تشكيل الحكومة السورية الجديدةمنوعات

مرحبا بالتلفزيون السوري الجديد: هل يكون بقدر المسؤولية الثورية؟/ أنور القاسم

6 – مايو – 2025

في خمسينيات القرن الماضي، دعا مؤسس التلفزيون السوري صباح قباني المواطنين إلى استقبال «صديق جديد» في بيوتهم، يحمل رسالة ثقافية ووطنية.

والسوريون اليوم مدعوون لاستقبال ما نرجوه أن يكون «صديقا جديدا»، فبعد كل ما مرت به البلاد، يبدو الأمر اليوم أكثر إلحاحاً لخلق إعلام وطني قادر على رأب الصدع، وتقديم خطاب جامع يتجاوز الاصطفافات التقسيمية القائمة حاليا.

كل العيون تتجه لمشاهدة أثير  التلفزيون العربي السوري، الذي يعاود البث هذا اليوم الخامس من مايو/آيار، محملين بجبال من الآمال أن يكون مختلفا شكلاً ومضموناً وروحا.

هل سيواكب فعلا انتصار الثورة السورية، أم سيكون صدى لحالة التشظي الوطنية الراهنة؟

أسئلة كثيرة تطرح من مختلف المشارب داخليا واقليميا وخارجيا، هل سيعود برؤية فكرية ومجتمعية وبصرية مختلفة تتجاوز الشعارات التي خنقتنا؟

هل يتناسب هذا التلفزيون بحلته الجديدة مع سورية الجديدة، ويعتمد خدمة البث التلفزيوني عبر الإنترنت، ما لها وما عليها؟

ما هي مساحة الدراما، التي تهم الأسرة والمجتمع، والتي سجلت ريادة عربيا واقليميا، وهل ستكون هناك كوميديا حاضرة عبر بعض المسلسلات، وسيكون هناك استذكار لبعض الأعمال التاريخية، وتخصص مساحة للبرامج الفنية والترفيهية المنوعة، والتي تلامس بمواضيعها نبض الشارع، لا الحكومة فحسب؟

هل أخذ القائمون عليه استرجاع ثقة جمهور هجَر الشاشات الرسمية منذ سنوات، وتحديداً بعد الحرب التي عمّقت الانقسام السياسي والشعبي والإعلامي في البلاد؟

نعلم أنه لم يكن الطريق إلى الانطلاقة الجديدة سهلاً. فقد ورث القائمون على الإدارة الجديدة مبنى في حالة يُرثى لها، على حد تعبير مدير القناة جميل سرور، الذي أشار إلى أنّ أوّل التحديات تمثلت في إعادة تأهيل المبنى وتحديث الحد الأدنى من المعدات اللازمة للعمل.

ندرك أن البنية التحتية للتلفزيون، بحاجة إلى تحديث شامل يواكب المعايير العالمية في التزود بتقنيات الإنتاج التلفزيوني الحديثة.

وندرك أيضا أن الإدارة الجديدة اتبعت سياسة انتقائية، فاحتفظت بالعاملين من أصحاب الكفاءة والخبرة، فيما جرى استبعاد كل فريق المذيعين باعتبارهم وجوهاً مرتبطة بالنظام السابق، تجنباً لإثارة الجدل.

وعلمنا أن بعض هؤلاء غادر العمل أو انتقل إلى أقسام أخرى، فيما آخرون موقوفون عن العمل في انتظار محاسبة قانونية محتملة تتعلق بانتهاكات مهنية سابقة.

مع بداية البث اليوم تظهر أسماء جديدة قادمة من مشهد الإعلام الخارجي، منها الصحافية السابقة في قناة «الجزيرة» إيلاف ياسين، التي أوكلت إليها مهمة اختيار المذيعين والمقدمين الجدد.

وهناك إعلاميون من شمال سوريا وتركيا، من بينهم معاذ محارب، المذيع السابق في تلفزيون سوريا، الذي سيقدم برنامجاً سياسياً حوارياً بعنوان «على الطاولة».

كما يبدو أنه سيكون للإعلاميين هادي العبدالله وجميل الحسن أيضا مكانة خاصة في التلفزيون الجديد.

صناعة الإعلام والتلفزيون الوطني تحديدا وفي ظروف استثنائية كالتي تمر بها سوريا تحتاج إعلاميين خبراء وتقنيين سوريين تعج بهم البلاد العربية والمغترب، هل تم التعاون معهم، لإعداد دورة برامجية مميزة، يشغل فيها المحتوى الإخباري والتحليلي جزءا معتبرها لا أن يكون وعظيا، إلى جانب باقة منوعة من البرامج تهمّ المجتمع السوري، خصوصاً الخدمية، التي يجب أن تتسيد البث طوال النهار؟

كان من الأفضل في رأيي إطلاق تسمية للقناة الوطنية الجديدة أفضل من «الإخبارية» كشعار للقناة، باعتبارها مستهلكة ولا تعبر حتما عن الواقع السوري الحديث.

قد يكون لقب «التلفزيون السوري» ، أكثر توفيقا في محاولة لربط الماضي بالمستقبل. رغم أن التحدي الأكبر يكمن لا في الشعارات، بل في المضمون.

نحن في أمس الحاجة لبناء خطاب إعلامي يُشعر السوريين أنهم ممثلون على الشاشة لا متفرجون عليها.

على التلفزيون السّوري أن يبحث عن هوية يتصالح فيها مع جمهوره، الذي هجره منذ تسعينيات القرن الماضي لصالح الفضائيات اللبنانية والعربية الأخرى.

وأمام القائمين عليه كذلك تحدي منصات التواصل الاجتماعي، التي تنافسه في ظل ثورة التكنولوجيا الحالية.

كما أن التلفزيون السوري، الذي كان رائدا في كل شيء عبر تاريخه – ما عدا برامج السياسة والتحليل طبعا – مدعو لتعزيز الحضور  النسائي ضمن كوادر القناة وفريقها من المذيعين، بدل موضة الذكورية المفرطة المنتشرة حاليا في البلاد.

يقول المثل أن تصل متأخرا أفضل من أن لا تصل أبدا، لقد تأخرت انطلاقة التلفزيون السوري، رغم أنها كانت هامة مثلها مثل الوزارات السيادية، لأن غيابه كان كارثيا وجعل المشهد الإعلامي الوطني في حالة فوضى عارمة، وصلت إلى التدمير الوطني الذاتي، فقد تسيد المشهد الإعلامي العنف والتحريض الطائفي والتصريحات الهزلية وغير المسؤولة، رغم محاولة تلفزيون سوريا في تركيا سد بعض الثغرات.

اذا هي انطلاقة متأخرة، كنا نتمنى أن تكون منظمة بشكل أكبر وتظهر عظمة وتاريخ واحد من أقدم وأعرق التلفزيونات العربية، لكن لم تفت الفرصة في المستقبل القريب، قد تكون هناك انطلاقات مقبلة بعد توفر الظروف والكادر الفني والثقافي والإعلامي تعيد البريق لهذا المبنى التاريخي، الذي ارتبط حضاريا ووجدانيا في كل مراحل البلاد الحديثة.

 كاتب من أسرة «القدس العربي»

 القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى