ناجٍ من مجزرة الغوطة يروي الرعب: شهق أخي نفساً…وسقط

الخميس 2025/05/08
ناجٍ من مجزرة الغوطة يروي الرعب: شهق أخي نفساً…وسقط
ضياء الدين الشامي: راجعتُ لوائح الشهداء لتوثيقها، ولأجد أسماء أمي وإخوتي وجيراني…وثّقت موتهم بنفسي
بينما كان العالم نائماً، استيقظ ضياء الدين الشامي، في الغوطة الشرقية، على ما وصفه بـ”الصمت القاتل”. لم تكن هناك انفجارات ولا أضواء، بل فقط صواريخ تحمل غازاً قاتلاً تسللت بصمت إلى بيته، فاختنق الجميع من حوله، وسقطوا واحداً تلو الآخر، بينما بقي وحده على قيد الحياة.
بهذه الكلمات افتتح الشاب السوري شهادته في بودكاست “شهادة”، مستعيداً تفاصيل الليلة المروعة التي استهدفت فيها قوات النظام السوري بلدته زملكا بالسلاح الكيماوي فجر 21 آب/أغسطس 2013، في واحدة من أكثر الهجمات دموية في تاريخ الثورة السورية.
وفقد الشامي، الذي كان يبلغ من العمر 15 عاماً حينها والدته وشقيقه ووأربع شقيقات خلال دقائق، ليكون الناجي الوحيد من عائلته. وقال الشامي أن الصواريخ التي سقطت ليلاً على الأحياء السكنية لم تصدر صوت انفجار بل “سمعنا صوتاً غريباً، كأن شيئاً يخترق الهواء من دون أن ينفجر، شقيقتي ريما صرخت مباشرة: كيماوي! سكروا الشبابيك!”، لكن الغاز الثقيل بدأ يحاصر المنزل بالفعل.
وسرد الشامي تفاصيل انهيار عائلته: “أمي اختنقت أولاً، ثم أختي ريما، تلتها فدوى، ثم ياسمين، أما أخي وسيم، عمره عشر سنوات، كان يحتضن أمي وقال لها: ماما، رح نموت؟ فأجابته: لا يا حبيبي، رح نضل سوا، لكنه سقط بعدها مباشرة”. أما محمد، شقيقه الأكبر، فنظر إليه بصمت، استند إلى الحائط، وأخذ نفساً وسقط.
كنت بين الجثث… وصرخ المسعف: هذا عايش! | شهادة بودكاست
في هذه الحلقة من شهادة بودكاست يروي ضياء الدين الشامي الناجي الوحيد من مجزرة الكيماوي تفاصيل ليلته الأخيرة مع عائلته التي قضت بالكامل تحت تأثير الغاز السام ويسرد كيف فقد والديه وإخوته واحدًا تلو الآخر ويصف لحظات الألم والصدمة والعزلة التي عاشها بعد نجاته مرورا بسنوات الحصار والتهجير القسري وحتى لجوئه إلى تركيا. شهادة تختزل معاناة السوريين وتوثق واحدة من أبشع جرائم نظام الأسد.
#شهادة_بودكاست
ولم يجد الشامي وسيلة لإنقاذ أحد، “لا سيارة، لا إسعاف، لا ضوء. كنا وحدنا تماماً”. وصعد إلى سطح البناء مدفوعاً بغريزة البقاء، وهناك فقد وعيه، ليستيقظ بعد يوم ونصف في نقطة طبية ببلدة مجاورة، فاقداً للذاكرة. وقال: “كنت أغني أغنية كنت أغنيها لأخي وسيم، ولم أكن متذكراً أنه مات، حتى اسمي نسيته”، وحين استعادت ذاكرته، بدأت تفاصيل المجزرة تعود إليه تباعاً: “تذكرت كل شيء، نمت بينهم، وصحوت وحدي بين جثثهم”.
وبقي الشامي في الغوطة الشرقية حتى العام 2018، وعاش سنوات الحصار حيث انعدمت المواد الغذائية والدواء، وكان يعمل في المكتب الإغاثي هناك، ثم مسؤولاً عن قسم توثيق الشهداء، وأضاف: “كنت أمر على أسماء الشهداء لأجد اسم أمي، إخوتي، جيراني. كنت أوثق موتهم بنفسي، اسماً تلو الآخر”.
وبعد تهجيره قسراً إلى الشمال السوري عبر الباصات الخضراء، انتقل الشامي تهريباً إلى تركيا، حيث واجه صعوبات في الإقامة، وعاش في حالة نفسية مؤلمة، حيث أصبح انطوائياً، ويخاف من الاحتكاك الآخرين، وكتوماً ولا يثق بأحد.
وطالب الشامي بصفته عضواً في “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، بمحاكمة المسؤولين عن المجزرة داخل سوريا وليس في الخارج، وقال: “ما بدي مؤبد، بدي بشار، وماهر، وكل واحد أعطى أمر أو نفذ، يوقفوا على منصة الإعدام. مثل ما وقفت عيلتي على باب الموت”.
يذكر أن نظام الأسد المخلوع ارتكب مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية العام 2013، وراح ضحيتها أكثر من 1300 مدني في دقائق، اختناقاً بغاز الكلور السام، كواحدة من أبرز الجرائم ضد الإنسانية في البلاد بعد انطلاقة الثورة في البلاد العام 2011.