتعريب مناطقهم، وحرمانهم من الحقوق الأساسية، لذلك تستحق رؤيتها كما هي قضية شعب عاش بالمعاناة والحرمان.
– ما هي مواصفات هذا الحل التوافقي كما تراه؟
لو كان الجواب النهائي لدي، لما اعتمدت على مؤتمر كردي سوري جامع يمثل كل الشرائح والأطياف ليقرّر ما هو الحل النهائي. ما أنا واثق منه بهذا الصدد هو أن الحل المنشود سيكون في إطار سورية الواحدة الموحدة، وأي حل يجب، وبالضرورة، أن يضمنه الدستور، بحيث يقرّ بوجود قومية لها لغتها وثقافتها وتاريخها وخصوصياتها، ومن ثم حقوقها، وكما أجبت سابقا هناك ثلاثية يجب أن تتوفر في أي مشروع حل: الإجماع الكردي، التوافق الوطني، النظام الديمقراطي. طبعاً هناك صيغ معروفة لحل المسألة القومية، وقد تكون إحداها لحل القضية الكردية، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية، والظروف الخاصة، والمصلحة الوطنية العليا.
– كيف تقيّم الدور التركي في سورية، وحيال القضية الكردية، ومخاوف تركيا؟ هل هي مشروعة أم مبالغ فيها، والسبيل إلى الوصول لتسوية دائمة معها؟
لا بد بهذا الصدد من العودة قليلاً إلى الوراء لدى اندلاع الثورة السورية، فقد اتّخذت تركيا موقفاً داعماً للسوريين، وفتحت أبوابها أمام ملايين المهاجرين واللاجئين، وبينهم عشرات آلاف من الكرد السوريين، كما سمحت للمعارضة السورية بالاستقرار، والعمل من تركيا، وهذه حقيقة يجب أن تقال. كما كان لتركيا دعم مباشر للفصائل التي وصلت إلى دمشق وأسقطت النظام. ويصرّح المسؤولون الأتراك بأنهم لا يعادون كرد سورية، ويوافقون على ما تتفق عليه دمشق معهم. ويجب الاعتراف بأن تركيا تحتل جزءاً من الأراضي السورية وبينها عفرين، وأنها لم تحلّ القضية الكردية في تركيا، ويوجد عداء تاريخي بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني، وعندما دخل مسلحو هذا الحزب إلى سورية منذ 2012، بموجب اتفاق المسؤول السوري السابق آصف شوكت مع القيادي في الحزب مراد قرايلان، كان الاتفاق على مواجهة الثورة السورية، ومحاربة تركيا، ومن حينها بدأت الهجمات التركية على مناطق كردية بذريعة مواجهة هذا الحزب، وراح ضحيتها مدنيون كثيرون. ويجب القول إنه قبل ظهور مسلحي هذا الحزب بمواجهة الحدود التركية من سورية، لم تشهد تلك المناطق أية هجمات من الجيش التركي.
– تعرف قيادات الحركة الكردية خارج سورية، أين تصنف عبد الله أوجلان ومشروعه؟
بحسب التصنيف الواقعي المتعارف عليه من جانب الاتجاهات الرئيسية بالحركة القومية الكردية، هناك اتجاهان رئيسيان تتفرّع عنهما تيارات، الأول والأكبر اتجاه وسطي، براغماتي، معتدل، قومي ديمقراطي يتصدّره الحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق، منذ كان رئيسه الزعيم الراحل مصطفى البارزاني، ويتضمّن تيارات وأحزاباً ليبرالية، ويسارية، موزّعة في أجزاء كردستان الأخرى، وليس بينها أي رابط تنظيمي، أو أيديولوجي، فكل يعمل حسب ظروف بلده وأوضاعه الخاصة به. والثاني اتجاه مغامر أكثر ارتباطاً بالأنظمة والدول الإقليمية وخصوصاً التي تقتسم الشعب الكردي بالمنطقة. وقبل نحو ثلاثة عقود، كان الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق بزعامة المرحوم جلال الطالباني يتصدّر هذا الاتجاه. في الوقت الحاضر، حزب العمّال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان هو من يمثل هذا التوجّه، وله فروع في باقي الأجزاء بتركيا وإيران والعراق وفي سورية (الاتحاد الديمقراطي)، ولتنظيمات هذا التوجه ومجموعاته طابع عسكري غالب على العمل السياسي، ومعروف عن عناصر هذا التوجه أنه خرج من أرحام الدول العميقة الحاكمة في البلدان الأربعة.
– هل هناك تعاطف كردي سوري مع مشروع عبدالله أوجلان أم رفض له؟
نعم هناك تعاطف مع مشروع أوجلان في حال حلّ حزب العمّال الكردستاني، وتسليم سلاحه، ليشمل أيضاً جماعات هذا الحزب في سورية، فالكرد السوريون يقرأون المشروع على أن زعيم هذا الحزب ومؤسّسه وصل إلى قناعة بأنه فشل، وبدأ يلحق الضرر بالكرد أنفسهم في كل مكان، ويجب أن نعلم أن الكرد السوريين عانوا كثيراً من قساوة فروع هذا الحزب في سورية، ومنطقتهم أفرغت تقريباً حيث الهجرة والنزوح، وحركتهم السياسية تراجعت، وانقسمت، حتى أن شرور العداوات وصلت إلى داخل المجتمعات، والمناطق الكردية السورية، ثم إن تفاهم أوجلان مع الحكومة التركية قد يفضي إلى إيجاد حلّ عادل للقضية الكردية هناك، وهذا إن تم سيكون موضع سعادة الكرد السوريين واطمئنانهم.
العربي الجديد