عن أشتباكات صحنايا وجرمانا تحديث 08 أيار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
—————————-
أحداث العنف الطائفي في ريفي دمشق والسويداء وتداعياتها على مستقبل سورية
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
07 مايو 2025
شهدت بلدات جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، أواخر إبريل/ نيسان 2025، صدامات ذات طابع طائفي أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى من المدنيين والمسلحين المحليين وقوات الأمن العام. وقد امتدّت الصدامات من أطراف العاصمة إلى ريف محافظة السويداء التي تقطنها أيضاً غالبية من الطائفة الدرزية، على نحو هدّد باشتعال نذر مواجهات أوسع خاصة مع التدخّل الإسرائيلي، بذريعة حماية الطائفة الدرزية من مذابح طائفية. وتعدّ هذه ثاني أعنف مواجهات تشهدها البلاد منذ سقوط نظام بشّار الأسد، في ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد أحداث الساحل الطائفية التي وقعت مطلع مارس/ آذار 2025. وانتهت المواجهات الماضية باستعادة قوات الأمن السيطرة على بلدات ريف دمشق الثلاث، بعد التوصل إلى اتفاق يقضي بتسليم الأسلحة التي كانت بحوزة المجموعات المحلية، بينما تمسكت المجموعات المسلحة في السويداء بسلاحها، رغم التوصّل إلى اتفاقٍ مع الحكومة المركزية يقضي بأن يتولّى أبناء المحافظة مسؤولية حفظ الأمن فيها بعد أن يندمجوا في صفوف قوات الأمن العام.
خلفية الأحداث
تعود شرارة التوترات الأمنية التي شهدتها مناطق الأغلبية الدرزية في ريف دمشق، أواخر إبريل 2025، إلى تسجيل صوتي منسوبٍ إلى أحد رجال الدين من الطائفة الدرزية، تضمّن عبارات مسيئة للنبيّ محمد، ما أثار موجة غضب واسعة، تزامنت مع موجة من التحريض على منصات وسائط التواصل الاجتماعي. ورغم أن الشيخ الذي نُسب إليه التسجيل نفى أيّ علاقة له بالمقطع الصوتي، واعتُبر الأمر مفبركاً، واستنكر عدد من شيوخ الطائفة الدرزية محتواه، ولم يتوافر أيّ دليل على هوية صاحبه، فإنّ هذه المواقف لم تُفلح في احتواء الغضب والتجييش الطائفي ضد الدروز عموماً، ما أدّى إلى صدامات، خصوصاً في المناطق ذات التركيبة السكانية المختلطة طائفيّاً.
بدأت التوترات في المدينة الجامعية في حمص، التي شهدت حالةً من الاحتقان الطائفي على خلفية المقطع الصوتي المذكور، تطوّرت إلى اشتباكات بالأيدي بين الطلاب، ما أدّى إلى إجلاء الطلاب الدروز من المدينة. وانتقلت سريعاً إلى السويداء، داخل أحياء البدو خاصة، وأطراف دمشق. وبدأ التصعيد الأمني الأبرز من مدينة جرمانا، الواقعة على طريق المطار إلى الشرق من مدينة دمشق، مساء 28 إبريل 2025، حيث اندلعت اشتباكات في عدة مواقع، بعد أن هاجمت عناصر مسلّحة المدينة، واشتبكت مع مجموعات محلية داخلها. فتدخّل جهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية، واندلعت مواجهات مباشرة أسفرت، في حصيلةٍ أولية، عن مقتل 14 شخصاً. وامتد نطاق التوتر إلى بلدات صحنايا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق الغربي، حيث شنّت مجموعات مسلّحة (وصفتها وزارة الداخلية بأنها “خارجة عن القانون”) هجمات استهدفت مواقع أمنية ومقارّ لقوى الأمن الداخلي، ما يشير إلى انزلاق الاحتقان الطائفي إلى مواجهة مفتوحة. بناءً عليه، دفعت الوزارة بتعزيزات أمنية وعسكرية، وفرضت طوقًا أمنيّاً حول محاور الاشتباك، وأغلقت الطرق المؤدية إلى المناطق المتأثرة، في محاولة منها لتستعيد سيطرتها على المنطقة وتلاحق المتورّطين في أعمال العنف. وامتدت الاشتباكات إلى ريف محافظة السويداء الغربي، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى في أجواء مشابهة لما حصل في ريف دمشق. وكانت السويداء التي انتفضت على سلطة الأسد منذ سبتمبر/ أيلول 2023، رفضت بعد سقوط نظامه، في ديسمبر 2024، دخول قوات الأمن العام التابعة للإدارة السوريّة الجديدة إليها، ولم تسلّم الفصائل المسلحة فيها سلاحها، وعارض أحد مشايخها، حكمت الهجري، الاعتراف بالسلطة الجديدة في دمشق، وأفادت معلومات أنّ المجلس العسكري في السويداء طلب الحماية من إسرائيل.
احتواء الأزمة
أسفرت مساعي السلطات السورية بالتنسيق مع وجهاء محليين وقيادات دينية درزية عن التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في كل من جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، نصّ على أن يسلَّم السلاح الثقيل فوراً، أما السلاح الفردي غير المرخّص فيسلَّم خلال مهلة محددة، وأنّ حيازة السلاح تكون حصريّاً بيد مؤسّسات الدولة الرسمية، وعلى أن يزيد انتشار قوات الأمن العام داخل المدينة بهدف ترسيخ الاستقرار وضمان عودة الحياة الطبيعية. ويذكر نص الاتفاق أنّ من يحتفظ بأيّ نوع من الأسلحة بعد انتهاء المهلة سيُعدّ خارجاً عن القانون.
وعقدت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، في السويداء، ووجهاء من المحافظة وممثلين عن الفصائل العسكرية، اجتماعًا جرى الاتفاق فيه على توجيه مطالبهم إلى الحكومة في دمشق، وتتمثّل في:
(1): تفعيل قوى الأمن الداخلي (الشرطة) من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقًا، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصرًا، وعلى الفور.
(2): رفع الحصار عن مناطق السويداء، جرمانا، صحنايا، وأشرفية صحنايا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها فورًا.
تستغل إسرائيل التوتر الطائفي الذي تشهده سورية لتعيد رسم المشهد في الجنوب السوري
(3): تأمين طريق دمشق – السويداء وضمان سلامته وأمنه، تحت مسؤولية السلطة، وعلى الفور.
(4): وقف إطلاق النار في جميع المناطق. وقد وافقت الإدارة السورية في دمشق على بنود المبادرة التي توصلت إليها قيادات المحافظة؛ آملةً في احتواء التصعيد وإنهاء الأزمة.
تداعيات الاحتقان الطائفي ومخاطره
مثّلت الصدامات الطائفية التي شملت المناطق ذات الأغلبية الدرزية في محيط دمشق والسويداء، استمراراً للعنف الطائفي الذي بات يتنقّل، منذ سقوط النظام، من منطقة سوريّة إلى أخرى، وغدا يشكّل تهديداً حقيقيّاً لوحدة البلاد الترابية والمجتمعية، فحتى الحوادث البسيطة يمكن أن تؤدّي إلى مواجهات طائفية واسعة تشمل محافظات بأكملها. ويتفاقم هذا الوضع؛ بسبب انتشار السلاح بين الأفراد والجماعات المحلية، في غياب موقف واضح وحاسم من السلطة تجاه التجييش الطائفي والخطاب الديني المذهبي الذي يُستخدم غطاءً له. أضف إلى ذلك أن السلطة لم تتمكن من ضبط الفصائل المسلحة التي تتصرف باسمها أو ترتبط بها. ورغم أنّ أعمال عنفٍ طائفي جرت على نطاق واسع في منطقة الساحل السوري في مارس 2025، وسقط فيها أكثر من 1700 بين قوات الأمن والمدنيين، وفقًا للتحديث الأخير الذي أجرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، من بينهم أطفال ونساء، في أعمالٍ انتقامية قامت بها جماعات محسوبة على السلطة وصفتها الحكومة بأنها منفلتة، ردّاً على هجمات مجموعات لها ارتباط بالنظام السابق، فإنّ الصدامات الطائفية الأخيرة تزداد تعقيداً وخطورة، بعد أن تدخّلت إسرائيل؛ بدافع الرغبة في الهيمنة على الجنوب السوري وتحويله إلى منطقة نفوذ إسرائيلي، موظّفةً الامتداد المذهبي الدرزي بين جنوب سورية وشمال فلسطين.
وتستغل إسرائيل التوتر الطائفي الذي تشهده سورية لتعيد رسم المشهد في الجنوب السوري، حيث تفرض نوعًا من الحظر على دخول قوات الحكومة السورية إلى المنطقة، وتسعى بذلك إلى تحقيق هدفها المتمثل بتفتيت سورية إلى كانتونات طائفية، وهو سيناريو ربما تتجاوز تداعياته الحدود السورية لتشمل كل منطقة المشرق العربي، وبصورة خاصة لبنان والأردن. وفي هذا السياق، تقدّم إسرائيل نفسها باعتبارها حاميةً للطائفة الدرزية، وتحاول أن تستميلها، بوساطة مغريات مالية، وتقديم خدمات البنية التحتية والصحة، التي تعجز الحكومة السورية عن تقديمها في الظرف الراهن. وفي ترجمةٍ عملية لهذه السياسات، نفّذ سلاح الجوّ الإسرائيلي غارات استهدفت محيط بلدة صحنايا في ريف دمشق، تزامنت مع تحليقٍ مكثّفٍ للطيران الحربي في الأجواء السوريّة، وقد سبق هذه الغارات قصفٌ بطائرات مسيّرة استهدف موقعًا لقوات الأمن السورية على أطراف المدينة، زعمت إسرائيل إنّ عناصره كانوا يخططون لشنّ هجمات ضد السكان الدروز، وأسفرت الغارات عن مقتل عنصر أمني وإصابة عدد من الأفراد. وقد ربط الجيش الإسرائيلي هذه العمليات بتطورات الوضع الداخلي في سورية، حيث صرّح الناطق باسمه إنّ رئيس هيئة الأركان أصدر تعليماتٍ تقضي باستهداف مواقع تابعة للحكومة السورية، في حال استمرار ما وصفها بـ “أعمال العنف ضد أبناء الطائفة الدرزية”. وأصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، بياناً مشتركاً جاء فيه أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي نفّذ “عملية تحذيرية” استهدفت مجموعةً زعم إنها كانت تستعدّ لمهاجمة الدروز السوريين في أشرفية صحنايا، وأنّ ذلك يعدّ بمنزلة رسالة إلى حكومة دمشق لمنع أيّ أذىً ربما يلحق بالدروز. ولم يقتصر التدخّل الإسرائيلي على هذه الغارات، بل تصاعد إلى قصف جوي واسع، في إطار محاولات توظيف الاشتباكات لفرض الهيمنة على الجنوب السوري، وقد بلغت الاعتداءات مرحلةً غير مسبوقة تمثلت بتنفيذ غارات استهدفت محيط القصر الرئاسي في دمشق، إلى جانب مناطق سوريّة أخرى.
خاتمة
أصبحت حالة العنف الطائفي المتفاقم في سورية تمثّل تحدّيّاً كبيراً يهدّد استقرار الدولة ووحدة البلاد وقدرتها على التعافي من أزمتها الداخلية المستمرة منذ 14 عاماً. هذه مسألة وطنية وجودية تتطلب معالجة جذرية؛ إذ إنّ اتفاقيات التهدئة المحلية المرحلية في هذه المنطقة أو تلك لا تعدّ حلًّا ناجعًا، فالوضع يحتاج إلى حلّ شامل يقطع الطريق على مشاريع تقسيم البلاد التي تقودها إسرائيل، ويواجه التدخّل في شؤونها الداخلية بذريعة حماية الأقليات، التي عبّرت عنها مواقف بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تضع حماية الأقليات شرطاً رئيساً لرفع العقوبات عن سورية.
ما زالت الإدارة السورية الجديدة عاجزة عن التعامل مع جذور المشكلة الطائفية وتراها بعض الأوساط القريبة منها أمراً طبيعيّاً. وتتحمل هذه الإدارة مسؤولية رئيسة في رأب الشروخ بين فئات المجتمع السوري. ويتطلب هذا الأمر أن يستعيد السوريون الثقة بقدرة حكومتهم على حمايتهم، وأن تمثّلهم جميعاً من دون أن تنحاز إلى تيار سياسي أو مذهبي معيّن. ولتحقيق ذلك، على الحكومة أن تتّخذ خطوات إضافية مهمّة، في مقدمتها إشراك كلّ فئات المجتمع السوري في العملية السياسية، وتفعيل المادة السابعة من نص الإعلان الدستوري التي تحظر “إثارة النعرات والتحريض على العنف” من خلال تجريم التجييش المذهبي والطائفي العلني في سورية، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنع قوات الأمن من التمييز بين المواطنين بناءً على انتمائهم الطائفي، والتعامل مع جميع السوريين باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الطائفية والدينية والإثنية، أضف إلى ذلك المبادرة إلى إطلاق مسارٍ للعدالة الانتقالية يضمن محاسبة المجرمين ويحدّ من عمليات الانتقام خارج إطار القانون. بهذه الإجراءات، يمكن أن تنهض سورية وتخرُج من أزمتها الراهنة، وتفوّت على إسرائيل فرصة تنفيذ مخطّطاتها التي تهدف إلى تفكيك البلاد وتحويلها إلى كانتونات طائفية متناحرة.
العربي الجديد
———————————
خيار سورية الوحيد في مواجهة إسرائيل/ مروان قبلان
07 مايو 2025
منذ نشأتها على أنقاض فلسطين وأحلام الفلسطينيين، تعزَّز في وعي السوريين أن إسرائيل تمثل تهديداً عظيماً لهم، فهي في وجدانهم كيان توسعي اغتصب جزءاً من سوريّتهم الكبرى التي ما زالوا، رغم كل الخيبات، يحلمون بقيامها، قبل أن تغتصب جزءاً من سوريتهم الصغرى، عندما احتلت الجولان عام 1967 وألحقت بهم واحدةً من أقسى الهزائم في تاريخهم المعاصر. مع ذلك، ورغم كل المواجهات التي خاضوها ضدّها (1948، 1956، 1967، 1973، 1982، 2006) لم يشعر السوريون يوماً بهول التهديد الذي تشكله إسرائيل راهناً عليهم. المفارقة أنّ سورية (مهد القومية العربية ورافعة لواء وحدتها) باتت اليوم، بفعل السياسات الإسرائيلية، المرشّح الأبرز، وربما الوحيد، في المشرق العربي، المهدّدة جدّياً بوحدتها، وانهيار كيانها السياسي الذي ظهر بصورته الحالية عام 1923.
لقد استغلّت إسرائيل ظروف الأزمة السورية، والسياسات الكارثية التي تبنّاها نظام الأسد في معالجتها، لإضعافها وتدمير قدراتها العسكرية، واستخدمت استراتيجية تصعيد متدرّج ضدها على مدى عقد (2013 – 2024) إلى أن قرّرت عشية سقوط الأسد تدمير ما تبقى من أشلاء قدراتها العسكرية. لم تكتف إسرائيل بذلك، بل احتلّت أجزاء إضافية من الأرض السورية، وتتبنّى حالياً سياسة تفتيتها إلى كانتوناتٍ طائفية، عبر تدخّلها بذريعة حماية الأقليات، والتخويف من سياسات النظام الجديد.
حاولت الإدارة السورية الجديدة، منذ وصولها إلى الحكم، تفادي الصدام مع إسرائيل، فتجنّبت حتى التعليق على اعتداءاتها، اعتقاداً منها أنها تطمئن إسرائيل بذلك إلى توجهاتها على أمل أن تكفّ عنها. لا بل ذهب نشطاء محسوبون على الإدارة الجديدة إلى اعتبار تدمير إسرائيل قدرات جيش النظام المنهار، شأناً لا يعنيهم، لأن هذا الجيش وعتاده كانا الخصم الفعلي للشعب السوري. اليوم، ومع تحوّل إسرائيل تهديداً وجودياً لسورية، وتحدّيّاً لوحدتها ونظامها الجديد، ما عاد بالإمكان الاستمرار في غرز رؤوسنا في الرمال درءاً للخطر، بل صار محتّماً فعل شيء لمواجهته، فما هي الخيارات التي تملكها سورية الجديدة؟
الخيار الأول؛ استعادة شيء من توازن القوى، ليصير بإمكان سورية الدفاع عن نفسها. لكن هذا الخيار يحتاج مالاً كثيراً لا تملكه سورية حاليّاً لتعويض العتاد الذي دمّرته إسرائيل، وإلى سنوات من البناء والتدريب والإعداد (ثلاث إلى خمس سنوات)، هذا في حال، طبعاً، أوقفت إسرائيل اعتداءاتها، وسمحت لسورية بإعادة بناء قدراتها العسكرية.
الخيار الثاني؛ الاحتماء بقوة إقليمية أو دولية (تركيا أو روسيا). وهذا أيضا غير متاح، لأن تركيا ليست في وارد الدخول في مواجهة مع إسرائيل بسبب سورية، كما أوضحت ذلك علناً، كما أنها باتت تلزم الحذر أكثر، في ما يتعلّق بخطط زيادة وجودها العسكري على الأراضي السورية، بعد الضربات التي وجّهتها إسرائيل للقواعد المحتمل لتركيا التمركز فيها، مثل مطار حماة ومطار التيفور وغيرها. والاحتمال الأرجح هنا نشوء تفاهم (تقاسم نفوذ) تركي- إسرائيلي في سورية، لكن هذا لن يحمي دمشق والجنوب السوري بالضرورة لأنها ستتحوّل، في هذه الحال، منطقةَ نفوذٍ (عمليات إسرائيلية) في مقابل اقتصار النفوذ التركي على الشمال وصولاً إلى حماة. أما روسيا، فهي، أيضاً، وبخلاف التعقيدات التي ما زالت قائمة في علاقتها بالنظام السوري الجديد، لن تدخل في مواجهة مع إسرائيل من أجل أحد، وهي لم تفعل ذلك من أجل حليفها السابق (بشّار الأسد) فلماذا تفعل ذلك من أجل نظام تساورها بشأنه الشكوك. العرب أيضاً لا يبدو أنهم قادرون على التأثير في السياسات الإسرائيلية تجاه سورية، ولن تقدّم بيانات الاستنكار، التي يُمطرون إسرائيل بها بسبب اعتداءاتها على سورية، في شيء أو تؤخّر.
الخيار الثالث المتاح حالياً يتمثل في سدّ الذرائع في وجه التدخلات الإسرائيلية، والاستقواء بالداخل السوري في مواجهتها بدل البحث عن الحماية منها في الخارج، وهذا لن يجري إلّا بتبني خطاب وطني جامع يعالج الشروخ الاجتماعية العميقة التي مزقت البلد على مدى سنوات الصراع، واضطلاع الدولة بواجب حماية كل مواطنيها، وإشراكهم في إعادة بناء مؤسّساتها، بحيث يشعر كل سوري أنه جزء من هذه الدولة، ومواطن أصيل فيها، يتساوى في الحقوق والواجبات مع بقية المواطنين، فيصبح مستعدّاً للدفاع عنها، طالما أنها تدافع عنه، عندها لا تعود هناك “أقليات” تتذرّع إسرائيل للتدخّل بحمايتها، ومحاولة تفتيت سورية على مذبحها، بل سورية واحدة موحدة تقف في وجهها.
العربي الجديد
———————————-
سوريا والصيد في الماء العكر/ جلبير الأشقر
6 – مايو – 2025
لقد عوّدتنا إسرائيل على صيدها في الماء العكر، وهو تعبيرٌ يعود أصله إلى تجربة الصيادين في الأنهر حيث تسهّل المياه الوحِلة اصطياد الأسماك. وطالما اهتمت الدولة الصهيونية بزرع الفِتَن وتسعير نارها سعياً وراء إعادة رسم خارطة المنطقة المحيطة بها على شاكلتها، أي بحيث يغلب منطق التفتيت الطائفي والإثني على منطق المواطنة والولاء المشترك لدولة تُصهر الجماعات الطائفية والإثنية في بوتقة واحدة مع حفظ حقوقها. وفي سعيها المستوحى من قاعدة الإمبراطورية الرومانية الشهيرة «فرِّق تسُد»، جهدت إسرائيل منذ نشأتها في استغلال ما وجدته من فروقات في محيطها المباشر والأبعد، لاعبة على أوتار الأقليات الطائفية إزاء الأغلبية السنّية الإقليمية والأقليات الإثنية إزاء الأغلبية العربية: دروز، مسيحيون، كُرد، وسواهم، بل وشيعة في زمن شاه إيران قبل أن تنقلب بلاد الفرس إلى بؤرة معاداة لإسرائيل وتساهم بدورها في تأجيج الطائفية الشيعية في محيطها العربي سعياً وراء مدّ نفوذها الإقليمي.
ومن هذا المنظور، فإن سلوك الدولة الصهيونية في سوريا منذ انهيار نظام آل الأسد ليس بالمفاجئ أو الغريب، بل هو من المعتاد والطبيعي للغاية. وقد استغلت إسرائيل ذاك الانهيار كي تدمّر القسم الأعظم من الطاقة العسكرية التي كان النظام المخلوع يحوز عليها، بحيث تُضعف بصورة جذرية «هيئة تحرير الشام» (هتش) في مسعاها الرامي إلى الحلول محلّ النظام البائد في بسط سيطرتها على القسم الأعظم من الأراضي السورية. وقد انتهزت إسرائيل فرصة فراغ السلطة كي تمدّ سيطرتها وراء حدود احتلالها لهضبة الجولان كما استقرّت بعد حرب 1973، وذلك في غايتين شفّافتين، إحداهما تعزيز إطلالتها الاستراتيجية على شطر لبنان الجنوبي والأخرى تسهيل توغّلها داخل الأراضي السورية نحو المناطق ذات الأغلبية الدرزية.
أما المواجهات الأخيرة، فدارت بين حكم هتش والجماعات الجهادية المنضوية تحت لوائه، من جهة، والمسلّحين الدروز العاملين على حماية أهلهم ووقايتهم من وصاية حكم لا يراعي حقوقهم، وهو ما سبق أن فرضوه على النظام البائد نفسه على الرغم من ادّعائه حماية الأقليات، وما يحرصون على صونه اليوم، وكم بالأحرى، إزاء حكم جديد تضمّ قواته المسلّحة جماعات سنّية متطرّفة معادية لشتى أقليات البلاد. والحال أن حكم هتش عجز حتى الآن عن إقناع سائر سكان سوريا، بمن فيهم قسم واسع من السوريين العرب السنّة، بصدق نيّته في إرساء نظام مدني ديمقراطي لا طائفي، جامع لشتى مكوّنات الشعب السوري على أساس احترام خصائصها.
وهنا بيت القصيد: فإن الاصطياد الصهيوني في الماء العكر يقتضي أول ما يقتضي تعكيراً للمياه. فلا تلومنّ الكُرد، الذين عانوا الأمرّين من الاضطهاد الشوفيني البعثي طيلة عقود قبل انتهازهم فرصة الحرب الأهلية كي يفرضوا حكمهم الذاتي في مناطق تواجدهم في الشمال الشرقي. ولا تلومنّ العلويين الذين تعرّضوا في شهر آذار/ مارس الماضي لمجزرة طائفية بشعة، شارك فيها رجالٌ يلبسون بدلات حكم هتش، وسقط ضحيتها عدد من المدنيين يناهز 1700. ولا تلومنّ الدروز الذين تعرّضوا لهجمة طائفية بحجة فيديو مفبرك ومنسوب إلى شيخ من طائفتهم، بما لا ينطلي سوى على الذين تعميهم كراهية طائفية مسبقة.
إن اللوم يقع في المقام الأول على الذين نسبوا انهيار نظام آل الأسد إلى أنفسهم حصراً، بينما كان لإسرائيل الدور أكبر في خلق شروط إسقاطه من خلال الضربة الحاسمة التي وجّهتها لقدرة إيران على التدخل لنجدته، سواء من خلال «حزب الله» اللبناني أو بإرسال قوات من إيران والعراق. فكان ينبغي أن تقرّ هتش متواضعةً بحدود قدراتها الذاتية، التي هي أضعف حتى من قدرات القوات الكُردية في الشمال الشرقي، وأضعف بكثير من أن تستطيع بسط سيطرتها على المناطق العربية التي كان النظام المخلوع يهيمن عليها بمعونة روسيا وإيران.
بدل ذلك، أصيب أحمد الشرع بنشوة الحلول محلّ بشّار الأسد في قصره الرئاسي (حتى أنه أخذ يشبه نسخة ملتحية عن الرئيس المخلوع) وتصرّف كأنه قادرٌ على الهيمنة على كامل الأراضي السورية، ونصّب أولاً حكومة إدلب الهتشية حكومةً لعموم سوريا، وشكّل من ثمّ حكومة جديدة تحت هيمنة هتشية، اقتصر فيها «تمثيل» مكوّنات الشعب السوري على حد أدنى رمزي لم يُقنع أحداً (أسوأ ما فيه تمثيل أغلبية الشعب السوري النسائية والأقلية المسيحية بشخص امرأة واحدة وحيدة) ووعد بسيرورة دستورية تشوبها العيوب ذاتها، كما أوحى بأن سوريا لن تشهد انتخابات قبل أربع سنوات.
بدل كل ذلك المنافي تماماً لما تحتاج سوريا إليه، كان ينبغي سلوك الطريق الوحيد التي بإمكانها أن تؤدّي إلى إعادة توحيد البلاد. وقد أشرنا إليها منذ البداية (أنظر «كيف يُعاد بناء الدولة السورية؟» على هذه الصفحات، 17/12/2024) ألا وهي طريق الدعوة إلى مؤتمر شامل تتمثّل فيه كافة مكوّنات الشعب السوري السياسية والطائفية والإثنية، وتتمثل فيه النساء بصورة متناسبة مع نسبتها من السكان، وتنبثق عنه حكومة مؤقتة تشارك فيها تلك المكوّنات وتمهّد لانتخاب مجلس دستوري في مهلة زمنية لا تتعدّى السنة، كي يقوم المجلس المذكور بصياغة مشروع دستور جديد بغية عرضه على استفتاء شعبي، مع اشتراط نيله أغلبية الثلثين كي يدخل حيّز التنفيذ. هي ذي الشروط التي وحدها بإمكانها تنقية المياه السورية وطمأنة شتى مكوّنات الشعب السوري. أما ما قام به حكم هتش حتى الآن، فهو يزيد من تعكيرها بصورة خطرة، بما يفسح المجال أمام شتى الصيّادين الإقليميين في الماء العكر، وعلى رأسهم الدولة الصهيونية.
كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي
——————————–
تركت المخطوفين بغزة واهتمت بدروز سوريا: ماذا تريد إسرائيل من الشرع وأردوغان؟
منذ بضعة أشهر ونحن نعرف كل شيء عن الإصابات في مواقع الذخيرة في سوريا، من إرث بشار الأسد. تفيد الفرضية بأنه سلاح ربما يهدد إسرائيل تحت نظام أحمد الشرع، الحاكم الجديد والجهادي القديم. غير أن حكومة إسرائيل والجيش الإسرائيلي لا يشرحان ما يقصدانه بالضبط.
مؤخراً، أضيف هدف وجودي للهجمات في سوريا: إنقاذ الدروز الذين يهددهم الرئيس الجديد. الناطقون بلسانه يقولون إنه يريد توحيد كل القبائل المتفرقة في سوريا بخاصة في منطقة دمشق، حول حكومته. وكما يبدو هذا اليوم، فإن حكومة إسرائيل تعارض ذلك، وتهاجم قرب القصر الرئاسي في دمشق. وشرح وزير الدفاع إسرائيل كاتس: “عندما يستيقظ الجولاني صباحاً ليرى نتائج الهجوم سيفهم جيداً بأن إسرائيل مصممة على منع المس بالدروز في سوريا، وبأن واجبنا حماية الدروز في سوريا من أجل إخواننا الدروز في إسرائيل وولائهم للدولة. هراء. وحدها حكومة مجنونة تترك المخطوفين في غزة لمصيرهم وتحرص على الدروز في دمشق – وفي الحالتين لمواصلة “القتال” من أجل البقاء السياسي.
بغياب إيضاحات من جانب الحكومة وجهاز الأمن، أميل لتصديق شيرين فلاح صعب في “هآرتس” التي تدعي بأن السكان الدروز في سوريا يدعون بأن “تدخل رئيس الوزراء ووزير الدفاع أضاف الزيت إلى النار وأثار قلقاً شديداً”. أما زعماء الطائفة الدرزية في سوريا فقد أعلنوا: “نؤكد مواقفنا الوطنية الصلبة في كوننا جزءاً لا يتجزأ من الوطن السوري الموحد. يجب تثبيت الأمن في أرجاء سوريا. هذه مسؤولية الدولة”.
لا فكرة لدي عما يحصل في مملكة السر لسياسة الجيش الإسرائيلي والحكومة في موضوع الدروز في إسرائيل وسوريا ولبنان. هنا لن تجدي مؤامرة حكيمة أو تقدير وضع يدعي التعمق. ولا معلومات عامة يمكن التمسك بها لنفهم ماذا تريد إسرائيل. مثل الجميع، أعرف أن هضبة الجولان هي المصلحة الإسرائيلية العليا في الساحة الشمالية. واضح أن الرئيس السوري الجديد لن يتنازل عنها، وهو مسنود من الجامعة العربية والأمم المتحدة. الشرع جهادي في بدلة، ولا نعرف مدى تمويه تلك البدلة، وهو إرهابي متعطش لدماء اليهود. قبل نحو أسبوع، علم أن الجهادي إياه تلقى مباركة الجامعة العربية، ويريد الانضمام إلى اتفاقات إبراهيم.
وبين مصدر أمني إسرائيلي أن “من يبيع سوريا لأردوغان لا يريد الانضمام إلى الاتفاقات”. ومؤخراً، بالفعل، سجل صدام بالصدفة بين عضلة إسرائيلية وعضلة تركية في سماء سوريا. فهل يريد الشرع أن يوجه الدولة الخربة هذه لتصبح كياناً سياسياً سليماً؟ وهل سيؤجل، لبضع سنوات على الأقل الله أكبر ودين محمد بالسيف؟ إذا كان نعم، فهي “بضع السنوات” وسيكون ممكناً فيها الوصول معه إلى تفاهمات ترضيه وترضينا. “تلك” بضع السنوات التي تتمناها إسرائيل، على أمل بحكومة معقولة بدلاً من حكومة الأغراض التي ستختفي من البلاد، وتخلق الآن جبهة إضافية.
ران أدليست
معاريف 7/5/2025
القدس العربي
—————————–
هل تتحوّل “المُساكنة” الطائفية في سورية زواجاً مُعلناً؟/ عبير نصر
07 مايو 2025
تزامنت التشوّهات الجغرافية في سورية مع تقلّباتٍ عسكرية عاصفة بعد عام 2011، لعجزها في إدارة الحراك السياسي توافقياً بعيداً عن التعنّت والاقتتال، فأخذت بُعداً مختلفاً بعدما أُبرم، إنْ أمكن التعبير مجازياً، ما يشبه عقد زواجٍ عُرفي بين دويلاتٍ ثلاثٍ مبنيّةٍ على أسسٍ عرقية وطائفية: دويلة الأكراد، حكومة إدلب، سورية المفيدة. عقدٌ مشوّه أنتج خللاً بنيوياً ومشكلات مستدامة في سعيه المتعجّل إلى الهيمنة. وبعد سقوط نظام الأسد، أُضيف مزيد من التعقيد إلى المشهد السوري المأزوم، إثر بروز مشروع يستحوذ على الفضاء العام يستمدّ شرعيته من حجم الاحتراب الداخلي بين السوريين أنفسهم، يسعى إلى تقسيم سورية بخفّة سياسية إلى مناطق أكثر تشرذماً، ومن دون إثارة الهواجس الوطنية والاستفزازات، الأمر الذي يعكس رؤية إسرائيل حول إعادة تشكيل وجه الشرق الأوسط الجديد. ومن المفيد الإشارة إلى أنّ مجلس الوزراء الإسرائيلي كان ناقشَ اليوم التالي بعد سقوط الأسد، وفقاً لصحيفة يسرائيل هيوم، وانتهى باقتراح الدعوة إلى تقسيم سورية، بدعوى ضمان أمن جميع المكوّنات السورية وحقوقها، ولم يتم الكشف عن ذلك إلا أخيراً، إذ يصعُب تحصين المجتمع السوري وترسيخ هويته المحلية، ما يتطلّب مراجعة نقدية، جادة ومسؤولة حول ضرورة توحيد السوريين، باعتبارهم السدّ المنيع أمام مشاريع التفتيت، فلا يمكن بناء مستقبل آمن إلّا بتجاوز رواسب تركة الأسد، والانطلاق نحو مُصالحةٍ وطنية شاملة، فالتاريخ السوري يُكتَب الآن بالفعل، ويتطلب الأمر الكثير من المرونة البراغماتية التي من شأنها إنتاج خطاب وطني معزّزٍ بسلسلة من الترضيات والتوافقات السياسية والاجتماعية.
في السياق، وعلى الرغم من خلفيتها الإسلامية المتشددة، امتنعت الحكومةُ الجديدة عن توجيه أيّ خطاب مناهض لإسرائيل التي تحاول إيجاد مناطق عازلة عصيّة على الاختراق، تؤمّن العمق الاستراتيجي لها تجنّباً لأيّ طوفان هادر آخر، وتعمل على الاستثمار الذكي في التصدّعات الطائفية واللعب على الأوتار السورية المشدودة. تفرض استراتيجية غزو جديد تقوم على العُقد الأيديولوجية لإيجاد مشرقٍ عربي على شاكلتها تماماً، متمحورٍ حول هويته الدينية المتطرّفة. لذا تتّخذ تل أبيب موقفاً عدائياً ضد دمشق، تصاعدَ بعد الضربات القاسية فجر يوم 3 مايو/أيار الجاري، طاولت محافظاتٍ عدّة، مؤكّدة أنّ الحرب لن تنتهي إلا بتقسيم سورية. والذرائع حاضرة بالطبع: تُقيم إقليماً جنوبياً بحجّة حماية الدروز، وشرقياً كردياً، أيضاً إقليماً غربياً علوياً بذريعة أنها لن تسمح بإقامة خلافةٍ إسلامية على شواطئ البحر المتوسط، وهكذا يبقى الإقليم السنّي معزولاً عن إخوانه، فيفشل العزل القسري في إحداث توافقٍ نسبي بين الدويلات الهشّة على نحو ما سبق ذكره، ليغدو الاستقطاب قوياً ومُنذراً بكثير من المخاطر والتحديات.
عموماً، تبقى مسألةُ حماية الأقليات الشماعةَ التي تُعلَّق عليها مصالح اللاعبين الكبار في سورية، ولها في الواقع معطيات حاضرة، بداية بمجازر الساحل الدامية، والتهمة دعم انقلاب فاشل نفذته فلول النظام البائد، مروراً باشتعال السويداء، والسبب تسجيل صوتي مفبرك تضمّن شَتْم النبي محمد (ص)، أكّدت وزارة الداخلية أنّ المتهم (الدرزي) بريء منه، وليس نهاية بعقد مؤتمرٍ كردي طرحَ مشروع حكم ذاتي لا مركزي بعدما عاجلهم البيان الدستوري فتشظّت أحلامهم نتفاً.
بالتالي، من المشروع السؤال إلى أين تتجه سورية بينما يجلس دونالد ترامب يتحدّث بفخرٍ عن صداقته بتركيا وإسرائيل، حريصاً على إقامة بازارٍ سياسي استعراضي بينهما وصولاً إلى تفاهمٍ سلس لاقتسام بلد ليس بلدهم؟! ولهذا التقسيم هيكلية جاهزة على الأرض، قد تنسجم معه مرّة وقد تخالفه مرّات، ووحدهم السوريون يصنعون هذا الفارق لتعزيز مشروع تقسيم المقسّم أو إيقافه. هم الذين فشلوا طوال قرن في بناء دولة وطنية يتعثّرون مجدّداً لاعتبارات كثيرة، يتعلّق معظمها بالأحقاد الطائفية المُعلّقة منذ عهد نظام الأسد. على التوازي، من المرجّح، وفي ظلّ المناخ الوطني المتشنّج الذي غدا أرضاً سريعة الاشتعال، أن تغدو البلاد جسداً مريضاً يُداوى بفيدرالية فاشلة لن تخلو، حكماً، من الصراع والمواجهات.
وبالكيفية نفسها، ينطبق الحال على اضطهاد الأقليات، كونه جرس إنذار مبكّر لوقوع الكارثة، إذ، ولهول ما يحدُث، تتعالى أصواتٌ تطالب بالتدخل الدولي على أقلّ تقدير، تعزّزها “فزعات” الإبادة الطائفية التي تستقطب آلاف الغاضبين بدعوى الجهاد ضد المتمرّدين. هذه “الفزعات الفزّاعات” أوضحت، بما لا يدعو إلى الشك، أنّ ميثاق التعايش المشترك أصبح شبه مستحيل. ومهما يكن من أمر التقسيم الجغرافي، الأخطر منه الجدران العازلة والشاهقة التي شيّدها نظام الأسد بين السوريين، والتي أنتجت بنىً اجتماعية متباينة في أهدافها، ما يعني أنّ التشظّي كامنٌ في الوعي الجمعي، يظهر من خلال التصاق السكان العضوي بالسلطات المُقامة بحكم الأمر الواقع فيما سُمّي “الانسجام الديمغرافي”. ويبدو أنّ الفسيفساء السورية لم تكن مجرّد مزحة ساذجة، بل لعنة قاتلة، وكلّ طائفة تجهد اليوم في صناعة كيان بديل يحمي وجودها وبأيّ ثمن.
سيؤسّس ذلك كله تباعاً لواقعٍ تقسيمي غير معلن مرشحاً بقوة للتحول إلى شكل نهائي يصعُب تغييره، وسيزيد المعادلة السورية استعصاءً ومرارةً أن يغدو الدرزي في إسرائيل، مثلاً، أقرب إلى درزي السويداء من ابن درعا، وعلوي لواء اسكندرون أقرب إلى علوي اللاذقية من ابن إدلب، ومسيحي لبنان أقرب إلى مسيحي دمشق من ابن الغوطة… وهكذا دواليك، ما سيخلّف شرخاً كبيراً بين السوريين يصعب إنكاره، وكلّ مكوّن يُلحق به صفة مُشينة ومُطلقة: الأكراد انفصاليون، الدروز خونة، العلويون فلول، المسيحيون ضالّون، السنّة إرهابيون…. إلخ.
وبصدد مآلات الملفّ السوري، كان طرحَ وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر فكرة تقسيم سورية: (هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار الأسد، انتصار السنّة، تعايش مختلف القوميات معاً، ولكن في مناطق مستقلّة ذاتياً، فلا تقمع بعضها بعضاً). ومع تحقّق السيناريو الثاني، لا يبدو أنّ إسقاط عهد الأسد سيُعلن خاتمة المأساة السورية، بينما يبدو المشهد الملتهب في مجمله مجرّد تصفية حساباتٍ قديمةٍ بين السوريين، وبداية لمراحل جديدة من التعثّر في بناء دولة موحّدة تعاني أصلاً من انقساماتٍ عميقةٍ ومتجذّرة. يزيد الطين بلّة انهيار المؤسسات جميعها تاركة خلفها خرائب دولة وشعباً منهكاً. وعليه، ليس موضع تشكّك أو جدال الجزم أنه يسهل تفجير فتنة طائفية في أيّ وقت، ولأتفه الأسباب، في مجتمع مهزوم ومشبع بالتوحش الخامل كالمجتمع السوري، الذي ينتقل بسلاسةٍ مريبةٍ إلى دمار كامل تحوّطه حدود الدم، وتسكنه أنقاض بشرية مُغيّبة ومذعورة لا تفعل شيئاً، وللمفارقة، سوى أن تقتل وتتألم.
نافل القول… عندما يسقط مشروع المواطنة بقدرٍ كبير من الخسائر والانتكاسات، وينتصر العنف، موقعةً إثر موقعة، يتفشّى ما يشبه الوباء العام المُعدِي، فتُمحى الحدود بين المتديّن والملحد، وبين المثقف والأميّ، ليمارسوا الفعل الطائفي الإقصائي ذاته، ويتنامى لدى “الأكثرية” كما “الأقلية” شعورٌ ضمني بأنها مستهدفة، فتزداد حساسيّتها بالتعامل مع خصوصياتها ومقدّساتها، أيضاً مكتسباتها السياسية وقد باتت في موضع قوة، لذا تتعامل بقسوة مفرطة مع من تظنّهم أعداءها إذا أتيحت لها فرصة التسلط والاستعداء، ويكون الانطلاق دائماً من الوحش الطائفي الذي ربّاه نظام الأسد داخل كلّ سوري، متمخضاً اليوم عن تفريخ كثير من “الجلادين – الضحايا”.
العربي الجديد
———————————
اتفاق السويداء يفتح شهية العلويين على مطالب مماثلة/ مصطفى محمد
الأربعاء 2025/05/07
لم يكد الاتفاق الذي توصلت إليه دمشق مع مشايخ ووجهاء محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، يدخل حيز التنفيذ، حتى بدأت المطالبات من أبناء الطائفة العلوية باتفاق مماثل، لتجد الدولة السورية نفسها أمام وضع صعب.
فبعد ساعات من الكشف عن بنود الاتفاق، ومنها تفعيل قوى الأمن الداخلي والضابطة العدلية من أبناء السويداء ذاتها، علت الأصوات في أوساط الطائفة العلوية المطالبة بتسليم الساحل السوري لعناصر من أبناء المنطقة ذاتها، وذلك لوقف “الانتهاكات” التي تُسجل في المنطقة.
مطالب ضرورية
ويؤيد الكاتب السياسي راتب شعبو هذه المطالب، ويقول لـ”المدن”: “أرى أنها مطالب محقة وضرورية أيضاً في ظل الاستباحة التي تمارسها فصائل لا تعرف أي التزام بالقانون ولا تعترف سوى بقانون الغلبة”.
ويضيف شعبو أن الطبيعي أن تبادر السلطة غير القادرة على حماية الناس، لا سيما من أبناء المذاهب غير السنية، إلى طرح فكرة تشكيل حماية محلية من الأهالي حتى تتمكن الدولة من لجم هذه الفصائل.
لكن مع ذلك يستبعد شعبو الذي ينتمي للطائفة العلوية، أن تستجيب الدولة السورية لمطلب أبناء الساحل، ويفسر ذلك بعدم امتلاك أهالي الساحل السلاح كما هو حال فصائل السويداء، ويقول: “لا يملك أهل الساحل ذلك لأنهم سلموا أسلحتهم في غالبيتهم وتأملوا خيرا من الفصائل التي ذبحتهم بجريرة عناصر مجرمة لا صلة لهم بها”.
ويضيف “أعتقد أن الحكومة يمكن أن تتجاوب مع أهل السويداء لأسباب معروفة دون أن تسحب الأمر على الساحل المستباح والمتروك للرعب والقلق وكانّه لا ينتمي إلى دولة”، على حد تعبيره.
مطبات أمام اتفاق السويداء
لكن اتفاق السويداء نفسه لا يسير بالسلاسة الكافية. فإلى جانب تسليم أمن السويداء لعناصر الشرطة من أبناء المحافظة ذاتها، ينص الاتفاق على تأمين طريق دمشق السويداء، وسط هدوء حذر يشوب المحافظة.
ويقول المتحدث باسم حركة “رجال الكرامة” باسم أبو فخر، إن الاتفاق خفّض منسوب التصعيد في السويداء، لكنه لم يُنهِ التوتر، بسبب محاولات جهات لم يسمِّها، إثارة الأعمال العسكرية، ومواصلة التعديات، يقابلها استنفار الفصائل المدعومة من الأهالي على حدود جبل حوران.
ويشير أبو فخر في حديث لـ”المدن”، إلى تعرض بعض قرى السويداء إلى “تعديات” من جهة محافظة درعا، قائلاً: “نشهد محاولات من بعض المجموعات لإثارة الفتنة، لأن الاستقرار يتعارض مع مصلحتها”.
والأحد، شهدت مناطق الدارة والثعلة، مواجهات بين مجموعة مسلحة من عشائر البدو من جهة، وفصائل السويداء، ما أدى إلى حركة نزوح في المنطقة.
مع ذلك، يبدي أبو فخر تفاؤلاً بعدم فشل الاتفاق، ويقول: “نسعى بكل جهودنا عسكرياً وسياسياً لعدم فشل الاتفاق، لكن العقبات كثيرة جداً”.
وفي السياق، يعتبر مصدر رسمي أن اتفاق السويداء يسير في “الاتجاه الصحيح”. ويقول المصدر لـ”المدن”، إن “هناك حالة من الاتفاق بين السويداء وعشائر الجنوب السوري على تجاوز الفتنة، وطريق دمشق- السويداء بات مفتوحاً”.
وعلى وسائل التواصل، أشاع اتفاق السويداء حالة “عدم رضا” في بعض الأوساط السورية، بسبب ما اعتبروه “رضوخاً” من الدولة لمجموعات السويداء، وما زاد من انتشار ذلك، مواصلة الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على المناطق السورية، بذريعة “حماية الدروز”.
المدن
——————————–
ما بعد السقوط… هل نجونا؟/ ريما فليحان
07.05.2025
حلمنا يلفظ أنفاسه الأخيرة والأوطان لا تُبنى بالكراهية ولا تقوم على المجازر والاستهتار بتطلعات الشعوب ومن دون أن تأخذ بلادنا مساراً مختلفاً، فكثر من السوريين سيبقون على ثورتهم الأولى…
أتابع بمرارة وألم ما يحدث في وطني سوريا بعد سقوط نظام الأسد المجرم، الذي ناضلنا جميعاً كسوريين للخلاص منه، في سبيل حلم لطالما راودنا: دولة ديمقراطية مدنية، يتساوى فيها الجميع من دون تمييز. ولكن، هل وصلنا حقًا إلى هذا الحلم، هل نجونا؟
منذ أن استلم أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ”الجولاني”، زمام السلطة، راودني القلق – كما راود كثيرين – من خلفية هذه الجماعة التي استحوذت على الحكم. ومع ذلك، حاولنا أن نتفهم ونمنحهم فرصة لإثبات نواياهم، خصوصاً مع ادعائهم بأنهم تغيّروا، وأنهم يسعون الى مرحلة جديدة تشمل كل السوريين. لكن الأقوال لم تقترن بالأفعال.
تحدثت السلطة عن حكومة انتقالية، ومؤتمر وطني، وإعلان دستوري، وعدالة انتقالية، لكن الواقع أثبت أن هذه الشعارات لم تكن إلا أدوات شكلية تُكرّس سيطرة هيئة تحرير الشام، بما تمثّله من إرث عقائدي وفصائل تابعة لها، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وعلى رغم إدراكي حجم التحديات، من الانهيار الاقتصادي إلى الاحتقان الطائفي وفلول النظام السابق، إلا أن طريقة تعامل السلطة الجديدة مع هذه التحديات كانت صادمة، وفيها من الإهانة والاستهتار بتضحيات السوريين ما يؤرق وما يؤلم.
عند دخول الجماعات المسلّحة إلى دمشق ومعظم المدن السورية بعد هروب الأسد، كان أول استحقاق وطني هو حماية الأدلة المتعلقة بجرائم الحرب والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، لضمان المحاسبة. لكن ما حصل كان العكس: فوضى عارمة عمّت مراكز الاعتقال، وتُركت الأدلة للعبث، وتحوّلت المقابر الجماعية والسجون إلى مسرح للاستعراض الإعلامي، من دون احترام لحرمة الضحايا أو مشاعر ذويهم.
لم تُمنح حتى الآن الآلية الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة IIIM صلاحية مباشرة أعمالها في سوريا، ولم تُؤسَّس هيئة للعدالة الانتقالية، وهو ما يهدد السلم الأهلي ويفتح الباب للانتقام العشوائي والفردي.
أُجري حوار وطني شكلي مطبوخ على عجل وبشكل لا يرتقي الى حاجة وطن خرج من مقتله. أُعلن حتى قبل اكتمال الإعداد له أن نتائجه غير ملزمة، وأعلنت الفصائل مبايعتها الشرع قائداً من دون أن تُسلّم سلاحها للدولة عملياً، فبقيت تتصرف كقوى منفلتة. وقد رأينا جميعاً نتائج ذلك في مجازر الساحل، التي بدأت بمواجهة الفلول وانتهت بقتل مئات المدنيين الأبرياء، بينهم أطفال ونساء، وإذلالهم والانتقام منهم.
تصرّ هذه السلطة على الانغلاق على نفسها، ولا تثق إلا بجماعتها – أي هيئة تحرير الشام ومن يدور في فلكها – من دون إشراك فعلي لباقي السوريين والسوريات أو إنشاء قنوات تواصل رسمية معهم. وجاء الإعلان الدستوري ليزيد الطين بلة، إذ تركّزت السلطات بيد الرئيس من دون أية آلية للمحاسبة. ولم تتجرأ السلطة الحالية حتى اللحظة على ذكر كلمة الديموقراطية في خطاباتها.
أما الحكومة المؤقتة، فقد شُكّلت بطريقة لا تمثّل السوريين، بمشاركة رمزية لامرأة واحدة على رغم كل النضالات والتضحيات التي بذلتها النساء السوريات قبل الثورة وأثناءها. لا تستحق النساء السوريات أكثر من وزيرة واحدة في نظر السلطة الحالية، بل إن شخصيات تابعة للسلطة أتحفتنا قبل ذلك بالحديث عن الدور النمطي للنساء الذي يناسب طبيعتهن الفيزيولوجية.
ضمت الحكومة أيضاً ثلاثة وزراء من الأقليات، وأُعطيت صلاحيات رقابية لمجلس الفتوى حتى على الحكومة ذاتها (التي يرأسها الشرع) من دون تبرير أو مسوغ قانوني يتناسب حتى مع الإعلان الدستوري الذي خرجوا به. وعلى الرغم من وجود وزراء تكنوقراط ضمن تشكيلة الحكومة، إلا أن الأداء سيكون مقيداً بالصلاحيات التي تحدد لهؤلاء الوزراء، وهو قد ما يعرقل نجاحهم في الدفع بالبلاد الى مستقبل أفضل.
لم تعترف السلطة بآلية الانتخابات لمجالس النقابات، وتم تعيين تلك المجالس بشكل مباشر، كما عُطلت الضابطة العدلية، وعُيِّن خريجو الشريعة مسؤولين عن بعض المحاكم بدلاً من خريجي القانون، وفي سياق آخر شكلت بشكل موازٍ هيئات محلية للبت بالخلافات والقضايا المدنية معظم من فيها رجال دين وكأننا نعود بمجتمعنا إلى شكل ما قبل الدولة.
على الأرض، تسود الفوضى، دعاة متشددون يسعون الى فرض رؤيتهم الأحادية على مجتمع سوري متنوع، وسلاح عشوائي غير منضبط، رافق ذلك كله تعطيل للضابطة العدلية، ما عمّق الفوضى. وفي الوقت نفسه، يُمارس التضييق على القاضيات والقضاة، والفصل بين الذكور والإناث في بعض وسائل المواصلات والمؤسسات، وكأنها أولوية اليوم. وعلى الرغم من نفي السلطة بعض هذه الممارسات، فإنها مستمرة، بل وتتفاقم، آخرها كان الهجوم على ملهى ليلي ومطعم في دمشق، ما أودى بحياة أبرياء.
خطاب الكراهية والعنف الطائفي في تصاعد، وتمارس الفصائل الجهادية المنفلتة أبشع الانتهاكات، من مجازر الساحل المروّعة إلى الهجمات على المناطق الدرزية التي سبقتها دعوة الى القتل والإبادة في عدد من المحافظات السورية، والانتهاكات للحريات الفردية التي تقوم بها قوى الأمن أو الفصائل، في ما يوصف بانتهاكات فردية من السلطة ومؤيديها، انتهاكات مستمرة تتحمل السلطة ذاتها مسؤولية وقفها ومحاسبة مرتكبي، إذ لا يزال المشهد غارقًا في عدم الاستقرار والهشاشة.
يُعاتبني البعض على تشاؤمي، لكنني لا أراه إلا واقعية مريرة. السلطة تمضي بعكس ما يريده السوريون، بل والمجتمع الدولي، على رغم كل النداءات الوطنية. وهو ما سيوثر حتماً على ملف رفع العقوبات عن القطاع الخدمي والمصرفي والصحي والطاقة، وهي حاجات أساسية للمواطن السوري الذي يعاني من الفقر ونقص الخدمات.
طالبنا بإطلاق مسار عدالة انتقالية، بتنظيف الجيش والمؤسسات الأمنية من الجهاديين والأجانب، بتأسيس دولة لكل السوريين، لكن لا شيء تحقق. بل يبدو أن السلطة إما عاجزة، أو غير راغبة أساساً، بل على العكس تمت تسوية أمور مجرمين وممولين للنظام السابق، وهم يجولون في حرية على مرأى من ضحاياهم.
ما نحتاجه اليوم هو حوار وطني حقيقي، يُفضي إلى وثيقة عهد وطني جديدة، تُطلق مرحلة تمثّل آمال السوريين جميعاً نساء ورجالاً. نحتاج إلى تعديل الإعلان الدستوري بما يمنع قيام دكتاتورية جديدة، إلى ضمان الحريات العامة والفردية، والسماح بتأسيس الأحزاب، وتيسير عمل منظمات المجتمع المدني، وتوظيف الكفاءات السورية في الداخل والخارج، نحتاج إلى تمثيل كل السوريين والسوريات في الحكومة والمؤسسات والمجالس المحلية، في البعثات الخارجية ولجان الحقائق والسلم الأهلي رجالاً ونساءً.
هذه المطالب ليست دولية فقط، بل هي حاجات وطنية أساسية ستؤدي إلى استقرار البلاد ورفع العقوبات وتعاطي المجتمع الدولي بجدية أكبر مع هذه الحكومة.
نحتاج إلى إعلام حرّ، ولجان للعدالة الانتقالية، وفضاء آمن للتعبير، ونزع سلاح الفصائل، وتجريم خطاب الطائفية والكراهية، ومحاسبة جميع المتورطين بالدم السوري، قبل سقوط النظام وبعده.
ندرك اليوم تعقيد المشهد الدولي، ووجود جهات تطمح الى تفتيت سوريا التي نريدها موحدة، والسؤال: هل يخدم أداء السلطة السورية اليوم وحدة سوريا ومناعتها أم يقود الى انفجارات وأزمات قد تؤدي الى خدمة المشاريع الإسرائيلية والانفصالية في سوريا؟
حلمنا يلفظ أنفاسه الأخيرة والأوطان لا تُبنى بالكراهية ولا تقوم على المجازر والاستهتار بتطلعات الشعوب ومن دون أن تأخذ بلادنا مساراً مختلفاً، فكثر من السوريين سيبقون على ثورتهم الأولى…
درج
———————
تركيا عرّاب «سوريا الجديدة» تسابق لتثبيت نفوذها
تسعى لملء فراغات كثيرة وتصطدم بتحدي الأكراد وإسرائيل
أنقرة: سعيد عبد الرازق
7 مايو 2025 م
طرحت تركيا نفسها كأحد أبرز اللاعبين على الأرض في سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد وتولي الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
اعتمدت تركيا على الرصيد الذي راكمته منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث دعمت المعارضة السورية السياسية والمسلحة، ودفعتها التطورات إلى التدخل العسكري المباشر عبر 3 عمليات عسكرية، بين عامي 2016 و2019 استهدفت بالأساس وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكّل العمود الفقري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وجزئياً تنظيم «داعش» الإرهابي؛ بهدف تأمين حدودها الجنوبية وإنشاء منطقة آمنة تستوعب اللاجئين الذين تدفقوا عليها.
ومع سقوط نظام بشار الأسد تعزّز الوجود التركي متجاوزاً البعد العسكري إلى السياسي، بما يخدم استراتيجية تقوم على الوجود في مناطق النفوذ القديم للدولة العثمانية؛ ولذلك سارعت لتأخذ مكانها في مقدمة القوى التي تتدافع لملء الفراغ بعد سقوط الأسد.
خطوات استباقية
كانت تركيا أول دولة ترسل رئيس مخابراتها، إبراهيم كالين، كأرفع مسؤول يزور دمشق بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، كما كانت أول دولة قاطعت النظام السابق تعيد فتح سفارتها في دمشق، ثم قنصليتها في حلب، وكانت الدولة الثانية بعد السعودية في أول جولة خارجية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، والدولة الوحيدة التي زارها مرتين في أقل من 3 أشهر، حيث كانت زيارته الأخيرة في 11 أبريل (نيسان) الماضي لحضور منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع في جنوب تركيا.
وسارعت تركيا إلى التنسيق مع حكومة دمشق الجديدة في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب بحث تلبية احتياجات سوريا من الكهرباء وتأهيل المطارات والطرق والتمهيد لتوقيع اتفاقية تجارية شاملة بين البلدين.
وأسفرت العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا عن ترسيخ مناطق نفوذ، حيث دربت تركيا فصائل مسلحة وتشكلت مجالس إدارية تحت إشرافها، كما لعبت دوراً محورياً في رسم المشهد السياسي السوري عبر مسار آستانة، ما أتاح لها التأثير في القرارات السياسية.
وساهمت الاستثمارات التركية في البنية التحتية والتعليم والصحة في المناطق الخاضعة لسيطرتها والفصائل الموالية لها، في تحسين الظروف المعيشية وبالتالي زيادة قبول السكان المحليين للوجود التركي.
ورغم ما يمكن اعتباره نجاحات «فائقة» لتركيا في سوريا، فإن هناك تحديات تتعلق بتأمين حدودها، وإدارة ملف اللاجئين، والتعامل مع التوترات والقوى الإقليمية والدولية، والاتهامات التي تواجهها سياساتها في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بالتدخل لتغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق في شمال سوريا.
أهداف رئيسية
وحسب مصادر بالخارجية التركية، فإن «العمود الفقري للسياسة التركية تجاه سوريا هو تحقيق المصالحة الوطنية من خلال حماية وحدة وسلامة أراضي البلاد، وإرساء الأمن والاستقرار في البلاد بتطهيرها من العناصر الإرهابية، وضمان إعادة إعمار سوريا من خلال رفع العقوبات».
ويظل الهاجس الأول والهدف الأكبر لتركيا هو تأمين حدودها، وتحديداً إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تعتبرها «تنظيماً إرهابياً»، يشكّل خطراً أمنياً.
وتقول تركيا إن مسؤولية مكافحة العناصر الإرهابية والحركات الانفصالية في سوريا تقع على عاتق الإدارة السورية بالدرجة الأولى، وإنها من جانبها وفّرت المساحة اللازمة للسماح بالتغلب على هذه المشاكل على أساس الطريقة التي تفضّلها الإدارة السورية.
وتأمل أنقرة في أن يتم تنفيذ الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، مع قائد «قسد»، مظلوم عبدي، القاضي باندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة السورية، من أجل تجنُّب عمليات عسكرية جديدة، قد تعرقلها أميركا، بدعوى الاتفاق ذاته.
وأثار مؤتمر «وحدة الصف والموقف الكردي» الذي عقدته القوى الكردية في القامشلي شمال شرقي سوريا، مؤخراً، قلقاً شديداً لدى تركيا بسبب دعوته إلى حكم «لا مركزي» أو «فيدرالي».
وأعلن الرئيس رجب طيب إردوغان أن «مسألة النظام الفيدرالي ليست سوى حلم بعيد المنال، ولا مكان لها في واقع سوريا»، قائلاً: «لن نسمح بفرض أمر واقع في منطقتنا ولا بأي مبادرة تهدد أو تعرض الاستقرار الدائم في سوريا والمنطقة للخطر».
ولفت إلى أن السلطات السورية أعلنت أنها لن تقبل بأي سلطة غير حكومة دمشق أو هيكل مسلح غير الجيش السوري في سوريا، مضيفاً: «هم يواصلون عملهم في هذا الاتجاه، ولدينا نهج مماثل تجاه أمن الحدود».
تمسك بوحدة سوريا
وأعطى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، رسالة أكثر وضوحاً وتحديداً حول المؤتمر، خلال زيارة للدوحة، الأحد قبل الماضي، قائلاً إن «تركيا ترغب في رؤية دستور وحكومة في سوريا تضمن إعطاء فرص متساوية لجميع المكونات في البلاد».
ولفت إلى الاتفاق الموقّع في مارس (آذار) الماضي بين حكومة دمشق و«قسد»، مؤكداً أن تركيا ستقف في وجه «المجموعات التي تستغل الوضع الحالي في سوريا لتحقيق بعض أهدافها، وتسعى إلى الإضرار بوحدة أراضي سوريا وسيادتها».
وأكد، فيما اعتبر إشارة لحل عسكري حال الضرورة، أن «تنظيم» الوحدات الكردية (أكبر مكونات «قسد») التابع لـ«حزب العمال الكردستاني»، سيخرج من الحسابات في سوريا، سواء بإرادته عبر طرق سلمية، أو «بخلاف ذلك»، كما خرج تنظيم «داعش» الإرهابي من الحسابات.
ورغم وصف إردوغان لفكرة الفيدرالية في سوريا بأنها «مجرد حلم»، فإن هناك جهات فاعلة، وخصوصاً في شمال وشرق سوريا، تواصل الدفع باتجاه الاعتراف الدولي بالأمر الواقع الذي فرضته «قسد» من خلال إدارة ذاتية تعتمد على نموذج الفيدرالية، وهو ما يزيد من قلق تركيا تجاه «سياسة ناعمة» تحول الحلم إلى كابوس.
التعامل مع ملف الأكراد
ويبدو أن تركيا تعتمد، بشكل أساسي، على الإدارة السورية في التصدي لأي خطوات من شأنها تهديد وحدة سوريا، وفي الوقت ذاته ترغب في نجاح اتفاق اندماج «قسد» في مؤسسات الدولة السورية، لما يحمله من أهمية بالنسبة للجهود المبذولة داخلياً من خلال الاتصالات مع زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين، عبد الله أوجلان، لحل الحزب وتسليم أسلحته، ما يعني أن تركيا ستتخلص من التهديد الذي يحيط بحدودها الجنوبية في شمال العراق، وبالتبعية في شمال شرقي سوريا، فضلاً عن تحقيق سلامها الداخلي.
وتأمل أنقرة في تخلي واشنطن عن الاستمرار في دعم «وحدات حماية الشعب الكردية – قسد»، بدعوى التحالف معها في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، وهو ما لم تعطِ واشنطن أي إشارة إليه حتى رغم الإعلان عن سحب بعض قواتها.
وتراقب تركيا مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا، وتسعى إلى دفع الجدول الزمني للانسحاب، وإقناع الولايات المتحدة بقدرة إدارة دمشق، بدعم منها، على التصدي لبقايا تنظيم «داعش» الإرهابي، والسيطرة على السجون التي توجد بها عائلات عناصر التنظيم، والخاضعة لسيطرة «قسد» حتى الآن.
وفي سبيل ذلك، طرحت تركيا فكرة تشكيل «تحالف إقليمي» لمحاربة «داعش»، يضم إلى جانبها عدداً من دول جوار سوريا، هي الأردن، والعراق، ولبنان، إلى جانب سوريا.
وعقد وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في الدول الخمس اجتماعاً في العاصمة الأردنية عمان، في 9 مارس الماضي، تم الاتفاق خلاله على إنشاء مركز عمليات مشترك في سوريا، لا تزال المحادثات الفنية بشأنه جارية.
قلق من تمدد إسرائيل
وغير بعيد عن هذا الملف المقلق، يأتي النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا، وخشية تركيا من سيطرة إسرائيل، التي تحظى هجماتها في سوريا بقبول أميركي، على أجواء سوريا من الجنوب إلى الشمال، لا سيما مع ما هو معروف من علاقة قوية بين إسرائيل وأكراد سوريا.
كما تنظر إسرائيل إلى أي دور تركي متقدم في سوريا على أنه تهديد استراتيجي لأمنها؛ لأنه قد يغيّر خريطة النفوذ على الحدود الجنوبية ويؤدي لحضور فصائل تشكّل خطراً عليها.
وكشفت تقارير في الفترة الأخيرة عن سعي تركيا، التي تتمتع بعلاقات جيدة للغاية مع الإدارة السورية الجديدة، إلى توسيع وجودها العسكري في البلاد والحصول على قواعد عسكرية برية وجوية وبحرية.
وعلى الرغم من أن تركيا لم تعلن بشكل رسمي سعيها إلى إقامة قواعد جوية في سوريا، فإن إسرائيل قامت بخطوات استباقية وقصفت قاعدة «تي 4» شرق حمص، أكثر من مرة في مارس الماضي، فضلاً عن قصف مطار حماة العسكري وإخراجه من الخدمة نهائياً.
وأعلن مسؤولون إسرائيليون أن إقامة قاعدة تركية في تدمر بريف حمص الشرقي «خط أحمر».
وتدعم تركيا، سياسياً، الإدارة السورية في مواجهة الهجمات الإسرائيلية المتكررة، سواء عبر مجلس الأمن أو في مختلف المحافل.
وعلى الرغم من حالة الترقب والتنافس، لا ترغب تركيا، وكذلك إسرائيل، في مواجهات عسكرية في سوريا، ويبدو أنهما أقرتا قواعد اشتباك لتجنب أي صدام غير مرغوب فيه، خلال اجتماع فني لوفدين منهما في باكو، عاصمة أذربيجان، في 9 أبريل الماضي، على خلفية التوتر في شرق حمص وحماة.
وجنبت هذه القواعد، حسب تقارير تركية وإسرائيلية، اشتباكاً بين طائرات من الجانبين عندما نفّذت إسرائيل ضربات قرب قصر الرئاسة في دمشق.
وأكد مسؤولون إسرائيليون أن المحادثات الفنية في أذربيجان كانت إيجابية، وأن إسرائيل قد تقبل بقاعدة عسكرية محدودة لتركيا في سوريا.
يبقى أن الحضور التركي في سوريا أظهر تحولاً من الدعم غير المباشر إلى التأثير المباشر في الأحداث والتطورات، انطلاقاً من سعي أنقرة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ومع دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدور تركي كبير في سوريا، يتوقع أن يكون لأنقرة دوراً حاسماً في تحديد مستقبل سوريا، وربما المنطقة أيضاً.
الشرق الأوسط
————————————–
ننتقد الدولة ولا نحاربها/ عدنان علي
2025.05.07
قد يشعر كثير من الناس، بمن فيهم قسم كبير من الداعمين للحكم الحالي في سوريا، أحيانا بخيبة أمل من بعض الأداء الحكومي، سواء لجهة التعيينات التي تكاد تقتصر على فئة محددة ممن قدموا من الشمال، أو ممن يرشح هؤلاء، أم ضعف الحزم في التعامل مع المظاهر المسلحة، أم في عدم انصاف المظلومين في عهد النظام السابق من خلال تأخر قيام العدالة الانتقالية، وترك المناطق المنكوبة بفعل قصف النظام السابق على حالها، دون تقديم أي عون لسكانها.
وبطبيعة الحال، هذا الأمر، مفهوم ومبرر، وهو ما يرتب على الجميع مواصلة الانتقاد والإشارة الى ما يعتقدون أنها أخطاء، لأننا في مرحلة لم تكتمل فيها بعد مؤسسات الدولة، فلا برلمان ولا أحزاب، ولا صحافة مستقلة، ولا مجتمع مدني ناشط، وكل هذه الأشياء هي من أدوات الرقابة على الحكومة في المجتمعات الناضجة.
هذا شيء، ومعاندة الدولة بالسلاح، والاستقواء عليها بالأجنبي، شيء آخر. ولا يمكن برأيي أن يندرج إلا في سياق الحماقة الخالصة، أو هو موقف مشبوه، سواء كان صاحبه واعياً بذلك، أم لا، وذلك لسببين بسيطين:
الأول: وفق معطيات عدة، فان الرئيس الشرع، وفريق مهم معه، يسعون فعلاً لإقامة دولة بمعايير مقبولة من غالبية السوريين، ويجب على الجميع الانخراط معهم، ودعمهم، في مواجهة بعض القوى داخل السلطة، ممن لا يؤمنون بفكرة الدولة، ولديهم أوهام خاصة، حول مستقبل سوريا.
والسبب الثاني: أن فشل الشرع وفريقه، هو فشل لكل سوريا، ولن يكون هناك رابح أبداً. وعلى الجميع أن يدركوا حقيقة أنه لا عودة للوراء، وأنه لا خيار عملياً أمام جميع الشركاء الآخرين في الوطن، سوى الانخراط مع هذه السلطة، ومحاولة تحسينها من الداخل، وليس وضع العصي في طريقها، وتصيد أخطائها، والاستقواء عليها بالأجنبي.
والواقع، إن الغالبية الساحقة من الناس، لا يريدون من دولتهم أكثر من حفظ أمنهم وكرامتهم، وتوفير حد أدنى من الحياة اللائقة لهم ولأولادهم، ولا تعنيهم تالياً كل هذه المعارك التي يخوضها البعض باسمهم، للغنيمة بالسلطة أو بعض امتيازاتها.
وعلى سبيل المثال، ماذا يفيد الطائفة الدرزية لو صار كبير المعترضين في السويداء الشيخ الهجري نفسه هو رئيساً لسوريا؟ هل سوف يحصلون على ميزات إضافية تخص منطقتهم كمجموعة أو أفراد أكثر مما حصل العلويين في عهدي بشار وحافظ، وهاهم اليوم بعد أكثر من خمسة عقود من ذلك الحكم، ما زالوا في غالبيتهم من أفقر الناس في البلاد. وكذا الأمر يقال بالنسبة لبقية مكونات المجتمع.
إن الشعوب لا تتقدم إلى الأمام إلا عندما تدافع عن مبادئ وقيم عليا مستمدة من التجارب الإنسانية الرائدة، تتماشى مع القيم المحلية، وهذه مهمة رجال الدولة الذين يغلبون العام على الخاص، ويسعون لجمع مجتمعاتهم على كلمة واحدة، وليس الإمعان في تمزيقها، والاستعانة بالأجنبي، للتغلب على خصمهم المحلي.
إن المتسببين في عرقلة التحاق السويداء بالسلطة الجديدة في دمشق خلال الأشهر الماضية، وعلى رأسهم الهجري، يتحملون مسؤولية جزئية عن الدماء التي أريقت في ريف السويداء وصحنايا وجرمانا خلال الأيام الماضية. ومن الأساس، لم تكن هناك أية مبررات موضوعية للصدام بين المكون الدرزي وسلطة دمشق. ليس هناك أية تراكمات عدائية، كما هو الحال مع المكون العلوي مثلا الذي قد يكون هناك احتقان حياله بسبب ارتباطه بشكل عام بجرائم نظام الاسد.
الالتحاق بالدولة، والعمل المخلص على إنجاحها، في السويداء، وفي كل سوريا، هو الخيار العقلاني الوحيد، وخلاف ذلك مغامرات ورهانات وصدامات تضر بكل السوريين.
لا شك أن السلم الأهلي في سورية مستهدف. والهدف الأبعد هو منع إعادة تكوين الدولة السورية الجديدة. لا يمكن، ولا ينبغي، فهم أي تفصيل آخر على نحو ما جرى في الأيام الأخيرة، وقبله في الساحل السوري، بعيداً عن هذا السياق، وإلاّ فإننا نفقد البوصلة الصحيحة.
سيحاول المتضررون من سقوط نظام الأسد، استخدام كل ما في جعبتهم من أسلحة، وخاصة القضايا الدينية نظراً لحساسيتها، من أجل خلق المزيد من المتاعب للسلطة الجديدة في سورية، وإشغالها في قضايا جانبية، والتشويش على أية نجاحات تحققها على الصعيد الخارجي.
هذه حقائق لا ينبغي إغفالها. غير أن إبطال مفعول، أو الحد من أضرار هذه الخطط، ينبغي أن يتم عبر إجراءات مختلفة، منها قيام كل السلطات والناشطون بواجبهم في التوعية، وعدم الانجرار وراء التجييش، ومنها أيضا ضرورة التشدد في تطبيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، وتطبيق هذا المبدأ على الجميع، لكي يكون له مصداقية. وكما أنه من غير المفهوم بقاء بؤر مسلحة في ضواحي دمشق، تحت أية حجة كانت، من غير المفهوم أيضا، بقاء السلاح بيد فصائل أو مجموعات تبادر إلى أخذ القانون بيدها، تحت ذريعة الدفاع عن الدولة، وتكون المحصلة، ارتكاب حماقات وأخطاء تشوه صورة الدولة، وتحملها أوزار ونتائج تلك التصرفات، ما يهدر جهدها وإمكاناتها في تشكيل لجان للتحقيق وصد الانتقادات والاتهامات، الداخلية قبل الخارجية.
حصر السلاح بيد الدولة، كفيل بإجهاض كثير من خطط المتآمرين، ولا خيار أمام الجميع، عاجلا أم آجلا، إلا الثقة بالدولة، وتسليمها الأمر كله على الصعيد الأمني، ومن يريد معارضتها فالإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والشوارع، مفتوحة أمامه ضمن القانون، أما السلاح فهو بيد الدولة فقط، كما هو الحال في العالم كله.
تلفزيون سوريا
—————————–
هكذا تعمل يد إسرائيل الخفية في سوريا/ محمد سرميني
7/5/2025
لطالما سعت إسرائيل إلى تثبيت موقعها كلاعب إقليمي فاعل في المشرق العربي، ليس فقط عبر أدواتها الأمنية والعسكرية، وإنما من خلال استثمار التحولات البنيوية في الدول المجاورة، وبخاصة تلك المتعلقة بالانقسام الطائفي والتفكك الاجتماعي.
ويُشكّل المشهد السوري، منذ اندلاع أزمته وتحديدًا بعد سقوط النظام في نهاية عام 2024، ساحة مركزية لهذا النوع من الاستغلال الإسرائيلي، الذي أعاد تفعيل مقاربة “تحالف الأقليات” بصورة أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، مع توظيف الأدوات الحديثة الناعمة والصلبة في آنٍ معًا.
منذ الانتداب الفرنسي، شكّل تحالف الأقليات في سوريا ولبنان أداة لتأمين السيطرة والتوازن في مواجهة الأكثرية السنية. وكان الفرنسيون حريصين على رعاية هذا التحالف، مستفيدين من التباينات الدينية والمذهبية لتمكين نفوذهم السياسي والعسكري.
إسرائيل، وإن دخلت متأخرة إلى هذا المسار، إلا أنها أعادت بعثه بمقاربة جديدة مستمدة من حاجتها إلى تأمين حدودها الشمالية، وضمان بقاء الدول المحيطة بها ضعيفة ومجزأة.
ومع الانهيار المفاجئ للنظام السوري، وجدت إسرائيل فرصة نادرة لإعادة تشكيل التوازنات الطائفية بطريقة تعزز من مكانتها، وتمنحها ورقة ضغط جديدة في الملف السوري الذي لطالما كان ساحة نفوذ قوى إقليمية ودولية متنافسة.
ضمن هذا السياق، برزت الطائفة الدرزية كإحدى أبرز نقاط الاهتمام الإسرائيلي. فقبل سقوط النظام، كان الدروز موزعين على ثلاثة معسكرات رئيسية: معسكر يدور في فلك المحور الإيراني، ويضم جزءًا كبيرًا من دروز السويداء في سوريا والجبل في لبنان، ومعسكر قومي عروبي حاول الحفاظ على استقلاليته بعيدًا عن المحاور الإقليمية، ومعسكر دروز الداخل الفلسطيني الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
كان هذا التوزيع يعكس تعقيدات الهوية والانتماء الدرزي في المنطقة، لكن سقوط النظام السوري وتراجع قوة حزب الله خلقا فراغًا قياديًا سعت إسرائيل إلى ملئه بسرعة.
دفعت إسرائيل بقيادات درزية من داخل حدودها إلى الواجهة، مروّجة لفكرة أن مشيخية الدروز في إسرائيل قادرة على لعب دور جامع للطائفة بأكملها، داخل سوريا ولبنان.
ورافقت ذلك رسائل سياسية وإعلامية متواترة، مفادها أن تل أبيب مستعدة للتدخل عسكريًا لحماية الدروز في سوريا، في حال تعرضهم لأي تهديد. وتم تصوير مشايخ الطائفة في إسرائيل على أنهم يمتلكون نفوذًا كافيًا لتحريك القرار العسكري الإسرائيلي، بما في ذلك الطيران الحربي، وهو ما عزز من مكانة هؤلاء داخل الإقليم، وخلق توازنًا جديدًا في قيادة الحالة الدرزية.
اللافت أن هذه السياسة الإسرائيلية لم تقتصر على الجانب الرمزي أو الدعائي، بل ترافق ذلك مع تحركات استخباراتية ودبلوماسية ضمنية لخلق شبكات تواصل وتأثير داخل المجتمعات الدرزية في السويداء ولبنان.
ورغم أن هذه التحركات ظلت محدودة بسبب الحساسيات الدينية والاجتماعية، فإنها أوجدت واقعًا جديدًا، يتمثل في بروز إسرائيل كلاعب يُحسب له الحساب داخل المعادلة الطائفية السورية.
ومع أن الدروز يمثلون محور التركيز الرئيسي في هذه الإستراتيجية، فإن إسرائيل تتابع من كثب أيضًا الحالة الكردية، وتدعم بعض الفاعلين السياسيين والعسكريين الأكراد، خصوصًا في الشمال الشرقي لسوريا.
ويشترك هذا الملف مع الملف الدرزي في الأهداف: تقويض المركزية السياسية في دمشق، ومنع نشوء جيش وطني موحد، والحفاظ على تفوق إسرائيل النوعي في المنطقة.
أما الطائفة العلوية، فإن إسرائيل لم تتدخل مباشرة فيها، لكنها استغلت إعلاميًا أحداث الساحل السوري في مارس/ آذار 2025، حين اندلعت اشتباكات بين فلول النظام والسلطة الجديدة، وقدّمت هذه الأحداث كدليل على عجز الحكومة الجديدة عن حماية الأقليات، وهو ما استخدمته تل أبيب للضغط على دمشق سياسيًا.
في خلفية هذه التحركات، تكمن الإستراتيجية الأعمق لإسرائيل، والمتمثلة في إبقاء سوريا دولة ضعيفة، منقسمة، مرهقة طائفيًا ومجتمعيًا. لذلك، فإن أي مؤشرات على تعافي الدولة السورية، أو تقارب مكوناتها، تُقابل من قبل إسرائيل بقلق ومحاولات للتخريب أو التشويش، سواء عبر الدعم غير المباشر لمجموعات طائفية، أو من خلال تكثيف الحملات الإعلامية والتشويش الدبلوماسي.
ولعل أكثر ما يثير الانتباه في هذا السياق هو استخدام إسرائيل ورقة الأقليات كورقة تفاوضية لفرض نفسها في أي ترتيبات مستقبلية تخص سوريا. فهي تُعارض، بصوت عالٍ أحيانًا أو بضمني أحيانًا أخرى، المقاربة التي تبنّتها إدارة ترامب، والتي تقوم على تسليم الملف السوري لتركيا والسعودية.
وترى تل أبيب أن إقصاءها عن الطاولة سيجعلها في موقع الدفاع بدل الهجوم، ولذلك فهي تعمل على تعزيز أوراقها المحلية داخل سوريا، وخاصة من خلال ورقة الدروز، من أجل القول إنها شريك لا يمكن تجاوزه في أي حل مستقبلي، وهي تسعى لتثبيت هذه المعطيات بشكل مستعجل قبل الزيارة المرتقبة للرئيس ترامب في الأيام المقبلة إلى السعودية.
ومن هذا المنطلق، تتحول الأقليات من مكوّن اجتماعي إلى أداة ضغط إقليمي في يد إسرائيل، تستخدمها لتثبيت مكانتها وشرعنة تدخلها في ملفات لا تقع ضمن حدودها.
ومع أن هذا النهج لا يُعد جديدًا بالكامل، إلا أن الظرف الراهن – بما فيه من انهيار محور إيران في المنطقة، وصعود محاور جديدة في الخليج وتركيا، ووجود فراغ سياسي في سوريا – وفّر لإسرائيل فرصة تاريخية لإعادة تعريف أدوارها، ليس فقط كقوة عسكرية، بل كلاعب سياسي داخل النسيج المجتمعي السوري.
وإذا كانت تل أبيب قد نجحت خلال السنوات الماضية في ترسيخ حضورها في ملفات مثل الملف الفلسطيني واللبناني، فإن محاولتها التوسّع في الملف السوري عبر بوابة الأقليات تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على إدارة ملفات معقدة تقوم على توازنات داخلية دقيقة.
بيدَ أن هذا التوسع يحمل في طياته مخاطر كبيرة أيضًا، خاصة إذا ما تطورت ردود الفعل المحلية داخل سوريا ولبنان، أو إذا أعادت القوى الدولية النظر في الكلفة السياسية لتورط إسرائيل في الملف السوري، لا سيما في ظل إعادة تشكيل النظام الإقليمي برمته.
ومع تشكّل ملامح دولة سورية جديدة في مرحلة ما بعد الصراع، تبدو الحاجة أكثر من أي وقت مضى ملحّة لإعادة بناء عقد اجتماعي جديد يضمن الاستقرار الداخلي ويواجه التحديات الإقليمية، وعلى رأسها التمدد الإسرائيلي في الجنوب السوري.
أولًا، لتفكيك الأزمات مع الأطراف الداخلية، ينبغي للدولة الجديدة أن تنتهج نهجًا تصالحيًا شاملًا يبدأ بإطلاق حوار وطني يضم ممثلين عن كافة المكونات السياسية والعرقية والدينية. لا بد من الاعتراف بالتعددية السورية والعمل على صياغة دستور عصري يضمن الحقوق السياسية والمدنية، ويؤسس لحكم لا مركزي يتيح للمناطق قدرًا من الإدارة الذاتية ضمن وحدة الدولة.
إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية لتكون خاضعة لرقابة مدنية ومحاسبة قانونية تشكل مدخلًا أساسيًا لاستعادة ثقة المواطنين. كما أن إطلاق مسار عدالة انتقالية يعالج الانتهاكات السابقة ويعيد الحقوق للمتضررين سيكون عاملًا حاسمًا في تحقيق المصالحة المجتمعية.
ثانيًا، لمواجهة خطر التمدد الإسرائيلي، تحتاج سوريا إلى تعزيز تموضعها الدبلوماسي إقليميًا ودوليًا، وتفكيك الذرائع التي تُستخدم لتبرير التدخلات. يتوجب إعادة بناء الجيش السوري على أسس مهنية ووطنية، وتطوير بنية دفاعية متكاملة في الجنوب قادرة على ردع أي محاولات اختراق جديدة.
بالتوازي، من الضروري تفعيل العمل العربي والإقليمي المشترك ودعم المبادرات الإقليمية التي تمنع تحويل سوريا إلى ساحة صراع دائم. فدولة سورية جديدة، مستقرة ومتصالحة داخليًا، هي الحصن الأهم لمواجهة الأطماع الخارجية وصون سيادة البلاد.
وفي النهاية، فإن ما تقوم به إسرائيل في سوريا لا يمكن قراءته فقط من زاوية أمنها القومي، بل يجب فهمه ضمن سياق أوسع يتعلّق بإعادة توزيع النفوذ في المنطقة، ومحاولة كل طرف تثبيت موقعه في الخريطة الجديدة.
وإسرائيل، وإن كانت لا تمتلك اليد العليا في الملف السوري، إلا أنها تعمل بصمت وفاعلية على أن تكون رقمًا صعبًا لا يمكن تجاهله، مستخدمة في ذلك ما تملكه من أوراق طائفية وإستراتيجية، لفرض شروطها على الطاولة المقبلة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
المدير العام لمركز جسور للدراسات
الجزيرة
———————————
باحثان أميركيان: هل تتجه إسرائيل وتركيا نحو التصادم في سوريا؟
7/5/2025
نشرت مجلة فورين أفيرز الأميركية مقالا لاثنين من الباحثين عن طبيعة التنافس بين إسرائيل وتركيا ومحاولاتهما التأثير على النظام الجديد في سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وعمّا إذا كانتا تتجهان نحو التصادم لانتزاع النفوذ هناك.
واستهل مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن، ديفيد ماكوفسكي، والباحثة المساعدة في المعهد نفسه سيمون سعيد مهر، مقالهما المشترك بالتذكير، أن النظام الجديد في دمشق ورث بلدا دمرته الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما، وتولى الزعيم أحمد الشرع قيادة بلاده، في حين تأمل القوى الأجنبية في توجيه سياساته.
ومن تلك القوى -كما يقول الكاتبان- دولتان مجاورتان لسوريا، هما إسرائيل وتركيا، اللتان تستغلان الفراغ في السلطة لترسيخ أقدامهما هناك، وقد بدأتا فعلا في “التناطح”.
وتريد تركيا مزيدا من النفوذ في سوريا حتى تتمكن من القضاء على أي أمل للأكراد في الحكم الذاتي، بينما ترغب إسرائيل في أن يكون لها، هي الأخرى، نفوذ مماثل، طبقا للمقال.
وعلى الرغم من أن تل أبيب وقعت اتفاقية فك الاشتباك مع سوريا بوساطة أميركية في عام 1974 عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، إلا أن نظام الأسد المخلوع تحالف تحالفا وثيقا في العقود الأخيرة مع إيران، خصم إسرائيل اللدود.
تهافت إسرائيلي
ونظرا إلى هذا العداء المستمر منذ عقود، رأى القادة الإسرائيليون في الإطاحة بنظام الأسد مكسبا إستراتيجيا غير متوقع، وهم اليوم يتهافتون على الاستفادة من ذلك بإقامة منطقة عازلة ومناطق نفوذ غير رسمية في جنوب سوريا، وذلك لشعورهم بالقلق من الوجود التركي وخشيتهم من أن تشجع أنقرة النظام السوري الجديد على إيواء المسلحين المناهضين لإسرائيل، وفق تقدير ماكوفسكي وسيمون.
ولتركيا تاريخ من العداء لإسرائيل، وعلى الرغم مما ينتاب إسرائيل من مخاوف على أمنها، إلا أن الكاتبين ينصحانها، أن تبذل ما في وسعها لتجنب المواجهة العسكرية مع تركيا، وأن تحرص على ألا تضحي بعلاقتها مع أنقرة بتبني موقف عسكري متشدد في سوريا، خاصة وأن سمعتها الدولية “في الحضيض” بسبب حروبها في المنطقة، وأن آخر ما تحتاجه هو عدو جديد.
ولا تقف مخاوف إسرائيل عند هذا الحد. فالمقال يشير إلى أن أكثر ما تخاف منه تل أبيب هو أن تبرم أنقرة اتفاقا دفاعيا مع سوريا من شأنه أن يزيد نفوذها -الذي يتركز حاليا في الشمال- ليشمل بقية أنحاء البلاد.
ووفق المقال، فقد ظهرت مدرستان فكريتان متنافستان في إسرائيل عن كيفية إدارة العلاقات مع النظام السوري الجديد، حيث تضم المجموعة الأولى مسؤولين إسرائيليين ممن كانوا يعتقدون أنه على إسرائيل أن تحاول العمل مع الشرع قبل أن تعتبره عدوا.
وعلى الجانب الآخر، هناك مجموعة من المسؤولين ترى أنه من غير المرجح أن تنشأ حكومة سورية معتدلة ومركزية بقيادة إسلامية سنية، ومن ثم فإن على إسرائيل أن تهيئ نفسها للعداء بإقامة مناطق نفوذ غير رسمية.
الخوف من تكرار طوفان الأقصى
ومن وجهة نظر كاتبي المقال، فإن أحد دوافع إسرائيل من التوغل داخل سوريا وإقامة مناطق عازلة هناك، هو رغبتها في تفادي تكرار الأخطاء التي بلغت ذروتها في الهجمات المدمرة التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومما يخشاه الإسرائيليون أيضا، أن يغيّر الشرع لهجته المهادنة بعد أن تتحسن أوضاع بلاده الاقتصادية المتردية. ومع ذلك، فإن ماكوفسكي وزميلته ينصحان المسؤولين في دولة الاحتلال بضرورة أن يوازنوا بين الاعتبارات الأمنية والإستراتيجية طويلة الأمد.
ويعتبر المقال أن علاقة إسرائيل بالحكومة السورية الجديدة أمر بالغ الأهمية، ولكن الأكثر إلحاحا -في رأي ماكوفسكي وسيمون- هو علاقتها بتركيا، وذلك لأن كلا البلدين حليف للولايات المتحدة ولديهما قدرات عسكرية قوية.
صياغة نظام إقليمي جديد
وشدد الباحثان على ضرورة أن يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إثناء أردوغان عن نشر منظومات الدفاع الجوية في سوريا، وأن يساعد إسرائيل وتركيا على إيجاد السبل الكفيلة بتجنب الدخول في نزاع بينهما، وأن يتعاونا معا لمواجهة النفوذ الإيراني وتهريب الأسلحة.
ودعا الاثنان إسرائيل إلى استخدام قنواتها العسكرية والاستخبارية للتواصل مع تركيا وقنواتها الخلفية للتحدث إلى السوريين.
ويخلص ماكوفسكي وزميلته في مقالهما إلى أن النظام الجديد في سوريا لم يرسخ أقدامه بعد، وأن مواقفه السياسية تبدو مرنة حتى الآن.
ويختتمان: “على إسرائيل وتركيا أن تسعيا، بعد إضعاف عدوّهما المشترك، إيران إلى صياغة نظام إقليمي جديد يفيد الطرفين ويجنبهما التصادم”.
المصدر : فورين أفيرز
————————————–
بعد حادثة جرمانا.. شبح “مجازر الساحل” يطرق أبواب دمشق/ رامي الأمين
30 أبريل 2025
“ليس لك عندنا إلا السيف البتار،” يخاطب مسلح سوري ملثم، وفي يده سيف طويل، صاحب تسجيل صوتي منسوب لرجل درزي.
المسلح الذي بدا “داعشيا” بامتياز في مظهره وخطابه، وصف صاحب التسجيل الذي يتعرض فيه للنبي محمد، بأنه “عدو الله”.
لم يعرف إلى أي مجموعة مسلحة ينتمي الملثم الذي ظهر محاطا بمجموعة مسلحين ملثمين. لكن وكالة رويترز نقلت عن مصادر سورية أن مجموعات مسلحة سنية غاضبة هاجمت بلدة جرمانا ذات الغالبية الدرزية قرب العاصمة السورية دمشق، والنتيجة مقتل أكثر من 12 شخصاً.
وقالت وزارة الداخلية السورية في بيان إنها تعمل على “تحديد هوية مصدر الصوت” في التسجيل ودعت إلى الهدوء، وحثت المواطنين على “الالتزام بالنظام العام وعدم الانجرار إلى أي تصرفات فردية أو جماعية من شأنها الإخلال بالأمن العام أو التعدي على الأرواح والممتلكات”.
الحادثة المشحونة طائفياً أعادت إلى الأذهان المجازر التي ارتكبتها قوات سورية وجماعات موالية للرئيس السوري، أحمد الشرع، ضد مدنيين علويين في الساحل السوري في شهر مارس الماضي. وقتل فيها أكثر من 1600 شخص، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبحسب رويترز، “مثلت تلك الاشتباكات أحدث حلقة من العنف الطائفي الذي يتسبب في سقوط قتلى بسوريا، حيث تزايدت المخاوف بين الأقليات منذ أن أطاح مقاتلو المعارضة المسلحة بقيادة إسلاميين بالرئيس السابق بشار الأسد”.
ويهدد ملف الأقليات وحدة سوريا، ويطرح مخاوف من التقسيم على أساس طائفي، اذ لا تبدو الأقليات الدينية مرتاحة للنظام الجديد في الشام.
وعادت الأصوات الداعية للتقسيم لتعلو في الشمال السوري في مناطق الأكراد، على الرغم من توصل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” إلى اتفاق مع الرئيس السوري أحمد الشرع قبل أسابيع، يقضي بانضمام الميليشيا الكردية المسلحة إلى القوات النظامية السورية وتسليم المعابر والمراكز الرسمية في مناطقها لحكومة الشرع.
لكن يبدو أن هذا الاتفاق انهار بعد اجتماع عقدته الأحزاب الكردية في مدينة القامشلي نهار السبت الماضي. واعتبر مراقبون سوريون أن دفع وزارة الدفاع السورية قوات قسد إلى “سد تشرين” ربما تكون خطوة تصعيدية بعد بيان الرئاسة السورية عن إخلال قوات سوريا الديمقراطية بالاتفاق الذي وقع في شهر مارس الماضي، وأن إرسال قوات إلى السد مؤشر على بدء معركة تم تأجليها للسيطرة على السد، وهو ما يشير إلى أن الاتفاق الموقع تم إيقافه بعد بيان اجتماع الأحزاب الكردية السبت، والذي تبنت خلاله هذه الأحزاب وثيقة تدعو إلى نظام لا مركزي وحكم برلماني وضمان حقوق جميع مكونات الشعب.
هذا الأمر اعتبرته الرئاسة السورية اخلالاً بالاتفاق الموقع مع “قسد”، وأصدرت بياناً أعربت فيه عن رفضها القاطع لأي محاولات “لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”.
وأضاف بيان الرئاسة السورية، إن تحركات وتصريحات قيادة قسد تتعارض تعارضا صريحا مع مضمون الاتفاق و”تهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها”.
من جهتها، كانت الطائفة الدرزية التي تتواجد بغالبيتها في الجنوب السوري على الحدود مع هضبة الجولان، قد دخلت في نقاش الانضمام/ الانفصال عن نظام الشرع المركزي في دمشق. وقد عبّرت أطراف درزية عن رفضها الاندماج، فيما حافظت أطراف أخرى على الحوار مع الشرع، وبرزت أصوات تنادي بالانضمام إلى إسرائيل بعد ان عرضت الأخيرة تأمين الحماية للأقلية الدرزية.
وكان العضو في الكونغرس الأميركي مارلين ستوتزمان، الذي التقى مؤخّراً الرئيس السوري في دمشق، قد نقل عن الشرع أنه سيكون “منفتحاً تماماً” على التطبيع مع “إسرائيل”، وأن ما يهمه هو أن يحكم سوريا موحدة، في إشارة إلى مشاريع التقسيم أو “الفدرلة” التي تنادي بها بعض الأقليات الخائفة من الاندماج وتسليم أسلحتها للنظام الجديد.
وقد تعزز هذا الخوف أكثر بعد أحداث الساحل الدموية. ويبدو أن أحداث جرمانا تدفع بالأقليات إلى مزيد من القلق والانطواء والمطالبة بالانفصال والأمن الذاتي وعدم الاطمئنان إلى حماية الدولة لها.
ما بدا مثيراً للقلق في حادثة جرمانا هو سقوط اثنين من عناصر جهاز الأمن العام السوري في الاشتباكات، فيما أكدت وزارة الداخلية السورية في بيان وقوع “اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلحين، بعضهم من خارج المنطقة وبعضهم الآخر من داخلها. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن وقوع قتلى وجرحى، من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة”.
وتخوف ناشطون سوريون من أن تكون قوات الأمن متورطة بالحادثة، وأن تكون المجموعة المسلحة التي ظهرت في مقاطع الفيديو “تضرب بسيف أحمد الشرع”.
وقالت مصادر أمنية لوكالة رويترز إن الاشتباكات بدأت ليلا عندما تجمع مسلحون من بلدة المليحة القريبة ومناطق أخرى ذات أغلبية سنية في بلدة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية الواقعة جنوب شرقي دمشق.
ونفت وزارة الداخلية أن يكون مسلحون قد هاجموا البلدة، وقالت على لسان المتحدث باسمها إن مجموعات من المدنيين الغاضبين من التسجيل الصوتي نظمت احتجاجا تعرض لإطلاق نار من قبل مجموعات درزية.
وسط كل هذا الصخب الطائفي، أطل رامي مخلوف، ابن خال الرئيس المخلوع بشار الأسد، في منشور على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، معلناً عن تشكيل فصيل مسلح في منطقة الساحل السوري، لكنه قال، إن القوات التي حشدها “ليست غايتها الانتقام من أحد، وإنما حماية أهلنا في الإقليم الساحلي”، على حد تعبيره.
وقال مخلوف إنه عمل مع “القائد النمر” (الضابط البعثي سهيل الحسن المتهم بارتكاب مجازر) على حشد مقاتلين من النخبة، لحماية المناطق العلوية.
هكذا تجد حكومة الشرع نفسها محاصرة مجدداً بثلاث أقليات متمردة، الأكراد في الشمال الشرقي، العلويون في الساحل، والدروز في الجنوب، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل سوريا، وعما إذا كانت الأمور ذاهبة إلى مواجهات وتقسيم، أو أن للشرع خطة أخرى لإعادة الأقليات إلى “حضن الوطن”.
رامي الأمين
الحرة
———————————
ضجيج إسرائيلي في سماء سوريا لعرقلة التحولات على الأرض/ علي أسمر
2025.05.07
منذ السابع من أكتوبر، دخلت العلاقات التركية-الإسرائيلية مرحلة من التوتر المتصاعد، بدأت من ساحة الصراع في غزة وامتدت مؤخرًا إلى الأجواء السورية، حيث يتقاطع النفوذ والمصالح بشكل حساس.
هذا التوتر لا يمكن قراءته بمعزل عن المتغير الأهم في المشهد، سقوط النظام السوري، وتشكيل حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع، وسط مؤشرات على تقارب متسارع بين أنقرة ودمشق، يعيد رسم خريطة التوازنات في سوريا.
في تقديري، الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة داخل سوريا لم تكن عمليات دفاعية أو روتينية، بل رسالة مدوية تهدف إلى خلق ضجيج عالٍ لتغطية التحولات العميقة بين تركيا وسوريا، ولشد انتباه الولايات المتحدة لإعادة التفكير في موضوع الانسحاب من سوريا.
لأن هذا الانسحاب يعني ملء الفراغ الأميركي من قبل تركيا، وهذا سيقوض الحركة الإسرائيلية في سوريا، وسيفشل مشاريع إسرائيلية مثل “ممر داوود”، وهو مشروع غير معلن يهدف إلى ربط الجنوب السوري بشرقي الفرات، وإنشاء حزام نفوذ يفصل دمشق عن الحدود المباشرة مع الأردن.
وفقًا لمصادر مطلعة، كادت تحصل مواجهة جوية مباشرة بين الطائرات التركية والإسرائيلية في الأجواء السورية في الثاني من مايو الجاري، وذلك في أثناء تنفيذ الطائرات الإسرائيلية لغارات مكثفة على مواقع داخل سوريا، في حين كانت الطائرات التركية تنفذ دوريات في المجال الجوي ذاته. هذا التداخل الجوي ليس تفصيلًا عابرًا، بل مؤشر على تضارب واضح في قواعد الاشتباك.
برأيي، أنقرة لا تبحث عن صدام، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات فرض أمر واقع على حدودها الجنوبية. وتركيا، رغم تحركها ضمن المسار الدبلوماسي، قد تلجأ إلى خيارات ميدانية إذا استمر التصعيد الإسرائيلي.
لا أستبعد، إذا ما استنفدت الوسائل السياسية، أن نشهد تكرارًا لسابقة إسقاط الطائرة الروسية في عام 2015، ولكن هذه المرة بحق طائرات إسرائيلية، إذا ما واصلت تل أبيب اختراق قواعد التفاهم الجديدة في الأجواء السورية.
من جانبها، تحاول إسرائيل إعادة التموضع دبلوماسيًا، لكنها تواجه رفضًا تركيًا حازمًا، فقد نفت أنقرة، عبر تصريحات رسمية، منح طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي إذنًا بالتحليق فوق أراضيها للذهاب إلى أذربيجان. هذه الخطوات لا تُفهم إلا في سياق توتر متصاعد تجاوز التصريحات، ليصل إلى تحجيم رمزي للتحرك الإسرائيلي في المنطقة.
في تقديري، أحد أبرز العوامل التي تفسر السلوك الإسرائيلي هو الخشية من التحول التركي إلى قوة جوية دائمة في الشمال السوري، خاصة مع الحديث عن نية أنقرة إنشاء قواعد جوية جديدة في المناطق القريبة من خطوط الاشتباك. هذا التموضع الجوي، إذا ما ترافق مع عودة تركيا إلى برنامج طائرات F-35، قد يُفقد إسرائيل تفوقها العسكري والاستخباري في الجبهة الشمالية.
إسرائيل، التي لطالما استفادت من غياب سلطة مركزية فاعلة في سوريا، تجد نفسها الآن أمام واقع مختلف، حكومة سورية جديدة تسعى إلى إعادة بسط السيادة، وشريك إقليمي قوي مثل تركيا يعمل على تثبيت الاستقرار من منظور أمني وجيوسياسي مختلف عن المنطق الإسرائيلي القائم على الردع والتفوق. من هنا، تفقد إسرائيل تدريجيًا قدرتها على المناورة في سوريا، وتحاول تعويض ذلك بالصوت العالي والتكثيف العسكري.
محاولة تل أبيب تقديم نفسها كمدافع عن الأقليات في سوريا هي في رأيي، مغالطة أخلاقية لا تصمد أمام حقائق التاريخ، فالدولة التي تسببت في مآسي إنسانية لعشرات الآلاف لا يمكن أن تدّعي فجأة دور “الوصي الإنساني”، هذا الدور مرفوض من دمشق وأنقرة معًا، ويقوّض من شرعية أي مبادرة إسرائيلية تحاول أن تنفذ إلى الداخل السوري عبر خطاب الأقليات.
في ظل هذه المعطيات، أعتقد أن حدود الصبر التركي مرتبطة بحدود الواقعية الإسرائيلية. فإن قبلت تل أبيب بأن الخريطة السياسية والعسكرية في سوريا تغيّرت، فقد تجد فرصة لإعادة صياغة علاقاتها الإقليمية بشكل أكثر اتزانًا، أما إذا استمرت في التصرف كقوة فوق الواقع، فإنها تُخاطر بمواجهة إقليمية لا ترغب بها، خصوصًا أن أنقرة باتت لاعبًا يصعب تجاهله بعد التحولات السورية الأخيرة.
خلاصة القول، إسرائيل تحاول عبر التصعيد العسكري والتصريحات المتشنجة أن تعيق تشكّل واقع جديد في سوريا لا ينسجم مع طموحاتها، لكنها تفشل في قراءة التحولات العميقة، فلقد تغيرت موازين القوى، وسوريا ما بعد الأسد ليست الساحة نفسها التي اعتادت إسرائيل التعامل معها، والمشهد الجديد، في تقديري، لن يتشكّل وفق الضجيج، بل وفق التحالفات الفعلية على الأرض، وأقربها اليوم هو محور أنقرة-دمشق، المدعوم بدفعة من الواقعية السياسية والعسكرية في عهد جديد من التوازنات الإقليمية.
تلفزيون سوريا
————————–
التطبيع السوري مع إسرائيل في ميزان “تطورات دمشق” ومُستقبل الشرع!/ عمار جلّو
الأربعاء 7 مايو 2025
أفادت وكالة رويترز، اليوم الأربعاء 7 أيار/ مايو 2025، نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة، بأن الإمارات أنشأت “قناة اتصال خلفيّة” للمحادثات بين إسرائيل وسوريا، في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة السورية الجديدة إلى الحصول على مساعدة إقليميّة لإدارة علاقة عدائية متزايدة مع تل أبيب.
ووفق مصادر رويترز، ومنها مصدر أمني سوري ومسؤول استخبارات إقليمي، كلاهما مطلع على الأمر، تركّز الاتصالات غير المباشرة، التي يُكشف عنها لأول مرة، على مسائل أمنية واستخباراتية وبناء الثقة بين دولتين لا تربطهما علاقات رسمية. لكن هل يعني ذلك أن التطبيع بين سوريا وإسرائيل بات وشيكاً؟
“قد أرى يوماً يسافر فيه المسيحيون من جميع أنحاء العالم إلى القدس، ثم يسافرون إلى دمشق في رحلات سياحية. سيكون ذلك طفرةً اقتصاديةً هائلةً لكلا البلدين”، قال المشّرع الأمريكي، النائب مارلين شتوتزمان، الذي التقى وزميله النائب كوري ميلز، بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، مع عدد من المسؤولين السوريين، خلال زيارتهما إلى دمشق مؤخراً. وأضاف: “لكي تكون سوريا أكثر نجاحاً وازدهاراً، فإنّ تطبيع العلاقات مع إسرائيل سيساعد في القيام بذلك”.
وتأتي تصريحات شتوتزمان، بعد أن أبدى الشرع، خلال لقائهما، رغبةً في الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، بجانب مطالب متعلقة بوقف القصف الإسرائيلي على سوريا، والحفاظ على وحدة البلاد، والتوصل إلى تفاهم حول الوجود الإسرائيلي في المنطقة العازلة وغيرها، ما فتح نافذةً للنقاش حول إمكانية تطبيع العلاقة بين البلدين، بعد عقود من العداء والحرب الباردة، وفقاً لموقع “يورو نيوز”.
هذا تصريح “يتطلب قدراً لا بأس به من الشجاعة للإدلاء به”، قالت كارميت فالينسي، رئيسة برنامج الساحة الشمالية، وكبيرة باحثي الشأن السوري في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، إذ “يواجه الشرع بالفعل انتقادات خطيرةً بسبب عملية الاعتدال التي يمرّ بها، وهذا الانتقاد سيزداد حدّةً الآن. لكن السؤال: ما هي ‘الشروط الصحيحة’ برأيه؟ هذا ما سنحتاج إلى اكتشافه”.
بدوره، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في كلمته أمام مجلس الأمن، إنّ “سوريا لن تكون مصدر تهديد لأي دولة، بما في ذلك إسرائيل”، في تحرّك ينمّ عن إعادة رسم التحالفات الإقليمية والدولية، حسب “يورو نيوز”، نتيجة إدراك الشرع، أنّ بقاء حكومته رهنٌ برفع العقوبات الغربية، وإعادة دمج سوريا في محيطها. وعليه، فإنّ عرض الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، جزء من إستراتيجية متعددة الأوجه تهدف إلى إعادة التموضع، لا مجرد تبديل المواقف الأيديولوجية.
“الأمر معقّد للغاية”
خلال فعالية للجالية اليهودية في واشنطن، مؤخراً، أشار المبعوث الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى “إمكانية انضمام سوريا ولبنان للتطبيع مع إسرائيل، بعد الضربات القوية التي تعرضت لها القوى الموالية لإيران هناك”.
وفقاً لويتكوف، “تطبيع علاقة البلدين مع إسرائيل أصبح احتمالاً واقعياً، ما يعزز فرص بناء نظام إقليمي مستقر، إذ إنّ تنظيم علاقة كل من البلدين مع إسرائيل، قد يشكل عنصراً محورياً في إستراتيجية أوسع لتعزيز السلام في المنطقة”.
وتعقيباً على ذلك، قال المسؤول السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، جاك نيريا، إنّ إقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا تُعدّ خياراً أسهل مقارنةً بلبنان، وذلك بالنظر إلى التعقيدات الاجتماعية والهيكلية في النسيج اللبناني، مشيراً إلى إمكانية “التوصل إلى اتفاق مع الشرع بعد فترة، إذا بقي في منصبه”.
مع ذلك، يبقى الحديث عن اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل “مبكراً جداً جداً جداً”، حسب قتيبة إدلبي، وهو زميل أول ومدير برنامج سوريا في المجلس الأطلسي.
يقول إدلبي، لرصيف22: “نحن نتحدث اليوم عمّا هو قبل ذلك، إذ إنّ الإرادة الإسرائيلية ذاهبة إلى تفتيت سوريا وإضعافها، ونوعاً ما إلى الذهاب بها نحو حرب أهلية جديدة، سواء بقصد أو دون قصد، وسواء كان ذلك في حساب القيادة الإسرائيلية أو لا؟”. ويعتقد إدلبي أنّ من المبكر، ومن غير المعقول أيضاً، الحديث عن اتفاق سلام. واصفاً الأخير بـ”غير الناضج حقيقةً”، لأنّ الواقع بعيد جداً عن هذا الأمر.
نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.
ادعمونا
يتماهى معه في ذلك، الصحافي المختص بالشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، باستبعاد أي حديث عن اتفاقية سلام شاملة تنهي النزاع وترسّم الحدود بين البلدين حالياً. “قد يكون هناك نوع من التفاهمات الضمنية، عبر حثّ إقليمي، أو من قبل الولايات المتحدة، لضمان حالة من الاستقرار والهدوء والأمن، وإجراء بعض التغييرات في سوريا”، يقول منصور، لرصيف22. أما في ما يخص الحديث عن اتفاقية سلام، “فالأمر معقّد جداً”، ولا سيّما أن الموضوع لم يعد مرتبطاً بسوريا فحسب، بل بتركيا، التي أصبح لها دور ونفوذ كبيران في سوريا، مع ارتباطه بدول عربية مهمة، وبدول الجوار الإقليمي.
من جانبها، تقول شروق صبري، وهي صحافية ومترجمة وباحثة في الشؤون الإسرائيلية، إنّ سوريا بقيادة الرئيس الشرع، مستعدة لإعادة النظر في علاقتها مع إسرائيل، لكن الأمر معقّد للغاية في ظلّ الأوضاع الحالية، مشيرةً في حديثها إلى رصيف22، إلى أنّ إعلان الشرع عن انفتاحه على الاتفاقيات الإبراهيمية لا يعني أن هناك اتفاق سلام كاملاً قريباً، نظراً إلى الشروط التي تضعها إسرائيل، فضلاً عن تعقيدات الوضع الإقليمي والدولي.
كما أنّ لدى إسرائيل شكوكاً حول جدية المفاوضات مع سوريا، برغم إبداء دمشق تحولاً تدريجياً في بعض الإستراتيجيات، وهو ما قد يفتح المجال لنقاشات مستقبلية، لكنها ستكون بطيئةً ومتدرجةً حتى يتمّ بناء جدار من الثقة بين الجانبين، وهو ما يتطلب وقتاً طويلاً لفتح الباب لاتفاق تدريجي، حسب صبري.
وفي هذا السياق، وخلال مقابلة مع صحيفة “إيكونوميست” سابقاً، لم يستبعد الشرع، صراحةً، التطبيع الإقليمي، معلناً أنّ بلاده “تريد السلام مع جميع الأطراف، إلا أنّ هناك حساسيةً كبيرةً في ما يتعلق بالقضية الإسرائيلية في المنطقة”، فالحروب الثلاث الكبرى التي دارت بين إسرائيل وسوريا، وسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان منذ عام 1967، “عقّدت القضايا”.
شروط الصفقة
في ظل هذا المشهد، تجدر الإشارة إلى بعض الشروط السورية الأساسية التي تنصّ على انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي السورية، خصوصاً من المنطقة الجنوبية والمنطقة العازلة في مرتفعات الجولان، مع إنهاء الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، بالإضافة إلى التشديد على ضرورة احترام سيادتها وسلامة أراضيها، بوصفه عنصراً غير قابل للتفاوض في أي اتفاق تطبيع.
وكانت فالينسي، قد خمّنت بعد تساؤلها عن الشروط المقبولة لدى الشرع، أن تتراوح هذه الشروط من طلب سحب القوات الإسرائيلية ووقف الهجمات، صعوداً إلى مطالب أكثر إستراتيجيةً تتعلق بمستقبل مرتفعات الجولان، وانسحاب إسرائيلي، أو على الأقل إعلانها منطقةً منزوعة السلاح أو تحت سيطرة مشتركة، معتقدةً أنّ أي تقدّم في مسار التطبيع الإسرائيلي السعودي، سيسّهل الأمر على سوريا، نتيجة النظر إلى هذه الخطوة على أنها جزء من اتجاه إقليمي.
بدورها، تشير صحيفة “جيروزاليم بوست”، إلى ضرورة التأكيد على شروط خمسة أساسية للسلام، أولها، عدم الانسحاب من مرتفعات الجولان، أو مناقشة السيادة الإسرائيلية الكاملة عليها، بعد اعتراف واشنطن بها كجزء لا يتجزأ من إسرائيل. وثانيها، تقديم الضمانات الأمنية للدروز في جنوب سوريا، طالما وجدت رغبة لديها في هذه الحماية. وثالثها، تنديد السلطة السورية علناً بأيّ أيديولوجيات جهادية والتخلّي عنها، بما فيها “حماس”، إذ إنّ هذا الإعلان يسهّل تقارب البلدين.
وتضيف الصحيفة: “كذلك يجب التأكيد على ترتيبات حدودية تضمن أمن إسرائيل بشكل مُرضٍ. وقد تؤدي إلى إبعاد قوات الشرع عن الحدود، وموازنة المصالح التركية، وضمان عدم استخدام إيران للأراضي السورية مجدداً كمركز لتهريب الأسلحة إلى وكيلها في لبنان، حزب الله”. وخامسها، الإصرار على إصلاح تعليمي وإعلامي كامل، وإلزام المناهج الدراسية السورية والمنافذ الحكومية بالاعتراف بالشعب اليهودي وإسرائيل، وإزالة المصطلحات التي تنزع الشرعية عن إسرائيل، مثل “الكيان الصهيوني”، و”سلطات الاحتلال”، وسواهما.
على ذلك، لا يرى الصحافي السوري والباحث في العلاقات الدولية، فراس علاوي، إمكانيةً للذهاب حالياً إلى اتفاقية سلام كاملة، بما فيها من تبادل للسفراء أو تطبيع كامل، معتقداً خلال حديثه إلى رصيف22، بالذهاب إلى تطوير اتفاق 1974 لفضّ الاشتباك بين الجانبين، ولا سيّما في الجوانب الأمنية والعسكرية، بما فيها تموضع قوات الجانبين، وتحديد نوع الأسلحة المسموح بتواجدها في الجنوب السوري، بما يعني تجديد الاتفاقيات الأمنية الموجودة، وربما تفاهمات سياسية وإعلامية، ترعاها واشنطن أو إحدى العواصم العربية، حول استخدام بعض المفردات في الإعلام السوري.
برأي علاوي، الحكومتان الحاليتان، السورية والإسرائيلية، بحاجة إلى دعم الاستقرار، حيث يعيش رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حالة قلق ووضعاً سياسياً داخلياً صعباً جداً. كذلك تعيش الحكومة السورية واقعاً سياسياً وأمنياً قلقاً جداً. لذا، الطرفان غير قادرين على الذهاب إلى تصعيد أو حرب مفتوحة، ما يعني ذهابهما باتجاه الاستقرار، دون التطبيع الكامل حالياً، حيث الوقت غير مناسب لذلك، ولا سيما لدى دمشق. “فالمشهد السوري غير مستعد لهزّة قوية سياسياً بهذا الحجم”. وهو ما يشير إليه منصور، أيضاً، عادّاً أنّ هزّةً عنيفةً من هذا النوع ضد الحكم الجديد في سوريا، قد تفتح باباً جديداً لصراعات سياسية، لا إثنية أو مذهبية.
لكن السؤال المطروح اليوم، هل بالإمكان البدء بمسار يفضي إلى اتفاق سلام لاحقاً؟ يجيب إدلبي عن سؤاله بالإيجاب. “المسار بحدّ ذاته ممكن. ممكن من جانب دمشق، لكنه غير ممكن من قبل تل أبيب، كون نتنياهو يرى في ما يقوم به حالياً في سوريا جزءاً من نجاته السياسية. لذا، فإنّ الحديث عن مسار تطبيع العلاقات يجب أن يتضمن وقف الاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من المناطق التي احتلتها منذ 8 كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، وصولاً إلى انسحاب من الجولان المحتل مستقبلاً”.
وهنا يتباين الرأي بين منصور وإدلبي. إذ يرى الأول أنّ تل أبيب تنظر إلى اتفاق مع دمشق على أنه فرصة لإسرائيل، نتيجة اعتقادها بأنها أحدثت تغييرات في المنطقة جعلتها في وضع جيو-إستراتيجي أقوى وأفضل، وتحديداً في سوريا. فسقوط نظام الأسد وتشكيل حكم جديد في سوريا لا يسيطر على كامل الجغرافية السورية، بجانب أزمات وتحديات داخلية، منها تدمير الجيش السوري، وسيطرة إسرائيل على أراضٍ جديدة في سوريا، تمنح إسرائيل فرصةً للمقايضة.
“نسمح لكم ببناء جيش، نسمح لكم باستعادة أراضيكم، لكن ليس الجولان، ولا حتى القمم الإستراتيجية التي ستفرض عليها أنظمة مراقبة. نساعدكم في إعادة الإعمار وغيرها من القضايا، عبر فتح أبواب واشنطن أمامكم مع رفع العقوبات”. وتعتقد إسرائيل بإمكانية ابتزاز دمشق، لفرض سلام على سوريا، يحقق لها مكاسب إستراتيجيةً، دون إعادة الأراضي المحتلة. “المعادلة غير متكافئة إطلاقاً، وأي سلام سيكون عملياً نوعاً من الإملاء والابتزاز”، يضيف منصور.
تحت ظلال الانسحاب الأمريكي
قد يساعد تطبيع العلاقة بين الجانبين في إنهاء العزلة الإقليمية والدولية لدمشق، حسب صحيفة “جيروزاليم بوست”، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، وتسريع عملية إعادة الإعمار، وخلق فرصة لتحقيق انفراجة سياسية مدعومة أمريكياً. كذلك سيساعد إسرائيل في تقليل النفوذ الإيراني على طول حدودها الشمالية، مع تأمين وقف إطلاق نار دائم في مرتفعات الجولان، وفتح الوصول إلى الأسواق الإقليمية التي تشمل سوريا، مع إمكانية دمج الأخيرة في هيكل أمني واقتصادي إقليمي تدعمه واشنطن.
إلا أنّ التحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، وتحديداً محاربة الوجود الإيراني والميليشيات المدعومة من إيران، تشكل تحدياً رئيساً لمفاوضات السلام، حسب الباحثة صبري، التي تتوقع أن يكون النقاش حول الأمن الإقليمي جزءاً من أي اتفاق، ومن ضمنه التوغلات الإسرائيلية، وتحديد الخطوط الحمراء المتعلقة بالسيادة السورية.
بالإضافة إلى ذلك، وبرغم المؤشرات الإيجابية حول آفاق تحقيق السلام بين الجانبين، فإنّ هناك العديد من العقبات الكبرى، أبرزها وضع هضبة الجولان المحتلة، التي سيطرت عليها إسرائيل خلال حرب عام 1967، ويعدّها المجتمع الدولي جزءاً من الأراضي السورية المحتلة، وتصرّ سوريا على استعادتها. كما أنّ الرأي العام في سوريا والعالم العربي منقسم حول التطبيع، خصوصاً في ظل الجمود في مسألة القضية الفلسطينية.
إلى ذلك، إسرائيل مشغولة بالصراع في غزّة، والحرب في لبنان، والسيطرة على الحدود السورية، والحرائق المشتعلة داخلها، ما يجعل السلام مع سوريا غير موجود حالياً في قائمة أولويات نتنياهو، ولا حتى لدى واشنطن، الداعم الأكبر لإسرائيل، وذلك بالنظر إلى إملاء واشنطن العديد من المطالب على دمشق لرفع العقوبات عنها.
تضيف صبري: “على الرغم من عدم تعليق المسؤولين الإسرائيليين صراحةً على تصريحات الشرع، إلا أنّ تل أبيب تراقب عن كثب التطورات في دمشق، خصوصاً في ضوء تغير موازين القوى بعد سقوط نظام الأسد. وقد تفتح هذه التغيرات قناةً دبلوماسيةً جديدةً، برغم حساسيتها السياسية”.
ختاماً، ذهب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، إلى القول إنّ حقبة ما بعد نظام الأسد قد تخلق فرصاً لاستئناف المحادثات الدبلوماسية بين سوريا وإسرائيل، لكن الأمر سيعتمد على ظهور حكومة مركزية مستقرة ومعتدلة في سوريا، فيما أشار معهد “كوينسي”، بدوره، إلى رغبة واشنطن في ضمان التطبيع بين إسرائيل وسوريا، قبل سحب قواتها من الأخيرة.
رصيف 22
————————
إسرائيل تُعزّز سطوتها من بوابة الأقليّات… ماذا تريد من دروز سوريا؟/ معاذ سعد فاروق
الأربعاء 7 مايو 2025
على خلفية الأحداث المتصاعدة في سوريا منذ تولّي الإدارة الجديدة ورئيسها أحمد الشرع، قيادة البلاد، نشبت اشتباكات دامية خلال الأيام الماضية، بين مسلّحين دروز وفصائل مسلّحة موالية للإدارة، نتج عنها سقوط العديد من الضحايا في بلدتَي صحنايا وجرمانا في ريف دمشق.
ولم تنتظر إسرائيل كثيراً حتى تتدخل في الصورة، فسرعان ما شنّت هجمات عسكريةً، بدعوى “حماية الأقلية الدرزية”، على جماعات وصفتها بـ”المتطرفة”، كما قصفت محيط القصر الجمهوري في تهديد واضح للشرع، بأنّ “إسرائيل لن تسمح بالمساس بالدروز”.
أخذت هذه الحماية شكلاً “إنسانياً”، لدى إعلان إسرائيل عن قيام مروحية تابعة لسلاح الجو لديها بإيصال مساعدات إنسانية ومعدّات لأبناء الطائفة الدرزية جنوبي سوريا، وذلك بهدف “تمكين الدروز من التعامل مع التحديات الإنسانية”، بحسب وصف مصادر إسرائيلية.
كذلك، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، عن إجلاء مدنيين سوريين دروز بواسطة مروحية، لتلقّي العلاج الطبي داخل الأراضي الإسرائيلية.
لكن لا يخفى على المتابعين والمحللين، أنّ وراء هذه “الحماية” المفتعلة، التي تتزامن مع ترويج إسرائيل لزيارات دينية تقوم بها وفود من الطائفة الدرزية السورية إلى الأراضي الإسرائيلية، سياسات ومصالح توسعيةً لا تخفيها إسرائيل أبداً، ولا سيّما تلك التي تبدّت إثر سقوط نظام الأسد، وتُرجمت إلى دخول واستيلاء وفرض سيطرة على الأرض.
توسّع تحت غطاء “الحماية”
“تتلخص خطط بنيامين نتنياهو، في الأحلام التوسعية التي تأتي مدفوعةً بأحلام اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسيطر على الحكومة، مبرراً كل التحركات العدوانية الإسرائيلية خلال العامين الأخيرين، بوجود اليمين المتطرف في الحكومة وسيطرته عليها، ولا سيّما الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش”، يقول محمد الليثي، الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية.
“وانطلاقاً من هذه الأحلام، يعلن نتنياهو دعمه الكامل للدروز والدفاع عنهم. هو دعم يأتي في إطار اللعب بأوراق الأقليات من أجل تحقيق هدف جيو-سياسي”، يضيف.
يعدّ الليثي، استضافة الوفود الدرزية في إسرائيل، مغازلةً إسرائيليةً للدروز السوريين، تقف وراءها خطة أوسع تتمثل في تقسيم سوريا، عبر إشعال فتيل الفتنة بين مختلف أطياف المجتمع السوري، ويشير إلى أنّ إسرائيل استغلّت علاقة الدروز الفلسطينيين في الداخل بدروز سوريا، تمهيداً لغرض توسعي إسرائيلي.
ومن ناحية أخرى، يلفت أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، إلى أنّ عين إسرائيل موجهة صوب الجولان وجبل الشيخ، وتسكنهما الأقلية الدرزية. “هذه قمم عالية يُرى قلب دمشق منها. وتالياً، هي مناطق إستراتيجية، تستهدف إسرائيل سكانها كي تُحكم السيطرة عليها”، يقول في حديثه إلى رصيف22.
هل تطمح إسرائيل إلى دويلات طائفية في سوريا؟
وعن سؤال حول نوايا إسرائيل إثارة فتنة طائفية في سوريا، يجيب الليثي: “إسرائيل تسعى بالفعل إلى إثارة فتنة في سوريا بهدف إضعافها، ومن ثم السيطرة على جزء كبير من الأراضي وضمّها إليها، على غرار الجولان المحتل، في إطار خطة طويلة الأمد”.
يدعم هذا الطرح الدكتور أيمن الرقب، الذي يرى أنّ إسرائيل تخطط لضرب التركيبة الاجتماعية داخل سوريا، عبر العبث بها ورفع قيم الصراع بشكل واضح وصريح، مشدداً على أنّ الغرض من تحريك ملف الدروز هو إحداث فتنة والذهاب نحو تقسيم سوريا.
أما أيمن شيب الدين، المحامي المستقلّ والناشط في مجال حقوق الإنسان، وهو من السويداء، فيقول لرصيف22: “بحكم أن إسرائيل دولة احتلال، وبحكم تطبيع العرب معها، ونظراً إلى الوضع الانتقالي غير المستقر في سوريا، واستلام السلفية الجهادية السلطة، تخشى إسرائيل من اقتراب أتباعها من حدودها المفترضة. وتالياً، فهي معنية بضرب طوق أمني عازل”.
ويضيف: “لا يمكن تسمية ذلك دعماً إسرائيلياً لدروز سوريا. هذه مصالح سياسية وأمنية إسرائيلية، تستثمرها من خلال استخدام دروز سوريا”.
وتعقيباً على “التغيير” الذي تحدث عنه الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، حين قال إنّ نتنياهو أصدر تعليمات تتعلق بالأحداث في سوريا وإنّ تغييراً قريباً سيحدث، عقّب الليثي قائلاً: “يأتي هذا كرسالة في إطار الخلافات الداخلية التي تسببت في اندلاع الاشتباكات. لكن الدروز في سوريا يدركون جيداً أهمية وحدة الأراضي السورية واستقلالها”.
“دعم الدروز في سوريا هو ضريبة كلامية لدقّ الأسافين في الجسد السوري”، يقول المحامي والكاتب سعيد نفاع، مؤكداً على أنّ لإسرائيل سياسةً تهدف إلى تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية.
“هذا مخطط قديم، لكنها ترى اليوم فرصةً سانحةً لتنفيذه، ولا سيّما أنّ الفتنة خدمة كبيرة لمخطط كهذا، وقد حاولت تنفيذه إثر حرب عام 1967، وأفشله الدروز وقادتهم في سوريا ولبنان والجولان المحتل”.
رابط “وهمي” بين إسرائيل ودروز سوريا
“ليس ثمة علاقة بين دروز سوريا وإسرائيل. هذا كلام مغلوط ويجب تصحيحه”؛ يقول شيب الدين، ويردف شارحاً: “ثمة علاقة تربط دروز سوريا بالدروز الفلسطينيين فحسب. فهم عشيرة واحدة وتجمعهم هذه الروابط منذ ما قبل احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. تماماً كما يرتبط اللاجئون الفلسطينيّون بعد نكبة عام 1948، بإخوانهم وأقاربهم الذين ظلّوا في الداخل”.
وفي السياق، يقول الليثي: “أتباع الطائفة الدرزية موجودون في سوريا ولبنان وإسرائيل والأردن، والداخل الفلسطيني. صحيح أنّ من الأخيرين من يخدم في صفوف الجيش الإسرائيلي، إلا أنّ الطائفة الدرزية، على الرغم من الفصل الحدودي بين أبنائها، تسعى إلى الحفاظ على هذا الترابط المجتمعي”.
أما نفاع، فيقول إنه يمكن الحديث عن ترابط بين إسرائيل ودروز الداخل. “حدث ذلك بقوة القوانين الإسرائيلية فحسب، ولا سيّما قانون التجنيد الإجباري المفروض على شبابنا. لكن مع سائر الدروز في المنطقة، لا ترابط لا من قريب ولا من بعيد. رابطهم الحقيقي هو مع فضائهم العربي والإسلامي”، يقول.
“تسعى إسرائيل إلى تغذية هذا الرابط بينها وبين الدروز، لأنه يعزز الطائفية بشكل كبير، ولا سيما أنّ دولة إسرائيل قائمة على مجموعة من الإثنيات-الطوائف المختلفة”، يقول الرقب، لافتاً إلى أنّ إسرائيل ترى في الدروز فئةً قابلةً، بحسب مرجعيتها الدينية، إلى أن تمنح ولاءها للدولة الحاكمة، أو لإسرائيل في هذه الحالة. هذا ما تسعى هذه الدولة إلى فرضه وتثبيته.
ماذا تحمل زيارات السوريّين الدينية؟
يشير نفاع، إلى أن الزيارات الدرزية إلى سوريا، بدأت عام 2000، كمشروع تواصل. “كنت من القائمين عليها حتى توقفت عام 2010″، يضيف. أما الزيارات من سوريا إلى الداخل الفلسطيني، فكانت بهدف زيارة المقام المقدّس عند الدروز، وهو مقام النبي شعيب، حيث قبره في سهل حطّين. وبحسب نفاع، الوفود التي كانت تحضر، هي وفود من قرى احتلتها إسرائيل عام 1973 في حرب تشرين الأول/ أكتوبر؛ كقرية حضر.
يرى نفاع أنّ الغرض من زيارة وفد من الدروز السوريين إلى إسرائيل ومبيتهم فيها، سياسي محض، يخدم المؤسسة الإسرائيلية والموالين لها من دروز البلاد، ويهدف إلى ضرب النسيج الوطني السوري. “الغريب أنّ المعلومات تشير إلى أنها جرت بتنسيق مع نظام دمشق الجديد”، يضيف.
لكن شيب الدين، يرفض تضخيم زيارة الوفد الدرزي إلى إسرائيل، خاصةً أنها زيارة لمقام ديني مقدّس لدى الطائفة الدرزية، وتأتي نظراً إلى وجود رابطة دم بين دروز سوريا ودروز فلسطين قبل قيام إسرائيل بقرون.
ويستدرك: “مع العلم أنّ تلك الزيارة تمت بموافقة رسمية من السلطة السورية، إذ عبرت الوفود الحدود بشكل رسمي، وعادت بشكل رسمي، ولم تتمّ في الخفاء”.
“معارضة السلطة ليس ميلاً باتجاه إسرائيل”
“نحن مسالمون، ولا نحمل موقف عداء أيديولوجي تجاه أحد. نرى في إسرائيل دولة احتلال، وها هي ذي تحتل أراضي سورية. ونعتقد أن استعادة الأرض والحقوق الخاصة بنا وبالشعب الفلسطيني، يجب تحصيلها عبر السلام والدبلوماسية والقانون الدولي والمقاومة المدنية السلمية”، يقول شيب الدين.
ويردف: “نحن نرى جيداً كم أضرّت المقاومة الإسلامية الرّاديكاليّة بفلسطين وبالشعب الفلسطيني وقضيته، وكيف، من جهة أخرى، خذلت الدول العربية والإسلامية القضية الفلسطينية وتاجرت بها، فسارعت إلى تطبيع منفرد مع إسرائيل، دون إجراء استفتاء شعبي، ودون ضمان حقوق الفلسطينيين في استعادة أرضهم وحقوقهم”.
ويشدد شيب الدين، على أنّ “أصوات دروز سوريا هي أصوات سورية لا طائفية، تريد السلام لسوريا. موقف هذه الأصوات علنيّ فوق الطاولة، وليس كالمواقف التطبيعية تحت الطاولة، التي تحاول السلطة السورية اليوم أخذها، كما أخذتها معظم الأنظمة العربية”.
ويضيف مؤكداً: “نحن سوريون، نقف مع ما يقرره الشعب السوري أجمع، وليس مع ما تقرره السلطة مُنفردة. هذا الموضوع مصيري ولا يُستهان به”.
وعلى الرغم مما يقال بشأن قبول الدروز للتدخل الإسرائيلي في سوريا، يؤكد نفاع، على أن الغالبيّة العظمى من دروز سوريا ضد أي علاقة مع إسرائيل، موضحاً أن للدروز بحكم التاريخ والجغرافيا، وبغض النظر عن عددهم، دوراً كبيراً في سوريا واستقلالها، بدءاً بالثورة السورية الكبرى عام 1925، التي قادها باسم الشعب السوري، الدرزي سلطان باشا الأطرش.
يؤكد شيب الدين، من جانبه، على أنّ الطائفة الدرزية، التي بالكاد تُشكّل نسبة ما بين 2 أو 3% من سكان سوريا، مشهود لها تاريخياً بوطنيّتها وتمسّكها بسوريا الأمّ”، موضحاً أن معارضة دروز سوريا اليوم للسلطة القائمة ليس مردّه إلى الانفصال عن سوريا، أو الذهاب باتجاه إسرائيل، بل إبداء موقف من أجل بناء دولة وطنية ديمقراطية، تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية والعدالة وفصل السلطات ومبادئ حقوق الإنسان. “للأسف، لم تعمل السلطات الحاكمة في سوريا اليوم على أيّ من هذا. والإعلان الدستوري كان مُخيّباً للآمال، ويُؤسّس لاستبداد جديد في سوريا؛ استبداد سياسي وديني”.
يُذكر أنّ الرئيس الشرع، وقّع في آذار/ مارس الماضي، اتفاقيةً مع دروز السويداء، تنصّ على دمجهم في المؤسسات الانتقالية للبلاد، مع ضمان تشكيل قوات شرطة محلية منهم، والاعتراف بهوية المجتمع الثقافية. وعلى الرغم من أنّ الاتفاق دخل حيّز التنفيذ قبل أيام لإنهاء الاشتباكات المسلحة بين الفصائل الموالية للسلطة وأهالي المنطقة، إلا أن الأولى لاقت انتقادات لاذعةً من أطراف درزية عدة.
فقد اتهم حكمت الهجري، أحد مشايخ الطائفة الدرزية في سوريا، الحكومة بقتل شعبها بواسطة عصابات تكفيرية، مطالباً بالحماية الدولية والعون المباشر.
سلام مع إسرائيل؟
وفي ضوء الجدل حول موقف الإدارة الجديدة من التطبيع مع إسرائيل، يرى الرقب أنّ الرئيس السوري المؤقت لا يستطيع الدخول في صدام مع إسرائيل، وأنّ غرض الأخيرة، الابتزاز ودفع سوريا نحو توقيع اتفاق سلام معها على المدى القريب.
من جانبه، يلفت أنطوان شلحت، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، إلى أنّ إسرائيل تحاول أن تخوض، عبر الدروز في سوريا، صراع نفوذ مع تركيا. كما أنها تحاول إحباط جهود الرئيس السوري أحمد الشرع، من أجل توحيد سوريا تحت حكم مركزي. فإسرائيل ترى أن الشرع سيقيم نظاماً جهادياً خطيراً.
ويوضح الباحث في حديثه إلى رصيف22، أن الكثير من التحليلات الإسرائيلية تعيد التذكير بأن هذا النهج يشبه محاولات إسرائيل تبنّي الطائفة المارونية المسيحية في لبنان، ولا سيّما خلال حرب عام 1982، وقيامها بدعم الأقلية الكردية في العراق كقاعدة عمليات ضد نظام صدام حسين سابقاً وضد إيران.
ويختم شلحت قائلاً: “ما يثير التفاؤل، أنّ هناك رفضاً شبه مطلق من الدروز في سوريا لهذا المسعى الإسرائيلي المغرض، وثمة من يعدّ هذا المسعى بمنزلة تهديد خارجي يشكل خطراً على النسيج الوطني السوري”، مشدداً على أن “هذا التهديد الخارجي يهدف إلى تقسيم سوريا، وإلى تغيير خريطتها السياسية. وعليه، يجب الوقوف في وجهه والتصدي له”.
رصيف 22
———————————–
الجّهاد ( يرجى الضغط برفق على الصورة لسماع التسجيل)
لمن يود الاستماع، لن اعلق على هذا التسجيل ، سيفهمه كلّ منّا كما يشاء أو تشاء.
عنوان عريض بكلمة واحدة ( الجّهاد)
—————————-
من يسد الفراغ في سوريا.. ومن يرفع الغطاء عن أقلياتها/ ساطع نور الدين
لم يخطىء الرئيس السوري احمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني الهدف ولو لمرة واحدة. في شريط الفيديو القصير الذي أذيع بالأمس، أظهرا معاً مهارة لا بأس بها في لعبة كرة السلة، وتمكنا في تسجيل ستة أهداف متتالية، في الملعب الخاص الذي يبدو انه يتبع للمجمع الرئاسي في دمشق، والمحاط بسياج مرتفع يعزله عما حوله من إضطراب سياسي وأمني تعيشه العاصمة السورية ومعها بقية انحاء سوريا المتمردة أو على الأقل الممتنعة عن التسليم بحكم الرجلين القويين، اللذين ورثا على عجل حكم الطاغية الفار بشار الأسد قبل خمسة أشهر.
الفيديو بحد ذاته هو بلا شك دليل إطمئنان يتمتع به الرئيس الانتقالي ووزير خارجيته الأقرب والأوثق، يتحدى الاحداث السورية المؤلمة التي ليس لها صلة بالرياضة لا من قريب ولا من بعيد، والتي أوحت مرة أخرى ان طريق سوريا الى السلام والاستقرار ما زال طويلاً، وما زال بعيداً جداً عن المصالحة الوطنية الموعودة، التي انتهكتها مجازر الساحل مطلع آذار الماضي، ومواجهات جبل العرب الدرزي التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، ولو بشكل متقطع، يوحي بأن “المسألة الدرزية” في سوريا عصية على الاحتواء هذه المرة.
في البدء لا مفر من الاعتراف بأن إطمئنان الرجلين ليس مشهداً تمثيلياً مصطنعاً، بل هو واقعي جدا، سواء بالاعتماد على وقائع الأمن التي عمقت في الأسابيع القليلة الماضية الشروخ في المجتمع السوري، أكثر من أي وقت مضى، أو بالنظر الى حقائق السياسة التي أفرزتها تلك الفترة، والتي كانت كلها تصب في مصلحة الحكم الانتقالي المديد لهيئة تحرير الشام وحلفائها الإسلاميين، الذين ما زالوا يحظون برضا عربي ودولي..لا تخرقه سوى دولة إسرائيل التي توجه ضربات عسكرية متلاحقة لمشروع الدولة السورية العتيدة، بحجة حماية جبهتها الشمالية مع سوريا من أي خطر إسلامي محتمل، وبذريعة حماية الأقلية الدرزية التي تشعر هذه الأيام أنها معرضة لخطر وجودي حقيقي.
وهذا الإحساس الدرزي بالخطر ينسحب أيضا على العلويين، الذين إفتعلت مجموعات من معتوهيهم إشتباكات مع السلطات الانتقالية الإسلامية الجديدة في دمشق، أسفرت عن مجازر مروعة بحق نسائهم واطفالهم، وما زالت من دون حساب ولا عقاب، ولا حتى تحقيق جدي، في ذلك العمل الانقلابي الاخرق، الذي لم يقلده الدروز، وهم أصغر الأقليات السورية الباقية، بل إكتفوا، بمطالبة الحكام الإسلاميين الملتزمين بإحياء الشريعة، بدولة مدنية ديموقراطية، هي في معايير هيئة تحرير الشام وشركائها، دولة كفر وزندقة لا أكثر ولا اقل! وبلغ الوهم الدرزي ذروته عندما صدّق بعض الدروز أن إسرائيل يمكن ان تكون حامية لهم، وراعية لحقوقهم الوطنية، أو عندما تقدموا بمطالب سياسية خيالية، مبنية على تاريخهم الوطني وحده.
وأمام الحالتين العلوية والدرزية، وقبلهما الحالة الكردية المفتوحة هي الأخرى على المجهول، يبدو أن من حق حكام دمشق أن يشعروا بالارتياح الى أن تفويضهم الخارجي لم يتأثر حتى الآن بالمجازر التي ارتكبت بحق الاقليتين العاصيتين، ولم تعبر أي عاصمة عربية أو دولية حتى عن “قلقها” مما يجري في سوريا، أو عن عزمها على البحث بسحب التفويض الممنوح للحكم الإسلامي الانتقالي في سوريا، الذي لم يتمكن حتى الآن من تأسيس بنى انتقالية مقنعة لمختلف السوريين، ومن رسم خريطة طريق واعدة نحو المستقبل، بل فعل العكس تماما، ولم ينجح حتى في الاستجابة لمطلب إرساء العدالة الانتقالية، وهو أهم وأقدس مطالب الاجماع الوطني السوري، والذي من دونه لن يتوقف السير نحو حرب أهلية سورية طاحنة، تتخطى الحرب الاهلية اللبنانية.
الصمت المريب، العربي والتركي تحديداً، إزاء ما يجري في سوريا الآن، لا يمكن أن ينسب فقط الى مهل زمنية منحت للسلطة الإسلامية الانتقالية في دمشق، ولا يمكن أن يعزى الى سحب الغطاء عن العلويين والدروز والكرد وغيرهم.. ثمة فراغ سوري لن تسده القوة، ولن يعوضه تسجيل أهداف رياضية، تقع خارج السياسة.
——————————–
أبرز مطالب إسرائيل في ثالث جولات المحادثات مع تركيا حول سورية/ نايف زيداني
08 مايو 2025
إسرائيل تطالب بعدم نشر قوات عسكرية أو أسلحة استراتيجية قرب الحدود
“كان”: أنقرة تخطط لإنشاء سبع قواعد عسكرية في سورية
الجولة الثالثة من المباحثات تشهد تمثيلاً أعلى من سابقتيها
تستضيف أذربيجان، اليوم الخميس، جولة ثالثة من المحادثات بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، بشأن سورية، بمشاركة مندوبين بمستوى أرفع من الجولات السابقة. وستركّز المفاوضات، بوساطة الدولة المضيفة، على التوترات المتزايدة بين البلدين بسبب الدور التركي في سورية الذي يثير قلق تل بيب.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية “كان”، الخميس، أن أنقرة تخطط لإنشاء سبع قواعد عسكرية في سورية، ما يثير قلقاً في تل أبيب. وأضافت أن إحدى القنوات التركية عرضت، في الآونة الأخيرة، خريطة تُظهر المواقع المحتملة لهذه القواعد تحت عنوان: “كيف ستحمي تركيا سورية؟” واعتبرته الهيئة العبرية عنواناً مستفزاً.
وأشارت القناة 11 العبرية، التابعة لهيئة البث، مساء أمس الأربعاء، أن إسرائيل ستطرح مطلبين رئيسيين، هما عدم وجود قوة عسكرية تهدد إسرائيل بالقرب من الحدود مع سورية، وأن لا تكون هناك أسلحة استراتيجية في سورية قد تشكل تهديداً لأمن إسرائيل. كما يبحث الطرفان أيضاً قضايا تتعلق بالساحة اللبنانية والتدخل التركي في المنطقة، ولم تحقق الجولات السابقة من المحادثات التي عُقدت على مستوى أدنى، تقدماً كبيراً.
وكانت باكو استضافت في 9 إبريل/نيسان الماضي الاجتماع الأول بين تركيا وإسرائيل خُصص لإنشاء آلية لتفادي الصدام “منعاً لحصول حوادث غير مرغوب فيها بسورية”، واعتبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وقتها أنه “بينما نقوم بعمليات معينة في سورية، يتعين أن يكون هناك آلية تفادي صدام في مرحلة معينة مع إسرائيل التي تحلّق طائراتها في تلك المنطقة، تماماً كما نفعل مع الأميركيين والروس”، منتقداً سياسة إسرائيل إزاء الحكومة السورية الجديدة. وقال إن “سورية كونها دولة مستقلة إذا دخلت في اتفاق عسكري معنا فنحن مستعدون لتقديم أي دعم نستطيع لها” لافتاً إلى أن “أي حالة عدم استقرار في بلد جار لتركيا ستؤثر عليها ويتسبب لها بأذى”.
ووجهت تركيا انتقادات إلى دولة الاحتلال بسبب توغلها في الأراضي السورية وانتهاكتها اتفاقية فض الاشتباك 1974 وشنها غارات على عدة مواقع في سورية ومن ضمنها استهداف منطقة قريبة من القصر الرئاسي في دمشق في إبريل/نيسان الماضي، ومن جهتها أبدت إسرائيل عدم ارتياحها للعلاقات السورية التركية ووجهت تحذيرات إلى أنقرة من مغبة إنشاء قواعد عسكرية في سورية أو نصب أنظمة دفاع جوي.
————————————
مسؤولون سوريون عقدوا اجتماعات سرية داخل إسرائيل
الخميس 2025/05/08
كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن زيارة قام بها مسؤولون سوريون إلى إسرائيل، بهدف فتح قناة اتصال مباشرة بين دمشق وتل أبيب، وذلك بوساطة من الإمارات.
زيارة سرية
ونقلت الصحيفة العبرية عن مصادر سورية، أن “الوفد ضمّ مسؤولين من محافظة القنيطرة، إضافة إلى شخصية رفيعة في مجال الدفاع”، موضحة أنهم أجروا اجتماعات استمرت عدة أيام مع مسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية داخل إسرائيل.
ولفتت “هآرتس” إلى أن الزيارة غير مُعلنة، وجرت بسرية تامة، مشيرةً إلى أنها تزامنت مع زيارة وفد ديني من دروز سوريا إلى مقام النبي شُعيب شمالي الأراضي الفلسطينية فلسطين المحتلة.
وخلال زيارته إلى فرنسا، أمس الأربعاء، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن هناك مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، موضحاً أنها تتم عبر وسطاء وتتعلق بالتهدئة ووقف الانتهاكات، لعدم فقدان السيطرة في المنطقة، مشدداً على التزام دمشق باتفاقية فض اشتباك القوات لعام 1974.
ولفت الشرع، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى أن سوريا تتواصل مع كل الدول التي لها علاقة مع إسرائيل، من أجل وقف انتهاكاتها ضد الأراضي السورية، مضيفاً أن إسرائيل قصفت سوريا أكثر من 20 مرة الأسبوع الماضي، “وعليها التوقف عن تصرفاتها العشوائية وتدخلها في الشأن السوري”.
وساطة إماراتية
وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت أمس الأربعاء، عن مصادر مطلعة، أن الإمارات أنشأت قناة سرية لإجراء محادثات بين سوريا وإسرائيل، في الوقت الذي تسعى فيه القيادة الجديدة لسوريا للحصول على دعم إقليمي لإدارة العلاقة المتوترة مع تل أبيب.
وقال مصدر أمني سوري ومسؤول استخباراتي إقليمي، إن هذه الاتصالات غير المباشرة، التي لم يُكشف عنها من قبل، تركز على قضايا أمنية واستخباراتية وبناء الثقة بين الجانبين الذي لا يرتبطان بعلاقات دبلوماسية رسمية.
وأشار المصدر الأول إلى أن هذه الجهود، بدأت بعد أيام من زيارة الشرع إلى الإمارات، في 13 نيسان/أبريل الماضي، وتركز حالياً على “مسائل فنية”، لافتاً في الوقت نفسه، إلى أنه من غير المستبعد أن تتوسع نطاق المواضيع لاحقاً.
وأكد المصدر السوري أن القناة الإمارتية الخلفية، تقتصر على القضايا المتعلقة بالأمن، وملفات مرتبطة بمكافحة “الإرهاب”، لكنها لا تشمل الشؤون العسكرية الخالصة، خصوصاً تلك المتعلقة بأنشطة جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي السورية.
—————————–
إخلاء جماعي للطلاب الدروز من جامعات سوريا..بعد اعتداءات طائفية
الخميس 2025/05/08
غادر آلاف الطلاب الدروز الجامعات السورية في مختلف المحافظات، نتيجة الاعتداءات الطائفية والتحريض على ارتكابها، والتي أدت إلى جرح عدد منهم.
ويأتي قرار الطلاب بالمغادرة، على خلفية التسجيل المسيء للنبي محمد، وما تلاه من مواجهات مسلّحة بين مجموعات مسلّحة درزية والأمن العام المدعوم بالجيش السوري في جرمانا وأشرفية صحنايا، في ريف دمشق.
الجامعات خالية
وقالت مصادر متابعة لـ”المدن”، إن جامعات حلب ودمشق وحمص، شهدت هجرة جماعية للطلاب الدروز نحو محافظة السويداء على وجه التحديد، بعد تعرضهم لاعتداءات طائفية وهجمات من قبل طلاب آخرين من طائفة أخرى، وسط خطاب طائفية يحض على استمرار الاعتداءات ضدهم والدروز بشكل عام، ما دفعهم لاتخاذ قرار الهجرة.
وطالب طلاب جامعيون من السويداء، الحكومة السورية باتخاذ إجراءات رادعة للحد من الخطاب الطائفي المستمر ضدهم، والذي يحرض على الاعتداء عليهم. وأضافوا في حديث لـ”المدن”، أن الجامعات السورية باتت خطراً على حياتهم ومستقبلهم التعليمي، بسبب ذلك.
وأوضحوا أن آلاف الطلاب الدروز غادروا الجامعات متجهين إلى منازلهم، منذ بدء موجة الاعتداءات الطائفية عقب انتشار التسجيل المسيء للنبي محمد، مشيرين إلى أن مئات الطلاب ما زالوا يغادرون الجامعات حتى الآن.
إجلاء جماعي
في غضون ذلك، قالت شبكة “السويداء 24″، إن 308 طالب وطالبة، من اختصاصات مختلفة في جامعات محافظة حلب، عادوا إلى محافظة السويداء، أمس الأربعاء، في عملية إجلاء جماعي للجامعة، وذلك بعد حوالي 10 أيام من اندلاع أحداث عنف طائفية طالت أبناء محافظة السويداء، وكانت بدايتها من جامعتي حمص ودمشق.
وأضافت الشبكة أن الطلاب الموجودون في محافظة حلب، حاولوا العودة إلى السويداء منذ بداية أحداث العنف، خصوصاً بعد تعرض طالب من أبناء المحافظة لعملية طعن واعتداء من طلاب آخرين على خلفية طائفية بحتة. وأوضحت أن عملية عودتهم تعثرت عدة مرات بسبب الظروف الأمنية على الطرقات، حتى تم إجلاؤهم، أمس الأربعاء.
ونقلت عن أحد الطلاب قوله إن “حرمانهم من جامعاتهم، ليس له أي مبرر على الإطلاق”، وأن “الصمت الحكومي من وزارة التعليم ووزارة الداخلية إزاء هذه الأحداث، أشعرهم بخطر أكبر على حياتهم وعلى مستقبلهم”.
وبدأت شرارة العنف الطائفي من جامعة حمص، قبل 10 أيام، حين اعتدى طلاب على زملاء لهم من الطائفة الدرزية، على خلفية انتشار تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد، نفى صاحبه وكذلك الحكومة السورية صحته، ما أدى لإصابة بعضهم بجروح، قبل أن يمتد العنف والتحريض الطائفي إلى باقي الجامعات.
————————————-
وساطة إماراتية لبناء الثقة بين إسرائيل وسوريا
تبديد المخاوف الأمنية الإسرائيلية يعطي الشرع فرصة للاستقرار.
الخميس 2025/05/08
وسيط إماراتي موثوق به
دمشق – فتحت الإمارات قناة اتصال لمحادثات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، في مسعى لبناء الثقة بين البلدين ما يفضي لاحقا وبعد استيفاء شروط التفاوض إلى وقف الاستهداف العسكري الإسرائيلي المتواصل لسوريا وما يخلفه من توترات أمنية واجتماعية تعيق سعي حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع لتأمين الاستقرار.
وتتركز الخطوات الأولى من المحادثات غير المباشرة على الجانب الأمني، وهو يتعلق بالأساس بتبديد المخاوف الأمنية الإسرائيلية بشكل يعطي مصداقية لما يقوله الرئيس السوري بشأن عدم عداء حكومته لإسرائيل.
ويقول مراقبون إن التوتر القائم بين سوريا وإسرائيل يحتاج إلى وسيط يحوز ثقة الطرفين وقادر على المساعدة في إزالة الشكوك والبدء بخطوات عملية ولو متدرجة من أجل بناء الثقة، وهو ما يتوفر في الإمارات.
دمشق ترى أن علاقات الإمارات مع إسرائيل، التي بدأت باتفاق تاريخي في 2020، تشكل مضمارا أساسيا لمناقشة عدة قضايا بالنظر إلى غياب علاقات مباشرة
وتوفّر هذه الوساطة مخرجا واقعيا بالنسبة إلى الحكومة السورية، التي تريد أن تقنع الإسرائيليين بأنها لا تعاديهم، وأن تفكيرها يتجه إلى القضايا الداخلية، خاصة أن الإسرائيليين لا يصدّقون ما يقال من طمأنة في دمشق قياسا على خلفية التاريخ المتطرف لهيئة تحرير الشام التي تسيطر على الحكم في دمشق.
وفي غياب التحرك الإماراتي يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، بحيث أن تستمر إسرائيل في الانتشار بسوريا والتقدم كل مرة لتستحوذ على موقع جديد، وتحريك ورقة الأقليات كورقة ضغط إضافية على دمشق التي لا تقدر على القبول بالأمر الواقع من ناحية، ولا تقدر أن ترد الفعل خوفا من صدام غير متكافئ مع الجيش الإسرائيلي من ناحية ثانية.
وسيكون نجاح الوساطة مرهونا بمدى استعداد دمشق للتجاوب مع المخاوف الأمنية الإسرائيلية التي تتعلق بالمجموعات المتطرفة التي تم دمجها في الحكومة سواء تعلق الأمر بالمقاتلين السوريين أم الأجانب، حيث يثير وجودهم داخل القوات الحكومية مخاوف في إسرائيل وفي الإقليم ككل.
واعترف الشرع خلال زيارته إلى باريس بوجود مسار تفاوضي مع إسرائيل قائلا “نجري مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع، بحيث لا تصل الأمور إلى حد تُفقد فيه السيطرة من كلا الطرفين.”
وأضاف “إسرائيل قصفت سوريا أكثر من 20 مرة الأسبوع الماضي، وعليها التوقف عن تصرفاتها العشوائية وتدخلها في الشأن السوري.”
وأفاد مصدر مطلع ومسؤول أمني سوري ومسؤول مخابرات إقليمي بأن الاتصالات غير المباشرة، التي لم يُعلن عنها سابقا، تركز على مسائل أمنية ومخابراتية وبناء الثقة بين دولتين لا تربطهما علاقات رسمية.
ووصف المصدر الأول الجهود، التي بدأت بعد أيام من زيارة الرئيس السوري للإمارات في 13 أبريل، بأنها تركز حاليا على “مسائل فنية”، وأضاف أنه لا حدود لما قد يشمله النقاش في نهاية المطاف.
وقال المصدر الأمني السوري الكبير لرويترز إن قناة الاتصال تقتصر فقط وحصريا على القضايا الأمنية، مع التركيز على عدد من ملفات مكافحة الإرهاب. وأضاف أن المسائل العسكرية، وخاصة تلك المتعلقة بأنشطة الجيش الإسرائيلي في سوريا، خارج نطاق المناقشات حاليا.
وذكر المصدر المخابراتي أن مسؤولين أمنيين إماراتيين ومسؤولين في المخابرات السورية ومسؤولين سابقين في المخابرات الإسرائيلية شاركوا في قناة الاتصال، من بين آخرين.
وجرت جهود الوساطة قبل ضربات إسرائيلية على سوريا في الأسبوع الماضي، بما في ذلك غارة على بعد 500 متر فقط من القصر الرئاسي في دمشق.
وتوجه إسرائيل عبر تلك الغارات رسالة إلى قادة سوريا الجدد ردا على تهديدات للدروز، وهم أقلية دينية في سوريا ولبنان وإسرائيل. ووفقا لأحد المصادر ودبلوماسي إقليمي، جرت وساطة غير رسمية بين إسرائيل وسوريا بهدف تهدئة الوضع خلال الأسبوع الماضي عبر قنوات أخرى.
وندّدت السلطات السورية بالضربات الإسرائيلية ووصفتها بالتصعيد والتدخل الخارجي، وقالت إن الحكومة الجديدة في دمشق تعمل على توحيد البلاد بعد حرب دامت 14 عاما.
ويبذل القادة الجدد في سوريا جهودا لإظهار أنهم لا يشكلون أيّ تهديد لإسرائيل، إذ التقوا بممثلين عن الجالية اليهودية في دمشق وخارجها وألقت السلطات القبض على عضوين بارزين في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، والتي شاركت في هجوم السابع من أكتوبر 2023.
التوتر بين سوريا وإسرائيل يحتاج إلى وسيط يحوز ثقة الطرفين وقادر على المساعدة في إزالة الشكوك والبدء بخطوات عملية لبناء الثقة
وجاء في رسالة من وزارة الخارجية السورية إلى وزارة الخارجية الأميركية الشهر الماضي “لن نسمح لسوريا بأن تشكل مصدر تهديد لأيّ طرف بما في ذلك إسرائيل.”
وضربت إسرائيل أهدافا في سوريا على مدى سنوات في حملة ظل عسكرية سعت بها إلى إضعاف إيران وحلفائها ومنهم جماعة حزب الله اللبنانية التي زاد نفوذها بعد تدخلها في الحرب الأهلية إلى صف بشار الأسد.
وازدادت عمليات الجيش الإسرائيلي حدة منذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر وقالت إنها لن تسمح بوجود إسلامي مسلح في جنوب سوريا. وقصفت إسرائيل ما قالت إنها أهداف عسكرية في أنحاء البلاد كما دخلت قوات برية إسرائيلية إلى جنوب غرب سوريا.
وذكرت رويترز في فبراير أن إسرائيل ضغطت على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا لا مركزية ومعزولة واستندت في ذلك إلى شكوك في الشرع الذي قاد من قبل جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة قبل أن يقطع صلاته بالتنظيم في 2016.
وقالت المصادر إن حكومة الإمارات لديها أيضا مخاوف بشأن الميول الإسلامية لقادة سوريا الجدد لكن اجتماعا بين الشرع ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الشهر الماضي سار بشكل جيد جدا مما ساهم في تهدئة بعض مخاوف أبوظبي.
وأشارت المصادر إلى أن الاجتماع استمر لعدة ساعات ما تسبب في تأخر الشرع عن ارتباط بعده. وقالت المصادر إن قناة الاتصال السرية مع إسرائيل بدأت بعد أيام من ذلك.
وترى دمشق أن علاقات الإمارات مع إسرائيل، التي بدأت باتفاق تاريخي توسطت فيه الولايات المتحدة في 2020، تشكل مضمارا أساسيا لمناقشة قضايا مع إسرائيل بالنظر إلى غياب العلاقات المباشرة بين الدولتين.
العرب
——————————-
إسرائيل: شغّلنا منشأة طبية للدروز على حدود سوريا
دبي – العربية.نت
نشر في: 08 مايو ,2025
أعلن الجيش الإسرائيلي أنه باشر تشغيل ما سمّاها “منشأة ميدانية متنقلة للتصنيف الطبي للمصابين في جنوب سوريا”، في منطقة قرية الخضر.
مشايخ الدروز يتمسكون باتفاقهم مع السلطات السورية.. ويدعون لوقف النار
سوريا سوريا مشايخ الدروز يتمسكون باتفاقهم مع السلطات السورية.. ويدعون لوقف النار
“منشأة طبية”
وأضاف المتحدث باسمه أفخاي أدرعي، عبر منصة إكس اليوم الخميس، أن هذه المنشأة تُعدّ جزءًا مما سماها “جهوداً متعدّدة ينفّذها الجيش بهدف دعم السكان السوريين من أبناء الطائفة الدرزية، والحفاظ على أمنهم”، وفق زعمه.
كما تابع أن الجيش يواصل متابعة التطورات، وهو في حالة جاهزية للدفاع والتعامل مع مختلف السيناريوهات، بحسب قوله. وأرفق كلامه بمقطع فيديو لما يبدو أنه عناصر من الجيش الإسرائيلي على الحدود مع سوريا يتفقدون تلك المنشأة والحدود.
أتى ذلك بعد أسبوع من إعلانه (30 أبريل الماضي)، إجلاء ثلاثة سوريين دروز أصيبوا في سوريا ضمن اشتباكات لتلقي العلاج. ولم يكشف حينها مزيداً من التفاصيل، إلا أن بيانه جاء بعدما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهاجمة مجموعة مسلحة قرب دمشق. وأوضح الجيش يومها أن “رئيس هيئة الأركان إيال زامير أمره بالاستعداد لضرب أهداف تابعة للحكومة السورية إذا استمرت أعمال العنف ضد الدروز”.
كما قال إن زامير “أمر القوات الإسرائيلية بالاستعداد لشن ضربات ضد أهداف تابعة للحكومة السورية في حال استمر العنف ضد المجتمعات الدرزية”. وأكد أنه مستعد للتعامل مع كل الاحتمالات في سوريا.
استنكار واسع
كما جاء على وقع اشتباكات اندلعت في مناطق درزية من سوريا (جرمانا وصحنايا بريف دمشق) ومناطق من السويداء جنوباً انتهت باتفاق مع الأمن العام.
وهذا ليس التدخل الأول لإسرائيل، إذ سبق أن سهلت زيارات دينية لمشايخ دروز سوريين إلى أراضيها في الفترة الأخيرة، وهددت بالتدخل لحماية الدروز السوريين إثر مواجهات محدودة شهدتها منطقة جرمانا مطلع مارس الماضي أيضا.
لكن تلك الدعوات الإسرائيلية أثارت حينها ردود فعل مستنكرة من قبل عدد من الزعامات الدرزية.
———————————-
لماذا يميل أردوغان إلى الدبلوماسية مع إسرائيل؟/ محمود علوش
2025.05.08
تراجعت جزئياً المخاطر المحيطة بالتعارض الصارخ في مصالح تركيا وإسرائيل في سوريا بعدما عقد البلدان أول اجتماع بينهما على المستوى الأمني والاستخباري في أذربيجان من أجل التوصل إلى آلية لخفض التصعيد وتجنب وقوع اشتباك غير مرغوب فيه.
إن العوامل التي تضغط على البلدين لتجنب الاحتكاك العسكري المباشر في سوريا كثيرة. فمن جانب، يجلب مثل هذا الاحتكاك تكاليف باهظة على الطرفين ولا يبدو أي منهما مُستعداً لتحمّلها. ومن جانب آخر، وضع توبيخ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماعهما في البيت الأبيض في 5 أبريل الماضي خطوطاً حمراء أمام الاندفاعة الإسرائيلية.
مع ذلك، تبدو إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان للتحدي الإسرائيلي، والتي تتسم بكثير من الهدوء والدبلوماسية، أحد العوامل الحاسمة في تفضيل إدارة المواجهة على الانجرار إلى فخ نتنياهو في اللعب على حافة الهاوية. تُدير أنقرة عملية تشكيل علاقتها بسوريا الجديدة من منظور واقعي. فهي من جانب تظهر تصميماً على الانخراط القوي في دعمها لأنه ضمانة لتعظيم فرص نجاحها ولتقويض المشاريع التي تسعى لإفشالها. ومن جانب آخر، تدرك الحاجة إلى مساعدة الرئيس أحمد الشرع في الحد من ضغوط الجغرافيا السياسية عليه لا مضاعفتها. وفي المحصلة، يُساعد هذا المنظور في بناء هادئ ومنخفض التكاليف لشراكة استراتيجية ذات قيمة لتركيا وسوريا. لقد أكد أردوغان مؤخراً على ثلاث لاءات تركية في سوريا. لا زعزعة لاستقرارها، ولا سماح بإنشاء ممر إرهابي في شمالها (كيان انفصالي)، ولا سماح بتقسيمها عبر ممرات أخرى. هذه اللاءات هي لاءات سورية أيضاً وعربية كذلك، وتنسجم مع حقيقة وجود سوريا على أحد أخطر خطوط الصدع في الجغرافيا السياسية الإقليمية.
هناك أربعة أسباب تُفسر النهج التركي في مقاربة التحدي الإسرائيلي:
– أولاً، وضع التحول السوري تركيا وإسرائيل وجهاً لوجه للمرة الأولى وأي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى وضع مُرتفع المخاطر على تركيا ومصالحها في سوريا.
– ثانياً، يُحرك هدف الاستقرار (استقرار سوريا الذي يؤدي إلى استقرار المصالح التركية) سياسة أنقرة على عكس إسرائيل التي يُحرك سياساتها هدف منع الاستقرار (منع استقرار الحكم الجديد يمنع استقرار المصالح التركية). وبالتالي، فإن تركيا تنظر إلى إبعاد المخاطر المرتفعة للتحدي الإسرائيلي عن سوريا على أنه بوابة رئيسية لتحصين تحوّلها أيضاً وتعزيز حضورها في سوريا ثانياً.
– ثالثاً، حسابات أردوغان مع ترامب. فقد استطاعت أنقرة بالإدارة الهادئة للموقف استمالة ترامب إلى جانبها من خلال الإقرار بدورها المُهيمن في سوريا الجديدة والطلب من نتنياهو أن يكون عقلانياً. كما تسعى لتحصين تفاهمها مع الأميركيين بخصوص معالجة مُعضلة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال.
لقد أصبحت أولويات ترامب في سوريا واضحة إلى حد بعيد وهي تتمثل من جانب في توفير ظروف مناسبة لقرار سحب القوات من سوريا دون قلق من الفراغات المُحتملة. ويبدو ترامب جادا في تحقيق الانسحاب. وإذا استقر هذا التوجه فهو انتكاسة لنتنياهو الذي صعد مع تركيا لإرباك الاتجاه. ومن جانب آخر، يُراهن ترامب على تركيا لمنع ظهور تحديات أمنية وجيوسياسية تُهدد المصالح الأميركية في سوريا وفي المنطقة انطلاقاً من سوريا.
علاوة على ذلك، رسم ترامب خطوطا حمراء أمام نتنياهو عندما تُهدد اندفاعته بإشعال صراع مع حليف آخر هو تركيا.
تتجاوز أهمية التواصل التركي الإسرائيلي بشأن سوريا هدف إدارة المخاطر الفورية وسيفرض على إسرائيل الالتزام بقواعد واضحة لتحركاتها. وهذا يعني بالضرورة تغييراً (قد يكون جزئياً وليس كلياً بالضرورة) في الاستراتيجية الإسرائيلية على المدى المنظور إن كان من حيث إعادة تشكيل الأهداف عبر التخلي عن الأهداف التي ترفع المخاطر مع تركيا والتركيز على الأخرى التي تقلل المخاطر أو من حيث الأدوات المُستخدمة فيها والتركيز على مزيج من الدبلوماسية المُتعددة الأطراف والقوة.
تُعقد الاندفاعة الإسرائيلية في سوريا إدارة تركيا للموقف وهي مُصممة في أحد أهدافها لهذا الغرض. فمن جانب، تُساعد الإدارة الهادئة للموقف أنقرة في تجنب اندفاعة مماثلة لا تضمن منع احتكاك عسكري. ومن جانب آخر، من غير المرجح أن يردع هذا النهج إسرائيل عن مواصلة اندفاعتها. مع ذلك، يبقى رهان تركيا على التعامل الهادئ مع لعب نتنياهو على حافة الهاوية الخيار الأكثر واقعية والأقل كلفة، كونه يبعدها عن هذه الحافة ويترك مجالاً للدبلوماسية لاحتواء التصعيد وحماية سوريا من مخاطره. إن تصوير التعارض الصارخ بين تركيا وإسرائيل في سوريا على أنه تنافس بعيد عن الواقع ويتجاهل حقائق كثيرة. هو صدام جيوسياسي حتمي أسست له تحوّلات مُتراكمة في نظرة كل من تركيا (أردوغان) وإسرائيل (نتنياهو) لدورهما في الشرق الأوسط وفراغ الانكفاء الإيراني بعد 7 أكتوبر وأخرجه للعلن التحول السوري. سوريا بهويتها وواقعها الجديد لا يُمكن أن تكون ساحة تنافس بين البلدين لأن هويتها وواقعها الجديد ينسجمان مع تركيا بقدر يُمكن النقاش بشأنه، وليس مع إسرائيل قطعاً.
تلفزيون سوريا
——————————————–
سؤال الطائفية وجوابه.. الطوائف في لحظة التفكيك والتركيب/ عبد الله مكسور
2025.05.08
في لحظات الانهيار الكبرى، تنبعث الأسئلة الأكثر حساسية من تحت ركام الدولة والمجتمع. وسؤال الطائفية في سوريا ليس عودة إلى جذور ضاربة في القدم بقدر ما هو سؤال مُلح في لحظة انفجارٍ في حاضر مفكك، باتت فيه “الطائفة” بقدر ما هي مرآة لهوية داخلية ضيقة فهي بشكل أو بآخر “مأوى الخوف”، لا تعبيراً عن الذات بل عن هشاشتها. والحالات التي نشهدها منذ سقوط نظام الأسد ليس طائفية كَمَنت طويلاً ثم ظهرت، وهي بطبيعة الحال لم تنمُ خلال الأيام الأولى للتحرير. بل طائفية بُنيت وصيغت “سواء من بيئات اجتماعية أو أدوات سياسية أو أجندات استعمارية” كأداة حديثة لإدارة الفقد: فقد الدولة، وفقد المعنى، وفقد الضمان. وبالتالي يغدو سؤال الطائفية ليس بوصفه مجرد انقسام ديني أو مذهبي، بل بوصفه بنية مصطنعة في مجموعة من الذهنيات لإعادة تشكيل الجماعة ذاتها تحت ضغط ما تعرِّفه تحت عنوان العنف والفقد، وكسياق يُعاد توظيفه خارج الحدود في إطار إقليمي ودولي بات يتعامل مع الكيانات الهشة كفرص استراتيجية واستثمارية لا كمشاريع إنقاذ.
إعادة إنتاج في لحظة الفقد
في سوريا ما بعد 8 ديسمبر 2024، لا يمكن فهم الطائفية بوصفها ارتداداً إلى “أصل”، ولا كتعبير عن هويةٍ مكبوتة ظهرت بمجرد انهيار نظام الأسد. إنها، بالأحرى، شكل من أشكال السعي لإعادة بناء الجماعة السياسية في غياب الدولة الجامعة، في لحظة انكشاف كامل، حيث يتقاطع الفقد الفردي مع الفقد العام، وحيث تُعاد صياغة “الطائفة” كضمانة حد أدنى للنجاة. وبهذا المنطق تحولت مناطق مثل جرمانا وصحنايا وأشرفيتها، حتى الساحل إلى مختبرات لإنتاج الطائفة خلال الأشهر الأولى من الانهيار كـ”خيال اجتماعي” وفق التعبيرات التي تنتهجها الفلسفة السياسية، ليُعاد تعريف الانتماء لا على أسس دينية أو مذهبية، بل بوصفه أداة للبقاء والدفاع في ذات الوقت. بمعنى الصورة المتخيلة للجماعة التي تمنح الفرد شعوراً بالأمان في فضاء متصدع. وبهذا صار الانتماء الطائفي أشبه بعقد أمان غير مكتوب، لا يحتاج إلى تديّن أو التزام شعائري، بل إلى اشتراك في شبكة الحماية: الحي، الكنيسة، الجامع، القائد المحلي، الحاجز، القافلة، المخزن، وكل ما قد يشكل مظلة جزئية وسط الغياب التام للسلطة المركزية أو ضعفها وعدم قدرتها على الاحتواء.
في تلك اللحظات، يصبح الانتماء الطائفي ليس تعبيراً عن عقيدة بل عن موقع في شبكة الحماية، كما لو أن سؤال “من أنت؟” يُجاب عليه بسؤال مخفي تحته: “من يحميك؟”. وهذا النوع من الطائفية لا يحمل صفة القداسة التي تخترق جماعة ما بشكل عمودي، نمت معها وكبرت في كل خطواتها التاريخية، إنها بشكل واضح أفقية أتت من عمق الانهيار وواكبته، وهي في جوهرها تعبير عن انهيار الفضاء العمومي لا عن صراع داخلي أصيل. لذلك يكون الذين ينظرون إلى تلك الدوائر من خارجها – على اختلاف طوائفهم- في حالة وفاق ولو بالحد الأدنى على الثوابت التي يختلف عليها من هم في داخل المواجهة الأفقية.
الطائفية كإعادة إنتاج للهوية في لحظة الفقد الوطني ليست مجرد ظاهرة اجتماعية يمكن فهمها بمعزل عن سياق الانهيار العام للدولة والهوية الوطنية، بل هي استجابة معقدة، بل وحتى مُركّبة، لانكشاف العُري الوجودي الذي يعيشه الأفراد حين تنهار البنى الجامعة التي كانت – ولو قسراً – تؤمّن الحد الأدنى من التعايش بين المكونات المختلفة. في سوريا ما بعد 8 ديسمبر 2024، ومع سقوط نظام الأسد، لم تعد الطائفية مجرد خطاب للسلطة أو أداة في يد النظام، بل تحولت إلى آلية دفاعية للنجاة، وجهاز إنتاج يومي للهوية الضيقة “الحصن” في مواجهة المجهول، حيث بات الفراغ السياسي يصنع المعنى بدل أن يحتويه أو يديره بالحد الأدنى.
وفي هذا السياق، ليست الطائفية في سوريا اليوم ارتداداً إلى “أصل” سحيق دفنته الدولة الحديثة، كما أنها – في تقديري- ليست تفجّراً تلقائياً لهوياتٍ دينية دفينة خرجت إلى السطح بمجرد انهيار الدولة. بل هي، في الحقيقة، تعبير عن لحظة اضطراب هائل، يُعاد فيها إنتاج الهوية الجماعية بوصفها وسيلة حماية لا بوصفها نظام معتقد. فالناس لا يعودون إلى الطائفة حبّاً بها، بل خوفاً من اللاشيء، من غياب القانون، من التفكك، من أن يصبحوا أهدافاً بلا مرجعية في فضاء أمني منفلت.
وهنا تُستعاد مقارنات تاريخية من تجارب بلدان أخرى –من منطقتنا وخارجها- واجهت انهيار الدولة وفقدان المعنى الجامع. في لبنان بعد الحرب الأهلية، أعيد إنتاج الطائفة كهوية ناجية، وليس فقط كهُوية قاتلة. حين فُقد الأمان العام، باتت كل طائفة تُنتج سرديتها وتبني اقتصادها، وتنشئ جيشها الصغير وإعلامها ومؤسساتها. وباتت تساؤلات الناس لا تبدأ بـ”ما هو الوطن؟” بل بـ”أين أعيش؟ من يحكم هنا؟ ومن يحميني؟”. وبالمثل، في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، تحولت الطوائف إلى وحدات سياسية/أمنية ذات سيادة فعلية، رغم أن الدولة الشكلية ما زالت قائمة. لكن الطائفة صارت عنواناً لإمكانية الحياة لا لمكانة روحية أو عقيدية.
في كل تلك السياقات، يظهر أن الطائفية ليست متجذرة في “التراث الضمني والعقلي بشكل واسع في سوريا”، بل هي صناعة حديثة، تنشأ حين تفشل الدولة الحديثة في أن تكون محايدة وضامنة للجميع. حيث لا يعود الإنسان مواطناً في دولة، بل عضواً في طائفة، لأن الطائفة – ولو جزئياً – تُعطيه مكاناً يمكن أن يموت فيه كإنسان ذي قيمة، لا كضحية بلا اسم.
وفي البوسنة بعد تفكك يوغوسلافيا، لم تكن الطائفة “الصرب، البوشناق، الكروات” مجرد هوية دينية أو قومية، بل تحولت في لحظة الانهيار إلى “بطاقة حياة”. لم يعد السؤال: من أنت؟ بل: إلى أي حاجر تنتمي؟ من يضمن أن تمرّ؟ كانت المساجد والكنائس تتحول إلى نقاط تجمع لا للصلاة، بل للنجاة أو للموت الجماعي في عباءة الطائفة. وفي ظل غياب الدولة، أعادت كل جماعة تعريف نفسها بوصفها دولة مصغّرة، لها حماة، وموتى، وقائمة خوف والأهم أساليب دفاعية وسياسية.
الطائفية أداة سلطة في الفراغ
إن سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، لم يكن فقط انهياراً لحكم سلطوي تقليدي، بل كان انهياراً لبنية السيطرة التي كانت تضبط المجال العام السوري لعقود. لم تكن الدولة، حتى في سنواتها الأخيرة، قادرة على منح العدالة أو الكرامة أوالخدمات بمعناها العام، لكنها احتفظت بحد أدنى من التماسك المؤسسي على بيروقراطيته. ذلك التماسك كان يوزع الخوف بالتساوي، ويحكم الناس بمزيج من القمع والتعويم، ويمنح الأفراد شعوراً – ولو زائفاً– بأن هناك “مرجعية عليا” تملك القرار. بعد سقوط النظام، سقط هذا الوهم. ومعه انهار العقد السياسي السوري القديم فلم يعد هناك مركز. وتحوّل الفراغ السياسي إلى ساحة لتصارع الجماعات من دون أفق واضح. في هذا الفراغ، برزت الطائفية لا بوصفها عقيدة دينية، بل كأداة لإعادة ترتيب السلطة والهيمنة والنجاة. من يسيطر على الحاجز؟، من يملك السلاح؟، من يوزع المساعدات؟، من يفاوض الخارج؟ لم تعد الإجابة مرتبطة بالدولة أو بممثلين منتخبين أو حتى زعامات تقليدية، بل باتت مشروطة بمنظومة فرعية – وموازية في بعض الأحيان – تعتمد على الطائفة كمصدر شرعية وحيد. الطائفية هنا ليست سردية قديمة أُعيد إحياؤها، بل هي نظام تشغيل سياسي جديد، يفرز الناس وفقاً لاصطفافاتهم، لا بالضرورة الدينية، بل الأمنية والمصلحية.
في الساحل السوري، الذي كان يُروّج له طويلاً كمجال “علوي”، ظهر التصدع بوضوح. انقسم العلويون بين خطوط الموالاة، وشبكات جديدة من أمراء الحرب، وأذرع أمنية منشقة، وأبناء الضباط الذين راكموا الثروة والسلطة خلال الحرب. لم يعد هناك رابط عصبوي موحّد. حتى داخل الجماعة الواحدة، برزت انقسامات طبقية وشبكية عميقة: من يملك السلاح؟ من يملك المفاتيح والصلات بالخارج رغم هروب كثير منهم إلى خارج الحدود السورية؟. وفي السويداء، انقسم الدروز إلى جماعات سياسية أومسلحة متنافسة، لا توحّدها الطائفة بل يفرّقها نوعية التحالفات. فالطائفة في الحالتين لم تعد مرآة لجماعة، بل أداة تَصنيف ضمن اقتصاد سياسي جديد يبحث عن النفوذ لا عن المعنى. والطائفي، في هذه المرحلة، وفقاً للفهم السابق، هو من يملك القدرة على الحماية لا الحقيقة. وبالتالي أصبحت الهوية المذهبية في كثير من الحالات نظام مرور اجتماعي يُحدد من ينجو ومن يُقصى، ومن يُمنح الشرعية ومن يُحرم منها. إنها لحظة يأس سياسي، تُستعاض فيها القوى المتحكمة على الجغرافية بالطائفة بوصفها “آخر الملاذات”.
يمكن مقارنة هذه الحالة بما جرى في العراق بعد سقوط نظام البعث العراقي عام 2003، حيث فُتح المجال السياسي بفراغٍ لا توازن فيه، وتحولت الطوائف إلى منصات للصراع على التمثيل والمغانم. نشأت حينها ما يُعرف بـ”الطائفية السياسية” التي توزع المناصب على أساس الانتماء المذهبي، لا الكفاءة أو المشروع الوطني. لكن الأخطر أن هذا التوزيع صار يفرض نفسه على المجتمع بكامله: من الحي الذي يعيش فيه المواطن العراقي إلى المدرسة التي يذهب إليها، إلى الوظيفة التي قد تُعرض عليه. الطائفة لم تعد خياراً، بل قدراً مفروضاً. وفي نموذج آخر أكثر دموية نراه في لبنان بعد الحرب الأهلية، حيث تحوّلت الطائفة إلى وسيط بين المواطن والدولة، فأُعيد تعريف المواطنة من خلال الطائفة، وصار الزعيم الطائفي هو الذي يوزع الحقوق ويحدد الواجبات وليس القانون. وهي نفس المعادلة التي تظهر اليوم في سوريا: الطائفة كـ”مزوّد خدمات” لا كإطار روحي، وكـ”حامٍ” بدل الدولة، وكـ”مرجع” بدل الدستور.
ما بعد الطائفية أم في ذروتها؟
تبعاً للمثالين السابقين فإن الطائفية ما بعد الديكتاتورية في سوريا، ليست عودة إلى الماضي، بل اختراع جديد لمستقبل هش، حيث تتشكل السلطات من بقايا العنف، ويُعاد بناء المجتمع على أسس لا تشبه ما كان عليه، بل على ما يمكن أن يضمن النجاة في حاضره القاسي. وهنا يأتي دور الدولة القوية التي تحمل واجب جمع الجميع واحتوائهم وضمان أمنهم، والأهم تجاوز المظلومية التاريخية إلى فضاء أكثر فهماً لمعنى كيف تقوم وتُبنى الدول.
الطائفية التي لم تكن يعترف بها النظام والمجتمع علنا في سوريا ما قبل سقوط نظام الأسد كانت عقلية سياسية تقوم على المصلحية في بنية النظام السياسي، دخلت القيمة الاجتماعية إليها بشكل معياري مرتبط بما تقدمه الجماعة للدولة ضمن شبكة المصالح الواسعة لسلطة الدولة، عكس العراق ولبنان، فالنظام البعثي في سوريا أسّس لفكرة “الدولة ما فوق الطوائف”، لكنه في الواقع أعاد إنتاجها تحت سطح الخطاب الرسمي، حيث باتت الطائفة مؤسسة غير مُعلنة للسلطة، وليست مجرد انتماء اجتماعي. هذا الكبت الطويل أنتج في لحظة الانهيار المدوي طائفية “مكبوتة”، خرجت بلا ضوابط، وبلا خطاب، وبلا مشروع. وهنا تصبح الطائفة لا مجرد ملاذ، بل سلاح في صراع على البقاء السياسي. إنها ليست عودة إلى ما قبل الدولة، بل قفزة إلى ما بعد الدولة، حيث يُعاد بناء السلطة على أسس مذهبية معلنة هذه المرة. يمكن لمس هذا الاتجاه بشكل واضح في خطوات السلطة الجديدة بمرحلة ما بعد السقوط المباشر عند الحديث عن اللون الواحد المنسجم المتفاهم في إدارة الملفات.
وهذا يقود إلى طرح فكرة إمكانية أن تكون سوريا الجديدة مختبرًا لنموذج جديد: يرفع شعار “ما بعد الطائفية”. لكن هذا يتطلب من السلطة التجريب بعيداً عن منطق اللون الواحد أو ما ينسجم معه، وإعادة بناء مفاصل الدولة ومؤسساتها على قواعد لا مذهبية، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود فواعل داخلية وخارجية عابرة، والأهم أنها تستثمر في استمرار الانقسام. ولتأصيل ما سبق وتأطيره يمكن الرجوع لقراءة كتاب “الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة” الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للدكتور عزمي بشارة.
سؤال التاريخ والمستقبل
سؤال الطائفية في سوريا اليوم ليس سؤالاً عن التاريخ، بل عن المستقبل. عن قدرة مجتمعٍ ممزق على استعادة الدولة، لا بوصفها سلطة فقط، بل بوصفها فضاءً مشتركًا. الطوائف المتخيلة في العقول والواقع، والتي وُلدت من لحظة الانكشاف، لن تختفي بنهاية العنف، بل بافتتاح عهد جديد من التعاقد السياسي، يقوم على أرضية الثقة المتبادلة، ويعيد للمواطنة معناها، وللعدالة مركزيتها، وللهوية مرونتها. الطائفية ليست قدراً، لكنها قد تصبح كذلك إذا أُدير الانهيار بأدوات القسمة لا بأدوات الرؤية والتخطيط لمنع وقوعه.
سوريا، في لحظة ما بعد ديسمبر 2024، ليست فقط في امتحان إعادة البناء المادي، بل في امتحان إعادة تخيّل الذات الجمعية. فإما أن تكون الدولة مشروعًا جامعًا لما بعد الطوائف، أو أن تبقى الطوائف مشاريع مضادة للدولة تهدد وجودها في كل لحظة.
تلفزيون سوريا
———————————
=======================