أبحاثالأحداث التي جرت في الساحل السوريسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوععن أشتباكات صحنايا وجرمانا

ما بعد السقوط… هل نجونا؟/ ريما فليحان

07.05.2025

حلمنا يلفظ أنفاسه الأخيرة والأوطان لا تُبنى بالكراهية ولا تقوم على المجازر والاستهتار بتطلعات الشعوب ومن دون أن تأخذ بلادنا مساراً مختلفاً، فكثر من السوريين سيبقون على ثورتهم الأولى…

أتابع بمرارة وألم ما يحدث في وطني سوريا بعد سقوط نظام الأسد المجرم، الذي ناضلنا جميعاً كسوريين للخلاص منه، في سبيل حلم لطالما راودنا: دولة ديمقراطية مدنية، يتساوى فيها الجميع من دون تمييز. ولكن، هل وصلنا حقًا إلى هذا الحلم، هل نجونا؟

منذ أن استلم أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ”الجولاني”، زمام السلطة، راودني القلق – كما راود كثيرين – من خلفية هذه الجماعة التي استحوذت على الحكم. ومع ذلك، حاولنا أن نتفهم ونمنحهم فرصة لإثبات نواياهم، خصوصاً مع ادعائهم بأنهم تغيّروا، وأنهم يسعون الى مرحلة جديدة تشمل كل السوريين. لكن الأقوال لم تقترن بالأفعال.

تحدثت السلطة عن حكومة انتقالية، ومؤتمر وطني، وإعلان دستوري، وعدالة انتقالية، لكن الواقع أثبت أن هذه الشعارات لم تكن إلا أدوات شكلية تُكرّس سيطرة هيئة تحرير الشام، بما تمثّله من إرث عقائدي وفصائل تابعة لها، بشكل مباشر أو غير مباشر.

 وعلى رغم إدراكي حجم التحديات، من الانهيار الاقتصادي إلى الاحتقان الطائفي وفلول النظام السابق، إلا أن طريقة تعامل السلطة الجديدة مع هذه التحديات كانت صادمة، وفيها من الإهانة والاستهتار بتضحيات السوريين ما يؤرق وما يؤلم.

عند دخول الجماعات المسلّحة إلى دمشق ومعظم المدن السورية بعد هروب الأسد، كان أول استحقاق وطني هو حماية الأدلة المتعلقة بجرائم الحرب والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، لضمان المحاسبة. لكن ما حصل كان العكس: فوضى عارمة عمّت مراكز الاعتقال، وتُركت الأدلة للعبث، وتحوّلت المقابر الجماعية والسجون إلى مسرح للاستعراض الإعلامي، من دون احترام لحرمة الضحايا أو مشاعر ذويهم.

لم تُمنح حتى الآن الآلية الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة IIIM صلاحية مباشرة أعمالها في سوريا، ولم تُؤسَّس هيئة للعدالة الانتقالية، وهو ما يهدد السلم الأهلي ويفتح الباب للانتقام العشوائي والفردي.

أُجري حوار وطني شكلي مطبوخ على عجل وبشكل لا يرتقي الى حاجة وطن خرج من مقتله. أُعلن حتى قبل اكتمال الإعداد له أن نتائجه غير ملزمة، وأعلنت الفصائل مبايعتها الشرع قائداً من دون أن تُسلّم سلاحها للدولة عملياً، فبقيت تتصرف كقوى منفلتة. وقد رأينا جميعاً نتائج ذلك في مجازر الساحل، التي بدأت بمواجهة الفلول وانتهت بقتل مئات المدنيين الأبرياء، بينهم أطفال ونساء، وإذلالهم والانتقام منهم.

تصرّ هذه السلطة على الانغلاق على نفسها، ولا تثق إلا بجماعتها – أي هيئة تحرير الشام ومن يدور في فلكها – من دون إشراك فعلي لباقي السوريين والسوريات أو إنشاء قنوات تواصل رسمية معهم. وجاء الإعلان الدستوري ليزيد الطين بلة، إذ تركّزت السلطات بيد الرئيس من دون أية آلية للمحاسبة. ولم تتجرأ السلطة الحالية حتى اللحظة على ذكر كلمة الديموقراطية في خطاباتها.

أما الحكومة المؤقتة، فقد شُكّلت بطريقة لا تمثّل السوريين، بمشاركة رمزية لامرأة واحدة على رغم كل النضالات والتضحيات التي بذلتها النساء السوريات قبل الثورة وأثناءها. لا تستحق النساء السوريات أكثر من وزيرة واحدة في نظر السلطة الحالية، بل إن شخصيات تابعة للسلطة أتحفتنا قبل ذلك بالحديث عن الدور النمطي للنساء الذي يناسب طبيعتهن الفيزيولوجية.

  ضمت الحكومة أيضاً ثلاثة وزراء من الأقليات، وأُعطيت صلاحيات رقابية لمجلس الفتوى حتى على الحكومة ذاتها (التي يرأسها الشرع) من دون تبرير أو مسوغ قانوني يتناسب حتى مع الإعلان الدستوري الذي خرجوا به. وعلى الرغم من وجود وزراء تكنوقراط ضمن تشكيلة الحكومة، إلا أن الأداء سيكون مقيداً بالصلاحيات التي تحدد لهؤلاء الوزراء، وهو قد ما يعرقل نجاحهم في الدفع بالبلاد الى مستقبل أفضل.

لم تعترف السلطة بآلية الانتخابات لمجالس النقابات، وتم تعيين تلك المجالس بشكل مباشر، كما عُطلت الضابطة العدلية، وعُيِّن خريجو الشريعة مسؤولين عن بعض المحاكم بدلاً من خريجي القانون، وفي سياق آخر شكلت بشكل موازٍ هيئات محلية للبت بالخلافات والقضايا المدنية معظم من فيها رجال دين وكأننا نعود بمجتمعنا إلى شكل ما قبل الدولة.

على الأرض، تسود الفوضى، دعاة متشددون يسعون الى فرض رؤيتهم الأحادية على مجتمع سوري متنوع، وسلاح عشوائي غير منضبط، رافق ذلك كله تعطيل للضابطة العدلية، ما عمّق الفوضى. وفي الوقت نفسه، يُمارس التضييق على القاضيات والقضاة، والفصل بين الذكور والإناث في بعض وسائل المواصلات والمؤسسات، وكأنها أولوية اليوم. وعلى الرغم من نفي السلطة بعض هذه الممارسات، فإنها مستمرة، بل وتتفاقم، آخرها كان الهجوم على ملهى ليلي ومطعم في دمشق، ما أودى بحياة أبرياء.

خطاب الكراهية والعنف الطائفي في تصاعد، وتمارس الفصائل الجهادية المنفلتة أبشع الانتهاكات، من مجازر الساحل المروّعة إلى الهجمات على المناطق الدرزية التي سبقتها دعوة الى القتل والإبادة في عدد من المحافظات السورية، والانتهاكات للحريات الفردية التي تقوم بها قوى الأمن أو الفصائل، في ما يوصف بانتهاكات فردية من السلطة ومؤيديها، انتهاكات مستمرة تتحمل السلطة ذاتها مسؤولية وقفها ومحاسبة مرتكبي، إذ لا يزال المشهد غارقًا في عدم الاستقرار والهشاشة.

يُعاتبني البعض على تشاؤمي، لكنني لا أراه إلا واقعية مريرة. السلطة تمضي بعكس ما يريده السوريون، بل والمجتمع الدولي، على رغم كل النداءات الوطنية. وهو ما سيوثر حتماً على ملف رفع العقوبات عن القطاع الخدمي والمصرفي والصحي والطاقة، وهي حاجات أساسية للمواطن السوري الذي يعاني من الفقر ونقص الخدمات.

 طالبنا بإطلاق مسار عدالة انتقالية، بتنظيف الجيش والمؤسسات الأمنية من الجهاديين والأجانب، بتأسيس دولة لكل السوريين، لكن لا شيء تحقق. بل يبدو أن السلطة إما عاجزة، أو غير راغبة أساساً، بل على العكس تمت تسوية أمور مجرمين وممولين للنظام السابق، وهم يجولون في حرية على مرأى من ضحاياهم.

ما نحتاجه اليوم هو حوار وطني حقيقي، يُفضي إلى وثيقة عهد وطني جديدة، تُطلق مرحلة تمثّل آمال السوريين جميعاً نساء ورجالاً. نحتاج إلى تعديل الإعلان الدستوري بما يمنع قيام دكتاتورية جديدة، إلى ضمان الحريات العامة والفردية، والسماح بتأسيس الأحزاب، وتيسير عمل منظمات المجتمع المدني، وتوظيف الكفاءات السورية في الداخل والخارج، نحتاج إلى تمثيل كل السوريين والسوريات في الحكومة والمؤسسات والمجالس المحلية، في البعثات الخارجية ولجان الحقائق والسلم الأهلي رجالاً ونساءً.

هذه المطالب ليست دولية فقط، بل هي حاجات وطنية أساسية ستؤدي إلى استقرار البلاد ورفع العقوبات وتعاطي المجتمع الدولي بجدية أكبر مع هذه الحكومة.

نحتاج إلى إعلام حرّ، ولجان للعدالة الانتقالية، وفضاء آمن للتعبير، ونزع سلاح الفصائل، وتجريم خطاب الطائفية والكراهية، ومحاسبة جميع المتورطين بالدم السوري، قبل سقوط النظام وبعده.

ندرك اليوم تعقيد المشهد الدولي، ووجود جهات تطمح الى تفتيت سوريا التي نريدها موحدة، والسؤال: هل يخدم أداء السلطة السورية اليوم وحدة سوريا ومناعتها أم يقود الى انفجارات وأزمات قد تؤدي الى خدمة المشاريع الإسرائيلية والانفصالية في سوريا؟

حلمنا يلفظ أنفاسه الأخيرة والأوطان لا تُبنى بالكراهية ولا تقوم على المجازر والاستهتار بتطلعات الشعوب ومن دون أن تأخذ بلادنا مساراً مختلفاً، فكثر من السوريين سيبقون على ثورتهم الأولى…

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى