سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 08 أيار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
—————————-
الشرع في الإليزيه: شروط صارمة من فرنسا والمجتمع الدولي
ما الذي تريد فرنسا قوله لأحمد الشرع؟
07-05-2025
يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء في قصر الإليزيه، الرئيس السوري أحمد الشرع، في أول زيارة رسمية له إلى دولة غربية منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. وتأتي هذه الزيارة في سياق إعادة ضبط العلاقات بين باريس ودمشق، في ظل انتقال سياسي هشّ، تُرافقه مخاوف إقليمية وتحديات داخلية كبرى، أبرزها ملف «المجازر الطائفية وتفكيك إرث الانتهاكات».
وبحسب ما أفاد مصدر في الرئاسة الفرنسية خلال إحاطةٍ للصحفيين مساء أمس الثلاثاء، فإن اللقاء يندرج ضمن «التزام تاريخي لفرنسا منذ 2011 بدعم تطلعات الشعب السوري نحو دولة حرة، ذات سيادة، تعددية ومستقرة». وأضاف المصدر أن الرئيس ماكرون سيُعيد تأكيد هذه الثوابت أمام أحمد الشرع، مُشدِّداً على أن «مطالبنا لم تتغير. ما طالبنا به بالأمس من أجل سوريا، لا يزال هو نفسه ما ندافع عنه اليوم».
المطالب الفرنسية: العدالة أولاً
من بين المحاور الرئيسية التي سيطرحها الرئيس الفرنسي خلال اللقاء، بحسب المصدر ذاته، ملف «المحاسبة على الجرائم الطائفية، لا سيما المجازر التي طالت مدنيين على الساحل السوري وأعمال العنف التي استهدفت الطائفة الدرزية جنوب دمشق». «ثمة قلق بالغ لدى فرنسا والمجتمع الدولي من عودة المواجهات الطائفية العنيفة»، يقول المصدر في الإليزيه، مُشيراً إلى أن «المجازر على الساحل، والتوترات الأخيرة جنوب دمشق، لا يمكن أن تمرّ دون محاسبة».
وأضاف أن «الطلب واضح: مكافحة الإفلات من العقاب. يجب أن تتحول هذه المبادئ إلى أفعال ملموسة. ما ننتظره ليس فقط نتائج لجنة التحقيق المستقلة التي أعلنتها السلطات الانتقالية، بل أيضاً أن تقوم العدالة السورية بمحاكمة الجناة».
وبحسب المصدر، فإن هذه اللجنة – التي تم تمديد عملها الشهر الماضي – أجرت أكثر من مائة جلسة استماع، شملت عائلات الضحايا ومحتجزين على صلة بالانتهاكات. «الكرة الآن في ملعب السلطات السورية: يجب إعلان الاستنتاجات وتحويلها إلى أحكام»، يضيف المسؤول في الرئاسة الفرنسية.
مخاوف من التقسيم ورسائل واضحة لإسرائيل
الزيارة تجري في سياق إقليمي معقّد. فإسرائيل صعّدت، مؤخراً، ضرباتها في الداخل السوري، وسط نقاشات داخلها حول مستقبل وحدة سوريا. في هذا الصدد، شدَّدَ المصدر الفرنسي على رفض بلاده لأي تدخل خارجي من شأنه زعزعة الاستقرار، قائلاً: «نرفض أي خطوات من قبل أطراف خارجية يمكن أن تؤدي إلى تقسيم سوريا أو تأجيج الصراعات الطائفية».
ورغم أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لم تُذكَر صراحة، فإن الإليزيه أرسل رسائل ضمنية في هذا الاتجاه: «كل عمل يُضعف مسار الحوار الوطني ويُقصي مكوّنات المجتمع، مثل الطائفة الدرزية، سيكون له أثر سلبي مباشر على استقرار سوريا والمنطقة».
حماية الأقليات: التزام غير قابل للمساومة
من ضمن الشروط التي تعتبرها باريس جوهرية لمواصلة دعم المرحلة الانتقالية السورية، احترام كامل لحقوق الأقليات. ويقول المصدر: «نطالب بحماية جميع المدنيين، بغضّ النظر عن انتمائهم أو دينهم. وعلى السلطات الانتقالية أن تضمن سلامة الدروز كما العلويين والسنة والمسيحيين».
وأشار إلى أن «الرئيس الشرع أعلن عن تشكيل لجنة تحقيق بعد مجازر الساحل، لكن فرنسا ستنتظر المحاسبة، لا الخطاب وحده».
كما أكد أن فرنسا تراقب عن كثب التطورات في جنوب دمشق، حيث سجلت منظمات حقوقية عمليات استهداف منظم لأبناء الطائفة الدرزية. وعلّق المصدر: «هذه المجازر والتوترات لا تهدد فقط السوريين، بل تمسّ بنية الدولة وتُقوِّض أي مسار نحو الاستقرار».
الكُرد والحوار الوطني
اللقاء بين ماكرون والشرع سيتناول أيضاً المسار السياسي الانتقالي، لا سيما مشاركة الكُرد، الذين تعتبرهم باريس «حلفاء أوفياء في مكافحة الإرهاب»، بحسب المصدر. «ندعم بقوة اتفاق 10 مارس بين الرئيس الشرع والجنرال مظلوم. هذه الخطوة كانت ضرورية لتثبيت الحوار بين الشمال الشرقي ودمشق».
كما دعا المصدر إلى تعزيز الحوار الكردي–الكردي، وإلى دمج كل المكونات السياسية والاجتماعية في الهيكل الجديد للسلطة، معتبراً أن «تفعيل مجلس الشعب المنصوص عليه في الإعلان الدستوري يجب أن يتم دون إقصاء».
يضيف المصدر: «حلفاؤنا الأكراد لهم أهمية بالغة، هم حلفاؤنا الأوفياء على الدوام. نقدم كافة التسهيلات اللازمة لحلفائنا الأكراد الذين كانوا ولا يزالون حتى اليوم حلفاء أوفياء لنا في عملية مكافحة الإرهاب. ولذلك، تُعد هذه العملية بالنسبة إلينا واحدة من الأولويات. ينبغي أن يجد الأكراد مكاناً كاملاً لهم في الدولة الجديدة».
مكافحة الإرهاب: التزامات مشروطة
فرنسا، التي ما تزال طرفاً رئيسياً في التحالف الدولي ضد داعش، تضع بند مكافحة الإرهاب على رأس أجندتها. لكن موقفها بات مشروطاً بنتائج سياسية.
«نحن لا نمنح شيكات على بياض»، يقول المصدر في الإليزيه، مضيفاً: «الرئيس الشرع تعهد بعدم التساهل مع بقايا التنظيمات الإرهابية. ننتظر أفعالاً واضحة. لقد لاحظنا بعض التقدّم، خصوصاً في محاربة تنظيم القاعدة، واستقبال بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لكن الطريق لا يزال طويلاً».
اللاجئون والحدود مع لبنان: بعد إنساني وسيادي
تأملُ فرنسا أن تساهم الزيارة في تفعيل آلية التنسيق الحدودي بين سوريا ولبنان، التي أُطلقت بدعم سعودي وفرنسي. وفي هذا الإطار، تضع باريس ملف اللاجئين على الطاولة، وتطالب بضمانات «لعودة طوعية وآمنة».
«استقرار سوريا لا يخصّها وحدها، بل يطال المنطقة، ولبنان أولاً»، يؤكد المصدر، مشيراً إلى أن الرئيس ماكرون سيبحث مع الشرع أيضاً في إمكان تعزيز التنسيق الثلاثي بين بيروت ودمشق وباريس.
كما لمّحَ المصدر إلى أن فرنسا لن تقبل بعودة الهيمنة السورية على القرار اللبناني، قائلاً: «نسعى لترسيم حدود واضحة تحترم سيادة البلدين. هذه خطوة ضرورية لبناء الثقة».
العقوبات وإعادة الإعمار: لا دعم دون إصلاح
أشار المصدر إلى أن فرنسا، رغم ترحيبها بسقوط النظام السابق، لا تنوي رفع العقوبات بشكل شامل: «الرئيس الشرع لا يزال خاضعاً لعقوبات مجلس الأمن، وزيارته تمت بموجب إعفاء مؤقت».
أما بشأن إعادة الإعمار، فشدد المسؤول الفرنسي على أن «أي تمويل دولي مشروط بالشفافية والحوكمة». وأردف: «البنك الدولي يُقدّر احتياجات الإعمار بـ250 مليار دولار. لا يمكن أن نطلب من المانحين التحرك دون رؤية إصلاحات حقيقية. فرنسا عرضت خبرتها التقنية، خاصة في إصلاح القطاع المالي، لكن الكرة في ملعب السوريين».
لا اعتراف مجاني بشرعية السلطات الجديدة
الرسالة الفرنسية واضحة: لا تطبيع بلا شروط. «ما زلنا نحكم على الأفعال لا على النوايا»، يقول المصدر في الإليزيه؛ «نحن نراقب. من حماية الأقليات إلى العدالة الانتقالية، ومن الحوار الوطني إلى تفكيك الشبكات الإرهابية، المطلوب هو التزام صادق ومسؤولية سياسية».
موقع الجمهورية
———————————————
زيارة أحمد الشرع إلى فرنسا: هل أخفقت باريس في اختيار التوقيت؟/ حسن مراد
08.05.2025
زيارة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع إلى باريس ولقاءه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثارت الكثير من الجدل في الأوساط الفرنسيّة، فهل تحاول فرنسا التأثير على توجهات الشرع أم أنها أخطأت بدعوته دون ضمانات ميدانية ملموسة؟
منذ الإعلان، فجر الثلاثاء، عن موعد زيارة أحمد الشرع إلى فرنسا بدأ صداها يتردد في أوساط السوريين كما في الداخل الفرنسي، على اعتبار أنها الزيارة الأولى للشرع إلى عاصمة غربية تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي وتعتبر النواة السياسية للاتحاد الأوروبي. لم يخف كثر من السوريين خشيتهم من أن يغادر الشرع فرنسا محملاً بشرعية دولية، في ذات الوقت الذي لم يحاسب فيه مرتكبي جرائم الساحل والسويداء وجرمانا وصحنايا.
أصوات علت حتى قبل انعقاد المؤتمر الصحافي الذي طالب ماكرون فيه ضيفه السوري “بحماية جميع السوريين من دون استثناء”. الأصوات المعترضة سبقت كذلك توضيحات الخارجية الفرنسية، يوم الثلاثاء، والتي أشارت فيها إلى أن فرنسا ستطالب الرئيس السوري الانتقالي، بصرامة، بمحاكمة مرتكبي المجازر الطائفية.
أن تعلو هذه الأصوات مستبقة الزيارة، دليل على توقيتها الإشكالي بغض النظر عن مضمونها.
تواصُل فرنسا مع شخصيات وأنظمة تحوم حولها علامات استفهام لجهة سلوكها الديمقراطي ومدى احترامها حقوق الإنسان بات مألوفاً، بخاصة أن المبادئ لا تصمد أمام المصالح والواقعية السياسية. سفير فرنسا السابق في سوريا ميشال دوكلو أكد لـ”درج” تأييده خطوة ماكرون: غاية فرنسا أن تكون مؤثرة في المشهد السوري لما ينتج منه من تحديات داخلية وإقليمية.
لكنّ عائقاً يعترض باريس في هذا السياق: افتقادها الآليات اللازمة. وعليه يرى السفير السابق، الذي يشغل حالياً منصب المستشار الخاص في مجمع التفكير “مونتين”، أن دعوة الشرع إلى باريس مبررة لجهة محاولة التأثير على توجهاته السياسية. لا ينفي دوكلو صوابية الرأي الداعي إلى تأجيل الزيارة بانتظار الحصول على ضمانات ميدانية ملموسة، لكن غياب آليات التأثير اللازمة يحتّم بالمقابل عدم تأجيلها، وفقاً لتصورّه: “السياسة والدبلوماسية تتطلبان المخاطرة والمجازفة”.
من جانب آخر يرفض دوكلو تحميل الشرع كامل مسؤولية ما حدث بحق العلويين والدروز، لأن الرئيس السوري الانتقالي لا يملك سيطرة كاملة على جميع الفصائل إلى جانب وجود مجموعات موالية لنظام الأسد في الساحل، ودور إسرائيلي في ما يخص الملف الدرزي.
أحد الدبلوماسيين العرب في باريس اعتبر من جهته أن الضرر سيطاول بشكل أو بآخر صورة فرنسا لاستقبالها أحمد الشرع في هذا التوقيت. الدبلوماسي الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أكد لـ”درج” أنه لا يجوز الاستخفاف بالرموز حين يتعلق الأمر باستقبال فرنسا شخصية إشكالية مثل أحمد الشرع وفي ظل جرائم ذات طابع طائفي. لكن طالما أن الزيارة تمت، توقف الدبلوماسي المذكور عند دوافع باريس لدعوة الرئيس السوري الانتقالي.
برأيه، يضع إيمانويل ماكرون على رأس أولوياته ثلاثية “الأمن والاستقرار والازدهار” حتى لو كان الثمن إسقاط كل ما يمت بصلة للقيم والمبادئ الحقوقية، ليضيف: “انطلاقاً من هذه المعادلة رأى ماكرون أن التوقيت مثالي لاستقبال الشرع. فالموقف الأميركي ليس سلبياً تجاه النظام السوري الجديد بدليل تغطيته الاتفاق الموقع مع قوات سوريا الديمقراطية وزيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك التنسيق السعودي – القطري – التركي لعدم عرقلة خطوات الشرع”.
واقع دولي وإقليمي دفع بماكرون إلى اتخاذ هذه الخطوة التي تأتي استكمالاً لخطوات سابقة (اتصال هاتفي بالشرع في شباط/ فبراير الفائت، تفعيل خلية سوريا في الخارجية…) في ترجمة للمثل الشعبي “اللي سبق شم الحبق”. فالوقت السياسي الضاغط يفرض على سيد الإليزيه عدم التوقف كثيراً عند مزاج الرأي العام، وفقاً للدبلوماسي المذكور، مستطرداً أن الحسابات الفرنسية قد تكون مبنية على قاعدة: “اكتساب الشرعية يأتي من رفع العقوبات وليس من خلال الزيارة”، ليختم حديثه إلى “درج” بالقول: “التقييم الفعلي للزيارة سيكون بناء على ما سيقدمه الشرع لفرنسا في عدد من الملفات، كالانفتاح السياسي الداخلي وضمان حقوق الأقليات والملف اللبناني”.
لكن آخرين رفضوا منح الرئيس الفرنسي أي مبرر لاستقباله أحمد الشرع. موقف عبّر عنه الباحث والأستاذ الجامعي المتخصص في الشأن السوري فابريس بالانش، الذي اعتبر في مقابلة مع صحيفة Le Figaro أن فرنسا أظهرت “سذاجة لاعتقادها أنها ستجني ثماراً”.
برأيه، أتى الشرع إلى فرنسا بحثاً عن شرعية دولية استكمالاً لشرعيته الإقليمية. لكن باريس، برأي بالانش، ليست سوى ممر مؤقت، فهدف الشرع هو الشرعية الأميركية، والذي سيتم التعبير عنه بإعادة مصرف سوريا المركزي لنظام سويفت العالمي.
لم ينف بالانش الدوافع الفرنسية، والتي وضعها في إطار السباق الفرنسي – الألماني، إذ تسعى باريس الى أن تكون الطرف الأوروبي المهيمن على الملف السوري، إلى جانب اهتمامها بحجز حصة من عملية إعادة إعمار سوريا.
ينتقد الباحث الفرنسي انسياق الأوروبيين “بسذاجة” خلف الشرع وطرحهم معادلة: إما ديكتاتورية إسلامية أو فوضى على النمط الليبي. هاجس الأوروبيين وفقًا لبالانش تجنب موجة لجوء جديدة، موحياً بتلاعب الشرع بهم بعدما أعطى إشارات تدل على اعتداله وابتعاده عن أي ميول تطرفية. سلوك يحيله الباحث الفرنسي إلى ضعف الرئيس السوري الانتقالي، والذي سيعود ويكشف عن وجهه الحقيقي فور استقرار حكمه. بالانش لم يستبعد عدم حصول الشركات الفرنسية على الحصة التي تنتظرها من “كعكة إعادة الإعمار”، لتكتشف فرنسا أن الشرع استفاد من سذاجتها.
لاستقبال أحمد الشرع، لجأت فرنسا إلى معادلتها المعتادة التي تتيح لها تبرير انفتاحها على الأنظمة الديكتاتورية، معادلة قوامها: “التواصل الصريح خير من المقاطعة”.
على رغم كل المبررات، تبقى هذه الزيارة غير مثالية أقله لجهة التوقيت، إذا أضفنا إليه الخطوات التي أقدم عليها أحمد الشرع والتي لا توحي بالتفاؤل مستقبلاً، وعلى رغم وعوده السابقة (سلق الحوار الوطني، عيوب التشكيلة الحكومية …)، يُخشى ألا يبقى من هذه الزيارة سوى ذكرى انتزاع الرئيس سوريا الانتقالي ومن قلب باريس حداً أدنى من الشرعية الدولية، لتضاف هذه الزيارة إلى سجل الزيارات التي شكلت وصمة عار لفرنسا.
الأيام كفيلة بتوضيح ما إذا كنا سنضع هذه الزيارة في الخانة ذاتها مع زيارة بشار الأسد لباريس في العام 2008. آنذاك، حط الرئيس السوري المخلوع في فرنسا للمشاركة في أعمال مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط وحضور احتفالات العيد الوطني الفرنسي في 14 تموز/ يوليو. زيارة أعادت تعويمه دولياً بعد سنوات ثلاث على نبذه عقب اغتيال رفيق الحريري وما تلاها من أحداث أمنية في لبنان. نيكولا ساركوزي نسي أو تناسى أن بلاده تحتفل بعيدها الوطني في ذكرى اقتحام سجن الباستيل، تفصيل لم يدخل في حساباته وهو يستقبل الأسد بعد أيام قليلة على استعصاء سجن صيدنايا.
حالها حال زيارة معمر القذافي إلى باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2007، والتي لا تزال حاضرة في الذاكرة السياسية والشعبية الفرنسية، ليس لإعادة تعويمها الديكتاتور الليبي وحسب، بل لتزامنها مع اليوم الدولي لحقوق الإنسان، لتعكس حجم ازدراء ساركوزي هذه القيم.
درج
——————————-
ماذا يريد ماكرون من الشرع؟/ عمر كوش
7/5/2025
تكتسي زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى باريس أهميتها، ليس فقط من كونها أول زيارة له إلى عاصمة أوروبية، بل لأنها تفتح باب أوروبا أمام التحول السوري الجديد، خاصة أن فرنسا تحظى بثقل كبير في منظومة الاتحاد الأوروبي، وكانت من أولى الدول الأوروبية التي أرسلت وزير خارجيتها جان نويل بارو، صحبة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا ألما بيربوك إلى دمشق.
كما قامت بإعادة فتح سفارتها، التي أغلقت في مارس/ آذار 2012، بعد أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا احتجاجًا على التعامل الدموي لنظام الأسد البائد مع المحتجين السلميين الذين ثاروا على النظام في منتصف مارس/ آذار 2011. ثم قامت باريس بتعيين السفير جان باتيست فيفر قائمًا بالأعمال في سفارتها في دمشق.
وكان لافتًا مسارعة الرئيس ماكرون إلى تهنئة أحمد الشرع بتوليه منصب الرئاسة السورية، ووجه إليه دعوة لزيارة فرنسا، لكنه عاد وقرنها بشروط سياسية، تتلخص في ضرورة تشكيل حكومة سورية شاملة تضم كافة أطياف المجتمع المدني السوري، وتوفير الضمانات الأمنية اللازمة من أجل عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو: ماذا يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من نظيره السوري أحمد الشرع؟
بداية، تشير الزيارة إلى جدية فرنسا واهتمامها بالوضع السوري الجديد، وتأتي تتوجًا لمسار سلكته السلطة الجديدة في سوريا لإعادة بناء علاقاتها الدولية، وكسر العزلة السياسية التي فرضت على البلاد لفترة طويلة، لذلك سعت الإدارة الجديدة إلى الانفتاح على الأوروبيين لرفع جميع العقوبات، أو على الأقل تخفيفها، والإسهام في ملفَي التعافي المبكر، وإعادة الإعمار، وتقديم مساعدات اقتصادية وتقنية هي بأمسّ الحاجة إليها.
وبالتالي، فإن زيارة الشرع إلى باريس تؤكد تمكن حكام سوريا الجدد من انتزاع تأييد واعترف دولي واسعَين، إلى جانب احتضان عربي خليجي غير مشروط، الأمر الذي يمنحهم شرعية خارجية. وتشي الزيارة بحدوث تغير في موقف معظم دول الاتحاد الأوروبي حيال التحول السوري، الذي أنهى حكم آل الأسد الاستبدادي.
وبالتالي، فإنها تمثل فرصة هامة للشرع كي يشرح رؤيته لمستقبل سوريا، ويقدم تصوره لمسار عملية الانتقال السياسي فيها، خاصة أن سوريا بحاجة إلى جمْع الدول للوقوف إلى جانبها لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها. إضافة إلى سعيها لحشد دولي لوقف الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية المتكررة، التي تسعى إلى تفتيتها وزعزعة أمنها واستقرارها.
الواقع هو أنّ فرنسا، التي بات دورها هامشيًا في أزمات منطقة الشرق الأوسط، تريد العودة إلى الانخراط فيها من البوابة السورية واللبنانية، واستئناف نفوذها ودورها التاريخي، خاصة أنها تحتفظ ببعض أوراق النفوذ في المنطقة، لذلك سارعت إلى احتضان المؤتمر الدولي حول سوريا، الذي عقد في 13 فبراير/ شباط الماضي، بمشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وتبذل جهودًا من أجل رفع العقوبات عن سوريا، وذلك في إطار سعيها لأن تكون الراعي الدولي الأوروبي لعملية الانتقال في سوريا.
تستند فرنسا في عودتها إلى الملف السوري، إلى الدعم الذي أظهرته لتطلعات الشعب السوري منذ بداية ثورة 2011، حيث تبنّت موقفًا مساندًا للمعارضة ضد نظام الأسد البائد، وانخرطت في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وتعاملت بإيجابية مع التغير السوري، من أجل إبعاد روسيا وإيران عن الساحة السورية، وكل ما قد يتسبب في إحداث فوضى خلال عملية الانتقال السياسي فيها.
كما أن منظمات حقوقية فرنسية وسورية استثمرت قوانين الاختصاص القضائي العالمي، والمبدأ الجنائي الفرنسي، في رفع قضايا لمحاكمة مجرمين من نظام الأسد، لأن تلك القوانين تسمح بمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية حتى لو ارتكبت خارج فرنسا وضد أجانب، شرط وجود صلة بفرنسا، مثل حمل الضحايا الجنسية الفرنسية.
وقد أصدر قضاة فرنسيون في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 مذكرات توقيف دولية بحق ثلاثة من كبار مسؤولي أجهزة استخبارات نظام الأسد، هم: علي مملوك (مدير المخابرات العامة)، وجميل حسن (مدير المخابرات الجوية آنذاك) وعبد السلام محمود (مسؤول في فرع التحقيق بمطار المزة).
ثم أصدر القضاء الفرنسي مذكرة اعتقال ثانية في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي بحق بشار الأسد. وسبق أن أصدر قضاة فرنسيون في ديسمبر/ كانون الأول 2023، أول مذكرة اعتقال بحقه لاتهامه بالتواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
أراد الرئيس ماكرون من زيارة الشرع إلى باريس إظهار التزام فرنسا بدعم إعادة “بناء سوريا جديدة حرة ومستقرة وذات سيادة كاملة تحترم جميع أطياف المجتمع السوري دون تمييز”، لكن تركيزه انصب على القيام بمزيد من الخطوات باتجاه توسيع دائرة تمثيل الأقليات في مفاصل الحكم والدولة، وإيقاف الانتهاكات والتجاوزات التي حصلت مؤخرًا في الساحل السوري، إلى جانب ملف المقاتلين الأجانب في سوريا، وضرورة إبعادهم عن قيادة الجيش الجديد.
إضافة لضرورة انخراط سوريا في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، وضرورة دمج حلفائه في قوات سوريا الديمقراطية في العملية الانتقالية، فضلًا عن أنه لم يخفِ مطالبه بأن تبقى سوريا بعيدًا عن نفوذ النظامين: الروسي والإيراني، ومنع سوريا من أن تتحول مرة أخرى منصة للمليشيات الإيرانية لزعزعة استقرار المنطقة. ما يعني منع وصول الأسلحة إلى حزب الله اللبناني، منعًا لأي تهديد للداخل اللبناني، ولأمن إسرائيل.
غير أنّ القضايا التي تهم فرنسا لا تنحصر بالوضع الداخلي، وما يتعلق بعملية الانتقال السياسي، ومشاركة الأقليات وحقوق المرأة، بل تتمحور حول قضايا إقليمية ودولية أهمها:
استقرار المنطقة، وخاصة الوضع في لبنان المجاور، مع التركيز على ترسيم الحدود البرية والبحرية بين سوريا ولبنان، ووضع اللاجئين السوريين فيه.
ملف مكافحة الإرهاب ومنع ظهور تنظيم الدولة، وتراه باريس تحديًا مشتركًا للمجتمع الدولي. إضافة إلى بحث مصير معتقلي التنظيم الفرنسيين وعوائلهم في السجون التي تشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وضع الكيانات والمجموعات الكردية التي تدعمها فرنسا، ومناقشة مصير الاتفاق الذي وقع في العاشر من مارس/ آذار الماضي بين الرئيس الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، بشأن إدماج قسد في الجسم السوري الجديد.
مسألة عودة اللاجئين السوريين المتواجدين في مختلف البلدان الأوروبية.
ليس جديدًا القول إن ما يهم الدول هو مصالحها، وعليه فإن فرنسا لديها مصالح اقتصادية في سوريا، وذلك في ظل مرحلة إعادة الإعمار المقبلة عليها، وتريد الشركات الفرنسية أن يكون لها نصيبها، ولعل باكورة الحصة الفرنسية تجسدت في العقد الذي وقعته “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” السورية مع شركة “سي إم إيه سي جي إم” الفرنسية، ومدته 30 عامًا، ويتضمن قيام الشركة الفرنسية بتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية بقيمة 230 مليون يورو، تضخ الشركة خلال العام الأول مبلغ 30 مليون يورو، فيما تضخ في الأعوام الأربعة التي تليه مبلغ 200 مليون يورو، على أن تقوم بإنشاء رصيف الميناء بطول كيلو ونصف الكيلومتر وبعمق 17 مترًا.
ولعل توقيع اتفاق بهذا الحجم مع شركة فرنسية، يؤكد موقف فرنسا الداعم لاستقرار سوريا. لكن ضخ الاستثمارات الفرنسية في مختلف القطاعات الاقتصادية يتطلب رفع العقوبات المفروضة عليها، وخاصة العقوبات الأميركية على سوريا، التي تشكل أكبر عقبة أمام تعافي البلاد وتحسين شروط عيش السوريين، فضلًا عن أنّها تعيق ملايين اللاجئين السوريين الذين ينتظرون توفير بيئة ملائمة معيشيًا لعودتهم إلى بلادهم، حيث لا تمتلك السلطات الجديدة القدرة على تقديم الخدمات والاحتياجات الضرورية لعموم السوريين، خاصة أن أكثر من 90 في المئة منهم تحت خط الفقر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب وباحث سوري
الجزيرة
——————————-
الشرع في باريس.. فرنسا تقود المبادرة الدبلوماسية بدعم سوريا الجديدة/ حفصة علمي
كومبو للرئيسين: السوري أحمد الشرع والفرنسي إيمانويل ماكرون
7/5/2025
باريس- يستضيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء، نظيره السوري أحمد الشرع في أول زيارة له إلى أوروبا منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفق ما أعلنه قصر الإليزيه أمس.
ومن المقرر أن يناقش ماكرون مع الشرع عدة قضايا، من أهمها رفع العقوبات ومكافحة الإرهاب واستقرار المنطقة والوضع في لبنان.
كما تتجلى أهمية هذا اللقاء في محاولة فرنسا قيادة المبادرة الدبلوماسية لدعم سوريا الجديدة ولعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط.
بوابة أوروبا
يعتبر مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن العلاقات التاريخية بين باريس ودمشق كانت المحرك الأساسي لاختيار فرنسا دعوة واستقبال الرئيس السوري لتكون البلد الأول الذي يزوره. وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الزيارة ستمثل خطوة مهمة للشرع، وستكون بوابة إلى المجتمع الدولي الأوسع.
وتابع عبد الغني “بما أن فرنسا تُعد من الدول الديمقراطية العريقة، فإن استقبالها للرئيس السوري سيعني أن عددا كبيرا من الدول الأوروبية ستدور في فلكها هي وألمانيا البلدين اللذين يقودان الاتحاد الأوروبي” متوقعا أن هذه الدول ستقوم بالخطوة نفسها في المستقبل.
ومن جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بباريس زياد ماجد أن الشرع يبحث عن تواصل دولي مع الغرب ليقدم نفسه كرئيس جديد لسوريا، بعد حصوله على الشرعية العربية من خلال دعوته إلى القمة العربية واجتماعات مختلفة مع القادة العرب.
وأضاف ماجد -في تصريحه للجزيرة نت- أن أهمية الزيارة تكمن في اعتبار باريس المدخل الأساسي نظرا لدورها السابق في مواجهة نظام الأسد ومحاولتها قيادة الاتحاد الأوروبي سياسيا في منطقة الشرق المتوسط، فضلا عن علاقاتها العديدة مع لبنان والعراق ودول الخليج.
وفي الوقت الذي كانت فيه فرنسا مركزة على مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط، يبدو أنها تتخذ اليوم منعطفا جيوسياسيا مختلفا، وقد برز ذلك بشكل واضح في اعترافها المحتمل بدولة فلسطين وزيارة ماكرون الأخيرة إلى مصر.
دعم سوريا
وكان الرئيس الفرنسي قد دعا الشرع لزيارة باريس بداية فبراير/شباط الماضي. وفي نهاية مارس/آذار الماضي، جعل دعوته مشروطة بتشكيل حكومة سورية شاملة “لكل مكونات المجتمع المدني” وبالضمانات المتعلقة بأمن البلاد، معتبرا أن مناقشاته الأولى مع الشرع بهذا الصدد كانت “إيجابية تماما”.
وخلال الاجتماع، سيؤكد ماكرون دعم بلاده لبناء “سوريا حرة ومستقرة وذات سيادة تحترم جميع مكونات المجتمع السوري” وفقا لبيان الرئاسة الفرنسية أمس.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية زياد ماجد أن المسائل الاقتصادية والحيوية بالنسبة لسوريا ولنظام الشرع، مثل إعادة الإعمار ورفع بعض العقوبات وتشجيع الاستثمارات، تُعد من أهم أهداف زيارته لفرنسا.
وغير مستبعد إثارة الرئيس الفرنسي مع الشرع ملف حقوق الإنسان و”التوترات الطائفية” أكد ماجد على رغبة باريس في التعاون الاقتصادي ولعب دور قيادي في الشرق الأدنى -خاصة في سوريا ولبنان- في ظل الغياب الأميركي.
وأضاف أن القمة التي جمعت ماكرون مع نظيره اللبناني جوزيف عون في باريس في مارس/آذار الماضي، والتي جرى خلالها الاتصال بالشرع والمسؤولين القبارصة واليونانيين، تؤكد الاهتمام الفرنسي بهذه المنطقة حيث تتوفر الاحتمالات لإبرام عقود اقتصادية بفضل الموانئ الإستراتيجية لفرنسا وارتباط الساحل ببلد مثل العراق.
وفي سياق متصل، يرى عبد الغني أن باريس تشعر بضرورة أن تلعب الدور مجددا في دمشق لأن المنطقة داخل نطاق اهتماماتها، فضلا عن أهمية وارتباط سوريا بضمان استقرار لبنان.
تحديات ومصالح
ومن المتوقع أن تسلط هذه الزيارة الضوء على التحديات الخارجية التي تواجهها سوريا، خاصة الغارات الإسرائيلية المتكررة التي تهدد سيادة واستقرار البلاد، وفقا لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وبينما دعت إسرائيل إلى بقاء سوريا معزولة ولامركزية، صعّدت هجماتها العسكرية في جميع أنحاء البلاد ودخلت قواتها البرية إلى منطقة جنوب غربها، منذ نجاح فصائل المعارضة السورية في الإطاحة بنظام الأسد.
وبالتالي، يعتبر ماجد أن الأمور لا تزال معقدة في ظل المشاكل الداخلية والعقوبات الأميركية وحالة الانتظار لما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، بسبب استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة والغارات الإسرائيلية على لبنان واستباحة إسرائيل للجنوب السوري.
ويرى عبد الغني أن فرنسا تحتاج إلى استعادة نفوذها الذي فقدته في سوريا من خلال قطعها العلاقات مع بشار الأسد. وبقيادتها القاطرة الأوروبية باتجاه سوريا في ظل الفراغ والتردد الأميركي، تتقدم باريس بهذه الخطوة ليكون لها دور التأثير السياسي على السلطات في دمشق والعملية الانتقالية كلها، من خلال دعم النواحي الاقتصادية والسياسية، وفق المتحدث نفسه.
المصدر : الجزيرة
———————————–
الشرع في باريس.. محاولة العودة إلى العالم من البوابة الفرنسية/ أحمد الكناني
7 مايو 2025
استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، اليوم الأربعاء، الرئيس السوري أحمد الشرع الذي يقوم بأول زيارة أوروبية له منذ تسلمه رئاسة الفترة الانتقالية في سوريا. ويرى مراقبون أن اختيار فرنسا كوجهة أولى خارج الإقليم يعكس الثقل الحقيقي للدور الفرنسي، سياسيًا واقتصاديًا، في سوريا.
ويشير بيان الإليزيه، حول الزيارة، إلى أن الرئيس ماكرون يؤكد على الدعم الفرنسي لبناء سوريا جديدة حرة، ومستقرة، وذات سيادة، تحترم كل مكونات المجتمع السوري، في إشارة إلى أن قضية الأقليات ستكون حاضرة في المباحثات بين الرئيسين، إضافة إلى الملفات الاقتصادية التي تراها دمشق معلقة من قبل الجانب الفرنسي.
بوابة أوروبية
يعتقد الباحث في الشؤون السياسة، مروان حمي، أن زيارة الرئيس الشرع إلى باريس تعد مؤشرًا على بداية مرحلة جديدة في الترتيبات الإقليمية والدولية للملف السوري، تهدف إلى إعادة تموضع دمشق في الساحة الدولية بعد سقوط نظام الأسد، انطلاقًا من ثقل فرنسا الدبلوماسي كعضو دائم في مجلس الأمن، وكقائد سياسي في الاتحاد الأوروبي.
ولفت الباحث حمي إلى وجود اهتمام واضح لفرنسا بتعزيز نفوذها في سوريا، وهو ما انعكس في بيان الإليزيه، والذي يعبر عن رغبة باريس أن تدخل في وساطة بين الفصائل السورية والمكونات الطائفية والعرقية، بما في ذلك الكرد والأقليات في الساحل مثل العلويين والمسيحيين.
وفي هذا السياق يشير الأكاديمي المختص في قضايا الحوكمة، د. زيدون الزعبي، إلى أن أبرز الأهداف لزيارة الرئيس الشرع لباريس متعلقة بالخروج من العزلة السياسية، التي كانت مفروضة على الأسد، حيث تعمل الإدارة الجديدة في سوريا على إعادة التموضع داخل المجتمع الدولي، إضافة إلى أن باريس نفسها تكسر الحرج الدولي بما يتعلق بالسياسات الأوروبية تجاه دمشق، خاصة وأنه ثمة اتفاقات اقتصادية بدأ العمل عليها بين البلدين كاتفاق تطوير وتشغيل ميناء اللاذقية.
دور اقتصادي وأموال مجمدة
لا شك أن الملف الاقتصادي سيكون حاضرًا بقوة على طاولة الرئيسين، لا سيما الاتفاق الذي أبرمته الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا مع شركة CMA CGM الفرنسية لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية، وذلك حسب الأكاديمي الزعبي، الذي أشار إلى احتمالية مناقشة الأموال السورية المجمدة، وقضية “لافارج”، نظرًا للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها الحكومة السورية.
وفي هذا الجانب، يرى الباحث حمي أن الزيارة إلى باريس توفر فرصة للتفاوض مع فرنسا، التي تُعد لاعبًا رئيسًا في الاتحاد الأوروبي، لتسهيل إعادة الأموال السورية المجمدة، إضافة إلى التفاوض مع مؤسسات مالية دولية كصندوق النقد الدولي، لافتًا إلى أهمية قضية شركة “لافارج”، التي تورطت في دفع أموال لتنظيم الدولة الإسلامية بين 2011-2014 لتأمين مصنعها في الرقة، والتي قد تستخدمها دمشق للحصول على مكاسب اقتصادية، منوهًا إلى أن باريس ستضع شروطًا متعلقة بالإصلاح السياسي، وحماية مصالحها، مقابل أي خطوة ايجابية تجاه دمشق.
ملف “الأقليات”
تشير التقديرات السياسية إلى أن فرنسا تسعى لاستغلال علاقاتها التاريخية مع بعض الفئات السورية، خاصة المسيحيين والعلويين في الساحل، حيث تستضيف المقر الأوروبي للمجلس العلوي، إضافة إلى دورها في الكونفرانس الكردي، والذي اعتبرته دمشق انقلابًا على اتفاقها مع “قسد”.
وفي هذا السياق يعتبر الأكاديمي زيدون الزعبي أن القضية الكردية ستكون على طاولة النقاشات بين الرئيسين، لا سيما وأن فرنسا كانت الراعية للكونفرانس الكردي، إضافة إلى علاقاتها السياسية العميقة مع الإدارة الذاتية.
فيما يعتقد الباحث السياسي مروان حمي أن باريس تعمل على إدارة التوازنات الطائفية، خاصة مع مخاوف الأقليات من هيمنة الفصائل الإسلامية المتشددة ولاسيما الأجنبية منها، إضافة إلى دورها في دعم الكرد، من خلال التقريب بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والمجلس الوطني الكردي، وتسهيل الحوار بين الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا وحكومة دمشق.
ضغط قضائي
في ظل الانقسام الحاصل في صفوف الطبقة السياسية الفرنسية حول زيارة الرئيس الشرع إلى باريس، يعتقد سياسيون أنه من المحتمل أن تحضر الاتهامات بارتكاب انتهاكات حقوقية في نقاشات الرئيسين، وهو ما يعتقد الباحث حمي أنه “وارد” من حيث استخدامه كأداة ضغط سياسي من فرنسا والقوى الغربية لضمان قبول دمشق بشروط دولية، فيما يرى الأكاديمي الزعبي أنه من غير المحتمل فتح مثل هذه الملفات خلال الزيارة كونها هي الأولى بعد قطيعة دامت لأكثر من عقد بين دمشق وباريس.
وبحسب الإليزيه، فإن ماكرون سيذكّر الشرع “بمطالبه من الحكومة السورية، وفي مقدمتها تحقيق الاستقرار في المنطقة، وخاصة لبنان، وكذلك مكافحة الإرهاب الذي يشكل قضية أمنية للسوريين ولجميع سكان المنطقة، وقبل كل شيء للفرنسيين”.
الترا سوريا
—————————–
الشرع تحت مجهر ترمب «المفتون بالرجال الأقوياء»
توجس أميركي من فراغ أمني يعيد «داعش» وأذرع إيران
واشنطن: علي بردى
8 مايو 2025 م
مع مرور 100 يوم على تنصيب أحمد الشرع رئيساً لسوريا، لا يزال المسؤولون الأميركيون ينظرون بحذر إلى إدارته، خوفاً من احتمالات نشوء فوضى قد تشكل أرضاً خصبةً لتنظيمات متطرفة ولإيران التي تحاول الإبقاء على موطئ قدم لها في سوريا، فضلاً عما يعنيه النفوذ التركي المتوسع على امتداد الأراضي السورية بالنسبة إلى إسرائيل.
هذا بعض ما رصدته «الشرق الأوسط» خلال أحاديث مع كل من السفير روبرت وود، الذي شغل مناصب عدة في وزارة الخارجية الأميركية وعمل في البعثة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، والسفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، والزميل الأول في دراسات الشرق الأوسط لدى مجلس العلاقات الخارجية البروفسور هنري باركي الذي شغل أيضاً وظائف حكومية، والسياسي والصحافي الأميركي السوري أيمن عبد النور.
أسئلة ومخاوف
يفضّل السفير روبرت وود التريث قبل الحكم بصورة نهائية على أداء الشرع الذي «يبدو أنه يتصرف كرئيس، ولكن يبقى أن نرى إن كان هناك جوهر وراء أدائه»، واصفاً الوضع في سوريا الآن بأنه «معقد وصعب للغاية»، لا سيما بعد «أعمال العنف الأخيرة… علينا أن نرى كيف سيدير الوضع». وإذ يعبر عن إعجابه باستضافة الشرع لمؤتمر الوحدة الوطنية، يرى وود أن «هناك بعض الأسئلة والمخاوف».
بطريقة ما يتفق السفير روبرت فورد مع وود، فهو يرى أن تصرفات الشرع «تبدو رئاسية في كثير من الأحيان»، ومنها الاتفاق الذي وقعه مع قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي لأنه «إذا نُفذ، سيكون خطوة كبيرة نحو الاستقرار الداخلي».
غير أن البروفسور باركي يلفت إلى أن عبدي «يسيطر على قوة أكبر بكثير من (هيئة تحرير الشام)»، وبطريقة ما، كان على الشرع عقد صفقة مع عبدي، الذي «إذا تحالف مع أقليات أخرى، مثل الدروز وغيرهم، سيصير مصدراً رئيسياً لمعارضة الشرع»، الذي «لا يريد الاعتماد على الأتراك لحمايته دائماً»، بالإضافة إلى أنه «يحتاج إلى إظهار استقلالية عن الأتراك».
ولعل هذا ما يجعل باركي أكثر حذراً، على الرغم من أن الشرع بحسب «مظهره، يبدو وكأنه يتصرف كرئيس». بيد أن المشكلة تتعلق أكثر بـ«مسألة القيادة، وعجزه عن السيطرة على المتطرفين في حكومته ومؤسساته»، مشيراً إلى الانتهاكات الأمنية التي وقعت في اللاذقية وطرطوس، فضلاً عن أنه «لم يوحد البلاد حقاً». وربط باركي وصول الشرع إلى السلطة بـ«انهيار جيش النظام، ببساطة».
ويكمن المأخذ الأكبر لدى باركي على الشرع في أنه «عيّن جهاديين سابقين كمحافظين في اللاذقية وطرطوس، أو أن جميع أعضاء حكومته إما أقاربه أو إخوته، أو، مرة أخرى، أشخاص من قاعدته»، فيما يستبعد مسؤولون أميركيون آخرون أن يكون للشرع دورٌ في الأحداث التي وقعت «لكننا لا نعرف من في حكومته متورط».
ويؤكد عبد النور أن «هناك فارقاً» في نظرة السوريين إلى الشرع يوم انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024 ونظرتهم اليوم، مؤكداً أن «الناس جميعاً وبينهم علويون كانوا مسرورين لسقوط الأسد ونظامه من دون سفك دماء». ويشرح أنه بعد حوالى 100 يوم، تغير الأمر بسبب «الفارق بين ما يصرح به رئيس الجمهورية أحمد الشرع والفريق المحيط به، خصوصاً وزير الخارجية أسعد الشيباني ومعظم المسؤولين متوسطي المستوى في المناطق وفي المناسبات المختلفة، وبين التنفيذ على الأرض».
التفاصيل مهمة
ويلتقي السفير فورد مع ما سبق بطرح «بعض الأسئلة الكبيرة»؛ منها المساءلة وسيادة القانون، بخاصة بعد أحداث اللاذقية وطرطوس، علماً بأن الشرع شكل لجنة للتحقيق في ما حصل. لكنه يعود ويسأل: «هل سيحاسب الذين ارتكبوا انتهاكات على الجانبين علناً ليرى الآخرون في قوات الأمن والقوى المحاربة أنه لن يجري قبولها والتسامح معها؟».
ويذهب السفير وود إلى أن الانفتاح الذي يُظهره الشرع وعقده مؤتمر الوحدة الوطنية «كان مهماً للغاية». لكنه يترقب بـ«قلق بالغ» نوع الاتفاق الذي سيُوقع بين «قوات سوريا الديمقراطية» والشرع، لأن «التفاصيل مهمة»، معترفاً بأن «ما رأيناه حتى الآن بوادر جيدة»، لكنه يأمل في أن «يُجري الشرع تحقيقاً شاملاً في عمليات القتل، لأننا لا نعرف أي عناصر نفذتها».
ويتحدث عبد النور عن «وجهتي نظر» موجودتين حالياً في واشنطن؛ الأولى أصحابها من الشخصيات العسكرية والأمنية التي عملت في العراق، وتعتقد أن الحكام الجدد في دمشق «لن يتغيروا» حتى لو لبسوا الكرافات وحلقوا ذقونهم. أما وجهة النظر الأخرى، فهي أنه «يجب منحهم فرصة لعدة أشهر من أجل أن نرى كيف يمكن أن يتأقلموا مع الواقع الجديد».
سجناء «داعش»
لا يخفي السفير وود مخاوفه من أن نحو 9500 من مقاتلي «داعش» الموجودين في أكثر من 20 سجناً عبر الأراضي السورية يمكن إطلاقهم «في حال التوصل إلى اتفاق نوعي بين (قوات سوريا الديمقراطية) وقوات الشرع»، معتبراً أن هؤلاء المقاتلين يمكن أن يصيروا «مصدر قلق ليس فقط للسوريين، بل للعراقيين وغيرهم في المنطقة».
ويلامس السفير فورد هذه المخاوف، مذكراً بالتحول الجذري لأحمد الشرع نفسه وفترة الاحتراب بين تنظيمه «جبهة النصرة» و«داعش» في مرحلة ما، مما أوحى للسفير فورد بأن الشرع أراد أن يكون «صاحب القرار»، ويقول: «كثيراً ما أتساءل: هل أحمد الشرع سياسي استخدم جماعة إرهابية لأغراض سياسية لكسب النفوذ والسلطة، أم أنه متطرف يتجه الآن إلى السياسة؟».
فرصة نفوذ لايران
يأمل السفير فورد في أن تدرك الإدارة الأميركية والكونغرس أنه «إذا أصبحت سوريا أكثر اضطراباً، ستكون هناك فرصة لإيران كي تعيد بناء نفوذها في بعض المجتمعات السورية»، معبراً عن اعتقاده أن ذلك «لن يساهم إيجاباً في مصالح الأمن القومي الأميركي»، ومقترحاً إزالة جزء من العقوبات، وبعضها قديم للغاية، ويعود إلى 40 عاماً».
ويرى السفير وود أن «كل الدول العربية، وكذلك إسرائيل وتركيا، لديها مصلحة كبيرة في رؤية سوريا موحدة، لا في حال حرب مع نفسها، لأن الحرب ستمتد بالتأكيد إلى الدول المجاورة»، معتبراً أن «هذه لحظة حرجة في ما يتعلق بمستقبل سوريا». ولذلك «يقع على عاتق الدول العربية، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وغيرها ممن لديهم مصلحة في ضمان حصول الشعب السوري على الحريات والرخاء الذي يستحقه». ويؤكد أنه «يجب على الجميع أن يشعروا بالقلق من أي نفوذ إيراني محتمل في سوريا».
ويحذر باركي من أن «نفوذ إيران في سوريا لم يُقضَ عليه» و«الإيرانيون لم يستسلموا»، بل «سيحاولون العودة».
ويسمع عبد النور الآن تعبيراً جديداً في النقاش، وهو «غرب سوريا» أسوة بالتعبير الذي يستخدمونه «شمال سوريا». ويعدُّ أن «كل الأمور الكبرى، كالتقسيم والفدرلة، تتم بداية بخياطة مصطلح. يعني عندما تخيط المصطلح فإنك تضمنه ما تريده منه حيال وضع سياسي مستقبلي، ثم تطرحه في التداول، يتم تبنيه وتناقله، فيصبح وضعاً قائماً. هنا المشكلة. ما دام بدأت الخياطة، فنحن نسير في ذلك الاتجاه للأسف».
قلق من مواجهة تركية – إسرائيلية
بيد أن «تركيا لاعب مهم» و«تربطها علاقات جيدة بالسلطات الجديدة في سوريا» و«سيكون لها، بالطبع، تأثير على ما يحدث في سوريا مستقبلاً» يقول السفير فورد، ويضيف: «الشاغل الأكبر الآن على الصعيد الدولي، في ما يتعلق بالجانب الاستراتيجي للملف السوري، ليس إيران، مع أنها مصدر قلق. لديّ قلق أكبر في شأن احتمال وقوع صدام مباشر بين إسرائيل وتركيا في سوريا، سواءً كان ذلك من خلال سلاح الجو الإسرائيلي ضد سلاح الجو التركي، أو أن يشكل الإسرائيليون قوة بالوكالة على غرار جيش جنوب لبنان قبل 40 عاماً. ثم على الجانب التركي، سيكون لديهم حلفاء سوريون». ويقلقه غياب الحوار بين إسرائيل وتركيا لأنه «إذا بدأت تركيا بنشر طائرات مقاتلة في قواعد داخل سوريا، فجأةً، سيعتبر الإسرائيليون ذلك عملاً عدائياً».
لا يعتقد البروفسور باركي من جهته أن الأمور يمكن أن تصل إلى هذا الحد، مذكراً بأن الأتراك يسيطرون على مساحة شاسعة من الأراضي في سوريا أصلاً، لافتاً إلى أن «الإسرائيليين أكثر قلقاً حيال عودة (حزب الله)، أو ظهور جهات فاعلة جديدة في جنوب سوريا، لأن (هيئة تحرير الشام) لا تسيطر على المنطقة، ولا يمكنها السيطرة عليها بالكامل». ولا يرى أكثر من المواجهة التركية – الإسرائيلية التي «ستكون سياسية في الغالب».
لا دور للأمم المتحدة
وفي سياق الكلام عن الدستور الجديد، لا يرى السفير فورد أي جدوى من القرار 2254 واللجنة الدستورية التي يشرف عليها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن. وكذلك لا يعقد باركي الأمل ذاته على الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص «إلا إذا قدم العرب الدعم لهم».
وعلى غرار كثيرين، يعتقد باركي أن «ترمب شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته»، إذ «يأتي بشيء ما يوماً ما، ويقرر ببساطة أنها فكرة جيدة. ويفعلها»، وهو «معجب للغاية، لن أقول مفتون، بإردوغان» لأنه من قماشة «الرجال الأقوياء» الذين يمكنهم القيام بما يريدون في بلدانهم.
ويؤكد باركي أنه «لا يعرف بعد عام من الآن، ناهيك عن عامين، ماذا سيحدث لسوريا، وإذا وقعت حرب أخرى في سوريا، أو انهار القانون والنظام بشكل كبير، يمكن أن تتخيل أن (داعش) سيعود. من المحتمل جداً أن الحكومة الأميركية قلقة للغاية من أنه بدون القوات الأميركية كقوة عازلة، أو كقوة ردع، فإنه في حال انهيار النظام والقانون في سوريا، ستصير هذه القوة بالغة الأهمية والحيوية».
الشرق الأوسط
——————————
تركيا عرّاب «سوريا الجديدة» تسابق لتثبيت نفوذها
تسعى لملء فراغات كثيرة وتصطدم بتحدي الأكراد وإسرائيل
أنقرة: سعيد عبد الرازق
7 مايو 2025 م
طرحت تركيا نفسها كأحد أبرز اللاعبين على الأرض في سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد وتولي الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
اعتمدت تركيا على الرصيد الذي راكمته منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث دعمت المعارضة السورية السياسية والمسلحة، ودفعتها التطورات إلى التدخل العسكري المباشر عبر 3 عمليات عسكرية، بين عامي 2016 و2019 استهدفت بالأساس وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكّل العمود الفقري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وجزئياً تنظيم «داعش» الإرهابي؛ بهدف تأمين حدودها الجنوبية وإنشاء منطقة آمنة تستوعب اللاجئين الذين تدفقوا عليها.
ومع سقوط نظام بشار الأسد تعزّز الوجود التركي متجاوزاً البعد العسكري إلى السياسي، بما يخدم استراتيجية تقوم على الوجود في مناطق النفوذ القديم للدولة العثمانية؛ ولذلك سارعت لتأخذ مكانها في مقدمة القوى التي تتدافع لملء الفراغ بعد سقوط الأسد.
خطوات استباقية
كانت تركيا أول دولة ترسل رئيس مخابراتها، إبراهيم كالين، كأرفع مسؤول يزور دمشق بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، كما كانت أول دولة قاطعت النظام السابق تعيد فتح سفارتها في دمشق، ثم قنصليتها في حلب، وكانت الدولة الثانية بعد السعودية في أول جولة خارجية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، والدولة الوحيدة التي زارها مرتين في أقل من 3 أشهر، حيث كانت زيارته الأخيرة في 11 أبريل (نيسان) الماضي لحضور منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع في جنوب تركيا.
وسارعت تركيا إلى التنسيق مع حكومة دمشق الجديدة في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب بحث تلبية احتياجات سوريا من الكهرباء وتأهيل المطارات والطرق والتمهيد لتوقيع اتفاقية تجارية شاملة بين البلدين.
وأسفرت العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا عن ترسيخ مناطق نفوذ، حيث دربت تركيا فصائل مسلحة وتشكلت مجالس إدارية تحت إشرافها، كما لعبت دوراً محورياً في رسم المشهد السياسي السوري عبر مسار آستانة، ما أتاح لها التأثير في القرارات السياسية.
وساهمت الاستثمارات التركية في البنية التحتية والتعليم والصحة في المناطق الخاضعة لسيطرتها والفصائل الموالية لها، في تحسين الظروف المعيشية وبالتالي زيادة قبول السكان المحليين للوجود التركي.
ورغم ما يمكن اعتباره نجاحات «فائقة» لتركيا في سوريا، فإن هناك تحديات تتعلق بتأمين حدودها، وإدارة ملف اللاجئين، والتعامل مع التوترات والقوى الإقليمية والدولية، والاتهامات التي تواجهها سياساتها في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بالتدخل لتغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق في شمال سوريا.
أهداف رئيسية
وحسب مصادر بالخارجية التركية، فإن «العمود الفقري للسياسة التركية تجاه سوريا هو تحقيق المصالحة الوطنية من خلال حماية وحدة وسلامة أراضي البلاد، وإرساء الأمن والاستقرار في البلاد بتطهيرها من العناصر الإرهابية، وضمان إعادة إعمار سوريا من خلال رفع العقوبات».
ويظل الهاجس الأول والهدف الأكبر لتركيا هو تأمين حدودها، وتحديداً إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تعتبرها «تنظيماً إرهابياً»، يشكّل خطراً أمنياً.
وتقول تركيا إن مسؤولية مكافحة العناصر الإرهابية والحركات الانفصالية في سوريا تقع على عاتق الإدارة السورية بالدرجة الأولى، وإنها من جانبها وفّرت المساحة اللازمة للسماح بالتغلب على هذه المشاكل على أساس الطريقة التي تفضّلها الإدارة السورية.
وتأمل أنقرة في أن يتم تنفيذ الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، مع قائد «قسد»، مظلوم عبدي، القاضي باندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة السورية، من أجل تجنُّب عمليات عسكرية جديدة، قد تعرقلها أميركا، بدعوى الاتفاق ذاته.
وأثار مؤتمر «وحدة الصف والموقف الكردي» الذي عقدته القوى الكردية في القامشلي شمال شرقي سوريا، مؤخراً، قلقاً شديداً لدى تركيا بسبب دعوته إلى حكم «لا مركزي» أو «فيدرالي».
وأعلن الرئيس رجب طيب إردوغان أن «مسألة النظام الفيدرالي ليست سوى حلم بعيد المنال، ولا مكان لها في واقع سوريا»، قائلاً: «لن نسمح بفرض أمر واقع في منطقتنا ولا بأي مبادرة تهدد أو تعرض الاستقرار الدائم في سوريا والمنطقة للخطر».
ولفت إلى أن السلطات السورية أعلنت أنها لن تقبل بأي سلطة غير حكومة دمشق أو هيكل مسلح غير الجيش السوري في سوريا، مضيفاً: «هم يواصلون عملهم في هذا الاتجاه، ولدينا نهج مماثل تجاه أمن الحدود».
تمسك بوحدة سوريا
وأعطى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، رسالة أكثر وضوحاً وتحديداً حول المؤتمر، خلال زيارة للدوحة، الأحد قبل الماضي، قائلاً إن «تركيا ترغب في رؤية دستور وحكومة في سوريا تضمن إعطاء فرص متساوية لجميع المكونات في البلاد».
ولفت إلى الاتفاق الموقّع في مارس (آذار) الماضي بين حكومة دمشق و«قسد»، مؤكداً أن تركيا ستقف في وجه «المجموعات التي تستغل الوضع الحالي في سوريا لتحقيق بعض أهدافها، وتسعى إلى الإضرار بوحدة أراضي سوريا وسيادتها».
وأكد، فيما اعتبر إشارة لحل عسكري حال الضرورة، أن «تنظيم» الوحدات الكردية (أكبر مكونات «قسد») التابع لـ«حزب العمال الكردستاني»، سيخرج من الحسابات في سوريا، سواء بإرادته عبر طرق سلمية، أو «بخلاف ذلك»، كما خرج تنظيم «داعش» الإرهابي من الحسابات.
ورغم وصف إردوغان لفكرة الفيدرالية في سوريا بأنها «مجرد حلم»، فإن هناك جهات فاعلة، وخصوصاً في شمال وشرق سوريا، تواصل الدفع باتجاه الاعتراف الدولي بالأمر الواقع الذي فرضته «قسد» من خلال إدارة ذاتية تعتمد على نموذج الفيدرالية، وهو ما يزيد من قلق تركيا تجاه «سياسة ناعمة» تحول الحلم إلى كابوس.
التعامل مع ملف الأكراد
ويبدو أن تركيا تعتمد، بشكل أساسي، على الإدارة السورية في التصدي لأي خطوات من شأنها تهديد وحدة سوريا، وفي الوقت ذاته ترغب في نجاح اتفاق اندماج «قسد» في مؤسسات الدولة السورية، لما يحمله من أهمية بالنسبة للجهود المبذولة داخلياً من خلال الاتصالات مع زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين، عبد الله أوجلان، لحل الحزب وتسليم أسلحته، ما يعني أن تركيا ستتخلص من التهديد الذي يحيط بحدودها الجنوبية في شمال العراق، وبالتبعية في شمال شرقي سوريا، فضلاً عن تحقيق سلامها الداخلي.
وتأمل أنقرة في تخلي واشنطن عن الاستمرار في دعم «وحدات حماية الشعب الكردية – قسد»، بدعوى التحالف معها في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، وهو ما لم تعطِ واشنطن أي إشارة إليه حتى رغم الإعلان عن سحب بعض قواتها.
وتراقب تركيا مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا، وتسعى إلى دفع الجدول الزمني للانسحاب، وإقناع الولايات المتحدة بقدرة إدارة دمشق، بدعم منها، على التصدي لبقايا تنظيم «داعش» الإرهابي، والسيطرة على السجون التي توجد بها عائلات عناصر التنظيم، والخاضعة لسيطرة «قسد» حتى الآن.
وفي سبيل ذلك، طرحت تركيا فكرة تشكيل «تحالف إقليمي» لمحاربة «داعش»، يضم إلى جانبها عدداً من دول جوار سوريا، هي الأردن، والعراق، ولبنان، إلى جانب سوريا.
وعقد وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في الدول الخمس اجتماعاً في العاصمة الأردنية عمان، في 9 مارس الماضي، تم الاتفاق خلاله على إنشاء مركز عمليات مشترك في سوريا، لا تزال المحادثات الفنية بشأنه جارية.
قلق من تمدد إسرائيل
وغير بعيد عن هذا الملف المقلق، يأتي النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا، وخشية تركيا من سيطرة إسرائيل، التي تحظى هجماتها في سوريا بقبول أميركي، على أجواء سوريا من الجنوب إلى الشمال، لا سيما مع ما هو معروف من علاقة قوية بين إسرائيل وأكراد سوريا.
كما تنظر إسرائيل إلى أي دور تركي متقدم في سوريا على أنه تهديد استراتيجي لأمنها؛ لأنه قد يغيّر خريطة النفوذ على الحدود الجنوبية ويؤدي لحضور فصائل تشكّل خطراً عليها.
وكشفت تقارير في الفترة الأخيرة عن سعي تركيا، التي تتمتع بعلاقات جيدة للغاية مع الإدارة السورية الجديدة، إلى توسيع وجودها العسكري في البلاد والحصول على قواعد عسكرية برية وجوية وبحرية.
وعلى الرغم من أن تركيا لم تعلن بشكل رسمي سعيها إلى إقامة قواعد جوية في سوريا، فإن إسرائيل قامت بخطوات استباقية وقصفت قاعدة «تي 4» شرق حمص، أكثر من مرة في مارس الماضي، فضلاً عن قصف مطار حماة العسكري وإخراجه من الخدمة نهائياً.
وأعلن مسؤولون إسرائيليون أن إقامة قاعدة تركية في تدمر بريف حمص الشرقي «خط أحمر».
وتدعم تركيا، سياسياً، الإدارة السورية في مواجهة الهجمات الإسرائيلية المتكررة، سواء عبر مجلس الأمن أو في مختلف المحافل.
وعلى الرغم من حالة الترقب والتنافس، لا ترغب تركيا، وكذلك إسرائيل، في مواجهات عسكرية في سوريا، ويبدو أنهما أقرتا قواعد اشتباك لتجنب أي صدام غير مرغوب فيه، خلال اجتماع فني لوفدين منهما في باكو، عاصمة أذربيجان، في 9 أبريل الماضي، على خلفية التوتر في شرق حمص وحماة.
وجنبت هذه القواعد، حسب تقارير تركية وإسرائيلية، اشتباكاً بين طائرات من الجانبين عندما نفّذت إسرائيل ضربات قرب قصر الرئاسة في دمشق.
وأكد مسؤولون إسرائيليون أن المحادثات الفنية في أذربيجان كانت إيجابية، وأن إسرائيل قد تقبل بقاعدة عسكرية محدودة لتركيا في سوريا.
يبقى أن الحضور التركي في سوريا أظهر تحولاً من الدعم غير المباشر إلى التأثير المباشر في الأحداث والتطورات، انطلاقاً من سعي أنقرة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ومع دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدور تركي كبير في سوريا، يتوقع أن يكون لأنقرة دوراً حاسماً في تحديد مستقبل سوريا، وربما المنطقة أيضاً.
الشرق الأوسط
—————————————-
مرحبا بالتلفزيون السوري الجديد: هل يكون بقدر المسؤولية الثورية؟/ أنور القاسم
6 – مايو – 2025
في خمسينيات القرن الماضي، دعا مؤسس التلفزيون السوري صباح قباني المواطنين إلى استقبال «صديق جديد» في بيوتهم، يحمل رسالة ثقافية ووطنية.
والسوريون اليوم مدعوون لاستقبال ما نرجوه أن يكون «صديقا جديدا»، فبعد كل ما مرت به البلاد، يبدو الأمر اليوم أكثر إلحاحاً لخلق إعلام وطني قادر على رأب الصدع، وتقديم خطاب جامع يتجاوز الاصطفافات التقسيمية القائمة حاليا.
كل العيون تتجه لمشاهدة أثير التلفزيون العربي السوري، الذي يعاود البث هذا اليوم الخامس من مايو/آيار، محملين بجبال من الآمال أن يكون مختلفا شكلاً ومضموناً وروحا.
هل سيواكب فعلا انتصار الثورة السورية، أم سيكون صدى لحالة التشظي الوطنية الراهنة؟
أسئلة كثيرة تطرح من مختلف المشارب داخليا واقليميا وخارجيا، هل سيعود برؤية فكرية ومجتمعية وبصرية مختلفة تتجاوز الشعارات التي خنقتنا؟
هل يتناسب هذا التلفزيون بحلته الجديدة مع سورية الجديدة، ويعتمد خدمة البث التلفزيوني عبر الإنترنت، ما لها وما عليها؟
ما هي مساحة الدراما، التي تهم الأسرة والمجتمع، والتي سجلت ريادة عربيا واقليميا، وهل ستكون هناك كوميديا حاضرة عبر بعض المسلسلات، وسيكون هناك استذكار لبعض الأعمال التاريخية، وتخصص مساحة للبرامج الفنية والترفيهية المنوعة، والتي تلامس بمواضيعها نبض الشارع، لا الحكومة فحسب؟
هل أخذ القائمون عليه استرجاع ثقة جمهور هجَر الشاشات الرسمية منذ سنوات، وتحديداً بعد الحرب التي عمّقت الانقسام السياسي والشعبي والإعلامي في البلاد؟
نعلم أنه لم يكن الطريق إلى الانطلاقة الجديدة سهلاً. فقد ورث القائمون على الإدارة الجديدة مبنى في حالة يُرثى لها، على حد تعبير مدير القناة جميل سرور، الذي أشار إلى أنّ أوّل التحديات تمثلت في إعادة تأهيل المبنى وتحديث الحد الأدنى من المعدات اللازمة للعمل.
ندرك أن البنية التحتية للتلفزيون، بحاجة إلى تحديث شامل يواكب المعايير العالمية في التزود بتقنيات الإنتاج التلفزيوني الحديثة.
وندرك أيضا أن الإدارة الجديدة اتبعت سياسة انتقائية، فاحتفظت بالعاملين من أصحاب الكفاءة والخبرة، فيما جرى استبعاد كل فريق المذيعين باعتبارهم وجوهاً مرتبطة بالنظام السابق، تجنباً لإثارة الجدل.
وعلمنا أن بعض هؤلاء غادر العمل أو انتقل إلى أقسام أخرى، فيما آخرون موقوفون عن العمل في انتظار محاسبة قانونية محتملة تتعلق بانتهاكات مهنية سابقة.
مع بداية البث اليوم تظهر أسماء جديدة قادمة من مشهد الإعلام الخارجي، منها الصحافية السابقة في قناة «الجزيرة» إيلاف ياسين، التي أوكلت إليها مهمة اختيار المذيعين والمقدمين الجدد.
وهناك إعلاميون من شمال سوريا وتركيا، من بينهم معاذ محارب، المذيع السابق في تلفزيون سوريا، الذي سيقدم برنامجاً سياسياً حوارياً بعنوان «على الطاولة».
كما يبدو أنه سيكون للإعلاميين هادي العبدالله وجميل الحسن أيضا مكانة خاصة في التلفزيون الجديد.
صناعة الإعلام والتلفزيون الوطني تحديدا وفي ظروف استثنائية كالتي تمر بها سوريا تحتاج إعلاميين خبراء وتقنيين سوريين تعج بهم البلاد العربية والمغترب، هل تم التعاون معهم، لإعداد دورة برامجية مميزة، يشغل فيها المحتوى الإخباري والتحليلي جزءا معتبرها لا أن يكون وعظيا، إلى جانب باقة منوعة من البرامج تهمّ المجتمع السوري، خصوصاً الخدمية، التي يجب أن تتسيد البث طوال النهار؟
كان من الأفضل في رأيي إطلاق تسمية للقناة الوطنية الجديدة أفضل من «الإخبارية» كشعار للقناة، باعتبارها مستهلكة ولا تعبر حتما عن الواقع السوري الحديث.
قد يكون لقب «التلفزيون السوري» ، أكثر توفيقا في محاولة لربط الماضي بالمستقبل. رغم أن التحدي الأكبر يكمن لا في الشعارات، بل في المضمون.
نحن في أمس الحاجة لبناء خطاب إعلامي يُشعر السوريين أنهم ممثلون على الشاشة لا متفرجون عليها.
على التلفزيون السّوري أن يبحث عن هوية يتصالح فيها مع جمهوره، الذي هجره منذ تسعينيات القرن الماضي لصالح الفضائيات اللبنانية والعربية الأخرى.
وأمام القائمين عليه كذلك تحدي منصات التواصل الاجتماعي، التي تنافسه في ظل ثورة التكنولوجيا الحالية.
كما أن التلفزيون السوري، الذي كان رائدا في كل شيء عبر تاريخه – ما عدا برامج السياسة والتحليل طبعا – مدعو لتعزيز الحضور النسائي ضمن كوادر القناة وفريقها من المذيعين، بدل موضة الذكورية المفرطة المنتشرة حاليا في البلاد.
يقول المثل أن تصل متأخرا أفضل من أن لا تصل أبدا، لقد تأخرت انطلاقة التلفزيون السوري، رغم أنها كانت هامة مثلها مثل الوزارات السيادية، لأن غيابه كان كارثيا وجعل المشهد الإعلامي الوطني في حالة فوضى عارمة، وصلت إلى التدمير الوطني الذاتي، فقد تسيد المشهد الإعلامي العنف والتحريض الطائفي والتصريحات الهزلية وغير المسؤولة، رغم محاولة تلفزيون سوريا في تركيا سد بعض الثغرات.
اذا هي انطلاقة متأخرة، كنا نتمنى أن تكون منظمة بشكل أكبر وتظهر عظمة وتاريخ واحد من أقدم وأعرق التلفزيونات العربية، لكن لم تفت الفرصة في المستقبل القريب، قد تكون هناك انطلاقات مقبلة بعد توفر الظروف والكادر الفني والثقافي والإعلامي تعيد البريق لهذا المبنى التاريخي، الذي ارتبط حضاريا ووجدانيا في كل مراحل البلاد الحديثة.
كاتب من أسرة «القدس العربي»
القدس العربي
——————————–
وصفات “فيسبوكية”/ سميرة المسالمة
7 مايو 2025
ضاقت بي العتمة في منزل خلا من سكانه، لا أملك جهازَ تلفزيون، أتشارك هذا الفقد مع كثير من العائلات السورية التي لا تملك رفاهية شراء الأجهزة الحديثة الموفّرة للطاقة، حيثُ التقنين الكهربائي أسلوبُ حياةٍ متواطئ ضدّ الرفاهية. لذلك، لا أستغرب جهل الكثيرين بأسماء الصحف الإلكترونية أو القنوات الفضائية المستجدّة، بينما يملك كلٌّ منهم صفحة “فيسبوكية”.
أنا وحيدة الآن، أمشي في شوارع مظلمة، وبعض رشقات الرصاص تشقّ طريقها إلى مسامعي تارةً، أو تسقط بالجوار تارةً أخرى. بعض كبار السن ممّن التقيتهم صدفةً، يتذكرونني كصحافية من زمن “ورق الجرائد”، فيفتحون معي أحاديث متنوعة، فيتحول المقهى الذي نحطّ فيه رحالنا بحثًا عن الضوء والإنترنت والقهوة، إلى منتدى حواريٍّ مرتجل. أفهم منهم أن وسيلتهم الوحيدة – منذ سنوات طويلة- لمعرفة ما يدور خلف جدران منازلهم هي وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبًا (فيسبوك)، عبر هواتفهم “المعمّرة” شبه الذكية. بعضهم يراها منبرًا صالحًا للبحث عن الحقيقة، وآخرون يتحدثون عنها بلغة يائسة، كوسيلة لا يمكن الوثوق بها.
بالنسبة لي، قد لا يكون الموقف حادًّا في اتجاهٍ بعينه، لكن ما تشهده منصات التواصل من اصطفافات مسبقة، ليس منبعه فقط اختلاف الآراء، بل من تحوّلها إلى مساحات صراع، تستبدل طرح الفكرة بالحشد لرأيٍ معين، والحجةَ بالهجوم على المختلف معها، ويتحوّل النقاش إلى منصةٍ للتجريح، تجعل الشخص المستهدف إمّا أن يبادر إلى هجومٍ مضاد، فيصطف الجمهور في جبهتين يتراشقان الردود، فيطول السجال ويستديم، وقد ينتقل من العالم الافتراضي إلى الواقع حاملًا كل تبعاته، أو يستسلم الضحايا وينسحبون، لينضموا إلى جمهورٍ مُعادٍ لحريات الحداثة وتطوّراتها، فيحمّلها وِزر خطايا التحشيد وسوء النوايا، أو يتركون مساحتهم خاويةً يعصف فيها الصمت المستضعف أو المستسلم.
“طرح الأفكار وحشد التأييد لها على المنابر، يُمثّل إحدى الصناعات الخطيرة في المجتمعات الهشّة، ما يجعلها قادرة على نقل صراعاتها من عالمها الافتراضي إلى فوهات بنادق القتل الحقيقية على الأرض”
مما لا شك فيه أن حرية الرأي تُعدّ حجر الأساس في بناء المجتمعات المتماسكة والمستنيرة، لكنها، في لحظة فاصلة بينها وبين الانفلات الفوضوي، قد تتحوّل إلى رصاصة قاتلة، تمزق البنى المجتمعية، وتحول الصراعات الفكرية إلى اصطفافات سياسية. ففي العصر الرقمي الذي نعيشه، نحتاج إلى توازن دقيق يربط بين مفهوم الحرية ومسؤولية الرأي، وهما لا يفترقان، لأن الأولى تعني أنك تستطيع فعل ما تشاء، والثانية أنك تدرك أثر ما تفعله أو تقوله، وتتحمل تبعاته.
ومع تأييدي الدعوات التي أطلقها مؤسسو الفضاء السيبراني، ومنهم جون بيري بارلو، أحد مؤسسي مؤسسة الحدود الإلكترونية (1996): “إن الإنترنت يجب أن يكون فضاءً حرًّا من تدخل الحكومات، للحفاظ على حرية التعبير في العالم الرقمي”، لما تحمله من إمكانية إنتاج محتوى حر بعيد عن الرقابة والتقييد، حول أفكارٍ مجموع اختلافاتها يصب في تعزيز وتقوية الحقيقة، من خلال التصادم مع الخطأ، وطرح البراهين على ذلك، إلا أن استخدام وسائل التواصل للاعتداء على الحريات وكرامة الأفراد، ونشر خطاب الكراهية على شبكة الإنترنت، يشكّل تهديدًا جوهريًا للحياة والاستقرار في المجتمع، ويحتّم على حكومات الدول تبنّي رأي المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، القائل بـ “ضرورة تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي للحد من انتشار المعلومات المضللة مع الحفاظ على حرية التعبير وتعزيز المعلومات الموثوقة”. ومن شأن ذلك فعليًا أن يعزز الوعي الرقمي، ويحد من الفوضى، ويخلق بيئة تواصلية تحترم حرية التعبير.
إنّ اتساع مساحات حرية التعبير يجب أن يقترن بنضج إدراكاتنا لمسؤولية الكلمة. وطرح الأفكار وحشد التأييد لها على المنابر، يُمثّل اليوم إحدى الصناعات الخطيرة في المجتمعات الهشّة، ما يجعلها قادرة فعليًا على نقل صراعاتها من عالمها الافتراضي إلى فوهات بنادق القتل الحقيقية على الأرض، ما لم يلبس المجتمع الدروع الواقية من فلتانها.
لنتذكر معًا أنه في زمن العتمة، تُضاء شاشات الموبايلات التي تحملنا إلى عوالم الآخرين، لنقرأ نصًّا جميلاً هنا، وقصيدة تائهة هناك. أحدهم يقلب مواجع الماضي، والآخر يتجاوز الحاضر إلى علوم المستقبل. مطابخ “التيك توك” عامرة بمختلف الوصفات، نأكل من على موائدها بعيوننا الحالمة، و”إنستغرام” حافل بصور التفاصيل الحياتية لمشاهير صغار وكبار، نساء ورجال، الجدات أيضًا حاضرات. عالم “إكس” متنوع كما “فيسبوك”، وفي فقرة أخرى علوم النباتات والأدوية، تتناقض الوصفات كأنها في سباق على الضحية، وأنا لا أعرف أيها أستطيع تصديقها! هذه قد تعيد لي سنوات عمري المهدورة تشرّدًا وبحثًا عن الحرية، تسدّ المسامات الهرمة، وتكوي دهاليز التجاعيد القاتمة، وتلك وصفات من كركم وكربونات ونشاء، وكل بهارات الهند والسند فوق البشرة، ومعها وصفات لحربٍ طائفية؟!
ضفة ثالثة
——————————
الشرع في بلاد الـ”باسكت بول”/ طارق اسماعيل
07.05.2025
الكثافة المأساوية لمشهدية اللهو “السلّوي” لأحمد الشرع أمام الغرب، تتلازم مع مشهدية دموية تتولاها فصائل “الجولاني” بحق العلويين والدروز السوريين.
لاعباً بكرة السلة، يبعث لنا الرئيس السوري أحمد الشرع آخر تحديث لأبي محمد الجولاني.
الـ”داونلود” الأخير يندرج على الأرجح في سياق تبديد صورة زعيم جبهة “النصرة” وقد آل إليه حكم سوريا، في حين أن المظهر الذي يزاول فيه هوايته المكتشفة منّا راهناً، يريدها الشرع مساهمة جديدة في التواطؤ على مظهر آخر. إنه ماضي الرجل بجلباب المتطرفين.
الشرع السلّوي (نسبة لكرة لسلة) لم تنقصه لحظة ذكاء وهو يزاول هوايته بشيء من المهارة على ما أظهره المشهد الراهن. ذكاء يفترِض أن يحفّزنا نحن أيضاً على الذكاء، وقد فعلها.
يستدعي ذكاؤنا أن ندرك أن “حداثة” الشرع مرسلة بالضرورة إلى خارج سوريا، وتحديداً إلى بلاد الـ”باسكت بول”، ولا بأس أيضاً بمراسلة ملحقة نحو الغرب بشكل عام. إنها حداثة مصطنعة تتلاشى كل مظاهرها أمام الدم السوري المسال بأبعاد مذهبية، وبأمر من الرجل ، أو بصمت منه، ويشي أننا لم نزل أمام حكم هجين هو بالضرورة نتاج فصائل “النصرة” المهجنة.
رجل شرقي إذاً، وبكل ما تكتوي به مشرقيته من استغراق تاريخي ومذهبي بائس، يختار نمطاً ترفيهياً وشعبياً غربياً، وبتقليد للمواصفات المكتملة عن مدربي الـNBA. لباس رسمي، ربطة عنق، وكرة سلة تطيع مهارة متعمّدة، ولا تبدد كل تلك المواصفات “لحية”، هي من ذلك الإرث الذي لا يزال يحمله الرجل من ماضيه إلى حاضره.
عموماً، رجل بلحية مشذّبة ليس مؤشراً إلى ماضٍ متطرف، أو اعتدال مُحدّث لا يريد الخروج من ذلك الماضي. مجدداً نحن أمام نمط سائد في الولايات المتحدة الأميركية، وفي أوروبا، وأي مماثلة لهذا السائد يتأتى التباسها من أحمد الشرع نفسه حين تعرفنا على ملامحه.
قبل ظهوره العلني للمرة الأولى، كان أبو محمد الجولاني رجلاً تعرِّف عنه سيرته “الجهادية”، وظلت ملامحه استعصاءً غالباً على بصائر، كان الاستثناء فيها، وعلى الأرجح، مخابرات بشار الأسد، والـ CIA، وهنا المفارقة، وباستثناء الأخيرَين، كان بإمكان الجولاني أن ينزع عنه ثوبه الجهادي، ويمارس حينها أيضاً لعبة كرة السلة من دون أن يثير فينا لحظة متأتية من موقعيه القديم والجديد في سوريا.
وبالمجازفة، قد يفضي مشهد الرجل السلّوي إلى مخادعة العقل الغربي، ليس لأن الأخير هو عقل يسهل خداعه، فمقاربة كهذه تنم عن اعتلال في عقل من يعتقد بها فقط، في حين أن المخادعة المذكورة تسقط على العقل الغربي بمقاربة تتقاطع مع مصالحه، وفي أحمد الشرع ما يُثري عقلاً أميركياً غربياً يمتهن لعبة المصالح، وبمهارة لاعب كرة سلة يتفوق بمراحل على ما ظهر من مهارة أحمد الشرع قيد التجربة.
ولأن أحمد الشرع رئيس حاليّ لسوريا، يفترِض ذكاؤنا، وذكاء السوريين أولاً، والذي حفّزه فينا في مشهديته السلوية، أن يشرّح الرجل من خارج لعبة الدول، ووقائع سوريا في راهنها الدموي هي من تتكفّل بتشريحه.
كل ما في أحمد الشرع، وفصائله، يشي بأن الأخير ما زال مسكوناً بأبي محمد الجولاني، وأن ممارسة لعبة رياضية بمظهر حداثي، أو أن تشرَّع لأطفال سوريين أبواب قصر رئاسي كان قبله يقيم في وعيهم، ووعي ذويهم، كمكان مقفل على أوامر القتل، فالأمر قد يبدو في أحسن الأحوال سياقاً من سياقات العرض الذي يستجدي به شرعية حكمه لسوريا، ومن غير السوريين حكماً.
الكثافة المأساوية لمشهدية اللهو “السلّوي” لأحمد الشرع أمام الغرب، تتلازم مع مشهدية دموية تتولاها فصائل “الجولاني” بحق العلويين والدروز السوريين.
درج
——————————–
الأمل السوري «معلّق بخيط رفيع»
أوروبا لا تمتلك «ترف الامتناع» عن مساعدة دمشق
بروكسل: شوقي الريس
7 مايو 2025 م
يعترف الأوروبيون في جلساتهم ومناقشاتهم الخاصة بأن التطورات التي شهدتها سوريا أواخر العام الماضي، وأدّت إلى انهيار نظام بشّار الأسد على مرأى من حليفه الروسي، كانت مفاجأة كبرى لأجهزة المخابرات، لكنهم اليوم منشغلون بمصير التحول في هذا البلد الذي يرون الأمل فيه «معلقاً بخيط رفيع».
ويتبنّى معظم المحللين الاستراتيجيين في الاتحاد نظرية مفادها أن ما حصل في سوريا كان ثمرة تفاهم بين موسكو والإدارة الأميركية الجديدة، ضمن صفقة واسعة بدأ التفاوض حول تفاصيلها بُعيد إعلان فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مطالع نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وكان عنوانها الرئيسي إنهاء الحرب في أوكرانيا، والتفرّغ لتحديد المعالم الجديدة للمشهد الجيوستراتيجي الدولي.
إلى جانب ذلك، يرى كبار المسؤولين في المفوضية الأوروبية أن ما حدث في سوريا، والسرعة القياسية لعملية سقوط النظام السابق وانتقال السلطة إلى الحكومة الجديدة من غير مواجهات عسكرية تذكر، يشكّل فرصة ثمينة جداً لإخراج الأزمة السورية من الركود المتمادي الذي يهدد وحدة هذا البلد، ويفتح أبواب التناحر على تقسيمه إلى دويلات هشّة وتحويلها إلى أدوات لصراع إقليمي على مناطق النفوذ.
ولا يخفي الأوروبيون ارتياحهم لكون التطور السوري مدخلاً لمعالجة أزمة النزوح والهجرة التي تلقي بثقلَيْها المادي والاجتماعي، وتداعياتها السياسية، على الداخل الأوروبي، فضلاً عن أنه يشكّل انتكاسة كبيرة للمشروع الإيراني في المنطقة.
خواصر الشرق الرخوة
من الثوابت الراسخة في السياسة الشرق أوسطية للاتحاد الأوروبي، وللدول الأعضاء الوازنة، أن للوضع السوري دوراً محورياً في استقرار هذه المنطقة التي تعدّ عمقاً أمنياً استراتيجياً تاريخياً للمشروع الأوروبي، في الوقت الذي تشكّل فيه منذ عقود طويلة إحدى خواصره الرخوة ومصدر قلق أمني دائماً من تداعيات أزمات متكررة تعصف بها.
وليس أدلّ على الاهتمام الأوروبي بتطورات الوضع السوري من مؤتمر الدعم الذي ينظمه الاتحاد منذ 9 سنوات لتحشيد المساعدات المالية لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين، والتمهيد للمصالحة الوطنية، والشعار الذي انعقد تحته هذه السنة «تلبية الاحتياجات من أجل عملية انتقالية ناجحة»، وهو شعار يعكس مدى الترحيب الأوروبي بسقوط النظام السابق وانتقال السلطة إلى الحكومة الجديدة، والحرص على عدم إفشال العملية الانتقالية، خاصة في ظرف جيوستراتيجي دولي معقد، يستنزف طاقات سياسية ومادية أوروبية.
فائضةً كانت الحفاوة التي استقبل بها وزراء الخارجية الأوروبيون نظيرهم السوري، أسعد الشيباني، في مارس (آذار) 2025، بعد أن كان تهافت العديد منهم إلى دمشق في الأيام الأولى لتسلّم أحمد الشرع السلطة. وفي مؤتمر الدعم، رفع الاتحاد سقف التزامه المالي إلى 2.5 مليار يورو حتى نهاية العام المقبل، فضلاً عن المساعدات الفردية التي أعلنتها الدول الأعضاء، وفي طليعتها ألمانيا التي تعهدت بتقديم 300 مليون يورو لتلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين في الداخل السوري، وتسهيل عودة أعداد من اللاجئين في ألمانيا.
طي الحقبة الأسدية
سمع الشيباني في بروكسل كلاماً كثيراً عن الارتياح الأوروبي لطي صفحة الحقبة الأسدية، وعن الحرص على مواكبة الحكومة الانتقالية في سعيها لإرساء نظام جديد على أسس مستقرة، والاستعداد لدعمها وإلغاء العقوبات والقيود المفروضة على النظام السابق. لكنه سمع أيضاً، وعلى لسان أعلى المسؤولين في الاتحاد، اشتراطاً واضحاً وثابتاً لهذا الدعم بإقامة نظام شامل يحترم حقوق جميع الأقليات ويحميها، ويتبنّى حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويقرن القول بالفعل في تعهده بالكشف عن مرتكبي الانتهاكات الأخيرة في الساحل السوري وإحالتهم أمام القضاء.
رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين ذكّرت بأن المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء خلال السنوات الثماني المنصرمة بلغت 37 مليار يورو، وأكّدت أن الاتحاد سيبذل ما بوسعه ليتحقق حلم السوريين بدولة يستطيع كل مواطن فيها التعبير عن رأيه بحرية، وتتساوى فيها حقوق الجميع بغض النظر عن العرق أو الدين أو المعتقد السياسي.
وقالت فون دير لاين موجهةً كلامها إلى الشيباني: «كل خطوة تقومون بها في الاتجاه الصحيح سنقابلها بخطوة لمساعدتكم»، منوّهة بالاتفاق الذي وقعته الحكومة الجديدة مع «قوات سوريا الديمقراطية»، واعتبرته «خطوة تاريخية في الاتجاه الصحيح».
ودعت رئيسة المفوضية إلى التعاون من أجل معرفة مصير ما يزيد على 150 ألف مفقود، خاصة في سجون النظام السابق، وأعربت عن استعداد الاتحاد لدعم الجهود الدولية في هذا الصدد. كما شدّدت على أهمية تدمير جميع الأسلحة الكيميائية في سوريا بإشراف الأمم المتحدة.
هل تنتقل سوريا إلى «طغيان الأكثرية»؟
المسؤولة عن الشؤون الخارجية وسياسة الأمن الأوروبية كايا كالّاس شددت على أهمية مضاعفة الجهود لدعم السوريين في هذه المرحلة، لكنها نبّهت إلى أن أحداث العنف التي وقعت مطلع مارس في الساحل السوري، أرخت ظلالاً من القلق بين الدول الأعضاء، كما أثارت المخاوف من أن ينتقل الحكم من «استبداد أقلية إلى طغيان الأكثرية على حساب الحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان».
وقالت كالاس: «الأمل في سوريا يتدلّى معلّقاً بخيط رفيع، ما يبيّن أننا بحاجة لنقوم بالمزيد كي نتأكد من أن سوريا تسير في الاتجاه الصحيح».
وبعد أن حذّرت كالّاس من أن فشل المرحلة الانتقالية في سوريا، أو انحرافها عن مسار بناء الدولة الديمقراطية الجامعة، سيجلب المزيد من المعاناة للشعب السوري ويمهّد لصراعات جديدة في المنطقة، قالت إن «المؤتمر التاسع لدعم الشعب السوري رسالة دعم أوروبية لعملية انتقال سلمي وجامعة يقودها السوريون بأنفسهم. وهو دليل على التزام المجتمع الدولي بتوفير عبور آمن لجميع السوريين نحو مستقبل يقوم على العدل والمصالحة واحترام الأقليات، بوصفها شروطاً أساسية للإعمار بعد عقود من الرعب والمعاناة».
ما سمعه الشيباني في بروكسل
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي تستضيف بلادها ما يزيد على مليون لاجئ سوري، قالت إن ثمة إجماعاً بين الدول الأعضاء حول تقديم كل الدعم الممكن للشعب السوري في طريقه نحو الحرية والسلام، وإن الاتحاد سوف يواصل سياسة رفع العقوبات الاقتصادية والمالية بالتزامن مع الخطوات العملية التي تتخذها الحكومة الانتقالية في الاتجاه الصحيح.
لكن إلى جانب الكلام الداعم الذي سمعه الشيباني من نظرائه والمسؤولين الأوروبيين، ممهوراً بتحذيرات وتنبيهات، كان هناك كلام آخر دار على ألسنة وزراء خارجية الاتحاد في الاجتماع المغلق الذي عقدوه قبل استقبالهم الوزير السوري. كلام يشكّك في نوايا الحكومة الانتقالية، وقدرتها على احتواء العناصر المتشددة حيال الأقليات والحريات العامة، ومدى استعدادها لبناء نظام تعددي حقيقي يجمع في مؤسساته بين الأطياف العرقية والدينية ويحميها.
كان التوافق واضحاً بين الدول الأعضاء حول ضرورة إبقاء النظام الجديد تحت المجهر ومراقبة خطواته، وربط المساعدات ورفع العقوبات بالتدابير العملية التي يتخذها.
ما علاقة سوريا باليمين الأوروبي؟
وحذّر وزراء أوروبيون من أن الاندفاع في دعم النظام السوري الجديد من غير ضوابط وشروط واضحة، خاصة فيما يتعلق باحترام الحريات الأساسية وحماية الأقليات، من شأنه أن يعطي وقوداً للقوى والأحزاب اليمينية المتطرفة التي بات بعضها قاب قوسين من الوصول إلى الحكم في عدد من الدول الأعضاء.
وشدّدت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية في احاطتها أمام الوزراء على أهمية التشاور والتنسيق مع الجهات الإقليمية الوازنة، وبخاصة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، خاصة بعد الانكفاء في موقف الولايات المتحدة التي اكتفت بإرسال ممثلة من الدرجة الثالثة إلى مؤتمر دعم سوريا، ولم تعلن عن أي تعهد مالي.
وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، الذي كانت بلاده سبّاقة إلى التمهيد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق حتى قبل سقوط الأسد، لخّص الموقف الأوروبي الراهن من التحول في سوريا بقوله في الجلسة المغلقة، إن «الاتحاد لا يملك اليوم ترف الامتناع عن بذل كل جهد ممكن للحيلولة دون فشل النظام الجديد في سوريا، أو حتى التردد أو الإبطاء في ذلك».
الشرق الأوسط
—————————-
أبطال مهملون.. قصة المقاومة الشعبية في نوى السورية/ عبد القدوس الهاشمي
7/5/2025
“وأنا أرفع قاذف الآر بي جي، قلت لزملائي: حين أقف لضرب المصفحة الإسرائيلية، قوموا بتغطيتي ببنادقكم”، كانت هذه آخر عبارة قالها أسامة محمود العودة الله لجاريه الأخوين عبد الله وهاشم بطحة. “في تلك الأثناء، رن هاتف عبد الله، فلمع ضوء هاتفه، وكانت الزنانات وطائرة مروحية تحلق فوقنا، فكشفنا الضوء، فأرسلوا علينا قذيفة”. كان هذا بعض ما جرى في الثاني من أبريل/نيسان الماضي في ريف درعا الغربي.
في الشهر الماضي، شهد ريف درعا الغربي، فجر الخميس الثالث من أبريل/نيسان 2025، توغلا عسكريا إسرائيليا هو الأعمق منذ سنوات، حيث تقدمت قوة مدرعة داخل حرش سد الجبيلية بين مدينتي نوى وتسيل، وتصدى لها شباب مدينة نوى، فانسحبت بعد ساعات. وجاء القصف والاشتباكات في درعا بالتزامن مع ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع إستراتيجية في العاصمة دمشق وحمص وحماة.
بدت لي التقارير الإخبارية غائمة بشأن حيثيات ما حدث تلك الليلة في درعا بعد تقدم الجيش الإسرائيلي في ريفها، فقررت زيارة المدينة والوقوف على تفاصيل مبادرة المقاومة الشعبية للتوسع الإسرائيلي في سوريا.
زيارة حوران
“هذا جبل الشيخ؟” سألت السائق، وأنا أنظر من النافذة بعد أن خرجنا من دمشق متجهين جنوبا.
“نعم، انظر إلى الثلوج، ما زالت عليه ونحن في بدايات الصيف”، أجاب السائق الأربعيني الذي لم يغادر سوريا قط.
“يبدو أن تسميته بجبل الشيخ منطقية إذن، فهذه العمامة من الثلج تلف رأسه طوال العام، كشيخ متأنق”، قلت معلقا.
“هل يرانا الإسرائيليون الآن وهم فوقه إذا لوحت لهم؟”، قال زميلي المرافق ممازحا السائق.
“الله يهدهم”، قالها سائقنا الدمشقي بتذمر واضح، دون أن يبتسم، مخالفا بروتوكولات اللطافة الشامية التي تقتضي أن نكتة الزبون مضحكة دائما.
يعدّ جبل الشيخ (حرمون) أحد أكثر المواقع الجغرافية حيوية في منطقتنا العربية، حيث يجمع بين الأهمية العسكرية والاقتصادية والدينية. يقع عند تقاطع حدود سوريا وإسرائيل ولبنان، مما يجعله نقطة مراقبة إستراتيجية تكشف دمشق وتتحكم في تحركات القوات في المنطقة.
كما يشكل الجبل خزانا مائيا، حيث تنبع منه أنهار رئيسية مثل نهري الأردن وبانياس، بينما تجتذب ثلوجه الشتوية السياح ومحبي التزلج. ويحمل الجبل بُعدا دينيا وتاريخيا عميقا، حيث يرتبط بتراث ديني قديم ويحوي آثارا رومانية وبيزنطية. كل هذه العوامل لا تجعله مجرد جبل، بل نقطة صراع وجذب تتجاوز حدوده الجغرافية.
وتعتبر الصهيونية الدينية الجبل من “أرض إسرائيل التاريخية” وفقا للمفهوم التوراتي، إذ يصف الحاخام دوف ليئور، وهو أحد أبرز ممثلي التيار الديني القومي، الجبل بأنه “بوابة الأرض المقدسة” التي يجب أن تظل تحت السيطرة اليهودية.
وفي خطاب عام 2019، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “هضبة الجولان -ومنها جبل الشيخ- ستبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية”، مستندا في تصريحه إلى “الحق التاريخي والديني” كما ورد في النصوص المقدسة.
المزيريب
حين وصلنا إلى بلدة المزيريب التي يكثر فيها وجود اللاجئين الفلسطينيين، كان مضيفنا الذي انتظرنا بعد خروجه من صلاة الجمعة واحدا منهم، ليصحبنا إلى موقع الحادثة في نوى بعد تنسيقه مع وجهاء البلدة.
“لقد جئنا من صفد بعد النكبة، ومنذ ذلك الوقت ونحن في المزيريب. في ليالي الصيف ننام على السطح ونرى أنوار مدينتنا التي سنعود إليها يوما ما”، قال لي أبو أيمن ذو الـ75 عاما، وهو يدعونا لركوب السيارة للانطلاق إلى نوى.
أغلب سكان هذه البلدات مزارعون، فحوران هي سلة غذاء سوريا، حيث توفر جزءا كبيرا من إنتاج البلاد من القمح، والشعير، والخضروات، والفواكه، خاصة الزيتون والعنب والرمان. وبحسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، كان إقليم حوران قبل عام 2011 يساهم بأكثر من 20% من الإنتاج الزراعي السوري الإجمالي. وحوران أيضا موطن رئيسي لتربية الأغنام والأبقار، مما جعلها مركزا مهما لإنتاج اللحوم والألبان ومشتقاتها. وبحسب إحصاءات وزارة الزراعة السورية (قبل الثورة)، تتركز نحو 18% من الثروة الحيوانية السورية في محافظتي درعا والسويداء اللتين تشكلان قلب حوران.
في ضيافة رجال المقاومة
بصوت خفيض يقطعه نفس ثقيل من آلام المعركة، يحكي أسامة قصته -وهو ممدد فوق سريره- كوردة قطفت من رأسها، فقد أصيب إصابة أودت بكلتا رجليه.
“قبيل منتصف الليل بقليل، سمعنا بدخول الإسرائيليين إلى منطقة سد الجبيلية. اتصلت بأصدقائي أبناء بطحة، عبد الله وهاشم، وشاب من الطياسنة ندعوه أبا جانتي. أخذنا بنادقنا، وأخذت معي قاذف آر بي جي، وانطلقنا على دراجتنا النارية. وصلنا إلى المنطقة، ورأينا المسيّرات وقافلة من العربات المصفحة. كمنّا في الحرش، وأردنا أن نضرب إحدى العربات المصفحة التابعة لقوات الاحتلال المتوغلة في أراضينا”.
“أوقفنا دراجاتنا بالقرب، ودخلنا سيرا على الأقدام. أردنا أن نضرب إحدى المصفحات المتقدمة. كان بيننا وبينها 150 مترا. قلت للشباب أن يغطوني برشاشاتهم لأضرب المصفحة. في تلك اللحظة، اقتربت زنانة استطلاعية، بعد أن رن هاتف عبد الله. وفجأة نزلت علينا قذيفة، أصابت الشاب الذي كان يحمل قذائف الآر بي جي، فتطايرت أشلاؤه، واستشهد الثاني معه على الفور. ثم أطلقوا قذيفة ثانية فاستشهد الثالث. أخذت أزحف بحثا عن ساتر، فأطلقوا قذيفة ثالثة، فبترت قدمي. واصلت الزحف إلى أن اختبأت بين صخرتين. ظللت أنزف من الساعة الثانية عشرة إلى الثانية صباحا، حينها وصل الشباب وأسعفوني إلى المشفى”.
وسألته: “هل أرسلت لك الحكومة أحدا لتكريمك وعلاجك، أو عرضت عليك أطرافا صناعية؟”.
“لم نر مسؤولا واحدا. أخي يعمل في الأمن العام، ومع ذلك لم يلتفت إليه أحد. لقد خرج للدفاع عن سوريا، وحكومة سوريا ليست مهتمة به”، قال محمد، شقيق أسامة بانفعال شديد، قبل أن ينفجر بالبكاء حزنا على أخيه الذي فقد أطرافه في مقتبل شبابه.
في ضيافة أبي الشهداء
أمام بيت حجري متواضع في مدينة نوى، توقفت السيارات. كان أبو الشهداء عطا الله السقر (أبو بسام) يقف أمام مضافته. شيخ سبعيني نحيل الجسد، أكلت الأحزان من جسده، لكنها لم تحنه. جلسنا في المضافة التي علق على أحد جدرانها صورا لأبنائه الأربعة الذين استشهدوا، وعلى الجدار المقابل تقويم عليه صورة المسجد الأقصى، بينما سائر الحيطان المقشرة من الطلاء بسبب الرطوبة كانت خالية من أي زينة.
بعد أن تأكد من أن جميع الزوار قد أخذوا أماكنهم في مجلسه، جلس أبو بسام في طرف المجلس بجانب الباب، والشمس مسلطة عليه. أوسع له الجميع ليغير مكانه، لكنه قال بلهجته الفلاحية الأصيلة: “أحب هذا المكان، أريد أن أبقى تحت الشمس”.
أبطال مهملون.. قصة المقاومة الشعبية في نوى
عطا الله السقر أبو الشهداء (الجزيرة)
بدأت التعازي تنهال عليه من كل زوايا المجلس، وهو يردد: “الحمد لله، الحمد لله”. فلما سكت المجلس، أشعل سيجارة وقال: “فداء للأمة العربية والإسلامية، هذا شرف لنا أن يستشهد ابني في حماية أرضه وعرضه من الإسرائيليين. لم يكن الأول، فقد سبقه إخوته الثلاثة وهم يقاتلون النظام الأسدي”.
كان أبناؤه موسى وأحمد ويحيى قد انضموا إلى الجيش الحر في الثورة السورية. استشهد أحمد في “عاصفة الجنوب”، وهي حملة عسكرية شنها الجيش السوري عام 2018 بدعم من الحلفاء (روسيا وإيران والمليشيات الموالية) لاستعادة السيطرة على مناطق في جنوب سوريا، وخاصة محافظتي درعا والقنيطرة، من سيطرة الفصائل المعارضة. أما يحيى، فقد جاءت عناصر موالية للنظام واغتالته وهو يفلح أرضه، إذ كان قائد فصيل.
وتابع أبو بسام “اتصل أحد أصدقاء عيسى به وأخبره أن مجموعة شباب خرجوا إلى الحرش ليتصدوا لتوغل الإسرائيليين. لم يفكر كثيرا، بل حمل بندقيته وخرج. بعد ساعات بلغنا خبر استشهاده، فحمدنا الله. في يوم التشييع خرجت درعا كلها، وجاء الناس من كل المحافظات يعزون ويهنئون. كانت المسيّرات بعشرات الآلاف”.
“حين تابعت التشييع الشعبي، رأيت الناس يطلقون على الشهداء لقب (إخوة السنوار).. من الذي أطلق عليهم هذا؟”، سألته.
“نحن شعب واحد، أطلق الناس هذا الاسم وانتشر. في وعي أهل درعا نحن وغزة شعب واحد، والمقاومة للاحتلال واجب يجمعنا”، أجاب أبو بسام.
ودعنا أبو بسام وهو يعتذر لنا بأنه لم يقدم لنا سوى الشاي والماء، وقال إنه كان يجب أن يطعمنا.
في موقع العملية
في موكب من السيارات تتقدمه حافلة صغيرة تقل وجهاء نوى، وينتهي بسيارتنا العائلية، أخذنا نخوض طريقا غير معبدة في منطقة زراعية يسميها أهل البلاد “الحرش”، وهي منطقة أشجار حراجية لا تفلح، مليئة بأشجار الكينا.
“إلى أين يأخذوننا؟ السيارة لا تستطيع أن تواصل في هذا الطريق الوعر”، قال سائقنا متذمرا. بعد دقائق توقفت السيارات بالقرب من سد الجبيلية، بجوار تل الجموع.
في أرض فضاء مليئة بالأشجار تطل على السد، اتخذها السكان متنزها عاما، تحلقنا حول حفرة عميقة في الأرض. قال لنا مرشدنا، أبو عبادة ياسر المسلم، أحد أعيان نوى: “هذا أثر القذيفة من المروحية التي أصابت الشباب الذين جاؤوا في الدفعة الثانية لإسعاف الشباب الأربعة الذين وصلوا أولا”.
وأضاف أبو الوليد، الرجل الذي أسعف أسامة وأخذه إلى المشفى: “عندما وصلنا كان عددنا 11 رجلا، رأينا الشباب وقد قتل منهم 3 وبقي أسامة، أردنا إسعافه، فجاءتنا هذه القذيفة، فأصابتني شظاياها في ظهري وبطني، وقتل 6 أشخاص منا”.
أخذ الفريق المصاحب لنا يجمع شظايا القذائف وبقايا الشهداء من الملابس وحاجياتهم. بعض الشهداء جُمعوا أشلاء، لم يكونوا قطعة واحدة.
لقد كمن الجنود الإسرائيليون لفترة في مبنى مهجور قريب كان مخصصا للواء “أهل العزم”، يبعد 150 مترا عن موقع الاشتباك.
“وجدنا بقايا طعام ومعلبات وأعقاب ذخائر ولفافات من الأسلاك الشائكة تركتها قوات العدوان الإسرائيلية بعد انسحابها من المنطقة”، قال لي إسماعيل أبو خشريف.
كان التقدم الإسرائيلي قادما من الغرب، من جهة القنيطرة التي اعتاد الإسرائيليون اقتحامها بدوريات عسكرية منذ سقوط النظام، بحثا عن الأسلحة وتقديم المساعدات للقرى.
“مؤخرا جمع أهل القنيطرة المساعدات الإسرائيلية وقاموا بإحراقها، في رسالة رفض لتطبيع العلاقات مع الجيش الإسرائيلي”، يقول أبو خشريف.
احتلت إسرائيل القنيطرة في حرب 1967، ثم استعادت سوريا معظمها في حرب 1973، لكنه كان استردادا منقوصا، إذ بقيت منطقة منزوعة السلاح بموجب اتفاقية عقدت عام 1974.
بعد سقوط النظام، احتلت إسرائيل 235 كيلومترا من جنوب سوريا على شكل قمع بطول 80 كيلومترا، يضيق جنوبا حيث يبدأ عرضه بـ200 متر، وينتهي بعرض 10 كيلومترات.
تركز القصف الإسرائيلي مطلع الشهر الماضي على تل الجموع المشرف على المنطقة، والذي يمكن أن يكون نقطة لتأمين السهل المحيط به.
“لقد قصفوه بـ40 قذيفة”، يقول أبو عبادة. ولتل الجموع ذاكرة تاريخية عظيمة عند أهل المنطقة، فعند هذا التل جمع خالد بن الوليد جيوش المسلمين قبل معركة اليرموك (15 للهجرة/636 للميلاد) التي وقعت على هذه الأراضي، وانكسر بعدها الوجود الرومي في الشام، واستولى المسلمون على مدن دمشق والقدس وحمص تباعا، وتراجعت الإمبراطورية البيزنطية إلى أقصى الشمال السوري عند الحدود التركية.
حوران بوابة دمشق
منذ فجر التاريخ، كان طريق الجيوش إلى دمشق والقدس يمرّ عبر حوران. منها عبر الفرس حين استولوا على الشام والقدس من الإمبراطورية البيزنطية في القرن السابع الميلادي، ومن هنا مرّ المسلمون في فتوح بلاد الشام.
فحوران بوابة دمشق، فهي تمثل الدرع الأول للعاصمة السورية بفضل موقعها الجغرافي الحيوي، الذي يجعلها خطا دفاعيا أماميا ضد أي تهديدات قادمة من الجنوب، حيث تشكل حاجزا طبيعيا يحمي العاصمة من الهجمات البرية. وهي شريان إمداد للعمق العربي، لكونها ممرا رئيسيا يربط دمشق بالمملكة الأردنية ودول الخليج عبر شبكة طرق حيوية. كما أنها نقطة مراقبة إستراتيجية، إذ توفر مرتفعاتها مواقع متقدمة لرصد التحركات العسكرية في جنوب سوريا وهضبة الجولان.
تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى بسط نفوذها على حوران بالسيطرة على تلالها ومرتفعاتها، ومنع أي وجود عسكري أو وجود حالة مسلحة بين سكانها، وتعمل بجد لتحقيق هذين الهدفين.
المصدر : الجزيرة
———————————-
الأمويون الجدد/ حسام عيتاني
06 مايو 2025
من بين كل السلالات والدول التي مرّت في التاريخ العربي–الإسلامي، ظهر بنو أمية كمرشحين لحمل مشروع إحياء الهوية العربية. وقد كثُر الحديث عنهم بعد سقوط بشار الأسد ونظامه حتى بات هناك من يروج لسياسة وثقافة أمويتين.
لا يصعب استنتاج السبب وراء اختيار الأمويين لرفع راية المشروع. فهو ليس أكثر من إعلان نهاية “محور المقاومة” الذي نشأ في ظله تحالف أقليات ضم نظام الأسد و”حزب الله” وقسما كبيرا من السلطة العراقية والحوثيين في اليمن. وجلس “التيار الوطني الحر” (العوني) اللبناني على مقاعد المشجعين، عندما كان المحور في ذروة قوته بقيادة إيران.
لكن “الأمويين الجدد” يمتنعون عن القول إن الأمر لا يتعلق فقط باستعادة السيطرة العربية على تقرير مصير المشرق، بل يصل إلى تولي المسلمين العرب السنّة هذه المهمة، وتنحية الطوائف والمذاهب التي تصدرت “محور المقاومة”، جانبا، بعد هزائمها الأخيرة وانهيار نظام الأسد.
غير أن الأمويين “التاريخيين” يبدون خيارا غير واضح. وهذا أقل ما يقال. ثمة إجماع على أن ما بين أيدينا من أخبار الأمويين كُتب جله بعد سقوط دولتهم ولا يخلو من عداء ظاهر لهم. ولعل أقدم ما وصلنا عنهم هو كتاب خليفة بن الخياط الذي ولد أواخر العصر الأموي ووضع مؤلَّفَه في بدايات العصر العباسي. ناهيك أن الدولة الأموية لم تكمل قرنا واحدا من العمر وكان قادتها مشغولين في أمور الفتح من جهة وفي الحروب الأهلية والقبلية من جهة ثانية. في حين أن الأركيولوجيا الحديثة وعلم المسكوكات يقدمان رواية عن الأمويين تختلف عن المتداول. ومن دون الغوص في تفاصيل التناقضات بين الروايات المتداولة عن التاريخ الأموي، يمكن الاكتفاء بما كشف عنه قصير عمرة في الأردن، لوضع كل التاريخ الأموي المعروف موضع تساؤل.
أما دينيا، فانتماء الخلافة الأموية إلى المذهب السني، لا يتحدد إلا من خلال الصراع مع الإمام علي بن أبي طالب الذي ينظر إليه كمؤسس للتشيع. وفي هذا تجاهل لحقائق عدة منها أن التسنن والتشيع لم يظهرا كمذهبين سوى في عصور لاحقة. وصحيح أن إسلام بني أمية اعتمد الجبرية كعقيدة دولة لتبرير الحكم المطلق والوراثي، إلا أن العصر الأموي بأسره لم يشهد بروز تيارات فقهية محددة. فهذه تأخر ظهورها إلى العصر العباسي.
هذا على المستوى الديني–الفقهي. وإذا اعتمدنا المراجع المتوفرة، فلا نجد أن المشروع الإمبراطوري الأموي يستند إلى ما يكفي من مقومات استمرار الدول. وإلى جانب الدهشة من السرعة التي جرت فيها فتوحات العصر الأموي، سنجد مثلا أن الخلافة التي “امتدت من الأندلس إلى السند” إنما قامت على نظام جبائي يقع في صلبه توزيع الغنائم المتأتية من الفتوحات التي توقفت بدورها بسبب نضوب الموارد وتقلص قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها حيال جندها على ما هو معروف من تقليص يزيد بن الوليد الرواتب، ما حمل الناس على تسميته بـ”الناقص” لتتفاقم حركات التمرد والاستياء.
المهم، هل يصلح مشروع إمبراطوري يحاكي رومانسية قومية وينطوي على نزعة إحيائية تبسيطية وفهم طفولي للتاريخ، كشعار لدولة تواجه قيامها عقبات ضخمة من النوع الذي نراه في سوريا اليوم؟
واضح أن من اقترح بعث “الأموية” كفكرة سياسية، لم يأخذ من الشعار غير ظاهره الذي ينحصر برايات الدولة الأموية تخفق في الأندلس والسند من دون الأخذ في الاعتبار معنى التغني بالفتح في الوقت الذي لا تزال الدبابات الإسرائيلية تتقدم في جنوب البلاد وحيث لا تبدو حظوظ إعادة توحيد الدولة والمصالحة الداخلية مشجعة، حتى الآن، والاقتصاد الذي لم يشهد تحسنا يذكر.
وليس في الأمر افتئاتا على التراث ولا على التاريخ (حتى لو كان متخيلا) ولا على تطلعات الجمهور وأحلامه. بل جل ما ينبغي قوله هو أن ما يفصلنا عن تلك العصور يزيد على ألف ومئتي سنة جرت فيها مياه كثيرة تحت الجسور وأن العودة إلى الماضي هي في الغالب استثمار في أوهام لا أساس لها عند النظر الموضوعي إلى التاريخ، بل تشير إلى أن الإحيائية الأموية تنهل من المورد ذاته الذي نهلت منه الأيديولوجيا البعثية التي جعلت الماضي– أيضا– حلما يجب أن يكون الدليل إلى المستقبل. وانتهى أمر “البعث” بحزبين في بغداد ودمشق دمرا الماضي والحاضر والمستقبل قبل أن يسقطا شر سقوط.
عليه، هلّا سأل “الأمويون الجدد” أنفسهم عما يبقى من شعارهم إذا أُخرجت منه محفوظات المقررات المدرسية وقصائد سعيد عقل التي غنتها فيروز؟
المجلة
——————————
سوريا.. صراع الإرادات وأفق المآلات/ مصطفى إبراهيم المصطفى
2025.05.07
ما إن تراجع زخم الاحتفالات الهستيرية للشعب السوري التي كانت بحجم الحدث حتى بدأت بوادر الاختلاف بينهم تطفو على السطح، ورويدا رويدا بدأ الخلاف يتحول إلى صراع اتخذ منحى تصاعديا وتجلى بعدة أشكال؛ تراوحت بين العصيان والمماطلة والعنف الدامي الذي رافق أحداث الساحل ومناطق أخرى في ريف دمشق، وفي أحسن الأحوال اتخذ الصراع طابع التذمر الخفي والمعلن، لكن العنوان العريض الذي تجتمع تحت سقفه كل أشكال الصراع هذه هو انعدام الثقة.
وهكذا، بين عشية وضحاها انقلبت مشاعر الفرح عند السوريين إلى مشاعر يختلط فيها الشك والقهر والتوجس والخوف والغضب والتشاؤم والتفاؤل الحذر. وباختصار شديد: انحسرت موجة الأفراح عن بيئة سمتها الأساسية هي عدم اليقين، فماذا يريد السوريون؟ وإلى أين يمكن أن يصلون؟
إرث المستعمر الفرنسي
ترجع القصة السورية إلى زمن الاستعمار الفرنسي الذي غادر البلاد قبل أن تصبح فكرة الدولة الحديثة التي قد استوطنت في ثقافة السوريين. لذلك، لم يدم هذا الأنموذج طويلا ليسقط ويحل محله الحكم الجبري القائم على الغلبة، والأكثر تماشيا مع ثقافة الشرق. ورغم ذلك، لا يمكن القول إن ما أحدثه الاستعمار الفرنسي في تركيبة الدولة السورية قد زال، فالاستعمار الفرنسي كان قد أدخل الكثير من أبناء الطوائف السورية التي يسمونها الأقليات في مؤسسات الدولة وخصوصا الجيش، وهذا الأمر بمعنى من المعاني هو تمثيل لهذه الطوائف ضمن مؤسسات الدولة السيادية، والحديث هنا عبارة عن وصف للحالة يتحاشى أحكام القيمة (سلبي – إيجابي). هذا التمثيل بقي مستمرا في ظل حكم العسكر، بل تعاظم نفوذ بعض هؤلاء لدرجة أنهم أصبحوا المتحكم بمفاصل الدولة – إلى حد ما – من خلف الستار، ولعل هذه الحالة هي الأمثل لأبناء الأقليات، وربما هي الحالة التي أصبحت مطلبا للأقليات اليوم، إذ يمكن الاستخلاص من ثنايا ما تتفوه به بعض النخب الأقلوية أن الحل المقبول للعيش المشترك؛ هو العودة بسوريا إلى عهد ما قبل حافظ الأسد، وإلا فنظام سياسي مهلهل وضعيف.
حافظ الأسد خرب كل شيء
دفع الشعور بفائض القوة مع الاستهتار بقوة الأغلبية حافظ الأسد إلى نسف تلك المعادلة، والقفز مباشرة إلى سدة الحكم، واستبدال الواجهة في رأس الهرم بواجهات أخرى أقل شأنا (وزارات – رؤساء برلمان). وكان حافظ الأسد قد استفاد من خبرات الانقلابيين الذين سبقوه، فتلافى كل أخطائهم وقبض على السلطة بأسلوب “ستاليتي” تصعب زحزحته، إلا أنه بعد الجرائم التي ارتكبها نظامه أثناء الثمانينيات كشر عن أنيابه كزعيم مجرم يقود نظاما طائفيا مقيتا، وهكذا بعد أن ورط طائفته بارتكاب المجازر وضعهم أمام معادلة: إما أن نحكم للأبد أو نباد. ومن حينها بدأ نظام الأسد العمل على هذا الأساس. وتحت وطأة ما يمكن أن نسميه بفوبيا الأكثرية كان نظام الأسد مضطرا لحرب استباقية على الشعب؛ لم يترك فيها أسلوبا من أساليب الإرهاب وكسر الإرادة إلا واستخدمه. لكن الأسوأ من ذلك كله؛ أنه لجأ لأساليب الاستعمار معتمدا استراتيجية “فرق تسد” بأسلوب فيه المزيد من المبالغة، ويعتقد أن الشروخ والضغينة التي اصطنعها نظام الأسد بين السوريين على مدى سنوات حكمه أصبحت اليوم عائقا أساسيا أمام إمكانية تلاقي السوريين من جديد، أو إعادة بناء الثقة المفقودة فيما بينهم.
(ملاحظة: القول بأن نظام الأسد كان طائفيا لا يعني أبدا أن كل طائفته كانت متورطة بالجرائم التي ارتكبها الأب والابن)
خنق الثورات المضادة
في مقابل “فوبيا الأكثرية” التي كان النظام السوري البائد يعاني منها، يخطئ من يعتقد أن “فوبيا الأقلية” لدى الأكثرية أقل حدة؛ لكنها بكل تأكيد لا يمكن أن تترجم بنفس الطريقة من الإجرام، فالأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية، وأنظمة الطغيان ليست في نفس المرتبة من القسوة والتعسف، وربما أصبح من المؤكد لدى أغلبية السوريين أن أسوأ أشكال الاستبداد بالسلطة هو ذاك الشكل المرتبط باستبداد الأقلية. ترجمت هذه الفوبيا بردود فعل حادة تجاه أي تحرك يندرج في إطار الثورة المضادة، وعلى مستوى القيادة؛ يذكر الإعلامي أحمد منصور في حديثه عن الرئيس أحمد الشرع وقيادة هيئة تحرير الشام (قبل الوصول إلى السلطة) ما مفاده أن القيادة درست الثورات المضادة بتعمق شديد، ووضعت الحلول لإغلاق الأبواب والنوافذ في وجه أي شكل من أشكال الثورة المضادة، وعلى ما يبدو؛ فإن هذه الإجراءات طبقت – بالفعل – بعد سقوط نظام الإجرام. وهو ما ولد شعورا لدى الأقليات – لأول مرة في تاريخ سوريا المعاصر – أنها فقدت مراكزها المؤثرة في مفاصل الدولة، خصوصا بعد الإعلان عن تسريح الجيش وتسريح العاملين في المؤسسات الأمنية، وهذا بدوره أدى إلى شعور بالاختناق ترجم بردود أفعال يغلب عليها الطابع الانفعالي.
ملامح التوافق السوري
هناك طرفة قديمة تقول: “ما الجمل سوى حصان سباق صممته لجنة”. والنقطة الجادة خلف هذه الطرفة هي أن الجماعات – نتيجة لتشتت السلطة فيها، أو توزع القوة بين أعضائها – تضطر إلى إجراء تسويات بغرض الوصول إلى موقف يجمع عليه الجميع.
من هنا، يستطيع المراقب بتمعن أن يستنتج أن السوريين فيما لو اجتمعوا لإنتاج نظام توافقي، وفي ظل الرؤى المتباينة وهواجس فقدان الثقة بالآخر، لن يستطيعوا إلا إنتاج نظام سياسي يقتبس معظم ملامحه من النظامين العراقي واللبناني؛ فالمطالب توحي بذلك، وتشابه الثقافات مع تشابه التركيبة السكانية توحي بذلك. وفي هذا الصدد يقول أحد السوريين: لست متفائلا أبدا. سبق لي أن سمعت لبنانيين وعراقيين يغبطون الشعوب العربية الأخرى على أنظمتها، إلا أنني لم يسبق لي أن سمعت أو شاهدت مواطنا عربيا واحدا يغبط شعوب هاتين الدولتين على أنظمتهما السياسية المهلهلة، ولا أعتقد أننا في ظل هذه البيئة قادرون على إنتاج ما هو أفضل. بمعنى آخر، هناك من يتخوف أن يصمم السوريون – بالتوافق – جملا معتقدين أنه حصان سباق.
قد ينخدع المراقب عن بعد ويعتقد أن جميع السوريين منخرطون في موقعة صراع الإرادات هذه، لكن الحقيقة غير ذلك، فمن دون أدنى شك هناك أغلبية ساحقة مشغولة بصراع من نوع آخر؛ صراع مع لقمة العيش؛ مطلبهم الوحيد فيما لو سألتهم هو الأمن والاستقرار ولقمة العيش؛ فهؤلاء نتيجة فقرهم المدقع يرهبون محيطهم ولا تراودهم رغبة في التغيير.
في كتابه أصول النظام السياسي ينقل هنتغتون عن والترليبمان قوله: “ما من حاجة – بالنسبة إلى الذين يعيشون جماعات – أشد إلحاحا من أن يكونوا محكومين: بحكم ذاتي إذا أمكن، بحكم جيد إذا كانوا محظوظين، لكن أن يكونوا محكومين على أي حال”.
والأبلغ من ذلك… هو تعليق هنتغتون على هذه المقولة، حيث قال: “كتب السيد ليبمان هذه الكلمات في لحظة يأس من الولايات المتحدة”. فاليأس من إصلاح السلطة السياسية – أو صلاحها – هو الذي يدفع الناس إلى قبول أي نوع من السلطة ولو كانت استبدادية جائرة.
——————————–
أنا ميسون لكن اسمي سارة
طُلب منا أن نكون مخبرين للأجهزة الأمنية
06 أيار 2025
“كنت أداوم في “سانا” صباحاً، وألتحق بالمظاهرات بعد الدوام” هذا ما تقوله الصحفية والناشطة، ميسون المصري، في شهادتها عن نشاطها خلال الثورة، في سوريا وفي المنفى، حيث عملت ونشطت تحت اسم “سارة الحوراني”.
أنا ميسون المصري، تخرّجتُ في كلية الإعلام/ جامعة دمشق، وبعد نجاحي في مسابقة التوظيف عام ٢٠٠٠، اشتغلتُ صحفيةً في وكالة “سانا” في مدينة درعا. عندما اندلعت الثورة، في ١٨ أذار/ مارس ٢٠١١، كنت في مناوبة في مكتب الوكالة. لم يكن الكثيرون يتوقّعونه ولكن كان هناك شعورٌ عام بأنّ شيئاً ما قادماً. حينها، بدلاً من ممارسة عملنا كصحفيين، طُلب منا أن نكون مُخبرين للأجهزة الأمنية. كان علينا جمع معلومات دقيقة عن الحراك الشعبي في محافظة درعا، وحتى الاندساس بين المتظاهرين لنقل تفاصيل الأحداث. لكنني لم أستطع القيام بذلك.
لاحظتُ كيف تعاملت القوّات الأمنية مع المتظاهرين، فقد كان القناصة مُنتشرين فوق أسطح المباني، بما في ذلك مبنى وكالة “سانا”، حيث تمركزوا لاستهداف المحتجين. طُلب منا كتابة تقارير تُخالف الواقع، وتصوّر الأوضاع على أنها مجرّد فوضى أو احتجاجات مموّلة من الخارج، لكنني كنت أعلم أنّ المحتجين الذين خرجوا للمطالبة بالحريّة هم من أبناء المدينة؛ بعضهم من أقاربي وأصدقائي.
خلال اقتحام درعا البلد لأوّل مرّة، تمّ قطع جميع وسائل الاتصال، وبدأ القصف وإطلاق الرصاص بشكل كثيف، واستخدم الغازات المُسيّلة للدموع. كانت الأوضاع في غاية الخطورة. في صباح اليوم التالي، نزلتُ مع أحد زملائي من مكتب “سانا” سيراً على الأقدام، ورأيتُ مشهداً لن أنساه أبداً: سيّارة إسعافٍ مرشوشةً بالرصاص، والدماء منتشرة في المكان، وأحذية الجرحى والشهداء متناثرة على الأرض.
“العودة إلى طرطوس لا تشبه العودة إلى سوريا”
14 نيسان 2025
في ذلك الحين كنت أداوم في “سانا” صباحاً، وألتحق بالمظاهرات بعد الدوام. كان الوضع صعباً للغاية، ولم تكن هناك خياراتٌ كثيرة؛ إما أن تكون مع الحق، أو أن تصطف مع الباطل والإجرام. لذا، عندما سنحت الفرصة (بعد تحرير بعض الحواجز وتكوين مناطق آمنة) قرّرتُ تقديم إجازةٍ غير مدفوعة الأجر حتى لا أتعرّض للملاحقة، وخاصةً أنّ مديرتي كتبت تقريراً بحقّي. بدأتُ بعدها العمل تحت اسم سارة الحوراني، وذلك بسبب الظروف الأمنية الصعبة التي كانت تُحيط بي، من كثرة الحواجز الأمنية، وصعوبة التحرّك بحرية أو حتى التصريح بالاسم الحقيقي.
بعد فترة نزوحٍ وتشرّد، ومع تصاعد الأحداث، انتقلتُ إلى العمل في التوثيق، حيث بدأتُ في جمع المعلومات عن الانتهاكات والقصف العشوائي. كنت أنقل الأخبار عبر منصّات التواصل الاجتماعي التابعة للحراك الثوري. ثم انضممتُ إلى وسائل إعلام سوريةٍ معارضة، مثل “سوريتنا”، “كلنا سوريين”، “الأخبار الآن”، وكذلك وكالة “قاسيون”. كتبتُ أيضاً في بعض الصحف العربية مثل “العربي الجديد” و”الحياة اللندنية”، حيث نشرت تحقيقين عن الوضع الإنساني. في ذلك الوقت كنت أنشر أعمالي تحت اسم سارة حفاظًا على سلامتي. ومع مرور الوقت، وتحديداً في عام ٢٠١٨، أصبحتُ مديرة مكتب وكالة “قاسيون” في المنطقة الجنوبية، وبدأتُ بتوثيق الانتهاكات بشكل أكثر تنظيماً، من خلال كتابة التقارير وتصوير الأحداث ونقلها إلى العالم. كان عملي يركّز على الجانب الإنساني أكثر من الجانب العسكري، حيث كنت أوثّق معاناة المدنيين، وأعمل على تزويد المنظمات الحقوقية بالمعلومات حول الجرائم التي يرتكبها النظام.
الإسعاف والدفاع المدني
في عام ٢٠١٣، فقدتُ شقيقي صلاح برصاص قناص. لم نستطع إسعافه بسبب غياب الإمكانيات الطبيّة، وكان هذا الحادث دافعاً لانضمامي إلى الدفاع المدني السوري. تلقيت تدريباتٍ في الإسعافات الأولية في الأردن، وبدأتُ بالمشاركة في عمليات الإنقاذ والإغاثة أثناء القصف. إلى جانب ذلك واصلتُ عملي كصحفية، كما عملتُ في مشاريع لدعم الأطفال والنساء، حيث ساهمتُ في تأسيس مراكز تعليمية للأطفال وتنظيم ورش توعيةٍ للنساء في مجالات متعدّدة، منها الإعلام والتصوير وكتابة التقارير. لاحقاً، أصبحتُ مسؤولةً عن المركزين المُخصّصين للعناصر النسائية من الدفاع المدني في درعا البلد، ثم في المنطقة الجنوبية التي تشمل درعا والقنيطرة.
بعد سيطرة النظام السوري على الجنوب عام ٢٠١٨، تلقيتُ تحذيراتٍ تفيد بأنّ اسمي على قائمة المطلوبين. في البداية، لم أكن أريد المغادرة، ولكن بعد أن أصبح اعتقالي وشيكاً، اضطررت للخروج من سوريا في ٢٠ تموز/ يوليو ٢٠١٨، متوجّهةً إلى الأردن، حيث أقمت في مخيّم الأزرق لمدة ثلاثة أشهر، قبل الانتقال إلى كندا.
المنفى
عملي في وكالة “سانا” لم يكن سهلاً، لأنّني كنت أعمل في بيئة لا تقبل بسهولة فكرة أن تعمل امرأةٌ في مجال الصحافة. لكن، مغادرتي لسوريا كانت أصعب. في الحقيقة هي من أصعب لحظات حياتي، إلى جانب استشهاد شقيقيّ الاثنين وستةٍ من أبنائهم، وما شاهدته من مآسٍ خلال الثورة. آنذاك، شعرت بأنني اقتُلعت من جذوري وأنني لن أعود أبداً.
بعد وصولي إلى كندا مع زوجي، واجهتُ صدمةً نفسية حادة، وبدأتُ أعاني من كوابيس مستمرّة، ما دفعني لتلقي العلاج النفسي لمدة ثلاث سنوات. ساعدني العلاج على التخفيف من حدّة الكوابيس، إلا أنها لم تختفِ تماماً، وما تزال ترافقني حتى اليوم. في كندا شعرت بإحساسٍ عميقٍ بالذنب، لأنني تركت الناس هناك وجئت إلى مكانٍ آمن، بينما هم ما يزالون يعانون. بعد كلّ التضحيات والجهود التي بذلناها، شعرتُ أننا انهزمنا واضطررنا للرحيل، بينما بشار الأسد ما زال في السلطة. هذا الإحساس أثّر بشدة على حالتي النفسية، وبقيت أحمله معي حتى سقوط النظام.
رغم التحديات النفسية والمعيشية، بقيتُ على تواصلٍ مع الدفاع المدني، وانضممت للعمل معهم في كندا. في مكتب الخوذ البيضاء في مونتريال، بدأت كمحرّرةٍ صحفية، قبل أن ألتحق بقسم المناصرة، وما زلت أعمل فيه حتى الآن. عملي هذا كان أفضل علاجٍ نفسيٍّ لي. صحيح أننا لا نقدّم ذات الخدمات التي يُمكن تقديمها داخل سوريا، لكننا ما زلنا قادرين على فعل شيءٍ من أجل الناس، على الأقل إيصال صوتهم والتعبير عن معاناتهم، عبر عقد اجتماعاتٍ ولقاءاتٍ مع مسؤولين من دول مختلفة.
أما فيما يخصّ عملي الإعلامي، بعد عام ٢٠١٨، فلم أعد قادرة على الكتابة كما كنت أفعل سابقاً. شعرتُ وكأن هناك حاجزاً يمنعني من التعبير بالكلمات، لذلك قرّرت التوجّه إلى المونتاج والتحريك الغرافيكي، حيث وجدت أنّ هذا المجال يوفّر وسيلةً أخرى لإيصال الرسائل والقصص بطريقةٍ بصريةٍ مؤثّرة. إضافةً إلى ذلك، ما زلت عضوةً في “تجمع أحرار حوران”، الذي انضممت إليه في عام ٢٠١٦. هو تجمّعٌ إعلاميٌّ مستقل في الجنوب السوري، تعرّض مؤسِّسه للاعتقال ثم استُشهد، إلا أنّ التجمّع استمرّ في العمل حتى بات أهم تجمّعٍ اعلاميّ في المنطقة الجنوبية، رغم أنه لا يتلقى دعماً خارجياً، ويعتمد بالكامل على جهود متطوّعين، معظمهم من الشباب الذين، رغم أنهم لم يدرسوا الإعلام أكاديمياً، استطاعوا تطوير مهاراتهم بشكلٍ كبير منذ تأسيسه عام ٢٠١٤. كنت أساهم بتقديم مواد مصوّرة وكتابة التقارير، وتولّيتُ رئاسته لفترةٍ بعد خروجي. أمّا الآن، فأنا عضوةٌ في مجلس إدارته وأقوم بتحرير الفيديوهات والموشن جرافيك.
العودة
رغم أنني حصلت على الجنسية الكندية، أرى أنّ العمل على أرض الوطن أفضل من البقاء خارجه. هذا هو مخططي، حيث أسعى للعودة. ومع ذلك، لا أعلم كم سيستغرق الأمر، لا سيما أنّ البلاد تمرّ بظروفٍ صعبة تحتاج إلى الكثير من العمل، خصوصاً من الناحية الأمنية والاقتصادية.
لا أسعى لأن أكون جزءاً من المؤسّسات الإدارية أو الحكومة، بل أطمح للعمل على الأرض مع الناس، وخاصةً مع النساء والأطفال، لأنني أؤمن بأنهم الأساس ويجب أن نقف إلى جانبهم. وإذا كانت هناك فرصةٌ للعمل في المجال الإعلامي، فسأعود إليه أيضاً، سواء في التصوير، أو المونتاج، أو أي جانب آخر، فهو ضروريٌّ لنقل الصورة الحقيقية عما يحدث على أرض الواقع.
أريد أن أعود لأساعد الناس في مجالاتٍ مختلفة، سواء في الإغاثة أو التعليم، لأن تعليم الأطفال أمرٌ في غاية الأهمية. هناك تسرّبٌ كبير من المدارس، وزيادة في عمالة الأطفال. كلّ هذه القضايا تحتاج إلى جهدٍ كبير. كما أنّ الدعم النفسي ضروري، خاصة أنني شخصياً مررتُ بتجربةٍ أثرت على حالتي النفسية، وأدرك أهمية تقديم هذا النوع من الدعم لمن يحتاجونه.
أما بالنسبة لدور النساء، فقد كنّ من أكثر الفئات التي تحمّلت المعاناة في سوريا، سواء كنّ معتقلات، أو أمهاتٍ لشهداء، أو أرامل فقدن أزواجهن واضطررن إلى العمل لتربية أطفالهن بمفردهن. لقد تحملن مسؤولياتٍ كبيرة. أرى ذلك في والدتي، وهي أمٌّ لشهداء وأرملة، وأدرك كم كان الحمل ثقيلاً عليها، كما هو الحال بالنسبة إلى كثيرٍ من النساء السوريات.
أعمل في الدفاع المدني، وأفتخر كثيراً بالنساء اللواتي يعملن معي، فقد قدّمن تضحياتٍ عظيمة، وخاصة خلال كارثة الزلزال، حيث وقفن إلى جانب الرجال في عمليات البحث والإنقاذ… اليوم، تبذل النساء السوريات جهداً جباراً، سواء في رعاية الأيتام، أو تأمين لقمة العيش، أو العمل في المجالات الإنسانية، القانونية، والإعلامية. ومع ذلك، هناك مخاوف من أن يتم تقييد عملهن مجدداً في المستقبل، رغم أنّ لديهن إمكانياتٍ كبيرة، ليس فقط في المجالات الإنسانية، بل حتى في السياسة والمناصب القيادية. لكن تحقيق ذلك يتطلّب بيئةً سياسية وعسكرية مستقرّة تسمح لهنّ بالعمل والمساهمة في بناء البلاد.
نمرّ حالياً بمرحلةٍ انتقاليةٍ صعبة، والقادم لن يكون سهلاً. لكننا اخترنا أن نقف ضدّ الظلم، وسنظل ثابتين على هذا الموقف، بغضّ النظر عن هُويّة الظالم. اليوم، تحقيق العدالة ومحاسبة كلّ من ساهم في الإجرام ضدّ الشعب السوري هو أمر ضروري، لأن سوريا لن تتمكّن من الوقوف مجدّداً من دون إنصاف الضحايا. بالطبع، إعادة بناء البلاد لن تكون سهلة، فالوضع معقّدٌ جداً، خاصة مع التدخلات الخارجية والتحديات السياسية والعسكرية على الأرض، لكنني متفائلة، وأؤمن بسوريا وبحقها في مستقبل أفضل.
حكاية ما انحكت
————————
الجّهاد ( يرجى الضغط برفق على الصورة لسماع التسجيل)
لمن يود الاستماع، لن اعلق على هذا التسجيل ، سيفهمه كلّ منّا كما يشاء أو تشاء.
عنوان عريض بكلمة واحدة ( الجّهاد)
——————————-
ديمومة «الثورية» وتآكل الدولة: سوريا نموذجا/ مصطفى الخليل
لا شيء أكثر إثارة للأسى من أن ترى شعبا يثور من أجل الحرية، ثم يتعثر عند عتبة الدولة، متخبطا عند العبور من الهدم إلى البناء. في سوريا، كما في غيرها، انطلقت الثورة محمولة على وعد أخلاقي نبيل، العدالة والكرامة وإنهاء الاستبداد. غير أن هذا الوعد، الذي بدا في لحظة ما قريبا من التحقق، تهاوى تدريجيا تحت وطأة الشعارات المطلقة، وغياب رؤية انتقالية تنطلق من حاجات المجتمع بأسره، لا من تصورات الفئة الثورية وحدها.
مع نهاية عام 2024، سقط نظام بشار الأسد أخيرا، تحت وطأة ضغوط متراكمة لم تكن كلها داخلية، بل ساهمت فيها عوامل إقليمية ودولية، ومع أن كثيرين احتفلوا بذلك السقوط، بوصفه انتصارا تاريخيا، إلا أن من عاش التجربة عن كثب يعرف أن إسقاط النظام لم يكن سوى نصف المعركة، بل ربما أقل. السقوط كشف، لا محالة، عن خواء عميق في البنية البديلة؛ حيث لم تكن هناك دولة تنتظر في الظل، بل كانت هناك حالة ثورية متورمة بلا مشروع تأسيسي واضح المعالم.
فمع تفكك النظام، لم تنهض سلطة بديلة جامعة، بل تناثرت الأرض السورية إلى سلطات محلية متنافسة، وحكومات ظل، وأمراء حرب، ولكل طرف «ثورته» الخاصة، التي يدّعي أنها الأحق بالبقاء. هنا، وقعت سوريا في ما يشبه الحالة الفرنسية عقب ثورة 1789، حين سقط الملك لويس السادس عشر، لكن الثورة لم تنتهِ، بل تحولت إلى دوامة من التصفيات الدموية والصراعات الداخلية، في ما سُمّي لاحقا بـ«عهد الإرهاب». كان من المفترض أن تولد الجمهورية من رحم الثورة، فإذا بها تلد الإمبراطور نابليون، الذي أعاد إنتاج السلطة المطلقة بثوب جديد. المفارقة أن التاريخ قدّم لنا أكثر من درس واضح؛ روسيا بعد 1917، الصومال بعد 1991، ليبيا بعد 2011… في كل مرة يُهدم النظام، لكن الدولة لا تُبنى، فيسود الفشل، ويعلو صوت السلاح فوق صوت القانون. يتكرر المشهد ذاته كأنه لعنة لا تُغتفر: تسقط الأنظمة، لكن لا تقوم جمهوريات.
هذا الفراغ التاريخي، الذي لا يشبه لحظة سقوط أنظمة أخرى في المنطقة، يُمثّل اليوم التحدي الأكبر للسوريين، ولأيّ مشروع وطني جامع. فقد تبيّن أن إسقاط النظام، على ما فيه من رمزية، لا يعني تلقائيا ولادة الدولة. فاللحظة الثورية التي وُلدت عام 2011 بقيت عالقة في الزمن، من دون أن تتحول إلى لحظة تأسيسية لعقد اجتماعي جديد ينهض بالدولة والمجتمع. وقد أدرك فلاسفة ومفكرون هذه الدينامية القاتلة مبكرا، إدموند بيرك، في نقده الشهير للثورة الفرنسية، حذّر من الثورة التي تطيح بالمؤسسات، من دون أن تُقيم على أنقاضها مؤسسات بديلة راسخة، حنة أرندت بدورها ميّزت بين «التحرر من الطغيان» و«القدرة على تأسيس نظام جديد»، مؤكدة أن الثورة لا تكتمل إلا حين تنتهي بوضع دستور وعقد اجتماعي جديد، أما ألكسيس دو توكفيل، فكان أكثر واقعية حين قال، إن الفشل في الانتقال السريع إلى مؤسسات بديلة سيقود حتما إلى الراديكالية، ومنها إلى الفوضى، ثم إلى ظهور سلطوية جديدة تسدّ الفراغ. ومع كل التحذيرات التي طرحتها تجارب التاريخ، يبدو أن بعض الثورات ـ وفي مقدمتها السورية ـ مصمّمة على إعادة إنتاج المأساة ذاتها، من دون استخلاص العبر. فبدل أن تتحول الثورة إلى لحظة تأسيسية لبناء دولة جديدة، استحكمت فيها الحالة الثورية، كأنها هدفٌ نهائي لا وسيلة انتقال، فالمنصات التي برزت في المشهد، بعد سقوط الأسد، واصلت خطابها بلغة الغضب والتجييش، رافضة التحول إلى مشروع سياسي يُفضي إلى استقرار وحكم رشيد، متذرعة بالخوف من «التفريط بالثوابت». وهكذا، بقيت الشعارات معلقة، فيما تراجعت تطلعات الناس إلى أبسط مقومات الحياة: الأمن، الخبز، والكهرباء.
إن الإصرار على البقاء في الحالة الثورية هو ما يُفرغ الثورة من مضمونها النبيل، فالثورة، في جوهرها، هي وسيلة لا غاية.. هي شرارة تفتح الباب أمام مشروع تأسيسي، فإذا بقيت ملقدس العربيشتعلة بلا اتجاه، فإنها تحرق الأخضر واليابس، وتقتل ما قامت لأجله. اليوم، وبينما تحاول الحكومة السورية الجديدة لملمة الأشلاء، وبناء مؤسسات الدولة، تقف على حافة مفترق طرق حساس، أيّ انزلاق جديد إلى منطق الثورة الدائمة قد يُعيد البلاد إلى المربع الأول، ويُجهض كل ما تحقق، فلا يكفي سقوط النظام إذا لم يسقط معه منطق «الرفض لكل شيء»، وإذا لم يحلّ مكانه منطق بناء عقلاني، يحترم التعددية، ويؤسس لعقد اجتماعي جامع.
لا تنبع دعوة نقد التجربة السورية من رغبة في تبرئة الاستبداد، أو تبييض صفحة الماضي، بل من حاجة ملحّة إلى تفكيك سردية اختزالية طالما حصرت الثورة في لحظة السقوط، متناسية أن التحدي الأكبر يبدأ في اليوم التالي، ذلك اليوم الذي لا يُدار بالشعارات ولا بالغضب، بل بعقل سياسي هادئ قادر على التأسيس لا الهدم فقط، فالثورة، في جوهرها، ليست مجرّد فعل رفض، بل مشروع بناء، يتطلب تصورا واضحا للدولة، لا اجترارا دائما للحظةِ الغضب. من لا يعي هذه الحقيقة، يغامر بإعادة إنتاج الكارثة بأسماء وشعارات جديدة، فهل نمتلك، أخيرا، شجاعة الاعتراف والبدء من جديد؟
كاتب سوري
القدس العربي
————————————
نزيف سوريا الذي لا يتوقف/ بكر صدقي
سوريا جريحة، مستنزفة، مدمرة، جائعة، عارية، محاصرة… كانت هكذا منذ سنوات، تحت الظل الأسدي الثقيل، وما زالت كذلك بعد هروب بشار الأسد إلى موسكو مخلفاً وراءه خراباً فظيعاً. لم تلتئم جراح الماضي، بل أضيفت إليها جراح جديدة أبرزها مجازر موصوفة بحق المدنيين العلويين في مناطق الساحل وأخرى في مناطق الدروز، وانتهاكات متنوعة بحق الجميع. روح الانتقام الأعمى المسلح تعيث بربرية وتسلطاً اعتاد السوريون نسبهما إلى شبيحة الأسد، وإذ بها تستأنف حضورها بفاعلين جدد.
أين السلطة من ذلك؟ القتلة الجدد هم بنيتها التحتية، أداتها الضاربة، سواء تبرأت من إجرامهم أو امتدحت «غيرتهم على دينهم» على ما حدث بذريعة التسجيل المنسوب إلى شخص غير معروف فيه إساءة لمقدساتهم. غير أن المقصود بالسلطة هنا السلطة السياسية، الرئيس أحمد الشرع والدائرة الضيقة من «الثقاة»، وزير الخارجية، وزير الداخلية، رئيس جهاز المخابرات، أي النواة القيادية الضيقة لهيئة تحرير الشام. هؤلاء هم أصحاب السلطة والقرار بعدما اجتمع قادة الفصائل المسلحة وعينوا الشرع رئيساً لـ»الجمهورية» وأعلنوا حل فصائلهم على أن يندرجوا في إطار جيش جديد تقوده وزارة الدفاع. مضت على ذلك أربعة شهور لكن الفصائل ظلت موجودة، يشار إليها بمناسبة وقوع انتهاكات على أنها «غير منضبطة». الواقع أنها منضبطة جداً بمعاييرها الإيديولوجية ونزوعها الطائفي المعلن وتمسكها بالسلطة القائمة، مع تغطية صاخبة من جمهور من المؤيدين الذين استأنفوا عمل أسلافهم من مؤيدي نظام الأسد المنهار.
أمضت سلطة هيئة تحرير الشام شهريها الأولين في حملة علاقات عامة، فكان العالم يأتي إلى دمشق، وفوداً سياسية وإعلامية، للتعرف إلى أحمد الشرع وأسعد الشيباني اللذين لم يبخلا على الزوار بالكلام. بدورها حملت الوفود السياسية إليهما نصائح وشروطاً وإملاءات، فقدما لها تطمينات بأن سوريا لن تخوض حروباً جديدة ضد «جيرانها» (أي إسرائيل) ولن تصدّر الإرهاب والكبتاغون إلى العالم، وستدمر ما تبقى من عدة السلاح الكيماوي. ولم يتمالك الشيباني نفسه فقال، في منتدى دافوس، إن النموذج الذي تتطلع إليه سوريا اقتصادياً هو نموذج سنغافورة!
تفاءل السوريون خيراً بسقوط النظام الأسدي الذي كان سقوط سوريا في هوة عميقة شرطاً لاستمراره في الحكم، بخاصة أن ذلك السقوط حدث بسرعة وبلا إراقة دماء، فأوهموا أنفسهم بأن الجماعة السلفية الجهادية التي كانت تحكم إدلب قد تغيرت، فأعطوها فرصة كما يقال لإنجاز الانتقال السياسي الصعب من الكارثة إلى بر الأمان. لكن الحكام الجدد توهموا بدورهم أنهم يستطيعون حكم سوريا بالطريقة نفسها التي حكموا بها إدلب طوال سنوات، ولا يحتاجون إلى أي شركاء في السلطة.
كان ذلك اللقاء القصير بين الشرع وآخر رئيس وزراء في عهد الأسد، محمد الجلالي، إشارة مشؤومة لما تلا ذلك من أحداث. كان برفقة الشرع في ذلك اللقاء كل من رئيس حكومة الإنقاذ في إدلب محمد البشير وشقيق الشرع حازم الذي سيتولى لاحقاً منصبا مهما بعد تشكيل الحكومة الحالية. أبدى الجلالي استعداده لمساعدة العهد الجديد من خلال مشاركة بعض وزرائه في الحكومة الجديدة وتسليم ملفات الوزارات التي ستنتقل إلى وزراء جدد، في نوع من تأمين استمرارية للجهاز البيروقراطي في الإدارة العامة بعيداً عن آلام وتكاليف القطع البنيوي الشامل. فرد عليه الشرع بالقول إن حكومة الإنقاذ قد اكتسبت خبرات كبيرة في الإدارة العامة في إدلب، وهي قادرة وحدها على إدارة شؤون الدولة. وحين ارتفعت أصوات النقد، لاحقاً، تجاه «اللون الواحد» في تشكيل الحكومة الجديدة، كان رد الشرع هو أنه في حاجة لفريق عمل «منسجم» لإدارة الفترة الانتقالية. كان واضحاً أن السلطة الجديدة متمسكة بالتفرد بإدارة البلاد، منطلقة من وهم ذاتي بأنها وحدها تعرف ما يجب القيام به، وأن أي مشاركة في السلطة من شأنها أن تشوّش عليها مشروعها.
ولكن ما هو مشروعها إذا وضعنا جانباً نموذج سنغافورة؟ لم تعلن السلطة شيئاً واضحاً بهذا الخصوص، وإن كانت إجراءاتها وأعمالها وخطاب بعض أنصارها تشي بملامح النموذج الذي تريده لسوريا: نظام تسلطي مركزي بأمة سنية غالبة بنزوع ذكوري طاغٍ، وإيديولوجيا براغماتية مع هامش واسع للدعوة السلفية في المتن الاجتماعي، ونموذج اقتصادي ليبرالي عماده التجارة الحرة واعتماد مرحلي على دعم خارجي من دول حليفة، إضافة إلى إشارات صدرت مؤخراً عن استعداد للتطبيع مع إسرائيل في الإطار «الإبراهيمي».
وعموماً سعى الشرع وصحبه، منذ استيلائهم على فراغ السلطة، إلى إرضاء الخارج، الغرب أساساً، الذي لا يهمه كثيراً كيف يتم ترتيب البيت الداخلي إلا بقدر اتصال ذلك بمطالبه وعلى رأسها تحقيق الاستقرار. من المحتمل أن السلطة ترى في المجازر التي استهدفت ـ إلى الآن – العلويين والدروز نوعاً من تطويع الداخل مادامت لا تستجلب ردود فعل دولية كبيرة وتم احتواؤها بأقل الخسائر على صورتها أمام الغرب، وكذا تفريغاً لأحقاد طائفية أو ثارات متراكمة، كبديل عن عدالة انتقالية لا تريدها.
شجع السلطة على المضي في الطريق الذي اختارته أن الإجراءات الشكلية التي قامت بها كمؤتمر الحوار الوطني والإعلان الدستوري والحكومة الجديدة والتعيينات العسكرية والإدارية وتشكيل مجلس الإفتاء وغيرها لم تثر رفضاً من الدول الغربية على رغم الرفض الواسع في المجتمعات السورية. فإذا مضت الأمور على هذا المنوال ربما نصل، بعد سنوات، إلى انتخابات يتوهم الفريق الحاكم أن فوزه فيها مضمون لأن غالبية السكان من السنّة، هذا ما لم تلغ فكرة الانتخابات أساساً. غير أن ما تتجاهله السلطة، أو ربما لا تهتم به كثيراً، هو أن سلطتها لن تشمل، في الشروط القائمة والمنظورة، لا مناطق الإدارة الذاتية الكردية ولا مناطق الدروز والعلويين الذين دفعت المجازر أصواتاً من بينهم لطلب حماية دولية. من المحتمل أن السلطة ستتعايش مع نوع من الإدارات الذاتية في تلك المناطق كأمر واقع من غير إعلان رسمي، الأمر الذي يحقق بالضبط ما تريده إسرائيل: دولة ضعيفة مفككة بلا سلاح ولا أفق، مع بقاء قوات عسكرية أمريكية وتركية وإسرائيلية وروسية على أراضيها، وعقوبات اقتصادية مستمرة.
كاتب سوري
القدس العربي
—————————-
جنس وكحول وفنون وأمور أخرى/ يوسف بزي
الخميس 2025/05/08
قبل نحو 40 عاماً، باشرت طلائع الثورة الخمينية في لبنان العمل: رمت الأسيد على فتيات يكشفن عن مفاتنهن. بشّرت النساء بالتشادور. فجّرت متاجر بيع الكحول. حرّمت الاستماع إلى الموسيقى والرقص. ورذلت الأفلام (عدا فيلم “الرسالة” وما يشبهه).
في مناخ الأسلمة، المسلحة وغير المسلحة، قفرت مدن وضواح من دور السينما والمسارح ومطاعم مازات العرق والحانات والفنادق وأماكن السهر، وانحسر اختلاط الذكور بالإناث، وتعممت تعاسة الليل والنهار وتكاثرت صور “الشهداء” طبقات فوق طبقات على الجدران، وقُتلت نساء وفتيات كثيرات باسم الشرف.
وراح المجتمع الفاضل المتخيل هذا، يفور بالعنف والذكورية الموتورة والكبت الجنسي الذي سرعان ما يُصرف بالمزيد من الهوس بضبط أجساد الإناث، عدا عن منع أسباب الضحك والمسرات واللهو، والتمتع بالفنون.
بطبيعة الحال والنفاق، ازدهرت خارج أسوار تلك المدن والضواحي محلات بيع الكحول وأماكن السهر، المخصصة لـ”المتسربين” من مجتمع الفضيلة، الذين يعودون فجراً مترعين بمشاعر الذنب إلى سرير الطهارة وحضن تقوى الأهل. فيما يُحرم المراهقون والشباب والشابات من أي علاقات صحية وعلنية، ويصير الحب سراً غامضاً وصعباً وأقرب إلى الخطيئة والرذيلة. وسرعان ما تنقلب “العفة” إلى عنّة متفشية يكون تمويهها بالمزيد من الذكورية الاستعراضية العنيفة.
وبعد عقود من حملات الأسلمة، استتب عمران العشوائيات الباطونية، والسكن الأهلي المتراص والقائم على صلات القرابة والعلاقات الريفية، وانتشرت الأمية الثقافية، وقلّت مظاهر التمدن، وتعاظم الفقر والبطالة المعممة، وانتعشت العصابات وحبوب الهلوسة، و”تمليشت” حياة الشبان الذكور المزهوين بالسلاح والموت، وحوريات الجنة.
هكذا، نجحت الخمينية في إنجاز ما حلم به المؤسس: إقامة سور يمتد إلى السماء ما بين أبناء الثورة والعالم “الفاسد” بأسره.
في مصر، وبعد نضال استمر لأكثر من 80 عاماً، وصل “الأخوان المسلمون” إلى السلطة، بعد ثورة شعبية واستفتاءات وانتخابات ديموقراطية، انتصروا فيها تتويجاً لجهودهم الجبارة في “الأسلمة” المؤدلجة والممولة بسخاء منذ مطلع السبعينات. ومع وصولهم إلى السلطة، تبدى أن لا سياسة لهم سوى استكمال “توبة” الفنانات، وتغطية النساء بالأثواب المهلهلة والتفنن بأغطية وحجابات الرأس والحيرة وما يحمله هذا التفنن من حيرة بين الإغواء والستر والانحراف الإيروتيكي “الفيتشوي”، وتعفيف الفتيات وكبت غرائزهن المخيفة والخطرة، والتشدد في بيع الكحول وتحقير شاربيها، والسعي لإغلاق ملاهي شارع الهرم والكازينوهات، ومطاردة الراقصات، وتشديد الرقابة على الأفلام والكتب والرسوم.. إلخ. أما ما تطلبه مصر من تعليم وصحة وتنمية وبنى تحتية وإدارة رشيدة وازدهار اقتصادي.. فكان الأمر متروكاً للعناية الإلهية والغيب. وصاحب كل هذا تفشي التحرش الجماعي والاغتصاب والاعتداء على النساء، وحملات التبشير بتعدد الزوجات، واضطهاد غير المتدينين، وتحقير “السافرات”، ومنافسة السلفيين في الإسراع رجوعاً إلى القرن الهجري الأول.
وهكذا، بقيت مصر المزدحمة بأكثر من 120 مليون نسمة، بعيدة كل البعد عن تلك المنافسة مع اليابان ذات مرة في أواخر القرن التاسع عشر.
أما في إيران نفسها، فتنتصب فيها مسألتان متساويتان في الأهمية: السيطرة على أجساد النساء وأغطية رؤوسهن.. والبرنامج النووي والصاروخي. وكانت خلاصة الخمينية بعد 45 عاماً، وعدا الاستبداد الديني، تصدير أكبر عدد من الحروب وتصنيع أكبر عدد من الميليشيات، ونشر نسخة من الأسلمة العنيفة والمعادية للحداثة والغرب، من ناحية، وتحريم الكحول والفنون والسيطرة على الأجساد واللباس، للذكور والإناث معاً.
وعدا عن النسخة الطالبانية في أفغانستان، وهي الأسوأ أو الأفظع في مسائل الجنس والكحول والفنون، وحجب النساء وتحويلهن فعلاً إلى “قوارير” مخبأة، أو إلى مؤودات في بيتوهن، أو إلى “أشباح”.. أفضت الأسلمة المؤدلجة في البلاد العربية، إلى مجتمعات بطالة وأمية وعنف وذكورية فظة وكراهية للتمدن وتعصب ديني وحروب أهلية واستبدادات قاتلة.
والباعث اليوم على هذا السرد، تباشير الجماعة الحاكمة في سوريا، وبرنامجها السياسي الفعلي، الذي بدأته على ما يبدو في اضطهاد غير المسلمين أو الذين يخالفون المذهب والمعتقد. وهو اضطهاد يعيد إنتاج المذابح على صورتيها، التاريخية الغائرة في ذاكرة “الأقليات”، والأسدية الموغلة بأجساد مئات آلاف السوريين.
وبالتزامن مع هذا، كانت البداية في حملات الفصل بين الجنسين في الإدارات العامة وفي وسائل النقل. تبعها مطاردة العشاق والتنكيل بهم في الشوارع والحدائق العامة، وسوق المراهقين إلى السجون. وتعاظمت في الآونة الأخيرة إلى حد اقتحام الملاهي الليلية والاعتداء على الساهرين، والانتشاء “الفيتشوي” في ضرب النساء، ثم إطلاق الرصاص على ساهرين وقتل راقصة عمداً.
مرة أخرى، لا يقدم هذا الإسلام السياسي، سوى مشاهد تفجير ناطحات السحاب وأنفاق المترو، وارتكاب المجازر في الملاعب والملاهي والمسارح، وإشعال حروب أهلية شديدة الدموية بالسيارات المتفجرة والإنتحاريين وقطع رؤوس الرهائن، ورمي المثليين من سطوح المباني، وكره النساء واحتقار الثقافة والسينما والرسم والرقص والموسيقى وكل الفنون.
ذات مرة، نجح الخمير الحمر، في فرض “المجتمع الفاضل” على كمبوديا، فكانت الحصيلة الوحيدة، موت نحو مليوني إنسان، إعداماً وجوعاً ومرضاً. كانت الفضيلة مرادفة للإبادة.
على نحو مماثل من أفغانستان إلى ديارنا المنكوبة، لا يقدم الإسلام السياسي، الذي يخاف من الحب والمتعة والكحول والثقافة، أي سياسة. فقط الموت والتصحر.
المدن
—————————
الشرع يرغب بلقاء ترامب: بحث عن خطة مارشال لسوريا
الخميس 2025/05/08
قالت صحية “وول ستريت جورنال” الأميركية، إن الرئيس السوري أحمد الشرع يسعى إلى كسب دعم واشنطن، من أجل إعادة إعمار سوريا، مشيرة إلى أن الشرع اتخذ إجراءات ملموسة لتلبية المطالب الأميركية والتواصل مع إسرائيل عبر وسطاء، كما أعرب عن استعداده لعقد صفقات تسمح لشركات النفط والغاز الأميركية بالعمل في سوريا.
مهمة ملحة
ووفقاً للصحيفة، فإن المهمة الأكثر إلحاحاً التي تقع على عاتق الشرع تتمثل في إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب “المتشككة”، بأن التغير الذي طرأ على مفاهيمه حقيقي، وبالتالي فهو يتطلع إلى رفع العقوبات التي تعيق إعادة إعمار بلاده.
وأفادت الصحيفة بأن الحكومة السورية أقدمت في الآونة الأخيرة على اعتقال ناشطين فلسطينيين بطلب من الولايات المتحدة، وبعثت برسائل عبر وسطاء إلى إسرائيل تفيد برغبتها في تجنب الدخول في حرب، في وقت نشر فيه قادة الجيش الإسرائيلي قوات في جنوب سوريا، وقصفت إسرائيل محيط القصر الرئاسي في دمشق الأسبوع الماضي.
الشرع يرغب بلقاء ترامب
وأوضح مسؤولون في حكومة دمشق، أن الشرع يرغب في الاجتماع مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب، لتبادل الآراء في شأن إعادة إعمار سوريا على غرار خطة مارشال.
وتوقعت “وول ستريت جورنال”، أن الشركات الأميركية والغربية ستتغلب على نظيراتها من الصين والقوى الأخرى للظفر بعقود المشاريع في سوريا.
وكشفت الصحيفة أن الرئيس التنفيذي لشركة “آرغينت” للغاز الطبيعي المسال والمؤيد لترامب جوناثان باس، سافر الأسبوع الماضي، ليعرض على الشرع خطة لتطوير موارد الطاقة في البلاد مع شركات غربية وشركة نفط وطنية سورية جديدة مدرجة في البورصة الأميركية. وهي فكرة رد عليها الشرع بشكل إيجابي، لكن تنفيذها لن يكون ممكناً إلا إذا خففت العقوبات، وفق باس ورئيس فرقة العمل السورية للطوارئ معاذ مصطفى الذي كان حاضراً في الاجتماع الذي استمر 4 ساعات.
وبحسب الصحيفة، فإن فرقة العمل السورية للطوارئ، منظمة أميركية في واشنطن أُسست في آذار/مارس 2011 لدعم المعارضة السورية ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية السورية، قوله إن سوريا الجديدة “تسعى إلى بناء علاقة استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة والشراكة، بما في ذلك في مجال الطاقة والعلاقات الاقتصادية الأخرى”. وأضاف أن “دمشق تأمل أن تصبح حليفة مهمة لواشنطن ومؤثرة خلال المرحلة المقبلة في سوريا.
بدوره، قال باس: “لدينا فرصة لإخراج الروس والإيرانيين والصينيين من سوريا إلى الأبد وإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية”.
وحذر محللون، بحسب الصحيفة، من أنه بدون دعم أميركي ومن دون السماح لحكومة دمشق بالتعامل مع النظام المالي الأميركي، فإن سوريا مهددة بالتحول إلى دولة فاشلة بحيث يمكن أن تصبح بؤرة لظهور جماعات متطرفة مرة أخرى، ما يفاقم زعزعة استقرار المنطقة.
————————
تعاقد سوري: نزع السلاح مقابل المشاركة في السلطة/ ياسين الحاج صالح
مخرج من حالة حرب الجميع ضد الجميع
08-05-2025
تدعو السلطات السورية الجديدة إلى نزع سلاح أي مجموعات مسلحة خارج الدولة باسم عمومية هذه الأخيرة واحتكارها للقوة المسلحة. وهو ما يبدو مُتّسقاً مع تصورها المُعبَّر عنه على لسان الرئيس الانتقالي، الخاص بانتهاء الثورة وبدء الدولة. الثورة في عُرف الفريق الحاكم اليوم هي مجمل الصراع السوري خلال ما يقارب 14 عاماً قبل سقوط النظام الأسدي، وقد حمل السلاح خلالها، فضلاً عن النظام وحُماته الأجانب، من واجهوه من مقاتلين متنوعين، ومن واجهوا داعش، ومن عملوا على حماية أنفسهم، فضلاً عن مُتكسِّبين من كل نوع حول هذه المجموعات، بعضهم عصابات إجرام. ومن حملة السلاح مجاهدون محليون ومُعوْلَمون، قضيتهم دينية، كان بعضهم من قوى «عملية ردع العنوان» التي أسفرت عن سقوط النظام.
والدعوة مُوجَّهة افتراضاً إلى تلك المجموعات المسلحة كافة، تلك التي شاركت في إسقاط النظام وتلك التي لم تشارك (قوات قسد وتشكيلات مسلّحة درزية)، وما بقي من قوات النظام السابقة، وبالطبع عصابات الجريمة، وكذلك غير قليل من مجموعات تتمازج فيها الهوية والجريمة والسلاح. سورية طوال سنوات كانت أقرب إلى نموذج حرب «الجميع ضد الجميع» الذي تكلم عليه توماس هوبس، وتأسست عليه نظرية العقد الاجتماعي. وهي في وضع يدعو إلى التفكير في تأسيس أو تَعاقُد وطني جديد.
يثير الجدل بخصوص الدعوة إلى نزع السلاح شيئين. أولهما؛ هل نحن اليوم حيال دولة، تحتكر العنف المشروع لأنها دولة عامة الولاية بالفعل، وتمارس سلطتها خدمةً للمصلحة الوطنية التي تعلو على أي جماعات أهلية، بما فيها أي دين أو جماعة دينية؟ أي هل نحن حيال مشروع بناء دولة عامة أم سيطرة دينية خاصة؟ ذلك أن فكرة احتكار الدولة للعنف مرتبطة عضوياً بفكرة الدولة الوطنية، ولم تكن يوماً سمة للحكم الديني أو السلطات الإمبراطورية. والسؤال يثيره الواقع بالنظر إلى ما يبدو من استمرار مجموعات دينية في حمل السلاح، وعدم تَمكُّن السلطة الجديدة من نزعه أو عدم إرادتها لذلك، مع ما هو معلوم من مشاركة هذه المجموعات، ومنها مجاهدون أجانب، في مجازر الساحل، وفي هجمات على أشرفية صحنايا. وهذا يُحيل إلى الشيء الثاني المثير للجدل بخصوص نزع السلاح، وهو وجه آخر لعمومية الدولة، لكن ليس من حيث شمول ولايتها السكانَ كلهم هذه المرة، بل من حيث مشاركة السكان كلهم بصور مختلفة في امتلاك سلطتها أو التأثير عليها بما يتوافق مع مصالحهم العادلة والمعقولة. بعبارة أخرى، يقتضي احتكار الدولة وحدها للسلاح ونزعه من المحكومين مشاركة المحكومين في سلطة الدولة، بما في ذلك في جيشها أو قوّاتها المسلحة. وهذا ليس واقع الحال في سورية اليوم. فأياً يكن تعريفنا للمحكومين، جماعات أهلية أو تيارات فكرية وسياسية أو منظمات وشبكات اجتماعية، أو مجموع السكان، فإنهم غير مُشاركين في هياكل السلطة الجديدة ولا مُمثلَّين فيها. وهذا في زمن تأسيسي، يرجح لقيامه الباكر على الاستبعاد أن يترسَّخَ أكثر ويتصلَّبَ كلما مر عليه الزمن، حتى نحصل على سلطة فئوية غير عمومية، لا بد أن تحمي فئويتها بالعنف، ولا بد أن تتبادل الكراهية مع قطاعات تتسع من المحكومين مثلما حدث بالفعل في الحقبة الأسدية.
هذا للقول إن التعاقد الوطني لا بد أن يقوم في سورية ما بعد الأسدية، التي تحاول الخروج من حرب الجميع ضد الجميع، على مشاركة الجميع في السلطة مقابل نزع السلاح. أما ما يمكن أن يقوم على نزع السلاح دون مشاركة في السلطة فليس دولة وطنية، وإنما شكل آخر من الحكم الفئوي الذي قد يلجأ إلى المُزايدة الدينية لحجب طابعه الفئوي الضيق، مثلما لجأ الحكم البعثي إلى المُزايدة القومية العربية. ثم إن ما قد يقوم على نزع السلاح دون مشاركة في الحكم هو سلطة طغيان عاتية، تواجه فيها سيادةٌ مطلقةٌ مسلحة شعباً أعزل، تفتك به وتسلبه وتنهبه وتعذبه، لأن هذا ما يُغري به فائض القوة الذي تتمتع به. ولا يُعوَّل في هذا الشأن على النيات، فالأعمال في الشؤون السياسية ليست بالنيات، إنما بالعواقب، وبما يمهد لهذه العواقب من اختلالات في توزّع القوة في المجتمع ومن أوضاع اجتماعية وسياسية غير متوازنة. وهذا هو الفرق المهم بين ما يخص الدولة من أعمال وما يخص الدين. فلأن الله مُطّلع على أفئدة الناس الذين يُحاسَبون أمامه، ولأنه رؤوف بهم، فإن النيّات هي معيار الحكم على أفعالهم. وهو ما لا يستطيع السياسيون انتحاله، لأنهم مسؤولون أمام محكوميهم، والمعيار في الحكم على سياساتهم هو مُحصّلاتها وعواقبها. يمكن للفريق الحاكم اليوم أن يرفض معيار العواقب في الحكم على سياسته، ويفضل معيار النيّات الديني، لكن هذا لا يستقيم مع إرادة احتكار السلاح، وهي قائمة على تصور الدولة ككيان وطني عمومي مسؤول عن مصلحة وأمان العموم.
والواقع السوري اليوم يطرح قضية نزع السلاح على مستويين أساسيين. الأول، والأهم على الإطلاق، هو نزع السلاح المجموعات المسلحة الدينية التي تجنح إلى التصرف بصورة مستقلة، تتدخل في الحياة الخاصة للسكان، ويوجهها تفكير ديني يقوّض كل منطق احتكار الدولة للسلاح. الأولوية هنا، لأن مصداقية احتكار سلطة الدولة للسلاح تقوم على نزعه عن مَحاسيبها غير الدولتيين، وإلزامهم بمنطق الدولة الوطنية. وهو ما ينطبق بصورة خاصة على الجهاديين الأجانب. إذ لم تعرف دولة وطنية حديثة امتلاك أجانب للسلاح في أراضيها، وبخاصة بعد إنجاز المهمة التي يُفترض أنهم كانوا عوناً فيها: إسقاط النظام (الذي اعتمد وجودياً على أجانب). قد يكون مفهوماً ألّا يستطيع أكثر هؤلاء العودة إلى بلدانهم، لكن هذا يقضي بأن يظلوا لاجئين آمنين مسالمين في سورية، لا مسلحين بلا حساسية وطنية من أي نوع. من شأن استمرار امتلاكهم للسلاح أن يُقرِّبهم من قوة احتلال أجنبية، فينزع وطنية الحكم الذي يوفر لهم مظلة ويقربه هو ذاته من كونه حكماً احتلالياً. ألم يكن الحال كذلك مع الحكم الأسدي؟
والمستوى الثاني يتصل بقوات قسد، وفيها أجانب هي الأخرى، ثم بفصائل مسلحة درزية. وهنا يفرض منطق التعاقد المشار إليه قبل قليل: المشاركة في السلطة مقابل نزع السلاح. وهو ما يدعو إلى مراجعة الإعلان الدستوري والحكومة المُشكَّلة في أواخر آذار الماضي، لأنهما يؤسسان بالأحرى لسلطة دون شراكة، ما يجعل من نزع السلاح انكشافاً خطيراً أمام فريق مُسلّح لا يشبه الدولة.
نزعُ السلاح الذي يخرج من منطق التعاقد هو نزع سلاح أي عصابات جريمة منظمة أو أي سلاح محتمل بيد موالين للحكم الأسدي. لكن ليس لهذا الأخير أن يلتبس بحال بوضع العلويين في حال انكشافٍ ممّا هو محقق فعلاً، على ما دلَّلَ تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان حين تكلم على مقتل عشرين مدنياً علوياً في حمص خلال خمسة أيام قبل نهاية نيسان الماضي. هذا منطق استباحة، يثير سؤالاً عما إذا كان من يريدون احتكار السلاح غير قادرين على «ضبِّ» جماعاتهم أم هم متواطئون مع اعتداءاتها. وأياً يكن التقدير فإن هذا واقع لا يشجع أحداً على التخلي عن سلاحه. بخصوص العلويين، كما بخصوص الكرد والدروز، يتعين إعمال منطق التعاقد والمشاركة الفعلية (وليس الإسمية أو الواجهية) في السلطة.
ويمكن للمشاركة في السلطة أن تأخذ شكلين: شكل توسيع نطاقات وصلاحيات السلطة في الأطراف، في صورة حكم محلي فاعل بما يُؤمّن لسكان المحلات المعنية تحكماً ذاتياً بأوضاعهم وشعوراً بالأمان، ثم شكل مواقعَ مؤثرة في السلطة المركزية بما يشد تلك القطاعات السكانية إلى الدولة ويعزز ثقتهم بها.
هذه المناقشة مخاطبة للفاعل السياسي العقلاني، تنطلق من الواقع الراهن وتعمل على أن يتشكل وفق معايير الدولة والسياسة الوطنية، لكنها تفترض حسّاً تأسيسياً يفتقر إليه الفريق الحاكم اليوم، ولا نتميز عموماً بقوته بيننا. كان من شأن حسٍّ تأسيسي كهذا أن يتغلب، أو ينافس على الأقل، نوازع الانتقام وتأكيدات الذات الفئوية في أوساطنا. هذه النوازع الأخيرة تشدُّنا إلى الماضي، إلى الغرق بلا نهاية في حرب الجميع ضد الجميع. هذا بينما يوجه الحس التأسيسي نحو الانفصال عن الماضي والتعاقد الجامع على أسس حياة جديدة. وليست هذه المخاطبة غافلة عن إكراهات اللحظة، لكن هذه اللحظة توفر فرصاً للعَقنلة وليس إكراهات فقط، وهي فرص ضاع بعضها وتضيع إمكانياتها كلما مر الوقت. كل قضية نزع السلاح واحتكاره لا معنى لها إلّا لأنها خطوة أساسية نحو عقلنة النظام السياسي والحياة الاجتماعية.
يبقى أنه ليس فيما تَقدَّمَ ما يقول إن الجماعات الوراثية الأهلية هي الأطر الحصرية للمشاركة في السلطة، ولكننا ملزمون بالانطلاق منها لأنها حاملة للسلاح. هذا مثال على إكراهات اللحظة، ومن جهتين. من جهة الجماعات نفسها، فهي لا تستطيع أن تجازف بتسليم السلاح دون مشاركة سياسية فاعلة، أي دون تشكّل الدولة كدولة وطنية. ومن جهة الدولة، هي مضطرة للتمثيل لأن دونه مخاطر تَفكُّك الكيان الوطني وضياع كامل للشرعية. هناك ضرورة لإبداع عدالة سياسية، تأخذ شرطنا العياني باعتبارها، وتعمل على عَقلنته. العدالة السياسية هي التشارُك التوافقي في السلطة العمومية. وكلُّ معنى المرحلة الانتقالية هو التعامل مع إكراهات اليوم بمنطق وطني عقلاني، يَؤول خلال الفترة المُقرَّرة إلى تَقدُّم متوازٍ في نزع السلاح والمشاركة السياسية، إلى تَشكُّل أكثر مدنية وأقلَّ أهلية وطائفية للمجتمع، وإلى سيادة واحدة متجسدة في الدولة وتعددية سياسية تشغل المساحة بين الدولة العامة وبين المجتمع السوري المتنوع. وأبسط من كل ذلك، من عنف أكثر إلى عنف أقل، ومن تمييز أكثر إلى تمييز أقل، ومن الذلّ إلى الكرامة. هل نحن سائرون في هذا الاتجاه؟ مؤشرات خمسة أشهر مُنقضية لا تقول ذلك.
موقع الجمهورية
————————————-
كي لا نتجرّد طوعاً من الحرية/ مصعب الحمادي
2025.05.08
في سعيي الدائم لتحسين لغتي الفرنسية دخلت مرةً في حديثٍ سخيفٍ مع إحدى موظفات البلدية في مدينة ميتس بخصوص كأس العالم في قطر الذي كان اقترب موعده وقت إجراء المحادثة.
قالت لي الموظفة إنها تعشق كرة القدم لكنها لن تتابع مباريات المونديال القادم أبداً زاعمة أن قطر تنتهك حقوق العمال وخصوصاً أثناء تشييد ملاعب البطولة، بحسب قولها.
كانت الموظفة تتحدث بلغةٍ طليقة وواثقة وكانت امرأة مثقفة وجميلة أيضاً. لكن تعليقاتها أظهرت لي أنها لم تكن سوى ببغاء تردد ما كانت تقوله وسائل الإعلام الفرنسية في تلك الفترة، حيث كانت قطر عرضة لحملة إعلامية شرسة في الإعلام الفرنسي لسبب غير مفهوم لي أبداً.
لم أكن لأعارض الموظفة بخصوص حساسيتها لموضوع حقوق العمال، فأنا متيقن أن الوضع في قطر، بل في كل دول الخليج العربي، ليس مثاليّاً أبداً، لكن رأيها (السخيف في نظري) يعكس جهلها بالعالم وببلدها ذاته حيث تقفز فوق مآسٍ كبرى للعمال غير المسجلين في فرنسا، فيما يعرف بالعمل بالأسود، بالإضافة طبعاً لجهلها بالدور القذر الذي يلعبه حكام فرنسا لليوم في نهب ثروات إفريقيا ودعم حكام قتلة مرتبطين بها. فالموظفة لم تقل مثلاً أنها قاطعت كأس العالم في فرنسا يوم نظمتها عام 1998. في نظرها فرنسا بعيدة عن أي شبهة لأنها تعيش في هذا البلد وتتشرب دعايته تلقائياً.
كان واضحاً لدي خلال الحديث أن الموظفة الفرنسية صادقة في حساسيتها، لكن حساسيتها تصبح بلادة وقصر نظر – بل ويمكن اعتبارها عملاً استفزازياً – بسبب جهلها المشين بالعالم ما يجعلها تحصر حساسيتها بطريقةٍ ساديّة مبطنة بما تبثه وسائل الإعلام الفرنسية من دعايات النخبة السياسية والمالية المتحكمة بهذه البلاد. فالحساسية عند السيدة هنا هي مجرد تعبير عن القابلية للتورط الطوعي في تصديق الأكاذيب المحلية وإغماض العين عن بقية العالم.
حال السيدة الفرنسية هذه يشبه حال الكثير من البشر في كل أنحاء العالم. إنها تعاني من تشوه في صورة العالم لديها، وهي حالة من اضطراب الفهم أو الفهم المنقوص بشكلّ مخلّ بحيث لا نبذل أي مجهود للموضوعية والكمال ونخضع مستسلمين لما يصلنا تلقائياً عن العالم من حولنا عبر وسائل الإعلام وأدوات الترويج الحكومية التي يمكنها أن تتحكم بكل ما يصل إلينا كي تتأكد أنه يساير الخط العام المطلوب ويحيد عن كل ما يعارض النظرة التي يراد لها أن تسيطر، حتى في عالم السوشيال ميديا والفضاءات المفتوحة، فما تفشل فيه الرقابة الحكومية تتكفل الخوارزميات في ترميمه بحيث يبقى وصولنا معيوباً وناقصاً.
كان البشر قديماً لا يعرفون شيئاً عن البلدان البعيدة عنهم، بل وجهل الكثيرون ما يوجد في المدينة المجاورة أو على السفح الآخر للجبل الذي تقع عليه مدينتهم. واليوم يختلف الوضع طبعاً. فالبشر كثيرو الأسفار، وحتى من لا يسافر منهم يأتيه العالم عن طريق وسائل الإعلام والإنترنت والمصادر المفتوحة. لكن هذا لا يعني تلقائياً فهماً موضوعياً للعالم. إنه يعني بالتأكيد صورة أكبر وإدراكاً بأن الحياة أكثر من مجرد الحيّز الصغير الذي نتحرك عبره خلال يومنا. لكن هذا الإدراك غالباً ما يأتي مسايراً للتحيزات العامة التي يبثها العقل الجمعي للقطيع الذي نحيا فيه، وهو عقل تتحكم فيه نخبة صغيرة جداً فاسدة وأنانية في الغالب. إن عالم الغرب نفسه لديه نخب تحتكر الدعايات والحكايا والسرديات في الإعلام والفكر والسياسة والمجتمع بما يجعل المواطنين على حالةٍ مضحكة من التماثل وتشابه الآراء. والوضع أسوأ في عالم الشرق المتخلف الذي يتسلّط عليه حكامٌ ديكتاتوريون يستخدمون كل مؤهلات دولهم لبثّ الدعاية الفجة وفرضها حتى في النظم التعليمية في المدارس والجامعات بما يجعل أجيالاً وأجيالاً من البشر تأتي للحياة وتمضي وهي تؤجر عقولها لمصلحة النخب دون أن تفكر بحريةٍ تامة ولو لمرةٍ واحدة في حياتها.
نحن هنا أمام حالةٍ من سلب الحرية البشرية تقع على غالبية بني البشر في كل أنحاء الأرض. الناس هنا يتجردون طوعاً من حريتهم الداخلية وحقوقهم الطبيعية في الفهم بسبب كسلٍ في عقولهم وقصور رؤية في منظورهم فيبدو عليهم أنهم يفعلون ذلك عن طيب خاطر وبحرية دون أن يدركوا ما هم فيه من أفخاخ. وهكذا فتدفق المعلومات الذي كان من المفترض أن يجلب لنا حرية التفكير يعمل بطريقةٍ معكوسة تماماً، فهو يجعل الغير يفكر عنا ويكوّن لنا آراءنا. والنتيجة أن معظم الناس يأتون للحياة ويذهبون دون أن يقولوا كلمتهم. ويبقى التفكير الحقيقي الناقد والثاقب نشاطاً محصوراً عند نخبٍ صغيرةٍ جداً تستخدم التفكير لتنويم العامّة، وإدامة السيطرة، ومراكمة الثروات. فهل ننتبه لذلك فلا نتجرد طوعاً من حريتنا؟
تلفزيون سوريا
—————————–
سوريا بين إرث الاستبداد وشبح عودته/ علي سفر
2025.05.08
حتى هذه اللحظة، ورغم مضي قرابة ستة أشهر على سقوط نظام الأسد، وتكشّف الكوارث التي فُخخ بها الواقع السوري، والأزمات المتلاحقة التي لا تكاد تنتهي واحدة منها حتى تلحق بها أخرى!
ورغم أن ما يجري على الأرض كفيل بتوليد التشاؤم في عقول كثير من السوريين، إلا أنه ينبغي الاستزادة من الفرح بأن البلاد لم تعد محكومة من الحثالة الأسدية. فاستغراق الناس في السعادة والاستمتاع بالحرية اليوم، يمنح حتى أكثر المتشائمين فرصة لتقسيم اللوحة التي يرسمونها عن الواقع، بين الأبيض والأسود، بين الجميل والقبيح، بين الأمل واليأس.
قبل انطلاق عملية (ردع العدوان)، نحو مدينة حلب، الذهاب بعدها نحو جنوبها، كان السوريون يرممون ما بقي من جسد الآمال المحطمة، وها هم، مع مرور الوقت، يخوضون يوميًا في شؤونهم العامة دون خوف، يقارعون الإدارة الجديدة، يحاولون تصويب سلوك بعض أدواتها، ويوجّهون الانتقادات العلنية لرجالاتها، دون أن يخفوا تبرمهم، من أن نتائج الثورة السورية حتى اللحظة، ما تزال دون طموحات الشباب الثائر، الذي خاض بشعاراته السلمية وأدواته البسيطة جولة الصراع الأولى مع النظام البائد.
المسافة بين الطموحات والواقع ما تزال كبيرة، ليس فقط لدى جزء من الجمهور، بل لدى أشخاص من داخل الدولة الجديدة أيضًا.
فبعض هؤلاء بَنَوا تصوّرهم على أن الوصول إلى دمشق وخضوعها كعاصمة البلاد لهم، يعني قدرة هائلة على التحكم دون مقاومة، وفعل ما يشاؤون بلا مساءلة.
لكن هذا الاعتقاد تدحضه الفيزياء ببساطة، عبر قانون نيوتن الثالث: “لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضادّ له في الاتجاه”.
لكن من يظنون أنفسهم قادرين على السيطرة لا يقرؤون الفيزياء كفلسفة، بل يحصرونها في العناصر المادية، بينما يستبدلونها بقراءة سطحية لميكيافيللي وكتابه “الأمير”، كدليلٍ للحكم والسيطرة، يبرر استخدام أكثر الأساليب قتامة لبلوغ غايات ليست دائمًا نبيلة، وقد تكون في أحيان كثيرة ذات مصالح ضيقة أو جماعية، تُعيد السوريين إلى ما هو أسوأ مما سبق.
هل ثمة ما هو أسوأ من الحكم الأسدي؟ أجزم بأن ما عاشته سوريا في ذلك العهد كان الوقوع في حفرة الشر، وأن الخروج منها احتاج إلى أربعة عشر عامًا من الآلام المركّزة، ومئات الآلاف من المعتقلين والمغيّبين، وأكثر من مليون قتيل. إن عودة بعض ملامح النظام القديم تعني ببساطة عودة أعلى درجات السوء، فهل هناك ما هو أقسى على أبناء هذا البلد من أن تذهب كل تلك التضحيات هباءً بسبب بعض الحمقى في الإدارات والفصائل؟
يجاهر السوريون اليوم بأنهم، بعد 54 سنة من حكم الأبد الأسدي الذي انقضى كنهار طويل مظلم، لا يقبلون الخضوع من جديد لا لفيزياء قسرية، ولا لعقلية سلطوية!
ويقترح كثيرون أن تُحل الإشكاليات القائمة بالحوار والتفاهم، ضمن أفقٍ واضح يرنو إلى مستقبل أفضل بعد عقود الخراب.
ولأجل أن يشعر المواطنون بأنهم والقيادة السورية الجديدة يقفون على الأرضية ذاتها، فإنهم يطالبونها بالشروع الفوري في مسار العدالة الانتقالية، وبأن يكون القرار واضحًا لا تشوبه الاستثناءات أو الصفقات التي يُقال إنها تُعقد في الكواليس باسم “مصلحة الوطن”!
ويطالبونها بكبح النزعات المتطرفة لدى بعض الجهات التي تنزع للانتقام الدموي، دون منح العدالة فرصتها لتأخذ مجراها وفق القانون، وبأن تقيّد الفصائل التي تحاول فرض تصوراتها الخاصة عن الشريعة على مجتمعٍ عريق اعتاد صيغة من التدين المتوازن طوال تاريخه.
لا يمكن مواجهة أصحاب النزعات الانفصالية، أو الجماعات التي ترفض تسليم سلاحها للدولة، إلا بتفريغ حججهم من مضمونها.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا حين تنفذ الإدارة السورية الجديدة أجندة وطنية حقيقية، وخطة عمل عاجلة، تُبنى على حاجات السوريين، بعيدًا عن المحاصصات الطائفية أو القومية.
فكلما أُحيطت الغايات المشروعة لأفراد المجتمع بالاهتمام والعمل، انهارت الأسوار المعنوية والحواجز النفسية أمام صدق النيات في التقدم نحو المستقبل المأمول.
إن سوريا التي دفعت أثمانًا باهظة للخلاص من الحكم الأسدي لا تحتمل أن تُؤخذ رهينة من جديد لأوهام السيطرة أو شعارات تُعيد إنتاج القهر بصيغٍ أخرى. إن العدالة، لا الانتقام، والحرية، لا الفوضى، هي ما طالب به السوريون منذ البدء، وما زالوا يطالبون به اليوم، بصوتٍ أعلى، وأملٍ أكثر نضجًا من أي وقت مضى.
ودون هذا، لن يكون من المفيد الاحتفال بنهاية عهد الأسديين الإجرامي.
————————–
=======================
عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 08 أيار 2025
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
الأحداث التي جرت في الساحل السوري
—————————-
سؤال الطائفية وجوابه.. الطوائف في لحظة التفكيك والتركيب/ عبد الله مكسور
2025.05.08
في لحظات الانهيار الكبرى، تنبعث الأسئلة الأكثر حساسية من تحت ركام الدولة والمجتمع. وسؤال الطائفية في سوريا ليس عودة إلى جذور ضاربة في القدم بقدر ما هو سؤال مُلح في لحظة انفجارٍ في حاضر مفكك، باتت فيه “الطائفة” بقدر ما هي مرآة لهوية داخلية ضيقة فهي بشكل أو بآخر “مأوى الخوف”، لا تعبيراً عن الذات بل عن هشاشتها. والحالات التي نشهدها منذ سقوط نظام الأسد ليس طائفية كَمَنت طويلاً ثم ظهرت، وهي بطبيعة الحال لم تنمُ خلال الأيام الأولى للتحرير. بل طائفية بُنيت وصيغت “سواء من بيئات اجتماعية أو أدوات سياسية أو أجندات استعمارية” كأداة حديثة لإدارة الفقد: فقد الدولة، وفقد المعنى، وفقد الضمان. وبالتالي يغدو سؤال الطائفية ليس بوصفه مجرد انقسام ديني أو مذهبي، بل بوصفه بنية مصطنعة في مجموعة من الذهنيات لإعادة تشكيل الجماعة ذاتها تحت ضغط ما تعرِّفه تحت عنوان العنف والفقد، وكسياق يُعاد توظيفه خارج الحدود في إطار إقليمي ودولي بات يتعامل مع الكيانات الهشة كفرص استراتيجية واستثمارية لا كمشاريع إنقاذ.
إعادة إنتاج في لحظة الفقد
في سوريا ما بعد 8 ديسمبر 2024، لا يمكن فهم الطائفية بوصفها ارتداداً إلى “أصل”، ولا كتعبير عن هويةٍ مكبوتة ظهرت بمجرد انهيار نظام الأسد. إنها، بالأحرى، شكل من أشكال السعي لإعادة بناء الجماعة السياسية في غياب الدولة الجامعة، في لحظة انكشاف كامل، حيث يتقاطع الفقد الفردي مع الفقد العام، وحيث تُعاد صياغة “الطائفة” كضمانة حد أدنى للنجاة. وبهذا المنطق تحولت مناطق مثل جرمانا وصحنايا وأشرفيتها، حتى الساحل إلى مختبرات لإنتاج الطائفة خلال الأشهر الأولى من الانهيار كـ”خيال اجتماعي” وفق التعبيرات التي تنتهجها الفلسفة السياسية، ليُعاد تعريف الانتماء لا على أسس دينية أو مذهبية، بل بوصفه أداة للبقاء والدفاع في ذات الوقت. بمعنى الصورة المتخيلة للجماعة التي تمنح الفرد شعوراً بالأمان في فضاء متصدع. وبهذا صار الانتماء الطائفي أشبه بعقد أمان غير مكتوب، لا يحتاج إلى تديّن أو التزام شعائري، بل إلى اشتراك في شبكة الحماية: الحي، الكنيسة، الجامع، القائد المحلي، الحاجز، القافلة، المخزن، وكل ما قد يشكل مظلة جزئية وسط الغياب التام للسلطة المركزية أو ضعفها وعدم قدرتها على الاحتواء.
في تلك اللحظات، يصبح الانتماء الطائفي ليس تعبيراً عن عقيدة بل عن موقع في شبكة الحماية، كما لو أن سؤال “من أنت؟” يُجاب عليه بسؤال مخفي تحته: “من يحميك؟”. وهذا النوع من الطائفية لا يحمل صفة القداسة التي تخترق جماعة ما بشكل عمودي، نمت معها وكبرت في كل خطواتها التاريخية، إنها بشكل واضح أفقية أتت من عمق الانهيار وواكبته، وهي في جوهرها تعبير عن انهيار الفضاء العمومي لا عن صراع داخلي أصيل. لذلك يكون الذين ينظرون إلى تلك الدوائر من خارجها – على اختلاف طوائفهم- في حالة وفاق ولو بالحد الأدنى على الثوابت التي يختلف عليها من هم في داخل المواجهة الأفقية.
الطائفية كإعادة إنتاج للهوية في لحظة الفقد الوطني ليست مجرد ظاهرة اجتماعية يمكن فهمها بمعزل عن سياق الانهيار العام للدولة والهوية الوطنية، بل هي استجابة معقدة، بل وحتى مُركّبة، لانكشاف العُري الوجودي الذي يعيشه الأفراد حين تنهار البنى الجامعة التي كانت – ولو قسراً – تؤمّن الحد الأدنى من التعايش بين المكونات المختلفة. في سوريا ما بعد 8 ديسمبر 2024، ومع سقوط نظام الأسد، لم تعد الطائفية مجرد خطاب للسلطة أو أداة في يد النظام، بل تحولت إلى آلية دفاعية للنجاة، وجهاز إنتاج يومي للهوية الضيقة “الحصن” في مواجهة المجهول، حيث بات الفراغ السياسي يصنع المعنى بدل أن يحتويه أو يديره بالحد الأدنى.
وفي هذا السياق، ليست الطائفية في سوريا اليوم ارتداداً إلى “أصل” سحيق دفنته الدولة الحديثة، كما أنها – في تقديري- ليست تفجّراً تلقائياً لهوياتٍ دينية دفينة خرجت إلى السطح بمجرد انهيار الدولة. بل هي، في الحقيقة، تعبير عن لحظة اضطراب هائل، يُعاد فيها إنتاج الهوية الجماعية بوصفها وسيلة حماية لا بوصفها نظام معتقد. فالناس لا يعودون إلى الطائفة حبّاً بها، بل خوفاً من اللاشيء، من غياب القانون، من التفكك، من أن يصبحوا أهدافاً بلا مرجعية في فضاء أمني منفلت.
وهنا تُستعاد مقارنات تاريخية من تجارب بلدان أخرى –من منطقتنا وخارجها- واجهت انهيار الدولة وفقدان المعنى الجامع. في لبنان بعد الحرب الأهلية، أعيد إنتاج الطائفة كهوية ناجية، وليس فقط كهُوية قاتلة. حين فُقد الأمان العام، باتت كل طائفة تُنتج سرديتها وتبني اقتصادها، وتنشئ جيشها الصغير وإعلامها ومؤسساتها. وباتت تساؤلات الناس لا تبدأ بـ”ما هو الوطن؟” بل بـ”أين أعيش؟ من يحكم هنا؟ ومن يحميني؟”. وبالمثل، في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، تحولت الطوائف إلى وحدات سياسية/أمنية ذات سيادة فعلية، رغم أن الدولة الشكلية ما زالت قائمة. لكن الطائفة صارت عنواناً لإمكانية الحياة لا لمكانة روحية أو عقيدية.
في كل تلك السياقات، يظهر أن الطائفية ليست متجذرة في “التراث الضمني والعقلي بشكل واسع في سوريا”، بل هي صناعة حديثة، تنشأ حين تفشل الدولة الحديثة في أن تكون محايدة وضامنة للجميع. حيث لا يعود الإنسان مواطناً في دولة، بل عضواً في طائفة، لأن الطائفة – ولو جزئياً – تُعطيه مكاناً يمكن أن يموت فيه كإنسان ذي قيمة، لا كضحية بلا اسم.
وفي البوسنة بعد تفكك يوغوسلافيا، لم تكن الطائفة “الصرب، البوشناق، الكروات” مجرد هوية دينية أو قومية، بل تحولت في لحظة الانهيار إلى “بطاقة حياة”. لم يعد السؤال: من أنت؟ بل: إلى أي حاجر تنتمي؟ من يضمن أن تمرّ؟ كانت المساجد والكنائس تتحول إلى نقاط تجمع لا للصلاة، بل للنجاة أو للموت الجماعي في عباءة الطائفة. وفي ظل غياب الدولة، أعادت كل جماعة تعريف نفسها بوصفها دولة مصغّرة، لها حماة، وموتى، وقائمة خوف والأهم أساليب دفاعية وسياسية.
الطائفية أداة سلطة في الفراغ
إن سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، لم يكن فقط انهياراً لحكم سلطوي تقليدي، بل كان انهياراً لبنية السيطرة التي كانت تضبط المجال العام السوري لعقود. لم تكن الدولة، حتى في سنواتها الأخيرة، قادرة على منح العدالة أو الكرامة أوالخدمات بمعناها العام، لكنها احتفظت بحد أدنى من التماسك المؤسسي على بيروقراطيته. ذلك التماسك كان يوزع الخوف بالتساوي، ويحكم الناس بمزيج من القمع والتعويم، ويمنح الأفراد شعوراً – ولو زائفاً– بأن هناك “مرجعية عليا” تملك القرار. بعد سقوط النظام، سقط هذا الوهم. ومعه انهار العقد السياسي السوري القديم فلم يعد هناك مركز. وتحوّل الفراغ السياسي إلى ساحة لتصارع الجماعات من دون أفق واضح. في هذا الفراغ، برزت الطائفية لا بوصفها عقيدة دينية، بل كأداة لإعادة ترتيب السلطة والهيمنة والنجاة. من يسيطر على الحاجز؟، من يملك السلاح؟، من يوزع المساعدات؟، من يفاوض الخارج؟ لم تعد الإجابة مرتبطة بالدولة أو بممثلين منتخبين أو حتى زعامات تقليدية، بل باتت مشروطة بمنظومة فرعية – وموازية في بعض الأحيان – تعتمد على الطائفة كمصدر شرعية وحيد. الطائفية هنا ليست سردية قديمة أُعيد إحياؤها، بل هي نظام تشغيل سياسي جديد، يفرز الناس وفقاً لاصطفافاتهم، لا بالضرورة الدينية، بل الأمنية والمصلحية.
في الساحل السوري، الذي كان يُروّج له طويلاً كمجال “علوي”، ظهر التصدع بوضوح. انقسم العلويون بين خطوط الموالاة، وشبكات جديدة من أمراء الحرب، وأذرع أمنية منشقة، وأبناء الضباط الذين راكموا الثروة والسلطة خلال الحرب. لم يعد هناك رابط عصبوي موحّد. حتى داخل الجماعة الواحدة، برزت انقسامات طبقية وشبكية عميقة: من يملك السلاح؟ من يملك المفاتيح والصلات بالخارج رغم هروب كثير منهم إلى خارج الحدود السورية؟. وفي السويداء، انقسم الدروز إلى جماعات سياسية أومسلحة متنافسة، لا توحّدها الطائفة بل يفرّقها نوعية التحالفات. فالطائفة في الحالتين لم تعد مرآة لجماعة، بل أداة تَصنيف ضمن اقتصاد سياسي جديد يبحث عن النفوذ لا عن المعنى. والطائفي، في هذه المرحلة، وفقاً للفهم السابق، هو من يملك القدرة على الحماية لا الحقيقة. وبالتالي أصبحت الهوية المذهبية في كثير من الحالات نظام مرور اجتماعي يُحدد من ينجو ومن يُقصى، ومن يُمنح الشرعية ومن يُحرم منها. إنها لحظة يأس سياسي، تُستعاض فيها القوى المتحكمة على الجغرافية بالطائفة بوصفها “آخر الملاذات”.
يمكن مقارنة هذه الحالة بما جرى في العراق بعد سقوط نظام البعث العراقي عام 2003، حيث فُتح المجال السياسي بفراغٍ لا توازن فيه، وتحولت الطوائف إلى منصات للصراع على التمثيل والمغانم. نشأت حينها ما يُعرف بـ”الطائفية السياسية” التي توزع المناصب على أساس الانتماء المذهبي، لا الكفاءة أو المشروع الوطني. لكن الأخطر أن هذا التوزيع صار يفرض نفسه على المجتمع بكامله: من الحي الذي يعيش فيه المواطن العراقي إلى المدرسة التي يذهب إليها، إلى الوظيفة التي قد تُعرض عليه. الطائفة لم تعد خياراً، بل قدراً مفروضاً. وفي نموذج آخر أكثر دموية نراه في لبنان بعد الحرب الأهلية، حيث تحوّلت الطائفة إلى وسيط بين المواطن والدولة، فأُعيد تعريف المواطنة من خلال الطائفة، وصار الزعيم الطائفي هو الذي يوزع الحقوق ويحدد الواجبات وليس القانون. وهي نفس المعادلة التي تظهر اليوم في سوريا: الطائفة كـ”مزوّد خدمات” لا كإطار روحي، وكـ”حامٍ” بدل الدولة، وكـ”مرجع” بدل الدستور.
ما بعد الطائفية أم في ذروتها؟
تبعاً للمثالين السابقين فإن الطائفية ما بعد الديكتاتورية في سوريا، ليست عودة إلى الماضي، بل اختراع جديد لمستقبل هش، حيث تتشكل السلطات من بقايا العنف، ويُعاد بناء المجتمع على أسس لا تشبه ما كان عليه، بل على ما يمكن أن يضمن النجاة في حاضره القاسي. وهنا يأتي دور الدولة القوية التي تحمل واجب جمع الجميع واحتوائهم وضمان أمنهم، والأهم تجاوز المظلومية التاريخية إلى فضاء أكثر فهماً لمعنى كيف تقوم وتُبنى الدول.
الطائفية التي لم تكن يعترف بها النظام والمجتمع علنا في سوريا ما قبل سقوط نظام الأسد كانت عقلية سياسية تقوم على المصلحية في بنية النظام السياسي، دخلت القيمة الاجتماعية إليها بشكل معياري مرتبط بما تقدمه الجماعة للدولة ضمن شبكة المصالح الواسعة لسلطة الدولة، عكس العراق ولبنان، فالنظام البعثي في سوريا أسّس لفكرة “الدولة ما فوق الطوائف”، لكنه في الواقع أعاد إنتاجها تحت سطح الخطاب الرسمي، حيث باتت الطائفة مؤسسة غير مُعلنة للسلطة، وليست مجرد انتماء اجتماعي. هذا الكبت الطويل أنتج في لحظة الانهيار المدوي طائفية “مكبوتة”، خرجت بلا ضوابط، وبلا خطاب، وبلا مشروع. وهنا تصبح الطائفة لا مجرد ملاذ، بل سلاح في صراع على البقاء السياسي. إنها ليست عودة إلى ما قبل الدولة، بل قفزة إلى ما بعد الدولة، حيث يُعاد بناء السلطة على أسس مذهبية معلنة هذه المرة. يمكن لمس هذا الاتجاه بشكل واضح في خطوات السلطة الجديدة بمرحلة ما بعد السقوط المباشر عند الحديث عن اللون الواحد المنسجم المتفاهم في إدارة الملفات.
وهذا يقود إلى طرح فكرة إمكانية أن تكون سوريا الجديدة مختبرًا لنموذج جديد: يرفع شعار “ما بعد الطائفية”. لكن هذا يتطلب من السلطة التجريب بعيداً عن منطق اللون الواحد أو ما ينسجم معه، وإعادة بناء مفاصل الدولة ومؤسساتها على قواعد لا مذهبية، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود فواعل داخلية وخارجية عابرة، والأهم أنها تستثمر في استمرار الانقسام. ولتأصيل ما سبق وتأطيره يمكن الرجوع لقراءة كتاب “الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة” الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للدكتور عزمي بشارة.
سؤال التاريخ والمستقبل
سؤال الطائفية في سوريا اليوم ليس سؤالاً عن التاريخ، بل عن المستقبل. عن قدرة مجتمعٍ ممزق على استعادة الدولة، لا بوصفها سلطة فقط، بل بوصفها فضاءً مشتركًا. الطوائف المتخيلة في العقول والواقع، والتي وُلدت من لحظة الانكشاف، لن تختفي بنهاية العنف، بل بافتتاح عهد جديد من التعاقد السياسي، يقوم على أرضية الثقة المتبادلة، ويعيد للمواطنة معناها، وللعدالة مركزيتها، وللهوية مرونتها. الطائفية ليست قدراً، لكنها قد تصبح كذلك إذا أُدير الانهيار بأدوات القسمة لا بأدوات الرؤية والتخطيط لمنع وقوعه.
سوريا، في لحظة ما بعد ديسمبر 2024، ليست فقط في امتحان إعادة البناء المادي، بل في امتحان إعادة تخيّل الذات الجمعية. فإما أن تكون الدولة مشروعًا جامعًا لما بعد الطوائف، أو أن تبقى الطوائف مشاريع مضادة للدولة تهدد وجودها في كل لحظة.
تلفزيون سوريا
———————————
هل تتحوّل “المُساكنة” الطائفية في سورية زواجاً مُعلناً؟/ عبير نصر
07 مايو 2025
تزامنت التشوّهات الجغرافية في سورية مع تقلّباتٍ عسكرية عاصفة بعد عام 2011، لعجزها في إدارة الحراك السياسي توافقياً بعيداً عن التعنّت والاقتتال، فأخذت بُعداً مختلفاً بعدما أُبرم، إنْ أمكن التعبير مجازياً، ما يشبه عقد زواجٍ عُرفي بين دويلاتٍ ثلاثٍ مبنيّةٍ على أسسٍ عرقية وطائفية: دويلة الأكراد، حكومة إدلب، سورية المفيدة. عقدٌ مشوّه أنتج خللاً بنيوياً ومشكلات مستدامة في سعيه المتعجّل إلى الهيمنة. وبعد سقوط نظام الأسد، أُضيف مزيد من التعقيد إلى المشهد السوري المأزوم، إثر بروز مشروع يستحوذ على الفضاء العام يستمدّ شرعيته من حجم الاحتراب الداخلي بين السوريين أنفسهم، يسعى إلى تقسيم سورية بخفّة سياسية إلى مناطق أكثر تشرذماً، ومن دون إثارة الهواجس الوطنية والاستفزازات، الأمر الذي يعكس رؤية إسرائيل حول إعادة تشكيل وجه الشرق الأوسط الجديد. ومن المفيد الإشارة إلى أنّ مجلس الوزراء الإسرائيلي كان ناقشَ اليوم التالي بعد سقوط الأسد، وفقاً لصحيفة يسرائيل هيوم، وانتهى باقتراح الدعوة إلى تقسيم سورية، بدعوى ضمان أمن جميع المكوّنات السورية وحقوقها، ولم يتم الكشف عن ذلك إلا أخيراً، إذ يصعُب تحصين المجتمع السوري وترسيخ هويته المحلية، ما يتطلّب مراجعة نقدية، جادة ومسؤولة حول ضرورة توحيد السوريين، باعتبارهم السدّ المنيع أمام مشاريع التفتيت، فلا يمكن بناء مستقبل آمن إلّا بتجاوز رواسب تركة الأسد، والانطلاق نحو مُصالحةٍ وطنية شاملة، فالتاريخ السوري يُكتَب الآن بالفعل، ويتطلب الأمر الكثير من المرونة البراغماتية التي من شأنها إنتاج خطاب وطني معزّزٍ بسلسلة من الترضيات والتوافقات السياسية والاجتماعية.
في السياق، وعلى الرغم من خلفيتها الإسلامية المتشددة، امتنعت الحكومةُ الجديدة عن توجيه أيّ خطاب مناهض لإسرائيل التي تحاول إيجاد مناطق عازلة عصيّة على الاختراق، تؤمّن العمق الاستراتيجي لها تجنّباً لأيّ طوفان هادر آخر، وتعمل على الاستثمار الذكي في التصدّعات الطائفية واللعب على الأوتار السورية المشدودة. تفرض استراتيجية غزو جديد تقوم على العُقد الأيديولوجية لإيجاد مشرقٍ عربي على شاكلتها تماماً، متمحورٍ حول هويته الدينية المتطرّفة. لذا تتّخذ تل أبيب موقفاً عدائياً ضد دمشق، تصاعدَ بعد الضربات القاسية فجر يوم 3 مايو/أيار الجاري، طاولت محافظاتٍ عدّة، مؤكّدة أنّ الحرب لن تنتهي إلا بتقسيم سورية. والذرائع حاضرة بالطبع: تُقيم إقليماً جنوبياً بحجّة حماية الدروز، وشرقياً كردياً، أيضاً إقليماً غربياً علوياً بذريعة أنها لن تسمح بإقامة خلافةٍ إسلامية على شواطئ البحر المتوسط، وهكذا يبقى الإقليم السنّي معزولاً عن إخوانه، فيفشل العزل القسري في إحداث توافقٍ نسبي بين الدويلات الهشّة على نحو ما سبق ذكره، ليغدو الاستقطاب قوياً ومُنذراً بكثير من المخاطر والتحديات.
عموماً، تبقى مسألةُ حماية الأقليات الشماعةَ التي تُعلَّق عليها مصالح اللاعبين الكبار في سورية، ولها في الواقع معطيات حاضرة، بداية بمجازر الساحل الدامية، والتهمة دعم انقلاب فاشل نفذته فلول النظام البائد، مروراً باشتعال السويداء، والسبب تسجيل صوتي مفبرك تضمّن شَتْم النبي محمد (ص)، أكّدت وزارة الداخلية أنّ المتهم (الدرزي) بريء منه، وليس نهاية بعقد مؤتمرٍ كردي طرحَ مشروع حكم ذاتي لا مركزي بعدما عاجلهم البيان الدستوري فتشظّت أحلامهم نتفاً.
بالتالي، من المشروع السؤال إلى أين تتجه سورية بينما يجلس دونالد ترامب يتحدّث بفخرٍ عن صداقته بتركيا وإسرائيل، حريصاً على إقامة بازارٍ سياسي استعراضي بينهما وصولاً إلى تفاهمٍ سلس لاقتسام بلد ليس بلدهم؟! ولهذا التقسيم هيكلية جاهزة على الأرض، قد تنسجم معه مرّة وقد تخالفه مرّات، ووحدهم السوريون يصنعون هذا الفارق لتعزيز مشروع تقسيم المقسّم أو إيقافه. هم الذين فشلوا طوال قرن في بناء دولة وطنية يتعثّرون مجدّداً لاعتبارات كثيرة، يتعلّق معظمها بالأحقاد الطائفية المُعلّقة منذ عهد نظام الأسد. على التوازي، من المرجّح، وفي ظلّ المناخ الوطني المتشنّج الذي غدا أرضاً سريعة الاشتعال، أن تغدو البلاد جسداً مريضاً يُداوى بفيدرالية فاشلة لن تخلو، حكماً، من الصراع والمواجهات.
وبالكيفية نفسها، ينطبق الحال على اضطهاد الأقليات، كونه جرس إنذار مبكّر لوقوع الكارثة، إذ، ولهول ما يحدُث، تتعالى أصواتٌ تطالب بالتدخل الدولي على أقلّ تقدير، تعزّزها “فزعات” الإبادة الطائفية التي تستقطب آلاف الغاضبين بدعوى الجهاد ضد المتمرّدين. هذه “الفزعات الفزّاعات” أوضحت، بما لا يدعو إلى الشك، أنّ ميثاق التعايش المشترك أصبح شبه مستحيل. ومهما يكن من أمر التقسيم الجغرافي، الأخطر منه الجدران العازلة والشاهقة التي شيّدها نظام الأسد بين السوريين، والتي أنتجت بنىً اجتماعية متباينة في أهدافها، ما يعني أنّ التشظّي كامنٌ في الوعي الجمعي، يظهر من خلال التصاق السكان العضوي بالسلطات المُقامة بحكم الأمر الواقع فيما سُمّي “الانسجام الديمغرافي”. ويبدو أنّ الفسيفساء السورية لم تكن مجرّد مزحة ساذجة، بل لعنة قاتلة، وكلّ طائفة تجهد اليوم في صناعة كيان بديل يحمي وجودها وبأيّ ثمن.
سيؤسّس ذلك كله تباعاً لواقعٍ تقسيمي غير معلن مرشحاً بقوة للتحول إلى شكل نهائي يصعُب تغييره، وسيزيد المعادلة السورية استعصاءً ومرارةً أن يغدو الدرزي في إسرائيل، مثلاً، أقرب إلى درزي السويداء من ابن درعا، وعلوي لواء اسكندرون أقرب إلى علوي اللاذقية من ابن إدلب، ومسيحي لبنان أقرب إلى مسيحي دمشق من ابن الغوطة… وهكذا دواليك، ما سيخلّف شرخاً كبيراً بين السوريين يصعب إنكاره، وكلّ مكوّن يُلحق به صفة مُشينة ومُطلقة: الأكراد انفصاليون، الدروز خونة، العلويون فلول، المسيحيون ضالّون، السنّة إرهابيون…. إلخ.
وبصدد مآلات الملفّ السوري، كان طرحَ وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر فكرة تقسيم سورية: (هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار الأسد، انتصار السنّة، تعايش مختلف القوميات معاً، ولكن في مناطق مستقلّة ذاتياً، فلا تقمع بعضها بعضاً). ومع تحقّق السيناريو الثاني، لا يبدو أنّ إسقاط عهد الأسد سيُعلن خاتمة المأساة السورية، بينما يبدو المشهد الملتهب في مجمله مجرّد تصفية حساباتٍ قديمةٍ بين السوريين، وبداية لمراحل جديدة من التعثّر في بناء دولة موحّدة تعاني أصلاً من انقساماتٍ عميقةٍ ومتجذّرة. يزيد الطين بلّة انهيار المؤسسات جميعها تاركة خلفها خرائب دولة وشعباً منهكاً. وعليه، ليس موضع تشكّك أو جدال الجزم أنه يسهل تفجير فتنة طائفية في أيّ وقت، ولأتفه الأسباب، في مجتمع مهزوم ومشبع بالتوحش الخامل كالمجتمع السوري، الذي ينتقل بسلاسةٍ مريبةٍ إلى دمار كامل تحوّطه حدود الدم، وتسكنه أنقاض بشرية مُغيّبة ومذعورة لا تفعل شيئاً، وللمفارقة، سوى أن تقتل وتتألم.
نافل القول… عندما يسقط مشروع المواطنة بقدرٍ كبير من الخسائر والانتكاسات، وينتصر العنف، موقعةً إثر موقعة، يتفشّى ما يشبه الوباء العام المُعدِي، فتُمحى الحدود بين المتديّن والملحد، وبين المثقف والأميّ، ليمارسوا الفعل الطائفي الإقصائي ذاته، ويتنامى لدى “الأكثرية” كما “الأقلية” شعورٌ ضمني بأنها مستهدفة، فتزداد حساسيّتها بالتعامل مع خصوصياتها ومقدّساتها، أيضاً مكتسباتها السياسية وقد باتت في موضع قوة، لذا تتعامل بقسوة مفرطة مع من تظنّهم أعداءها إذا أتيحت لها فرصة التسلط والاستعداء، ويكون الانطلاق دائماً من الوحش الطائفي الذي ربّاه نظام الأسد داخل كلّ سوري، متمخضاً اليوم عن تفريخ كثير من “الجلادين – الضحايا”.
العربي الجديد
——————————–
اتفاق السويداء يفتح شهية العلويين على مطالب مماثلة/ مصطفى محمد
الأربعاء 2025/05/07
لم يكد الاتفاق الذي توصلت إليه دمشق مع مشايخ ووجهاء محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، يدخل حيز التنفيذ، حتى بدأت المطالبات من أبناء الطائفة العلوية باتفاق مماثل، لتجد الدولة السورية نفسها أمام وضع صعب.
فبعد ساعات من الكشف عن بنود الاتفاق، ومنها تفعيل قوى الأمن الداخلي والضابطة العدلية من أبناء السويداء ذاتها، علت الأصوات في أوساط الطائفة العلوية المطالبة بتسليم الساحل السوري لعناصر من أبناء المنطقة ذاتها، وذلك لوقف “الانتهاكات” التي تُسجل في المنطقة.
مطالب ضرورية
ويؤيد الكاتب السياسي راتب شعبو هذه المطالب، ويقول لـ”المدن”: “أرى أنها مطالب محقة وضرورية أيضاً في ظل الاستباحة التي تمارسها فصائل لا تعرف أي التزام بالقانون ولا تعترف سوى بقانون الغلبة”.
ويضيف شعبو أن الطبيعي أن تبادر السلطة غير القادرة على حماية الناس، لا سيما من أبناء المذاهب غير السنية، إلى طرح فكرة تشكيل حماية محلية من الأهالي حتى تتمكن الدولة من لجم هذه الفصائل.
لكن مع ذلك يستبعد شعبو الذي ينتمي للطائفة العلوية، أن تستجيب الدولة السورية لمطلب أبناء الساحل، ويفسر ذلك بعدم امتلاك أهالي الساحل السلاح كما هو حال فصائل السويداء، ويقول: “لا يملك أهل الساحل ذلك لأنهم سلموا أسلحتهم في غالبيتهم وتأملوا خيرا من الفصائل التي ذبحتهم بجريرة عناصر مجرمة لا صلة لهم بها”.
ويضيف “أعتقد أن الحكومة يمكن أن تتجاوب مع أهل السويداء لأسباب معروفة دون أن تسحب الأمر على الساحل المستباح والمتروك للرعب والقلق وكانّه لا ينتمي إلى دولة”، على حد تعبيره.
مطبات أمام اتفاق السويداء
لكن اتفاق السويداء نفسه لا يسير بالسلاسة الكافية. فإلى جانب تسليم أمن السويداء لعناصر الشرطة من أبناء المحافظة ذاتها، ينص الاتفاق على تأمين طريق دمشق السويداء، وسط هدوء حذر يشوب المحافظة.
ويقول المتحدث باسم حركة “رجال الكرامة” باسم أبو فخر، إن الاتفاق خفّض منسوب التصعيد في السويداء، لكنه لم يُنهِ التوتر، بسبب محاولات جهات لم يسمِّها، إثارة الأعمال العسكرية، ومواصلة التعديات، يقابلها استنفار الفصائل المدعومة من الأهالي على حدود جبل حوران.
ويشير أبو فخر في حديث لـ”المدن”، إلى تعرض بعض قرى السويداء إلى “تعديات” من جهة محافظة درعا، قائلاً: “نشهد محاولات من بعض المجموعات لإثارة الفتنة، لأن الاستقرار يتعارض مع مصلحتها”.
والأحد، شهدت مناطق الدارة والثعلة، مواجهات بين مجموعة مسلحة من عشائر البدو من جهة، وفصائل السويداء، ما أدى إلى حركة نزوح في المنطقة.
مع ذلك، يبدي أبو فخر تفاؤلاً بعدم فشل الاتفاق، ويقول: “نسعى بكل جهودنا عسكرياً وسياسياً لعدم فشل الاتفاق، لكن العقبات كثيرة جداً”.
وفي السياق، يعتبر مصدر رسمي أن اتفاق السويداء يسير في “الاتجاه الصحيح”. ويقول المصدر لـ”المدن”، إن “هناك حالة من الاتفاق بين السويداء وعشائر الجنوب السوري على تجاوز الفتنة، وطريق دمشق- السويداء بات مفتوحاً”.
وعلى وسائل التواصل، أشاع اتفاق السويداء حالة “عدم رضا” في بعض الأوساط السورية، بسبب ما اعتبروه “رضوخاً” من الدولة لمجموعات السويداء، وما زاد من انتشار ذلك، مواصلة الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على المناطق السورية، بذريعة “حماية الدروز”.
المدن
——————————–
من يسد الفراغ في سوريا.. ومن يرفع الغطاء عن أقلياتها/ ساطع نور الدين
لم يخطىء الرئيس السوري احمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني الهدف ولو لمرة واحدة. في شريط الفيديو القصير الذي أذيع بالأمس، أظهرا معاً مهارة لا بأس بها في لعبة كرة السلة، وتمكنا في تسجيل ستة أهداف متتالية، في الملعب الخاص الذي يبدو انه يتبع للمجمع الرئاسي في دمشق، والمحاط بسياج مرتفع يعزله عما حوله من إضطراب سياسي وأمني تعيشه العاصمة السورية ومعها بقية انحاء سوريا المتمردة أو على الأقل الممتنعة عن التسليم بحكم الرجلين القويين، اللذين ورثا على عجل حكم الطاغية الفار بشار الأسد قبل خمسة أشهر.
الفيديو بحد ذاته هو بلا شك دليل إطمئنان يتمتع به الرئيس الانتقالي ووزير خارجيته الأقرب والأوثق، يتحدى الاحداث السورية المؤلمة التي ليس لها صلة بالرياضة لا من قريب ولا من بعيد، والتي أوحت مرة أخرى ان طريق سوريا الى السلام والاستقرار ما زال طويلاً، وما زال بعيداً جداً عن المصالحة الوطنية الموعودة، التي انتهكتها مجازر الساحل مطلع آذار الماضي، ومواجهات جبل العرب الدرزي التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، ولو بشكل متقطع، يوحي بأن “المسألة الدرزية” في سوريا عصية على الاحتواء هذه المرة.
في البدء لا مفر من الاعتراف بأن إطمئنان الرجلين ليس مشهداً تمثيلياً مصطنعاً، بل هو واقعي جدا، سواء بالاعتماد على وقائع الأمن التي عمقت في الأسابيع القليلة الماضية الشروخ في المجتمع السوري، أكثر من أي وقت مضى، أو بالنظر الى حقائق السياسة التي أفرزتها تلك الفترة، والتي كانت كلها تصب في مصلحة الحكم الانتقالي المديد لهيئة تحرير الشام وحلفائها الإسلاميين، الذين ما زالوا يحظون برضا عربي ودولي..لا تخرقه سوى دولة إسرائيل التي توجه ضربات عسكرية متلاحقة لمشروع الدولة السورية العتيدة، بحجة حماية جبهتها الشمالية مع سوريا من أي خطر إسلامي محتمل، وبذريعة حماية الأقلية الدرزية التي تشعر هذه الأيام أنها معرضة لخطر وجودي حقيقي.
وهذا الإحساس الدرزي بالخطر ينسحب أيضا على العلويين، الذين إفتعلت مجموعات من معتوهيهم إشتباكات مع السلطات الانتقالية الإسلامية الجديدة في دمشق، أسفرت عن مجازر مروعة بحق نسائهم واطفالهم، وما زالت من دون حساب ولا عقاب، ولا حتى تحقيق جدي، في ذلك العمل الانقلابي الاخرق، الذي لم يقلده الدروز، وهم أصغر الأقليات السورية الباقية، بل إكتفوا، بمطالبة الحكام الإسلاميين الملتزمين بإحياء الشريعة، بدولة مدنية ديموقراطية، هي في معايير هيئة تحرير الشام وشركائها، دولة كفر وزندقة لا أكثر ولا اقل! وبلغ الوهم الدرزي ذروته عندما صدّق بعض الدروز أن إسرائيل يمكن ان تكون حامية لهم، وراعية لحقوقهم الوطنية، أو عندما تقدموا بمطالب سياسية خيالية، مبنية على تاريخهم الوطني وحده.
وأمام الحالتين العلوية والدرزية، وقبلهما الحالة الكردية المفتوحة هي الأخرى على المجهول، يبدو أن من حق حكام دمشق أن يشعروا بالارتياح الى أن تفويضهم الخارجي لم يتأثر حتى الآن بالمجازر التي ارتكبت بحق الاقليتين العاصيتين، ولم تعبر أي عاصمة عربية أو دولية حتى عن “قلقها” مما يجري في سوريا، أو عن عزمها على البحث بسحب التفويض الممنوح للحكم الإسلامي الانتقالي في سوريا، الذي لم يتمكن حتى الآن من تأسيس بنى انتقالية مقنعة لمختلف السوريين، ومن رسم خريطة طريق واعدة نحو المستقبل، بل فعل العكس تماما، ولم ينجح حتى في الاستجابة لمطلب إرساء العدالة الانتقالية، وهو أهم وأقدس مطالب الاجماع الوطني السوري، والذي من دونه لن يتوقف السير نحو حرب أهلية سورية طاحنة، تتخطى الحرب الاهلية اللبنانية.
الصمت المريب، العربي والتركي تحديداً، إزاء ما يجري في سوريا الآن، لا يمكن أن ينسب فقط الى مهل زمنية منحت للسلطة الإسلامية الانتقالية في دمشق، ولا يمكن أن يعزى الى سحب الغطاء عن العلويين والدروز والكرد وغيرهم.. ثمة فراغ سوري لن تسده القوة، ولن يعوضه تسجيل أهداف رياضية، تقع خارج السياسة.
———————————–
=======================
واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 08 أيار 2025
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
—————————-
المسألة السورية: أيُ مركزية ولا مركزية؟/ رفيق خوري
الأوضاع التي أحدثتها الميليشيات في مواجهة النظام تحتاج إلى معالجة واقعية وعقلانية
الأربعاء 7 مايو 2025
المسألة في المعالجة ليست المركزية أو اللامركزية، بل أي مركزية ولا مركزية، فالنظام السوري مركزي على الطريقة الفرنسية منذ قيام الجمهورية تحت الانتداب، لكن المركزية مرت بمرحلتين، ما بعد الاستقلال حتى الوحدة بين سوريا ومصر، وما بعد سقوط الوحدة وبدء حكم البعث وآل الأسد.
دمشق في حاجة إلى دور أميركي ودور روسي إضافة إلى الدعم العربي لضبط الصراع بين تركيا وإسرائيل على سوريا، والحاجة الملحّة والأساس هي إلى الرهان على العصب الوطني التاريخي في البلد وتقوية الوحدة الوطنية، ومعالجة الحساسيات والعصبيات الطائفية، ووضع حد نهائي لسياسة التكفير واستسهال ارتكاب المجازر ضد الأقليات.
وليس أخطر من العجز عن حماية البلاد من التغول الإقليمي، ولا سيما الإسرائيلي منه، سوى تجاهل المخاوف والمطالب لدى الكرد والعلويين والدروز والمسيحيين، وحتى لدى الأكثرية التي ليست جهادية، ولا أهم من الحوار بين السلطة الجديدة والأقليات سوى القدرة على تغليب العقل والواقعية في معالجة المطالب والمخاوف.
واللافت أخيراً هو مسارعة الرئاسة إلى الرد على مخرجات “المؤتمر الوطني الكردي”، وظهور دعوات حمّالة أوجه في الساحل الغربي، والرفض الدرزي بصوت واحد للفتنة وتأكيد التمسك بوحدة سوريا.
“المؤتمر الوطني الكردي” الذي ضم 300 شخصية من كل الأحزاب الكردية، قدّم لائحة مطالب تتركز على “نظام برلماني بغرفتين، يقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، مع اعتماد مجالس للمناطق في إطار النظام المركزي، ولا مركزية تضمن التوزيع العادل للثروة والسلطة”، فضلاً عن “المطالبة بجمعية تأسيسية برعاية أممية لصياغة دستور جديد بمبادئ ديموقراطية، وتشكيل حكومة جامعة والإعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية”.
والرئاسة ردت متهمة “قسد” بمخالفة الاتفاق بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي، ورافضة أية دعوات إلى “فيدرالية أو لا مركزية”، معتبرة أن “وحدة سوريا خط أحمر”، وأنه لا مجال لاستئثار مكون واحد بمنطقة، ومن الصعب بالطبع أن يحصل الكرد على لا مركزية واسعة في منطقة يسمونها “روجافا”، تكون على غرار إقليم كردستان العراق.
لكن من الصعب أيضاً إعادة الكرد للوضع الذي كانوا عليه في الماضي، فما حدث في حرب سوريا منذ عام 2011 أحدث متغيرات دراماتيكية وتحولات مهمة، والمسألة في المعالجة ليست المركزية أو اللامركزية، بل أيُ مركزية ولا مركزية؟ فالنظام السوري مركزي على الطريقة الفرنسية منذ قيام الجمهورية تحت الانتداب، لكن المركزية مرت بمرحلتين، ما بعد الاستقلال حتى الوحدة بين سوريا ومصر، وما بعد سقوط الوحدة وبدء حكم البعث وآل الأسد.
في المرحلة الأولى كانت المركزية ناعمة، دمشق مركز السلطة، لكن زعماء الأطراف لهم أدوار كبيرة في مناطقهم، من سلطان باشا الأطرش في السويداء وحلفاء صالح العلي في جبال العلويين إلى آل الجابري في حلب والآتاسي في حمص و البرازي والحوراني في حماة، وفي المرحلة الثانية صارت المركزية شديدة جداً، فكل السلطة للرئيس في دمشق والبقية موظفون عنده، لا زعماء في المناطق ولا شخصيات قيادية حتى في “حزب البعث” الحاكم للدولة والمجتمع، بل مجرد أسماء تنتقيها دمشق لممارسة السياسة المقررة من الرئيس.
كثير من تصحير السياسة والثقافة إلى حد إلغاء الحياة السياسية، وكثير من العنف والقمع في ممارسة السلطة والإمساك بالنقابات وتدجين الأحزاب التي يضمها النظام تحت جناح “البعث” في إطار جبهة وطنية هي مجرد واجهة وراءها فراغ، وأليس حكم الشخص الواحد لشعب مسلوب الإرادة بوليصة ضمان للفراغ؟
هذا الوضع كان واحداً من الأسباب التي قادت إلى بدء الثورة على النظام انطلاقاً من درعا وصولاً إلى دمشق وبقية المدن، تظاهرات سلمية تحت شعار “شعب واحد من كل المكونات”، تطالب بالتغيير الديموقراطي والمشاركة الشاملة في السلطة، لكن النظام اختار مواجهة المتظاهرين بالرصاص والقمع وتحويل الثورة إلى حرب، وفي الحرب يتقدم المتشددون وينكفئ المعتدلون وتسود سياسة “التطيّف والتطرف”، وفي الحرب تكثر التدخلات الخارجية ومعها دفع جهاديين سلفيين من الخارج إلى سوريا للمشاركة في الحرب، وبكلام آخر فإن الأوضاع التي أحدثتها الميليشيات في مواجهة النظام تحتاج إلى معالجة واقعية وعقلانية، فلا المركزية الشديدة هي الحل، ولا اللامركزية الرخوة هي الحل، والمطلوب نوع مرن من المركزية لضمان وحدة سوريا، ونوع منضبط من اللامركزية لضمان مشاركة الشعب في إدارة قضاياه المحلية.
يروي الملك الحسن الثاني في مذكراته بعنوان “ذاكرة ملك”، أنه حين كان رئيساً للوزراء أيام والده الملك محمد الخامس، سأل الزعيم السوفياتي بريجنيف عن نصيحة حول خطة خماسية مركزية لتطوير الوضع في المغرب، فقال له “ابتعد من الخطط الخماسية والعشرية، لأن أي خطأ فيها يصعب إصلاحه، في حين أن الخطط القصيرة قابلة للإصلاح فور اكتشاف الخطأ”، والمركزية الشديدة في سوريا وصفة لأخطاء يصعب إصلاحها كما برهنت الوقائع في النظام المنهار، وأكثر الأنظمة نجاحاً هي الأنظمة الفيدرالية أو اللامركزية، بحسب النماذج في أميركا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا وسواها.
———————————
تركيا عرّاب «سوريا الجديدة» تسابق لتثبيت نفوذها
تسعى لملء فراغات كثيرة وتصطدم بتحدي الأكراد وإسرائيل
أنقرة: سعيد عبد الرازق
7 مايو 2025 م
طرحت تركيا نفسها كأحد أبرز اللاعبين على الأرض في سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد وتولي الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
اعتمدت تركيا على الرصيد الذي راكمته منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث دعمت المعارضة السورية السياسية والمسلحة، ودفعتها التطورات إلى التدخل العسكري المباشر عبر 3 عمليات عسكرية، بين عامي 2016 و2019 استهدفت بالأساس وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكّل العمود الفقري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وجزئياً تنظيم «داعش» الإرهابي؛ بهدف تأمين حدودها الجنوبية وإنشاء منطقة آمنة تستوعب اللاجئين الذين تدفقوا عليها.
ومع سقوط نظام بشار الأسد تعزّز الوجود التركي متجاوزاً البعد العسكري إلى السياسي، بما يخدم استراتيجية تقوم على الوجود في مناطق النفوذ القديم للدولة العثمانية؛ ولذلك سارعت لتأخذ مكانها في مقدمة القوى التي تتدافع لملء الفراغ بعد سقوط الأسد.
خطوات استباقية
كانت تركيا أول دولة ترسل رئيس مخابراتها، إبراهيم كالين، كأرفع مسؤول يزور دمشق بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، كما كانت أول دولة قاطعت النظام السابق تعيد فتح سفارتها في دمشق، ثم قنصليتها في حلب، وكانت الدولة الثانية بعد السعودية في أول جولة خارجية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، والدولة الوحيدة التي زارها مرتين في أقل من 3 أشهر، حيث كانت زيارته الأخيرة في 11 أبريل (نيسان) الماضي لحضور منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع في جنوب تركيا.
وسارعت تركيا إلى التنسيق مع حكومة دمشق الجديدة في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب بحث تلبية احتياجات سوريا من الكهرباء وتأهيل المطارات والطرق والتمهيد لتوقيع اتفاقية تجارية شاملة بين البلدين.
وأسفرت العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا عن ترسيخ مناطق نفوذ، حيث دربت تركيا فصائل مسلحة وتشكلت مجالس إدارية تحت إشرافها، كما لعبت دوراً محورياً في رسم المشهد السياسي السوري عبر مسار آستانة، ما أتاح لها التأثير في القرارات السياسية.
وساهمت الاستثمارات التركية في البنية التحتية والتعليم والصحة في المناطق الخاضعة لسيطرتها والفصائل الموالية لها، في تحسين الظروف المعيشية وبالتالي زيادة قبول السكان المحليين للوجود التركي.
ورغم ما يمكن اعتباره نجاحات «فائقة» لتركيا في سوريا، فإن هناك تحديات تتعلق بتأمين حدودها، وإدارة ملف اللاجئين، والتعامل مع التوترات والقوى الإقليمية والدولية، والاتهامات التي تواجهها سياساتها في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بالتدخل لتغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق في شمال سوريا.
أهداف رئيسية
وحسب مصادر بالخارجية التركية، فإن «العمود الفقري للسياسة التركية تجاه سوريا هو تحقيق المصالحة الوطنية من خلال حماية وحدة وسلامة أراضي البلاد، وإرساء الأمن والاستقرار في البلاد بتطهيرها من العناصر الإرهابية، وضمان إعادة إعمار سوريا من خلال رفع العقوبات».
ويظل الهاجس الأول والهدف الأكبر لتركيا هو تأمين حدودها، وتحديداً إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تعتبرها «تنظيماً إرهابياً»، يشكّل خطراً أمنياً.
وتقول تركيا إن مسؤولية مكافحة العناصر الإرهابية والحركات الانفصالية في سوريا تقع على عاتق الإدارة السورية بالدرجة الأولى، وإنها من جانبها وفّرت المساحة اللازمة للسماح بالتغلب على هذه المشاكل على أساس الطريقة التي تفضّلها الإدارة السورية.
وتأمل أنقرة في أن يتم تنفيذ الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، مع قائد «قسد»، مظلوم عبدي، القاضي باندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة السورية، من أجل تجنُّب عمليات عسكرية جديدة، قد تعرقلها أميركا، بدعوى الاتفاق ذاته.
وأثار مؤتمر «وحدة الصف والموقف الكردي» الذي عقدته القوى الكردية في القامشلي شمال شرقي سوريا، مؤخراً، قلقاً شديداً لدى تركيا بسبب دعوته إلى حكم «لا مركزي» أو «فيدرالي».
وأعلن الرئيس رجب طيب إردوغان أن «مسألة النظام الفيدرالي ليست سوى حلم بعيد المنال، ولا مكان لها في واقع سوريا»، قائلاً: «لن نسمح بفرض أمر واقع في منطقتنا ولا بأي مبادرة تهدد أو تعرض الاستقرار الدائم في سوريا والمنطقة للخطر».
ولفت إلى أن السلطات السورية أعلنت أنها لن تقبل بأي سلطة غير حكومة دمشق أو هيكل مسلح غير الجيش السوري في سوريا، مضيفاً: «هم يواصلون عملهم في هذا الاتجاه، ولدينا نهج مماثل تجاه أمن الحدود».
تمسك بوحدة سوريا
وأعطى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، رسالة أكثر وضوحاً وتحديداً حول المؤتمر، خلال زيارة للدوحة، الأحد قبل الماضي، قائلاً إن «تركيا ترغب في رؤية دستور وحكومة في سوريا تضمن إعطاء فرص متساوية لجميع المكونات في البلاد».
ولفت إلى الاتفاق الموقّع في مارس (آذار) الماضي بين حكومة دمشق و«قسد»، مؤكداً أن تركيا ستقف في وجه «المجموعات التي تستغل الوضع الحالي في سوريا لتحقيق بعض أهدافها، وتسعى إلى الإضرار بوحدة أراضي سوريا وسيادتها».
وأكد، فيما اعتبر إشارة لحل عسكري حال الضرورة، أن «تنظيم» الوحدات الكردية (أكبر مكونات «قسد») التابع لـ«حزب العمال الكردستاني»، سيخرج من الحسابات في سوريا، سواء بإرادته عبر طرق سلمية، أو «بخلاف ذلك»، كما خرج تنظيم «داعش» الإرهابي من الحسابات.
ورغم وصف إردوغان لفكرة الفيدرالية في سوريا بأنها «مجرد حلم»، فإن هناك جهات فاعلة، وخصوصاً في شمال وشرق سوريا، تواصل الدفع باتجاه الاعتراف الدولي بالأمر الواقع الذي فرضته «قسد» من خلال إدارة ذاتية تعتمد على نموذج الفيدرالية، وهو ما يزيد من قلق تركيا تجاه «سياسة ناعمة» تحول الحلم إلى كابوس.
التعامل مع ملف الأكراد
ويبدو أن تركيا تعتمد، بشكل أساسي، على الإدارة السورية في التصدي لأي خطوات من شأنها تهديد وحدة سوريا، وفي الوقت ذاته ترغب في نجاح اتفاق اندماج «قسد» في مؤسسات الدولة السورية، لما يحمله من أهمية بالنسبة للجهود المبذولة داخلياً من خلال الاتصالات مع زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين، عبد الله أوجلان، لحل الحزب وتسليم أسلحته، ما يعني أن تركيا ستتخلص من التهديد الذي يحيط بحدودها الجنوبية في شمال العراق، وبالتبعية في شمال شرقي سوريا، فضلاً عن تحقيق سلامها الداخلي.
وتأمل أنقرة في تخلي واشنطن عن الاستمرار في دعم «وحدات حماية الشعب الكردية – قسد»، بدعوى التحالف معها في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، وهو ما لم تعطِ واشنطن أي إشارة إليه حتى رغم الإعلان عن سحب بعض قواتها.
وتراقب تركيا مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا، وتسعى إلى دفع الجدول الزمني للانسحاب، وإقناع الولايات المتحدة بقدرة إدارة دمشق، بدعم منها، على التصدي لبقايا تنظيم «داعش» الإرهابي، والسيطرة على السجون التي توجد بها عائلات عناصر التنظيم، والخاضعة لسيطرة «قسد» حتى الآن.
وفي سبيل ذلك، طرحت تركيا فكرة تشكيل «تحالف إقليمي» لمحاربة «داعش»، يضم إلى جانبها عدداً من دول جوار سوريا، هي الأردن، والعراق، ولبنان، إلى جانب سوريا.
وعقد وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في الدول الخمس اجتماعاً في العاصمة الأردنية عمان، في 9 مارس الماضي، تم الاتفاق خلاله على إنشاء مركز عمليات مشترك في سوريا، لا تزال المحادثات الفنية بشأنه جارية.
قلق من تمدد إسرائيل
وغير بعيد عن هذا الملف المقلق، يأتي النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا، وخشية تركيا من سيطرة إسرائيل، التي تحظى هجماتها في سوريا بقبول أميركي، على أجواء سوريا من الجنوب إلى الشمال، لا سيما مع ما هو معروف من علاقة قوية بين إسرائيل وأكراد سوريا.
كما تنظر إسرائيل إلى أي دور تركي متقدم في سوريا على أنه تهديد استراتيجي لأمنها؛ لأنه قد يغيّر خريطة النفوذ على الحدود الجنوبية ويؤدي لحضور فصائل تشكّل خطراً عليها.
وكشفت تقارير في الفترة الأخيرة عن سعي تركيا، التي تتمتع بعلاقات جيدة للغاية مع الإدارة السورية الجديدة، إلى توسيع وجودها العسكري في البلاد والحصول على قواعد عسكرية برية وجوية وبحرية.
وعلى الرغم من أن تركيا لم تعلن بشكل رسمي سعيها إلى إقامة قواعد جوية في سوريا، فإن إسرائيل قامت بخطوات استباقية وقصفت قاعدة «تي 4» شرق حمص، أكثر من مرة في مارس الماضي، فضلاً عن قصف مطار حماة العسكري وإخراجه من الخدمة نهائياً.
وأعلن مسؤولون إسرائيليون أن إقامة قاعدة تركية في تدمر بريف حمص الشرقي «خط أحمر».
وتدعم تركيا، سياسياً، الإدارة السورية في مواجهة الهجمات الإسرائيلية المتكررة، سواء عبر مجلس الأمن أو في مختلف المحافل.
وعلى الرغم من حالة الترقب والتنافس، لا ترغب تركيا، وكذلك إسرائيل، في مواجهات عسكرية في سوريا، ويبدو أنهما أقرتا قواعد اشتباك لتجنب أي صدام غير مرغوب فيه، خلال اجتماع فني لوفدين منهما في باكو، عاصمة أذربيجان، في 9 أبريل الماضي، على خلفية التوتر في شرق حمص وحماة.
وجنبت هذه القواعد، حسب تقارير تركية وإسرائيلية، اشتباكاً بين طائرات من الجانبين عندما نفّذت إسرائيل ضربات قرب قصر الرئاسة في دمشق.
وأكد مسؤولون إسرائيليون أن المحادثات الفنية في أذربيجان كانت إيجابية، وأن إسرائيل قد تقبل بقاعدة عسكرية محدودة لتركيا في سوريا.
يبقى أن الحضور التركي في سوريا أظهر تحولاً من الدعم غير المباشر إلى التأثير المباشر في الأحداث والتطورات، انطلاقاً من سعي أنقرة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ومع دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدور تركي كبير في سوريا، يتوقع أن يكون لأنقرة دوراً حاسماً في تحديد مستقبل سوريا، وربما المنطقة أيضاً.
الشرق الأوسط
————————————–
جلسة تفاوض رابعة بين دمشق و”قسد”… لا اختراق في الملفات الأكثر أهمية/ محمد أمين
08 مايو 2025
عقدت الحكومة السورية جلسة تفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لتطبيق الاتفاق الذي وقّعه الجانبان في مارس/آذار الماضي، من أجل إدماج هذه القوات في المنظومة العسكرية للبلاد، وحسم مصير الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه. وذكرت مصادر إعلامية مقربة من الحكومة أن جلسة رابعة من التفاوض بين دمشق و”قسد” عقدت في قاعدة “العمر” النفطية في ريف دير الشرقي الاثنين الماضي. وترأس وفد الحكومة رئيس جهاز المخابرات العامة حسين عبد الله السلامة، بينما ترأس وفد “قسد” القائد العام مظلوم عبدي. مع العلم أن السلامة هو من قاد المفاوضات مع عبدي والتي أفضت إلى توقيع اتفاق مارس.
وبحسب المصادر، بحث مسؤولون من دمشق و”قسد” موضوع حقلي العمر وكونيكو للغاز في ريف دير الزور، بعد انسحاب قسم كبير من قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا خلال الأيام القليلة الماضية، في سياق استراتيجية أميركية للانسحاب بشكل شبه كلي من الأراضي السورية. وكان الرئيس السوري أحمد الشرع وقع في مارس الماضي اتفاقاً مع عبدي نص على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
لجان بين دمشق و”قسد”
وكانت دمشق و”قسد” شكلتا لجانا تنفيذية لـ”تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي”، وفق نص الاتفاق. وعقدت اللجان بالفعل عدة جلسات تفاوضية نجحت في تفكيك عقدة أكثر من ملف، منها وجود وحدات “حماية الشعب” الكردية في حيي الشيخ مقصود والأشرفية على الأطراف الشمالية لمدينة حلب. وأعلنت “الإدارة الذاتية”، الذراع السياسية والإدارية لقوات سوريا الديمقراطية الاثنين الماضي وقف الأعمال القتالية، وسحب قواتها من سد تشرين الاستراتيجي على نهر الفرات شمال شرق حلب، في خطوة ربما تعكس تقدماً في سير المفاوضات مع الحكومة، ما يعني تسلّم الأخيرة لهذا السد بعد اقتتال أعقبه تفاوض. وتضع “قسد” يدها على ثلاثة سدود استراتيجية لتوليد الكهرباء على نهر الفرات، وهي تشرين في ريف حلب الشمالي، والفرات والحرية (البعث سابقاً) في ريف الرقة الغربي.
وقالت مصادر مطلعة ومقربة من وفد الحكومة، لـ”العربي الجديد”، إن الاجتماع الذي عقد بين مسؤولين من دمشق و”قسد” في حقل العمر تناول “ملفات حساسة”، مشيرة إلى أن “قسد” وافقت على الانسحاب من سد تشرين مع الإبقاء على عدد من موظفيها الذين سيتحولون رسمياً للعمل تحت إشراف وزارة الطاقة السورية. وبينت المصادر أنه تمت مناقشة إمكانية دمج مقاتلي “قسد” ضمن هياكل وزارة الدفاع السورية وإدخال فرق عسكرية إلى الشمال الشرقي من البلاد للانتشار والسيطرة على الحدود والمعابر. وكشفت المصادر أنه “جرى بحث آليات إدارة واستثمار الحقول النفطية، بما يضمن خضوعها لإشراف الدولة بشكل كامل، مع ترتيبات معينة لضمان استمرار الإنتاج”، مشيرة إلى أنه “تمت مناقشة انسحاب قسد من المناطق التي تسيطر عليها وفق ثلاث مراحل”، موضحة أنه “في المرحلة الأولى تنسحب قسد من ريف دير الزور الشرقي ومحافظة الرقة، وفي الثانية من جنوب وشرق الحسكة، وفي الثانية (وهي الأصعب والأكثر حساسية)، تخضع المناطق ذات الغالبية الكردية في أقصى الشمال الشرقي من البلاد لتفاهمات لاحقة”.
طي ملف “قسد” يتطلب توافقات إقليمية ودولية
لكن الوقائع السياسية تشير إلى أن طي ملف “قسد” يتطلب توافقات إقليمية ودولية، لا سيما أن هذه القوات تربط تطبيق بنود الاتفاق الذي وقعته مع الشرع في مارس الماضي، مع القضية الكردية في البلاد، وهو ما ترفضه دمشق التي ترى أنه لا ترابط بين الملفين، فالتفاوض حول مطالب الأكراد السياسية مختلف تماماً عن التفاوض مع “قسد” لدمجها في الجيش السوري وإنهاء سيطرتها على الشمال الشرقي من سورية.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي، على الجزء الأكبر من محافظتي الرقة والحسكة وعلى أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات. وتتحكم بهذه المناطق الغنية بالثروات، في إطار سعيها للضغط على الحكومة السورية لفرض اللامركزية في البلاد، وهو ما ترفضه دمشق بشكل مطلق، وترى أنه خطوة في اتجاه تشظّي البلاد على أسس عرقية وطائفية. كما تحظى هذه القوات بدعم من الجانب الفرنسي لذا من المتوقع أن يكون الملف الكردي السوري حضر في مباحثات الشرع في باريس أمس الأربعاء، وفق الباحث السياسي مؤيد غزلان، الذي أشار في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن تقدماً وصفه بـ”الطفيف”، تحقق في مفاوضات الحكومة مع “قسد”. وأشار إلى أنه لم يتم تحقيق اختراق في الملفات الأكثر أهمية، متوقعاً أن تمارس باريس ضغطاً على الطرفين و”ستقدم وعوداً”، مضيفاً: لكن ليس لديها الكثير، فالعقوبات الأهم هي الأميركية.
وأكد غزلان أن الحرب “لم تعد خياراً مطروحاً أمام دمشق للتعامل مع الملفات الداخلية”، مضيفاً: الحرب السورية ــ السورية لم تعد خياراً بالمطلق. هناك مفاهيم جديدة في الوطنية ومجال كبير للحريات في سورية. وأشار إلى أن الإدارة في سورية تعتمد سياسة “الحلول المرنة”، في التعاطي مع كل الملفات والتحديات، معتبراً أن زيارة الشرع إلى باريس “تعمّق القبول الأوروبي للإدارة السورية الجديدة”، مضيفاً: في حال تعنت “قسد” في تطبيق بنود الاتفاق يجب ممارسة الضغط عليها من الدول التي تدعمها.
ويعد الشمال الشرقي من سورية مستودع الثروات النفطية والزراعية، والتي من شأن عودتها إلى الدولة مدّ الاقتصاد بأسباب التعافي. لكن المؤتمر الذي عقدته مؤخراً قوى سياسية كردية، ضمنها حزب الاتحاد الديمقراطي المهيمن على “قسد” عن طريق ذراعه العسكرية “حماية الشعب”، خرج بمطالب اعتبرت تراجعاً عن الاتفاق بين دمشق و”قسد” ما دفع الرئاسة السورية إلى إصدار بيان، في 27 إبريل/نيسان الماضي، حمل نبرة شديدة اللهجة اتجاه “قسد”، أكدت فيه رفضها محاولات فرض واقع تقسيم أو إنشاء كيانات منفصلة. وجاء في بيان الرئاسة أن “وحدة سورية أرضاً وشعباً خط أحمر، وأي تجاوز لذلك يُعد خروجاً عن الصف الوطني ومساساً بهوية سورية الجامعة”. وأعربت عن قلقها من “الممارسات التي تشير إلى توجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق”، محذرة من تعطيل عمل مؤسسات الدولة في المناطق التي تُسيطر عليها “قسد”، وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها، واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة بما يسهم في تعميق الانقسام وتهديد السيادة الوطنية.
وكانت قوى سياسية فاعلة في المشهد السوري الكردي دعت، بعد اجتماع في مدينة القامشلي، في إبريل الماضي، إلى إقرار دستوري بوجود قومي للأكراد، وضمان حقوقهم دستورياً، وتوحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية. كما طالبت بنظام حكم برلماني في سورية يتبنى التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، كما يعتمد مجالس المناطق في إطار النظام اللامركزي. وتضمنت الوثيقة العديد من المطالب التي من شأنها “ضمان مشاركة الأكراد في مؤسسات الدولة التشريعية، القضائية، التنفيذية والأمنية”، فضلاً عن المطالب التقليدية من قبيل “الاعتراف الدستوري باللغة الكردية لغةً رسمية إلى جانب اللغة العربية في البلاد، وضمان التعليم والتعلم بها”. كما طالبوا بـ”تشكيل هيئة دستورية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة مبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية كاملة”، في نسف واضح للإعلان الدستوري الذي أعلنته الإدارة السورية.
وتحاول “الإدارة الذاتية” عقد مؤتمر للعشائر العربية في مناطق سيطرتها، في خطوة تهدف إلى الإيحاء بأنها تحظى بتأييدها في المفاوضات المقبلة مع الحكومة. وفي هذا الصدد، أكد رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر العربية مضر حماد الأسعد، لـ”العربي الجديد”، رفضه لأي دعوة من قبل “قسد” أو “مسد” (الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية)، لعقد مؤتمر للقبائل العربية في الجزيرة والفرات. وقال: “هكذا مؤتمر الهدف منه منح قسد شرعية التحكم والتكلم باسم العرب”، مشيراً إلى أن الرئاسة السورية “طلبت رسمياً من مظلوم عبدي في لقاءات سابقة ألا يتحدث باسم العشائر والقبائل العربية في شمال شرقي سورية، والتي يشكل أبناؤها نحو 90% من السكان”.
——————————–
=======================
العدالة الانتقالية تحديث 08 أيار 2025
لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
—————————-
عدالة انتقالية في سوريا: ضرورة وطنية لمنع الانتقام وضمان الاستقرار ما بعد النزاع/ فضل عبد الغني
2025.05.07
مع سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، طُويت صفحة مظلمة من تاريخ سوريا امتدت لأكثر من نصف قرن. هذا التحول التاريخي، الذي جاء بعد أربعة عشر عاماً من نزاع مسلح مدمّر، يضع المجتمع السوري أمام مفترق طرق مفصلي: إما المضي نحو بناء دولة قائمة على العدالة وسيادة القانون، أو الانزلاق نحو دوامة من الفوضى والانتقام وتصفية الحسابات.
تبرز اليوم معضلة جوهرية في المشهد السوري تتمثل في التوازن بين الرغبة المشروعة للضحايا في تحقيق العدالة، وخطر تحول هذه الرغبة إلى أعمال انتقام فردية خارج إطار القانون. بدأنا نشهد بالفعل حالات متزايدة من الانتقام الشخصي ضد عناصر محسوبة على النظام السابق، وإن استمرار هذه الظاهرة وتوسعها يهدد بتقويض أي فرصة لبناء سلام مستدام، ويضع العملية الانتقالية برمتها على محك خطير. من هنا تبرز الأهمية القصوى لوجود إطار مؤسسي للعدالة الانتقالية، يستجيب لتطلعات الضحايا في الإنصاف ويكفل حقوقهم، ويحمي المجتمع من الانزلاق نحو حلقة جديدة من العنف المدمر.
ثانياً: إرث الانتهاكات الجسيمة وتداعياتها المجتمعية
يواجه المجتمع السوري اليوم إرثاً ثقيلاً من الانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت على مدار 14 عاماً من النزاع المسلح. وفقاً لقاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد وُثّق مقتل ما لا يقل عن 231 ألف مدني، من بينهم 202 ألف قُتلوا على يد قوات نظام الأسد. كما تم توثيق 157 ألف حالة إخفاء قسري، إضافة إلى استخدام أسلحة محرمة دولياً بشكل ممنهج، حيث ألقى الطيران الحربي ما لا يقل عن 81,916 برميلاً متفجراً، ونفّذ 217 هجوماً كيميائياً، و252 هجوماً بذخائر عنقودية. وقد أدت هذه الانتهاكات الممنهجة إلى تشريد قرابة 14 مليون سوري – أي ما يعادل نصف السكان – بين نازح داخلي ولاجئ في دول الجوار والعالم.
تتجاوز هذه الأرقام المجردة حدود الإحصاءات لتشكل جروحاً عميقة في الوجدان الجمعي السوري. فالأثر النفسي والاجتماعي لهذه الانتهاكات يمتد بشكل متشعب ومعقد في أنسجة المجتمع بأكمله. لقد شهدنا انهياراً حاداً في منظومة القيم الاجتماعية، وتفككاً بنيوياً في النسيج المجتمعي التقليدي، وتدميراً شاملاً لشبكات الأمان والتضامن المحلية. وقد أدت عمليات النزوح القسري الهائلة إلى تمزيق النسيج الديموغرافي للمدن والقرى السورية، وخلق واقع جديد من الاستقطاب الحاد والفرز السكاني على أسس طائفية وسياسية. كما تركت تجارب الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري آثاراً نفسية عميقة وممتدة، لا تقتصر على الضحايا المباشرين فحسب، بل تمتد لتشمل دوائر أوسع من عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية.
في ظل هذا الواقع المأزوم والمعقد، بات خطر الانتقام الشخصي وتصفية الحسابات تهديداً وجودياً للاستقرار المجتمعي في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد. وتؤكد تجارب الدول الخارجة من نزاعات مشابهة أن غياب آليات العدالة المؤسسية والمنظمة يؤدي حتماً إلى تنامي ظاهرة “العدالة الشعبية” أو “محاكم الشارع”. وتُستغل هذه العمليات غالباً لدوافع انتقامية شخصية ولمصالح اقتصادية أو طائفية. هذا الواقع المنفلت من الضوابط القانونية والأخلاقية يؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين بالعدالة، ويُسهم في إنتاج موجات جديدة من العنف، الأمر الذي يزيد من تعقيد إمكانيات الوصول إلى السلم الأهلي، ويقوّض بشكل جذري أسس بناء الدولة ويعرقل أي مسار حقيقي للمصالحة الوطنية.
إن التجربة العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين تمثل مثالاً صارخاً على مخاطر غياب استراتيجية متكاملة للعدالة الانتقالية، حيث أدى ذلك إلى تفاقم الانقسامات الطائفية وإطلاق موجات متعاقبة من العنف الانتقامي. وفي جوهر المسألة، فإن المواطنين لا يلجؤون إلى الانتقام الشخصي إلا عندما يفقدون الثقة تماماً في قدرة المؤسسات الرسمية على تحقيق العدالة الحقيقية والفعالة.
ثالثاً: رؤية شاملة للعدالة الانتقالية في سوريا
طورت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، استناداً إلى خبرتها الميدانية الممتدة على مدار 14 عاماً، رؤية متكاملة للعدالة الانتقالية في سوريا. تقوم هذه الرؤية على فهم عميق للسياق السوري وخصوصياته الفريدة، وتستلهم أفضل الممارسات الدولية في مجال العدالة الانتقالية، مع تكييفها بشكل دقيق بما يتناسب مع التعقيدات المحلية.
الخطوة الأولى تتمثل في إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية، تكون بمثابة المظلة المؤسسية الجامعة لإدارة العملية برمتها وضمان تناسقها. تتمتع الهيئة المقترحة باستقلالية مالية وإدارية تامة عن السلطة التنفيذية، مع صلاحيات واسعة تتيح لها القيام بمهامها بفعالية ونزاهة. وتضم الهيئة خبراء متخصصين من اختصاصات متنوعة – كالقانون المحلي والدولي، والتوثيق وجمع الأدلة، والاقتصاد، والدعم النفسي والاجتماعي – وتراعي في تشكيلها بدقة التنوع الديني والعرقي والسياسي للمجتمع السوري، مما يضمن تمثيلاً شاملاً وعادلاً.
وتتمحور هذه الرؤية حول أربعة أركان أساسية تشكل معاً منظومة متكاملة ومترابطة لتحقيق العدالة، والمساءلة، والمصالحة، وضمان عدم تكرار انتهاكات الماضي المؤلمة.
الركن الأول هو المحاسبة الجنائية، التي تشكل حجر الزاوية في أي عملية عدالة انتقالية فعّالة. لذا يجب إنشاء محاكم خاصة مختلطة، تجمع بكفاءة بين القضاة والخبراء المحليين والدوليين، للنظر بشكل محايد ومهني في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت خلال سنوات النزاع المريرة.
الركن الثاني يتمثل في عمليات الحقيقة والمصالحة، ويتضمن توثيقاً منهجياً للانتهاكات وتحديداً دقيقاً لمرتكبيها، وإنشاء لجان متخصصة للحقيقة تضم خبراء قانونيين ونفسيين واجتماعيين وممثلين عن المجتمع المدني والضحايا، لضمان معالجة شاملة للماضي تمهد الطريق نحو المصالحة الحقيقية.
الركن الثالث يركز على جبر الضرر وإصلاح المؤسسات، ويشمل تعويض الضحايا مادياً ومعنوياً بصورة عادلة وشاملة. فعلى المستوى المادي، يجب تقديم منح نقدية وخدمات تفضيلية للضحايا وأسرهم، وإعادة حقوق الملكية المنهوبة، وتمويل مشاريع الإسكان وبرامج إعادة التأهيل الاقتصادي. أما على المستوى المعنوي، فيجب تطوير برامج متكاملة لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، وبناء نصب تذكارية تخلد ذكرى الضحايا، وتخصيص أيام وطنية لإحياء ذكراهم بكرامة، وإنشاء متاحف ومراكز توثيق تحفظ الذاكرة الجماعية.
الركن الأخير هو إصلاح المؤسسات التي تورطت في الانتهاكات، خاصة المؤسسات القضائية والأمنية والعسكرية، بما يضمن بناء حكم القانون ومنع تكرار انتهاكات الماضي.
رابعاً: ضرورة التنفيذ العاجل
تشير الدراسات والأدبيات المتخصصة في مجال العدالة الانتقالية إلى وجود “نافذة فرصة” حرجة تعقب مباشرة سقوط الأنظمة الاستبدادية وانتهاء النزاعات المسلحة. هذه النافذة الزمنية، التي نادراً ما تمتد لأكثر من عام واحد، تمثل فترة حاسمة وذهبية يمكن استثمارها بفعالية لوضع أسس متينة للعدالة الانتقالية. وفي السياق السوري الراهن، نجد أنفسنا الآن في خضم هذه الفترة الحرجة والفاصلة، وأي تأخير في التحرك السريع والمدروس قد يؤدي حتماً إلى ضياع فرصة تاريخية لا تعوض لإرساء أسس العدالة والمصالحة المستدامة. تقدم تجارب دول مثل تشيلي والأرجنتين وجنوب أفريقيا دروساً قيّمة وملهمة حول أهمية التحرك السريع والمنهجي في هذه المرحلة الحساسة، في حين تُظهر تجارب العراق وليبيا وكمبوديا بوضوح العواقب الوخيمة والتكاليف الباهظة للتأخير والارتجالية.
إن تأجيل تطبيق آليات العدالة الانتقالية يعرّض المجتمع السوري لمخاطر متعددة ومتشعبة، أبرزها ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب التي سادت لعقود طويلة، مما يقوّض بشكل خطير الثقة في شرعية المؤسسات الجديدة ويبعث برسالة مدمرة مفادها أن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لا يستتبع مساءلة حقيقية. كما أن التأخير يعمق شعور الإحباط والغبن لدى قطاعات واسعة من الضحايا، ويغذي بشكل مباشر نزعات الانتقام الفردي. وهناك حقيقة اجتماعية-نفسية جوهرية لا يمكن تجاهلها: فراغ العدالة الرسمية سرعان ما تملؤه أشكال من “العدالة الشعبية” التي غالباً ما تكون عشوائية وانتقامية وتفتقر للضمانات القانونية الأساسية.
تشكل الأشهر الأولى بعد سقوط نظام الأسد، والتي توشك على الانقضاء، فترة مفصلية ونوعية تتيح فرصة نادرة لإرساء قواعد جديدة وراسخة للتعامل مع إرث الماضي الثقيل. ففي هذه الفترة الحاسمة، يتوفر اهتمام وطني ودولي استثنائي بقضايا العدالة، وتكون الذاكرة الجماعية لما جرى حاضرة بقوة وحيوية. كما أن الفصائل والمجموعات المسلحة تكون أكثر استعداداً للتعاون في هذه المرحلة المبكرة، قبل أن تترسخ مصالح جديدة وتتبلور تحالفات قد تعرقل بشدة مسارات العدالة مستقبلاً. لذا، من الضروري والحتمي استثمار هذه النافذة الزمنية الضيقة لوضع الأطر القانونية والمؤسسية المتينة التي ستحكم عملية العدالة الانتقالية برمتها.
تواجه سوريا مجموعة من المخاطر المحددة والملموسة التي تجعل التنفيذ العاجل للعدالة الانتقالية أمراً لا يحتمل التأجيل أو التسويف:
1. اختفاء الأدلة: مع مرور الوقت، تتزايد بشكل كبير مخاطر فقدان أدلة حاسمة وجوهرية على الانتهاكات. لقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بالفعل محاولات من بعض الأطراف لتدمير وثائق وأدلة خاصة في الأيام الأولى والحاسمة لسقوط نظام الأسد.
2. فرار المسؤولين عن الانتهاكات: تجري حالياً محاولات من قبل متورطين رئيسيين في انتهاكات جسيمة للهروب خارج البلاد والإفلات من المساءلة. كل يوم يمر دون إنشاء آلية واضحة وفعالة للمساءلة الجنائية يزيد من فرص هروب المزيد من المتورطين، مما يهدد بشكل مباشر بضياع فرصة العدالة الحقيقية للضحايا.
3. تصاعد أعمال الانتقام الفردية: في غياب آليات مؤسسية فعالة للعدالة، يتزايد بشكل مقلق خطر انتشار أعمال الانتقام الفردية والجماعية. وكما يُظهر التاريخ بوضوح، فإن دورات الانتقام تميل إلى توليد دورات مضادة من العنف المضاد، مما يؤدي إلى استمرار دوامة العنف بأشكال جديدة ومتجددة.
4. ترسيخ الانقسامات المجتمعية: أدى النزاع السوري إلى استقطاب حاد وعميق في المجتمع على أسس سياسية وطائفية وإثنية متعددة. وبغياب آليات رسمية وشاملة للكشف عن الحقيقة والمساءلة والمصالحة، تترسخ هذه الانقسامات بشكل متزايد وتتحول إلى هويات متصلبة يصعب تجاوزها مستقبلاً. لقد أثبتت تجارب دول مثل رواندا ويوغوسلافيا السابقة وإيرلندا الشمالية أن التأخير في معالجة الانقسامات المجتمعية بعد النزاع يجعلها أكثر استعصاءً على الحل مع مرور الوقت.
5. تآكل الذاكرة الجمعية والتطبيع مع الإجرام: في ظل غياب مسار واضح وفعال للعدالة الانتقالية، تظهر بوادر خطيرة تهدد الذاكرة الجمعية، بما في ذلك احتمالات طمس الحقيقة وتشكيل روايات متضاربة حول سنوات النزاع تغذيها بدرجة كبيرة حالة من التطبيع مع الوجود العلني للجناة في الحياة العامة.
في سوريا اليوم، لا يزال عدد من الأفراد المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك مجرمو حرب بارزون (مثل فادي صقر ومحمد حمشو)، يعيشون داخل المجتمع السوري ويواصلون حياتهم اليومية دون الخضوع لأي مساءلة قانونية. التراخي في محاسبة هؤلاء لا يضعف فقط من ثقة الضحايا بعدالة المرحلة الانتقالية، بل يخلق أيضاً مناخاً مطبعاً مع الإجرام ويقلل من خطورته في الوعي العام، ويبقي على عناصر خطيرة داخل المجتمع قد تعيد إنتاج العنف في أي لحظة.
6. إعاقة المصالحة الوطنية: تُعد المصالحة الوطنية الحقيقية هدفاً رئيسياً وأساسياً للعدالة الانتقالية، لكنها لا تتحقق تلقائياً بمجرد انتهاء النزاع. إنها عملية معقدة ومتعددة الأبعاد تتطلب بناء الثقة، والاعتراف العلني بمعاناة الضحايا، وتقديم المسؤولين للمحاسبة العادلة، وإصلاح المؤسسات التي سمحت بالانتهاكات. كل يوم يمر دون خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، يزيد من تجذر الضغائن ويُصعِّب مسار المصالحة مستقبلاً. في سوريا اليوم، تتوفر فرصة نادرة وثمينة لبدء عملية حوار وطني شامل حول الماضي وكيفية التعامل معه بشكل بنّاء، لكن هذه الفرصة تتآكل بسرعة مع مرور الوقت. إن آليات العدالة الانتقالية توفر منصة مثالية لهذا الحوار وتضمن أن يكون بناءً ومنتجاً، وليس مجرد تبادل للاتهامات أو محاولة لطمس الحقيقة.
في ضوء هذه المخاطر المتعددة والملموسة، أعتقد جازماً أن تأجيل تطبيق العدالة الانتقالية لا يجب أن يكون خياراً مطروحاً لسوريا، بل إن التحرك السريع والمنهجي والشامل هو ضرورة وطنية ملحة وحتمية لبناء مستقبل آمن ومستقر لجميع السوريين.
خامساً: العدالة الانتقالية وبناء الدولة: موازنة الأولويات في سياق الدول الهشة
تثير المسارات المعقدة للعدالة الانتقالية في الدول الخارجة من النزاعات العديد من التساؤلات العميقة حول الأولويات والتوقيت والمقاربات المثلى. إن الموازنة الدقيقة بين مقتضيات إعادة بناء الدولة وتحقيق العدالة للضحايا تمثل تحدياً استراتيجياً محورياً يستلزم فهماً عميقاً ومتبصراً للسياقات المحلية والمخاطر المحتملة. في السياق السوري الراهن، تبرز هذه المعضلة بشكل جلي وملموس، حيث تتنافس احتياجات التعافي الاقتصادي العاجلة، وتحقيق الأمن المستدام، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مع مطالب العدالة والمساءلة المشروعة، في ظل موارد محدودة للغاية وقدرات مؤسسية هشة وضعيفة.
يرتكز خطاب “الاستقرار أولاً، العدالة لاحقاً” على فرضية أساسية مفادها أن إعادة بناء الدولة ومؤسساتها تشكل أولوية قصوى وملحة، وأن المساءلة القانونية قد تهدد هذا المسعى الحيوي من خلال إثارة الانقسامات المجتمعية وتقويض التسويات السياسية الهشة. غير أن دراسات الحالة المقارنة المعمقة من تجارب السلفادور وغواتيمالا وسيراليون وتيمور الشرقية تشير بوضوح إلى أن تأجيل مسارات العدالة يمكن أن يؤدي إلى ترسيخ نماذج خطيرة للإفلات من العقاب وإعادة إنتاج دورات العنف على المدى المتوسط والطويل. لذا أعتقد أن المقاربة الأكثر توازناً واستدامة هي النظر إلى العدالة الانتقالية وبناء الدولة ليس كمسارين متعارضين بالضرورة، بل كعمليتين متكاملتين ومترابطتين يعزز كل منهما الآخر بشكل عضوي، شريطة تصميمهما بحساسية عالية ودقة متناهية للخصوصيات السياقية المحلية.
تؤكد الأدبيات المتخصصة أن مفهوم العدالة الانتقالية يمثل في جوهره “مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية المتكاملة التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”. بيد أن خصوصية كل سياق وطني تتطلب تكييفاً دقيقاً لهذه الآليات والتفكير الاستراتيجي في توقيتها وتسلسلها المنطقي. وتكشف بعض التجارب الدولية المقارنة أن فرض آليات العدالة الانتقالية بشكل شامل ومتسرع في سياقات هشة ومأزومة قد يؤدي إلى نتائج عكسية غير مقصودة. فقد أشارت دراسات متعمقة تناولت عدة حالات دولية إلى أن “حجم الفظائع المرتكبة وتعقيدات المشهد السياسي تمثل تحديات هائلة تستدعي مقاربات مدروسة ومتأنية”.
في ضوء كل ما سبق، هناك ضرورة للتفكير بمقاربة متدرجة ومتوازنة تراعي بدقة خصوصية الحالة السورية الفريدة، حيث المؤسسات الرسمية في حالة انهيار شبه تام، والانقسامات المجتمعية عميقة ومتشعبة، واحتياجات إعادة الإعمار هائلة وملحة. لذا أعتقد أن هناك ضرورة حتمية لتبني مسار متدرج ومتسلسل للعدالة الانتقالية، يبدأ بالخطوات الأكثر إلحاحاً وقابلية للتنفيذ، مع وضع خارطة طريق واضحة المعالم وزمنية للمدى المتوسط والبعيد. وفي المقابل، تكمن مخاطر النهج المتسرع والشامل في احتمالية تحميل المؤسسات الناشئة والهشة أعباءً تفوق قدراتها الفعلية، وخلق توقعات غير واقعية لدى قطاعات واسعة من الضحايا، مما قد يؤدي إلى خيبات أمل مؤلمة وتأجيج للتوترات المجتمعية الكامنة.
سادساً: خاتمة
تقف سوريا اليوم على مفترق طرق تاريخي ومصيري، بعد أربعة عشر عاماً من نزاع مدمر، وعقود طويلة من الحكم الأسدي الاستبدادي القاسي. إن الخيارات الاستراتيجية التي ستتخذها الدولة والمجتمع خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة ستحدد بشكل حاسم مسار البلاد لعقود قادمة، وستؤثر بصورة مباشرة وعميقة على فرص تحقيق الاستقرار المستدام والسلام الاجتماعي الحقيقي. في هذا السياق المفصلي، تبرز العدالة الانتقالية بوضوح كطريق وسط استراتيجي ومتوازن بين نقيضين خطيرين: سياسة الإفلات من العقاب التي تديم الظلم التاريخي وتزرع بذور الصراعات المستقبلية المحتومة، ودوامة الانتقام والثأر العشوائي التي تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي الهش وإشعال حلقة جديدة من العنف المدمر.
إن العدالة الانتقالية، بمفهومها الشامل والمتكامل الذي يتجاوز حدود المحاكمات القضائية ليشمل آليات الحقيقة والمصالحة وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات، توفر إطاراً متكاملاً ومرناً يتيح للسوريين المضي قدماً نحو المستقبل دون التنكر للماضي المؤلم أو الانغماس الكامل فيه. إنها تقدم مقاربة متوازنة وعملية تعترف بحق الضحايا الأصيل في العدالة والإنصاف، وتضع حداً لثقافة الإفلات من العقاب المتجذرة، وتمهد الطريق للمصالحة الوطنية الحقيقية القائمة على الاعتراف الصريح بالحقيقة، وليس على طمسها أو تجاهلها.
نوجه دعوة صريحة وعاجلة وملحة إلى السلطات السورية الانتقالية للتحرك الفوري والجاد في هذا المسار الحيوي. إن نافذة الفرصة التاريخية المتاحة لإرساء أسس متينة للعدالة الانتقالية ضيقة للغاية، ولا تحتمل التأجيل أو التسويف. ندعوكم بكل إخلاص للاستجابة العاجلة لتطلعات ملايين السوريين الذين عانوا ويلات الظلم والانتهاكات الجسيمة، وللتعامل بمسؤولية تاريخية مع الإرث الثقيل للنزاع. إن استثمار الموارد والجهود في مسار العدالة الانتقالية لا يمثل أبداً رفاهية يمكن تأجيلها، بل هو شرط أساسي وجوهري لبناء دولة مستقرة وديمقراطية تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.
إن سوريا تقف اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة لكسر دورة العنف والظلم التي استمرت لعقود طويلة. إن اختيار مسار العدالة الانتقالية المدروس والمتوازن والشامل يمثل فرصة فريدة لا تعوض لبناء سوريا جديدة ومختلفة، ليس فقط من خلال إعادة بناء ما دمرته الحرب من حجر وبنيان مادي، بل الأهم والأعمق، من خلال معالجة الجروح النفسية العميقة التي تركها النزاع المرير في النفوس والمجتمع. إن هذه اللحظة التاريخية الفارقة تتطلب شجاعة استثنائية وحكمة بالغة وبصيرة نافذة، لتحويل المحنة الوطنية القاسية إلى فرصة حقيقية للتعافي الشامل والمصالحة الوطنية وبناء مستقبل أفضل وأكثر عدلاً لجميع السوريين دون استثناء.
لنجعل من العدالة الانتقالية جسراً متيناً نعبر به من ظلمات الماضي المؤلم إلى نور المستقبل الواعد، ومن مرارة الصراع الدامي إلى السلام المستدام، ومن تشظي الهوية الوطنية إلى وحدة الوطن وتماسكه. هذه هي الرسالة الأساسية التي نوجهها بكل إخلاص إلى صناع القرار في سوريا الجديدة: لقد آن الأوان لسوريا العريقة أن تتعافى وتنهض بقوة من رمادها، ولن يتحقق هذا التعافي الحقيقي والشامل إلا إذا كان متكاملاً في أبعاده كافة – جسداً وروحاً، أرضاً وإنساناً، حاضراً ومستقبلاً.
تلفزيون سوريا
——————————–
=======================
الموقف الأميركي اتجاه سوريا، مسالة رفع العقوبات، الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة السورية تحديث 08 أيار 2025
لمتابعة هذا الملف التبع الرابط التالي
العقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائها
———————————-
الشرع تحت مجهر ترمب «المفتون بالرجال الأقوياء»
توجس أميركي من فراغ أمني يعيد «داعش» وأذرع إيران
واشنطن: علي بردى
8 مايو 2025 م
مع مرور 100 يوم على تنصيب أحمد الشرع رئيساً لسوريا، لا يزال المسؤولون الأميركيون ينظرون بحذر إلى إدارته، خوفاً من احتمالات نشوء فوضى قد تشكل أرضاً خصبةً لتنظيمات متطرفة ولإيران التي تحاول الإبقاء على موطئ قدم لها في سوريا، فضلاً عما يعنيه النفوذ التركي المتوسع على امتداد الأراضي السورية بالنسبة إلى إسرائيل.
هذا بعض ما رصدته «الشرق الأوسط» خلال أحاديث مع كل من السفير روبرت وود، الذي شغل مناصب عدة في وزارة الخارجية الأميركية وعمل في البعثة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، والسفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، والزميل الأول في دراسات الشرق الأوسط لدى مجلس العلاقات الخارجية البروفسور هنري باركي الذي شغل أيضاً وظائف حكومية، والسياسي والصحافي الأميركي السوري أيمن عبد النور.
أسئلة ومخاوف
يفضّل السفير روبرت وود التريث قبل الحكم بصورة نهائية على أداء الشرع الذي «يبدو أنه يتصرف كرئيس، ولكن يبقى أن نرى إن كان هناك جوهر وراء أدائه»، واصفاً الوضع في سوريا الآن بأنه «معقد وصعب للغاية»، لا سيما بعد «أعمال العنف الأخيرة… علينا أن نرى كيف سيدير الوضع». وإذ يعبر عن إعجابه باستضافة الشرع لمؤتمر الوحدة الوطنية، يرى وود أن «هناك بعض الأسئلة والمخاوف».
بطريقة ما يتفق السفير روبرت فورد مع وود، فهو يرى أن تصرفات الشرع «تبدو رئاسية في كثير من الأحيان»، ومنها الاتفاق الذي وقعه مع قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي لأنه «إذا نُفذ، سيكون خطوة كبيرة نحو الاستقرار الداخلي».
غير أن البروفسور باركي يلفت إلى أن عبدي «يسيطر على قوة أكبر بكثير من (هيئة تحرير الشام)»، وبطريقة ما، كان على الشرع عقد صفقة مع عبدي، الذي «إذا تحالف مع أقليات أخرى، مثل الدروز وغيرهم، سيصير مصدراً رئيسياً لمعارضة الشرع»، الذي «لا يريد الاعتماد على الأتراك لحمايته دائماً»، بالإضافة إلى أنه «يحتاج إلى إظهار استقلالية عن الأتراك».
ولعل هذا ما يجعل باركي أكثر حذراً، على الرغم من أن الشرع بحسب «مظهره، يبدو وكأنه يتصرف كرئيس». بيد أن المشكلة تتعلق أكثر بـ«مسألة القيادة، وعجزه عن السيطرة على المتطرفين في حكومته ومؤسساته»، مشيراً إلى الانتهاكات الأمنية التي وقعت في اللاذقية وطرطوس، فضلاً عن أنه «لم يوحد البلاد حقاً». وربط باركي وصول الشرع إلى السلطة بـ«انهيار جيش النظام، ببساطة».
ويكمن المأخذ الأكبر لدى باركي على الشرع في أنه «عيّن جهاديين سابقين كمحافظين في اللاذقية وطرطوس، أو أن جميع أعضاء حكومته إما أقاربه أو إخوته، أو، مرة أخرى، أشخاص من قاعدته»، فيما يستبعد مسؤولون أميركيون آخرون أن يكون للشرع دورٌ في الأحداث التي وقعت «لكننا لا نعرف من في حكومته متورط».
ويؤكد عبد النور أن «هناك فارقاً» في نظرة السوريين إلى الشرع يوم انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024 ونظرتهم اليوم، مؤكداً أن «الناس جميعاً وبينهم علويون كانوا مسرورين لسقوط الأسد ونظامه من دون سفك دماء». ويشرح أنه بعد حوالى 100 يوم، تغير الأمر بسبب «الفارق بين ما يصرح به رئيس الجمهورية أحمد الشرع والفريق المحيط به، خصوصاً وزير الخارجية أسعد الشيباني ومعظم المسؤولين متوسطي المستوى في المناطق وفي المناسبات المختلفة، وبين التنفيذ على الأرض».
التفاصيل مهمة
ويلتقي السفير فورد مع ما سبق بطرح «بعض الأسئلة الكبيرة»؛ منها المساءلة وسيادة القانون، بخاصة بعد أحداث اللاذقية وطرطوس، علماً بأن الشرع شكل لجنة للتحقيق في ما حصل. لكنه يعود ويسأل: «هل سيحاسب الذين ارتكبوا انتهاكات على الجانبين علناً ليرى الآخرون في قوات الأمن والقوى المحاربة أنه لن يجري قبولها والتسامح معها؟».
ويذهب السفير وود إلى أن الانفتاح الذي يُظهره الشرع وعقده مؤتمر الوحدة الوطنية «كان مهماً للغاية». لكنه يترقب بـ«قلق بالغ» نوع الاتفاق الذي سيُوقع بين «قوات سوريا الديمقراطية» والشرع، لأن «التفاصيل مهمة»، معترفاً بأن «ما رأيناه حتى الآن بوادر جيدة»، لكنه يأمل في أن «يُجري الشرع تحقيقاً شاملاً في عمليات القتل، لأننا لا نعرف أي عناصر نفذتها».
ويتحدث عبد النور عن «وجهتي نظر» موجودتين حالياً في واشنطن؛ الأولى أصحابها من الشخصيات العسكرية والأمنية التي عملت في العراق، وتعتقد أن الحكام الجدد في دمشق «لن يتغيروا» حتى لو لبسوا الكرافات وحلقوا ذقونهم. أما وجهة النظر الأخرى، فهي أنه «يجب منحهم فرصة لعدة أشهر من أجل أن نرى كيف يمكن أن يتأقلموا مع الواقع الجديد».
سجناء «داعش»
لا يخفي السفير وود مخاوفه من أن نحو 9500 من مقاتلي «داعش» الموجودين في أكثر من 20 سجناً عبر الأراضي السورية يمكن إطلاقهم «في حال التوصل إلى اتفاق نوعي بين (قوات سوريا الديمقراطية) وقوات الشرع»، معتبراً أن هؤلاء المقاتلين يمكن أن يصيروا «مصدر قلق ليس فقط للسوريين، بل للعراقيين وغيرهم في المنطقة».
ويلامس السفير فورد هذه المخاوف، مذكراً بالتحول الجذري لأحمد الشرع نفسه وفترة الاحتراب بين تنظيمه «جبهة النصرة» و«داعش» في مرحلة ما، مما أوحى للسفير فورد بأن الشرع أراد أن يكون «صاحب القرار»، ويقول: «كثيراً ما أتساءل: هل أحمد الشرع سياسي استخدم جماعة إرهابية لأغراض سياسية لكسب النفوذ والسلطة، أم أنه متطرف يتجه الآن إلى السياسة؟».
فرصة نفوذ لايران
يأمل السفير فورد في أن تدرك الإدارة الأميركية والكونغرس أنه «إذا أصبحت سوريا أكثر اضطراباً، ستكون هناك فرصة لإيران كي تعيد بناء نفوذها في بعض المجتمعات السورية»، معبراً عن اعتقاده أن ذلك «لن يساهم إيجاباً في مصالح الأمن القومي الأميركي»، ومقترحاً إزالة جزء من العقوبات، وبعضها قديم للغاية، ويعود إلى 40 عاماً».
ويرى السفير وود أن «كل الدول العربية، وكذلك إسرائيل وتركيا، لديها مصلحة كبيرة في رؤية سوريا موحدة، لا في حال حرب مع نفسها، لأن الحرب ستمتد بالتأكيد إلى الدول المجاورة»، معتبراً أن «هذه لحظة حرجة في ما يتعلق بمستقبل سوريا». ولذلك «يقع على عاتق الدول العربية، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وغيرها ممن لديهم مصلحة في ضمان حصول الشعب السوري على الحريات والرخاء الذي يستحقه». ويؤكد أنه «يجب على الجميع أن يشعروا بالقلق من أي نفوذ إيراني محتمل في سوريا».
ويحذر باركي من أن «نفوذ إيران في سوريا لم يُقضَ عليه» و«الإيرانيون لم يستسلموا»، بل «سيحاولون العودة».
ويسمع عبد النور الآن تعبيراً جديداً في النقاش، وهو «غرب سوريا» أسوة بالتعبير الذي يستخدمونه «شمال سوريا». ويعدُّ أن «كل الأمور الكبرى، كالتقسيم والفدرلة، تتم بداية بخياطة مصطلح. يعني عندما تخيط المصطلح فإنك تضمنه ما تريده منه حيال وضع سياسي مستقبلي، ثم تطرحه في التداول، يتم تبنيه وتناقله، فيصبح وضعاً قائماً. هنا المشكلة. ما دام بدأت الخياطة، فنحن نسير في ذلك الاتجاه للأسف».
قلق من مواجهة تركية – إسرائيلية
بيد أن «تركيا لاعب مهم» و«تربطها علاقات جيدة بالسلطات الجديدة في سوريا» و«سيكون لها، بالطبع، تأثير على ما يحدث في سوريا مستقبلاً» يقول السفير فورد، ويضيف: «الشاغل الأكبر الآن على الصعيد الدولي، في ما يتعلق بالجانب الاستراتيجي للملف السوري، ليس إيران، مع أنها مصدر قلق. لديّ قلق أكبر في شأن احتمال وقوع صدام مباشر بين إسرائيل وتركيا في سوريا، سواءً كان ذلك من خلال سلاح الجو الإسرائيلي ضد سلاح الجو التركي، أو أن يشكل الإسرائيليون قوة بالوكالة على غرار جيش جنوب لبنان قبل 40 عاماً. ثم على الجانب التركي، سيكون لديهم حلفاء سوريون». ويقلقه غياب الحوار بين إسرائيل وتركيا لأنه «إذا بدأت تركيا بنشر طائرات مقاتلة في قواعد داخل سوريا، فجأةً، سيعتبر الإسرائيليون ذلك عملاً عدائياً».
لا يعتقد البروفسور باركي من جهته أن الأمور يمكن أن تصل إلى هذا الحد، مذكراً بأن الأتراك يسيطرون على مساحة شاسعة من الأراضي في سوريا أصلاً، لافتاً إلى أن «الإسرائيليين أكثر قلقاً حيال عودة (حزب الله)، أو ظهور جهات فاعلة جديدة في جنوب سوريا، لأن (هيئة تحرير الشام) لا تسيطر على المنطقة، ولا يمكنها السيطرة عليها بالكامل». ولا يرى أكثر من المواجهة التركية – الإسرائيلية التي «ستكون سياسية في الغالب».
لا دور للأمم المتحدة
وفي سياق الكلام عن الدستور الجديد، لا يرى السفير فورد أي جدوى من القرار 2254 واللجنة الدستورية التي يشرف عليها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن. وكذلك لا يعقد باركي الأمل ذاته على الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص «إلا إذا قدم العرب الدعم لهم».
وعلى غرار كثيرين، يعتقد باركي أن «ترمب شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته»، إذ «يأتي بشيء ما يوماً ما، ويقرر ببساطة أنها فكرة جيدة. ويفعلها»، وهو «معجب للغاية، لن أقول مفتون، بإردوغان» لأنه من قماشة «الرجال الأقوياء» الذين يمكنهم القيام بما يريدون في بلدانهم.
ويؤكد باركي أنه «لا يعرف بعد عام من الآن، ناهيك عن عامين، ماذا سيحدث لسوريا، وإذا وقعت حرب أخرى في سوريا، أو انهار القانون والنظام بشكل كبير، يمكن أن تتخيل أن (داعش) سيعود. من المحتمل جداً أن الحكومة الأميركية قلقة للغاية من أنه بدون القوات الأميركية كقوة عازلة، أو كقوة ردع، فإنه في حال انهيار النظام والقانون في سوريا، ستصير هذه القوة بالغة الأهمية والحيوية».
الشرق الأوسط
——————————
بوادر انفتاح أميركي على سوريا وسط ترقب لزيارة ترامب للمنطقة/ إبراهيم العلبي
8/5/2025
منذ تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب زمام الأمور قبل شهور، ظل الملف السوري مجمدا حتى كشفت الخارجية الأميركية عن شروطها للانفتاح على الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، الأمر الذي لم يسفر، رغم الرد السوري، واللقاءات التي أجراها وزير الخارجية أسعد الشيباني في نيويورك، عن تغيير واضح في مسار العلاقات بين البلدين.
وفي خطوة ترسم صورة جديدة لاهتمام الإدارة الأميركية بالملف السوري، أكد ترامب في 5 مايو/أيار أنه ناقش “كل شيء عن سوريا” بجانب قضايا أخرى، في اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان الذي قال خلال الاتصال، بحسب بيان للرئاسة التركية، إن أنقرة تبذل جهودا لحماية وحدة الأراضي السورية وتحقيق الاستقرار، والجهود الأميركية لتخفيف العقوبات على سوريا ستسهم في هذه المرحلة.
ويرى مراقبون أن زيارة الرئيس الأميركي المرتقبة خلال الأسبوع المقبل إلى الشرق الأوسط، والتي ستشمل كلا من السعودية وقطر والإمارات، بجانب التقارب مع تركيا، وتأييد ترامب المعلن لدورها في سوريا، ستمثل نقطة فاصلة في التعاطي الأميركي مع الملف السوري الذي قد يشهد اختراقا خلال الزيارة أو بعدها.
“كل شيء عن سوريا”
تتصدر السعودية وقطر وتركيا قائمة الدول الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة التي تطالب برفع العقوبات عن سوريا بهدف إنجاح المرحلة الانتقالية وتثبيت الأمن والاستقرار وإعادة إعمار ما دمرته حرب النظام السابق على شعبه، ومن المرجح أن تؤثر مطالب هذه الدول حول مستقبل سوريا على رؤية ترامب لكيفية التعاطي مع الملف السوري، رغم تناقضها مع الرؤية الإسرائيلية.
وحول اتصاله بنظيره التركي، كتب الرئيس الأميركي على حسابه في منصة تروث سوشال قائلا “أجريتُ للتو محادثة هاتفية مثمرة للغاية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تناولت مواضيع عديدة، منها الحرب مع روسيا وأوكرانيا، وكل شيء عن سوريا وغزة، وغيرها”.
ومن جهته، قال أيمن عبد النور السياسي والإعلامي السوري الناشط في الجالية السورية بالولايات المتحدة، على حسابه في موقع إكس، إنه وصله تأكيد لأول مرة يثبت أن البيت الأبيض قد وافق على إدراج الملف السوري للنقاش بين المعنيين، ابتداءً من الفريق العامل على ذلك في مجلس الأمن القومي من إدارة ترامب مع نظرائهم السعوديين.
وذكر عبد النور أن الرئيس ترامب، وكي يحيط بكافة أبعاد الملف السوري ومواقف الدول المعنية به، وذلك قبل السفر للسعودية، اتصل بالرئيس أردوغان وناقش معه رؤيته حول الملف السوري.
ولاحقا، في تصريح صحفي بالمكتب البيضاوي، قال ترامب في 6 مايو/أيار الجاري إنه بصدد “إعلان مهم” قبيل زيارته المرتقبة إلى الشرق الأوسط، متوقعا أن يحدث ذلك نهاية الأسبوع الجاري أو مطلع الأسبوع القادم. وردا على سؤال لأحد الصحفيين في وقت لاحق، أوضح ترامب أن الإعلان ليس متعلقا بالتجارة، بل “سيكون تطورًا إيجابيًا ومذهلًا حقًا لهذا البلد ولشعبه” دون إبداء المزيد من التفاصيل.
اختراق محتمل في زيارة ترامب المنتظرة
من جهته، يرى وائل ميرزا الباحث والسياسي السوري المقيم بالولايات المتحدة أن تحاشي تركيا الرد على اعتداءات إسرائيل على الأراضي السورية -بما في ذلك استهداف قواعد يدرس الجيش التركي نشر قوات فيها بناء على اتفاق دفاعي مرتقب بين دمشق وأنقرة- يعود إلى وعود تلقتها الأخيرة من واشنطن بحصول اختراق فيما يتعلق بالملف السوري خلال زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط.
وقد تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا منذ سقوط نظام الأسد قبل نهاية العام الماضي، وبلغت ذروتها مع التدخل في الأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض ضواحي العاصمة السورية ومحيط محافظة السويداء، من خلال شن غارات جوية ونقل مساعدات وعتاد إلى مسلحين دروز. كما تخللت الأحداث غارة إسرائيلية استهدفت محيط القصر الجمهوري بدمشق.
وتحدث ميرزا في مقال تحليلي نشره في حسابه على فيسبوك عن “الأنباء المستجدة عن جاهزية تركيا العملياتية لعملية كسر عظم أولية مع إسرائيل في سوريا، وهي جاهزيةٌ تم إبلاغ أميركا والأوروبيين والعرب، ذوي العلاقة، بها” مستدركا بأن “الشيء الوحيد الذي يساهم في عدم نقل تلك الجهوزية إلى مرحلة الفعل هو وعود واشنطن بالاختراق الذي سيحصل في زيارة ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات”.
ويعتقد ميرزا أن “جنون (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، تحديداً، يتصاعد بشكل غير مسبوق مع توارد احتمالات الاختراق النوعي الذي يتم العمل عليه خلال زيارة ترامب للسعودية وقطر والإمارات فيما يتعلق بالملف السوري”.
ويظل المقصود من الاعتداءات الإسرائيلية التهديد والإنهاك المعنوي للسوريين وحكومتهم، وهي تتكرر خاصةً كلما شعرت إسرائيل بأن الترتيبات الإقليمية والدولية تسير في مصلحة سوريا الموحدة، كما يقول ميرزا “فمَن هو مطمئن لتوجهات الأمور لا يتصرف بهذه الرعونة العسكرية، ذات الأبعاد السياسية والأمنية الإقليمية والعالمية الخطيرة”.
وفي هذا السياق، كشف تقرير صحفي أن نتنياهو “يشعر بالإحباط” من سياسات الرئيس ترامب في الشرق الأوسط. وبحسب ما نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم” في 5 مايو/أيار الجاري، فإن نتنياهو أبلغ مساعديه “سرا” أن ترامب يعبر عن المواقف الصحيحة، ولا سيما بشأن سوريا وإيران، خلال الاجتماعات الثنائية، إلا أن “تصرفاته على الأرض لا تعكس تلك الأقوال”.
مع الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي
تصاعد النقاش داخل إدارة ترامب
يشير الخبراء إلى أن الإدارة الأميركية تنقسم إلى معسكرين فيما يتعلق بطريقة التعامل مع الوضع الجديد في سوريا، فبينما يفضل مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض الانتظار وعدم الثقة بالشرع وحكومته مسلطين الضوء على ماضيه الموصوم بالإرهاب في نظر واشنطن، تدافع الخارجية عن مقاربة تقوم على ضرورة المسارعة إلى ملء الفراغ الذي خلفه سقوط الأسد، لعدم السماح بعودة روسيا وإيران إلى بناء نفوذ مجددا في سوريا.
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، قد أقر -في جلسات استماع بالكونغرس لدى تسميته للمنصب- بحاجة الولايات المتحدة للانخراط في سوريا باعتبار سقوط النظام السابق فرصة للمصالح الأميركية في المنطقة، مع عدم إغفال خلفية الحكومة الجديدة.
وشهد المعسكر المدافع عن عدم الانخراط في الملف السوري ضربة بعد إقالة ترامب مستشار الأمن القومي مايكل والتز ونائبه أليكس وونغ، بعد عدم قدرتهما على إيصال أولويات الرئيس إلى الأمن القومي، بحسب تقارير صحفية.
وقال مصدر مطلع على كواليس مجلس الوزراء إن ترامب، الذي لا يفضل خوض حروب، يرى أن والتز متشدد جدا ولا ينسق بفاعلية بين مجموعة متنوعة من الأجهزة بشأن السياسة الخارجية، وهو دور رئيسي لمستشار الأمن القومي.
وأفاد تقرير لمركز سوفان الأميركي للدراسات الأمنية ومكافحة الإرهاب بأن الضغط يتزايد على ترامب لتخفيف العقوبات عن سوريا، وسط تصاعد الجدل بين المسؤولين الأميركيين بشأن سياسة البلاد تجاه سوريا ما بعد الأسد.
ويحذر العديد من الخبراء من أن الوضع الاقتصادي الكارثي يفاقم، بحسب التقرير، مزيجا متفجرا من التحديات الأمنية المرتبطة بالأقليات. وفي الوقت نفسه، فإن قوات الأمن الحكومية موزعة على نطاق واسع وبإمكانيات محدودة.
ويقول المركز إن شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوروبا يسعون إلى تكثيف جهودهم لإقناع إدارة ترامب بأن الحكومة السورية الجديدة ستنهار ما لم يتم رفع العقوبات الأميركية بشكل أكثر شمولا وديمومة.
مساعي الشرع لاستمالة ترامب
وكشف تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن الشرع بدأ حملة هادئة للفوز بالدعم الأميركي لإعادة بناء بلده من خلال سلسلة خطوات، تشمل اعتقال مسلحين أجانب، والتواصل من خلال وسطاء مع إسرائيل، وإبداء الاستعداد لإبرام صفقات تسمح لشركات النفط والغاز الأميركية بالقيام بأعمال تجارية في سوريا.
وجاء ذلك بعد زيارة إلى دمشق أجراها الأسبوع الماضي جوناثان باس الناشط الجمهوري المؤيد لترامب والرئيس التنفيذي لشركة أرجنت للغاز الطبيعي ومقرها لويزيانا، وذلك لتقديم خطة إلى الشرع لتطوير موارد الطاقة في البلاد مع شركات غربية وشركة نفط وطنية سورية جديدة مدرجة في الولايات المتحدة.
وبحسب التقرير، فإن الشرع أوصل رسالة إلى البيت الأبيض حملها رئيس المنظمة السورية للطوارئ معاذ مصطفى الذي كان يصحبه خلال اللقاء، يطلب فيها الرئيس السوري عقد اجتماع مع ترامب خلال زيارته المرتقبة لدول الخليج.
وأبدى الرئيس التنفيذي لشركة أرجنت الأميركية حماسه لانفتاح واشنطن على الشرع، ونقل مقال منشور في موقع قناة فوكس نيوز عنه قوله إن “سوريا اليوم يقودها مصلح حقيقي” داعيا الولايات المتحدة لانتهاز الفرصة التاريخية لدخول شركاتها إلى هذا البلد الذي يحتاج إلى عملية إعادة إعمار، وقطع الطريق على الصين التي تسعى بإلحاح لتقديم التمويل للحكومة السورية.
وقال باس “هذه لحظة تستطيع فيها الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ عقود إقامة علاقات تجارية واستثمارية حيوية مع سوريا، والمساهمة بالتالي في إحلال السلام في الشرق الأوسط بأسره”. ويؤكد باس أن بكين ضغطت بقوة على المسؤولين السوريين لقبول تمويلها، لكن السوريين أبدوا تخوفًا من العواقب البعيدة المدى للوجود الصيني.
زيارة الشرع لفرنسا
وتتزامن هذه الدعوات مع زيارة أجراها الرئيس السوري أحمد الشرع الثلاثاء إلى باريس، التقى خلالها نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه بدعوة من الأخير، في أول زيارة للشرع إلى أوروبا، مما يجعلها خطوة نوعية ذات دلالات تشير إلى الانفتاح الغربي النسبي والأميركي المنتظر على الحكومة السورية الجديدة، بحسب خبراء.
ورغم أن العلاقات الأوروبية الأميركية تمر بمرحلة من التناقض مع بدء الرئيس الأميركي تطبيق رؤيته فيما يتعلق بسياسات الدفاع والأمن والتجارة، فإن خطوة ماكرون بدعوة الشرع إلى الإليزيه لا تنفصل بالضرورة عن التأثير الأميركي، فهي قد تشير لاستشراف ماكرون مرحلة جديدة في تعاطي واشنطن مع سوريا.
يقول السياسي والباحث السوري وائل ميرزا إن ماكرون يستبق زيارة ترامب للمنطقة، ويحاول إظهار فرنسا بمظهر السبّاقة في إدماج سوريا في العالم من بوابة باريس.
ويضيف “من يدرس الفكر السياسي لدى الرئيس الفرنسي يعرف حِرصه على قراءة رياح التوجهات الدولية الإستراتيجية، من خلال مصادره الوفيرة، خاصةً حين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، وحرصه -بعد ذلك- على نصب أشرعته، وأشرعة فرنسا، باتجاه هبوب تلك الرياح”.
الجزيرة
————————-
وول ستريت جورنال: دمشق تسعى لإقناع واشنطن برفع العقوبات
8/5/2025
أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية بأن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع يسعى بهدوء إلى كسب دعم الولايات المتحدة من أجل إعادة إعمار بلاده التي مزقتها الحرب.
وقالت الصحيفة إن الشرع اتخذ إجراءات ملموسة لتلبية المطالب الأميركية والتواصل مع إسرائيل عبر وسطاء، كما أعرب عن استعداده لعقد صفقات تسمح لشركات النفط والغاز الأميركية بالعمل في سوريا.
وأوضح مراسل الصحيفة في أنقرة جاريد مالسين أن المهمة الأكثر إلحاحا التي تقع على عاتق الشرع تتمثل في إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب “المتشككة” بأن التغير الذي طرأ على مفاهيمه حقيقي، وبالتالي فهو يتطلع إلى رفع العقوبات التي تعيق إعادة إعمار بلاده.
وبحسب الصحيفة، فقد أقدمت الحكومة السورية في الآونة الأخيرة -بطلب من الولايات المتحدة- على اعتقال ناشطين فلسطينيين، وبعثت رسائل عبر وسطاء إلى إسرائيل تفيد برغبتها في تجنب الدخول في حرب، في وقت نشر فيه قادة الجيش الإسرائيلي قوات في جنوب سوريا، وقصفوا محيط القصر الرئاسي في دمشق الأسبوع الماضي.
وقال مسؤولون في حكومة دمشق إن الشرع يرغب في الاجتماع مع الرئيس ترامب لتبادل الآراء بشأن إعادة إعمار سوريا على غرار خطة مارشال.
وتتوقع “وول ستريت جورنال” أن الشركات الأميركية والغربية ستتغلب على نظيراتها من الصين والقوى الأخرى للظفر بعقود المشاريع.
وكشفت الصحيفة أن جوناثان باس الرئيس التنفيذي لشركة آرغينت للغاز الطبيعي المسال والمؤيد لترامب سافر الأسبوع الماضي، ليعرض على الشرع خطة لتطوير موارد الطاقة في البلاد مع شركات غربية وشركة نفط وطنية سورية جديدة مدرجة في البورصة الأميركية.
وكان رد الرئيس السوري على الفكرة إيجابيا، لكن تنفيذها لن يكون ممكنا إلا إذا خففت العقوبات، وفق باس ورئيس فرقة العمل السورية للطوارئ معاذ مصطفى الذي كان حاضرا في الاجتماع الذي استمر 4 ساعات.
وفرقة العمل السورية للطوارئ منظمة أميركية في واشنطن أُسست في مارس/آذار 2011 لدعم المعارضة السورية ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وصرح مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية السورية -لم تذكر الصحيفة اسمه- بأن سوريا الجديدة “تسعى إلى بناء علاقة إستراتيجية قوية مع الولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة والشراكة، بما في ذلك في مجال الطاقة والعلاقات الاقتصادية الأخرى”.
وقال إن دمشق تأمل أن تصبح حليفة مهمة لواشنطن ومؤثرة خلال المرحلة المقبلة في سوريا.
من جانبه، قال باس “لدينا فرصة لإخراج الروس والإيرانيين والصينيين من سوريا إلى الأبد وإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية”.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن محللين حذروا من أنه بدون دعم أميركي وبدون السماح لحكومة دمشق بالتعامل مع النظام المالي الأميركي فإن سوريا مهددة بالتحول إلى دولة فاشلة بحيث يمكن أن تصبح بؤرة لظهور جماعات متطرفة مرة أخرى، مما يفاقم زعزعة استقرار المنطقة.
المصدر : وول ستريت جورنال
الجزيرة
———————————-
=================================
عن أشتباكات صحنايا وجرمانا تحديث 08 أيار 2025
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
—————————-
أحداث العنف الطائفي في ريفي دمشق والسويداء وتداعياتها على مستقبل سورية
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
07 مايو 2025
شهدت بلدات جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، أواخر إبريل/ نيسان 2025، صدامات ذات طابع طائفي أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى من المدنيين والمسلحين المحليين وقوات الأمن العام. وقد امتدّت الصدامات من أطراف العاصمة إلى ريف محافظة السويداء التي تقطنها أيضاً غالبية من الطائفة الدرزية، على نحو هدّد باشتعال نذر مواجهات أوسع خاصة مع التدخّل الإسرائيلي، بذريعة حماية الطائفة الدرزية من مذابح طائفية. وتعدّ هذه ثاني أعنف مواجهات تشهدها البلاد منذ سقوط نظام بشّار الأسد، في ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد أحداث الساحل الطائفية التي وقعت مطلع مارس/ آذار 2025. وانتهت المواجهات الماضية باستعادة قوات الأمن السيطرة على بلدات ريف دمشق الثلاث، بعد التوصل إلى اتفاق يقضي بتسليم الأسلحة التي كانت بحوزة المجموعات المحلية، بينما تمسكت المجموعات المسلحة في السويداء بسلاحها، رغم التوصّل إلى اتفاقٍ مع الحكومة المركزية يقضي بأن يتولّى أبناء المحافظة مسؤولية حفظ الأمن فيها بعد أن يندمجوا في صفوف قوات الأمن العام.
خلفية الأحداث
تعود شرارة التوترات الأمنية التي شهدتها مناطق الأغلبية الدرزية في ريف دمشق، أواخر إبريل 2025، إلى تسجيل صوتي منسوبٍ إلى أحد رجال الدين من الطائفة الدرزية، تضمّن عبارات مسيئة للنبيّ محمد، ما أثار موجة غضب واسعة، تزامنت مع موجة من التحريض على منصات وسائط التواصل الاجتماعي. ورغم أن الشيخ الذي نُسب إليه التسجيل نفى أيّ علاقة له بالمقطع الصوتي، واعتُبر الأمر مفبركاً، واستنكر عدد من شيوخ الطائفة الدرزية محتواه، ولم يتوافر أيّ دليل على هوية صاحبه، فإنّ هذه المواقف لم تُفلح في احتواء الغضب والتجييش الطائفي ضد الدروز عموماً، ما أدّى إلى صدامات، خصوصاً في المناطق ذات التركيبة السكانية المختلطة طائفيّاً.
بدأت التوترات في المدينة الجامعية في حمص، التي شهدت حالةً من الاحتقان الطائفي على خلفية المقطع الصوتي المذكور، تطوّرت إلى اشتباكات بالأيدي بين الطلاب، ما أدّى إلى إجلاء الطلاب الدروز من المدينة. وانتقلت سريعاً إلى السويداء، داخل أحياء البدو خاصة، وأطراف دمشق. وبدأ التصعيد الأمني الأبرز من مدينة جرمانا، الواقعة على طريق المطار إلى الشرق من مدينة دمشق، مساء 28 إبريل 2025، حيث اندلعت اشتباكات في عدة مواقع، بعد أن هاجمت عناصر مسلّحة المدينة، واشتبكت مع مجموعات محلية داخلها. فتدخّل جهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية، واندلعت مواجهات مباشرة أسفرت، في حصيلةٍ أولية، عن مقتل 14 شخصاً. وامتد نطاق التوتر إلى بلدات صحنايا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق الغربي، حيث شنّت مجموعات مسلّحة (وصفتها وزارة الداخلية بأنها “خارجة عن القانون”) هجمات استهدفت مواقع أمنية ومقارّ لقوى الأمن الداخلي، ما يشير إلى انزلاق الاحتقان الطائفي إلى مواجهة مفتوحة. بناءً عليه، دفعت الوزارة بتعزيزات أمنية وعسكرية، وفرضت طوقًا أمنيّاً حول محاور الاشتباك، وأغلقت الطرق المؤدية إلى المناطق المتأثرة، في محاولة منها لتستعيد سيطرتها على المنطقة وتلاحق المتورّطين في أعمال العنف. وامتدت الاشتباكات إلى ريف محافظة السويداء الغربي، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى في أجواء مشابهة لما حصل في ريف دمشق. وكانت السويداء التي انتفضت على سلطة الأسد منذ سبتمبر/ أيلول 2023، رفضت بعد سقوط نظامه، في ديسمبر 2024، دخول قوات الأمن العام التابعة للإدارة السوريّة الجديدة إليها، ولم تسلّم الفصائل المسلحة فيها سلاحها، وعارض أحد مشايخها، حكمت الهجري، الاعتراف بالسلطة الجديدة في دمشق، وأفادت معلومات أنّ المجلس العسكري في السويداء طلب الحماية من إسرائيل.
احتواء الأزمة
أسفرت مساعي السلطات السورية بالتنسيق مع وجهاء محليين وقيادات دينية درزية عن التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في كل من جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، نصّ على أن يسلَّم السلاح الثقيل فوراً، أما السلاح الفردي غير المرخّص فيسلَّم خلال مهلة محددة، وأنّ حيازة السلاح تكون حصريّاً بيد مؤسّسات الدولة الرسمية، وعلى أن يزيد انتشار قوات الأمن العام داخل المدينة بهدف ترسيخ الاستقرار وضمان عودة الحياة الطبيعية. ويذكر نص الاتفاق أنّ من يحتفظ بأيّ نوع من الأسلحة بعد انتهاء المهلة سيُعدّ خارجاً عن القانون.
وعقدت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، في السويداء، ووجهاء من المحافظة وممثلين عن الفصائل العسكرية، اجتماعًا جرى الاتفاق فيه على توجيه مطالبهم إلى الحكومة في دمشق، وتتمثّل في:
(1): تفعيل قوى الأمن الداخلي (الشرطة) من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقًا، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصرًا، وعلى الفور.
(2): رفع الحصار عن مناطق السويداء، جرمانا، صحنايا، وأشرفية صحنايا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها فورًا.
تستغل إسرائيل التوتر الطائفي الذي تشهده سورية لتعيد رسم المشهد في الجنوب السوري
(3): تأمين طريق دمشق – السويداء وضمان سلامته وأمنه، تحت مسؤولية السلطة، وعلى الفور.
(4): وقف إطلاق النار في جميع المناطق. وقد وافقت الإدارة السورية في دمشق على بنود المبادرة التي توصلت إليها قيادات المحافظة؛ آملةً في احتواء التصعيد وإنهاء الأزمة.
تداعيات الاحتقان الطائفي ومخاطره
مثّلت الصدامات الطائفية التي شملت المناطق ذات الأغلبية الدرزية في محيط دمشق والسويداء، استمراراً للعنف الطائفي الذي بات يتنقّل، منذ سقوط النظام، من منطقة سوريّة إلى أخرى، وغدا يشكّل تهديداً حقيقيّاً لوحدة البلاد الترابية والمجتمعية، فحتى الحوادث البسيطة يمكن أن تؤدّي إلى مواجهات طائفية واسعة تشمل محافظات بأكملها. ويتفاقم هذا الوضع؛ بسبب انتشار السلاح بين الأفراد والجماعات المحلية، في غياب موقف واضح وحاسم من السلطة تجاه التجييش الطائفي والخطاب الديني المذهبي الذي يُستخدم غطاءً له. أضف إلى ذلك أن السلطة لم تتمكن من ضبط الفصائل المسلحة التي تتصرف باسمها أو ترتبط بها. ورغم أنّ أعمال عنفٍ طائفي جرت على نطاق واسع في منطقة الساحل السوري في مارس 2025، وسقط فيها أكثر من 1700 بين قوات الأمن والمدنيين، وفقًا للتحديث الأخير الذي أجرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، من بينهم أطفال ونساء، في أعمالٍ انتقامية قامت بها جماعات محسوبة على السلطة وصفتها الحكومة بأنها منفلتة، ردّاً على هجمات مجموعات لها ارتباط بالنظام السابق، فإنّ الصدامات الطائفية الأخيرة تزداد تعقيداً وخطورة، بعد أن تدخّلت إسرائيل؛ بدافع الرغبة في الهيمنة على الجنوب السوري وتحويله إلى منطقة نفوذ إسرائيلي، موظّفةً الامتداد المذهبي الدرزي بين جنوب سورية وشمال فلسطين.
وتستغل إسرائيل التوتر الطائفي الذي تشهده سورية لتعيد رسم المشهد في الجنوب السوري، حيث تفرض نوعًا من الحظر على دخول قوات الحكومة السورية إلى المنطقة، وتسعى بذلك إلى تحقيق هدفها المتمثل بتفتيت سورية إلى كانتونات طائفية، وهو سيناريو ربما تتجاوز تداعياته الحدود السورية لتشمل كل منطقة المشرق العربي، وبصورة خاصة لبنان والأردن. وفي هذا السياق، تقدّم إسرائيل نفسها باعتبارها حاميةً للطائفة الدرزية، وتحاول أن تستميلها، بوساطة مغريات مالية، وتقديم خدمات البنية التحتية والصحة، التي تعجز الحكومة السورية عن تقديمها في الظرف الراهن. وفي ترجمةٍ عملية لهذه السياسات، نفّذ سلاح الجوّ الإسرائيلي غارات استهدفت محيط بلدة صحنايا في ريف دمشق، تزامنت مع تحليقٍ مكثّفٍ للطيران الحربي في الأجواء السوريّة، وقد سبق هذه الغارات قصفٌ بطائرات مسيّرة استهدف موقعًا لقوات الأمن السورية على أطراف المدينة، زعمت إسرائيل إنّ عناصره كانوا يخططون لشنّ هجمات ضد السكان الدروز، وأسفرت الغارات عن مقتل عنصر أمني وإصابة عدد من الأفراد. وقد ربط الجيش الإسرائيلي هذه العمليات بتطورات الوضع الداخلي في سورية، حيث صرّح الناطق باسمه إنّ رئيس هيئة الأركان أصدر تعليماتٍ تقضي باستهداف مواقع تابعة للحكومة السورية، في حال استمرار ما وصفها بـ “أعمال العنف ضد أبناء الطائفة الدرزية”. وأصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، بياناً مشتركاً جاء فيه أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي نفّذ “عملية تحذيرية” استهدفت مجموعةً زعم إنها كانت تستعدّ لمهاجمة الدروز السوريين في أشرفية صحنايا، وأنّ ذلك يعدّ بمنزلة رسالة إلى حكومة دمشق لمنع أيّ أذىً ربما يلحق بالدروز. ولم يقتصر التدخّل الإسرائيلي على هذه الغارات، بل تصاعد إلى قصف جوي واسع، في إطار محاولات توظيف الاشتباكات لفرض الهيمنة على الجنوب السوري، وقد بلغت الاعتداءات مرحلةً غير مسبوقة تمثلت بتنفيذ غارات استهدفت محيط القصر الرئاسي في دمشق، إلى جانب مناطق سوريّة أخرى.
خاتمة
أصبحت حالة العنف الطائفي المتفاقم في سورية تمثّل تحدّيّاً كبيراً يهدّد استقرار الدولة ووحدة البلاد وقدرتها على التعافي من أزمتها الداخلية المستمرة منذ 14 عاماً. هذه مسألة وطنية وجودية تتطلب معالجة جذرية؛ إذ إنّ اتفاقيات التهدئة المحلية المرحلية في هذه المنطقة أو تلك لا تعدّ حلًّا ناجعًا، فالوضع يحتاج إلى حلّ شامل يقطع الطريق على مشاريع تقسيم البلاد التي تقودها إسرائيل، ويواجه التدخّل في شؤونها الداخلية بذريعة حماية الأقليات، التي عبّرت عنها مواقف بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تضع حماية الأقليات شرطاً رئيساً لرفع العقوبات عن سورية.
ما زالت الإدارة السورية الجديدة عاجزة عن التعامل مع جذور المشكلة الطائفية وتراها بعض الأوساط القريبة منها أمراً طبيعيّاً. وتتحمل هذه الإدارة مسؤولية رئيسة في رأب الشروخ بين فئات المجتمع السوري. ويتطلب هذا الأمر أن يستعيد السوريون الثقة بقدرة حكومتهم على حمايتهم، وأن تمثّلهم جميعاً من دون أن تنحاز إلى تيار سياسي أو مذهبي معيّن. ولتحقيق ذلك، على الحكومة أن تتّخذ خطوات إضافية مهمّة، في مقدمتها إشراك كلّ فئات المجتمع السوري في العملية السياسية، وتفعيل المادة السابعة من نص الإعلان الدستوري التي تحظر “إثارة النعرات والتحريض على العنف” من خلال تجريم التجييش المذهبي والطائفي العلني في سورية، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنع قوات الأمن من التمييز بين المواطنين بناءً على انتمائهم الطائفي، والتعامل مع جميع السوريين باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الطائفية والدينية والإثنية، أضف إلى ذلك المبادرة إلى إطلاق مسارٍ للعدالة الانتقالية يضمن محاسبة المجرمين ويحدّ من عمليات الانتقام خارج إطار القانون. بهذه الإجراءات، يمكن أن تنهض سورية وتخرُج من أزمتها الراهنة، وتفوّت على إسرائيل فرصة تنفيذ مخطّطاتها التي تهدف إلى تفكيك البلاد وتحويلها إلى كانتونات طائفية متناحرة.
العربي الجديد
———————————
خيار سورية الوحيد في مواجهة إسرائيل/ مروان قبلان
07 مايو 2025
منذ نشأتها على أنقاض فلسطين وأحلام الفلسطينيين، تعزَّز في وعي السوريين أن إسرائيل تمثل تهديداً عظيماً لهم، فهي في وجدانهم كيان توسعي اغتصب جزءاً من سوريّتهم الكبرى التي ما زالوا، رغم كل الخيبات، يحلمون بقيامها، قبل أن تغتصب جزءاً من سوريتهم الصغرى، عندما احتلت الجولان عام 1967 وألحقت بهم واحدةً من أقسى الهزائم في تاريخهم المعاصر. مع ذلك، ورغم كل المواجهات التي خاضوها ضدّها (1948، 1956، 1967، 1973، 1982، 2006) لم يشعر السوريون يوماً بهول التهديد الذي تشكله إسرائيل راهناً عليهم. المفارقة أنّ سورية (مهد القومية العربية ورافعة لواء وحدتها) باتت اليوم، بفعل السياسات الإسرائيلية، المرشّح الأبرز، وربما الوحيد، في المشرق العربي، المهدّدة جدّياً بوحدتها، وانهيار كيانها السياسي الذي ظهر بصورته الحالية عام 1923.
لقد استغلّت إسرائيل ظروف الأزمة السورية، والسياسات الكارثية التي تبنّاها نظام الأسد في معالجتها، لإضعافها وتدمير قدراتها العسكرية، واستخدمت استراتيجية تصعيد متدرّج ضدها على مدى عقد (2013 – 2024) إلى أن قرّرت عشية سقوط الأسد تدمير ما تبقى من أشلاء قدراتها العسكرية. لم تكتف إسرائيل بذلك، بل احتلّت أجزاء إضافية من الأرض السورية، وتتبنّى حالياً سياسة تفتيتها إلى كانتوناتٍ طائفية، عبر تدخّلها بذريعة حماية الأقليات، والتخويف من سياسات النظام الجديد.
حاولت الإدارة السورية الجديدة، منذ وصولها إلى الحكم، تفادي الصدام مع إسرائيل، فتجنّبت حتى التعليق على اعتداءاتها، اعتقاداً منها أنها تطمئن إسرائيل بذلك إلى توجهاتها على أمل أن تكفّ عنها. لا بل ذهب نشطاء محسوبون على الإدارة الجديدة إلى اعتبار تدمير إسرائيل قدرات جيش النظام المنهار، شأناً لا يعنيهم، لأن هذا الجيش وعتاده كانا الخصم الفعلي للشعب السوري. اليوم، ومع تحوّل إسرائيل تهديداً وجودياً لسورية، وتحدّيّاً لوحدتها ونظامها الجديد، ما عاد بالإمكان الاستمرار في غرز رؤوسنا في الرمال درءاً للخطر، بل صار محتّماً فعل شيء لمواجهته، فما هي الخيارات التي تملكها سورية الجديدة؟
الخيار الأول؛ استعادة شيء من توازن القوى، ليصير بإمكان سورية الدفاع عن نفسها. لكن هذا الخيار يحتاج مالاً كثيراً لا تملكه سورية حاليّاً لتعويض العتاد الذي دمّرته إسرائيل، وإلى سنوات من البناء والتدريب والإعداد (ثلاث إلى خمس سنوات)، هذا في حال، طبعاً، أوقفت إسرائيل اعتداءاتها، وسمحت لسورية بإعادة بناء قدراتها العسكرية.
الخيار الثاني؛ الاحتماء بقوة إقليمية أو دولية (تركيا أو روسيا). وهذا أيضا غير متاح، لأن تركيا ليست في وارد الدخول في مواجهة مع إسرائيل بسبب سورية، كما أوضحت ذلك علناً، كما أنها باتت تلزم الحذر أكثر، في ما يتعلّق بخطط زيادة وجودها العسكري على الأراضي السورية، بعد الضربات التي وجّهتها إسرائيل للقواعد المحتمل لتركيا التمركز فيها، مثل مطار حماة ومطار التيفور وغيرها. والاحتمال الأرجح هنا نشوء تفاهم (تقاسم نفوذ) تركي- إسرائيلي في سورية، لكن هذا لن يحمي دمشق والجنوب السوري بالضرورة لأنها ستتحوّل، في هذه الحال، منطقةَ نفوذٍ (عمليات إسرائيلية) في مقابل اقتصار النفوذ التركي على الشمال وصولاً إلى حماة. أما روسيا، فهي، أيضاً، وبخلاف التعقيدات التي ما زالت قائمة في علاقتها بالنظام السوري الجديد، لن تدخل في مواجهة مع إسرائيل من أجل أحد، وهي لم تفعل ذلك من أجل حليفها السابق (بشّار الأسد) فلماذا تفعل ذلك من أجل نظام تساورها بشأنه الشكوك. العرب أيضاً لا يبدو أنهم قادرون على التأثير في السياسات الإسرائيلية تجاه سورية، ولن تقدّم بيانات الاستنكار، التي يُمطرون إسرائيل بها بسبب اعتداءاتها على سورية، في شيء أو تؤخّر.
الخيار الثالث المتاح حالياً يتمثل في سدّ الذرائع في وجه التدخلات الإسرائيلية، والاستقواء بالداخل السوري في مواجهتها بدل البحث عن الحماية منها في الخارج، وهذا لن يجري إلّا بتبني خطاب وطني جامع يعالج الشروخ الاجتماعية العميقة التي مزقت البلد على مدى سنوات الصراع، واضطلاع الدولة بواجب حماية كل مواطنيها، وإشراكهم في إعادة بناء مؤسّساتها، بحيث يشعر كل سوري أنه جزء من هذه الدولة، ومواطن أصيل فيها، يتساوى في الحقوق والواجبات مع بقية المواطنين، فيصبح مستعدّاً للدفاع عنها، طالما أنها تدافع عنه، عندها لا تعود هناك “أقليات” تتذرّع إسرائيل للتدخّل بحمايتها، ومحاولة تفتيت سورية على مذبحها، بل سورية واحدة موحدة تقف في وجهها.
العربي الجديد
———————————-
سوريا والصيد في الماء العكر/ جلبير الأشقر
6 – مايو – 2025
لقد عوّدتنا إسرائيل على صيدها في الماء العكر، وهو تعبيرٌ يعود أصله إلى تجربة الصيادين في الأنهر حيث تسهّل المياه الوحِلة اصطياد الأسماك. وطالما اهتمت الدولة الصهيونية بزرع الفِتَن وتسعير نارها سعياً وراء إعادة رسم خارطة المنطقة المحيطة بها على شاكلتها، أي بحيث يغلب منطق التفتيت الطائفي والإثني على منطق المواطنة والولاء المشترك لدولة تُصهر الجماعات الطائفية والإثنية في بوتقة واحدة مع حفظ حقوقها. وفي سعيها المستوحى من قاعدة الإمبراطورية الرومانية الشهيرة «فرِّق تسُد»، جهدت إسرائيل منذ نشأتها في استغلال ما وجدته من فروقات في محيطها المباشر والأبعد، لاعبة على أوتار الأقليات الطائفية إزاء الأغلبية السنّية الإقليمية والأقليات الإثنية إزاء الأغلبية العربية: دروز، مسيحيون، كُرد، وسواهم، بل وشيعة في زمن شاه إيران قبل أن تنقلب بلاد الفرس إلى بؤرة معاداة لإسرائيل وتساهم بدورها في تأجيج الطائفية الشيعية في محيطها العربي سعياً وراء مدّ نفوذها الإقليمي.
ومن هذا المنظور، فإن سلوك الدولة الصهيونية في سوريا منذ انهيار نظام آل الأسد ليس بالمفاجئ أو الغريب، بل هو من المعتاد والطبيعي للغاية. وقد استغلت إسرائيل ذاك الانهيار كي تدمّر القسم الأعظم من الطاقة العسكرية التي كان النظام المخلوع يحوز عليها، بحيث تُضعف بصورة جذرية «هيئة تحرير الشام» (هتش) في مسعاها الرامي إلى الحلول محلّ النظام البائد في بسط سيطرتها على القسم الأعظم من الأراضي السورية. وقد انتهزت إسرائيل فرصة فراغ السلطة كي تمدّ سيطرتها وراء حدود احتلالها لهضبة الجولان كما استقرّت بعد حرب 1973، وذلك في غايتين شفّافتين، إحداهما تعزيز إطلالتها الاستراتيجية على شطر لبنان الجنوبي والأخرى تسهيل توغّلها داخل الأراضي السورية نحو المناطق ذات الأغلبية الدرزية.
أما المواجهات الأخيرة، فدارت بين حكم هتش والجماعات الجهادية المنضوية تحت لوائه، من جهة، والمسلّحين الدروز العاملين على حماية أهلهم ووقايتهم من وصاية حكم لا يراعي حقوقهم، وهو ما سبق أن فرضوه على النظام البائد نفسه على الرغم من ادّعائه حماية الأقليات، وما يحرصون على صونه اليوم، وكم بالأحرى، إزاء حكم جديد تضمّ قواته المسلّحة جماعات سنّية متطرّفة معادية لشتى أقليات البلاد. والحال أن حكم هتش عجز حتى الآن عن إقناع سائر سكان سوريا، بمن فيهم قسم واسع من السوريين العرب السنّة، بصدق نيّته في إرساء نظام مدني ديمقراطي لا طائفي، جامع لشتى مكوّنات الشعب السوري على أساس احترام خصائصها.
وهنا بيت القصيد: فإن الاصطياد الصهيوني في الماء العكر يقتضي أول ما يقتضي تعكيراً للمياه. فلا تلومنّ الكُرد، الذين عانوا الأمرّين من الاضطهاد الشوفيني البعثي طيلة عقود قبل انتهازهم فرصة الحرب الأهلية كي يفرضوا حكمهم الذاتي في مناطق تواجدهم في الشمال الشرقي. ولا تلومنّ العلويين الذين تعرّضوا في شهر آذار/ مارس الماضي لمجزرة طائفية بشعة، شارك فيها رجالٌ يلبسون بدلات حكم هتش، وسقط ضحيتها عدد من المدنيين يناهز 1700. ولا تلومنّ الدروز الذين تعرّضوا لهجمة طائفية بحجة فيديو مفبرك ومنسوب إلى شيخ من طائفتهم، بما لا ينطلي سوى على الذين تعميهم كراهية طائفية مسبقة.
إن اللوم يقع في المقام الأول على الذين نسبوا انهيار نظام آل الأسد إلى أنفسهم حصراً، بينما كان لإسرائيل الدور أكبر في خلق شروط إسقاطه من خلال الضربة الحاسمة التي وجّهتها لقدرة إيران على التدخل لنجدته، سواء من خلال «حزب الله» اللبناني أو بإرسال قوات من إيران والعراق. فكان ينبغي أن تقرّ هتش متواضعةً بحدود قدراتها الذاتية، التي هي أضعف حتى من قدرات القوات الكُردية في الشمال الشرقي، وأضعف بكثير من أن تستطيع بسط سيطرتها على المناطق العربية التي كان النظام المخلوع يهيمن عليها بمعونة روسيا وإيران.
بدل ذلك، أصيب أحمد الشرع بنشوة الحلول محلّ بشّار الأسد في قصره الرئاسي (حتى أنه أخذ يشبه نسخة ملتحية عن الرئيس المخلوع) وتصرّف كأنه قادرٌ على الهيمنة على كامل الأراضي السورية، ونصّب أولاً حكومة إدلب الهتشية حكومةً لعموم سوريا، وشكّل من ثمّ حكومة جديدة تحت هيمنة هتشية، اقتصر فيها «تمثيل» مكوّنات الشعب السوري على حد أدنى رمزي لم يُقنع أحداً (أسوأ ما فيه تمثيل أغلبية الشعب السوري النسائية والأقلية المسيحية بشخص امرأة واحدة وحيدة) ووعد بسيرورة دستورية تشوبها العيوب ذاتها، كما أوحى بأن سوريا لن تشهد انتخابات قبل أربع سنوات.
بدل كل ذلك المنافي تماماً لما تحتاج سوريا إليه، كان ينبغي سلوك الطريق الوحيد التي بإمكانها أن تؤدّي إلى إعادة توحيد البلاد. وقد أشرنا إليها منذ البداية (أنظر «كيف يُعاد بناء الدولة السورية؟» على هذه الصفحات، 17/12/2024) ألا وهي طريق الدعوة إلى مؤتمر شامل تتمثّل فيه كافة مكوّنات الشعب السوري السياسية والطائفية والإثنية، وتتمثل فيه النساء بصورة متناسبة مع نسبتها من السكان، وتنبثق عنه حكومة مؤقتة تشارك فيها تلك المكوّنات وتمهّد لانتخاب مجلس دستوري في مهلة زمنية لا تتعدّى السنة، كي يقوم المجلس المذكور بصياغة مشروع دستور جديد بغية عرضه على استفتاء شعبي، مع اشتراط نيله أغلبية الثلثين كي يدخل حيّز التنفيذ. هي ذي الشروط التي وحدها بإمكانها تنقية المياه السورية وطمأنة شتى مكوّنات الشعب السوري. أما ما قام به حكم هتش حتى الآن، فهو يزيد من تعكيرها بصورة خطرة، بما يفسح المجال أمام شتى الصيّادين الإقليميين في الماء العكر، وعلى رأسهم الدولة الصهيونية.
كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي
——————————–
تركت المخطوفين بغزة واهتمت بدروز سوريا: ماذا تريد إسرائيل من الشرع وأردوغان؟
منذ بضعة أشهر ونحن نعرف كل شيء عن الإصابات في مواقع الذخيرة في سوريا، من إرث بشار الأسد. تفيد الفرضية بأنه سلاح ربما يهدد إسرائيل تحت نظام أحمد الشرع، الحاكم الجديد والجهادي القديم. غير أن حكومة إسرائيل والجيش الإسرائيلي لا يشرحان ما يقصدانه بالضبط.
مؤخراً، أضيف هدف وجودي للهجمات في سوريا: إنقاذ الدروز الذين يهددهم الرئيس الجديد. الناطقون بلسانه يقولون إنه يريد توحيد كل القبائل المتفرقة في سوريا بخاصة في منطقة دمشق، حول حكومته. وكما يبدو هذا اليوم، فإن حكومة إسرائيل تعارض ذلك، وتهاجم قرب القصر الرئاسي في دمشق. وشرح وزير الدفاع إسرائيل كاتس: “عندما يستيقظ الجولاني صباحاً ليرى نتائج الهجوم سيفهم جيداً بأن إسرائيل مصممة على منع المس بالدروز في سوريا، وبأن واجبنا حماية الدروز في سوريا من أجل إخواننا الدروز في إسرائيل وولائهم للدولة. هراء. وحدها حكومة مجنونة تترك المخطوفين في غزة لمصيرهم وتحرص على الدروز في دمشق – وفي الحالتين لمواصلة “القتال” من أجل البقاء السياسي.
بغياب إيضاحات من جانب الحكومة وجهاز الأمن، أميل لتصديق شيرين فلاح صعب في “هآرتس” التي تدعي بأن السكان الدروز في سوريا يدعون بأن “تدخل رئيس الوزراء ووزير الدفاع أضاف الزيت إلى النار وأثار قلقاً شديداً”. أما زعماء الطائفة الدرزية في سوريا فقد أعلنوا: “نؤكد مواقفنا الوطنية الصلبة في كوننا جزءاً لا يتجزأ من الوطن السوري الموحد. يجب تثبيت الأمن في أرجاء سوريا. هذه مسؤولية الدولة”.
لا فكرة لدي عما يحصل في مملكة السر لسياسة الجيش الإسرائيلي والحكومة في موضوع الدروز في إسرائيل وسوريا ولبنان. هنا لن تجدي مؤامرة حكيمة أو تقدير وضع يدعي التعمق. ولا معلومات عامة يمكن التمسك بها لنفهم ماذا تريد إسرائيل. مثل الجميع، أعرف أن هضبة الجولان هي المصلحة الإسرائيلية العليا في الساحة الشمالية. واضح أن الرئيس السوري الجديد لن يتنازل عنها، وهو مسنود من الجامعة العربية والأمم المتحدة. الشرع جهادي في بدلة، ولا نعرف مدى تمويه تلك البدلة، وهو إرهابي متعطش لدماء اليهود. قبل نحو أسبوع، علم أن الجهادي إياه تلقى مباركة الجامعة العربية، ويريد الانضمام إلى اتفاقات إبراهيم.
وبين مصدر أمني إسرائيلي أن “من يبيع سوريا لأردوغان لا يريد الانضمام إلى الاتفاقات”. ومؤخراً، بالفعل، سجل صدام بالصدفة بين عضلة إسرائيلية وعضلة تركية في سماء سوريا. فهل يريد الشرع أن يوجه الدولة الخربة هذه لتصبح كياناً سياسياً سليماً؟ وهل سيؤجل، لبضع سنوات على الأقل الله أكبر ودين محمد بالسيف؟ إذا كان نعم، فهي “بضع السنوات” وسيكون ممكناً فيها الوصول معه إلى تفاهمات ترضيه وترضينا. “تلك” بضع السنوات التي تتمناها إسرائيل، على أمل بحكومة معقولة بدلاً من حكومة الأغراض التي ستختفي من البلاد، وتخلق الآن جبهة إضافية.
ران أدليست
معاريف 7/5/2025
القدس العربي
—————————–
هل تتحوّل “المُساكنة” الطائفية في سورية زواجاً مُعلناً؟/ عبير نصر
07 مايو 2025
تزامنت التشوّهات الجغرافية في سورية مع تقلّباتٍ عسكرية عاصفة بعد عام 2011، لعجزها في إدارة الحراك السياسي توافقياً بعيداً عن التعنّت والاقتتال، فأخذت بُعداً مختلفاً بعدما أُبرم، إنْ أمكن التعبير مجازياً، ما يشبه عقد زواجٍ عُرفي بين دويلاتٍ ثلاثٍ مبنيّةٍ على أسسٍ عرقية وطائفية: دويلة الأكراد، حكومة إدلب، سورية المفيدة. عقدٌ مشوّه أنتج خللاً بنيوياً ومشكلات مستدامة في سعيه المتعجّل إلى الهيمنة. وبعد سقوط نظام الأسد، أُضيف مزيد من التعقيد إلى المشهد السوري المأزوم، إثر بروز مشروع يستحوذ على الفضاء العام يستمدّ شرعيته من حجم الاحتراب الداخلي بين السوريين أنفسهم، يسعى إلى تقسيم سورية بخفّة سياسية إلى مناطق أكثر تشرذماً، ومن دون إثارة الهواجس الوطنية والاستفزازات، الأمر الذي يعكس رؤية إسرائيل حول إعادة تشكيل وجه الشرق الأوسط الجديد. ومن المفيد الإشارة إلى أنّ مجلس الوزراء الإسرائيلي كان ناقشَ اليوم التالي بعد سقوط الأسد، وفقاً لصحيفة يسرائيل هيوم، وانتهى باقتراح الدعوة إلى تقسيم سورية، بدعوى ضمان أمن جميع المكوّنات السورية وحقوقها، ولم يتم الكشف عن ذلك إلا أخيراً، إذ يصعُب تحصين المجتمع السوري وترسيخ هويته المحلية، ما يتطلّب مراجعة نقدية، جادة ومسؤولة حول ضرورة توحيد السوريين، باعتبارهم السدّ المنيع أمام مشاريع التفتيت، فلا يمكن بناء مستقبل آمن إلّا بتجاوز رواسب تركة الأسد، والانطلاق نحو مُصالحةٍ وطنية شاملة، فالتاريخ السوري يُكتَب الآن بالفعل، ويتطلب الأمر الكثير من المرونة البراغماتية التي من شأنها إنتاج خطاب وطني معزّزٍ بسلسلة من الترضيات والتوافقات السياسية والاجتماعية.
في السياق، وعلى الرغم من خلفيتها الإسلامية المتشددة، امتنعت الحكومةُ الجديدة عن توجيه أيّ خطاب مناهض لإسرائيل التي تحاول إيجاد مناطق عازلة عصيّة على الاختراق، تؤمّن العمق الاستراتيجي لها تجنّباً لأيّ طوفان هادر آخر، وتعمل على الاستثمار الذكي في التصدّعات الطائفية واللعب على الأوتار السورية المشدودة. تفرض استراتيجية غزو جديد تقوم على العُقد الأيديولوجية لإيجاد مشرقٍ عربي على شاكلتها تماماً، متمحورٍ حول هويته الدينية المتطرّفة. لذا تتّخذ تل أبيب موقفاً عدائياً ضد دمشق، تصاعدَ بعد الضربات القاسية فجر يوم 3 مايو/أيار الجاري، طاولت محافظاتٍ عدّة، مؤكّدة أنّ الحرب لن تنتهي إلا بتقسيم سورية. والذرائع حاضرة بالطبع: تُقيم إقليماً جنوبياً بحجّة حماية الدروز، وشرقياً كردياً، أيضاً إقليماً غربياً علوياً بذريعة أنها لن تسمح بإقامة خلافةٍ إسلامية على شواطئ البحر المتوسط، وهكذا يبقى الإقليم السنّي معزولاً عن إخوانه، فيفشل العزل القسري في إحداث توافقٍ نسبي بين الدويلات الهشّة على نحو ما سبق ذكره، ليغدو الاستقطاب قوياً ومُنذراً بكثير من المخاطر والتحديات.
عموماً، تبقى مسألةُ حماية الأقليات الشماعةَ التي تُعلَّق عليها مصالح اللاعبين الكبار في سورية، ولها في الواقع معطيات حاضرة، بداية بمجازر الساحل الدامية، والتهمة دعم انقلاب فاشل نفذته فلول النظام البائد، مروراً باشتعال السويداء، والسبب تسجيل صوتي مفبرك تضمّن شَتْم النبي محمد (ص)، أكّدت وزارة الداخلية أنّ المتهم (الدرزي) بريء منه، وليس نهاية بعقد مؤتمرٍ كردي طرحَ مشروع حكم ذاتي لا مركزي بعدما عاجلهم البيان الدستوري فتشظّت أحلامهم نتفاً.
بالتالي، من المشروع السؤال إلى أين تتجه سورية بينما يجلس دونالد ترامب يتحدّث بفخرٍ عن صداقته بتركيا وإسرائيل، حريصاً على إقامة بازارٍ سياسي استعراضي بينهما وصولاً إلى تفاهمٍ سلس لاقتسام بلد ليس بلدهم؟! ولهذا التقسيم هيكلية جاهزة على الأرض، قد تنسجم معه مرّة وقد تخالفه مرّات، ووحدهم السوريون يصنعون هذا الفارق لتعزيز مشروع تقسيم المقسّم أو إيقافه. هم الذين فشلوا طوال قرن في بناء دولة وطنية يتعثّرون مجدّداً لاعتبارات كثيرة، يتعلّق معظمها بالأحقاد الطائفية المُعلّقة منذ عهد نظام الأسد. على التوازي، من المرجّح، وفي ظلّ المناخ الوطني المتشنّج الذي غدا أرضاً سريعة الاشتعال، أن تغدو البلاد جسداً مريضاً يُداوى بفيدرالية فاشلة لن تخلو، حكماً، من الصراع والمواجهات.
وبالكيفية نفسها، ينطبق الحال على اضطهاد الأقليات، كونه جرس إنذار مبكّر لوقوع الكارثة، إذ، ولهول ما يحدُث، تتعالى أصواتٌ تطالب بالتدخل الدولي على أقلّ تقدير، تعزّزها “فزعات” الإبادة الطائفية التي تستقطب آلاف الغاضبين بدعوى الجهاد ضد المتمرّدين. هذه “الفزعات الفزّاعات” أوضحت، بما لا يدعو إلى الشك، أنّ ميثاق التعايش المشترك أصبح شبه مستحيل. ومهما يكن من أمر التقسيم الجغرافي، الأخطر منه الجدران العازلة والشاهقة التي شيّدها نظام الأسد بين السوريين، والتي أنتجت بنىً اجتماعية متباينة في أهدافها، ما يعني أنّ التشظّي كامنٌ في الوعي الجمعي، يظهر من خلال التصاق السكان العضوي بالسلطات المُقامة بحكم الأمر الواقع فيما سُمّي “الانسجام الديمغرافي”. ويبدو أنّ الفسيفساء السورية لم تكن مجرّد مزحة ساذجة، بل لعنة قاتلة، وكلّ طائفة تجهد اليوم في صناعة كيان بديل يحمي وجودها وبأيّ ثمن.
سيؤسّس ذلك كله تباعاً لواقعٍ تقسيمي غير معلن مرشحاً بقوة للتحول إلى شكل نهائي يصعُب تغييره، وسيزيد المعادلة السورية استعصاءً ومرارةً أن يغدو الدرزي في إسرائيل، مثلاً، أقرب إلى درزي السويداء من ابن درعا، وعلوي لواء اسكندرون أقرب إلى علوي اللاذقية من ابن إدلب، ومسيحي لبنان أقرب إلى مسيحي دمشق من ابن الغوطة… وهكذا دواليك، ما سيخلّف شرخاً كبيراً بين السوريين يصعب إنكاره، وكلّ مكوّن يُلحق به صفة مُشينة ومُطلقة: الأكراد انفصاليون، الدروز خونة، العلويون فلول، المسيحيون ضالّون، السنّة إرهابيون…. إلخ.
وبصدد مآلات الملفّ السوري، كان طرحَ وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر فكرة تقسيم سورية: (هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار الأسد، انتصار السنّة، تعايش مختلف القوميات معاً، ولكن في مناطق مستقلّة ذاتياً، فلا تقمع بعضها بعضاً). ومع تحقّق السيناريو الثاني، لا يبدو أنّ إسقاط عهد الأسد سيُعلن خاتمة المأساة السورية، بينما يبدو المشهد الملتهب في مجمله مجرّد تصفية حساباتٍ قديمةٍ بين السوريين، وبداية لمراحل جديدة من التعثّر في بناء دولة موحّدة تعاني أصلاً من انقساماتٍ عميقةٍ ومتجذّرة. يزيد الطين بلّة انهيار المؤسسات جميعها تاركة خلفها خرائب دولة وشعباً منهكاً. وعليه، ليس موضع تشكّك أو جدال الجزم أنه يسهل تفجير فتنة طائفية في أيّ وقت، ولأتفه الأسباب، في مجتمع مهزوم ومشبع بالتوحش الخامل كالمجتمع السوري، الذي ينتقل بسلاسةٍ مريبةٍ إلى دمار كامل تحوّطه حدود الدم، وتسكنه أنقاض بشرية مُغيّبة ومذعورة لا تفعل شيئاً، وللمفارقة، سوى أن تقتل وتتألم.
نافل القول… عندما يسقط مشروع المواطنة بقدرٍ كبير من الخسائر والانتكاسات، وينتصر العنف، موقعةً إثر موقعة، يتفشّى ما يشبه الوباء العام المُعدِي، فتُمحى الحدود بين المتديّن والملحد، وبين المثقف والأميّ، ليمارسوا الفعل الطائفي الإقصائي ذاته، ويتنامى لدى “الأكثرية” كما “الأقلية” شعورٌ ضمني بأنها مستهدفة، فتزداد حساسيّتها بالتعامل مع خصوصياتها ومقدّساتها، أيضاً مكتسباتها السياسية وقد باتت في موضع قوة، لذا تتعامل بقسوة مفرطة مع من تظنّهم أعداءها إذا أتيحت لها فرصة التسلط والاستعداء، ويكون الانطلاق دائماً من الوحش الطائفي الذي ربّاه نظام الأسد داخل كلّ سوري، متمخضاً اليوم عن تفريخ كثير من “الجلادين – الضحايا”.
العربي الجديد
———————————
اتفاق السويداء يفتح شهية العلويين على مطالب مماثلة/ مصطفى محمد
الأربعاء 2025/05/07
لم يكد الاتفاق الذي توصلت إليه دمشق مع مشايخ ووجهاء محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، يدخل حيز التنفيذ، حتى بدأت المطالبات من أبناء الطائفة العلوية باتفاق مماثل، لتجد الدولة السورية نفسها أمام وضع صعب.
فبعد ساعات من الكشف عن بنود الاتفاق، ومنها تفعيل قوى الأمن الداخلي والضابطة العدلية من أبناء السويداء ذاتها، علت الأصوات في أوساط الطائفة العلوية المطالبة بتسليم الساحل السوري لعناصر من أبناء المنطقة ذاتها، وذلك لوقف “الانتهاكات” التي تُسجل في المنطقة.
مطالب ضرورية
ويؤيد الكاتب السياسي راتب شعبو هذه المطالب، ويقول لـ”المدن”: “أرى أنها مطالب محقة وضرورية أيضاً في ظل الاستباحة التي تمارسها فصائل لا تعرف أي التزام بالقانون ولا تعترف سوى بقانون الغلبة”.
ويضيف شعبو أن الطبيعي أن تبادر السلطة غير القادرة على حماية الناس، لا سيما من أبناء المذاهب غير السنية، إلى طرح فكرة تشكيل حماية محلية من الأهالي حتى تتمكن الدولة من لجم هذه الفصائل.
لكن مع ذلك يستبعد شعبو الذي ينتمي للطائفة العلوية، أن تستجيب الدولة السورية لمطلب أبناء الساحل، ويفسر ذلك بعدم امتلاك أهالي الساحل السلاح كما هو حال فصائل السويداء، ويقول: “لا يملك أهل الساحل ذلك لأنهم سلموا أسلحتهم في غالبيتهم وتأملوا خيرا من الفصائل التي ذبحتهم بجريرة عناصر مجرمة لا صلة لهم بها”.
ويضيف “أعتقد أن الحكومة يمكن أن تتجاوب مع أهل السويداء لأسباب معروفة دون أن تسحب الأمر على الساحل المستباح والمتروك للرعب والقلق وكانّه لا ينتمي إلى دولة”، على حد تعبيره.
مطبات أمام اتفاق السويداء
لكن اتفاق السويداء نفسه لا يسير بالسلاسة الكافية. فإلى جانب تسليم أمن السويداء لعناصر الشرطة من أبناء المحافظة ذاتها، ينص الاتفاق على تأمين طريق دمشق السويداء، وسط هدوء حذر يشوب المحافظة.
ويقول المتحدث باسم حركة “رجال الكرامة” باسم أبو فخر، إن الاتفاق خفّض منسوب التصعيد في السويداء، لكنه لم يُنهِ التوتر، بسبب محاولات جهات لم يسمِّها، إثارة الأعمال العسكرية، ومواصلة التعديات، يقابلها استنفار الفصائل المدعومة من الأهالي على حدود جبل حوران.
ويشير أبو فخر في حديث لـ”المدن”، إلى تعرض بعض قرى السويداء إلى “تعديات” من جهة محافظة درعا، قائلاً: “نشهد محاولات من بعض المجموعات لإثارة الفتنة، لأن الاستقرار يتعارض مع مصلحتها”.
والأحد، شهدت مناطق الدارة والثعلة، مواجهات بين مجموعة مسلحة من عشائر البدو من جهة، وفصائل السويداء، ما أدى إلى حركة نزوح في المنطقة.
مع ذلك، يبدي أبو فخر تفاؤلاً بعدم فشل الاتفاق، ويقول: “نسعى بكل جهودنا عسكرياً وسياسياً لعدم فشل الاتفاق، لكن العقبات كثيرة جداً”.
وفي السياق، يعتبر مصدر رسمي أن اتفاق السويداء يسير في “الاتجاه الصحيح”. ويقول المصدر لـ”المدن”، إن “هناك حالة من الاتفاق بين السويداء وعشائر الجنوب السوري على تجاوز الفتنة، وطريق دمشق- السويداء بات مفتوحاً”.
وعلى وسائل التواصل، أشاع اتفاق السويداء حالة “عدم رضا” في بعض الأوساط السورية، بسبب ما اعتبروه “رضوخاً” من الدولة لمجموعات السويداء، وما زاد من انتشار ذلك، مواصلة الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على المناطق السورية، بذريعة “حماية الدروز”.
المدن
——————————–
ما بعد السقوط… هل نجونا؟/ ريما فليحان
07.05.2025
حلمنا يلفظ أنفاسه الأخيرة والأوطان لا تُبنى بالكراهية ولا تقوم على المجازر والاستهتار بتطلعات الشعوب ومن دون أن تأخذ بلادنا مساراً مختلفاً، فكثر من السوريين سيبقون على ثورتهم الأولى…
أتابع بمرارة وألم ما يحدث في وطني سوريا بعد سقوط نظام الأسد المجرم، الذي ناضلنا جميعاً كسوريين للخلاص منه، في سبيل حلم لطالما راودنا: دولة ديمقراطية مدنية، يتساوى فيها الجميع من دون تمييز. ولكن، هل وصلنا حقًا إلى هذا الحلم، هل نجونا؟
منذ أن استلم أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ”الجولاني”، زمام السلطة، راودني القلق – كما راود كثيرين – من خلفية هذه الجماعة التي استحوذت على الحكم. ومع ذلك، حاولنا أن نتفهم ونمنحهم فرصة لإثبات نواياهم، خصوصاً مع ادعائهم بأنهم تغيّروا، وأنهم يسعون الى مرحلة جديدة تشمل كل السوريين. لكن الأقوال لم تقترن بالأفعال.
تحدثت السلطة عن حكومة انتقالية، ومؤتمر وطني، وإعلان دستوري، وعدالة انتقالية، لكن الواقع أثبت أن هذه الشعارات لم تكن إلا أدوات شكلية تُكرّس سيطرة هيئة تحرير الشام، بما تمثّله من إرث عقائدي وفصائل تابعة لها، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وعلى رغم إدراكي حجم التحديات، من الانهيار الاقتصادي إلى الاحتقان الطائفي وفلول النظام السابق، إلا أن طريقة تعامل السلطة الجديدة مع هذه التحديات كانت صادمة، وفيها من الإهانة والاستهتار بتضحيات السوريين ما يؤرق وما يؤلم.
عند دخول الجماعات المسلّحة إلى دمشق ومعظم المدن السورية بعد هروب الأسد، كان أول استحقاق وطني هو حماية الأدلة المتعلقة بجرائم الحرب والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، لضمان المحاسبة. لكن ما حصل كان العكس: فوضى عارمة عمّت مراكز الاعتقال، وتُركت الأدلة للعبث، وتحوّلت المقابر الجماعية والسجون إلى مسرح للاستعراض الإعلامي، من دون احترام لحرمة الضحايا أو مشاعر ذويهم.
لم تُمنح حتى الآن الآلية الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة IIIM صلاحية مباشرة أعمالها في سوريا، ولم تُؤسَّس هيئة للعدالة الانتقالية، وهو ما يهدد السلم الأهلي ويفتح الباب للانتقام العشوائي والفردي.
أُجري حوار وطني شكلي مطبوخ على عجل وبشكل لا يرتقي الى حاجة وطن خرج من مقتله. أُعلن حتى قبل اكتمال الإعداد له أن نتائجه غير ملزمة، وأعلنت الفصائل مبايعتها الشرع قائداً من دون أن تُسلّم سلاحها للدولة عملياً، فبقيت تتصرف كقوى منفلتة. وقد رأينا جميعاً نتائج ذلك في مجازر الساحل، التي بدأت بمواجهة الفلول وانتهت بقتل مئات المدنيين الأبرياء، بينهم أطفال ونساء، وإذلالهم والانتقام منهم.
تصرّ هذه السلطة على الانغلاق على نفسها، ولا تثق إلا بجماعتها – أي هيئة تحرير الشام ومن يدور في فلكها – من دون إشراك فعلي لباقي السوريين والسوريات أو إنشاء قنوات تواصل رسمية معهم. وجاء الإعلان الدستوري ليزيد الطين بلة، إذ تركّزت السلطات بيد الرئيس من دون أية آلية للمحاسبة. ولم تتجرأ السلطة الحالية حتى اللحظة على ذكر كلمة الديموقراطية في خطاباتها.
أما الحكومة المؤقتة، فقد شُكّلت بطريقة لا تمثّل السوريين، بمشاركة رمزية لامرأة واحدة على رغم كل النضالات والتضحيات التي بذلتها النساء السوريات قبل الثورة وأثناءها. لا تستحق النساء السوريات أكثر من وزيرة واحدة في نظر السلطة الحالية، بل إن شخصيات تابعة للسلطة أتحفتنا قبل ذلك بالحديث عن الدور النمطي للنساء الذي يناسب طبيعتهن الفيزيولوجية.
ضمت الحكومة أيضاً ثلاثة وزراء من الأقليات، وأُعطيت صلاحيات رقابية لمجلس الفتوى حتى على الحكومة ذاتها (التي يرأسها الشرع) من دون تبرير أو مسوغ قانوني يتناسب حتى مع الإعلان الدستوري الذي خرجوا به. وعلى الرغم من وجود وزراء تكنوقراط ضمن تشكيلة الحكومة، إلا أن الأداء سيكون مقيداً بالصلاحيات التي تحدد لهؤلاء الوزراء، وهو قد ما يعرقل نجاحهم في الدفع بالبلاد الى مستقبل أفضل.
لم تعترف السلطة بآلية الانتخابات لمجالس النقابات، وتم تعيين تلك المجالس بشكل مباشر، كما عُطلت الضابطة العدلية، وعُيِّن خريجو الشريعة مسؤولين عن بعض المحاكم بدلاً من خريجي القانون، وفي سياق آخر شكلت بشكل موازٍ هيئات محلية للبت بالخلافات والقضايا المدنية معظم من فيها رجال دين وكأننا نعود بمجتمعنا إلى شكل ما قبل الدولة.
على الأرض، تسود الفوضى، دعاة متشددون يسعون الى فرض رؤيتهم الأحادية على مجتمع سوري متنوع، وسلاح عشوائي غير منضبط، رافق ذلك كله تعطيل للضابطة العدلية، ما عمّق الفوضى. وفي الوقت نفسه، يُمارس التضييق على القاضيات والقضاة، والفصل بين الذكور والإناث في بعض وسائل المواصلات والمؤسسات، وكأنها أولوية اليوم. وعلى الرغم من نفي السلطة بعض هذه الممارسات، فإنها مستمرة، بل وتتفاقم، آخرها كان الهجوم على ملهى ليلي ومطعم في دمشق، ما أودى بحياة أبرياء.
خطاب الكراهية والعنف الطائفي في تصاعد، وتمارس الفصائل الجهادية المنفلتة أبشع الانتهاكات، من مجازر الساحل المروّعة إلى الهجمات على المناطق الدرزية التي سبقتها دعوة الى القتل والإبادة في عدد من المحافظات السورية، والانتهاكات للحريات الفردية التي تقوم بها قوى الأمن أو الفصائل، في ما يوصف بانتهاكات فردية من السلطة ومؤيديها، انتهاكات مستمرة تتحمل السلطة ذاتها مسؤولية وقفها ومحاسبة مرتكبي، إذ لا يزال المشهد غارقًا في عدم الاستقرار والهشاشة.
يُعاتبني البعض على تشاؤمي، لكنني لا أراه إلا واقعية مريرة. السلطة تمضي بعكس ما يريده السوريون، بل والمجتمع الدولي، على رغم كل النداءات الوطنية. وهو ما سيوثر حتماً على ملف رفع العقوبات عن القطاع الخدمي والمصرفي والصحي والطاقة، وهي حاجات أساسية للمواطن السوري الذي يعاني من الفقر ونقص الخدمات.
طالبنا بإطلاق مسار عدالة انتقالية، بتنظيف الجيش والمؤسسات الأمنية من الجهاديين والأجانب، بتأسيس دولة لكل السوريين، لكن لا شيء تحقق. بل يبدو أن السلطة إما عاجزة، أو غير راغبة أساساً، بل على العكس تمت تسوية أمور مجرمين وممولين للنظام السابق، وهم يجولون في حرية على مرأى من ضحاياهم.
ما نحتاجه اليوم هو حوار وطني حقيقي، يُفضي إلى وثيقة عهد وطني جديدة، تُطلق مرحلة تمثّل آمال السوريين جميعاً نساء ورجالاً. نحتاج إلى تعديل الإعلان الدستوري بما يمنع قيام دكتاتورية جديدة، إلى ضمان الحريات العامة والفردية، والسماح بتأسيس الأحزاب، وتيسير عمل منظمات المجتمع المدني، وتوظيف الكفاءات السورية في الداخل والخارج، نحتاج إلى تمثيل كل السوريين والسوريات في الحكومة والمؤسسات والمجالس المحلية، في البعثات الخارجية ولجان الحقائق والسلم الأهلي رجالاً ونساءً.
هذه المطالب ليست دولية فقط، بل هي حاجات وطنية أساسية ستؤدي إلى استقرار البلاد ورفع العقوبات وتعاطي المجتمع الدولي بجدية أكبر مع هذه الحكومة.
نحتاج إلى إعلام حرّ، ولجان للعدالة الانتقالية، وفضاء آمن للتعبير، ونزع سلاح الفصائل، وتجريم خطاب الطائفية والكراهية، ومحاسبة جميع المتورطين بالدم السوري، قبل سقوط النظام وبعده.
ندرك اليوم تعقيد المشهد الدولي، ووجود جهات تطمح الى تفتيت سوريا التي نريدها موحدة، والسؤال: هل يخدم أداء السلطة السورية اليوم وحدة سوريا ومناعتها أم يقود الى انفجارات وأزمات قد تؤدي الى خدمة المشاريع الإسرائيلية والانفصالية في سوريا؟
حلمنا يلفظ أنفاسه الأخيرة والأوطان لا تُبنى بالكراهية ولا تقوم على المجازر والاستهتار بتطلعات الشعوب ومن دون أن تأخذ بلادنا مساراً مختلفاً، فكثر من السوريين سيبقون على ثورتهم الأولى…
درج
———————
تركيا عرّاب «سوريا الجديدة» تسابق لتثبيت نفوذها
تسعى لملء فراغات كثيرة وتصطدم بتحدي الأكراد وإسرائيل
أنقرة: سعيد عبد الرازق
7 مايو 2025 م
طرحت تركيا نفسها كأحد أبرز اللاعبين على الأرض في سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد وتولي الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
اعتمدت تركيا على الرصيد الذي راكمته منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث دعمت المعارضة السورية السياسية والمسلحة، ودفعتها التطورات إلى التدخل العسكري المباشر عبر 3 عمليات عسكرية، بين عامي 2016 و2019 استهدفت بالأساس وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكّل العمود الفقري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وجزئياً تنظيم «داعش» الإرهابي؛ بهدف تأمين حدودها الجنوبية وإنشاء منطقة آمنة تستوعب اللاجئين الذين تدفقوا عليها.
ومع سقوط نظام بشار الأسد تعزّز الوجود التركي متجاوزاً البعد العسكري إلى السياسي، بما يخدم استراتيجية تقوم على الوجود في مناطق النفوذ القديم للدولة العثمانية؛ ولذلك سارعت لتأخذ مكانها في مقدمة القوى التي تتدافع لملء الفراغ بعد سقوط الأسد.
خطوات استباقية
كانت تركيا أول دولة ترسل رئيس مخابراتها، إبراهيم كالين، كأرفع مسؤول يزور دمشق بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، كما كانت أول دولة قاطعت النظام السابق تعيد فتح سفارتها في دمشق، ثم قنصليتها في حلب، وكانت الدولة الثانية بعد السعودية في أول جولة خارجية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، والدولة الوحيدة التي زارها مرتين في أقل من 3 أشهر، حيث كانت زيارته الأخيرة في 11 أبريل (نيسان) الماضي لحضور منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع في جنوب تركيا.
وسارعت تركيا إلى التنسيق مع حكومة دمشق الجديدة في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب بحث تلبية احتياجات سوريا من الكهرباء وتأهيل المطارات والطرق والتمهيد لتوقيع اتفاقية تجارية شاملة بين البلدين.
وأسفرت العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا عن ترسيخ مناطق نفوذ، حيث دربت تركيا فصائل مسلحة وتشكلت مجالس إدارية تحت إشرافها، كما لعبت دوراً محورياً في رسم المشهد السياسي السوري عبر مسار آستانة، ما أتاح لها التأثير في القرارات السياسية.
وساهمت الاستثمارات التركية في البنية التحتية والتعليم والصحة في المناطق الخاضعة لسيطرتها والفصائل الموالية لها، في تحسين الظروف المعيشية وبالتالي زيادة قبول السكان المحليين للوجود التركي.
ورغم ما يمكن اعتباره نجاحات «فائقة» لتركيا في سوريا، فإن هناك تحديات تتعلق بتأمين حدودها، وإدارة ملف اللاجئين، والتعامل مع التوترات والقوى الإقليمية والدولية، والاتهامات التي تواجهها سياساتها في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بالتدخل لتغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق في شمال سوريا.
أهداف رئيسية
وحسب مصادر بالخارجية التركية، فإن «العمود الفقري للسياسة التركية تجاه سوريا هو تحقيق المصالحة الوطنية من خلال حماية وحدة وسلامة أراضي البلاد، وإرساء الأمن والاستقرار في البلاد بتطهيرها من العناصر الإرهابية، وضمان إعادة إعمار سوريا من خلال رفع العقوبات».
ويظل الهاجس الأول والهدف الأكبر لتركيا هو تأمين حدودها، وتحديداً إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تعتبرها «تنظيماً إرهابياً»، يشكّل خطراً أمنياً.
وتقول تركيا إن مسؤولية مكافحة العناصر الإرهابية والحركات الانفصالية في سوريا تقع على عاتق الإدارة السورية بالدرجة الأولى، وإنها من جانبها وفّرت المساحة اللازمة للسماح بالتغلب على هذه المشاكل على أساس الطريقة التي تفضّلها الإدارة السورية.
وتأمل أنقرة في أن يتم تنفيذ الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، مع قائد «قسد»، مظلوم عبدي، القاضي باندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة السورية، من أجل تجنُّب عمليات عسكرية جديدة، قد تعرقلها أميركا، بدعوى الاتفاق ذاته.
وأثار مؤتمر «وحدة الصف والموقف الكردي» الذي عقدته القوى الكردية في القامشلي شمال شرقي سوريا، مؤخراً، قلقاً شديداً لدى تركيا بسبب دعوته إلى حكم «لا مركزي» أو «فيدرالي».
وأعلن الرئيس رجب طيب إردوغان أن «مسألة النظام الفيدرالي ليست سوى حلم بعيد المنال، ولا مكان لها في واقع سوريا»، قائلاً: «لن نسمح بفرض أمر واقع في منطقتنا ولا بأي مبادرة تهدد أو تعرض الاستقرار الدائم في سوريا والمنطقة للخطر».
ولفت إلى أن السلطات السورية أعلنت أنها لن تقبل بأي سلطة غير حكومة دمشق أو هيكل مسلح غير الجيش السوري في سوريا، مضيفاً: «هم يواصلون عملهم في هذا الاتجاه، ولدينا نهج مماثل تجاه أمن الحدود».
تمسك بوحدة سوريا
وأعطى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، رسالة أكثر وضوحاً وتحديداً حول المؤتمر، خلال زيارة للدوحة، الأحد قبل الماضي، قائلاً إن «تركيا ترغب في رؤية دستور وحكومة في سوريا تضمن إعطاء فرص متساوية لجميع المكونات في البلاد».
ولفت إلى الاتفاق الموقّع في مارس (آذار) الماضي بين حكومة دمشق و«قسد»، مؤكداً أن تركيا ستقف في وجه «المجموعات التي تستغل الوضع الحالي في سوريا لتحقيق بعض أهدافها، وتسعى إلى الإضرار بوحدة أراضي سوريا وسيادتها».
وأكد، فيما اعتبر إشارة لحل عسكري حال الضرورة، أن «تنظيم» الوحدات الكردية (أكبر مكونات «قسد») التابع لـ«حزب العمال الكردستاني»، سيخرج من الحسابات في سوريا، سواء بإرادته عبر طرق سلمية، أو «بخلاف ذلك»، كما خرج تنظيم «داعش» الإرهابي من الحسابات.
ورغم وصف إردوغان لفكرة الفيدرالية في سوريا بأنها «مجرد حلم»، فإن هناك جهات فاعلة، وخصوصاً في شمال وشرق سوريا، تواصل الدفع باتجاه الاعتراف الدولي بالأمر الواقع الذي فرضته «قسد» من خلال إدارة ذاتية تعتمد على نموذج الفيدرالية، وهو ما يزيد من قلق تركيا تجاه «سياسة ناعمة» تحول الحلم إلى كابوس.
التعامل مع ملف الأكراد
ويبدو أن تركيا تعتمد، بشكل أساسي، على الإدارة السورية في التصدي لأي خطوات من شأنها تهديد وحدة سوريا، وفي الوقت ذاته ترغب في نجاح اتفاق اندماج «قسد» في مؤسسات الدولة السورية، لما يحمله من أهمية بالنسبة للجهود المبذولة داخلياً من خلال الاتصالات مع زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين، عبد الله أوجلان، لحل الحزب وتسليم أسلحته، ما يعني أن تركيا ستتخلص من التهديد الذي يحيط بحدودها الجنوبية في شمال العراق، وبالتبعية في شمال شرقي سوريا، فضلاً عن تحقيق سلامها الداخلي.
وتأمل أنقرة في تخلي واشنطن عن الاستمرار في دعم «وحدات حماية الشعب الكردية – قسد»، بدعوى التحالف معها في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، وهو ما لم تعطِ واشنطن أي إشارة إليه حتى رغم الإعلان عن سحب بعض قواتها.
وتراقب تركيا مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا، وتسعى إلى دفع الجدول الزمني للانسحاب، وإقناع الولايات المتحدة بقدرة إدارة دمشق، بدعم منها، على التصدي لبقايا تنظيم «داعش» الإرهابي، والسيطرة على السجون التي توجد بها عائلات عناصر التنظيم، والخاضعة لسيطرة «قسد» حتى الآن.
وفي سبيل ذلك، طرحت تركيا فكرة تشكيل «تحالف إقليمي» لمحاربة «داعش»، يضم إلى جانبها عدداً من دول جوار سوريا، هي الأردن، والعراق، ولبنان، إلى جانب سوريا.
وعقد وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في الدول الخمس اجتماعاً في العاصمة الأردنية عمان، في 9 مارس الماضي، تم الاتفاق خلاله على إنشاء مركز عمليات مشترك في سوريا، لا تزال المحادثات الفنية بشأنه جارية.
قلق من تمدد إسرائيل
وغير بعيد عن هذا الملف المقلق، يأتي النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا، وخشية تركيا من سيطرة إسرائيل، التي تحظى هجماتها في سوريا بقبول أميركي، على أجواء سوريا من الجنوب إلى الشمال، لا سيما مع ما هو معروف من علاقة قوية بين إسرائيل وأكراد سوريا.
كما تنظر إسرائيل إلى أي دور تركي متقدم في سوريا على أنه تهديد استراتيجي لأمنها؛ لأنه قد يغيّر خريطة النفوذ على الحدود الجنوبية ويؤدي لحضور فصائل تشكّل خطراً عليها.
وكشفت تقارير في الفترة الأخيرة عن سعي تركيا، التي تتمتع بعلاقات جيدة للغاية مع الإدارة السورية الجديدة، إلى توسيع وجودها العسكري في البلاد والحصول على قواعد عسكرية برية وجوية وبحرية.
وعلى الرغم من أن تركيا لم تعلن بشكل رسمي سعيها إلى إقامة قواعد جوية في سوريا، فإن إسرائيل قامت بخطوات استباقية وقصفت قاعدة «تي 4» شرق حمص، أكثر من مرة في مارس الماضي، فضلاً عن قصف مطار حماة العسكري وإخراجه من الخدمة نهائياً.
وأعلن مسؤولون إسرائيليون أن إقامة قاعدة تركية في تدمر بريف حمص الشرقي «خط أحمر».
وتدعم تركيا، سياسياً، الإدارة السورية في مواجهة الهجمات الإسرائيلية المتكررة، سواء عبر مجلس الأمن أو في مختلف المحافل.
وعلى الرغم من حالة الترقب والتنافس، لا ترغب تركيا، وكذلك إسرائيل، في مواجهات عسكرية في سوريا، ويبدو أنهما أقرتا قواعد اشتباك لتجنب أي صدام غير مرغوب فيه، خلال اجتماع فني لوفدين منهما في باكو، عاصمة أذربيجان، في 9 أبريل الماضي، على خلفية التوتر في شرق حمص وحماة.
وجنبت هذه القواعد، حسب تقارير تركية وإسرائيلية، اشتباكاً بين طائرات من الجانبين عندما نفّذت إسرائيل ضربات قرب قصر الرئاسة في دمشق.
وأكد مسؤولون إسرائيليون أن المحادثات الفنية في أذربيجان كانت إيجابية، وأن إسرائيل قد تقبل بقاعدة عسكرية محدودة لتركيا في سوريا.
يبقى أن الحضور التركي في سوريا أظهر تحولاً من الدعم غير المباشر إلى التأثير المباشر في الأحداث والتطورات، انطلاقاً من سعي أنقرة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ومع دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدور تركي كبير في سوريا، يتوقع أن يكون لأنقرة دوراً حاسماً في تحديد مستقبل سوريا، وربما المنطقة أيضاً.
الشرق الأوسط
————————————–
ننتقد الدولة ولا نحاربها/ عدنان علي
2025.05.07
قد يشعر كثير من الناس، بمن فيهم قسم كبير من الداعمين للحكم الحالي في سوريا، أحيانا بخيبة أمل من بعض الأداء الحكومي، سواء لجهة التعيينات التي تكاد تقتصر على فئة محددة ممن قدموا من الشمال، أو ممن يرشح هؤلاء، أم ضعف الحزم في التعامل مع المظاهر المسلحة، أم في عدم انصاف المظلومين في عهد النظام السابق من خلال تأخر قيام العدالة الانتقالية، وترك المناطق المنكوبة بفعل قصف النظام السابق على حالها، دون تقديم أي عون لسكانها.
وبطبيعة الحال، هذا الأمر، مفهوم ومبرر، وهو ما يرتب على الجميع مواصلة الانتقاد والإشارة الى ما يعتقدون أنها أخطاء، لأننا في مرحلة لم تكتمل فيها بعد مؤسسات الدولة، فلا برلمان ولا أحزاب، ولا صحافة مستقلة، ولا مجتمع مدني ناشط، وكل هذه الأشياء هي من أدوات الرقابة على الحكومة في المجتمعات الناضجة.
هذا شيء، ومعاندة الدولة بالسلاح، والاستقواء عليها بالأجنبي، شيء آخر. ولا يمكن برأيي أن يندرج إلا في سياق الحماقة الخالصة، أو هو موقف مشبوه، سواء كان صاحبه واعياً بذلك، أم لا، وذلك لسببين بسيطين:
الأول: وفق معطيات عدة، فان الرئيس الشرع، وفريق مهم معه، يسعون فعلاً لإقامة دولة بمعايير مقبولة من غالبية السوريين، ويجب على الجميع الانخراط معهم، ودعمهم، في مواجهة بعض القوى داخل السلطة، ممن لا يؤمنون بفكرة الدولة، ولديهم أوهام خاصة، حول مستقبل سوريا.
والسبب الثاني: أن فشل الشرع وفريقه، هو فشل لكل سوريا، ولن يكون هناك رابح أبداً. وعلى الجميع أن يدركوا حقيقة أنه لا عودة للوراء، وأنه لا خيار عملياً أمام جميع الشركاء الآخرين في الوطن، سوى الانخراط مع هذه السلطة، ومحاولة تحسينها من الداخل، وليس وضع العصي في طريقها، وتصيد أخطائها، والاستقواء عليها بالأجنبي.
والواقع، إن الغالبية الساحقة من الناس، لا يريدون من دولتهم أكثر من حفظ أمنهم وكرامتهم، وتوفير حد أدنى من الحياة اللائقة لهم ولأولادهم، ولا تعنيهم تالياً كل هذه المعارك التي يخوضها البعض باسمهم، للغنيمة بالسلطة أو بعض امتيازاتها.
وعلى سبيل المثال، ماذا يفيد الطائفة الدرزية لو صار كبير المعترضين في السويداء الشيخ الهجري نفسه هو رئيساً لسوريا؟ هل سوف يحصلون على ميزات إضافية تخص منطقتهم كمجموعة أو أفراد أكثر مما حصل العلويين في عهدي بشار وحافظ، وهاهم اليوم بعد أكثر من خمسة عقود من ذلك الحكم، ما زالوا في غالبيتهم من أفقر الناس في البلاد. وكذا الأمر يقال بالنسبة لبقية مكونات المجتمع.
إن الشعوب لا تتقدم إلى الأمام إلا عندما تدافع عن مبادئ وقيم عليا مستمدة من التجارب الإنسانية الرائدة، تتماشى مع القيم المحلية، وهذه مهمة رجال الدولة الذين يغلبون العام على الخاص، ويسعون لجمع مجتمعاتهم على كلمة واحدة، وليس الإمعان في تمزيقها، والاستعانة بالأجنبي، للتغلب على خصمهم المحلي.
إن المتسببين في عرقلة التحاق السويداء بالسلطة الجديدة في دمشق خلال الأشهر الماضية، وعلى رأسهم الهجري، يتحملون مسؤولية جزئية عن الدماء التي أريقت في ريف السويداء وصحنايا وجرمانا خلال الأيام الماضية. ومن الأساس، لم تكن هناك أية مبررات موضوعية للصدام بين المكون الدرزي وسلطة دمشق. ليس هناك أية تراكمات عدائية، كما هو الحال مع المكون العلوي مثلا الذي قد يكون هناك احتقان حياله بسبب ارتباطه بشكل عام بجرائم نظام الاسد.
الالتحاق بالدولة، والعمل المخلص على إنجاحها، في السويداء، وفي كل سوريا، هو الخيار العقلاني الوحيد، وخلاف ذلك مغامرات ورهانات وصدامات تضر بكل السوريين.
لا شك أن السلم الأهلي في سورية مستهدف. والهدف الأبعد هو منع إعادة تكوين الدولة السورية الجديدة. لا يمكن، ولا ينبغي، فهم أي تفصيل آخر على نحو ما جرى في الأيام الأخيرة، وقبله في الساحل السوري، بعيداً عن هذا السياق، وإلاّ فإننا نفقد البوصلة الصحيحة.
سيحاول المتضررون من سقوط نظام الأسد، استخدام كل ما في جعبتهم من أسلحة، وخاصة القضايا الدينية نظراً لحساسيتها، من أجل خلق المزيد من المتاعب للسلطة الجديدة في سورية، وإشغالها في قضايا جانبية، والتشويش على أية نجاحات تحققها على الصعيد الخارجي.
هذه حقائق لا ينبغي إغفالها. غير أن إبطال مفعول، أو الحد من أضرار هذه الخطط، ينبغي أن يتم عبر إجراءات مختلفة، منها قيام كل السلطات والناشطون بواجبهم في التوعية، وعدم الانجرار وراء التجييش، ومنها أيضا ضرورة التشدد في تطبيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، وتطبيق هذا المبدأ على الجميع، لكي يكون له مصداقية. وكما أنه من غير المفهوم بقاء بؤر مسلحة في ضواحي دمشق، تحت أية حجة كانت، من غير المفهوم أيضا، بقاء السلاح بيد فصائل أو مجموعات تبادر إلى أخذ القانون بيدها، تحت ذريعة الدفاع عن الدولة، وتكون المحصلة، ارتكاب حماقات وأخطاء تشوه صورة الدولة، وتحملها أوزار ونتائج تلك التصرفات، ما يهدر جهدها وإمكاناتها في تشكيل لجان للتحقيق وصد الانتقادات والاتهامات، الداخلية قبل الخارجية.
حصر السلاح بيد الدولة، كفيل بإجهاض كثير من خطط المتآمرين، ولا خيار أمام الجميع، عاجلا أم آجلا، إلا الثقة بالدولة، وتسليمها الأمر كله على الصعيد الأمني، ومن يريد معارضتها فالإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والشوارع، مفتوحة أمامه ضمن القانون، أما السلاح فهو بيد الدولة فقط، كما هو الحال في العالم كله.
تلفزيون سوريا
—————————–
هكذا تعمل يد إسرائيل الخفية في سوريا/ محمد سرميني
7/5/2025
لطالما سعت إسرائيل إلى تثبيت موقعها كلاعب إقليمي فاعل في المشرق العربي، ليس فقط عبر أدواتها الأمنية والعسكرية، وإنما من خلال استثمار التحولات البنيوية في الدول المجاورة، وبخاصة تلك المتعلقة بالانقسام الطائفي والتفكك الاجتماعي.
ويُشكّل المشهد السوري، منذ اندلاع أزمته وتحديدًا بعد سقوط النظام في نهاية عام 2024، ساحة مركزية لهذا النوع من الاستغلال الإسرائيلي، الذي أعاد تفعيل مقاربة “تحالف الأقليات” بصورة أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، مع توظيف الأدوات الحديثة الناعمة والصلبة في آنٍ معًا.
منذ الانتداب الفرنسي، شكّل تحالف الأقليات في سوريا ولبنان أداة لتأمين السيطرة والتوازن في مواجهة الأكثرية السنية. وكان الفرنسيون حريصين على رعاية هذا التحالف، مستفيدين من التباينات الدينية والمذهبية لتمكين نفوذهم السياسي والعسكري.
إسرائيل، وإن دخلت متأخرة إلى هذا المسار، إلا أنها أعادت بعثه بمقاربة جديدة مستمدة من حاجتها إلى تأمين حدودها الشمالية، وضمان بقاء الدول المحيطة بها ضعيفة ومجزأة.
ومع الانهيار المفاجئ للنظام السوري، وجدت إسرائيل فرصة نادرة لإعادة تشكيل التوازنات الطائفية بطريقة تعزز من مكانتها، وتمنحها ورقة ضغط جديدة في الملف السوري الذي لطالما كان ساحة نفوذ قوى إقليمية ودولية متنافسة.
ضمن هذا السياق، برزت الطائفة الدرزية كإحدى أبرز نقاط الاهتمام الإسرائيلي. فقبل سقوط النظام، كان الدروز موزعين على ثلاثة معسكرات رئيسية: معسكر يدور في فلك المحور الإيراني، ويضم جزءًا كبيرًا من دروز السويداء في سوريا والجبل في لبنان، ومعسكر قومي عروبي حاول الحفاظ على استقلاليته بعيدًا عن المحاور الإقليمية، ومعسكر دروز الداخل الفلسطيني الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
كان هذا التوزيع يعكس تعقيدات الهوية والانتماء الدرزي في المنطقة، لكن سقوط النظام السوري وتراجع قوة حزب الله خلقا فراغًا قياديًا سعت إسرائيل إلى ملئه بسرعة.
دفعت إسرائيل بقيادات درزية من داخل حدودها إلى الواجهة، مروّجة لفكرة أن مشيخية الدروز في إسرائيل قادرة على لعب دور جامع للطائفة بأكملها، داخل سوريا ولبنان.
ورافقت ذلك رسائل سياسية وإعلامية متواترة، مفادها أن تل أبيب مستعدة للتدخل عسكريًا لحماية الدروز في سوريا، في حال تعرضهم لأي تهديد. وتم تصوير مشايخ الطائفة في إسرائيل على أنهم يمتلكون نفوذًا كافيًا لتحريك القرار العسكري الإسرائيلي، بما في ذلك الطيران الحربي، وهو ما عزز من مكانة هؤلاء داخل الإقليم، وخلق توازنًا جديدًا في قيادة الحالة الدرزية.
اللافت أن هذه السياسة الإسرائيلية لم تقتصر على الجانب الرمزي أو الدعائي، بل ترافق ذلك مع تحركات استخباراتية ودبلوماسية ضمنية لخلق شبكات تواصل وتأثير داخل المجتمعات الدرزية في السويداء ولبنان.
ورغم أن هذه التحركات ظلت محدودة بسبب الحساسيات الدينية والاجتماعية، فإنها أوجدت واقعًا جديدًا، يتمثل في بروز إسرائيل كلاعب يُحسب له الحساب داخل المعادلة الطائفية السورية.
ومع أن الدروز يمثلون محور التركيز الرئيسي في هذه الإستراتيجية، فإن إسرائيل تتابع من كثب أيضًا الحالة الكردية، وتدعم بعض الفاعلين السياسيين والعسكريين الأكراد، خصوصًا في الشمال الشرقي لسوريا.
ويشترك هذا الملف مع الملف الدرزي في الأهداف: تقويض المركزية السياسية في دمشق، ومنع نشوء جيش وطني موحد، والحفاظ على تفوق إسرائيل النوعي في المنطقة.
أما الطائفة العلوية، فإن إسرائيل لم تتدخل مباشرة فيها، لكنها استغلت إعلاميًا أحداث الساحل السوري في مارس/ آذار 2025، حين اندلعت اشتباكات بين فلول النظام والسلطة الجديدة، وقدّمت هذه الأحداث كدليل على عجز الحكومة الجديدة عن حماية الأقليات، وهو ما استخدمته تل أبيب للضغط على دمشق سياسيًا.
في خلفية هذه التحركات، تكمن الإستراتيجية الأعمق لإسرائيل، والمتمثلة في إبقاء سوريا دولة ضعيفة، منقسمة، مرهقة طائفيًا ومجتمعيًا. لذلك، فإن أي مؤشرات على تعافي الدولة السورية، أو تقارب مكوناتها، تُقابل من قبل إسرائيل بقلق ومحاولات للتخريب أو التشويش، سواء عبر الدعم غير المباشر لمجموعات طائفية، أو من خلال تكثيف الحملات الإعلامية والتشويش الدبلوماسي.
ولعل أكثر ما يثير الانتباه في هذا السياق هو استخدام إسرائيل ورقة الأقليات كورقة تفاوضية لفرض نفسها في أي ترتيبات مستقبلية تخص سوريا. فهي تُعارض، بصوت عالٍ أحيانًا أو بضمني أحيانًا أخرى، المقاربة التي تبنّتها إدارة ترامب، والتي تقوم على تسليم الملف السوري لتركيا والسعودية.
وترى تل أبيب أن إقصاءها عن الطاولة سيجعلها في موقع الدفاع بدل الهجوم، ولذلك فهي تعمل على تعزيز أوراقها المحلية داخل سوريا، وخاصة من خلال ورقة الدروز، من أجل القول إنها شريك لا يمكن تجاوزه في أي حل مستقبلي، وهي تسعى لتثبيت هذه المعطيات بشكل مستعجل قبل الزيارة المرتقبة للرئيس ترامب في الأيام المقبلة إلى السعودية.
ومن هذا المنطلق، تتحول الأقليات من مكوّن اجتماعي إلى أداة ضغط إقليمي في يد إسرائيل، تستخدمها لتثبيت مكانتها وشرعنة تدخلها في ملفات لا تقع ضمن حدودها.
ومع أن هذا النهج لا يُعد جديدًا بالكامل، إلا أن الظرف الراهن – بما فيه من انهيار محور إيران في المنطقة، وصعود محاور جديدة في الخليج وتركيا، ووجود فراغ سياسي في سوريا – وفّر لإسرائيل فرصة تاريخية لإعادة تعريف أدوارها، ليس فقط كقوة عسكرية، بل كلاعب سياسي داخل النسيج المجتمعي السوري.
وإذا كانت تل أبيب قد نجحت خلال السنوات الماضية في ترسيخ حضورها في ملفات مثل الملف الفلسطيني واللبناني، فإن محاولتها التوسّع في الملف السوري عبر بوابة الأقليات تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على إدارة ملفات معقدة تقوم على توازنات داخلية دقيقة.
بيدَ أن هذا التوسع يحمل في طياته مخاطر كبيرة أيضًا، خاصة إذا ما تطورت ردود الفعل المحلية داخل سوريا ولبنان، أو إذا أعادت القوى الدولية النظر في الكلفة السياسية لتورط إسرائيل في الملف السوري، لا سيما في ظل إعادة تشكيل النظام الإقليمي برمته.
ومع تشكّل ملامح دولة سورية جديدة في مرحلة ما بعد الصراع، تبدو الحاجة أكثر من أي وقت مضى ملحّة لإعادة بناء عقد اجتماعي جديد يضمن الاستقرار الداخلي ويواجه التحديات الإقليمية، وعلى رأسها التمدد الإسرائيلي في الجنوب السوري.
أولًا، لتفكيك الأزمات مع الأطراف الداخلية، ينبغي للدولة الجديدة أن تنتهج نهجًا تصالحيًا شاملًا يبدأ بإطلاق حوار وطني يضم ممثلين عن كافة المكونات السياسية والعرقية والدينية. لا بد من الاعتراف بالتعددية السورية والعمل على صياغة دستور عصري يضمن الحقوق السياسية والمدنية، ويؤسس لحكم لا مركزي يتيح للمناطق قدرًا من الإدارة الذاتية ضمن وحدة الدولة.
إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية لتكون خاضعة لرقابة مدنية ومحاسبة قانونية تشكل مدخلًا أساسيًا لاستعادة ثقة المواطنين. كما أن إطلاق مسار عدالة انتقالية يعالج الانتهاكات السابقة ويعيد الحقوق للمتضررين سيكون عاملًا حاسمًا في تحقيق المصالحة المجتمعية.
ثانيًا، لمواجهة خطر التمدد الإسرائيلي، تحتاج سوريا إلى تعزيز تموضعها الدبلوماسي إقليميًا ودوليًا، وتفكيك الذرائع التي تُستخدم لتبرير التدخلات. يتوجب إعادة بناء الجيش السوري على أسس مهنية ووطنية، وتطوير بنية دفاعية متكاملة في الجنوب قادرة على ردع أي محاولات اختراق جديدة.
بالتوازي، من الضروري تفعيل العمل العربي والإقليمي المشترك ودعم المبادرات الإقليمية التي تمنع تحويل سوريا إلى ساحة صراع دائم. فدولة سورية جديدة، مستقرة ومتصالحة داخليًا، هي الحصن الأهم لمواجهة الأطماع الخارجية وصون سيادة البلاد.
وفي النهاية، فإن ما تقوم به إسرائيل في سوريا لا يمكن قراءته فقط من زاوية أمنها القومي، بل يجب فهمه ضمن سياق أوسع يتعلّق بإعادة توزيع النفوذ في المنطقة، ومحاولة كل طرف تثبيت موقعه في الخريطة الجديدة.
وإسرائيل، وإن كانت لا تمتلك اليد العليا في الملف السوري، إلا أنها تعمل بصمت وفاعلية على أن تكون رقمًا صعبًا لا يمكن تجاهله، مستخدمة في ذلك ما تملكه من أوراق طائفية وإستراتيجية، لفرض شروطها على الطاولة المقبلة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
المدير العام لمركز جسور للدراسات
الجزيرة
———————————
باحثان أميركيان: هل تتجه إسرائيل وتركيا نحو التصادم في سوريا؟
7/5/2025
نشرت مجلة فورين أفيرز الأميركية مقالا لاثنين من الباحثين عن طبيعة التنافس بين إسرائيل وتركيا ومحاولاتهما التأثير على النظام الجديد في سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وعمّا إذا كانتا تتجهان نحو التصادم لانتزاع النفوذ هناك.
واستهل مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن، ديفيد ماكوفسكي، والباحثة المساعدة في المعهد نفسه سيمون سعيد مهر، مقالهما المشترك بالتذكير، أن النظام الجديد في دمشق ورث بلدا دمرته الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما، وتولى الزعيم أحمد الشرع قيادة بلاده، في حين تأمل القوى الأجنبية في توجيه سياساته.
ومن تلك القوى -كما يقول الكاتبان- دولتان مجاورتان لسوريا، هما إسرائيل وتركيا، اللتان تستغلان الفراغ في السلطة لترسيخ أقدامهما هناك، وقد بدأتا فعلا في “التناطح”.
وتريد تركيا مزيدا من النفوذ في سوريا حتى تتمكن من القضاء على أي أمل للأكراد في الحكم الذاتي، بينما ترغب إسرائيل في أن يكون لها، هي الأخرى، نفوذ مماثل، طبقا للمقال.
وعلى الرغم من أن تل أبيب وقعت اتفاقية فك الاشتباك مع سوريا بوساطة أميركية في عام 1974 عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، إلا أن نظام الأسد المخلوع تحالف تحالفا وثيقا في العقود الأخيرة مع إيران، خصم إسرائيل اللدود.
تهافت إسرائيلي
ونظرا إلى هذا العداء المستمر منذ عقود، رأى القادة الإسرائيليون في الإطاحة بنظام الأسد مكسبا إستراتيجيا غير متوقع، وهم اليوم يتهافتون على الاستفادة من ذلك بإقامة منطقة عازلة ومناطق نفوذ غير رسمية في جنوب سوريا، وذلك لشعورهم بالقلق من الوجود التركي وخشيتهم من أن تشجع أنقرة النظام السوري الجديد على إيواء المسلحين المناهضين لإسرائيل، وفق تقدير ماكوفسكي وسيمون.
ولتركيا تاريخ من العداء لإسرائيل، وعلى الرغم مما ينتاب إسرائيل من مخاوف على أمنها، إلا أن الكاتبين ينصحانها، أن تبذل ما في وسعها لتجنب المواجهة العسكرية مع تركيا، وأن تحرص على ألا تضحي بعلاقتها مع أنقرة بتبني موقف عسكري متشدد في سوريا، خاصة وأن سمعتها الدولية “في الحضيض” بسبب حروبها في المنطقة، وأن آخر ما تحتاجه هو عدو جديد.
ولا تقف مخاوف إسرائيل عند هذا الحد. فالمقال يشير إلى أن أكثر ما تخاف منه تل أبيب هو أن تبرم أنقرة اتفاقا دفاعيا مع سوريا من شأنه أن يزيد نفوذها -الذي يتركز حاليا في الشمال- ليشمل بقية أنحاء البلاد.
ووفق المقال، فقد ظهرت مدرستان فكريتان متنافستان في إسرائيل عن كيفية إدارة العلاقات مع النظام السوري الجديد، حيث تضم المجموعة الأولى مسؤولين إسرائيليين ممن كانوا يعتقدون أنه على إسرائيل أن تحاول العمل مع الشرع قبل أن تعتبره عدوا.
وعلى الجانب الآخر، هناك مجموعة من المسؤولين ترى أنه من غير المرجح أن تنشأ حكومة سورية معتدلة ومركزية بقيادة إسلامية سنية، ومن ثم فإن على إسرائيل أن تهيئ نفسها للعداء بإقامة مناطق نفوذ غير رسمية.
الخوف من تكرار طوفان الأقصى
ومن وجهة نظر كاتبي المقال، فإن أحد دوافع إسرائيل من التوغل داخل سوريا وإقامة مناطق عازلة هناك، هو رغبتها في تفادي تكرار الأخطاء التي بلغت ذروتها في الهجمات المدمرة التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومما يخشاه الإسرائيليون أيضا، أن يغيّر الشرع لهجته المهادنة بعد أن تتحسن أوضاع بلاده الاقتصادية المتردية. ومع ذلك، فإن ماكوفسكي وزميلته ينصحان المسؤولين في دولة الاحتلال بضرورة أن يوازنوا بين الاعتبارات الأمنية والإستراتيجية طويلة الأمد.
ويعتبر المقال أن علاقة إسرائيل بالحكومة السورية الجديدة أمر بالغ الأهمية، ولكن الأكثر إلحاحا -في رأي ماكوفسكي وسيمون- هو علاقتها بتركيا، وذلك لأن كلا البلدين حليف للولايات المتحدة ولديهما قدرات عسكرية قوية.
صياغة نظام إقليمي جديد
وشدد الباحثان على ضرورة أن يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إثناء أردوغان عن نشر منظومات الدفاع الجوية في سوريا، وأن يساعد إسرائيل وتركيا على إيجاد السبل الكفيلة بتجنب الدخول في نزاع بينهما، وأن يتعاونا معا لمواجهة النفوذ الإيراني وتهريب الأسلحة.
ودعا الاثنان إسرائيل إلى استخدام قنواتها العسكرية والاستخبارية للتواصل مع تركيا وقنواتها الخلفية للتحدث إلى السوريين.
ويخلص ماكوفسكي وزميلته في مقالهما إلى أن النظام الجديد في سوريا لم يرسخ أقدامه بعد، وأن مواقفه السياسية تبدو مرنة حتى الآن.
ويختتمان: “على إسرائيل وتركيا أن تسعيا، بعد إضعاف عدوّهما المشترك، إيران إلى صياغة نظام إقليمي جديد يفيد الطرفين ويجنبهما التصادم”.
المصدر : فورين أفيرز
————————————–
بعد حادثة جرمانا.. شبح “مجازر الساحل” يطرق أبواب دمشق/ رامي الأمين
30 أبريل 2025
“ليس لك عندنا إلا السيف البتار،” يخاطب مسلح سوري ملثم، وفي يده سيف طويل، صاحب تسجيل صوتي منسوب لرجل درزي.
المسلح الذي بدا “داعشيا” بامتياز في مظهره وخطابه، وصف صاحب التسجيل الذي يتعرض فيه للنبي محمد، بأنه “عدو الله”.
لم يعرف إلى أي مجموعة مسلحة ينتمي الملثم الذي ظهر محاطا بمجموعة مسلحين ملثمين. لكن وكالة رويترز نقلت عن مصادر سورية أن مجموعات مسلحة سنية غاضبة هاجمت بلدة جرمانا ذات الغالبية الدرزية قرب العاصمة السورية دمشق، والنتيجة مقتل أكثر من 12 شخصاً.
وقالت وزارة الداخلية السورية في بيان إنها تعمل على “تحديد هوية مصدر الصوت” في التسجيل ودعت إلى الهدوء، وحثت المواطنين على “الالتزام بالنظام العام وعدم الانجرار إلى أي تصرفات فردية أو جماعية من شأنها الإخلال بالأمن العام أو التعدي على الأرواح والممتلكات”.
الحادثة المشحونة طائفياً أعادت إلى الأذهان المجازر التي ارتكبتها قوات سورية وجماعات موالية للرئيس السوري، أحمد الشرع، ضد مدنيين علويين في الساحل السوري في شهر مارس الماضي. وقتل فيها أكثر من 1600 شخص، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبحسب رويترز، “مثلت تلك الاشتباكات أحدث حلقة من العنف الطائفي الذي يتسبب في سقوط قتلى بسوريا، حيث تزايدت المخاوف بين الأقليات منذ أن أطاح مقاتلو المعارضة المسلحة بقيادة إسلاميين بالرئيس السابق بشار الأسد”.
ويهدد ملف الأقليات وحدة سوريا، ويطرح مخاوف من التقسيم على أساس طائفي، اذ لا تبدو الأقليات الدينية مرتاحة للنظام الجديد في الشام.
وعادت الأصوات الداعية للتقسيم لتعلو في الشمال السوري في مناطق الأكراد، على الرغم من توصل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” إلى اتفاق مع الرئيس السوري أحمد الشرع قبل أسابيع، يقضي بانضمام الميليشيا الكردية المسلحة إلى القوات النظامية السورية وتسليم المعابر والمراكز الرسمية في مناطقها لحكومة الشرع.
لكن يبدو أن هذا الاتفاق انهار بعد اجتماع عقدته الأحزاب الكردية في مدينة القامشلي نهار السبت الماضي. واعتبر مراقبون سوريون أن دفع وزارة الدفاع السورية قوات قسد إلى “سد تشرين” ربما تكون خطوة تصعيدية بعد بيان الرئاسة السورية عن إخلال قوات سوريا الديمقراطية بالاتفاق الذي وقع في شهر مارس الماضي، وأن إرسال قوات إلى السد مؤشر على بدء معركة تم تأجليها للسيطرة على السد، وهو ما يشير إلى أن الاتفاق الموقع تم إيقافه بعد بيان اجتماع الأحزاب الكردية السبت، والذي تبنت خلاله هذه الأحزاب وثيقة تدعو إلى نظام لا مركزي وحكم برلماني وضمان حقوق جميع مكونات الشعب.
هذا الأمر اعتبرته الرئاسة السورية اخلالاً بالاتفاق الموقع مع “قسد”، وأصدرت بياناً أعربت فيه عن رفضها القاطع لأي محاولات “لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”.
وأضاف بيان الرئاسة السورية، إن تحركات وتصريحات قيادة قسد تتعارض تعارضا صريحا مع مضمون الاتفاق و”تهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها”.
من جهتها، كانت الطائفة الدرزية التي تتواجد بغالبيتها في الجنوب السوري على الحدود مع هضبة الجولان، قد دخلت في نقاش الانضمام/ الانفصال عن نظام الشرع المركزي في دمشق. وقد عبّرت أطراف درزية عن رفضها الاندماج، فيما حافظت أطراف أخرى على الحوار مع الشرع، وبرزت أصوات تنادي بالانضمام إلى إسرائيل بعد ان عرضت الأخيرة تأمين الحماية للأقلية الدرزية.
وكان العضو في الكونغرس الأميركي مارلين ستوتزمان، الذي التقى مؤخّراً الرئيس السوري في دمشق، قد نقل عن الشرع أنه سيكون “منفتحاً تماماً” على التطبيع مع “إسرائيل”، وأن ما يهمه هو أن يحكم سوريا موحدة، في إشارة إلى مشاريع التقسيم أو “الفدرلة” التي تنادي بها بعض الأقليات الخائفة من الاندماج وتسليم أسلحتها للنظام الجديد.
وقد تعزز هذا الخوف أكثر بعد أحداث الساحل الدموية. ويبدو أن أحداث جرمانا تدفع بالأقليات إلى مزيد من القلق والانطواء والمطالبة بالانفصال والأمن الذاتي وعدم الاطمئنان إلى حماية الدولة لها.
ما بدا مثيراً للقلق في حادثة جرمانا هو سقوط اثنين من عناصر جهاز الأمن العام السوري في الاشتباكات، فيما أكدت وزارة الداخلية السورية في بيان وقوع “اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلحين، بعضهم من خارج المنطقة وبعضهم الآخر من داخلها. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن وقوع قتلى وجرحى، من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة”.
وتخوف ناشطون سوريون من أن تكون قوات الأمن متورطة بالحادثة، وأن تكون المجموعة المسلحة التي ظهرت في مقاطع الفيديو “تضرب بسيف أحمد الشرع”.
وقالت مصادر أمنية لوكالة رويترز إن الاشتباكات بدأت ليلا عندما تجمع مسلحون من بلدة المليحة القريبة ومناطق أخرى ذات أغلبية سنية في بلدة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية الواقعة جنوب شرقي دمشق.
ونفت وزارة الداخلية أن يكون مسلحون قد هاجموا البلدة، وقالت على لسان المتحدث باسمها إن مجموعات من المدنيين الغاضبين من التسجيل الصوتي نظمت احتجاجا تعرض لإطلاق نار من قبل مجموعات درزية.
وسط كل هذا الصخب الطائفي، أطل رامي مخلوف، ابن خال الرئيس المخلوع بشار الأسد، في منشور على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، معلناً عن تشكيل فصيل مسلح في منطقة الساحل السوري، لكنه قال، إن القوات التي حشدها “ليست غايتها الانتقام من أحد، وإنما حماية أهلنا في الإقليم الساحلي”، على حد تعبيره.
وقال مخلوف إنه عمل مع “القائد النمر” (الضابط البعثي سهيل الحسن المتهم بارتكاب مجازر) على حشد مقاتلين من النخبة، لحماية المناطق العلوية.
هكذا تجد حكومة الشرع نفسها محاصرة مجدداً بثلاث أقليات متمردة، الأكراد في الشمال الشرقي، العلويون في الساحل، والدروز في الجنوب، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل سوريا، وعما إذا كانت الأمور ذاهبة إلى مواجهات وتقسيم، أو أن للشرع خطة أخرى لإعادة الأقليات إلى “حضن الوطن”.
رامي الأمين
الحرة
———————————
ضجيج إسرائيلي في سماء سوريا لعرقلة التحولات على الأرض/ علي أسمر
2025.05.07
منذ السابع من أكتوبر، دخلت العلاقات التركية-الإسرائيلية مرحلة من التوتر المتصاعد، بدأت من ساحة الصراع في غزة وامتدت مؤخرًا إلى الأجواء السورية، حيث يتقاطع النفوذ والمصالح بشكل حساس.
هذا التوتر لا يمكن قراءته بمعزل عن المتغير الأهم في المشهد، سقوط النظام السوري، وتشكيل حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع، وسط مؤشرات على تقارب متسارع بين أنقرة ودمشق، يعيد رسم خريطة التوازنات في سوريا.
في تقديري، الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة داخل سوريا لم تكن عمليات دفاعية أو روتينية، بل رسالة مدوية تهدف إلى خلق ضجيج عالٍ لتغطية التحولات العميقة بين تركيا وسوريا، ولشد انتباه الولايات المتحدة لإعادة التفكير في موضوع الانسحاب من سوريا.
لأن هذا الانسحاب يعني ملء الفراغ الأميركي من قبل تركيا، وهذا سيقوض الحركة الإسرائيلية في سوريا، وسيفشل مشاريع إسرائيلية مثل “ممر داوود”، وهو مشروع غير معلن يهدف إلى ربط الجنوب السوري بشرقي الفرات، وإنشاء حزام نفوذ يفصل دمشق عن الحدود المباشرة مع الأردن.
وفقًا لمصادر مطلعة، كادت تحصل مواجهة جوية مباشرة بين الطائرات التركية والإسرائيلية في الأجواء السورية في الثاني من مايو الجاري، وذلك في أثناء تنفيذ الطائرات الإسرائيلية لغارات مكثفة على مواقع داخل سوريا، في حين كانت الطائرات التركية تنفذ دوريات في المجال الجوي ذاته. هذا التداخل الجوي ليس تفصيلًا عابرًا، بل مؤشر على تضارب واضح في قواعد الاشتباك.
برأيي، أنقرة لا تبحث عن صدام، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات فرض أمر واقع على حدودها الجنوبية. وتركيا، رغم تحركها ضمن المسار الدبلوماسي، قد تلجأ إلى خيارات ميدانية إذا استمر التصعيد الإسرائيلي.
لا أستبعد، إذا ما استنفدت الوسائل السياسية، أن نشهد تكرارًا لسابقة إسقاط الطائرة الروسية في عام 2015، ولكن هذه المرة بحق طائرات إسرائيلية، إذا ما واصلت تل أبيب اختراق قواعد التفاهم الجديدة في الأجواء السورية.
من جانبها، تحاول إسرائيل إعادة التموضع دبلوماسيًا، لكنها تواجه رفضًا تركيًا حازمًا، فقد نفت أنقرة، عبر تصريحات رسمية، منح طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي إذنًا بالتحليق فوق أراضيها للذهاب إلى أذربيجان. هذه الخطوات لا تُفهم إلا في سياق توتر متصاعد تجاوز التصريحات، ليصل إلى تحجيم رمزي للتحرك الإسرائيلي في المنطقة.
في تقديري، أحد أبرز العوامل التي تفسر السلوك الإسرائيلي هو الخشية من التحول التركي إلى قوة جوية دائمة في الشمال السوري، خاصة مع الحديث عن نية أنقرة إنشاء قواعد جوية جديدة في المناطق القريبة من خطوط الاشتباك. هذا التموضع الجوي، إذا ما ترافق مع عودة تركيا إلى برنامج طائرات F-35، قد يُفقد إسرائيل تفوقها العسكري والاستخباري في الجبهة الشمالية.
إسرائيل، التي لطالما استفادت من غياب سلطة مركزية فاعلة في سوريا، تجد نفسها الآن أمام واقع مختلف، حكومة سورية جديدة تسعى إلى إعادة بسط السيادة، وشريك إقليمي قوي مثل تركيا يعمل على تثبيت الاستقرار من منظور أمني وجيوسياسي مختلف عن المنطق الإسرائيلي القائم على الردع والتفوق. من هنا، تفقد إسرائيل تدريجيًا قدرتها على المناورة في سوريا، وتحاول تعويض ذلك بالصوت العالي والتكثيف العسكري.
محاولة تل أبيب تقديم نفسها كمدافع عن الأقليات في سوريا هي في رأيي، مغالطة أخلاقية لا تصمد أمام حقائق التاريخ، فالدولة التي تسببت في مآسي إنسانية لعشرات الآلاف لا يمكن أن تدّعي فجأة دور “الوصي الإنساني”، هذا الدور مرفوض من دمشق وأنقرة معًا، ويقوّض من شرعية أي مبادرة إسرائيلية تحاول أن تنفذ إلى الداخل السوري عبر خطاب الأقليات.
في ظل هذه المعطيات، أعتقد أن حدود الصبر التركي مرتبطة بحدود الواقعية الإسرائيلية. فإن قبلت تل أبيب بأن الخريطة السياسية والعسكرية في سوريا تغيّرت، فقد تجد فرصة لإعادة صياغة علاقاتها الإقليمية بشكل أكثر اتزانًا، أما إذا استمرت في التصرف كقوة فوق الواقع، فإنها تُخاطر بمواجهة إقليمية لا ترغب بها، خصوصًا أن أنقرة باتت لاعبًا يصعب تجاهله بعد التحولات السورية الأخيرة.
خلاصة القول، إسرائيل تحاول عبر التصعيد العسكري والتصريحات المتشنجة أن تعيق تشكّل واقع جديد في سوريا لا ينسجم مع طموحاتها، لكنها تفشل في قراءة التحولات العميقة، فلقد تغيرت موازين القوى، وسوريا ما بعد الأسد ليست الساحة نفسها التي اعتادت إسرائيل التعامل معها، والمشهد الجديد، في تقديري، لن يتشكّل وفق الضجيج، بل وفق التحالفات الفعلية على الأرض، وأقربها اليوم هو محور أنقرة-دمشق، المدعوم بدفعة من الواقعية السياسية والعسكرية في عهد جديد من التوازنات الإقليمية.
تلفزيون سوريا
————————–
التطبيع السوري مع إسرائيل في ميزان “تطورات دمشق” ومُستقبل الشرع!/ عمار جلّو
الأربعاء 7 مايو 2025
أفادت وكالة رويترز، اليوم الأربعاء 7 أيار/ مايو 2025، نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة، بأن الإمارات أنشأت “قناة اتصال خلفيّة” للمحادثات بين إسرائيل وسوريا، في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة السورية الجديدة إلى الحصول على مساعدة إقليميّة لإدارة علاقة عدائية متزايدة مع تل أبيب.
ووفق مصادر رويترز، ومنها مصدر أمني سوري ومسؤول استخبارات إقليمي، كلاهما مطلع على الأمر، تركّز الاتصالات غير المباشرة، التي يُكشف عنها لأول مرة، على مسائل أمنية واستخباراتية وبناء الثقة بين دولتين لا تربطهما علاقات رسمية. لكن هل يعني ذلك أن التطبيع بين سوريا وإسرائيل بات وشيكاً؟
“قد أرى يوماً يسافر فيه المسيحيون من جميع أنحاء العالم إلى القدس، ثم يسافرون إلى دمشق في رحلات سياحية. سيكون ذلك طفرةً اقتصاديةً هائلةً لكلا البلدين”، قال المشّرع الأمريكي، النائب مارلين شتوتزمان، الذي التقى وزميله النائب كوري ميلز، بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، مع عدد من المسؤولين السوريين، خلال زيارتهما إلى دمشق مؤخراً. وأضاف: “لكي تكون سوريا أكثر نجاحاً وازدهاراً، فإنّ تطبيع العلاقات مع إسرائيل سيساعد في القيام بذلك”.
وتأتي تصريحات شتوتزمان، بعد أن أبدى الشرع، خلال لقائهما، رغبةً في الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، بجانب مطالب متعلقة بوقف القصف الإسرائيلي على سوريا، والحفاظ على وحدة البلاد، والتوصل إلى تفاهم حول الوجود الإسرائيلي في المنطقة العازلة وغيرها، ما فتح نافذةً للنقاش حول إمكانية تطبيع العلاقة بين البلدين، بعد عقود من العداء والحرب الباردة، وفقاً لموقع “يورو نيوز”.
هذا تصريح “يتطلب قدراً لا بأس به من الشجاعة للإدلاء به”، قالت كارميت فالينسي، رئيسة برنامج الساحة الشمالية، وكبيرة باحثي الشأن السوري في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، إذ “يواجه الشرع بالفعل انتقادات خطيرةً بسبب عملية الاعتدال التي يمرّ بها، وهذا الانتقاد سيزداد حدّةً الآن. لكن السؤال: ما هي ‘الشروط الصحيحة’ برأيه؟ هذا ما سنحتاج إلى اكتشافه”.
بدوره، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في كلمته أمام مجلس الأمن، إنّ “سوريا لن تكون مصدر تهديد لأي دولة، بما في ذلك إسرائيل”، في تحرّك ينمّ عن إعادة رسم التحالفات الإقليمية والدولية، حسب “يورو نيوز”، نتيجة إدراك الشرع، أنّ بقاء حكومته رهنٌ برفع العقوبات الغربية، وإعادة دمج سوريا في محيطها. وعليه، فإنّ عرض الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، جزء من إستراتيجية متعددة الأوجه تهدف إلى إعادة التموضع، لا مجرد تبديل المواقف الأيديولوجية.
“الأمر معقّد للغاية”
خلال فعالية للجالية اليهودية في واشنطن، مؤخراً، أشار المبعوث الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى “إمكانية انضمام سوريا ولبنان للتطبيع مع إسرائيل، بعد الضربات القوية التي تعرضت لها القوى الموالية لإيران هناك”.
وفقاً لويتكوف، “تطبيع علاقة البلدين مع إسرائيل أصبح احتمالاً واقعياً، ما يعزز فرص بناء نظام إقليمي مستقر، إذ إنّ تنظيم علاقة كل من البلدين مع إسرائيل، قد يشكل عنصراً محورياً في إستراتيجية أوسع لتعزيز السلام في المنطقة”.
وتعقيباً على ذلك، قال المسؤول السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، جاك نيريا، إنّ إقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا تُعدّ خياراً أسهل مقارنةً بلبنان، وذلك بالنظر إلى التعقيدات الاجتماعية والهيكلية في النسيج اللبناني، مشيراً إلى إمكانية “التوصل إلى اتفاق مع الشرع بعد فترة، إذا بقي في منصبه”.
مع ذلك، يبقى الحديث عن اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل “مبكراً جداً جداً جداً”، حسب قتيبة إدلبي، وهو زميل أول ومدير برنامج سوريا في المجلس الأطلسي.
يقول إدلبي، لرصيف22: “نحن نتحدث اليوم عمّا هو قبل ذلك، إذ إنّ الإرادة الإسرائيلية ذاهبة إلى تفتيت سوريا وإضعافها، ونوعاً ما إلى الذهاب بها نحو حرب أهلية جديدة، سواء بقصد أو دون قصد، وسواء كان ذلك في حساب القيادة الإسرائيلية أو لا؟”. ويعتقد إدلبي أنّ من المبكر، ومن غير المعقول أيضاً، الحديث عن اتفاق سلام. واصفاً الأخير بـ”غير الناضج حقيقةً”، لأنّ الواقع بعيد جداً عن هذا الأمر.
نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.
ادعمونا
يتماهى معه في ذلك، الصحافي المختص بالشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، باستبعاد أي حديث عن اتفاقية سلام شاملة تنهي النزاع وترسّم الحدود بين البلدين حالياً. “قد يكون هناك نوع من التفاهمات الضمنية، عبر حثّ إقليمي، أو من قبل الولايات المتحدة، لضمان حالة من الاستقرار والهدوء والأمن، وإجراء بعض التغييرات في سوريا”، يقول منصور، لرصيف22. أما في ما يخص الحديث عن اتفاقية سلام، “فالأمر معقّد جداً”، ولا سيّما أن الموضوع لم يعد مرتبطاً بسوريا فحسب، بل بتركيا، التي أصبح لها دور ونفوذ كبيران في سوريا، مع ارتباطه بدول عربية مهمة، وبدول الجوار الإقليمي.
من جانبها، تقول شروق صبري، وهي صحافية ومترجمة وباحثة في الشؤون الإسرائيلية، إنّ سوريا بقيادة الرئيس الشرع، مستعدة لإعادة النظر في علاقتها مع إسرائيل، لكن الأمر معقّد للغاية في ظلّ الأوضاع الحالية، مشيرةً في حديثها إلى رصيف22، إلى أنّ إعلان الشرع عن انفتاحه على الاتفاقيات الإبراهيمية لا يعني أن هناك اتفاق سلام كاملاً قريباً، نظراً إلى الشروط التي تضعها إسرائيل، فضلاً عن تعقيدات الوضع الإقليمي والدولي.
كما أنّ لدى إسرائيل شكوكاً حول جدية المفاوضات مع سوريا، برغم إبداء دمشق تحولاً تدريجياً في بعض الإستراتيجيات، وهو ما قد يفتح المجال لنقاشات مستقبلية، لكنها ستكون بطيئةً ومتدرجةً حتى يتمّ بناء جدار من الثقة بين الجانبين، وهو ما يتطلب وقتاً طويلاً لفتح الباب لاتفاق تدريجي، حسب صبري.
وفي هذا السياق، وخلال مقابلة مع صحيفة “إيكونوميست” سابقاً، لم يستبعد الشرع، صراحةً، التطبيع الإقليمي، معلناً أنّ بلاده “تريد السلام مع جميع الأطراف، إلا أنّ هناك حساسيةً كبيرةً في ما يتعلق بالقضية الإسرائيلية في المنطقة”، فالحروب الثلاث الكبرى التي دارت بين إسرائيل وسوريا، وسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان منذ عام 1967، “عقّدت القضايا”.
شروط الصفقة
في ظل هذا المشهد، تجدر الإشارة إلى بعض الشروط السورية الأساسية التي تنصّ على انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي السورية، خصوصاً من المنطقة الجنوبية والمنطقة العازلة في مرتفعات الجولان، مع إنهاء الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، بالإضافة إلى التشديد على ضرورة احترام سيادتها وسلامة أراضيها، بوصفه عنصراً غير قابل للتفاوض في أي اتفاق تطبيع.
وكانت فالينسي، قد خمّنت بعد تساؤلها عن الشروط المقبولة لدى الشرع، أن تتراوح هذه الشروط من طلب سحب القوات الإسرائيلية ووقف الهجمات، صعوداً إلى مطالب أكثر إستراتيجيةً تتعلق بمستقبل مرتفعات الجولان، وانسحاب إسرائيلي، أو على الأقل إعلانها منطقةً منزوعة السلاح أو تحت سيطرة مشتركة، معتقدةً أنّ أي تقدّم في مسار التطبيع الإسرائيلي السعودي، سيسّهل الأمر على سوريا، نتيجة النظر إلى هذه الخطوة على أنها جزء من اتجاه إقليمي.
بدورها، تشير صحيفة “جيروزاليم بوست”، إلى ضرورة التأكيد على شروط خمسة أساسية للسلام، أولها، عدم الانسحاب من مرتفعات الجولان، أو مناقشة السيادة الإسرائيلية الكاملة عليها، بعد اعتراف واشنطن بها كجزء لا يتجزأ من إسرائيل. وثانيها، تقديم الضمانات الأمنية للدروز في جنوب سوريا، طالما وجدت رغبة لديها في هذه الحماية. وثالثها، تنديد السلطة السورية علناً بأيّ أيديولوجيات جهادية والتخلّي عنها، بما فيها “حماس”، إذ إنّ هذا الإعلان يسهّل تقارب البلدين.
وتضيف الصحيفة: “كذلك يجب التأكيد على ترتيبات حدودية تضمن أمن إسرائيل بشكل مُرضٍ. وقد تؤدي إلى إبعاد قوات الشرع عن الحدود، وموازنة المصالح التركية، وضمان عدم استخدام إيران للأراضي السورية مجدداً كمركز لتهريب الأسلحة إلى وكيلها في لبنان، حزب الله”. وخامسها، الإصرار على إصلاح تعليمي وإعلامي كامل، وإلزام المناهج الدراسية السورية والمنافذ الحكومية بالاعتراف بالشعب اليهودي وإسرائيل، وإزالة المصطلحات التي تنزع الشرعية عن إسرائيل، مثل “الكيان الصهيوني”، و”سلطات الاحتلال”، وسواهما.
على ذلك، لا يرى الصحافي السوري والباحث في العلاقات الدولية، فراس علاوي، إمكانيةً للذهاب حالياً إلى اتفاقية سلام كاملة، بما فيها من تبادل للسفراء أو تطبيع كامل، معتقداً خلال حديثه إلى رصيف22، بالذهاب إلى تطوير اتفاق 1974 لفضّ الاشتباك بين الجانبين، ولا سيّما في الجوانب الأمنية والعسكرية، بما فيها تموضع قوات الجانبين، وتحديد نوع الأسلحة المسموح بتواجدها في الجنوب السوري، بما يعني تجديد الاتفاقيات الأمنية الموجودة، وربما تفاهمات سياسية وإعلامية، ترعاها واشنطن أو إحدى العواصم العربية، حول استخدام بعض المفردات في الإعلام السوري.
برأي علاوي، الحكومتان الحاليتان، السورية والإسرائيلية، بحاجة إلى دعم الاستقرار، حيث يعيش رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حالة قلق ووضعاً سياسياً داخلياً صعباً جداً. كذلك تعيش الحكومة السورية واقعاً سياسياً وأمنياً قلقاً جداً. لذا، الطرفان غير قادرين على الذهاب إلى تصعيد أو حرب مفتوحة، ما يعني ذهابهما باتجاه الاستقرار، دون التطبيع الكامل حالياً، حيث الوقت غير مناسب لذلك، ولا سيما لدى دمشق. “فالمشهد السوري غير مستعد لهزّة قوية سياسياً بهذا الحجم”. وهو ما يشير إليه منصور، أيضاً، عادّاً أنّ هزّةً عنيفةً من هذا النوع ضد الحكم الجديد في سوريا، قد تفتح باباً جديداً لصراعات سياسية، لا إثنية أو مذهبية.
لكن السؤال المطروح اليوم، هل بالإمكان البدء بمسار يفضي إلى اتفاق سلام لاحقاً؟ يجيب إدلبي عن سؤاله بالإيجاب. “المسار بحدّ ذاته ممكن. ممكن من جانب دمشق، لكنه غير ممكن من قبل تل أبيب، كون نتنياهو يرى في ما يقوم به حالياً في سوريا جزءاً من نجاته السياسية. لذا، فإنّ الحديث عن مسار تطبيع العلاقات يجب أن يتضمن وقف الاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من المناطق التي احتلتها منذ 8 كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، وصولاً إلى انسحاب من الجولان المحتل مستقبلاً”.
وهنا يتباين الرأي بين منصور وإدلبي. إذ يرى الأول أنّ تل أبيب تنظر إلى اتفاق مع دمشق على أنه فرصة لإسرائيل، نتيجة اعتقادها بأنها أحدثت تغييرات في المنطقة جعلتها في وضع جيو-إستراتيجي أقوى وأفضل، وتحديداً في سوريا. فسقوط نظام الأسد وتشكيل حكم جديد في سوريا لا يسيطر على كامل الجغرافية السورية، بجانب أزمات وتحديات داخلية، منها تدمير الجيش السوري، وسيطرة إسرائيل على أراضٍ جديدة في سوريا، تمنح إسرائيل فرصةً للمقايضة.
“نسمح لكم ببناء جيش، نسمح لكم باستعادة أراضيكم، لكن ليس الجولان، ولا حتى القمم الإستراتيجية التي ستفرض عليها أنظمة مراقبة. نساعدكم في إعادة الإعمار وغيرها من القضايا، عبر فتح أبواب واشنطن أمامكم مع رفع العقوبات”. وتعتقد إسرائيل بإمكانية ابتزاز دمشق، لفرض سلام على سوريا، يحقق لها مكاسب إستراتيجيةً، دون إعادة الأراضي المحتلة. “المعادلة غير متكافئة إطلاقاً، وأي سلام سيكون عملياً نوعاً من الإملاء والابتزاز”، يضيف منصور.
تحت ظلال الانسحاب الأمريكي
قد يساعد تطبيع العلاقة بين الجانبين في إنهاء العزلة الإقليمية والدولية لدمشق، حسب صحيفة “جيروزاليم بوست”، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، وتسريع عملية إعادة الإعمار، وخلق فرصة لتحقيق انفراجة سياسية مدعومة أمريكياً. كذلك سيساعد إسرائيل في تقليل النفوذ الإيراني على طول حدودها الشمالية، مع تأمين وقف إطلاق نار دائم في مرتفعات الجولان، وفتح الوصول إلى الأسواق الإقليمية التي تشمل سوريا، مع إمكانية دمج الأخيرة في هيكل أمني واقتصادي إقليمي تدعمه واشنطن.
إلا أنّ التحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، وتحديداً محاربة الوجود الإيراني والميليشيات المدعومة من إيران، تشكل تحدياً رئيساً لمفاوضات السلام، حسب الباحثة صبري، التي تتوقع أن يكون النقاش حول الأمن الإقليمي جزءاً من أي اتفاق، ومن ضمنه التوغلات الإسرائيلية، وتحديد الخطوط الحمراء المتعلقة بالسيادة السورية.
بالإضافة إلى ذلك، وبرغم المؤشرات الإيجابية حول آفاق تحقيق السلام بين الجانبين، فإنّ هناك العديد من العقبات الكبرى، أبرزها وضع هضبة الجولان المحتلة، التي سيطرت عليها إسرائيل خلال حرب عام 1967، ويعدّها المجتمع الدولي جزءاً من الأراضي السورية المحتلة، وتصرّ سوريا على استعادتها. كما أنّ الرأي العام في سوريا والعالم العربي منقسم حول التطبيع، خصوصاً في ظل الجمود في مسألة القضية الفلسطينية.
إلى ذلك، إسرائيل مشغولة بالصراع في غزّة، والحرب في لبنان، والسيطرة على الحدود السورية، والحرائق المشتعلة داخلها، ما يجعل السلام مع سوريا غير موجود حالياً في قائمة أولويات نتنياهو، ولا حتى لدى واشنطن، الداعم الأكبر لإسرائيل، وذلك بالنظر إلى إملاء واشنطن العديد من المطالب على دمشق لرفع العقوبات عنها.
تضيف صبري: “على الرغم من عدم تعليق المسؤولين الإسرائيليين صراحةً على تصريحات الشرع، إلا أنّ تل أبيب تراقب عن كثب التطورات في دمشق، خصوصاً في ضوء تغير موازين القوى بعد سقوط نظام الأسد. وقد تفتح هذه التغيرات قناةً دبلوماسيةً جديدةً، برغم حساسيتها السياسية”.
ختاماً، ذهب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، إلى القول إنّ حقبة ما بعد نظام الأسد قد تخلق فرصاً لاستئناف المحادثات الدبلوماسية بين سوريا وإسرائيل، لكن الأمر سيعتمد على ظهور حكومة مركزية مستقرة ومعتدلة في سوريا، فيما أشار معهد “كوينسي”، بدوره، إلى رغبة واشنطن في ضمان التطبيع بين إسرائيل وسوريا، قبل سحب قواتها من الأخيرة.
رصيف 22
————————
إسرائيل تُعزّز سطوتها من بوابة الأقليّات… ماذا تريد من دروز سوريا؟/ معاذ سعد فاروق
الأربعاء 7 مايو 2025
على خلفية الأحداث المتصاعدة في سوريا منذ تولّي الإدارة الجديدة ورئيسها أحمد الشرع، قيادة البلاد، نشبت اشتباكات دامية خلال الأيام الماضية، بين مسلّحين دروز وفصائل مسلّحة موالية للإدارة، نتج عنها سقوط العديد من الضحايا في بلدتَي صحنايا وجرمانا في ريف دمشق.
ولم تنتظر إسرائيل كثيراً حتى تتدخل في الصورة، فسرعان ما شنّت هجمات عسكريةً، بدعوى “حماية الأقلية الدرزية”، على جماعات وصفتها بـ”المتطرفة”، كما قصفت محيط القصر الجمهوري في تهديد واضح للشرع، بأنّ “إسرائيل لن تسمح بالمساس بالدروز”.
أخذت هذه الحماية شكلاً “إنسانياً”، لدى إعلان إسرائيل عن قيام مروحية تابعة لسلاح الجو لديها بإيصال مساعدات إنسانية ومعدّات لأبناء الطائفة الدرزية جنوبي سوريا، وذلك بهدف “تمكين الدروز من التعامل مع التحديات الإنسانية”، بحسب وصف مصادر إسرائيلية.
كذلك، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، عن إجلاء مدنيين سوريين دروز بواسطة مروحية، لتلقّي العلاج الطبي داخل الأراضي الإسرائيلية.
لكن لا يخفى على المتابعين والمحللين، أنّ وراء هذه “الحماية” المفتعلة، التي تتزامن مع ترويج إسرائيل لزيارات دينية تقوم بها وفود من الطائفة الدرزية السورية إلى الأراضي الإسرائيلية، سياسات ومصالح توسعيةً لا تخفيها إسرائيل أبداً، ولا سيّما تلك التي تبدّت إثر سقوط نظام الأسد، وتُرجمت إلى دخول واستيلاء وفرض سيطرة على الأرض.
توسّع تحت غطاء “الحماية”
“تتلخص خطط بنيامين نتنياهو، في الأحلام التوسعية التي تأتي مدفوعةً بأحلام اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسيطر على الحكومة، مبرراً كل التحركات العدوانية الإسرائيلية خلال العامين الأخيرين، بوجود اليمين المتطرف في الحكومة وسيطرته عليها، ولا سيّما الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش”، يقول محمد الليثي، الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية.
“وانطلاقاً من هذه الأحلام، يعلن نتنياهو دعمه الكامل للدروز والدفاع عنهم. هو دعم يأتي في إطار اللعب بأوراق الأقليات من أجل تحقيق هدف جيو-سياسي”، يضيف.
يعدّ الليثي، استضافة الوفود الدرزية في إسرائيل، مغازلةً إسرائيليةً للدروز السوريين، تقف وراءها خطة أوسع تتمثل في تقسيم سوريا، عبر إشعال فتيل الفتنة بين مختلف أطياف المجتمع السوري، ويشير إلى أنّ إسرائيل استغلّت علاقة الدروز الفلسطينيين في الداخل بدروز سوريا، تمهيداً لغرض توسعي إسرائيلي.
ومن ناحية أخرى، يلفت أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، إلى أنّ عين إسرائيل موجهة صوب الجولان وجبل الشيخ، وتسكنهما الأقلية الدرزية. “هذه قمم عالية يُرى قلب دمشق منها. وتالياً، هي مناطق إستراتيجية، تستهدف إسرائيل سكانها كي تُحكم السيطرة عليها”، يقول في حديثه إلى رصيف22.
هل تطمح إسرائيل إلى دويلات طائفية في سوريا؟
وعن سؤال حول نوايا إسرائيل إثارة فتنة طائفية في سوريا، يجيب الليثي: “إسرائيل تسعى بالفعل إلى إثارة فتنة في سوريا بهدف إضعافها، ومن ثم السيطرة على جزء كبير من الأراضي وضمّها إليها، على غرار الجولان المحتل، في إطار خطة طويلة الأمد”.
يدعم هذا الطرح الدكتور أيمن الرقب، الذي يرى أنّ إسرائيل تخطط لضرب التركيبة الاجتماعية داخل سوريا، عبر العبث بها ورفع قيم الصراع بشكل واضح وصريح، مشدداً على أنّ الغرض من تحريك ملف الدروز هو إحداث فتنة والذهاب نحو تقسيم سوريا.
أما أيمن شيب الدين، المحامي المستقلّ والناشط في مجال حقوق الإنسان، وهو من السويداء، فيقول لرصيف22: “بحكم أن إسرائيل دولة احتلال، وبحكم تطبيع العرب معها، ونظراً إلى الوضع الانتقالي غير المستقر في سوريا، واستلام السلفية الجهادية السلطة، تخشى إسرائيل من اقتراب أتباعها من حدودها المفترضة. وتالياً، فهي معنية بضرب طوق أمني عازل”.
ويضيف: “لا يمكن تسمية ذلك دعماً إسرائيلياً لدروز سوريا. هذه مصالح سياسية وأمنية إسرائيلية، تستثمرها من خلال استخدام دروز سوريا”.
وتعقيباً على “التغيير” الذي تحدث عنه الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، حين قال إنّ نتنياهو أصدر تعليمات تتعلق بالأحداث في سوريا وإنّ تغييراً قريباً سيحدث، عقّب الليثي قائلاً: “يأتي هذا كرسالة في إطار الخلافات الداخلية التي تسببت في اندلاع الاشتباكات. لكن الدروز في سوريا يدركون جيداً أهمية وحدة الأراضي السورية واستقلالها”.
“دعم الدروز في سوريا هو ضريبة كلامية لدقّ الأسافين في الجسد السوري”، يقول المحامي والكاتب سعيد نفاع، مؤكداً على أنّ لإسرائيل سياسةً تهدف إلى تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية.
“هذا مخطط قديم، لكنها ترى اليوم فرصةً سانحةً لتنفيذه، ولا سيّما أنّ الفتنة خدمة كبيرة لمخطط كهذا، وقد حاولت تنفيذه إثر حرب عام 1967، وأفشله الدروز وقادتهم في سوريا ولبنان والجولان المحتل”.
رابط “وهمي” بين إسرائيل ودروز سوريا
“ليس ثمة علاقة بين دروز سوريا وإسرائيل. هذا كلام مغلوط ويجب تصحيحه”؛ يقول شيب الدين، ويردف شارحاً: “ثمة علاقة تربط دروز سوريا بالدروز الفلسطينيين فحسب. فهم عشيرة واحدة وتجمعهم هذه الروابط منذ ما قبل احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. تماماً كما يرتبط اللاجئون الفلسطينيّون بعد نكبة عام 1948، بإخوانهم وأقاربهم الذين ظلّوا في الداخل”.
وفي السياق، يقول الليثي: “أتباع الطائفة الدرزية موجودون في سوريا ولبنان وإسرائيل والأردن، والداخل الفلسطيني. صحيح أنّ من الأخيرين من يخدم في صفوف الجيش الإسرائيلي، إلا أنّ الطائفة الدرزية، على الرغم من الفصل الحدودي بين أبنائها، تسعى إلى الحفاظ على هذا الترابط المجتمعي”.
أما نفاع، فيقول إنه يمكن الحديث عن ترابط بين إسرائيل ودروز الداخل. “حدث ذلك بقوة القوانين الإسرائيلية فحسب، ولا سيّما قانون التجنيد الإجباري المفروض على شبابنا. لكن مع سائر الدروز في المنطقة، لا ترابط لا من قريب ولا من بعيد. رابطهم الحقيقي هو مع فضائهم العربي والإسلامي”، يقول.
“تسعى إسرائيل إلى تغذية هذا الرابط بينها وبين الدروز، لأنه يعزز الطائفية بشكل كبير، ولا سيما أنّ دولة إسرائيل قائمة على مجموعة من الإثنيات-الطوائف المختلفة”، يقول الرقب، لافتاً إلى أنّ إسرائيل ترى في الدروز فئةً قابلةً، بحسب مرجعيتها الدينية، إلى أن تمنح ولاءها للدولة الحاكمة، أو لإسرائيل في هذه الحالة. هذا ما تسعى هذه الدولة إلى فرضه وتثبيته.
ماذا تحمل زيارات السوريّين الدينية؟
يشير نفاع، إلى أن الزيارات الدرزية إلى سوريا، بدأت عام 2000، كمشروع تواصل. “كنت من القائمين عليها حتى توقفت عام 2010″، يضيف. أما الزيارات من سوريا إلى الداخل الفلسطيني، فكانت بهدف زيارة المقام المقدّس عند الدروز، وهو مقام النبي شعيب، حيث قبره في سهل حطّين. وبحسب نفاع، الوفود التي كانت تحضر، هي وفود من قرى احتلتها إسرائيل عام 1973 في حرب تشرين الأول/ أكتوبر؛ كقرية حضر.
يرى نفاع أنّ الغرض من زيارة وفد من الدروز السوريين إلى إسرائيل ومبيتهم فيها، سياسي محض، يخدم المؤسسة الإسرائيلية والموالين لها من دروز البلاد، ويهدف إلى ضرب النسيج الوطني السوري. “الغريب أنّ المعلومات تشير إلى أنها جرت بتنسيق مع نظام دمشق الجديد”، يضيف.
لكن شيب الدين، يرفض تضخيم زيارة الوفد الدرزي إلى إسرائيل، خاصةً أنها زيارة لمقام ديني مقدّس لدى الطائفة الدرزية، وتأتي نظراً إلى وجود رابطة دم بين دروز سوريا ودروز فلسطين قبل قيام إسرائيل بقرون.
ويستدرك: “مع العلم أنّ تلك الزيارة تمت بموافقة رسمية من السلطة السورية، إذ عبرت الوفود الحدود بشكل رسمي، وعادت بشكل رسمي، ولم تتمّ في الخفاء”.
“معارضة السلطة ليس ميلاً باتجاه إسرائيل”
“نحن مسالمون، ولا نحمل موقف عداء أيديولوجي تجاه أحد. نرى في إسرائيل دولة احتلال، وها هي ذي تحتل أراضي سورية. ونعتقد أن استعادة الأرض والحقوق الخاصة بنا وبالشعب الفلسطيني، يجب تحصيلها عبر السلام والدبلوماسية والقانون الدولي والمقاومة المدنية السلمية”، يقول شيب الدين.
ويردف: “نحن نرى جيداً كم أضرّت المقاومة الإسلامية الرّاديكاليّة بفلسطين وبالشعب الفلسطيني وقضيته، وكيف، من جهة أخرى، خذلت الدول العربية والإسلامية القضية الفلسطينية وتاجرت بها، فسارعت إلى تطبيع منفرد مع إسرائيل، دون إجراء استفتاء شعبي، ودون ضمان حقوق الفلسطينيين في استعادة أرضهم وحقوقهم”.
ويشدد شيب الدين، على أنّ “أصوات دروز سوريا هي أصوات سورية لا طائفية، تريد السلام لسوريا. موقف هذه الأصوات علنيّ فوق الطاولة، وليس كالمواقف التطبيعية تحت الطاولة، التي تحاول السلطة السورية اليوم أخذها، كما أخذتها معظم الأنظمة العربية”.
ويضيف مؤكداً: “نحن سوريون، نقف مع ما يقرره الشعب السوري أجمع، وليس مع ما تقرره السلطة مُنفردة. هذا الموضوع مصيري ولا يُستهان به”.
وعلى الرغم مما يقال بشأن قبول الدروز للتدخل الإسرائيلي في سوريا، يؤكد نفاع، على أن الغالبيّة العظمى من دروز سوريا ضد أي علاقة مع إسرائيل، موضحاً أن للدروز بحكم التاريخ والجغرافيا، وبغض النظر عن عددهم، دوراً كبيراً في سوريا واستقلالها، بدءاً بالثورة السورية الكبرى عام 1925، التي قادها باسم الشعب السوري، الدرزي سلطان باشا الأطرش.
يؤكد شيب الدين، من جانبه، على أنّ الطائفة الدرزية، التي بالكاد تُشكّل نسبة ما بين 2 أو 3% من سكان سوريا، مشهود لها تاريخياً بوطنيّتها وتمسّكها بسوريا الأمّ”، موضحاً أن معارضة دروز سوريا اليوم للسلطة القائمة ليس مردّه إلى الانفصال عن سوريا، أو الذهاب باتجاه إسرائيل، بل إبداء موقف من أجل بناء دولة وطنية ديمقراطية، تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية والعدالة وفصل السلطات ومبادئ حقوق الإنسان. “للأسف، لم تعمل السلطات الحاكمة في سوريا اليوم على أيّ من هذا. والإعلان الدستوري كان مُخيّباً للآمال، ويُؤسّس لاستبداد جديد في سوريا؛ استبداد سياسي وديني”.
يُذكر أنّ الرئيس الشرع، وقّع في آذار/ مارس الماضي، اتفاقيةً مع دروز السويداء، تنصّ على دمجهم في المؤسسات الانتقالية للبلاد، مع ضمان تشكيل قوات شرطة محلية منهم، والاعتراف بهوية المجتمع الثقافية. وعلى الرغم من أنّ الاتفاق دخل حيّز التنفيذ قبل أيام لإنهاء الاشتباكات المسلحة بين الفصائل الموالية للسلطة وأهالي المنطقة، إلا أن الأولى لاقت انتقادات لاذعةً من أطراف درزية عدة.
فقد اتهم حكمت الهجري، أحد مشايخ الطائفة الدرزية في سوريا، الحكومة بقتل شعبها بواسطة عصابات تكفيرية، مطالباً بالحماية الدولية والعون المباشر.
سلام مع إسرائيل؟
وفي ضوء الجدل حول موقف الإدارة الجديدة من التطبيع مع إسرائيل، يرى الرقب أنّ الرئيس السوري المؤقت لا يستطيع الدخول في صدام مع إسرائيل، وأنّ غرض الأخيرة، الابتزاز ودفع سوريا نحو توقيع اتفاق سلام معها على المدى القريب.
من جانبه، يلفت أنطوان شلحت، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، إلى أنّ إسرائيل تحاول أن تخوض، عبر الدروز في سوريا، صراع نفوذ مع تركيا. كما أنها تحاول إحباط جهود الرئيس السوري أحمد الشرع، من أجل توحيد سوريا تحت حكم مركزي. فإسرائيل ترى أن الشرع سيقيم نظاماً جهادياً خطيراً.
ويوضح الباحث في حديثه إلى رصيف22، أن الكثير من التحليلات الإسرائيلية تعيد التذكير بأن هذا النهج يشبه محاولات إسرائيل تبنّي الطائفة المارونية المسيحية في لبنان، ولا سيّما خلال حرب عام 1982، وقيامها بدعم الأقلية الكردية في العراق كقاعدة عمليات ضد نظام صدام حسين سابقاً وضد إيران.
ويختم شلحت قائلاً: “ما يثير التفاؤل، أنّ هناك رفضاً شبه مطلق من الدروز في سوريا لهذا المسعى الإسرائيلي المغرض، وثمة من يعدّ هذا المسعى بمنزلة تهديد خارجي يشكل خطراً على النسيج الوطني السوري”، مشدداً على أن “هذا التهديد الخارجي يهدف إلى تقسيم سوريا، وإلى تغيير خريطتها السياسية. وعليه، يجب الوقوف في وجهه والتصدي له”.
رصيف 22
———————————–
الجّهاد ( يرجى الضغط برفق على الصورة لسماع التسجيل)
لمن يود الاستماع، لن اعلق على هذا التسجيل ، سيفهمه كلّ منّا كما يشاء أو تشاء.
عنوان عريض بكلمة واحدة ( الجّهاد)
—————————-
من يسد الفراغ في سوريا.. ومن يرفع الغطاء عن أقلياتها/ ساطع نور الدين
لم يخطىء الرئيس السوري احمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني الهدف ولو لمرة واحدة. في شريط الفيديو القصير الذي أذيع بالأمس، أظهرا معاً مهارة لا بأس بها في لعبة كرة السلة، وتمكنا في تسجيل ستة أهداف متتالية، في الملعب الخاص الذي يبدو انه يتبع للمجمع الرئاسي في دمشق، والمحاط بسياج مرتفع يعزله عما حوله من إضطراب سياسي وأمني تعيشه العاصمة السورية ومعها بقية انحاء سوريا المتمردة أو على الأقل الممتنعة عن التسليم بحكم الرجلين القويين، اللذين ورثا على عجل حكم الطاغية الفار بشار الأسد قبل خمسة أشهر.
الفيديو بحد ذاته هو بلا شك دليل إطمئنان يتمتع به الرئيس الانتقالي ووزير خارجيته الأقرب والأوثق، يتحدى الاحداث السورية المؤلمة التي ليس لها صلة بالرياضة لا من قريب ولا من بعيد، والتي أوحت مرة أخرى ان طريق سوريا الى السلام والاستقرار ما زال طويلاً، وما زال بعيداً جداً عن المصالحة الوطنية الموعودة، التي انتهكتها مجازر الساحل مطلع آذار الماضي، ومواجهات جبل العرب الدرزي التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، ولو بشكل متقطع، يوحي بأن “المسألة الدرزية” في سوريا عصية على الاحتواء هذه المرة.
في البدء لا مفر من الاعتراف بأن إطمئنان الرجلين ليس مشهداً تمثيلياً مصطنعاً، بل هو واقعي جدا، سواء بالاعتماد على وقائع الأمن التي عمقت في الأسابيع القليلة الماضية الشروخ في المجتمع السوري، أكثر من أي وقت مضى، أو بالنظر الى حقائق السياسة التي أفرزتها تلك الفترة، والتي كانت كلها تصب في مصلحة الحكم الانتقالي المديد لهيئة تحرير الشام وحلفائها الإسلاميين، الذين ما زالوا يحظون برضا عربي ودولي..لا تخرقه سوى دولة إسرائيل التي توجه ضربات عسكرية متلاحقة لمشروع الدولة السورية العتيدة، بحجة حماية جبهتها الشمالية مع سوريا من أي خطر إسلامي محتمل، وبذريعة حماية الأقلية الدرزية التي تشعر هذه الأيام أنها معرضة لخطر وجودي حقيقي.
وهذا الإحساس الدرزي بالخطر ينسحب أيضا على العلويين، الذين إفتعلت مجموعات من معتوهيهم إشتباكات مع السلطات الانتقالية الإسلامية الجديدة في دمشق، أسفرت عن مجازر مروعة بحق نسائهم واطفالهم، وما زالت من دون حساب ولا عقاب، ولا حتى تحقيق جدي، في ذلك العمل الانقلابي الاخرق، الذي لم يقلده الدروز، وهم أصغر الأقليات السورية الباقية، بل إكتفوا، بمطالبة الحكام الإسلاميين الملتزمين بإحياء الشريعة، بدولة مدنية ديموقراطية، هي في معايير هيئة تحرير الشام وشركائها، دولة كفر وزندقة لا أكثر ولا اقل! وبلغ الوهم الدرزي ذروته عندما صدّق بعض الدروز أن إسرائيل يمكن ان تكون حامية لهم، وراعية لحقوقهم الوطنية، أو عندما تقدموا بمطالب سياسية خيالية، مبنية على تاريخهم الوطني وحده.
وأمام الحالتين العلوية والدرزية، وقبلهما الحالة الكردية المفتوحة هي الأخرى على المجهول، يبدو أن من حق حكام دمشق أن يشعروا بالارتياح الى أن تفويضهم الخارجي لم يتأثر حتى الآن بالمجازر التي ارتكبت بحق الاقليتين العاصيتين، ولم تعبر أي عاصمة عربية أو دولية حتى عن “قلقها” مما يجري في سوريا، أو عن عزمها على البحث بسحب التفويض الممنوح للحكم الإسلامي الانتقالي في سوريا، الذي لم يتمكن حتى الآن من تأسيس بنى انتقالية مقنعة لمختلف السوريين، ومن رسم خريطة طريق واعدة نحو المستقبل، بل فعل العكس تماما، ولم ينجح حتى في الاستجابة لمطلب إرساء العدالة الانتقالية، وهو أهم وأقدس مطالب الاجماع الوطني السوري، والذي من دونه لن يتوقف السير نحو حرب أهلية سورية طاحنة، تتخطى الحرب الاهلية اللبنانية.
الصمت المريب، العربي والتركي تحديداً، إزاء ما يجري في سوريا الآن، لا يمكن أن ينسب فقط الى مهل زمنية منحت للسلطة الإسلامية الانتقالية في دمشق، ولا يمكن أن يعزى الى سحب الغطاء عن العلويين والدروز والكرد وغيرهم.. ثمة فراغ سوري لن تسده القوة، ولن يعوضه تسجيل أهداف رياضية، تقع خارج السياسة.
——————————–
أبرز مطالب إسرائيل في ثالث جولات المحادثات مع تركيا حول سورية/ نايف زيداني
08 مايو 2025
إسرائيل تطالب بعدم نشر قوات عسكرية أو أسلحة استراتيجية قرب الحدود
“كان”: أنقرة تخطط لإنشاء سبع قواعد عسكرية في سورية
الجولة الثالثة من المباحثات تشهد تمثيلاً أعلى من سابقتيها
تستضيف أذربيجان، اليوم الخميس، جولة ثالثة من المحادثات بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، بشأن سورية، بمشاركة مندوبين بمستوى أرفع من الجولات السابقة. وستركّز المفاوضات، بوساطة الدولة المضيفة، على التوترات المتزايدة بين البلدين بسبب الدور التركي في سورية الذي يثير قلق تل بيب.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية “كان”، الخميس، أن أنقرة تخطط لإنشاء سبع قواعد عسكرية في سورية، ما يثير قلقاً في تل أبيب. وأضافت أن إحدى القنوات التركية عرضت، في الآونة الأخيرة، خريطة تُظهر المواقع المحتملة لهذه القواعد تحت عنوان: “كيف ستحمي تركيا سورية؟” واعتبرته الهيئة العبرية عنواناً مستفزاً.
وأشارت القناة 11 العبرية، التابعة لهيئة البث، مساء أمس الأربعاء، أن إسرائيل ستطرح مطلبين رئيسيين، هما عدم وجود قوة عسكرية تهدد إسرائيل بالقرب من الحدود مع سورية، وأن لا تكون هناك أسلحة استراتيجية في سورية قد تشكل تهديداً لأمن إسرائيل. كما يبحث الطرفان أيضاً قضايا تتعلق بالساحة اللبنانية والتدخل التركي في المنطقة، ولم تحقق الجولات السابقة من المحادثات التي عُقدت على مستوى أدنى، تقدماً كبيراً.
وكانت باكو استضافت في 9 إبريل/نيسان الماضي الاجتماع الأول بين تركيا وإسرائيل خُصص لإنشاء آلية لتفادي الصدام “منعاً لحصول حوادث غير مرغوب فيها بسورية”، واعتبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وقتها أنه “بينما نقوم بعمليات معينة في سورية، يتعين أن يكون هناك آلية تفادي صدام في مرحلة معينة مع إسرائيل التي تحلّق طائراتها في تلك المنطقة، تماماً كما نفعل مع الأميركيين والروس”، منتقداً سياسة إسرائيل إزاء الحكومة السورية الجديدة. وقال إن “سورية كونها دولة مستقلة إذا دخلت في اتفاق عسكري معنا فنحن مستعدون لتقديم أي دعم نستطيع لها” لافتاً إلى أن “أي حالة عدم استقرار في بلد جار لتركيا ستؤثر عليها ويتسبب لها بأذى”.
ووجهت تركيا انتقادات إلى دولة الاحتلال بسبب توغلها في الأراضي السورية وانتهاكتها اتفاقية فض الاشتباك 1974 وشنها غارات على عدة مواقع في سورية ومن ضمنها استهداف منطقة قريبة من القصر الرئاسي في دمشق في إبريل/نيسان الماضي، ومن جهتها أبدت إسرائيل عدم ارتياحها للعلاقات السورية التركية ووجهت تحذيرات إلى أنقرة من مغبة إنشاء قواعد عسكرية في سورية أو نصب أنظمة دفاع جوي.
————————————
مسؤولون سوريون عقدوا اجتماعات سرية داخل إسرائيل
الخميس 2025/05/08
كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن زيارة قام بها مسؤولون سوريون إلى إسرائيل، بهدف فتح قناة اتصال مباشرة بين دمشق وتل أبيب، وذلك بوساطة من الإمارات.
زيارة سرية
ونقلت الصحيفة العبرية عن مصادر سورية، أن “الوفد ضمّ مسؤولين من محافظة القنيطرة، إضافة إلى شخصية رفيعة في مجال الدفاع”، موضحة أنهم أجروا اجتماعات استمرت عدة أيام مع مسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية داخل إسرائيل.
ولفتت “هآرتس” إلى أن الزيارة غير مُعلنة، وجرت بسرية تامة، مشيرةً إلى أنها تزامنت مع زيارة وفد ديني من دروز سوريا إلى مقام النبي شُعيب شمالي الأراضي الفلسطينية فلسطين المحتلة.
وخلال زيارته إلى فرنسا، أمس الأربعاء، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن هناك مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، موضحاً أنها تتم عبر وسطاء وتتعلق بالتهدئة ووقف الانتهاكات، لعدم فقدان السيطرة في المنطقة، مشدداً على التزام دمشق باتفاقية فض اشتباك القوات لعام 1974.
ولفت الشرع، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى أن سوريا تتواصل مع كل الدول التي لها علاقة مع إسرائيل، من أجل وقف انتهاكاتها ضد الأراضي السورية، مضيفاً أن إسرائيل قصفت سوريا أكثر من 20 مرة الأسبوع الماضي، “وعليها التوقف عن تصرفاتها العشوائية وتدخلها في الشأن السوري”.
وساطة إماراتية
وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت أمس الأربعاء، عن مصادر مطلعة، أن الإمارات أنشأت قناة سرية لإجراء محادثات بين سوريا وإسرائيل، في الوقت الذي تسعى فيه القيادة الجديدة لسوريا للحصول على دعم إقليمي لإدارة العلاقة المتوترة مع تل أبيب.
وقال مصدر أمني سوري ومسؤول استخباراتي إقليمي، إن هذه الاتصالات غير المباشرة، التي لم يُكشف عنها من قبل، تركز على قضايا أمنية واستخباراتية وبناء الثقة بين الجانبين الذي لا يرتبطان بعلاقات دبلوماسية رسمية.
وأشار المصدر الأول إلى أن هذه الجهود، بدأت بعد أيام من زيارة الشرع إلى الإمارات، في 13 نيسان/أبريل الماضي، وتركز حالياً على “مسائل فنية”، لافتاً في الوقت نفسه، إلى أنه من غير المستبعد أن تتوسع نطاق المواضيع لاحقاً.
وأكد المصدر السوري أن القناة الإمارتية الخلفية، تقتصر على القضايا المتعلقة بالأمن، وملفات مرتبطة بمكافحة “الإرهاب”، لكنها لا تشمل الشؤون العسكرية الخالصة، خصوصاً تلك المتعلقة بأنشطة جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي السورية.
—————————–
إخلاء جماعي للطلاب الدروز من جامعات سوريا..بعد اعتداءات طائفية
الخميس 2025/05/08
غادر آلاف الطلاب الدروز الجامعات السورية في مختلف المحافظات، نتيجة الاعتداءات الطائفية والتحريض على ارتكابها، والتي أدت إلى جرح عدد منهم.
ويأتي قرار الطلاب بالمغادرة، على خلفية التسجيل المسيء للنبي محمد، وما تلاه من مواجهات مسلّحة بين مجموعات مسلّحة درزية والأمن العام المدعوم بالجيش السوري في جرمانا وأشرفية صحنايا، في ريف دمشق.
الجامعات خالية
وقالت مصادر متابعة لـ”المدن”، إن جامعات حلب ودمشق وحمص، شهدت هجرة جماعية للطلاب الدروز نحو محافظة السويداء على وجه التحديد، بعد تعرضهم لاعتداءات طائفية وهجمات من قبل طلاب آخرين من طائفة أخرى، وسط خطاب طائفية يحض على استمرار الاعتداءات ضدهم والدروز بشكل عام، ما دفعهم لاتخاذ قرار الهجرة.
وطالب طلاب جامعيون من السويداء، الحكومة السورية باتخاذ إجراءات رادعة للحد من الخطاب الطائفي المستمر ضدهم، والذي يحرض على الاعتداء عليهم. وأضافوا في حديث لـ”المدن”، أن الجامعات السورية باتت خطراً على حياتهم ومستقبلهم التعليمي، بسبب ذلك.
وأوضحوا أن آلاف الطلاب الدروز غادروا الجامعات متجهين إلى منازلهم، منذ بدء موجة الاعتداءات الطائفية عقب انتشار التسجيل المسيء للنبي محمد، مشيرين إلى أن مئات الطلاب ما زالوا يغادرون الجامعات حتى الآن.
إجلاء جماعي
في غضون ذلك، قالت شبكة “السويداء 24″، إن 308 طالب وطالبة، من اختصاصات مختلفة في جامعات محافظة حلب، عادوا إلى محافظة السويداء، أمس الأربعاء، في عملية إجلاء جماعي للجامعة، وذلك بعد حوالي 10 أيام من اندلاع أحداث عنف طائفية طالت أبناء محافظة السويداء، وكانت بدايتها من جامعتي حمص ودمشق.
وأضافت الشبكة أن الطلاب الموجودون في محافظة حلب، حاولوا العودة إلى السويداء منذ بداية أحداث العنف، خصوصاً بعد تعرض طالب من أبناء المحافظة لعملية طعن واعتداء من طلاب آخرين على خلفية طائفية بحتة. وأوضحت أن عملية عودتهم تعثرت عدة مرات بسبب الظروف الأمنية على الطرقات، حتى تم إجلاؤهم، أمس الأربعاء.
ونقلت عن أحد الطلاب قوله إن “حرمانهم من جامعاتهم، ليس له أي مبرر على الإطلاق”، وأن “الصمت الحكومي من وزارة التعليم ووزارة الداخلية إزاء هذه الأحداث، أشعرهم بخطر أكبر على حياتهم وعلى مستقبلهم”.
وبدأت شرارة العنف الطائفي من جامعة حمص، قبل 10 أيام، حين اعتدى طلاب على زملاء لهم من الطائفة الدرزية، على خلفية انتشار تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد، نفى صاحبه وكذلك الحكومة السورية صحته، ما أدى لإصابة بعضهم بجروح، قبل أن يمتد العنف والتحريض الطائفي إلى باقي الجامعات.
————————————-
وساطة إماراتية لبناء الثقة بين إسرائيل وسوريا
تبديد المخاوف الأمنية الإسرائيلية يعطي الشرع فرصة للاستقرار.
الخميس 2025/05/08
وسيط إماراتي موثوق به
دمشق – فتحت الإمارات قناة اتصال لمحادثات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، في مسعى لبناء الثقة بين البلدين ما يفضي لاحقا وبعد استيفاء شروط التفاوض إلى وقف الاستهداف العسكري الإسرائيلي المتواصل لسوريا وما يخلفه من توترات أمنية واجتماعية تعيق سعي حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع لتأمين الاستقرار.
وتتركز الخطوات الأولى من المحادثات غير المباشرة على الجانب الأمني، وهو يتعلق بالأساس بتبديد المخاوف الأمنية الإسرائيلية بشكل يعطي مصداقية لما يقوله الرئيس السوري بشأن عدم عداء حكومته لإسرائيل.
ويقول مراقبون إن التوتر القائم بين سوريا وإسرائيل يحتاج إلى وسيط يحوز ثقة الطرفين وقادر على المساعدة في إزالة الشكوك والبدء بخطوات عملية ولو متدرجة من أجل بناء الثقة، وهو ما يتوفر في الإمارات.
دمشق ترى أن علاقات الإمارات مع إسرائيل، التي بدأت باتفاق تاريخي في 2020، تشكل مضمارا أساسيا لمناقشة عدة قضايا بالنظر إلى غياب علاقات مباشرة
وتوفّر هذه الوساطة مخرجا واقعيا بالنسبة إلى الحكومة السورية، التي تريد أن تقنع الإسرائيليين بأنها لا تعاديهم، وأن تفكيرها يتجه إلى القضايا الداخلية، خاصة أن الإسرائيليين لا يصدّقون ما يقال من طمأنة في دمشق قياسا على خلفية التاريخ المتطرف لهيئة تحرير الشام التي تسيطر على الحكم في دمشق.
وفي غياب التحرك الإماراتي يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، بحيث أن تستمر إسرائيل في الانتشار بسوريا والتقدم كل مرة لتستحوذ على موقع جديد، وتحريك ورقة الأقليات كورقة ضغط إضافية على دمشق التي لا تقدر على القبول بالأمر الواقع من ناحية، ولا تقدر أن ترد الفعل خوفا من صدام غير متكافئ مع الجيش الإسرائيلي من ناحية ثانية.
وسيكون نجاح الوساطة مرهونا بمدى استعداد دمشق للتجاوب مع المخاوف الأمنية الإسرائيلية التي تتعلق بالمجموعات المتطرفة التي تم دمجها في الحكومة سواء تعلق الأمر بالمقاتلين السوريين أم الأجانب، حيث يثير وجودهم داخل القوات الحكومية مخاوف في إسرائيل وفي الإقليم ككل.
واعترف الشرع خلال زيارته إلى باريس بوجود مسار تفاوضي مع إسرائيل قائلا “نجري مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع، بحيث لا تصل الأمور إلى حد تُفقد فيه السيطرة من كلا الطرفين.”
وأضاف “إسرائيل قصفت سوريا أكثر من 20 مرة الأسبوع الماضي، وعليها التوقف عن تصرفاتها العشوائية وتدخلها في الشأن السوري.”
وأفاد مصدر مطلع ومسؤول أمني سوري ومسؤول مخابرات إقليمي بأن الاتصالات غير المباشرة، التي لم يُعلن عنها سابقا، تركز على مسائل أمنية ومخابراتية وبناء الثقة بين دولتين لا تربطهما علاقات رسمية.
ووصف المصدر الأول الجهود، التي بدأت بعد أيام من زيارة الرئيس السوري للإمارات في 13 أبريل، بأنها تركز حاليا على “مسائل فنية”، وأضاف أنه لا حدود لما قد يشمله النقاش في نهاية المطاف.
وقال المصدر الأمني السوري الكبير لرويترز إن قناة الاتصال تقتصر فقط وحصريا على القضايا الأمنية، مع التركيز على عدد من ملفات مكافحة الإرهاب. وأضاف أن المسائل العسكرية، وخاصة تلك المتعلقة بأنشطة الجيش الإسرائيلي في سوريا، خارج نطاق المناقشات حاليا.
وذكر المصدر المخابراتي أن مسؤولين أمنيين إماراتيين ومسؤولين في المخابرات السورية ومسؤولين سابقين في المخابرات الإسرائيلية شاركوا في قناة الاتصال، من بين آخرين.
وجرت جهود الوساطة قبل ضربات إسرائيلية على سوريا في الأسبوع الماضي، بما في ذلك غارة على بعد 500 متر فقط من القصر الرئاسي في دمشق.
وتوجه إسرائيل عبر تلك الغارات رسالة إلى قادة سوريا الجدد ردا على تهديدات للدروز، وهم أقلية دينية في سوريا ولبنان وإسرائيل. ووفقا لأحد المصادر ودبلوماسي إقليمي، جرت وساطة غير رسمية بين إسرائيل وسوريا بهدف تهدئة الوضع خلال الأسبوع الماضي عبر قنوات أخرى.
وندّدت السلطات السورية بالضربات الإسرائيلية ووصفتها بالتصعيد والتدخل الخارجي، وقالت إن الحكومة الجديدة في دمشق تعمل على توحيد البلاد بعد حرب دامت 14 عاما.
ويبذل القادة الجدد في سوريا جهودا لإظهار أنهم لا يشكلون أيّ تهديد لإسرائيل، إذ التقوا بممثلين عن الجالية اليهودية في دمشق وخارجها وألقت السلطات القبض على عضوين بارزين في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، والتي شاركت في هجوم السابع من أكتوبر 2023.
التوتر بين سوريا وإسرائيل يحتاج إلى وسيط يحوز ثقة الطرفين وقادر على المساعدة في إزالة الشكوك والبدء بخطوات عملية لبناء الثقة
وجاء في رسالة من وزارة الخارجية السورية إلى وزارة الخارجية الأميركية الشهر الماضي “لن نسمح لسوريا بأن تشكل مصدر تهديد لأيّ طرف بما في ذلك إسرائيل.”
وضربت إسرائيل أهدافا في سوريا على مدى سنوات في حملة ظل عسكرية سعت بها إلى إضعاف إيران وحلفائها ومنهم جماعة حزب الله اللبنانية التي زاد نفوذها بعد تدخلها في الحرب الأهلية إلى صف بشار الأسد.
وازدادت عمليات الجيش الإسرائيلي حدة منذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر وقالت إنها لن تسمح بوجود إسلامي مسلح في جنوب سوريا. وقصفت إسرائيل ما قالت إنها أهداف عسكرية في أنحاء البلاد كما دخلت قوات برية إسرائيلية إلى جنوب غرب سوريا.
وذكرت رويترز في فبراير أن إسرائيل ضغطت على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا لا مركزية ومعزولة واستندت في ذلك إلى شكوك في الشرع الذي قاد من قبل جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة قبل أن يقطع صلاته بالتنظيم في 2016.
وقالت المصادر إن حكومة الإمارات لديها أيضا مخاوف بشأن الميول الإسلامية لقادة سوريا الجدد لكن اجتماعا بين الشرع ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الشهر الماضي سار بشكل جيد جدا مما ساهم في تهدئة بعض مخاوف أبوظبي.
وأشارت المصادر إلى أن الاجتماع استمر لعدة ساعات ما تسبب في تأخر الشرع عن ارتباط بعده. وقالت المصادر إن قناة الاتصال السرية مع إسرائيل بدأت بعد أيام من ذلك.
وترى دمشق أن علاقات الإمارات مع إسرائيل، التي بدأت باتفاق تاريخي توسطت فيه الولايات المتحدة في 2020، تشكل مضمارا أساسيا لمناقشة قضايا مع إسرائيل بالنظر إلى غياب العلاقات المباشرة بين الدولتين.
العرب
——————————-
إسرائيل: شغّلنا منشأة طبية للدروز على حدود سوريا
دبي – العربية.نت
نشر في: 08 مايو ,2025
أعلن الجيش الإسرائيلي أنه باشر تشغيل ما سمّاها “منشأة ميدانية متنقلة للتصنيف الطبي للمصابين في جنوب سوريا”، في منطقة قرية الخضر.
مشايخ الدروز يتمسكون باتفاقهم مع السلطات السورية.. ويدعون لوقف النار
سوريا سوريا مشايخ الدروز يتمسكون باتفاقهم مع السلطات السورية.. ويدعون لوقف النار
“منشأة طبية”
وأضاف المتحدث باسمه أفخاي أدرعي، عبر منصة إكس اليوم الخميس، أن هذه المنشأة تُعدّ جزءًا مما سماها “جهوداً متعدّدة ينفّذها الجيش بهدف دعم السكان السوريين من أبناء الطائفة الدرزية، والحفاظ على أمنهم”، وفق زعمه.
كما تابع أن الجيش يواصل متابعة التطورات، وهو في حالة جاهزية للدفاع والتعامل مع مختلف السيناريوهات، بحسب قوله. وأرفق كلامه بمقطع فيديو لما يبدو أنه عناصر من الجيش الإسرائيلي على الحدود مع سوريا يتفقدون تلك المنشأة والحدود.
أتى ذلك بعد أسبوع من إعلانه (30 أبريل الماضي)، إجلاء ثلاثة سوريين دروز أصيبوا في سوريا ضمن اشتباكات لتلقي العلاج. ولم يكشف حينها مزيداً من التفاصيل، إلا أن بيانه جاء بعدما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهاجمة مجموعة مسلحة قرب دمشق. وأوضح الجيش يومها أن “رئيس هيئة الأركان إيال زامير أمره بالاستعداد لضرب أهداف تابعة للحكومة السورية إذا استمرت أعمال العنف ضد الدروز”.
كما قال إن زامير “أمر القوات الإسرائيلية بالاستعداد لشن ضربات ضد أهداف تابعة للحكومة السورية في حال استمر العنف ضد المجتمعات الدرزية”. وأكد أنه مستعد للتعامل مع كل الاحتمالات في سوريا.
استنكار واسع
كما جاء على وقع اشتباكات اندلعت في مناطق درزية من سوريا (جرمانا وصحنايا بريف دمشق) ومناطق من السويداء جنوباً انتهت باتفاق مع الأمن العام.
وهذا ليس التدخل الأول لإسرائيل، إذ سبق أن سهلت زيارات دينية لمشايخ دروز سوريين إلى أراضيها في الفترة الأخيرة، وهددت بالتدخل لحماية الدروز السوريين إثر مواجهات محدودة شهدتها منطقة جرمانا مطلع مارس الماضي أيضا.
لكن تلك الدعوات الإسرائيلية أثارت حينها ردود فعل مستنكرة من قبل عدد من الزعامات الدرزية.
———————————-
لماذا يميل أردوغان إلى الدبلوماسية مع إسرائيل؟/ محمود علوش
2025.05.08
تراجعت جزئياً المخاطر المحيطة بالتعارض الصارخ في مصالح تركيا وإسرائيل في سوريا بعدما عقد البلدان أول اجتماع بينهما على المستوى الأمني والاستخباري في أذربيجان من أجل التوصل إلى آلية لخفض التصعيد وتجنب وقوع اشتباك غير مرغوب فيه.
إن العوامل التي تضغط على البلدين لتجنب الاحتكاك العسكري المباشر في سوريا كثيرة. فمن جانب، يجلب مثل هذا الاحتكاك تكاليف باهظة على الطرفين ولا يبدو أي منهما مُستعداً لتحمّلها. ومن جانب آخر، وضع توبيخ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماعهما في البيت الأبيض في 5 أبريل الماضي خطوطاً حمراء أمام الاندفاعة الإسرائيلية.
مع ذلك، تبدو إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان للتحدي الإسرائيلي، والتي تتسم بكثير من الهدوء والدبلوماسية، أحد العوامل الحاسمة في تفضيل إدارة المواجهة على الانجرار إلى فخ نتنياهو في اللعب على حافة الهاوية. تُدير أنقرة عملية تشكيل علاقتها بسوريا الجديدة من منظور واقعي. فهي من جانب تظهر تصميماً على الانخراط القوي في دعمها لأنه ضمانة لتعظيم فرص نجاحها ولتقويض المشاريع التي تسعى لإفشالها. ومن جانب آخر، تدرك الحاجة إلى مساعدة الرئيس أحمد الشرع في الحد من ضغوط الجغرافيا السياسية عليه لا مضاعفتها. وفي المحصلة، يُساعد هذا المنظور في بناء هادئ ومنخفض التكاليف لشراكة استراتيجية ذات قيمة لتركيا وسوريا. لقد أكد أردوغان مؤخراً على ثلاث لاءات تركية في سوريا. لا زعزعة لاستقرارها، ولا سماح بإنشاء ممر إرهابي في شمالها (كيان انفصالي)، ولا سماح بتقسيمها عبر ممرات أخرى. هذه اللاءات هي لاءات سورية أيضاً وعربية كذلك، وتنسجم مع حقيقة وجود سوريا على أحد أخطر خطوط الصدع في الجغرافيا السياسية الإقليمية.
هناك أربعة أسباب تُفسر النهج التركي في مقاربة التحدي الإسرائيلي:
– أولاً، وضع التحول السوري تركيا وإسرائيل وجهاً لوجه للمرة الأولى وأي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى وضع مُرتفع المخاطر على تركيا ومصالحها في سوريا.
– ثانياً، يُحرك هدف الاستقرار (استقرار سوريا الذي يؤدي إلى استقرار المصالح التركية) سياسة أنقرة على عكس إسرائيل التي يُحرك سياساتها هدف منع الاستقرار (منع استقرار الحكم الجديد يمنع استقرار المصالح التركية). وبالتالي، فإن تركيا تنظر إلى إبعاد المخاطر المرتفعة للتحدي الإسرائيلي عن سوريا على أنه بوابة رئيسية لتحصين تحوّلها أيضاً وتعزيز حضورها في سوريا ثانياً.
– ثالثاً، حسابات أردوغان مع ترامب. فقد استطاعت أنقرة بالإدارة الهادئة للموقف استمالة ترامب إلى جانبها من خلال الإقرار بدورها المُهيمن في سوريا الجديدة والطلب من نتنياهو أن يكون عقلانياً. كما تسعى لتحصين تفاهمها مع الأميركيين بخصوص معالجة مُعضلة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال.
لقد أصبحت أولويات ترامب في سوريا واضحة إلى حد بعيد وهي تتمثل من جانب في توفير ظروف مناسبة لقرار سحب القوات من سوريا دون قلق من الفراغات المُحتملة. ويبدو ترامب جادا في تحقيق الانسحاب. وإذا استقر هذا التوجه فهو انتكاسة لنتنياهو الذي صعد مع تركيا لإرباك الاتجاه. ومن جانب آخر، يُراهن ترامب على تركيا لمنع ظهور تحديات أمنية وجيوسياسية تُهدد المصالح الأميركية في سوريا وفي المنطقة انطلاقاً من سوريا.
علاوة على ذلك، رسم ترامب خطوطا حمراء أمام نتنياهو عندما تُهدد اندفاعته بإشعال صراع مع حليف آخر هو تركيا.
تتجاوز أهمية التواصل التركي الإسرائيلي بشأن سوريا هدف إدارة المخاطر الفورية وسيفرض على إسرائيل الالتزام بقواعد واضحة لتحركاتها. وهذا يعني بالضرورة تغييراً (قد يكون جزئياً وليس كلياً بالضرورة) في الاستراتيجية الإسرائيلية على المدى المنظور إن كان من حيث إعادة تشكيل الأهداف عبر التخلي عن الأهداف التي ترفع المخاطر مع تركيا والتركيز على الأخرى التي تقلل المخاطر أو من حيث الأدوات المُستخدمة فيها والتركيز على مزيج من الدبلوماسية المُتعددة الأطراف والقوة.
تُعقد الاندفاعة الإسرائيلية في سوريا إدارة تركيا للموقف وهي مُصممة في أحد أهدافها لهذا الغرض. فمن جانب، تُساعد الإدارة الهادئة للموقف أنقرة في تجنب اندفاعة مماثلة لا تضمن منع احتكاك عسكري. ومن جانب آخر، من غير المرجح أن يردع هذا النهج إسرائيل عن مواصلة اندفاعتها. مع ذلك، يبقى رهان تركيا على التعامل الهادئ مع لعب نتنياهو على حافة الهاوية الخيار الأكثر واقعية والأقل كلفة، كونه يبعدها عن هذه الحافة ويترك مجالاً للدبلوماسية لاحتواء التصعيد وحماية سوريا من مخاطره. إن تصوير التعارض الصارخ بين تركيا وإسرائيل في سوريا على أنه تنافس بعيد عن الواقع ويتجاهل حقائق كثيرة. هو صدام جيوسياسي حتمي أسست له تحوّلات مُتراكمة في نظرة كل من تركيا (أردوغان) وإسرائيل (نتنياهو) لدورهما في الشرق الأوسط وفراغ الانكفاء الإيراني بعد 7 أكتوبر وأخرجه للعلن التحول السوري. سوريا بهويتها وواقعها الجديد لا يُمكن أن تكون ساحة تنافس بين البلدين لأن هويتها وواقعها الجديد ينسجمان مع تركيا بقدر يُمكن النقاش بشأنه، وليس مع إسرائيل قطعاً.
تلفزيون سوريا
——————————————–
سؤال الطائفية وجوابه.. الطوائف في لحظة التفكيك والتركيب/ عبد الله مكسور
2025.05.08
في لحظات الانهيار الكبرى، تنبعث الأسئلة الأكثر حساسية من تحت ركام الدولة والمجتمع. وسؤال الطائفية في سوريا ليس عودة إلى جذور ضاربة في القدم بقدر ما هو سؤال مُلح في لحظة انفجارٍ في حاضر مفكك، باتت فيه “الطائفة” بقدر ما هي مرآة لهوية داخلية ضيقة فهي بشكل أو بآخر “مأوى الخوف”، لا تعبيراً عن الذات بل عن هشاشتها. والحالات التي نشهدها منذ سقوط نظام الأسد ليس طائفية كَمَنت طويلاً ثم ظهرت، وهي بطبيعة الحال لم تنمُ خلال الأيام الأولى للتحرير. بل طائفية بُنيت وصيغت “سواء من بيئات اجتماعية أو أدوات سياسية أو أجندات استعمارية” كأداة حديثة لإدارة الفقد: فقد الدولة، وفقد المعنى، وفقد الضمان. وبالتالي يغدو سؤال الطائفية ليس بوصفه مجرد انقسام ديني أو مذهبي، بل بوصفه بنية مصطنعة في مجموعة من الذهنيات لإعادة تشكيل الجماعة ذاتها تحت ضغط ما تعرِّفه تحت عنوان العنف والفقد، وكسياق يُعاد توظيفه خارج الحدود في إطار إقليمي ودولي بات يتعامل مع الكيانات الهشة كفرص استراتيجية واستثمارية لا كمشاريع إنقاذ.
إعادة إنتاج في لحظة الفقد
في سوريا ما بعد 8 ديسمبر 2024، لا يمكن فهم الطائفية بوصفها ارتداداً إلى “أصل”، ولا كتعبير عن هويةٍ مكبوتة ظهرت بمجرد انهيار نظام الأسد. إنها، بالأحرى، شكل من أشكال السعي لإعادة بناء الجماعة السياسية في غياب الدولة الجامعة، في لحظة انكشاف كامل، حيث يتقاطع الفقد الفردي مع الفقد العام، وحيث تُعاد صياغة “الطائفة” كضمانة حد أدنى للنجاة. وبهذا المنطق تحولت مناطق مثل جرمانا وصحنايا وأشرفيتها، حتى الساحل إلى مختبرات لإنتاج الطائفة خلال الأشهر الأولى من الانهيار كـ”خيال اجتماعي” وفق التعبيرات التي تنتهجها الفلسفة السياسية، ليُعاد تعريف الانتماء لا على أسس دينية أو مذهبية، بل بوصفه أداة للبقاء والدفاع في ذات الوقت. بمعنى الصورة المتخيلة للجماعة التي تمنح الفرد شعوراً بالأمان في فضاء متصدع. وبهذا صار الانتماء الطائفي أشبه بعقد أمان غير مكتوب، لا يحتاج إلى تديّن أو التزام شعائري، بل إلى اشتراك في شبكة الحماية: الحي، الكنيسة، الجامع، القائد المحلي، الحاجز، القافلة، المخزن، وكل ما قد يشكل مظلة جزئية وسط الغياب التام للسلطة المركزية أو ضعفها وعدم قدرتها على الاحتواء.
في تلك اللحظات، يصبح الانتماء الطائفي ليس تعبيراً عن عقيدة بل عن موقع في شبكة الحماية، كما لو أن سؤال “من أنت؟” يُجاب عليه بسؤال مخفي تحته: “من يحميك؟”. وهذا النوع من الطائفية لا يحمل صفة القداسة التي تخترق جماعة ما بشكل عمودي، نمت معها وكبرت في كل خطواتها التاريخية، إنها بشكل واضح أفقية أتت من عمق الانهيار وواكبته، وهي في جوهرها تعبير عن انهيار الفضاء العمومي لا عن صراع داخلي أصيل. لذلك يكون الذين ينظرون إلى تلك الدوائر من خارجها – على اختلاف طوائفهم- في حالة وفاق ولو بالحد الأدنى على الثوابت التي يختلف عليها من هم في داخل المواجهة الأفقية.
الطائفية كإعادة إنتاج للهوية في لحظة الفقد الوطني ليست مجرد ظاهرة اجتماعية يمكن فهمها بمعزل عن سياق الانهيار العام للدولة والهوية الوطنية، بل هي استجابة معقدة، بل وحتى مُركّبة، لانكشاف العُري الوجودي الذي يعيشه الأفراد حين تنهار البنى الجامعة التي كانت – ولو قسراً – تؤمّن الحد الأدنى من التعايش بين المكونات المختلفة. في سوريا ما بعد 8 ديسمبر 2024، ومع سقوط نظام الأسد، لم تعد الطائفية مجرد خطاب للسلطة أو أداة في يد النظام، بل تحولت إلى آلية دفاعية للنجاة، وجهاز إنتاج يومي للهوية الضيقة “الحصن” في مواجهة المجهول، حيث بات الفراغ السياسي يصنع المعنى بدل أن يحتويه أو يديره بالحد الأدنى.
وفي هذا السياق، ليست الطائفية في سوريا اليوم ارتداداً إلى “أصل” سحيق دفنته الدولة الحديثة، كما أنها – في تقديري- ليست تفجّراً تلقائياً لهوياتٍ دينية دفينة خرجت إلى السطح بمجرد انهيار الدولة. بل هي، في الحقيقة، تعبير عن لحظة اضطراب هائل، يُعاد فيها إنتاج الهوية الجماعية بوصفها وسيلة حماية لا بوصفها نظام معتقد. فالناس لا يعودون إلى الطائفة حبّاً بها، بل خوفاً من اللاشيء، من غياب القانون، من التفكك، من أن يصبحوا أهدافاً بلا مرجعية في فضاء أمني منفلت.
وهنا تُستعاد مقارنات تاريخية من تجارب بلدان أخرى –من منطقتنا وخارجها- واجهت انهيار الدولة وفقدان المعنى الجامع. في لبنان بعد الحرب الأهلية، أعيد إنتاج الطائفة كهوية ناجية، وليس فقط كهُوية قاتلة. حين فُقد الأمان العام، باتت كل طائفة تُنتج سرديتها وتبني اقتصادها، وتنشئ جيشها الصغير وإعلامها ومؤسساتها. وباتت تساؤلات الناس لا تبدأ بـ”ما هو الوطن؟” بل بـ”أين أعيش؟ من يحكم هنا؟ ومن يحميني؟”. وبالمثل، في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، تحولت الطوائف إلى وحدات سياسية/أمنية ذات سيادة فعلية، رغم أن الدولة الشكلية ما زالت قائمة. لكن الطائفة صارت عنواناً لإمكانية الحياة لا لمكانة روحية أو عقيدية.
في كل تلك السياقات، يظهر أن الطائفية ليست متجذرة في “التراث الضمني والعقلي بشكل واسع في سوريا”، بل هي صناعة حديثة، تنشأ حين تفشل الدولة الحديثة في أن تكون محايدة وضامنة للجميع. حيث لا يعود الإنسان مواطناً في دولة، بل عضواً في طائفة، لأن الطائفة – ولو جزئياً – تُعطيه مكاناً يمكن أن يموت فيه كإنسان ذي قيمة، لا كضحية بلا اسم.
وفي البوسنة بعد تفكك يوغوسلافيا، لم تكن الطائفة “الصرب، البوشناق، الكروات” مجرد هوية دينية أو قومية، بل تحولت في لحظة الانهيار إلى “بطاقة حياة”. لم يعد السؤال: من أنت؟ بل: إلى أي حاجر تنتمي؟ من يضمن أن تمرّ؟ كانت المساجد والكنائس تتحول إلى نقاط تجمع لا للصلاة، بل للنجاة أو للموت الجماعي في عباءة الطائفة. وفي ظل غياب الدولة، أعادت كل جماعة تعريف نفسها بوصفها دولة مصغّرة، لها حماة، وموتى، وقائمة خوف والأهم أساليب دفاعية وسياسية.
الطائفية أداة سلطة في الفراغ
إن سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، لم يكن فقط انهياراً لحكم سلطوي تقليدي، بل كان انهياراً لبنية السيطرة التي كانت تضبط المجال العام السوري لعقود. لم تكن الدولة، حتى في سنواتها الأخيرة، قادرة على منح العدالة أو الكرامة أوالخدمات بمعناها العام، لكنها احتفظت بحد أدنى من التماسك المؤسسي على بيروقراطيته. ذلك التماسك كان يوزع الخوف بالتساوي، ويحكم الناس بمزيج من القمع والتعويم، ويمنح الأفراد شعوراً – ولو زائفاً– بأن هناك “مرجعية عليا” تملك القرار. بعد سقوط النظام، سقط هذا الوهم. ومعه انهار العقد السياسي السوري القديم فلم يعد هناك مركز. وتحوّل الفراغ السياسي إلى ساحة لتصارع الجماعات من دون أفق واضح. في هذا الفراغ، برزت الطائفية لا بوصفها عقيدة دينية، بل كأداة لإعادة ترتيب السلطة والهيمنة والنجاة. من يسيطر على الحاجز؟، من يملك السلاح؟، من يوزع المساعدات؟، من يفاوض الخارج؟ لم تعد الإجابة مرتبطة بالدولة أو بممثلين منتخبين أو حتى زعامات تقليدية، بل باتت مشروطة بمنظومة فرعية – وموازية في بعض الأحيان – تعتمد على الطائفة كمصدر شرعية وحيد. الطائفية هنا ليست سردية قديمة أُعيد إحياؤها، بل هي نظام تشغيل سياسي جديد، يفرز الناس وفقاً لاصطفافاتهم، لا بالضرورة الدينية، بل الأمنية والمصلحية.
في الساحل السوري، الذي كان يُروّج له طويلاً كمجال “علوي”، ظهر التصدع بوضوح. انقسم العلويون بين خطوط الموالاة، وشبكات جديدة من أمراء الحرب، وأذرع أمنية منشقة، وأبناء الضباط الذين راكموا الثروة والسلطة خلال الحرب. لم يعد هناك رابط عصبوي موحّد. حتى داخل الجماعة الواحدة، برزت انقسامات طبقية وشبكية عميقة: من يملك السلاح؟ من يملك المفاتيح والصلات بالخارج رغم هروب كثير منهم إلى خارج الحدود السورية؟. وفي السويداء، انقسم الدروز إلى جماعات سياسية أومسلحة متنافسة، لا توحّدها الطائفة بل يفرّقها نوعية التحالفات. فالطائفة في الحالتين لم تعد مرآة لجماعة، بل أداة تَصنيف ضمن اقتصاد سياسي جديد يبحث عن النفوذ لا عن المعنى. والطائفي، في هذه المرحلة، وفقاً للفهم السابق، هو من يملك القدرة على الحماية لا الحقيقة. وبالتالي أصبحت الهوية المذهبية في كثير من الحالات نظام مرور اجتماعي يُحدد من ينجو ومن يُقصى، ومن يُمنح الشرعية ومن يُحرم منها. إنها لحظة يأس سياسي، تُستعاض فيها القوى المتحكمة على الجغرافية بالطائفة بوصفها “آخر الملاذات”.
يمكن مقارنة هذه الحالة بما جرى في العراق بعد سقوط نظام البعث العراقي عام 2003، حيث فُتح المجال السياسي بفراغٍ لا توازن فيه، وتحولت الطوائف إلى منصات للصراع على التمثيل والمغانم. نشأت حينها ما يُعرف بـ”الطائفية السياسية” التي توزع المناصب على أساس الانتماء المذهبي، لا الكفاءة أو المشروع الوطني. لكن الأخطر أن هذا التوزيع صار يفرض نفسه على المجتمع بكامله: من الحي الذي يعيش فيه المواطن العراقي إلى المدرسة التي يذهب إليها، إلى الوظيفة التي قد تُعرض عليه. الطائفة لم تعد خياراً، بل قدراً مفروضاً. وفي نموذج آخر أكثر دموية نراه في لبنان بعد الحرب الأهلية، حيث تحوّلت الطائفة إلى وسيط بين المواطن والدولة، فأُعيد تعريف المواطنة من خلال الطائفة، وصار الزعيم الطائفي هو الذي يوزع الحقوق ويحدد الواجبات وليس القانون. وهي نفس المعادلة التي تظهر اليوم في سوريا: الطائفة كـ”مزوّد خدمات” لا كإطار روحي، وكـ”حامٍ” بدل الدولة، وكـ”مرجع” بدل الدستور.
ما بعد الطائفية أم في ذروتها؟
تبعاً للمثالين السابقين فإن الطائفية ما بعد الديكتاتورية في سوريا، ليست عودة إلى الماضي، بل اختراع جديد لمستقبل هش، حيث تتشكل السلطات من بقايا العنف، ويُعاد بناء المجتمع على أسس لا تشبه ما كان عليه، بل على ما يمكن أن يضمن النجاة في حاضره القاسي. وهنا يأتي دور الدولة القوية التي تحمل واجب جمع الجميع واحتوائهم وضمان أمنهم، والأهم تجاوز المظلومية التاريخية إلى فضاء أكثر فهماً لمعنى كيف تقوم وتُبنى الدول.
الطائفية التي لم تكن يعترف بها النظام والمجتمع علنا في سوريا ما قبل سقوط نظام الأسد كانت عقلية سياسية تقوم على المصلحية في بنية النظام السياسي، دخلت القيمة الاجتماعية إليها بشكل معياري مرتبط بما تقدمه الجماعة للدولة ضمن شبكة المصالح الواسعة لسلطة الدولة، عكس العراق ولبنان، فالنظام البعثي في سوريا أسّس لفكرة “الدولة ما فوق الطوائف”، لكنه في الواقع أعاد إنتاجها تحت سطح الخطاب الرسمي، حيث باتت الطائفة مؤسسة غير مُعلنة للسلطة، وليست مجرد انتماء اجتماعي. هذا الكبت الطويل أنتج في لحظة الانهيار المدوي طائفية “مكبوتة”، خرجت بلا ضوابط، وبلا خطاب، وبلا مشروع. وهنا تصبح الطائفة لا مجرد ملاذ، بل سلاح في صراع على البقاء السياسي. إنها ليست عودة إلى ما قبل الدولة، بل قفزة إلى ما بعد الدولة، حيث يُعاد بناء السلطة على أسس مذهبية معلنة هذه المرة. يمكن لمس هذا الاتجاه بشكل واضح في خطوات السلطة الجديدة بمرحلة ما بعد السقوط المباشر عند الحديث عن اللون الواحد المنسجم المتفاهم في إدارة الملفات.
وهذا يقود إلى طرح فكرة إمكانية أن تكون سوريا الجديدة مختبرًا لنموذج جديد: يرفع شعار “ما بعد الطائفية”. لكن هذا يتطلب من السلطة التجريب بعيداً عن منطق اللون الواحد أو ما ينسجم معه، وإعادة بناء مفاصل الدولة ومؤسساتها على قواعد لا مذهبية، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود فواعل داخلية وخارجية عابرة، والأهم أنها تستثمر في استمرار الانقسام. ولتأصيل ما سبق وتأطيره يمكن الرجوع لقراءة كتاب “الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة” الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للدكتور عزمي بشارة.
سؤال التاريخ والمستقبل
سؤال الطائفية في سوريا اليوم ليس سؤالاً عن التاريخ، بل عن المستقبل. عن قدرة مجتمعٍ ممزق على استعادة الدولة، لا بوصفها سلطة فقط، بل بوصفها فضاءً مشتركًا. الطوائف المتخيلة في العقول والواقع، والتي وُلدت من لحظة الانكشاف، لن تختفي بنهاية العنف، بل بافتتاح عهد جديد من التعاقد السياسي، يقوم على أرضية الثقة المتبادلة، ويعيد للمواطنة معناها، وللعدالة مركزيتها، وللهوية مرونتها. الطائفية ليست قدراً، لكنها قد تصبح كذلك إذا أُدير الانهيار بأدوات القسمة لا بأدوات الرؤية والتخطيط لمنع وقوعه.
سوريا، في لحظة ما بعد ديسمبر 2024، ليست فقط في امتحان إعادة البناء المادي، بل في امتحان إعادة تخيّل الذات الجمعية. فإما أن تكون الدولة مشروعًا جامعًا لما بعد الطوائف، أو أن تبقى الطوائف مشاريع مضادة للدولة تهدد وجودها في كل لحظة.
تلفزيون سوريا
———————————
=======================