الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 08 أيار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

—————————-

المسألة السورية: أيُ مركزية ولا مركزية؟/ رفيق خوري

الأوضاع التي أحدثتها الميليشيات في مواجهة النظام تحتاج إلى معالجة واقعية وعقلانية

الأربعاء 7 مايو 2025

المسألة في المعالجة ليست المركزية أو اللامركزية، بل أي مركزية ولا مركزية، فالنظام السوري مركزي على الطريقة الفرنسية منذ قيام الجمهورية تحت الانتداب، لكن المركزية مرت بمرحلتين، ما بعد الاستقلال حتى الوحدة بين سوريا ومصر، وما بعد سقوط الوحدة وبدء حكم البعث وآل الأسد.

دمشق في حاجة إلى دور أميركي ودور روسي إضافة إلى الدعم العربي لضبط الصراع بين تركيا وإسرائيل على سوريا، والحاجة الملحّة والأساس هي إلى الرهان على العصب الوطني التاريخي في البلد وتقوية الوحدة الوطنية، ومعالجة الحساسيات والعصبيات الطائفية، ووضع حد نهائي لسياسة التكفير واستسهال ارتكاب المجازر ضد الأقليات.

وليس أخطر من العجز عن حماية البلاد من التغول الإقليمي، ولا سيما الإسرائيلي منه، سوى تجاهل المخاوف والمطالب لدى الكرد والعلويين والدروز والمسيحيين، وحتى لدى الأكثرية التي ليست جهادية، ولا أهم من الحوار بين السلطة الجديدة والأقليات سوى القدرة على تغليب العقل والواقعية في معالجة المطالب والمخاوف.

واللافت أخيراً هو مسارعة الرئاسة إلى الرد على مخرجات “المؤتمر الوطني الكردي”، وظهور دعوات حمّالة أوجه في الساحل الغربي، والرفض الدرزي بصوت واحد للفتنة وتأكيد التمسك بوحدة سوريا.

“المؤتمر الوطني الكردي” الذي ضم 300 شخصية من كل الأحزاب الكردية، قدّم لائحة مطالب تتركز على “نظام برلماني بغرفتين، يقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، مع اعتماد مجالس للمناطق في إطار النظام المركزي، ولا مركزية تضمن التوزيع العادل للثروة والسلطة”، فضلاً عن “المطالبة بجمعية تأسيسية برعاية أممية لصياغة دستور جديد بمبادئ ديموقراطية، وتشكيل حكومة جامعة والإعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية”.

والرئاسة ردت متهمة “قسد” بمخالفة الاتفاق بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي، ورافضة أية دعوات إلى “فيدرالية أو لا مركزية”، معتبرة أن “وحدة سوريا خط أحمر”، وأنه لا مجال لاستئثار مكون واحد بمنطقة، ومن الصعب بالطبع أن يحصل الكرد على لا مركزية واسعة في منطقة يسمونها “روجافا”، تكون على غرار إقليم كردستان العراق.

لكن من الصعب أيضاً إعادة الكرد للوضع الذي كانوا عليه في الماضي، فما حدث في حرب سوريا منذ عام 2011 أحدث متغيرات دراماتيكية وتحولات مهمة، والمسألة في المعالجة ليست المركزية أو اللامركزية، بل أيُ مركزية ولا مركزية؟ فالنظام السوري مركزي على الطريقة الفرنسية منذ قيام الجمهورية تحت الانتداب، لكن المركزية مرت بمرحلتين، ما بعد الاستقلال حتى الوحدة بين سوريا ومصر، وما بعد سقوط الوحدة وبدء حكم البعث وآل الأسد.

في المرحلة الأولى كانت المركزية ناعمة، دمشق مركز السلطة، لكن زعماء الأطراف لهم أدوار كبيرة في مناطقهم، من سلطان باشا الأطرش في السويداء وحلفاء صالح العلي في جبال العلويين إلى آل الجابري في حلب والآتاسي في حمص و البرازي والحوراني في حماة، وفي المرحلة الثانية صارت المركزية شديدة جداً، فكل السلطة للرئيس في دمشق والبقية موظفون عنده، لا زعماء في المناطق ولا شخصيات قيادية حتى في “حزب البعث” الحاكم للدولة والمجتمع، بل مجرد أسماء تنتقيها دمشق لممارسة السياسة المقررة من الرئيس.

كثير من تصحير السياسة والثقافة إلى حد إلغاء الحياة السياسية، وكثير من العنف والقمع في ممارسة السلطة والإمساك بالنقابات وتدجين الأحزاب التي يضمها النظام تحت جناح “البعث” في إطار جبهة وطنية هي مجرد واجهة وراءها فراغ، وأليس حكم الشخص الواحد لشعب مسلوب الإرادة بوليصة ضمان للفراغ؟

هذا الوضع كان واحداً من الأسباب التي قادت إلى بدء الثورة على النظام انطلاقاً من درعا وصولاً إلى دمشق وبقية المدن، تظاهرات سلمية تحت شعار “شعب واحد من كل المكونات”، تطالب بالتغيير الديموقراطي والمشاركة الشاملة في السلطة، لكن النظام اختار مواجهة المتظاهرين بالرصاص والقمع وتحويل الثورة إلى حرب، وفي الحرب يتقدم المتشددون وينكفئ المعتدلون وتسود سياسة “التطيّف والتطرف”، وفي الحرب تكثر التدخلات الخارجية ومعها دفع جهاديين سلفيين من الخارج إلى سوريا للمشاركة في الحرب، وبكلام آخر فإن الأوضاع التي أحدثتها الميليشيات في مواجهة النظام تحتاج إلى معالجة واقعية وعقلانية، فلا المركزية الشديدة هي الحل، ولا اللامركزية الرخوة هي الحل، والمطلوب نوع مرن من المركزية لضمان وحدة سوريا، ونوع منضبط من اللامركزية لضمان مشاركة الشعب في إدارة قضاياه المحلية.

يروي الملك الحسن الثاني في مذكراته بعنوان “ذاكرة ملك”، أنه حين كان رئيساً للوزراء أيام والده الملك محمد الخامس، سأل الزعيم السوفياتي بريجنيف عن نصيحة حول خطة خماسية مركزية لتطوير الوضع في المغرب، فقال له “ابتعد من الخطط الخماسية والعشرية، لأن أي خطأ فيها يصعب إصلاحه، في حين أن الخطط القصيرة قابلة للإصلاح فور اكتشاف الخطأ”، والمركزية الشديدة في سوريا وصفة لأخطاء يصعب إصلاحها كما برهنت الوقائع في النظام المنهار، وأكثر الأنظمة نجاحاً هي الأنظمة الفيدرالية أو اللامركزية، بحسب النماذج في أميركا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا وسواها.

———————————

تركيا عرّاب «سوريا الجديدة» تسابق لتثبيت نفوذها

تسعى لملء فراغات كثيرة وتصطدم بتحدي الأكراد وإسرائيل

أنقرة: سعيد عبد الرازق

7 مايو 2025 م

طرحت تركيا نفسها كأحد أبرز اللاعبين على الأرض في سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد وتولي الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع.

اعتمدت تركيا على الرصيد الذي راكمته منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث دعمت المعارضة السورية السياسية والمسلحة، ودفعتها التطورات إلى التدخل العسكري المباشر عبر 3 عمليات عسكرية، بين عامي 2016 و2019 استهدفت بالأساس وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكّل العمود الفقري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وجزئياً تنظيم «داعش» الإرهابي؛ بهدف تأمين حدودها الجنوبية وإنشاء منطقة آمنة تستوعب اللاجئين الذين تدفقوا عليها.

ومع سقوط نظام بشار الأسد تعزّز الوجود التركي متجاوزاً البعد العسكري إلى السياسي، بما يخدم استراتيجية تقوم على الوجود في مناطق النفوذ القديم للدولة العثمانية؛ ولذلك سارعت لتأخذ مكانها في مقدمة القوى التي تتدافع لملء الفراغ بعد سقوط الأسد.

خطوات استباقية

كانت تركيا أول دولة ترسل رئيس مخابراتها، إبراهيم كالين، كأرفع مسؤول يزور دمشق بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، كما كانت أول دولة قاطعت النظام السابق تعيد فتح سفارتها في دمشق، ثم قنصليتها في حلب، وكانت الدولة الثانية بعد السعودية في أول جولة خارجية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، والدولة الوحيدة التي زارها مرتين في أقل من 3 أشهر، حيث كانت زيارته الأخيرة في 11 أبريل (نيسان) الماضي لحضور منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع في جنوب تركيا.

وسارعت تركيا إلى التنسيق مع حكومة دمشق الجديدة في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب بحث تلبية احتياجات سوريا من الكهرباء وتأهيل المطارات والطرق والتمهيد لتوقيع اتفاقية تجارية شاملة بين البلدين.

وأسفرت العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا عن ترسيخ مناطق نفوذ، حيث دربت تركيا فصائل مسلحة وتشكلت مجالس إدارية تحت إشرافها، كما لعبت دوراً محورياً في رسم المشهد السياسي السوري عبر مسار آستانة، ما أتاح لها التأثير في القرارات السياسية.

وساهمت الاستثمارات التركية في البنية التحتية والتعليم والصحة في المناطق الخاضعة لسيطرتها والفصائل الموالية لها، في تحسين الظروف المعيشية وبالتالي زيادة قبول السكان المحليين للوجود التركي.

ورغم ما يمكن اعتباره نجاحات «فائقة» لتركيا في سوريا، فإن هناك تحديات تتعلق بتأمين حدودها، وإدارة ملف اللاجئين، والتعامل مع التوترات والقوى الإقليمية والدولية، والاتهامات التي تواجهها سياساتها في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بالتدخل لتغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق في شمال سوريا.

أهداف رئيسية

وحسب مصادر بالخارجية التركية، فإن «العمود الفقري للسياسة التركية تجاه سوريا هو تحقيق المصالحة الوطنية من خلال حماية وحدة وسلامة أراضي البلاد، وإرساء الأمن والاستقرار في البلاد بتطهيرها من العناصر الإرهابية، وضمان إعادة إعمار سوريا من خلال رفع العقوبات».

ويظل الهاجس الأول والهدف الأكبر لتركيا هو تأمين حدودها، وتحديداً إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تعتبرها «تنظيماً إرهابياً»، يشكّل خطراً أمنياً.

وتقول تركيا إن مسؤولية مكافحة العناصر الإرهابية والحركات الانفصالية في سوريا تقع على عاتق الإدارة السورية بالدرجة الأولى، وإنها من جانبها وفّرت المساحة اللازمة للسماح بالتغلب على هذه المشاكل على أساس الطريقة التي تفضّلها الإدارة السورية.

وتأمل أنقرة في أن يتم تنفيذ الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، مع قائد «قسد»، مظلوم عبدي، القاضي باندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة السورية، من أجل تجنُّب عمليات عسكرية جديدة، قد تعرقلها أميركا، بدعوى الاتفاق ذاته.

وأثار مؤتمر «وحدة الصف والموقف الكردي» الذي عقدته القوى الكردية في القامشلي شمال شرقي سوريا، مؤخراً، قلقاً شديداً لدى تركيا بسبب دعوته إلى حكم «لا مركزي» أو «فيدرالي».

وأعلن الرئيس رجب طيب إردوغان أن «مسألة النظام الفيدرالي ليست سوى حلم بعيد المنال، ولا مكان لها في واقع سوريا»، قائلاً: «لن نسمح بفرض أمر واقع في منطقتنا ولا بأي مبادرة تهدد أو تعرض الاستقرار الدائم في سوريا والمنطقة للخطر».

ولفت إلى أن السلطات السورية أعلنت أنها لن تقبل بأي سلطة غير حكومة دمشق أو هيكل مسلح غير الجيش السوري في سوريا، مضيفاً: «هم يواصلون عملهم في هذا الاتجاه، ولدينا نهج مماثل تجاه أمن الحدود».

تمسك بوحدة سوريا

وأعطى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، رسالة أكثر وضوحاً وتحديداً حول المؤتمر، خلال زيارة للدوحة، الأحد قبل الماضي، قائلاً إن «تركيا ترغب في رؤية دستور وحكومة في سوريا تضمن إعطاء فرص متساوية لجميع المكونات في البلاد».

ولفت إلى الاتفاق الموقّع في مارس (آذار) الماضي بين حكومة دمشق و«قسد»، مؤكداً أن تركيا ستقف في وجه «المجموعات التي تستغل الوضع الحالي في سوريا لتحقيق بعض أهدافها، وتسعى إلى الإضرار بوحدة أراضي سوريا وسيادتها».

وأكد، فيما اعتبر إشارة لحل عسكري حال الضرورة، أن «تنظيم» الوحدات الكردية (أكبر مكونات «قسد») التابع لـ«حزب العمال الكردستاني»، سيخرج من الحسابات في سوريا، سواء بإرادته عبر طرق سلمية، أو «بخلاف ذلك»، كما خرج تنظيم «داعش» الإرهابي من الحسابات.

ورغم وصف إردوغان لفكرة الفيدرالية في سوريا بأنها «مجرد حلم»، فإن هناك جهات فاعلة، وخصوصاً في شمال وشرق سوريا، تواصل الدفع باتجاه الاعتراف الدولي بالأمر الواقع الذي فرضته «قسد» من خلال إدارة ذاتية تعتمد على نموذج الفيدرالية، وهو ما يزيد من قلق تركيا تجاه «سياسة ناعمة» تحول الحلم إلى كابوس.

التعامل مع ملف الأكراد

ويبدو أن تركيا تعتمد، بشكل أساسي، على الإدارة السورية في التصدي لأي خطوات من شأنها تهديد وحدة سوريا، وفي الوقت ذاته ترغب في نجاح اتفاق اندماج «قسد» في مؤسسات الدولة السورية، لما يحمله من أهمية بالنسبة للجهود المبذولة داخلياً من خلال الاتصالات مع زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين، عبد الله أوجلان، لحل الحزب وتسليم أسلحته، ما يعني أن تركيا ستتخلص من التهديد الذي يحيط بحدودها الجنوبية في شمال العراق، وبالتبعية في شمال شرقي سوريا، فضلاً عن تحقيق سلامها الداخلي.

وتأمل أنقرة في تخلي واشنطن عن الاستمرار في دعم «وحدات حماية الشعب الكردية – قسد»، بدعوى التحالف معها في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، وهو ما لم تعطِ واشنطن أي إشارة إليه حتى رغم الإعلان عن سحب بعض قواتها.

وتراقب تركيا مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا، وتسعى إلى دفع الجدول الزمني للانسحاب، وإقناع الولايات المتحدة بقدرة إدارة دمشق، بدعم منها، على التصدي لبقايا تنظيم «داعش» الإرهابي، والسيطرة على السجون التي توجد بها عائلات عناصر التنظيم، والخاضعة لسيطرة «قسد» حتى الآن.

وفي سبيل ذلك، طرحت تركيا فكرة تشكيل «تحالف إقليمي» لمحاربة «داعش»، يضم إلى جانبها عدداً من دول جوار سوريا، هي الأردن، والعراق، ولبنان، إلى جانب سوريا.

وعقد وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في الدول الخمس اجتماعاً في العاصمة الأردنية عمان، في 9 مارس الماضي، تم الاتفاق خلاله على إنشاء مركز عمليات مشترك في سوريا، لا تزال المحادثات الفنية بشأنه جارية.

قلق من تمدد إسرائيل

وغير بعيد عن هذا الملف المقلق، يأتي النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا، وخشية تركيا من سيطرة إسرائيل، التي تحظى هجماتها في سوريا بقبول أميركي، على أجواء سوريا من الجنوب إلى الشمال، لا سيما مع ما هو معروف من علاقة قوية بين إسرائيل وأكراد سوريا.

كما تنظر إسرائيل إلى أي دور تركي متقدم في سوريا على أنه تهديد استراتيجي لأمنها؛ لأنه قد يغيّر خريطة النفوذ على الحدود الجنوبية ويؤدي لحضور فصائل تشكّل خطراً عليها.

وكشفت تقارير في الفترة الأخيرة عن سعي تركيا، التي تتمتع بعلاقات جيدة للغاية مع الإدارة السورية الجديدة، إلى توسيع وجودها العسكري في البلاد والحصول على قواعد عسكرية برية وجوية وبحرية.

وعلى الرغم من أن تركيا لم تعلن بشكل رسمي سعيها إلى إقامة قواعد جوية في سوريا، فإن إسرائيل قامت بخطوات استباقية وقصفت قاعدة «تي 4» شرق حمص، أكثر من مرة في مارس الماضي، فضلاً عن قصف مطار حماة العسكري وإخراجه من الخدمة نهائياً.

وأعلن مسؤولون إسرائيليون أن إقامة قاعدة تركية في تدمر بريف حمص الشرقي «خط أحمر».

وتدعم تركيا، سياسياً، الإدارة السورية في مواجهة الهجمات الإسرائيلية المتكررة، سواء عبر مجلس الأمن أو في مختلف المحافل.

وعلى الرغم من حالة الترقب والتنافس، لا ترغب تركيا، وكذلك إسرائيل، في مواجهات عسكرية في سوريا، ويبدو أنهما أقرتا قواعد اشتباك لتجنب أي صدام غير مرغوب فيه، خلال اجتماع فني لوفدين منهما في باكو، عاصمة أذربيجان، في 9 أبريل الماضي، على خلفية التوتر في شرق حمص وحماة.

وجنبت هذه القواعد، حسب تقارير تركية وإسرائيلية، اشتباكاً بين طائرات من الجانبين عندما نفّذت إسرائيل ضربات قرب قصر الرئاسة في دمشق.

وأكد مسؤولون إسرائيليون أن المحادثات الفنية في أذربيجان كانت إيجابية، وأن إسرائيل قد تقبل بقاعدة عسكرية محدودة لتركيا في سوريا.

يبقى أن الحضور التركي في سوريا أظهر تحولاً من الدعم غير المباشر إلى التأثير المباشر في الأحداث والتطورات، انطلاقاً من سعي أنقرة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ومع دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدور تركي كبير في سوريا، يتوقع أن يكون لأنقرة دوراً حاسماً في تحديد مستقبل سوريا، وربما المنطقة أيضاً.

الشرق الأوسط

————————————–

جلسة تفاوض رابعة بين دمشق و”قسد”… لا اختراق في الملفات الأكثر أهمية/ محمد أمين

08 مايو 2025

عقدت الحكومة السورية جلسة تفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لتطبيق الاتفاق الذي وقّعه الجانبان في مارس/آذار الماضي، من أجل إدماج هذه القوات في المنظومة العسكرية للبلاد، وحسم مصير الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه. وذكرت مصادر إعلامية مقربة من الحكومة أن جلسة رابعة من التفاوض بين دمشق و”قسد” عقدت في قاعدة “العمر” النفطية في ريف دير الشرقي الاثنين الماضي. وترأس وفد الحكومة رئيس جهاز المخابرات العامة حسين عبد الله السلامة، بينما ترأس وفد “قسد” القائد العام مظلوم عبدي. مع العلم أن السلامة هو من قاد المفاوضات مع عبدي والتي أفضت إلى توقيع اتفاق  مارس.

وبحسب المصادر، بحث مسؤولون من دمشق و”قسد” موضوع حقلي العمر وكونيكو للغاز في ريف دير الزور، بعد انسحاب قسم كبير من قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا خلال الأيام القليلة الماضية، في سياق استراتيجية أميركية للانسحاب بشكل شبه كلي من الأراضي السورية. وكان الرئيس السوري أحمد الشرع وقع في مارس الماضي اتفاقاً مع عبدي نص على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.

لجان بين دمشق و”قسد”

وكانت دمشق و”قسد” شكلتا لجانا تنفيذية لـ”تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي”، وفق نص الاتفاق. وعقدت اللجان بالفعل عدة جلسات تفاوضية نجحت في تفكيك عقدة أكثر من ملف، منها وجود وحدات “حماية الشعب” الكردية في حيي الشيخ مقصود والأشرفية على الأطراف الشمالية لمدينة حلب. وأعلنت “الإدارة الذاتية”، الذراع السياسية والإدارية لقوات سوريا الديمقراطية الاثنين الماضي وقف الأعمال القتالية، وسحب قواتها من سد تشرين الاستراتيجي على نهر الفرات شمال شرق حلب، في خطوة ربما تعكس تقدماً في سير المفاوضات مع الحكومة، ما يعني تسلّم الأخيرة لهذا السد بعد اقتتال أعقبه تفاوض. وتضع “قسد” يدها على ثلاثة سدود استراتيجية لتوليد الكهرباء على نهر الفرات، وهي تشرين في ريف حلب الشمالي، والفرات والحرية (البعث سابقاً) في ريف الرقة الغربي.

وقالت مصادر مطلعة ومقربة من وفد الحكومة، لـ”العربي الجديد”، إن الاجتماع الذي عقد بين مسؤولين من دمشق و”قسد” في حقل العمر تناول “ملفات حساسة”، مشيرة إلى أن “قسد” وافقت على الانسحاب من سد تشرين مع الإبقاء على عدد من موظفيها الذين سيتحولون رسمياً للعمل تحت إشراف وزارة الطاقة السورية. وبينت المصادر أنه تمت مناقشة إمكانية دمج مقاتلي “قسد” ضمن هياكل وزارة الدفاع السورية وإدخال فرق عسكرية إلى الشمال الشرقي من البلاد للانتشار والسيطرة على الحدود والمعابر. وكشفت المصادر أنه “جرى بحث آليات إدارة واستثمار الحقول النفطية، بما يضمن خضوعها لإشراف الدولة بشكل كامل، مع ترتيبات معينة لضمان استمرار الإنتاج”، مشيرة إلى أنه “تمت مناقشة انسحاب قسد من المناطق التي تسيطر عليها وفق ثلاث مراحل”، موضحة أنه “في المرحلة الأولى تنسحب قسد من ريف دير الزور الشرقي ومحافظة الرقة، وفي الثانية من جنوب وشرق الحسكة، وفي الثانية (وهي الأصعب والأكثر حساسية)، تخضع المناطق ذات الغالبية الكردية في أقصى الشمال الشرقي من البلاد لتفاهمات لاحقة”.

طي ملف “قسد” يتطلب توافقات إقليمية ودولية

لكن الوقائع السياسية تشير إلى أن طي ملف “قسد” يتطلب توافقات إقليمية ودولية، لا سيما أن هذه القوات تربط تطبيق بنود الاتفاق الذي وقعته مع الشرع في مارس الماضي، مع القضية الكردية في البلاد، وهو ما ترفضه دمشق التي ترى أنه لا ترابط بين الملفين، فالتفاوض حول مطالب الأكراد السياسية مختلف تماماً عن التفاوض مع “قسد” لدمجها في الجيش السوري وإنهاء سيطرتها على الشمال الشرقي من سورية.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي، على الجزء الأكبر من محافظتي الرقة والحسكة وعلى أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات. وتتحكم بهذه المناطق الغنية بالثروات، في إطار سعيها للضغط على الحكومة السورية لفرض اللامركزية في البلاد، وهو ما ترفضه دمشق بشكل مطلق، وترى أنه خطوة في اتجاه تشظّي البلاد على أسس عرقية وطائفية. كما تحظى هذه القوات بدعم من الجانب الفرنسي لذا من المتوقع أن يكون الملف الكردي السوري حضر في مباحثات الشرع في باريس أمس الأربعاء، وفق الباحث السياسي مؤيد غزلان، الذي أشار في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن تقدماً وصفه بـ”الطفيف”، تحقق في مفاوضات الحكومة مع “قسد”. وأشار إلى أنه لم يتم تحقيق اختراق في الملفات الأكثر أهمية، متوقعاً أن تمارس باريس ضغطاً على الطرفين و”ستقدم وعوداً”، مضيفاً: لكن ليس لديها الكثير، فالعقوبات الأهم هي الأميركية.

وأكد غزلان أن الحرب “لم تعد خياراً مطروحاً أمام دمشق للتعامل مع الملفات الداخلية”، مضيفاً: الحرب السورية ــ السورية لم تعد خياراً بالمطلق. هناك مفاهيم جديدة في الوطنية ومجال كبير للحريات في سورية. وأشار إلى أن الإدارة في سورية تعتمد سياسة “الحلول المرنة”، في التعاطي مع كل الملفات والتحديات، معتبراً أن زيارة الشرع إلى باريس “تعمّق القبول الأوروبي للإدارة السورية الجديدة”، مضيفاً: في حال تعنت “قسد” في تطبيق بنود الاتفاق يجب ممارسة الضغط عليها من الدول التي تدعمها.

ويعد الشمال الشرقي من سورية مستودع الثروات النفطية والزراعية، والتي من شأن عودتها إلى الدولة مدّ الاقتصاد بأسباب التعافي. لكن المؤتمر الذي عقدته مؤخراً قوى سياسية كردية، ضمنها حزب الاتحاد الديمقراطي المهيمن على “قسد” عن طريق ذراعه العسكرية “حماية الشعب”، خرج بمطالب اعتبرت تراجعاً عن الاتفاق بين دمشق و”قسد” ما دفع الرئاسة السورية إلى إصدار بيان، في 27 إبريل/نيسان الماضي، حمل نبرة شديدة اللهجة اتجاه “قسد”، أكدت فيه رفضها محاولات فرض واقع تقسيم أو إنشاء كيانات منفصلة. وجاء في بيان الرئاسة أن “وحدة سورية أرضاً وشعباً خط أحمر، وأي تجاوز لذلك يُعد خروجاً عن الصف الوطني ومساساً بهوية سورية الجامعة”. وأعربت عن قلقها من “الممارسات التي تشير إلى توجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق”، محذرة من تعطيل عمل مؤسسات الدولة في المناطق التي تُسيطر عليها “قسد”، وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها، واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة بما يسهم في تعميق الانقسام وتهديد السيادة الوطنية.

وكانت قوى سياسية فاعلة في المشهد السوري الكردي دعت، بعد اجتماع في مدينة القامشلي، في إبريل الماضي، إلى إقرار دستوري بوجود قومي للأكراد، وضمان حقوقهم دستورياً، وتوحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية. كما طالبت بنظام حكم برلماني في سورية يتبنى التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، كما يعتمد مجالس المناطق في إطار النظام اللامركزي. وتضمنت الوثيقة العديد من المطالب التي من شأنها “ضمان مشاركة الأكراد في مؤسسات الدولة التشريعية، القضائية، التنفيذية والأمنية”، فضلاً عن المطالب التقليدية من قبيل “الاعتراف الدستوري باللغة الكردية لغةً رسمية إلى جانب اللغة العربية في البلاد، وضمان التعليم والتعلم بها”. كما طالبوا بـ”تشكيل هيئة دستورية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة مبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية كاملة”، في نسف واضح للإعلان الدستوري الذي أعلنته الإدارة السورية.

وتحاول “الإدارة الذاتية” عقد مؤتمر للعشائر العربية في مناطق سيطرتها، في خطوة تهدف إلى الإيحاء بأنها تحظى بتأييدها في المفاوضات المقبلة مع الحكومة. وفي هذا الصدد، أكد رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر العربية مضر حماد الأسعد، لـ”العربي الجديد”، رفضه لأي دعوة من قبل “قسد” أو “مسد” (الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية)، لعقد مؤتمر للقبائل العربية في الجزيرة والفرات. وقال: “هكذا مؤتمر الهدف منه منح قسد شرعية التحكم والتكلم باسم العرب”، مشيراً إلى أن الرئاسة السورية “طلبت رسمياً من مظلوم عبدي في لقاءات سابقة ألا يتحدث باسم العشائر والقبائل العربية في شمال شرقي سورية، والتي يشكل أبناؤها نحو 90% من السكان”.

——————————–

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى