تهديد الشهود السوريين في فرنسا: “إذا عدت فسيحاكمك المجاهدون”!/ عمّار المأمون

08.05.2025
محاكمة الناطق السابق باسم جيش الإسلام مجدي نعمة، المعروف باسم إسلام علوش، وُصفت باختبار لـ”الولاية القضائية العالمية” في المحاكم الفرنسيّة، كما تحوّلت إلى شأن سياسي حول اختصاص المحاكم الفرنسية، ونظام الإثباتات والأدلة، وشرعية النظام القضائي في سوريا، خصوصاً أمام التهديدات التي تصل إلى الشهود والضحايا.
13 شاهداً بين فرنسا وتركيا انسحبوا من محاكمة إسلام علوش في باريس، التي بدأت في 29 نيسان/ أبريل 2025. أحد الشهود أخبرنا أنه ابتعد عن القضيّة بعد سقوط النظام، خوفاً على أسرته في الغوطة حيث يستعيد جيش الإسلام نفوذه، بالإضافة إلى خوفه على نفسه في حال أراد زيارة سوريا، مؤكداً أن التهديدات قائمة منذ سنوات، لكنها ازدادت بعد سقوط النظام واقتراب موعد محاكمة علوش.
قال لنا الشاهد (نتحفظ على ذكر اسمه لأسباب قانونية) إن التهديدات وصلته من خارج فرنسا، والسلطات الفرنسية غير قادرة على التصرف حيالها على الرغم من علمها بها، هذه التهديدات يتم توجيهها عبر مجموعات الواتسآب لأسماء بعينها، إذ تلقى شخصياً تهديداً مفاده: “إذا عدت فسيحاكمك المجاهدون”.
محاكمة الناطق السابق باسم جيش الإسلام مجدي نعمة، المعروف باسم إسلام علوش، وُصفت باختبار لـ”الولاية القضائية العالمية” في المحاكم الفرنسيّة، كما تحوّلت إلى شأن سياسي حول اختصاص المحاكم الفرنسية، ونظام الإثباتات والأدلة، وشرعية النظام القضائي في سوريا.
كان مجدي نعمة ناطقاً رسمياً باسم جيش الإسلام بين عامي 2013 و2016، وهي الفترة التي كانت الجماعة المسلحة المتشددة تسيطر خلالها على منطقة الغوطة الشرقية، وبخاصة مدينة دوما، واعتُقل في فرنسا عام 2020 بتهمة “التواطؤ في ارتكاب جرائم، والانتماء إلى جماعة إجرامية بهدف إعداد جرائم حرب، والاشتباه بدوره في تجنيد قاصرين وتدريبهم على العمل المسلح”، إذ أسقطت عنه المحكمة الفرنسيّة تهمة المشاركة في اختطاف ناشطي دوما الأربعة: رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم الحمادي، لكن القضاء أكد حينها أن “المعلومات والشهادات الكثيرة التي جُمعت توضح أن جماعة جيش الإسلام مسؤولة عن اختفاء المدافعين الأربعة عن حقوق الإنسان”.
أكدت المدعية العامة صوفي هافارد أن الدفاع يحاول أن يفتح نقاشاً قانونياً حول صلاحيات العدالة الدولية ويطالب بترحيل نعمة إلى سورية، كي “يهرب نعمة من المسؤوليّة”، وأضافت: “اليوم، شروط إقامة المحاكمات في سوريا واحترام حقوق الضحايا، والشهود والدفاع لا تبدو موجودة”.
محامو الدفاع عن علوش قالوا إن “هذه المحاكمة يجب ألا تحصل في فرنسا… وكي تساهم العدالة في الانتقال الديمقراطي، يجب أن تطبَّق في بلد المتهم، قريباً من مواطنيه وضحاياه، أخاف أن القضاء الفرنسي عبر إقامة هذه المحاكمة يصادر من السوريين حقهم في إقامة العدالة، ويشرعن إمكانية تدخل أطراف أجنبية في تحقيق العدالة عوضاً عن السوريين”.
يتجاهل الدفاع أن جيش الإسلام أصبح جزءاً من “وزارة الدفاع” في سوريا، تلك التي ما زال الغموض والحذر يحيطان بها في ما يخص العدالة الانتقاليّة، ناهيك بأن المادة 49 من الإعلان الدستوري نصت على استثناء “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد من مبدأ عدم رجعية القوانين”، أي أن الجرائم التي لا تنسى ولا تسقط بالتقادم حُصرت فقط بنظام الأسد، ولا ذكر للجرائم ذاتها التي ارتكبتها الفصائل الإسلامية المتشددة، والتي يحاكم بعض أفرادها في أوروبا، خصوصاً المنتمين الى تنظيم داعش.
يمكن القول إن محاكمة نعمة في سوريا غير منطقية، لأنه من وجهة نظر السلطات المؤقتة في سوريا، هو لم يرتكب جرماً، ولا أسلوب لمحاكمته إلى جانب غيره من مرتكبي الانتهاكات الذين أصبحوا ضباطاً في الجيش السوريّ، وهذا ما يفسر ربما عبارة مجدي نعمة في دفاعه عن نفسه واصفاً المحاكمة بـ”كولونيالية قضائيّة”، مضيفاً “أنا بريء هنا وهناك”.
الخوف يعرقل العدالة
اللافت في محاكمة إسلام علوش بعيداً عن الجدل القانونيّ، هو معلومة قالها محامي الادعاء، الذي أشار إلى تعرض عدد من الشهود للتهديد، ووصل عدد المهددين إلى 13 حسب محامية الأطراف المدنية، كلوي باسمانتية، في حديثها لـ”درج”، أي تقريباً نصف شهود الادعاء.
هؤلاء المهددين رفضوا الإدلاء بشهاداتهم، ما يعني، وبغض النظر عن جدية التهديدات أو كونها مجرد كلام منتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، تمكنت هذه التهديدات من عرقلة سير القضاء، وخسر الادعاء على إثرها نصف الشهود تقريباً.
محامية الادعاء كلوي باسمنتية قال في حديث لـ”درج”: “تغير الحكومة في سوريا كان له أثر مؤكد على المحاكمة، لأن الجماعة المسلحة (جيش الإسلام) التي ينتمي إليها مجدي نعمة مقرّبة من السلطة القائمة في سوريا، واستعادت بعض أماكن سيطرتها السابقة، خصوصاً في الغوطة الشرقيّة. عدد من الشهود الذين يريدون العودة إلى سوريا، أو لهم عائلات في الغوطة، رفضوا المشاركة في هذه المحاكمة خوفاً من الانتقام منهم أو من عائلاتهم”.
تضيف باسمنتية: “الضحايا السوريون الذين نمثلهم يرغبون في أن تعقد هذه المحاكمة في سوريا. ومع ذلك، فإن الظروف اللازمة لإقامتها غير متوافرة حالياً. ويتفق الجميع على أنه لحدوث انتقال حقيقي في سوريا ولكي يتمكن المجتمع السوري من إعادة بناء نفسه بعد أكثر من 54 عامًا من الرعب في ظل نظام الأسدين، من الضروري الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها النظام، وأطراف الصراع السوري، ومقاضاة مرتكبيها”.
“من يتجرأ في سوريا على تقديم شكوى بحق قائد فصيل ما ؟”
سبق أن تعرض شهود سوريون للتهديد في حال أرادوا المشاركة في المحاكم التي تقام في أوروبا، سواء ضد أفراد من نظام الأسد أو الفصائل المسلحة أو تنظيم داعش، خصوصاً بعد اكتشاف مراسلات بين “مجاهدين” موجودين في سوريا ومتهمين بـ”الإرهاب” في فرنسا، كحالة قاتل الأستاذ الفرنسي سامويل باتي عام 2020، الذي كان على تواصل مع أحد عناصر هيئة تحرير الشام في إدلب، وراسله في اليوم ذاته الذي قتل فيه الأستاذ.
تواصلنا في “درج” مع مصادر حقوقية وقانونية سورية عدة مُطلعة على القضايا الخاصة بجرائم نظام الأسد والفصائل المسلحة في سوريا، فأشارت الى أن التهديد قائم من قبل سقوط النظام، ومستمر إلى الآن، ويتعرض له الشهود والضحايا على حدّ سواء.
التهديدات تكون إما عبر مجموعات الواتسآب أو حملات رقمية تشنّ على أحد الشهود و الضحايا، وتصل حد ترهيب الشاهد/الضحية ومنعه من تقديم الشهادة أو الادعاء، التقنية التي أثبتت نجاحها ومنعت حتى بعض الضحايا من تقديم ادعاءات سواء ضد داعش أو جيش الإسلام.
يصل الأمر أحياناً حد التهديد الشخصي للشاهد أو الضحية، أو تهديد أفراد أسرته بالقتل، وهذا ما حصل سابقاً ووصل حد العنف المباشر الذي طبق على الضحية أو الشاهد، الشأن الذي أشار إليه تحقيق لـDW نُشر عام 2021، أشار فيه معدو التحقيق إلى أن “عدد الشهود (ضد جيش الإسلام) تناقص خلال السنوات الثماني الأولى، البعض هدد ليصمت، والبعض قتل، والبعض يتعرض للتهديد الدائم”.
أنماط تهديد الضحايا والشهود والحملات التي تشنّ ضدهم في بعض الأحيان وغياب ضمانات لحماية الشهود سواء داخلاً أو خارجاً، تعرقل تحقيق العدالة حتى داخل سوريا، يقول مصدر قانونيّ: “حتى لو أنجز شكل ما لتطبيق العدالة الانتقالية داخل سوريا، من يتجرأ على تقديم شكوى بحق قائد فصيل ما؟”.
درج