الأحداث التي جرت في الساحل السوريسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 08 أيار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

الأحداث التي جرت في الساحل السوري

—————————-

سؤال الطائفية وجوابه.. الطوائف في لحظة التفكيك والتركيب/ عبد الله مكسور

2025.05.08

في لحظات الانهيار الكبرى، تنبعث الأسئلة الأكثر حساسية من تحت ركام الدولة والمجتمع. وسؤال الطائفية في سوريا ليس عودة إلى جذور ضاربة في القدم بقدر ما هو سؤال مُلح في لحظة انفجارٍ في حاضر مفكك، باتت فيه “الطائفة” بقدر ما هي مرآة لهوية داخلية ضيقة فهي بشكل أو بآخر “مأوى الخوف”، لا تعبيراً عن الذات بل عن هشاشتها. والحالات التي نشهدها منذ سقوط نظام الأسد ليس طائفية كَمَنت طويلاً ثم ظهرت، وهي بطبيعة الحال لم تنمُ خلال الأيام الأولى للتحرير. بل طائفية بُنيت وصيغت “سواء من بيئات اجتماعية أو أدوات سياسية أو أجندات استعمارية” كأداة حديثة لإدارة الفقد: فقد الدولة، وفقد المعنى، وفقد الضمان. وبالتالي يغدو سؤال الطائفية ليس بوصفه مجرد انقسام ديني أو مذهبي، بل بوصفه بنية مصطنعة في مجموعة من الذهنيات لإعادة تشكيل الجماعة ذاتها تحت ضغط ما تعرِّفه تحت عنوان العنف والفقد، وكسياق يُعاد توظيفه خارج الحدود في إطار إقليمي ودولي بات يتعامل مع الكيانات الهشة كفرص استراتيجية واستثمارية لا كمشاريع إنقاذ.

إعادة إنتاج في لحظة الفقد

في سوريا ما بعد 8 ديسمبر 2024، لا يمكن فهم الطائفية بوصفها ارتداداً إلى “أصل”، ولا كتعبير عن هويةٍ مكبوتة ظهرت بمجرد انهيار نظام الأسد. إنها، بالأحرى، شكل من أشكال السعي لإعادة بناء الجماعة السياسية في غياب الدولة الجامعة، في لحظة انكشاف كامل، حيث يتقاطع الفقد الفردي مع الفقد العام، وحيث تُعاد صياغة “الطائفة” كضمانة حد أدنى للنجاة. وبهذا المنطق تحولت مناطق مثل جرمانا وصحنايا وأشرفيتها، حتى الساحل إلى مختبرات لإنتاج الطائفة خلال الأشهر الأولى من الانهيار  كـ”خيال اجتماعي” وفق التعبيرات التي تنتهجها الفلسفة السياسية، ليُعاد تعريف الانتماء لا على أسس دينية أو مذهبية، بل بوصفه أداة للبقاء والدفاع في ذات الوقت. بمعنى الصورة المتخيلة للجماعة التي تمنح الفرد شعوراً بالأمان في فضاء متصدع. وبهذا صار الانتماء الطائفي أشبه بعقد أمان غير مكتوب، لا يحتاج إلى تديّن أو التزام شعائري، بل إلى اشتراك في شبكة الحماية: الحي، الكنيسة، الجامع، القائد المحلي، الحاجز، القافلة، المخزن، وكل ما قد يشكل مظلة جزئية وسط الغياب التام للسلطة المركزية أو ضعفها وعدم قدرتها على الاحتواء.

في تلك اللحظات، يصبح الانتماء الطائفي ليس تعبيراً عن عقيدة بل عن موقع في شبكة الحماية، كما لو أن سؤال “من أنت؟” يُجاب عليه بسؤال مخفي تحته: “من يحميك؟”. وهذا النوع من الطائفية لا يحمل صفة القداسة التي تخترق جماعة ما بشكل عمودي، نمت معها وكبرت في كل خطواتها التاريخية، إنها بشكل واضح أفقية أتت من عمق الانهيار وواكبته، وهي في جوهرها تعبير عن انهيار الفضاء العمومي لا عن صراع داخلي أصيل. لذلك يكون الذين ينظرون إلى تلك الدوائر من خارجها – على اختلاف طوائفهم- في حالة وفاق ولو بالحد الأدنى على الثوابت التي يختلف عليها من هم في داخل المواجهة الأفقية.

الطائفية كإعادة إنتاج للهوية في لحظة الفقد الوطني ليست مجرد ظاهرة اجتماعية يمكن فهمها بمعزل عن سياق الانهيار العام للدولة والهوية الوطنية، بل هي استجابة معقدة، بل وحتى مُركّبة، لانكشاف العُري الوجودي الذي يعيشه الأفراد حين تنهار البنى الجامعة التي كانت – ولو قسراً – تؤمّن الحد الأدنى من التعايش بين المكونات المختلفة. في سوريا ما بعد 8 ديسمبر 2024، ومع سقوط نظام الأسد، لم تعد الطائفية مجرد خطاب للسلطة أو أداة في يد النظام، بل تحولت إلى آلية دفاعية للنجاة، وجهاز إنتاج يومي للهوية الضيقة “الحصن” في مواجهة المجهول، حيث بات الفراغ السياسي يصنع المعنى بدل أن يحتويه أو يديره بالحد الأدنى.

وفي هذا السياق، ليست الطائفية في سوريا اليوم ارتداداً إلى “أصل” سحيق دفنته الدولة الحديثة، كما أنها – في تقديري- ليست تفجّراً تلقائياً لهوياتٍ دينية دفينة خرجت إلى السطح بمجرد انهيار الدولة. بل هي، في الحقيقة، تعبير عن لحظة اضطراب هائل، يُعاد فيها إنتاج الهوية الجماعية بوصفها وسيلة حماية لا بوصفها نظام معتقد. فالناس لا يعودون إلى الطائفة حبّاً بها، بل خوفاً من اللاشيء، من غياب القانون، من التفكك، من أن يصبحوا أهدافاً بلا مرجعية في فضاء أمني منفلت.

وهنا تُستعاد مقارنات تاريخية من تجارب بلدان أخرى –من منطقتنا وخارجها- واجهت انهيار الدولة وفقدان المعنى الجامع. في لبنان بعد الحرب الأهلية، أعيد إنتاج الطائفة كهوية ناجية، وليس فقط كهُوية قاتلة. حين فُقد الأمان العام، باتت كل طائفة تُنتج سرديتها وتبني اقتصادها، وتنشئ جيشها الصغير وإعلامها ومؤسساتها. وباتت تساؤلات الناس لا تبدأ بـ”ما هو الوطن؟” بل بـ”أين أعيش؟ من يحكم هنا؟ ومن يحميني؟”. وبالمثل، في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، تحولت الطوائف إلى وحدات سياسية/أمنية ذات سيادة فعلية، رغم أن الدولة الشكلية ما زالت قائمة. لكن الطائفة  صارت عنواناً لإمكانية الحياة لا لمكانة روحية أو عقيدية.

في كل تلك السياقات، يظهر أن الطائفية ليست متجذرة في “التراث الضمني والعقلي بشكل واسع في سوريا”، بل هي صناعة حديثة، تنشأ حين تفشل الدولة الحديثة في أن تكون محايدة وضامنة للجميع. حيث لا يعود الإنسان مواطناً في دولة، بل عضواً في طائفة، لأن الطائفة – ولو جزئياً – تُعطيه مكاناً يمكن أن يموت فيه كإنسان ذي قيمة، لا كضحية بلا اسم.

وفي البوسنة بعد تفكك يوغوسلافيا، لم تكن الطائفة “الصرب، البوشناق، الكروات” مجرد هوية دينية أو قومية، بل تحولت في لحظة الانهيار إلى “بطاقة حياة”. لم يعد السؤال: من أنت؟ بل: إلى أي حاجر تنتمي؟ من يضمن أن تمرّ؟ كانت المساجد والكنائس تتحول إلى نقاط تجمع لا للصلاة، بل للنجاة أو للموت الجماعي في عباءة الطائفة. وفي ظل غياب الدولة، أعادت كل جماعة تعريف نفسها بوصفها دولة مصغّرة، لها حماة، وموتى، وقائمة خوف والأهم أساليب دفاعية وسياسية.

الطائفية أداة سلطة في الفراغ

إن سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، لم يكن فقط انهياراً لحكم سلطوي تقليدي، بل كان انهياراً لبنية السيطرة التي كانت تضبط المجال العام السوري لعقود. لم تكن الدولة، حتى في سنواتها الأخيرة، قادرة على منح العدالة أو الكرامة أوالخدمات بمعناها العام، لكنها احتفظت بحد أدنى من التماسك المؤسسي على بيروقراطيته. ذلك التماسك كان يوزع الخوف بالتساوي، ويحكم الناس بمزيج من القمع والتعويم، ويمنح الأفراد شعوراً – ولو زائفاً– بأن هناك “مرجعية عليا” تملك القرار. بعد سقوط النظام، سقط هذا الوهم. ومعه انهار العقد السياسي السوري القديم فلم يعد هناك مركز. وتحوّل الفراغ السياسي إلى ساحة لتصارع الجماعات من دون أفق واضح. في هذا الفراغ، برزت الطائفية لا بوصفها عقيدة دينية، بل كأداة لإعادة ترتيب السلطة والهيمنة والنجاة. من يسيطر على الحاجز؟، من يملك السلاح؟، من يوزع المساعدات؟، من يفاوض الخارج؟ لم تعد الإجابة مرتبطة بالدولة أو بممثلين منتخبين أو حتى زعامات تقليدية، بل باتت مشروطة بمنظومة فرعية – وموازية في بعض الأحيان – تعتمد على الطائفة كمصدر شرعية وحيد. الطائفية هنا ليست سردية قديمة أُعيد إحياؤها، بل هي نظام تشغيل سياسي جديد، يفرز الناس وفقاً لاصطفافاتهم، لا بالضرورة الدينية، بل الأمنية والمصلحية.

في الساحل السوري، الذي كان يُروّج له طويلاً كمجال “علوي”، ظهر التصدع بوضوح. انقسم العلويون بين خطوط الموالاة، وشبكات جديدة من أمراء الحرب، وأذرع أمنية منشقة، وأبناء الضباط الذين راكموا الثروة والسلطة خلال الحرب. لم يعد هناك رابط عصبوي موحّد. حتى داخل الجماعة الواحدة، برزت انقسامات طبقية وشبكية عميقة: من يملك السلاح؟ من يملك المفاتيح والصلات بالخارج رغم هروب كثير منهم إلى خارج الحدود السورية؟. وفي السويداء، انقسم الدروز إلى جماعات سياسية أومسلحة متنافسة، لا توحّدها الطائفة بل يفرّقها نوعية التحالفات. فالطائفة  في الحالتين لم تعد مرآة لجماعة، بل أداة تَصنيف ضمن اقتصاد سياسي جديد يبحث عن النفوذ لا عن المعنى. والطائفي، في هذه المرحلة، وفقاً للفهم السابق، هو من يملك القدرة على الحماية لا الحقيقة. وبالتالي أصبحت الهوية المذهبية في كثير من الحالات نظام مرور اجتماعي يُحدد من ينجو ومن يُقصى، ومن يُمنح الشرعية ومن يُحرم منها. إنها لحظة يأس سياسي، تُستعاض فيها القوى المتحكمة على الجغرافية بالطائفة بوصفها “آخر الملاذات”.

يمكن مقارنة هذه الحالة بما جرى في العراق بعد سقوط نظام البعث العراقي عام 2003، حيث فُتح المجال السياسي بفراغٍ لا توازن فيه، وتحولت الطوائف إلى منصات للصراع على التمثيل والمغانم. نشأت حينها ما يُعرف بـ”الطائفية السياسية” التي توزع المناصب على أساس الانتماء المذهبي، لا الكفاءة أو المشروع الوطني. لكن الأخطر أن هذا التوزيع صار يفرض نفسه على المجتمع بكامله: من الحي الذي يعيش فيه المواطن العراقي إلى المدرسة التي يذهب إليها، إلى الوظيفة التي قد تُعرض عليه. الطائفة لم تعد خياراً، بل قدراً مفروضاً. وفي نموذج آخر أكثر دموية نراه في لبنان بعد الحرب الأهلية، حيث تحوّلت الطائفة إلى وسيط بين المواطن والدولة، فأُعيد تعريف المواطنة من خلال الطائفة، وصار الزعيم الطائفي هو الذي يوزع الحقوق ويحدد الواجبات وليس القانون. وهي نفس المعادلة التي تظهر اليوم في سوريا: الطائفة كـ”مزوّد خدمات” لا كإطار روحي، وكـ”حامٍ” بدل الدولة، وكـ”مرجع” بدل الدستور.

ما بعد الطائفية أم في ذروتها؟

تبعاً للمثالين السابقين فإن الطائفية ما بعد الديكتاتورية في سوريا، ليست عودة إلى الماضي، بل اختراع جديد لمستقبل هش، حيث تتشكل السلطات من بقايا العنف، ويُعاد بناء المجتمع على أسس لا تشبه ما كان عليه، بل على ما يمكن أن يضمن النجاة في حاضره القاسي. وهنا يأتي دور الدولة القوية التي تحمل واجب جمع الجميع واحتوائهم وضمان أمنهم، والأهم تجاوز المظلومية التاريخية إلى فضاء أكثر فهماً لمعنى كيف تقوم وتُبنى الدول.

الطائفية التي لم تكن يعترف بها النظام والمجتمع علنا في سوريا ما قبل سقوط نظام الأسد كانت عقلية سياسية تقوم على المصلحية في بنية النظام السياسي، دخلت القيمة الاجتماعية إليها بشكل معياري مرتبط بما تقدمه الجماعة للدولة ضمن شبكة المصالح الواسعة لسلطة الدولة، عكس العراق ولبنان، فالنظام البعثي في سوريا  أسّس لفكرة “الدولة ما فوق الطوائف”، لكنه في الواقع أعاد إنتاجها تحت سطح الخطاب الرسمي، حيث باتت الطائفة مؤسسة غير مُعلنة للسلطة، وليست مجرد انتماء اجتماعي. هذا الكبت الطويل أنتج في لحظة الانهيار المدوي طائفية “مكبوتة”، خرجت بلا ضوابط، وبلا خطاب، وبلا مشروع. وهنا تصبح الطائفة لا مجرد ملاذ، بل سلاح في صراع على البقاء السياسي. إنها ليست عودة إلى ما قبل الدولة، بل قفزة إلى ما بعد الدولة، حيث يُعاد بناء السلطة على أسس مذهبية معلنة هذه المرة. يمكن لمس هذا الاتجاه بشكل واضح في خطوات السلطة الجديدة بمرحلة ما بعد السقوط المباشر عند الحديث عن اللون الواحد المنسجم المتفاهم في إدارة الملفات.

وهذا يقود إلى طرح فكرة إمكانية أن تكون سوريا الجديدة مختبرًا لنموذج جديد: يرفع شعار “ما بعد الطائفية”. لكن هذا يتطلب من السلطة التجريب بعيداً عن منطق اللون الواحد أو ما ينسجم معه، وإعادة بناء  مفاصل الدولة ومؤسساتها على قواعد لا مذهبية، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود فواعل داخلية وخارجية عابرة، والأهم أنها تستثمر في استمرار الانقسام. ولتأصيل ما سبق وتأطيره يمكن الرجوع لقراءة كتاب “الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة” الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للدكتور عزمي بشارة.

سؤال التاريخ والمستقبل

سؤال الطائفية في سوريا اليوم ليس سؤالاً عن التاريخ، بل عن المستقبل. عن قدرة مجتمعٍ ممزق على استعادة الدولة، لا بوصفها سلطة فقط، بل بوصفها فضاءً مشتركًا. الطوائف المتخيلة في العقول والواقع، والتي وُلدت من لحظة الانكشاف، لن تختفي بنهاية العنف، بل بافتتاح عهد جديد من التعاقد السياسي، يقوم على أرضية الثقة المتبادلة، ويعيد للمواطنة معناها، وللعدالة مركزيتها، وللهوية مرونتها. الطائفية ليست قدراً، لكنها قد تصبح كذلك إذا أُدير الانهيار بأدوات القسمة لا بأدوات الرؤية والتخطيط لمنع وقوعه.

سوريا، في لحظة ما بعد ديسمبر 2024، ليست فقط في امتحان إعادة البناء المادي، بل في امتحان إعادة تخيّل الذات الجمعية. فإما أن تكون الدولة مشروعًا جامعًا لما بعد الطوائف، أو أن تبقى الطوائف مشاريع مضادة للدولة تهدد وجودها في كل لحظة.

تلفزيون سوريا

———————————

هل تتحوّل “المُساكنة” الطائفية في سورية زواجاً مُعلناً؟/ عبير نصر

07 مايو 2025

تزامنت التشوّهات الجغرافية في سورية مع تقلّباتٍ عسكرية عاصفة بعد عام 2011، لعجزها في إدارة الحراك السياسي توافقياً بعيداً عن التعنّت والاقتتال، فأخذت بُعداً مختلفاً بعدما أُبرم، إنْ أمكن التعبير مجازياً، ما يشبه عقد زواجٍ عُرفي بين دويلاتٍ ثلاثٍ مبنيّةٍ على أسسٍ عرقية وطائفية: دويلة الأكراد، حكومة إدلب، سورية المفيدة. عقدٌ مشوّه أنتج خللاً بنيوياً ومشكلات مستدامة في سعيه المتعجّل إلى الهيمنة. وبعد سقوط نظام الأسد، أُضيف مزيد من التعقيد إلى المشهد السوري المأزوم، إثر بروز مشروع يستحوذ على الفضاء العام يستمدّ شرعيته من حجم الاحتراب الداخلي بين السوريين أنفسهم، يسعى إلى تقسيم سورية بخفّة سياسية إلى مناطق أكثر تشرذماً، ومن دون إثارة الهواجس الوطنية والاستفزازات، الأمر الذي يعكس رؤية إسرائيل حول إعادة تشكيل وجه الشرق الأوسط الجديد. ومن المفيد الإشارة إلى أنّ مجلس الوزراء الإسرائيلي كان ناقشَ اليوم التالي بعد سقوط الأسد، وفقاً لصحيفة يسرائيل هيوم، وانتهى باقتراح الدعوة إلى تقسيم سورية، بدعوى ضمان أمن جميع المكوّنات السورية وحقوقها، ولم يتم الكشف عن ذلك إلا أخيراً، إذ يصعُب تحصين المجتمع السوري وترسيخ هويته المحلية، ما يتطلّب مراجعة نقدية، جادة ومسؤولة حول ضرورة توحيد السوريين، باعتبارهم السدّ المنيع أمام مشاريع التفتيت، فلا يمكن بناء مستقبل آمن إلّا بتجاوز رواسب تركة الأسد، والانطلاق نحو مُصالحةٍ وطنية شاملة، فالتاريخ السوري يُكتَب الآن بالفعل، ويتطلب الأمر الكثير من المرونة البراغماتية التي من شأنها إنتاج خطاب وطني معزّزٍ بسلسلة من الترضيات والتوافقات السياسية والاجتماعية.

في السياق، وعلى الرغم من خلفيتها الإسلامية المتشددة، امتنعت الحكومةُ الجديدة عن توجيه أيّ خطاب مناهض لإسرائيل التي تحاول إيجاد مناطق عازلة عصيّة على الاختراق، تؤمّن العمق الاستراتيجي لها تجنّباً لأيّ طوفان هادر آخر، وتعمل على الاستثمار الذكي في التصدّعات الطائفية واللعب على الأوتار السورية المشدودة. تفرض استراتيجية غزو جديد تقوم على العُقد الأيديولوجية لإيجاد مشرقٍ عربي على شاكلتها تماماً، متمحورٍ حول هويته الدينية المتطرّفة. لذا تتّخذ تل أبيب موقفاً عدائياً ضد دمشق، تصاعدَ بعد الضربات القاسية فجر يوم 3 مايو/أيار الجاري، طاولت محافظاتٍ عدّة، مؤكّدة أنّ الحرب لن تنتهي إلا بتقسيم سورية. والذرائع حاضرة بالطبع: تُقيم إقليماً جنوبياً بحجّة حماية الدروز، وشرقياً كردياً، أيضاً إقليماً غربياً علوياً بذريعة أنها لن تسمح بإقامة خلافةٍ إسلامية على شواطئ البحر المتوسط، وهكذا يبقى الإقليم السنّي معزولاً عن إخوانه، فيفشل العزل القسري في إحداث توافقٍ نسبي بين الدويلات الهشّة على نحو ما سبق ذكره، ليغدو الاستقطاب قوياً ومُنذراً بكثير من المخاطر والتحديات.

عموماً، تبقى مسألةُ حماية الأقليات الشماعةَ التي تُعلَّق عليها مصالح اللاعبين الكبار في سورية، ولها في الواقع معطيات حاضرة، بداية بمجازر الساحل الدامية، والتهمة دعم انقلاب فاشل نفذته فلول النظام البائد، مروراً باشتعال السويداء، والسبب تسجيل صوتي مفبرك تضمّن شَتْم النبي محمد (ص)، أكّدت وزارة الداخلية أنّ المتهم (الدرزي) بريء منه، وليس نهاية بعقد مؤتمرٍ كردي طرحَ مشروع حكم ذاتي لا مركزي بعدما عاجلهم البيان الدستوري فتشظّت أحلامهم نتفاً.

بالتالي، من المشروع السؤال إلى أين تتجه سورية بينما يجلس دونالد ترامب يتحدّث بفخرٍ عن صداقته بتركيا وإسرائيل، حريصاً على إقامة بازارٍ سياسي استعراضي بينهما وصولاً إلى تفاهمٍ سلس لاقتسام بلد ليس بلدهم؟! ولهذا التقسيم هيكلية جاهزة على الأرض، قد تنسجم معه مرّة وقد تخالفه مرّات، ووحدهم السوريون يصنعون هذا الفارق لتعزيز مشروع تقسيم المقسّم أو إيقافه. هم الذين فشلوا طوال قرن في بناء دولة وطنية يتعثّرون مجدّداً لاعتبارات كثيرة، يتعلّق معظمها بالأحقاد الطائفية المُعلّقة منذ عهد نظام الأسد. على التوازي، من المرجّح، وفي ظلّ المناخ الوطني المتشنّج الذي غدا أرضاً سريعة الاشتعال، أن تغدو البلاد جسداً مريضاً يُداوى بفيدرالية فاشلة لن تخلو، حكماً، من الصراع والمواجهات.

وبالكيفية نفسها، ينطبق الحال على اضطهاد الأقليات، كونه جرس إنذار مبكّر لوقوع الكارثة، إذ، ولهول ما يحدُث، تتعالى أصواتٌ تطالب بالتدخل الدولي على أقلّ تقدير، تعزّزها “فزعات” الإبادة الطائفية التي تستقطب آلاف الغاضبين بدعوى الجهاد ضد المتمرّدين. هذه “الفزعات الفزّاعات” أوضحت، بما لا يدعو إلى الشك، أنّ ميثاق التعايش المشترك أصبح شبه مستحيل. ومهما يكن من أمر التقسيم الجغرافي، الأخطر منه الجدران العازلة والشاهقة التي شيّدها نظام الأسد بين السوريين، والتي أنتجت بنىً اجتماعية متباينة في أهدافها، ما يعني أنّ التشظّي كامنٌ في الوعي الجمعي، يظهر من خلال التصاق السكان العضوي بالسلطات المُقامة بحكم الأمر الواقع فيما سُمّي “الانسجام الديمغرافي”. ويبدو أنّ الفسيفساء السورية لم تكن مجرّد مزحة ساذجة، بل لعنة قاتلة، وكلّ طائفة تجهد اليوم في صناعة كيان بديل يحمي وجودها وبأيّ ثمن.

سيؤسّس ذلك كله تباعاً لواقعٍ تقسيمي غير معلن مرشحاً بقوة للتحول إلى شكل نهائي يصعُب تغييره، وسيزيد المعادلة السورية استعصاءً ومرارةً أن يغدو الدرزي في إسرائيل، مثلاً، أقرب إلى درزي السويداء من ابن درعا، وعلوي لواء اسكندرون أقرب إلى علوي اللاذقية من ابن إدلب، ومسيحي لبنان أقرب إلى مسيحي دمشق من ابن الغوطة… وهكذا دواليك، ما سيخلّف شرخاً كبيراً بين السوريين يصعب إنكاره، وكلّ مكوّن يُلحق به صفة مُشينة ومُطلقة: الأكراد انفصاليون، الدروز خونة، العلويون فلول، المسيحيون ضالّون، السنّة إرهابيون…. إلخ.

وبصدد مآلات الملفّ السوري، كان طرحَ وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر فكرة تقسيم سورية: (هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار الأسد، انتصار السنّة، تعايش مختلف القوميات معاً، ولكن في مناطق مستقلّة ذاتياً، فلا تقمع بعضها بعضاً). ومع تحقّق السيناريو الثاني، لا يبدو أنّ إسقاط عهد الأسد سيُعلن خاتمة المأساة السورية، بينما يبدو المشهد الملتهب في مجمله مجرّد تصفية حساباتٍ قديمةٍ بين السوريين، وبداية لمراحل جديدة من التعثّر في بناء دولة موحّدة تعاني أصلاً من انقساماتٍ عميقةٍ ومتجذّرة. يزيد الطين بلّة انهيار المؤسسات جميعها تاركة خلفها خرائب دولة وشعباً منهكاً. وعليه، ليس موضع تشكّك أو جدال الجزم أنه يسهل تفجير فتنة طائفية في أيّ وقت، ولأتفه الأسباب، في مجتمع مهزوم ومشبع بالتوحش الخامل كالمجتمع السوري، الذي ينتقل بسلاسةٍ مريبةٍ إلى دمار كامل تحوّطه حدود الدم، وتسكنه أنقاض بشرية مُغيّبة ومذعورة لا تفعل شيئاً، وللمفارقة، سوى أن تقتل وتتألم.

نافل القول… عندما يسقط مشروع المواطنة بقدرٍ كبير من الخسائر والانتكاسات، وينتصر العنف، موقعةً إثر موقعة، يتفشّى ما يشبه الوباء العام المُعدِي، فتُمحى الحدود بين المتديّن والملحد، وبين المثقف والأميّ، ليمارسوا الفعل الطائفي الإقصائي ذاته، ويتنامى لدى “الأكثرية” كما “الأقلية” شعورٌ ضمني بأنها مستهدفة، فتزداد حساسيّتها بالتعامل مع خصوصياتها ومقدّساتها، أيضاً مكتسباتها السياسية وقد باتت في موضع قوة، لذا تتعامل بقسوة مفرطة مع من تظنّهم أعداءها إذا أتيحت لها فرصة التسلط والاستعداء، ويكون الانطلاق دائماً من الوحش الطائفي الذي ربّاه نظام الأسد داخل كلّ سوري، متمخضاً اليوم عن تفريخ كثير من “الجلادين – الضحايا”.

العربي الجديد

——————————–

 اتفاق السويداء يفتح شهية العلويين على مطالب مماثلة/ مصطفى محمد

الأربعاء 2025/05/07

لم يكد الاتفاق الذي توصلت إليه دمشق مع مشايخ ووجهاء محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، يدخل حيز التنفيذ، حتى بدأت المطالبات من أبناء الطائفة العلوية باتفاق مماثل، لتجد الدولة السورية نفسها أمام وضع صعب.

فبعد ساعات من الكشف عن بنود الاتفاق، ومنها تفعيل قوى الأمن الداخلي والضابطة العدلية من أبناء السويداء ذاتها، علت الأصوات في أوساط الطائفة العلوية المطالبة بتسليم الساحل السوري لعناصر من أبناء المنطقة ذاتها، وذلك لوقف “الانتهاكات” التي تُسجل في المنطقة.

مطالب ضرورية

ويؤيد الكاتب السياسي راتب شعبو هذه المطالب، ويقول لـ”المدن”: “أرى أنها مطالب محقة وضرورية أيضاً في ظل الاستباحة التي تمارسها فصائل لا تعرف أي التزام بالقانون ولا تعترف سوى بقانون الغلبة”.

ويضيف شعبو أن الطبيعي أن تبادر السلطة غير القادرة على حماية الناس، لا سيما من أبناء المذاهب غير السنية، إلى طرح فكرة تشكيل حماية محلية من الأهالي حتى تتمكن الدولة من لجم هذه الفصائل.

لكن مع ذلك يستبعد شعبو الذي ينتمي للطائفة العلوية، أن تستجيب الدولة السورية لمطلب أبناء الساحل، ويفسر ذلك بعدم امتلاك أهالي الساحل السلاح كما هو حال فصائل السويداء، ويقول: “لا يملك أهل الساحل ذلك لأنهم سلموا أسلحتهم في غالبيتهم وتأملوا خيرا من الفصائل التي ذبحتهم بجريرة عناصر مجرمة لا صلة لهم بها”.

ويضيف “أعتقد أن الحكومة يمكن أن تتجاوب مع أهل السويداء لأسباب معروفة دون أن تسحب الأمر على الساحل المستباح والمتروك للرعب والقلق وكانّه لا ينتمي إلى دولة”، على حد تعبيره.

مطبات أمام اتفاق السويداء

لكن اتفاق السويداء نفسه لا يسير بالسلاسة الكافية. فإلى جانب تسليم أمن السويداء لعناصر الشرطة من أبناء المحافظة ذاتها، ينص الاتفاق على تأمين طريق دمشق السويداء، وسط هدوء حذر يشوب المحافظة.

ويقول المتحدث باسم حركة “رجال الكرامة” باسم أبو فخر، إن الاتفاق خفّض منسوب التصعيد في السويداء، لكنه لم يُنهِ التوتر، بسبب محاولات جهات لم يسمِّها، إثارة الأعمال العسكرية، ومواصلة التعديات، يقابلها استنفار الفصائل المدعومة من الأهالي على حدود جبل حوران.

ويشير أبو فخر في حديث لـ”المدن”، إلى تعرض بعض قرى السويداء إلى “تعديات” من جهة محافظة درعا، قائلاً: “نشهد محاولات من بعض المجموعات لإثارة الفتنة، لأن الاستقرار يتعارض مع مصلحتها”.

والأحد، شهدت مناطق الدارة والثعلة، مواجهات بين مجموعة مسلحة من عشائر البدو من جهة، وفصائل السويداء، ما أدى إلى حركة نزوح في المنطقة.

مع ذلك، يبدي أبو فخر تفاؤلاً بعدم فشل الاتفاق، ويقول: “نسعى بكل جهودنا عسكرياً وسياسياً لعدم فشل الاتفاق، لكن العقبات كثيرة جداً”.

وفي السياق، يعتبر مصدر رسمي أن اتفاق السويداء يسير في “الاتجاه الصحيح”. ويقول المصدر لـ”المدن”، إن “هناك حالة من الاتفاق بين السويداء وعشائر الجنوب السوري على تجاوز الفتنة، وطريق دمشق- السويداء بات مفتوحاً”.

وعلى وسائل التواصل، أشاع اتفاق السويداء حالة “عدم رضا” في بعض الأوساط السورية، بسبب ما اعتبروه “رضوخاً” من الدولة لمجموعات السويداء، وما زاد من انتشار ذلك، مواصلة الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على المناطق السورية، بذريعة “حماية الدروز”.

المدن

——————————–

من يسد الفراغ في سوريا.. ومن يرفع الغطاء عن أقلياتها/ ساطع نور الدين

لم يخطىء الرئيس السوري احمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني الهدف ولو لمرة واحدة. في شريط الفيديو القصير الذي أذيع بالأمس، أظهرا معاً مهارة لا بأس بها في لعبة كرة السلة، وتمكنا في تسجيل ستة أهداف متتالية، في الملعب الخاص الذي يبدو انه يتبع للمجمع الرئاسي في دمشق، والمحاط بسياج مرتفع يعزله عما حوله من إضطراب سياسي وأمني تعيشه العاصمة السورية ومعها بقية انحاء سوريا المتمردة أو على الأقل الممتنعة عن التسليم بحكم الرجلين القويين، اللذين ورثا على عجل حكم الطاغية الفار بشار الأسد قبل خمسة أشهر.

الفيديو بحد ذاته هو بلا شك دليل إطمئنان يتمتع به الرئيس الانتقالي ووزير خارجيته الأقرب والأوثق، يتحدى الاحداث السورية المؤلمة التي ليس لها صلة بالرياضة لا من قريب ولا من بعيد، والتي أوحت مرة أخرى ان طريق سوريا الى السلام والاستقرار ما زال طويلاً، وما زال بعيداً جداً عن المصالحة الوطنية الموعودة، التي انتهكتها مجازر الساحل مطلع آذار الماضي، ومواجهات جبل العرب الدرزي التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، ولو بشكل متقطع، يوحي بأن “المسألة الدرزية” في سوريا عصية على الاحتواء هذه المرة.

في البدء لا مفر من الاعتراف بأن إطمئنان الرجلين ليس مشهداً تمثيلياً مصطنعاً، بل هو واقعي جدا، سواء بالاعتماد على وقائع الأمن التي عمقت في الأسابيع القليلة الماضية الشروخ في المجتمع السوري، أكثر من أي وقت مضى، أو بالنظر الى حقائق السياسة التي أفرزتها تلك الفترة، والتي كانت كلها تصب في مصلحة الحكم الانتقالي المديد لهيئة تحرير الشام وحلفائها الإسلاميين، الذين ما زالوا يحظون برضا عربي ودولي..لا تخرقه سوى دولة إسرائيل التي توجه ضربات عسكرية متلاحقة لمشروع الدولة السورية العتيدة، بحجة حماية جبهتها الشمالية مع سوريا من أي خطر إسلامي محتمل، وبذريعة حماية الأقلية الدرزية التي تشعر هذه الأيام أنها معرضة لخطر وجودي حقيقي.

وهذا الإحساس الدرزي بالخطر ينسحب أيضا على العلويين، الذين إفتعلت مجموعات من معتوهيهم إشتباكات مع السلطات الانتقالية الإسلامية الجديدة في دمشق، أسفرت عن مجازر مروعة بحق نسائهم واطفالهم، وما زالت من دون حساب ولا عقاب، ولا حتى تحقيق جدي، في ذلك العمل الانقلابي الاخرق، الذي لم يقلده الدروز، وهم أصغر الأقليات السورية الباقية، بل إكتفوا، بمطالبة الحكام الإسلاميين الملتزمين بإحياء الشريعة، بدولة مدنية ديموقراطية، هي في معايير هيئة تحرير الشام وشركائها، دولة كفر وزندقة لا أكثر ولا اقل! وبلغ الوهم الدرزي ذروته عندما صدّق بعض الدروز أن إسرائيل يمكن ان تكون حامية لهم، وراعية لحقوقهم الوطنية، أو عندما تقدموا بمطالب سياسية خيالية، مبنية على تاريخهم الوطني وحده.

وأمام الحالتين العلوية والدرزية، وقبلهما الحالة الكردية المفتوحة هي الأخرى على المجهول، يبدو أن من حق حكام دمشق أن يشعروا بالارتياح الى أن تفويضهم الخارجي لم يتأثر حتى الآن بالمجازر التي ارتكبت بحق الاقليتين العاصيتين، ولم تعبر أي عاصمة عربية أو دولية حتى عن “قلقها” مما يجري في سوريا، أو عن عزمها على البحث بسحب التفويض الممنوح للحكم الإسلامي الانتقالي في سوريا، الذي لم يتمكن حتى الآن من تأسيس بنى انتقالية مقنعة لمختلف السوريين، ومن رسم خريطة طريق واعدة نحو المستقبل، بل فعل العكس تماما، ولم ينجح حتى في الاستجابة لمطلب إرساء العدالة الانتقالية، وهو أهم وأقدس مطالب الاجماع الوطني السوري، والذي من دونه لن يتوقف السير نحو حرب أهلية سورية طاحنة، تتخطى الحرب الاهلية اللبنانية.

الصمت المريب، العربي والتركي تحديداً، إزاء ما يجري في سوريا الآن، لا يمكن أن ينسب فقط الى مهل زمنية منحت للسلطة الإسلامية الانتقالية في دمشق، ولا يمكن أن يعزى الى سحب الغطاء عن العلويين والدروز والكرد وغيرهم.. ثمة فراغ سوري لن تسده القوة، ولن يعوضه تسجيل أهداف رياضية، تقع خارج السياسة.

———————————–

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى